ابن الراوندي بقلم أبي العلاء     ( من قبل 4 أعضاء ) قيّم
التحيات الطيبات لراعي هذا الملف أستاذنا د. يحيى مصري الحلبي، وكل الشكر لأستاذنا ياسين الشيخ سليمان على هذه المداخلة التي سبقني فيها إلى ما كنت أنوي نشره وهو التعقيب على حشر المعري في زمرة واحدة مع ابن الراوندي حسب كلمة ابن الجوزي التي تعتبر محور هذا الملف (زنادقة الإسلام ثلاثة....) وأترك المعري يدافع عن نفسه في نص مطول تعرض فيه لابن الراوندي متهكما بأشهر مؤلفاته، وهي حسب ترتيبها في (رسالة الغفران): (التاج) (الدامغ للقرآن) (القضيب) (الفريد) (المرجان) وأنوه هنا إلى أخطاء جمة وردت في مشاركة الدكتور يحيى، الأخيرة، منها تسمية كتاب (الفريد) بالفرند، وكتاب (الدامغ) ب(الدامق) في أماكن متفرقة من نقولاته منها: (و(كتاب الفرند)، و(كتاب اللؤلؤ) و(كتاب الدامق)، وقد أودعه كلاماً عن الخالق يسوء ذكره، فاعتبر ما في الدنيا من ظلم وشر وسوء من صنع الخالق) ...... وكتاب (الدامق) الذي عارض فيه القرآن الكريم، وكتاب (الفرند) الذي انتقد فيه بعث الرسل ورسالة الأنبياء .... 16ـ كتاب الدامق: ذكره ابن البلخي وابن المرتضى، وذكر ابن البلخي بأن الخياط رد على هذا الكتاب، وقال أبو علي الجبائي إن ابن الراوندي كتب هذا الكتاب بطلب من اليهود، وأثار غضب السلطان، وقد أمر بإحضاره لكنه هرب والتجأ إلى يهودي مات عنده.
إلا أن أبا العلاء استطرد في حديثه إلى ذكر فوائد لغوية وأدبية رأيت من الأنسب حذفها كيلا تشوش على سياق النص، قال:
وأمّا ابن الرّواندي فلم يكن إلى المصلحة بمهدي.
وأمّا تاجه فلا يصلح أن يكون نعلاً، ولم يجد من عذابٍ وعلاً
ويجوز أن ينظم تاجه عقارب، فما كان المحسن ولا المقارب، فكيف له إذا توج شبواتٍ، أليس يمينه عن تلك الصبوات؟ وهل تاجه إلاّ كما قالت الكاهنة: أفّ وتف، وجورب وخف!؟ قيل: وما جورب وخف؟ قالت واديان في جهنم.
ما تاجه بتاج ملك، ولكن دعي بالمهلك، ولا اتخّذ من الذّهب، وسوف يصوَّر من اللهّب، ولا نظم من درّ، بل وقع من عناء بقرّ
ما توَّج من الفضة،ولا يقنع له بالقضَّة، ما هو كتاج كسرى، لكن طرق بسوء المسرى، ولا تاج الملك انوشروان، ولكل أثقل وجرّ الهوان، ذلك تاج فرس عنقاً، فظن على من توِّج به محنقاً. ليس هو كتاج المنذر، ولكن مندية غويّ حذّر، ولا هو كخرزات النعّمان، بل شين يدخر في الأزمان. وما يفقر مثبه إلى أن ينقض منه وبه تقوضّ.
وأمّا الدامغ فما إخاله دمغ إلاّ من ألفه، وبسوء الخلافة خلفه. .... وهذا الرّجل كذاوي الخيطان. وإنمّا المنكر، أنَّه في الآونة يذكر. دلّ ممن وضعه على ضعف دماغ، فهل يؤذن لصوت ماغٍ؟ (من قولهم: مغت الهرة إذا صاحت).
رماني بأمرٍ كنت منه ووالدي = بريئاً ومن جول الطوَّي رماني
رجع عليه حجره، وطال في الآخرة بجره.
