البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ضياء العلي

 3  4  5  6  7 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
هو نص جميل كنت قد تذكرته    كن أول من يقيّم

 

يعجبني هذا النص لما فيه من جمال التعبير عن قوة العاطفة التي يحملها إي مسلم تجاه نبينا الحبيب ، وبما يحمله من معاني نورانية ترتقي بهذه العاطفة إلى حدود المكانة التي لا يستطيع بأن يمسسها بشر . تذكرت هذا النص في هذه المناسبة ، وكنت أبحث عنه بين أوراقي حتى وجدته . هو للشاعر منذر حلاوي وقد نشر في جريدة النهار بالتاريخ المذكور أعلاه .

أما إذا كان نشره غير ملائم في هذه المساحة ، فبإمكانك نقله إلى مكان آخر ، أترك لك الحكم  في هذا الموضوع . وشكراً .

 

11 - مارس - 2006
في الرد والدفاع عن رسول الله محمدصلى الله عليه وآله وسلم
ربما يكون عندك حق    كن أول من يقيّم

 

النص الذي كنت قد إحتفظت بطبعة منه مأخوذ من جريدة النهار ، باب : أدب فكر فن ، بتاريخ الثلاثاء 24 كانون الأول عام 2002 . وكان موجوداً تحت الرابط التالي : http://www.annaharonlime.com/htd/KADD.HTM

لكني عدت إليه وقد جرى محوه كما يبدو. وهو بتوقيع منذر حلاوي وليس هناك أية إشارة لقرة العين التي أسمع بها اليوم للمرة الأولى . ( إلا أن النسخة المطبوعة موجودة عندي ) .

بالمقابل هناك نصاً آخراً قد نشر  بتوقيع منذر حلاوي أيضاً بتاريخ 17/05/2003 مكتوب بنفس الأسلوب وهو بعنوان :

سلام عليكم من فجره .

 وكان على الرابط التالي : http://www.annaharonline.com/htd/EDU030517.HTM

لو شئت لأرسلت إليك مضمون النص ، وفي هذا الأخير ، وهذا ما انتبهت إليه الآن ، نشعر فعلاً بأنه مترجم . بدأت أميل لظنك بأنه مترجم وهذا مؤسف فعلاً لو ثبت حقيقة . النصان كليهما نشرا قبل وفاته .

 

11 - مارس - 2006
في الرد والدفاع عن رسول الله محمدصلى الله عليه وآله وسلم
النص الثاني    كن أول من يقيّم

 

شكري لا حدود له لكل ما أبديتموه وتبدونه نحوي من التشجيع . بالفعل لم أكن قد قرأت تعليق الأخ بلفقيه الذي أسعدني دون أن أستطيع مجاراته في رهافة الذوق والبلاغة .

عدت ، مع بعض التأخير ، لأكتب النص الذي تحدثنا عنه بالأمس :

سلام عليكم من فجره

" الحمدلله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله " ( قرآن كريم ) .

رحمة من لدنه تبقيكم في عفوه ورضوانه الذي يحبكم لمّا أتاكم من البر والحنان الصائغ لأفرادكم عيون النور الجذلان برؤياكم حين ترجعون أنقياء كالسلسبيل كوهج الأفئدة الراكعات لبهائه الجليل مثل الأدمع التي اضاءها بصفحكم الظليل .

أنتم الذين مسستم الجزع فتولاه فرح بنهاركم الأثير

أنتم الذين ركضتم في ملاعب الشمسين تخفقون بالسر العتيق

أي حب وترتيل وداع واخضلال بالفصول تنهمر عليكم ماؤها كالحرير

هوذا اليوم الذي تقبلون فيه كالقبلات المرصوفات لزمانكم والجنان

هوذا الميقات المعلوم الذي يكلل سناكم بالارجوان والزعفران

ولقد تحبون على حبه المساكين تطعمونهم من زادكم المبروك ، والفقراء تزودونهم بشربة من أمواهكم   المبرورات ، وأبناء السبيل تربتون على أكتافهم بالسماء المنثورة كالمرجان

أقبلوا اذن من كل فج وعميق تهدهدون أفلاك الرخاء

ومن كل خميلة مجد تهزون بأياديكم مُناها الطافرات باللاهوت المنيرومن كل يم منوّر تبلغون دارته التحنان الذي يعيدكم الى فلكه العائدات بالرزق والمودات

سلام عليكم من فجره متى حييتم في جرسه ، ومتى متّم في أكنافه ، ومتى بعثكم زائرين أحلاف الوداد تنقطوهم بالضحى ، وتشكلونهم بالحياة التي تنشد نجواكم والنسيم العليل .

 

منذر حلاوي              

نشرت هذه القصيدة في" النهار" ، صفحة : أدب فكر فن بتاريخ 17/05 / 2003

سأحاول التحقق بحسب إمكانياتي حول الموضوع . وشكراً لك يا أستاذ زهير ، لنباهتك المميزة ولإحترافك العالي الذي لا يرقى إليه الكثيرون . أما قصيدتك الجميلة فسأجاوب عليها في مكانها . 

12 - مارس - 2006
في الرد والدفاع عن رسول الله محمدصلى الله عليه وآله وسلم
بائع الزلابية    كن أول من يقيّم

 

صباح الخير أستاذي العزيز :

تشاغلت كثيراً قبل التعليق على قصيدتك خوفاً من أن أطن حولها كذبابة الماغوط . ليس لي دراية كبيرة بالنقد الشعري وهذا مما تعرفه بدون شك ، إلا أنني بانطباعاتي العفوية ، لن أبخل أبداً .

