 | رسالة الولهان لفراق الخلان : ( 4 )     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
الفصل الثالث تسليم بالقضاء أتدرون ما الشيء الجميل الذي وجدته هنا?? إنه الإخلاص ،فكل شخص يؤدي مهمته هنا بإخلاص، بتفان وثبات والتزام وحتى الزمان..لم ينس أن يمر ولم يسه عن مهامه، ولم يقصر فقد مر وأخذ معه ما أخذ وجلب ما جلب ثم انتهى إلى أمد غير معلوم، فهذا الوقت وهذه الثواني مرّت وستمر وسوف تمر كل حين ،غير أنها لن تعود ، وأخاف أن تأخذ معها كل ما أحب ومن أحب وكل ما عشت وما سأعيش.. فلولا أني لا أملك عليه نفوذا وحتى إن ملكته فإني لا أستطيع التوقف الآن،لظللت ولبقيت في حضنكم الدافئ، وفي رحابكم الواسع إلا أنه سيفوت الأوان، فإن لم ترغمني الحياة فسترغمني الآمال والطموحات الكبيرة، وإن لم تجبرني على الرحيل فلا أظن أن يدها قصيرة، ولكم عبثت بنا أيدي الزمان، وأذاقتنا المرارة والأحزان ،وعذبتنا وسلبت منا الجمان إلا أنها هذه المرة لن تسلب شيئا لأني بالرغم من أني سأرحل وسأكون في مكان غير هذا في المستقبل، إلا أني سأبقى ما بقي ذاك العلم مرفرفا وتلك النفوس طيبة وتلك الحمامات زائرة ولاثمة الأجواء، وما دام هنالك شخص في أيام الصقيع، يتفحص السماء، ليرى القمر معلقا في الفضاء، وليرى المسجد لا يزال مشعا بالضياء وسط ظلمة وزمهرير وليلامس ما لمسته من حرير فنعمت في كنفه زمنا ليس باليسير. فلقد علمت الآن ماهية أن يكون للمرء مكان ينتمي إليه، وجو ألفه وسيحن إليه، وأهم من هذا كله أناسا علموه أن يحيى وأن يكون جزءا من كون ظنّه جفاه بينما حنا عليه وأعطاه ما فاق الجوزاء بعلاه. ولقد شهدت كما لم اشهد يومًا ألمًا لا يزال يشتد للفراق، وعذابا كان في الآن ذاته حلاوة اللحظات التي عشتها معكم وأتمنى أني لا خيبت ظنّكم ولا خذلتكم . وإني لأحس الآن من عمري كم تمضي ثواني وحتى الأجزاء، تمر علي فتطرق بابي ولا تودعني بل ترميني بسهم وتأخذ نفسا وتمر ببابي وأخرى، تمضي حتى تحين ساعة الفراق، وأحسها في كل مرة وهي تفارق أعماقي بعد أن اختزنتها فلا تستقر ولا تستمر إلا في ذهاب إلى مكان بعيد، وحتى و أنا أكتب لا تزال تودعني بوقع خفيف كدبيب النمل تفارقني وكانت كل يوم في فراق إلا أنها في هذه المرة لن تأخذ روحي ولا قطعة منها وإنما ستأخذ ما هو ثمين وليس يعود، ستمر وتعصف بي وبكوني وتسرق مني من كان بعوني، ولكنها هي الحياة، ولولا أن أمامي، تنادين طموحاتي وأحلامي، وبصوت هامس تقول أيامي، أن لا جدوى من البقاء فقد حان موعد الرحيل لبقيت، إلا أني لسبب ليس يخفى أحس أن الوداع كل يوم يثقل، لكني الآن سلمت به فلن يغفل ويتركني هنا، إلا أني الآن على يقين وفخر أني عشت سنين في حضن دافئ وفي فضاء واسع وأنا الآن سأمضي قدما، لأحقق حلما لن ينسيني يوما إلى أين انتميت وأين ترعرعت وحييت وعرفت معنى أن أكون وسط من أحب . فلأني الآن راضية مسلمة أمري لله، مفوضة إليه كل ما أجد فهذا لن يمنعني من قول كلمة أخيرة، كلمة عرفان صغيرة، لشخصيات كبيرة جعلت المكان يبدو أكبر مما هو عليه ، فكوني سأغادر لا يعني أني سأرحل لأني سأعود وسأحيي دائما في تلك الكتب دفينة الصفحات، وسجينة العبارات لأني سأكون من بين تلك الكلمات التي خُطت أيامي بها، ورغم أني سأكون في غير هذا المكان، إلا أني سأكون دوما مع كل عطاء وكل ثناء، وسأكون بين أيديكم متى لقيتم الجفاء، لأني أدين لكل من علمني حرفا وزرع في شعورا وقدم لي قيمة يقوم عليها الوجود، فبكل احترامٍ وكل انكساٍر سأتركك يا رياضي البديع ويا فضائي الوسيع ويا سراج دربي المضير وقمر ليلي المنير ،لأعود يوما قد لا يبعد لأن حنيني سيحملني كل يوم إلى هنا مع النسمات . مع أسمى عبارات الشكر والتقدير والاحترام |