الإعجاز ينفي الترادف..     ( من قبل 4 أعضاء ) قيّم
تحياتي الواسعة لأستاذيّ وشيخيّ الكريمين ياسين ويحيى، وأستأذنكما بالمشاركة في هذا الملف لعلي أضيف شيئاً، آملاً تقويم عثراتي..
في معجم الفروق اللغوية للعسكري ما نصه: (الفرق بين قولك: جاء فلان وأتى فلان، أن قولك: جاء فلان، كلام تام لا يحتاج إلى صلة، وقولك: أتى فلان يقتضي مجيئه بشيء، ولهذا يقال: جاء فلان نفسه، ولا يقال: أتى فلان نفسه، ثم كثر ذلك حتى استعمل أحد اللفظين في موضع الآخر).ا.هـ. لذلك نجد في لسان العرب: المَجِيء: الإِتيان.
أما في القرآن الكريم فخلاصة رأي العلماء في المتشابه أو المترادف أنهم أجمعوا أن لا ترادف، وهو ما ذكره الدكتور يحيى في الأمثلة السابقة، ومن ذلك ما أشار إليه الإمام الكرماني في كتابه (البرهان في متشابه القرآن) بأمثلة كثيرة تبين الإعجاز الرباني في هذا الكتاب الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
لكن الإمام الكرماني –وهو عالم في النحو والفقه والقراءات- في أحد أمثلته قارن بين الآية: (قنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تَبِع هُداي فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون) (38) سورة البقرة، والآية (قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتَّبع هداي فلا يضل ولا يشقى) (123) سورة طه، فقال: (فمن تبع)، وفي طه: (فمن اتّبع). تبع واتّبع بمعنى واحد، وإنما اختار في طه (اتّبع) موافقة لقوله تعالى قبلها: (يتَّبعون الداعي لا عوج له).ا.هـ.
وفي الصحاح ما يؤيد المعنى الواحد للكلمة: (تَبِعْتُ القومَ تَبَعاً وتَباعَةً بالفتح، إذا مشَيت خلفهم، أو مَرُّوا بك فمضيتَ معهم؛ وكذلك اتَّبَعْتَهُم).
لذلك فإن الترادف في المعنى، والاختلاف في اللفظ بالقرآن الكريم مثل: (تبع واتبع) يميّزه السياق القرآني، فيكون الاختلاف والإعجاز، أما الترادف خارج النص القرآني فممكن جداً وموجود بكثرة، وهو الأمر الذي يجعل الإعجاز جلياً فيبدو الفرق بين كلام البشر وكلام الله مع أن اللغة واحدة. وما أشار إليه العسكري: (ثم كثر ذلك حتى استعمل أحد اللفظين في موضع الآخر)، يؤيده الشاهد الآتي عند الكرماني في الحديث عن (أتى وجاء)، قال تعالى: (فلمّا أتاها) في طه، وفي النمل: (فلما جاءها)، وفي القصص (أتاها)؛ لأن (أتى) و(جاء) بمعنى واحد، لكن لكثرة دور لفظ الإتيان في طه نحو (فأتياه)، (فلنأتينك)، (ثم أتى)، (ثم ائتوا صفاً)، (حيث أتى) كان لفظ (أتاها) به أليق، ولفظ (جاء) في النمل أكثر نحو: (فلما جاءتهم) (وجئتك من سبأ)، (فلما جاء سليمان) كان لفظ (جاءها) به أليق، وألحق القصص بـ(طه) لقرب ما بينهما.ا.هـ.
عليه نجد مسألتين: الأولى ما جاء عند العسكري من أن سبب الترادف -في جاء وأتى وربما غيرهما- كثرة الاستخدام، والأخرى كما جاء عند الكرماني من أن الترادف يميِّزه السياق في كتاب الله، وهذا يقتضي أن هناك ترادفاً في غير القرآن الكريم لا يميزه شيء، وأن هناك ترادفاً في القرآن الكريم يميزه السياق والإعجاز فيصبح غير مترادف، ونرجع هنا لمقولة الدكتور يحيى: يستحيل أن يكون ثمة ترادف في كتاب الله. |