في أول قراءة لها تذكرت أبياتاً لابن الرومي يصف فيها بائع الزلابية ويقول فيها :

يلقي العجين لجيناً من أنامله
فيستحيل شبابيكاً من iiالذهب

وصفك لفاتح الشمبانيا جاء يشبهه ، وهو وصف جميل وناجح ، والقصيدة بالإجمال خفيفة الظل ، كما شعر ابن الرومي ، ولقد شكلتها ببراعة بائع الزلابية في تشكيل أقراصه .

وفهمت بأنك سقتها إلى هنا ، لكي تستشهد بالأبيات الثلاثة الأخيرة التي تقول فيها :

إنـي كـمثلك في حبي وفي قدري لـكـنـنـي  ببريق البشر iiأكتمه
ذكّـرتني  في أعاصير الحياة صبا وفـي الـرماد شباباً ضاع iiمعظمه
نـحـن  الصغار هوانا في iiمقاتلنا الـقـهـرُ  يبنيه والحرمانُ iiيهدمه

هي أبيات قوية ومعبرة وهي التي ذكرتك ربما بهذه القصيدة فأردت لها أن تشارك هنا كونها تأتي ضمن موضوع الملف الذي كنت قد بدأته .

ليس عندي أي اعتراض على كل هذا . سكوتي ليس اعتراضاً . كل ما قلته وتقوله هو صادق ومعبر وعلى مستوى أدبي راقي لا يمكن لي مضاهاته أبداً . يعني للنزاهة : تولد عندي شعور كأنني أتيت إلى السوق " ببسطتي " المتواضعة لأبيع الكعك بالسماق ، فجاء زهير وبسط بضاعته وصار يبيع العوامات بالقطر ........ بل صار يقليها ويقلبها كالبهلوان ، ثم يغطسها في الحلاوة ..... ولما فاحت رائحة السكر وماء الورد حتى ملأت السوق ، قلت في نفسي : " راحت على الكعكات يا بنت " ، وصرت أعيد حساباتي فيها .

فهل وجدت في إجابتي ما كنت تبحث عنه ?

 

13 - مارس - 2006
البنت التي تبلبلت
مذكرات (1)    كن أول من يقيّم

 

 

إنهم يقتتلون .... 

 

 

  أذكر بأنهم يقتتلون ! قذائف تتساقط فوق رؤوسنا أسمع لها دوياً في قلبي وفي صدري ........

 

 

    في كل مرة طرف جديد ، وحرب جديدة . .......... المهم أننا سوف نبقى سجناء داخل البيت مدة لا يعرف أحد منا كم ستطول . لن أستطيع الخروج أو الذهاب إلى الجامعة أو إلى أي مكان آخر . أنا سجينة !

 

  أيامي تحترق .......... أذوبها كل يوم في مقادير من القلق والخوف والضجر ثم ، أتجرعها بمرارة ......... عشرون عاماً بلغت ، ولم أعد أرغب بالمزيد . ......... أيامي ، أحمال ألقيها في البحر ..........

 

  كيف أقاوم هذا التوتر ? هذا الغضب ? وأحلامي المستحيلة ، كيف أقاومها ?

 

  لا أطيق نفسي ! لا أطيق أحداً من حولي ............ أنانية ? بل أكثر ! أرغب بالأذية ، بتحطيم أي شيء .............. " ستندمين ! " ، تقولين "بعد خمس دقائق ، سوف تندمين " . ربما ! وربما أرتاح خمس دقائق .... رغبتي هي دائماً أن أبكي وأن أحطم أي شيء أمامي .

 

  هل أنا عاقلة أم مجنونة ?

 

  نفسي ، أشفق عليها وأكره ما أنا فيه .

 

  عندما أخلو إليها ، نفسي ، أسألها أشياء كثيرة ... هي لا تعرف بماذا تجيب . هي تعرف بأنها تريد حياة أخرى غير هذه التي نحياها  ! ...

 

  حالتنا المادية تزداد سوءاً . أحلم بأشياء كثيرة اعتيادية ، ولا يمكنني الحصول عليها  . ليس من أمل ! أحلم بفستان من الحرير ، وجوارب ناعمة ، وأن أعقص شعري بدلال عندما أذهب لملاقاة أميري ..... حتى ولو كان جباناً ، و "لا يستاهل " . يلزمني ثلاثمائة ليرة الآن لحل معظم مشاكلي . أين أنا منها  اليوم ? العادة الشهرية تؤلمني وتستبقيني أياماً في الفراش .

 

  يأتيني اللحن الجنائزي من مكبرات الصوت في الخارج . إذاعة جوالة يدعون فيها لحملة تبرعات من أجل جرحى القصف الإسرائيلي في بيروت والجنوب .

  

  " أناديكم ، أشد على أياديكم

  وأبوس الأرض ، تحت نعالكم

  وأقول أفديكم .........."

 

  يد قوية تضغط على قلبي وتعتصره ............ أرغب بالبكاء طويلاً ، طويلاً .

 

  لو كان معي أربعمائة ليرة لاشتريت :

 

  جاكيت صوف رمادية ب 100

  قماش قميص موسلين أبيض ب 50

  قماش بنطلون بني ب50

  بوتين أسود ب200

 

  سأعود إلى أوراقي الآن ..... اتركيني أنت ، "سيرة " .  دعيني وشأني فلم تحاسبينني ? هل أنت   أمي ? ثم إن أمي لا تشبهك أبداً ، هي دائماً لا تقول شيئاً ولا تتدخل بشيء . أمي ، لا تشبهك ! وأنا لا أبحث عن أم اخرى  ! ... سأكتب إلى " صفاء" ، هي صديقتي ، هي تشبهني . تعرفت إليها في دار المعلمين ، ومن وقتها ، لم نفترق أبداً . سأكتب إليها ، لكن ليس اليوم ، بل بعد عشرين سنة ، بعد أن أكون قد شفيت من آلامي ... هي  مثلي ، هي ستفهمني . أما أنت ? ...  فأنا لا أفهم نفسي !...

