د. رفعت السعيد
ونحن من الذين نعتبر القضاء المرفأ الأخير?,? والحصن المنيع?,? ونحن الأشد حاجة إلي الاستناد لقضاء شامخ ومستنير?,? ونحن الذين ساندنا وقفة القضاة من أجل قضاء مستقل ومتحرر من أية ضغوط من السلطة التنفيذية أو الإدارية?.? ونحن الذين سكتنا حتي علي مااعتقدنا أنه تصرفات غير متوقعة مثل خروج القضاة إلي الشارع?,? وإفساحهم المجال لقوي أرادت أن تستثمر وقفتهم لأهداف تخصها وهي بالضرورة لا تخصنا?,? ولا تخص الوطن?,? ولا تخص الديمقراطية?.? ومثل تقاذف القضاة مع بعضهم بعضا بالاتهامات?.?
?
..? سكتنا عن ذلك وواصلنا دعمكم لأنكم الملاذ الأخير وذلك رغم اشفاقنا من أن يمس ذلك هيبة القضاء الذي اعتدنا علي ألا تمس ولو بأقل قدر?.?
ولكن?..? أتت في جمعيتكم العمومية الأخيرة صيحات أدهشتنا وحتمت أن نخاطبكم بقدر من الصراحة محتمين بما نعتقد أنه الود الصافي والمتبادل?,? والثقة المتبادلة أيضا في أننا لا نستهدف إلا مافيه الخير لمصر وشعبها وإلا مايعطي للقضاة حقهم ويحفظ لهم قدرهم?.?
أما الصيحات التي أدهشتنا فهي تلك التي ترددت في الجمعية العمومية الأخيرة لنادي القضاة ثم في تصريحات منسوبة لمسئولين في نادي القضاة رافضة ومن حيث المبدأ تعيين المرأة في منصب القضاء?.?
فكيف ? ولماذا ? وبأي حق ?
وقبل أن ندخل في حجج دستورية وقانونية وعقلانية وحتي تراثية أستأذن في أن أسأل?:?
ـ هل من حق ناد أو هيئة ما أن تتخذ قرارا بحرمان نصف المجتمع أو حتي ماهو أقل من نصف المجتمع من المشاركة فيما تقوم به من عمل?,? أم أن ذلك أمر ينظمه القانون?
ـ وماذا لو اجتمعت نقابة مهنية ما أو ناد ما واتخذ قرارا تحت ضغط قوي سياسية ما وقرر قرارا مماثلا ? فإلي أين ستسير مصر?
ـ وبعد قرار كهذا هل تجرؤ امرأة علي اللجوء لمنصة القضاء طالبة القضاء بحقها في شغل وظيفة القاضية أو حتي أية وظيفة أخري?,? أم أن هذا القرار سيعني بالضرورة سبق الفصل في هذه الدعوي??!.?
وأيضا ـ وأرجو ألا أغضبكم ـ هل لهذا الموقف علاقة ببروز مايخيفنا في صفوفكم من توجهات وسمات وثياب وتصريحات وحتي أحكام توحي بتوجه ما?,? وهو مايتعين علي القضاة أن يرفضوا أن تنقسم صفوفهم إلي سمات وملابس وإشارات وتوجهات تتخذ في نهاية الأمر منحي سياسيا?,? وهو مابرز في أحيان ما خلال رقابة القضاء علي العملية الانتخابية?.? وهل يأمن انسان مثلي أو مثل الكثيرين غيري أن يقف أمام منصة قاض تبدو عليه ملامح وسمات وتصرفات وملابس تعطي إشارات بتوجهات نقف ضدها وتقف ضدنا?
وبعد هذه الأسئلة التي قد يبدو بعضها أو حتي كلها ساذجة?,? أرجو أن تأذنوا لي بأن أكون كمن يبيع الماء في حارة السقايين فأشير الي مواد من الدستور?:?
م?8:? تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين?.?
م?11:? تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع ومساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية?,? دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية?.?
م?40:? المواطنون لدي القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة?,? لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة?.?