بئس ما نسب إلى راوند، فهل قدح في دباوند؟
إنمّا هتك قميصه، وأبان للنظر خميصه.
وأجمع ملحد ومهتد، وناكب عن المحجَّة ومقتدِ، أنّ هذا الكتاب الذي جاء بن محمد صلى الله عليه وسلم كتاب بهر بالإعجاز، ولقي عدّوه بالإرجاز. ما حذي على مثال، ولا أشبه غريب الأمثال. ما هو من القصيد الموزون، ولا الرَّجز من سهلّ وحزون. ولا شاكل خطابة العرب، ولا سجع الكهنة ذوي الأرب. وجاء كالشمس اللائحة، نوراً للمسرَّة والبائحة؛ لو فهمه الهضب الرّاكد لتصدع، أو الوعول المعصمة لراق الفادرة والصدّع: "وتلك الأمثال نضربها للنّاس لعلهم يتفكرون" وإنّ الآية منه أو بعض الآية، لتعترض في أفصح كلم يقدر عليهم المخلوقون، فتكون فيه كالشَّهاب المتلألئ في جنح غسق، والزّهرة البادية في جدوبٍ ذات نسق؛ فتبارك الله أحسن الخالقين.
وأمّا القضيب فمن عمله أخسر صفقة من قضيب. وخير له من إنشائه، لو ركب قضيباً عند عشائه، فقذفت به على قتاد، ونزعت المفاصل كنزع الأوتاد:
كيف للنّاطق به أن يكون اقتضب وهو يافع، إذ ماله في العاقبة شافع. وودّ لو أنّه قضبه، أو تلتئم عليه الهضبة.
وقد صد أن يكون مثل القائل:
وروحة دنيا بين حييّن رحتها أسير عروضاً، أو قضيباً أروضها
وقضيب وادٍ كانت فيه وقعة في الجاهلية بين كندة وبين بني الحارث ابن كعب فكيف لهذا المائق أن يكون قتل في قضيب، وسقط في إهابه الخضيب. فهو عليه شرّ من قضيب الشجرّة على السّاعية، ومن له ان يظفر بمنطق الناّعية؟ وكيف له أن يجدَّع بقضيب هندي ويلبس ممّا لفظ به ثوب المفديّ؟ لقد أنزل الله به من النكّال، ما لا يدفع بحمل الأنكال؛ فهو كما قال الأوّل:
فلم أر مغلوبين يفري فرينا ولا وقع ذاك السَّيف وقع قضيب
وأما الفريد فأفرده من كلّ خليل، وألبسه في الأبد برد الذّليل.
ومن انفرد بعزَّةٍ لوقارته، فإن فريد ذلك الجاحد ينفرد لحقارته، كأنّه الأجرب إذا طلي بالعنية، فرّ من دنوه من يرغب عن الدنيّة. وإذا جذلت الغانية بفريد النظّام، فهو قلادة مآثم عظام. وذكر أبو عبيدة أنَّ في ظهر الفرس فقارة يقال لها الفريدة، وهي أعظم الفقار. فلو حمل فريد ذلك المتمرَّد على جواد لحطم فريدته، أو زينّ به المحبُّ الغانية لأهلك خريدته.
وأما المرجان فإذا قيل إنّه صغار اللؤلؤ، فمعاذ الله أن يكون مرجانه صغار حصى، بل أخس من أن يذكر فينتصى. وإذا قيل إنّه هذا الشيء الأحمر الذي يجيء به من المغرب، فإن ذلك له قيمة وخسارة كتابه مقيمة، وإنمّا هو مرجان، من مرجت الخيل بعضها مع بعض، وتركتها كالمهملة في الأرض أو لعلّه مرجّان من جنى الشجّرة أو مرجانّ من الشياطين الفجرة، أو جان من الحيات المقتولة بأيسر الأمر، والمبغضة إلى المنفرد والعمر أي الجماعة من النّاس. |