 

 

 

 

13 - مارس - 2006
البنت التي تبلبلت
الرسالة الأولى    كن أول من يقيّم

 

 

 

الرسالة الأولى

 

مراهقة في العشرين

  

عزيزتي صفاء : 

 

 

  تحياتي لك في هذا الصباح البارد هنا ، والذي قررت أن أبدأ فيه رسائلي إليك . عملت لنفسي فنجاناً من القهوة القوية ، وبحثت عن لون دافئ لرسالتي ، لعل حرارته تساعدني على التخفف من قيودي وإخراج ما أريد قوله ......... هو قرار لطالما أجلت التفكير فيه بانتظار حدوث معجزة ما، تغير حياتي .

حياتي تغيرت بدون معجزات ، فأنا ما زلت أنا ، بكل الأسى وكل الشجن . مع هذا ، نويت أن أحكي لك حكايتي ، لعلني أستطيع ?

 

  يصعب علي تخيل ردة فعلك : أتراك ستغضبين ? أو ربما تفاجئك بعض التفاصيل ? ......... ربما تشفقين على صاحبتك كثيراً وتقولين في نفسك : " ما أتعسها ! " ، وربما تقسين علي في حكمك وتقولين : " ما أسخفها ! " . هذا ممكن ! لكنه ليس ما أبحث عنه . أريدك أن تكوني عوناً لي ، أذناً صاغية ، وقلباً يسمع .......... سأحكي لك بحرية كاملة ، وصدق كبير ، لأن ما أرجوه هو أن أنجح بنقل إحساس تلك الفترة كما عشتها بالذات . المسألة برأيي تكمن هنا ! في حنايا الذاكرة التي تنتقي وتغربل الأشياء على مزاجها ، وتشيد لنا من بعدها قصوراً من الأوهام نرتع  فيها . تؤسطر لنا ماضينا وتخلق لنا تبريرات لغرائزنا العمياء . أريد أن أصل إليه ، بحقيقته الكاملة ، ذلك الإحساس الجائر الذي زلزلني ، واحتلني ، واستقر في أعماق أعماقي ، ولم يعد يبارحها أبداً . على وقع سوطه الرهيب ، وعلى أنقاض عجزي وخيبتي ، أعدت تكوين نفسي ، يوماً بيوم ، وساعةً بساعة . وها أنا من جديد ! روح حبيسة ! ... تذكار أنا للألم في بحر العذاب الشاسعة ! ... غريق في يم العناء !  فهل سينطق من في فيه ماء ???

 

 

  يبدو أنني كنت مراهقة ، لا زلت !  " في العشرين ? " سوف تقولين . نعم ! ولم أكن أعرف ذلك . كنت أظن بأنني ناضجة . لأنني تعلمت الكلام بالسياسة . ولأنني ناضلت ، وحملت السلاح ، وتمردت على المجتمع . كل هذا كان تجربة فريدة بدون شك ، تجربة قذفت بي إلى بر آخر وشطآن أخرى لم نختبرها بعد . الحرب ، أتاحت لي تلك الفرصة النادرة . ست سنوات قضيناها في تعلم حياة جديدة أنضجت لدي سلوكاً اجتماعياً مختلفاً ، ووعياً بالمسائل العامة ، لكنها لم تنضج عواطفي التي ركنتها جانباً في تلك الظروف . أوقاتنا قضيناها في الدورات العسكرية ، وجمع التبرعات ، وبيع الجريدة الحزبية ، والخدمة الرفاقية في المركز ، ولكن وعلى الأخص في القراءات والاجتماعات ، والنقاشات السياسية  الطويلة ، الطويلة ... خلال تلك المدة ، شيعنا الكثيرين ممن كنا نحبهم : شهداء !

 

  كانوا يقتربون بنا من الموت . في كل مرة ماتوا فيها ، كنا نقترب منه حتى كأننا نلامسه باليد . لكنهم ، ولا أدري كيف ، كانوا يبعدونه عنا فجأة ، بحركة  بهلوانية ، يحجبونه عنا بأجسادهم ...  كانوا يختارونه بمحض إرادتهم وكأنهم ينتصرون به على ضآلة القدر الذي كنا نعيشه . كأنهم بشجاعتهم هذه يتسامقون نحو المقدس ليلتحموا معه . كل واحد فيهم كان قد ابتكر لنفسه موتاً مختلفاً ، وكأنهم قرروا تطويعه بكل الوسائل . كنا في كل دورة حياة جديدة ،  نقدم فيها قرباناً للموت ،  نشيعه على أنه اختار بأن يكون   بطلاً ، وأن القرعة قد وقعت عليه في هذا الدور لكي يجتاز الحد الفاصل بين الدوني والأعلى . واحداً تلو الآخر كان الموت يزيحهم في طريقه إلينا ، وكانت تلك الحالة من ضرورات الطقس الذي كنا نعيشه .

 

  كنت أبكيهم كالأم ! في كل مرة . بحنان يوازي قدسية الحياة . بأسف يضاهي شرعة الموت . كنت أمعن في الطقس المحرر ، البكاء ، حتى جذور الألم ، أستخرج منه شحنة الخوف والعذاب التي كنا نراكمها في كل دور . حتى الرمق الأخير ، كنت أحزن ، حتى النهاية ...............

