وصية السكاكيني كن أول من يقيّم
الخميس 10/4/ 1941 خطر لي أن أكتب وصيتي وأن أكتب بيدي صورة النعي وكتاب الشكر، من ذلك ما يأتي 1- إذا مرضت مرضتي الأخيرة فليزرني الطبيب كل يوم، ولتلازمني ممرضتان، الواحدة للنهار والثانية لليل 2- لا يزرني أحد من قريب أو بعيد، فليس أصعب على المريض المشرف على الموت من أن يرى الناس يعودونه وعلى وجوههم علائم القلق 3- يمسح جسمي كل يوم بالماء، ولتغير ثيابي وفراشي، وإذا أمكن أن يزورني الحلاق كل يوم فليفعل 4- إذا هلكت وكل حي لا محالة هالك، فلأوضع في تابوتي بثيابي التي علي، وليغط جسدي بمنشفتي البيضاء منشة الحمام 5- ليؤخر دفني إلى أربعة أيام على الأكثر، وإلى يومين على الأقل 6- قد عولت من اليوم أن أستقبل الموت باسما، وأني أحب أن يتلقى أحبائي موتي باسمين، لنكن أول من يسير على هذه السنة، لنكن قدوة حسنة لغيرنا، ليعرف الناس أن أسرة السكاكيني لا تخاف من الموت ولا تبالي به، ولا تأسف على الدنيا، ولا تقيم لها وزنا، وليجزع من شاء، وليتعلق بالدنيا من شاء وأما نحن فلا ، إذا كتبت لنا الحياة فلنعش كأننا نعيش أبدا، لنتمتع ما وسعنا أن نتمع بها، وإذا كتب لنا الموت فلنمت باسمين، ولنحسب أننا في حلم، ليعلم أحبائي أني معهم أبادلهم الابتسامات، لنكن أول من يحسب الموت والحياة شيئا واحدا، لنكن أول من يهزأ بالموت، لنقل للحياة أنت أكذوبة ولنقل للموت أنت لا تستطيع أن تفرق بيننا، لنقل بلسان البكتيتوس: لابد أن اموت ولكن أأموت محزونا. وهنا أذكر أني مرة وقفت إلى المرحون سليم السلفيتي بعد وفاة أخيه المرحوم ميخائيل أسأل خاطره، وبيت السلفيتي هؤلاء معروفون بخف الروح فقال لي وعلى وجه علائم الجد: أتعرف إن أخي الآن قد وصل إلى أفغانستان ! لنتشبه بسليم هذا، فإذا وقف إليكم أحد يسأل خاطركم بعد موتي قولوا له: لقد وصل الآن إلى أفغانستان، أو القطب الشمالي، وهو يسلم عليكم 7- لا يصل علي أحد ولا يُدعَ إلى جنازتي احد رجال الدين 8- قد يقبل الناس عليكم يعزونكم استقبلوهم هاشين باشين، كأن ليس في البيت جنازة 9- لا يخرج في جنازتي أحد وهنا أستعير ما قاله عمرو بن العاص عند موته لبنيه: "إن أنا مت فلا تبكوا علي، ولا يتبعني مادح ولا نائح" ضعوني على عربة الموتى، ولا يتبعني إلا سيارة أو سيارتان تحملان أقرب الناس إلي: أولادي وأختي ميليا،، وبعد أن تواروني في التراب تحت أقدام سيدتي "أم سري" هنئوني أني لحقت بها وخلصت من هذه الدنيا، ثم هنئوا بعضكم بعضا بأني رحلت عن هذه الدنيا وقد استوفيت حظي من كل شيء،، الخلاصة أحب أن أضع سنة جديدة وهي أن نضحك بدلا من أن نبكي،، اضحك يا سري، اضحكي يا دمية ويا هالة، واضحكي يا أختي، واضحكوا يا أهلي ويا أصدقائي فإن الدنيا لا تعادل دمعة،، كان الأولى ألا نعيش أما وقد قدر لنا أن نجيء إلى هذه الدنيا فاغتنموا فرصة وجوجدكم وانعموا ولذوا واضحكوا إلى أن يحين الأجل فيرجع كل منكم إلى العدم، وقد قضيتم شهوتكم من هذا الوجود 10- لا أحب أن يزورني أحد بعد دفني، ولا تحسبوا أن القبر يضمني، ولكن أينما التفتم وجدتموني: في البيت، في الطريق، في المدرسة في غرفتي، في القدس، في فلسطين، في العالم كله، سأكون مثل الله موجودا في كل مكان، ولكن إلى حين. 11- (تتمة الوصية ص360) أكرر وصيتي هنا أن يؤخر دفني إلى أن يدب الفساد في جسدي 12- بعد دفني ليرسل هذا النعي إلى الجرائد: (أيها الناس إن خليل السكاكيني من يعرفكم وتعرفونه، من جال بينكم السنين الطوال يعالج حظه كما تعالجون حظوظكم، ويحاول أن يختبر الدنيا كما تحاولون أن تختبروها وقد كان في كل حياته راضيا مسرورا إلى أن انقض الموت على سيدته "أم سري" وهي في قمة الحياة فصحب الدنيا بعدها بلا سرور ولا امل، يزورها في كل يوم ويبلل مثواها بدموعه،، إن خليل السكاكيني هذا قد فارق الحياة يوم كذا الساعة كذا، الشهر كذا، السنة كذا متمما واجباته الدينية، لا عليه ولا له،، فارق الحياة وهو يشكر ما لقيه منكم من الود واللطف والإحسان ويرجوكم أن ترفقوا بأنفسكم وأن تنسوه (ستأتي البقية) 13- (ص365) لا يصل علي أحد 14- لا يشيعني إلى القبر أحد إلا أسرتي 15- لا يعز أهلي بي أحد 16- لا حداد 17- لا دفن إلا بعد أن يدب الفساد 18- ليكن دفني تحت قدمي سيدتي أم سري 19- لا يهون عليكم الخطب إلا احد أمرين: إما أن تحسبوا أني لم أكن، وإما أن تحسبوا أني لم أمت: فعلى الاعتبار الأول لم تكن حياتي إلا حلما، وعلى الاعتبار الثاني أحيا بينكم بالروح. 20- (ص366) تحدثني نفسي أن ألغي وصيتي واكتفي بوصية واحدة وهي ألا أدفن إلا بعد أن يدب الفساد فيّ 21- إذا سئلتم عني بعد موتي فقولوا: تقمص إلى جسد آخر 22- احتفظوا بمكتبتي بكتبي، ودفاتري ويومياتي ورسائلي وأقلامي ونارجيلتي وأدوات حمامي، فقد أعود من وقت إلى آخر فأجلس وراء طاولتي وأكتب رسائل إليكم 23- (تتمة: ص 370) لنرجع إلى الوصية: ليكن شعاركم بعد الآن: "الخطب هين" إذا لم يكن بد من الموت إن متنا كبارا أو صغارا قبل الأجل أو بعده فإن الأيام القليلة التي نحرم منها لا تستحق أن يؤسف عليها، أحبوا الحياة واستمتعوا بها ولكن لا تخافوا من الموت
|