ولا يحتاج الأمر إلي أي تعليق?.? أو أي شرح?..? فأنتم ياسادتي أقدر وأدري بالمعني الكامن في النص وهو نص آمر وحاكم ولا مجال للتنصل من إعماله?.?
ولعلكم الأكثر معرفة ودراية بأحكام المحكمة الدستورية العليا والتي أكدت أهمية المساواة بين أصحاب المراكز القانونية المتساوية?,? واستأذن في إيراد نص من أحد أحكام المحكمة يقول?:? إن صور التمييز المجافية للدستور قوامها كل تفرقة أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون?,? وذلك سواء بإنكار أصول وجودها أو تعطيل أو إنقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها علي قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها?,? وبوجه خاص علي صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية?(? القضية رقم?30? لسنة?15? قضائية دستورية بتاريخ?1994/12/3)? والأحكام كثيرة في هذا الصدد?.?
فإذا أتينا الي الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر ثم صدقت عليها فأصبحت بذلك جزءا لا يتجزأ من الكيان القانوني المصري?,? نجد الاتفاقية الدولية التي تحظر جميع أشكال التمييز ضد المرأة?(? اتفاقية سيداو?)? وقد وقعت عليها مصر منذ عام?1980? فاننا نجد نصا فيها يوجب علي الدولة الموقعة أن تتخذ في جميع الميادين ولاسيما الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية كل التدابير المناسبة بما في ذلك التشريع لكفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين?,? وذلك كي يضمن لها ممارسة حقوق الانسان والحريات الأساسية والتمتع علي أساس المساواة مع الرجل?.?
والاتفاقيات الماثلة كثيرة والنصوص أكثر?..? وأنتم الأدري بذلك?.?
ولعل ـ أقول لعل ـ أن ثمة خبيئا يختبيء خلف هذا الموقف?,? خبيء يقول أو بالدقة يزعم أن ثمة مانعا دينيا يمنع جلوس المرأة مجلس القضاء?.? فهل هذا صحيح?
لست أعتقد?.? فالسيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ جلست مجلس القضاء?,? وفاطمة الزهراء كانت تحاضر في ملأ من الرجال والنساء في أمور الدنيا والدين?,? وزينب بنت المؤيد?(? القرن السادس الهجري?)? كانت من أشهر فقهاء عصرها?,? وكانت تدرس الشريعة في أشهر مساجد عصرها?..? وجلست هي أيضا مجلس القضاء?,? والإمام أبو حنيفة النعمان الذي يتبعه معظم أهل السنة أفتي جازما بحق المرأة في الجلوس مجلس القضاء?.? ولعلكم تعرفون أن القانون المصري يعتد فيما يتعلق بالأحوال الشخصية بأرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة?.?
فلماذا ياسادتنا ? وبأي حق تضعون بينكم وبين حقوق المرأة في تولي القضاء حاجزا مؤلما وغير مقنع?..? وهو أيضا ذو أثر سلبي علي مسيرة الوطن?
ويبقي أخيرا أمران?:?
أولهما من منا نحن الذين درسنا القانون لم يجلس مجلس التلميذ المنصت لسيدة تولت موقع الأستاذية في القانون?.? هن كثيرات وتعلمنا علي أيديهن?,? فكيف لمن تتلمذ أن ينفي عن من تعلم علي يديه حق استخدام المعرفة التي استقاها منه كما يستخدمها هو? وذلك ليس بسبب سوي التفريق الذي لا يقوم علي أساس من دين أو دستور أو قانون?..?
أما الثاني فهو ـ وأستأذنكم في ذلك ـ أن مصر والمصريين يتطلعون إلي دور للقضاة يحمي الديمقراطية?,? والحقوق المتكافئة?,? والمساواة?..? يتطلعون إلي أن يكون القضاة رافعة للمزيد من الحرية والتحرر واحترام حقوق الإنسان?..?
ياقضاة مصر نحتاج إليكم في معركة التقدم فكونوا معنا ولا تخزلونا
وعلي أية حال فإن لكم كل الاحترام?.?