 

  لم أتعلم شيئاً في الحياة التي كانت تدور خارج دائرتنا المغلقة . الحياة كانت بواد ونحنا كنا بواد آخر . كنا نعيش تلك الفترة في عالمنا الذاتي كأنها أسطورة خلق لم تكتمل أبداً .

 

  في تلك الأثناء ، كنت أندفع بكليتي نحو ذلك الهدف الذي كنا نأمله ، وهذا يشبهني تماماً ، أن أضع كل طاقتي وتركيزي في السهم الذي أطلقه لكي يذهب إلى أبعد نقطة ممكنة ، وأنسى كل الباقي .  تلك الفترة كنت أعيشها بنقاء شاعر يكتب ملحمة كبرى سوف تغير مجرى التاريخ .

 

  في مساحتي الحميمة ، بقيت خاماً بالمعنى الحرفي للكلمة . لم أغامر في هذا المجال ولا بلمسة يد ، يردعني عن ذلك قليل من العنجهية ، وكثير من الخجل ، وجملة تلفظ بها والدي يوماً وهو يراني أغادر البيت . كان قد كررها بالإيحاء دوماً ، لكنه يومها قالها صريحة وبالعربي الفصيح :

 

  " أنا أثق بك يا بابا ! "

 

  هذ الكلمة ، حمتني طويلاً من طيش المراهقة ، لكنها أثقلت جناحاتي بما يشبه الأوزان . تمنيت أحياناً بأن أنساها . تمنيت أحياناً بأن أبحث لها عن تأويلات تخفف من وقع خطواتها التي كانت تلاحقني وتتجسس علي . ليس من سبيل ! كان يحكي بالعربي . وبالعربي ، ليس لها إلا تفسير واحد لا يقبل التأويل . بذلك ، تحولت تلك " الحرية " التي منحني إياها والدي ، بالذهاب والإياب ، وممارسة العمل السياسي ، منحني إياها بكرمه الخاص وعقليته الخاصة ، تحولت إلى قلعة كأنها السجن ، عليها حارس اسمه الخوف : الخوف من أن أخون هذه الثقة ، الخوف من أن أعمل شيئاً لا يعجب أبي ، الخوف من الابتذال .

 

  ربما ستفهمين أنت ما أعنيه صفاء ، لأنك مثلي عاطفية ومكابرة . لأنك مثلي من بيت حملنا أوزار التاريخ والقبيلة  وأشعرنا بأننا أقرباء الأنبياء والقديسين . ولأنك مثلي لك أهل أرادوا بأن يتمدنوا فلم يعاملونا  كالولايا ، إلا أنهم ظلوا خائفين علينا من صيت البغايا ، فتحولنا نحن بهذا إلى " جان ? دارك " على طريق الحرية والتمدن . قمعنا أنوثتنا المخيفة داخل عباءات النضال ، أو ركناها جانباً في كهف حريتنا الموعودة ، زمناً اختبرنا فيه قدراتنا الذكورية : القدرة على الفعل والتأثير المباشر .  تحررنا ، دون أن نلطخ قدسية الانتماء المتعالي على كل نفعية .  الهدف ، جعلناه متعالياً حتى يوازي قدسية الانتماء .

 

  لكن ، في ذلك اليوم الذي سوف تستيقظ فيه تلك الأنوثة ، وتلك الرغبات " الدونية " التي تأباها "القبيلة" ، ويرفضها " التاريخ " ، وتستعر منها " الأنا المثالي " فكيف نفعل ?????

 

  سوف اتوقف هنا اليوم ، عزيزتي ، وأعود إليك قريباً . فإلى اللقاء .

  

 

 

 

13 - مارس - 2006
البنت التي تبلبلت
مذكرات 2    كن أول من يقيّم

 

أشكر شاعرنا الكبير على هذه المنمنمة الرائعة التي تعزف موسيقى أندلسية . أظنها درة أدبية وليس فيها من العوامات إلا البريق .

أشكر الأخ النويهي على تشجيعه المستمر .

سأكمل ههنا ما كنت بدأته :

 مذكرات 2

 

                                                    تقنيات اللقاء

 

 

  لا أقرأ ، لا أدرس ، لا أعمل ، لا أرتاح ، لا أحلم . أثرثر قليلاً ، وأضجر كثيراً ، كثيراً .....

..................................................................................................

 

  اليوم ، رأيت أميري !  يا للنكسة ، ما كان أتعسه من لقاء ........

 

  ما أتعسني في هذه الحكاية ! أنا لا أفهم هذا الإنسان : طلب بأن يراني ويتحدث معي . ولما ذهبت   للقائه ، صار يناقشني في أوضاعي ، ويحدثني عن دراستي . طلب مني بأن لا أترك  " دار المعلمين "  "هو أضمن من الجامعة " برأيه . نصحني أيضاً بأن أعمل دورة إنكليزي ، الفرنسي لم يعد نافعاً ، قال .......... استمعت إليه بضجر .... لا أعرف كيف يفكر هذا الناصح ، يختلق الأعذار لكي يراني ، ثم ما أن نصبح معاً ، حتى يبدأ بتصنع دور الفقيه العالم . لا يبادلني شيئاً من اللطافة ! ولا أي كلمة حلوة ترضيني . يكلمني كأنه أبي ! هو أكبر مني بعشر سنوات ، لكنه ليس أبي . لست بحاجة لأب آخر ?

 

  أنا  بدوري ، لا أبدي شيئاً من اللطف نحوه . أستمع إلى وعظه دون حماس ، أعامله بجفاء وتحفظ بينما أنتظر منه الكثير الكثير من الحب .............. هذا سخف ، أحلم بالمستحيل !

 

  اليوم بعد الظهر ، توترت الحالة الأمنية من جديد ، قاموا بتفجير ما كان مكتباً لقوات الصاعقة بالقرب من بيتنا ، ثم توتر الوضع الأمني على إثرها ........ هذا يعني حبس في البيت إلى ما شاء الله ......... لا أعلم كم من الوقت سوف أنتظر لكي أراه من جديد .

 

  لما كلمته ، في هذا الصباح ، سألني متصنعاً المزاح ، إذا كنت قد اشتقت إليه ? 

  ـ " لا ، لِمَ ? " قلت بتعجب . 

 

 كنت قد انتظرت خمسة أيام قبل أن أكلمه ، حتى تفتق ذهني عن حجة لا يمكنه أن يشك فيها إطلاقاً . هكذا حسبت . إلا أنه قال بأنه يريد بأن يراني ،" لي معك حديث " قال .

 

 ـ " لا أرغب بالخروج " ، أكدت . ثم، لا أعرف كيف غيرت رأيي  وذهبت للقائه في نفس الساعة .

 

  أنا أغبى واحدة على هذه الأرض !

 

  

16 - مارس - 2006
البنت التي تبلبلت
الرسالة الثانية    كن أول من يقيّم

 

 

الرسالة الثانية

                                       

الحب المستحيل 

عزيزتي صفاء :

 

  جئت اليوم ، لأكمل إليك ما بدأناه من حديث . آتيك دائماً في الصباح مع ركوة القهوة التي أبحث لها عن مكان ، منذ عشر دقائق ، فلا أجده ، بسبب هذا الكم الهائل من الأشياء غير الضرورية المركونة أمامي على المكتب .

..........................................................................................

 

  كنت قد أصبحت بالعشرين ، وكانت الحرب من حولنا لا زالت تبدل أثوابها و تبدي لنا في كل يوم تشرق وتغرب فيه الشمس ، جانباً من وجهها القبيح  . ومع أن ما سأحكيه لك هو قصة حبي الأول والتي لا ترتبط مباشرة بالأحداث الدائرة ، إلا أن مزاجي وتحولاتي ، وما تبدى عني من انفعالات ، هو وليد ما كان يحيط بنا من ظروف كانت تنسج من حولنا كخيوط العنكبوت .

 

  لم أعد أذكر بالتحديد كيف نشأت هذه العلاقة الملتبسة . كأنها كانت قد بدأت من دون انتباه مني ? ...... لا شك بأن الإعجاب كان الأسبق فأنا كنت أعرفه منذ زمن طويل ، دون أن أفكر فيه ، أو أن يخطر ببالي بأنه من الممكن بأن تنشأ بيننا علاقة ما أياً كان نوعها . كان صديقنا ورفيقنا منذ وقت طويل ، وكانت خطيبته صديقتنا . المدينة كلها كانت تعرف قصة  حبهما التي كانت قد استطالت عشر سنوات بدون نتيجة . الحرب والضائقة الاقتصادية حالت دون زواجهما . كانا يعيشان علاقتهما  بحرية ، وهو ما كان وجه الاستثناء بالنسبة لجيلهما ، ومع أن هذا النمط من العلاقات كان مقبولاً في دائرتنا الخاصة ، إلا أنه كان مستهجناً في مدينة محافظة كمدينتنا .

  

لم يكن الإعجاب الذي كنت أكنه له في السابق حباً ، لكنه ساعد على تأسيس الوهم الذي اخترته لنفسي وبنيت حوله صرحاً من المبالغات، حول : شكله ، دماثته ، أخلاقه ، وذكائه المنقطع النظير ، ولكن خصوصاً حول طيبته ، ونيته الخالصة نحوي .......... صنعت له تمثالاً براقاً تضمنته عاطفتي وأوهامي وكل ما كان يجول في نفسي من رغبات ، وكل ما ورثته من الأفكار والتصورات التي كنت أعرفها عن الرجل المثالي  ......... بهذا ، جاءت عاطفتي نحوه مزلزلة ، جارفة كبيرة كبيرة ، بغير حدود .

 

  تلك العاطفة  المستبدة ، كانت من صنعي أنا ، وعندما بدأت أشعر بخطورتها وأردت كبحها ، كان المارد قد خرج من قمقمه وأفلت من بين أصابعي . جربت فيما بعد ، أن أستعيض عنها بطرق ملتوية : كأن أحب غيره مثلاً ، أو أن أبتعد وأعمل لنفسي شلة أصدقاء جدد . جربت أن أذهب إلى التعاقد للتدريس ، لأشغل نهاري كله .......... كل هذا جربته لأجل احتوائها ، لكنها كانت تعود في كل مرة بقوة أكبر ، لتفيض عن كياني بعد أن استحلته ، وملأته ، وكان بإمكانها أيضاً أن تملأ السموات والأرض .

 

  كل هذا العنف ، كان يجب أن أجد له مبرراً مقنعاً . نحن دائماً بحاجة لأن نخلق لأنفسنا مبررات مثالية نغلف بها عواطفنا وميولنا . بهذا ، نمنحها شرعيتها . بهذا ، نجعلها متسامية عن حاجات البشر " العاديين " . لذلك ، جعلته بنظري مثالياً ، وحجرت عليه عواطفي ورغباتي التي لا يمكن أن ترضى بأقل من هذا . طبعاً ، عزيزتي ، هذا كله ، هو منه براء . هو على الأرجح لم يكن يعلم ماذا يدور في  " رأسي الصغيرة " .

 

  أما الحقيقة ، فهي أنه ، ومنذ أصبح بيننا عمل حزبي مشترك ، وصرنا نرى بعضنا باستمرار ، صارت نظرته إليّ تتغير مع الوقت .

في البداية ، استغربت وتجاهلت الموضوع . ثم صرت أتغاضى عن بعض الابتسامات الغير مبررة والتي بدأت تشغل رأسي المليئة بالأوهام . كنت أراقب اهتمامه بي وأنا أقول لنفسي بأن هذا مستحيل ! لا يمكن أبداً ! هو عاقل ، وشبه متزوج ، وكل الناس تشهد بجديته ورصانته ، ولم يعرف عنه مغامرات في السابق ، فلماذا اليوم ? ومعي أنا بالذات ? ربما أفهم دماثته نحوي على شكل خاطئ ? ربما يستلطفني فقط  وهذا كل شيء !

 

  ولما صارت نظراته تتكرر في شد وجذب ، دون أن تكون واضحة ،  صارت أفكاري تحوم حولها ، لأجد نفسي ، شيئاً ، فشيئاً ، مشدودة نحوه بخيط من حرير . مزيج من الشك واليقين ، مزيج من الخوف والمتعة ، الذي يضعك تماماً عند الحد الفاصل بين العقل والرغبة ، حيث تتبلبل الأشياء   ...............  ثم صار وجوده يملأ من حولي فضاء كان بحاجة لمن  يشغله .  شيئاً فشيئاً ، صرت أتنسم هواءه دون أن أشعر .

 

  نظراته نحوي ، عكرت مياه البحر التي كانت راكدة حتى ذلك الحين . نظراته ، أشعلت بركاناً كان خامداً : سخونة ، تشبه رياح الخماسين ، صفراء ، دافئة ، بدات تهب هادئة ، ثم تتحول رويداً رويداً إلى ريح عاتية تدور في أرجاء نفسي دون أن تجد لنفسها متنفساً أو طريقا . خلال وقت قصير ، صرت أسيرة ذلك الدفء المزلزل . حدث معي أنني ولأول مرة ، أشعر بعيون رجل تقع على جسمي ! عيونه ، كانت تراني كما لم يرني أحد من قبل ، كأنني كنت حتى لحظتها ، خفية عن عيون الرجال .  نظراته ، كانت تخترقني وتلتف من حولي و كنت أشعر بحرارتها من دون أن ألتفت ، تتغلغل في ثنايا جسمي واستداراته  وكل ما بدا منه تحت بنطلوني الضيق ، تتمرغ فوق جلدي لتوقظ شياطينه كلها .............

 

  العالم كله يصبح وقتها مساوياً لكثافة اللحظة ! العالم كله يصبح  قطعة من جسد آدمي ّ!

 

  هكذا كان ، أشعل البركان الذي سوف يحرق أمامه الأخضر واليابس ، حتى صار جسمي هو مركز العالم الذي صرت أعيش فيه .  تحفز مستمر ، وانجذاب دائم . هو، كان يشعر بهبوبي هذا ويأكل منه . عيونه كانت تأكل بنهم ، أما جسده ، فلم أكن أعرف عنه شيئاً . كان بعيد المنال .

 

  أعرف بأنه كان يبدو عليه التوتر . حركاته كانت تبدو عصبية فلا يستطيع الركون في مجلسه لوقت طويل . يداه ، كانتا تنطقان بتمردهما وسعيهما الدائم لالتقاط أي شيء من على الطاولة أمامه والعبث به ثم التخلي عنه بعد لحظات .

كان يستدير بكليته لأدنى حركة لا تستدعي الالتفات ، لالتقاط ورقة ، لالتقاط قلم ، يضعه هنا ، يضعه هناك ، يوقعه أرضاً ، ثم يسترده بتأفف مطلقاً نحوه وابلاً من الشتائم ، ليعود ويعتذر عنها في الحال ............. كان يغيب أحياناً ، لثوان داخل أفكاره ثم ، ينتفض فجأة بقوة وكأنه اكتشف للتو بأنه كان بيننا .......

 

  ذلك الانجذاب ، واحدنا للآخر ، كان يشكل من حولنا حقلاً مغناطيسياً تنتقل عبره إشارات غريبة تجعل من هذه الكيمياء السحرية شيئاً ممكناً ، كأن ذرات الجسم كلها تتفكك وتتخفف بفعل جاذبية الآخر فتصبح قادرة على الطيران ، ويصبح الصراع معها لإبقائها داخل حدود الجسد الهامد ، شيئاً عصياً .

 

  هذه الرغبة ،كانت تأكلني ليل نهار . مساماتي كلها كانت مسكونة بتلك الرغبة . توتر فظيع بمجرد أن أخلو إلى نفسي أو أن أفكر فيه ....... كنت أفكر فيه طول الوقت . كل جوارحي كانت مهيئة لاستقباله ، وطول الوقت ................. اجتياح مؤلم وجائر ، إحباط مدمر، هو ذلك الشعور الذي يشبه تفتح الزهرة التي تتوق إلى الشمس والنور ، ولا تجد من حولها إلا الظلمة والعماء .

 

  الليل كان مؤرقاً ، والنهار كان ترقباً ، حتى صار الأمر متعباً وغير محتمل . اللحظات التي كنا نلتقي  فيها ، دائماً بين الآخرين ، أو نتحدث فيها بالهاتف ، كانت تزيد من توتري وانفعالي وتمدني بتساؤلات وتهيؤات لا فائدة منها سوى إشغال  "رأسي الصغيرة " بتخريفات مصطنعة : كنت أبحث لنفسي عن دور في حياته ، دور يكون مقبولاً ، فمن أكون أنا بالنسبة إليه ?

 

هكذا عزيزتي ، كانت تمر بنا الأيام . هكذا بقينا ، لوقت طويل بعلاقة ضبابية مؤرقة ، مزعجة ومحجبة بألف قناع .

 

أتركك الآن لأعود إليك غداً أو بعد غد ، فانتظريني .

 

16 - مارس - 2006
البنت التي تبلبلت
مذكرات 3    كن أول من يقيّم

 

 

أين البديل ? 

 

 

 

  يا إلهي ! ما الذي أفعله !

 

   اليوم أمضيت أغلب وقتي في الجامعة . ضحكنا وتسلينا كثيراً مع أصدقائي الجدد خارج أوقات المحاضرات .  هناك من يغازلني في هذه الشلة ولقد أسميته "بالبديل ". هو لطيف ومؤدب ويناسبني تماماً .......  لمَ أتركه يحلم ? لمَ لا أحبه عن جد ?

 

   الآن أشعر بالضيق .

 

   صفنا له رأسان : الأول ، من لقبناه "بمكتبة البغدادي" على اسم مكتبة أبيه . كأنه قد ولد فيها ، أو كأن أمه كانت تطبخ لهم الكتب في الحلة ، بدلاً من الخضار . هويحفظها كلها عن صفحة قلبه . يتهيأ لنا بأنه يمكننا بأن نفتح رأسه ونقلب فيها عن صفحات الطبري وابن خلدون ورسالة الشافعي والكتاب الذي نريد في الفقه و التفسير و الصرف والنحو أو في التاريخ  ........غير أنه جاف ومتزمت ولا يعير دفتره لأحد .

 

  الثاني ، إلياس ، موسوعة في اللاهوت وتاريخ الديانات والمجامع المسكونية . وله دراية كبيرة في فلسفات القرون الوسطى والقديس أوغسطين وتوما الأكويني وكل ما سبق وتلا الثورة الفرنسية من تنظيرات لاهوتية .... لكن عصر النهضة يبقى مجاله المفضل . مأساته أننا برأيه ندرس الفلسفة على طريقة الأزهر : فقه ، تصوف ،فلسفة إسلامية ، علم كلام ، هذه كلها برأيه مادة واحدة . نحن بالكاد نعرف شيئاً عن الفلسفات الحديثة ، يقول، فكيف سنعرف ماذا يجري في العالم ? ثم لم لا ندرس اللاهوت المسيحي ?  يتساءل ......... هو أيضاً لا يعير دفتره لأحد .

 

  البغدادي يقول : البرنامج مبتور ، لا يوجد فيه علوم القرآن والحديث ، وليس فيه مادة اللغة العربية كأساس لا بد منه . دون علوم اللغة لن نفهم شيئاً . 

 

 يتناطحان طوال الوقت ، بهدوء أحياناً و ببعض العصبية أحياناً أخرى . ما يعرفانه يتجاوز غالباً معرفة الأساتذة بكثير، لذلك هم يتحاشون نقاشاتهم خلال المحاضرات. أما ما بيننا وبينهم ، فمسافات شاسعة تفصلنا . غير أنه ، لما يمتد نقاشهم هذا إلى خارج الصف فإننا كثيراً ما ننقسم تلقائياً إلى فريقين، كل بحسب انتمائه .  

 

  صديقتي " آليسار" تحب شاباً مسيحياً . هما مرتبطان منذ المرحلة الثانوية وتكاد تقع مذابح بين العائلتين بسبب هذه العلاقة . هي مصرة على موقفها وتتحدى الجميع ولا تريد بأن تتزوج غيره . عمومتها لهم سطوة وهيبة والكل يرهبهم في منطقتهم إلا هي . هو الآن مسافر في أميركا ، وأتى اليوم في زيارة . هي من أرسله إلى هناك ليتمكن من إيجاد إقامة وعمل في ذلك المكان المحايد . سيرسل لها لتلحق به بمجرد أن يستقر وضعه . هكذا وعدها ، هكذا حكت لي وهي تحدثني عنه في كل يوم وتروي حكايتها التي تشبه إلى حد كبير حكاية " عنتر وعبلة " حتى اقتنعت فعلاً بانه فارس " بني عبس" . اليوم تعرفت إليه وأخشى أنني فهمت ما لم تفهمه " آليسار "  كيف لها بأن تفهمه وهو أميرها ? !   ..... بدا لي متورطاً بهذه العلاقة دون أن يكون له أية كلمة يقولها . يبدو أنه إنسان مسالم ولا يحب المشاكل بل ويتحاشى المواجهات . " آليسار " كانت تتكلم في هذه الجلسة بحماس واندفاع كبيرين . كل ما قالته كان باتاً ، مقرراً ، ولا يقبل النقاش . بدا لي مذعناً ولكن بدون كبير اقتناع .

 

  يا إلهي !  من منا يستطيع الدخول إلى عقل الآخر ليعرف كيف يفكر ? 

 

  ما أعمانا عن الحقيقة وهي تعيش بقربنا ، تأكل وتشرب من حمقنا وبلادتنا . ربما كان من الأفضل أن نظل نجهل حقيقة الأشياء لكي نظل نحب ، ونحلم ، ونتمنى . ضعفنا وشوائبنا ، هي الخمير الذي يخلط بالعجين . لولاها ، لتوقفت الحياة عن الدوران ، لولاها لعقمت .

 

خيالنا  رحم الوجود . رغباتنا  ماء الحياة !

 

 

 

 

 

 

18 - مارس - 2006
البنت التي تبلبلت
الرسالة الثالثة    كن أول من يقيّم

                                            

 

 

                   الحب الكبير

 

   عزيزتي صفاء:

 

  عندي عمل كثير اليوم لكنني قررت تأجيله إلى ما بعد القهوة وجلستنا الصباحية .

 

  لقاءاتي بأميري ، لم تكن تتجازو إطار الصداقة الذي رسمناه لأنفسنا . وخلوتنا الخاصة ، كانت نزهات بالسيارة ، على الطريق الساحلية التي نادراً ما كنا نبتعد عنها . طريق سهلية بموازاة البحر جنوباً ، وحتى  "حاجز البربارة " الذي كان أبعد نقطة ممكن الوصول إليها في ذلك الحين . ثم ، نعود أدراجنا ، على مهل ، لأن الوقت كان يمضي سريعاً ، بشعور يشبه شعور الأولاد بعدما تتوقف " المرجوحة " ، ويصير لزوماً بأن ينزلوا منها .

 

  بدأت تلك الرحلات بأن كان يقترح أحياناً توصيلي إلى البيت . ثم صارت الطريق إلى بيتنا تطول بقدر ما أخذت الأحاديث بيننا تتعمق وتتواصل بمتعة غريبة . ثم تحولت رويداً رويداً إلى تلك النزهات البحرية الحميمة ، يرافقنا خلالها صوت " فيروز " في مسجل السيارة ، ونسائم دافئات غنمناها أحياناً من عطاء البحر الكريم .

 

  صيفاً  ، شتاءً ، زرعنا تلك الطريق بمشاويرنا ، وهي لحظات الدفء الوحيدة التي نجت من إعصار تلك العلاقة المضنية . لحظات من السلام نادرة في خضم ذلك البحر الهائج .

 

  أحاديثنا بمجملها كانت تدور عن أخبار الجامعة والرفاق . كنا نتندر بقصصهم وأحوالهم ، ونحلل شخصياتهم ، ونتمازح في تعليقات من هنا وهناك .......... كنت أكتشف معه جوانب لم أكن أعرفها في البشر، لأنه كان أكثر خبرة واطلاعاً مني . ورغم أنه كان يظل حذراً ومتحفظاً في حديثه ، فلا يجرّح بأحد أو يبالغ في الحكم عليه ، ولا يقول أكثر مما يتوجب الحديث ، إلا أنه كان كريماً جداً في شتائمه ، يغدقها بدون تردد ، على من يستحق أومن لا يستحق ، تحبباً منه أحياناً . تلك الشتائم كانت هي لحظة التراخي الوحيدة في حديثه المضبوط تماماً .......  كنت أشعر دائماً بأنه يعرف أكثر مما يقول ، بينما كنت أنا أقول أكثر مما أعرف . صراحتي وبداهة أحاسيسي ، كانت تعطيني مصداقية خاصة أتجاوز بها الحدود والمسافات التي كانت تفصلنا عن بعضنا . حواجز كثيرة منها حرص بشدة على أن لا أتخطاها ، إلا أن مساحات شاسعة منها كانت تتهاوى أمام سذاجتي الأفلاطونية .

 

  كانت حرباً بلا هوادة ، بين عقله الصارم ، وسليقتي الفطرية ، كنت أتجرأ فيها على كل المواضيع حتى تلك التي لم أكن أعرف عنها شيئاً .

 

  كنا نتكلم كثيراً بالسياسة ، ورغم معرفتي القلية بالقياس معه إلا أن موقفي من الأمور ظل واضحاً بدون لبس، لأن علاقتي بها كانت دون طموح .

 

  أحياناً ، كنا نتكلم في العلاقات الدائرة حولنا ، ومن خلال أحاديثنا عن الآخرين كنا نفصل وجهة نظرنا . كنت أتكلم بجرأة جعلته يظن بادئ الأمر بأنني صاحبة تجربة ، لكن صراحتي كانت في الحقيقة تشبه شجاعة الطفل الذي لا يقدر حجم الخطر لأنه لم يجربه بعد . علاقاتي الحميمة ، عشتها في الخيال فقط ، والحب بالنسبة لي كان قصة رومانسية " كروميو وجولييت " . في أعماقي ، كنت أعتقد بالحب الكبير الذي لا يقهر ، وبأن الإنسان يحب مرة واحدة في حياته يعيش عليها العمر كله . صدقاً ، لم يكن باستطاعتي تخيل شيء آخر .

 

  دهشته كانت كبيرة عندما صار يتكشف له بأنني كنت ملاكاً ، لا زلت ! أأقول خيبته ربما ? على أية حال كانت مفاجأة لم يكن يتوقعها ولم يكن ليفهم ذلك طالما أنه كان بإمكاني أن أعيش حياتي " بحرية " :

 

" لم أحب أحداً بعد ! " ، قلت كأنني أبرر ذنباً اقترفته .

 

" لا يوجد حب كبير ، الإنسان ممكن أن يحب مرة واثنتين وثلاثة ، وهو في كل مرة سوف يظن بأنه الحب الكبير . " ، قال .

 

  لم أقتنع ، حالتي وما كنت أعيشه كانت تؤكد لي بأن هذا غير ممكن . ما كنت أشعر به في داخلي نحوه كان كل طاقة الحياة وما دونها هو الموت فكيف نحيا و نموت مرة واثنتين وثلاثة ? لم أقتنع .

 

  اليوم ، عزيزتي ، وبعد أكثر من عشرين سنة ، لا زلت أتساءل ، من منا كان على حق ? : صحيح أن الإنسان يحب أكثر من مرة في حياته ، ولكن لو نظرنا إلى شريط حياتنا من بعيد ، أفلا نجد بأن الحب الكبير سوف يبقى بارزاً فيها تماماً ، كما الهرم الكبير بجانب الأهرامات الصغيرة ?

 

  سوف أتركك الآن  ، وأعود إليك في أقرب فرصة . حتى ذلك ، كوني بخير ، وإلى اللقاء .

 

 

18 - مارس - 2006
البنت التي تبلبلت
 3  4  5  6  7