البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات زهير ظاظا

 371  372  373  374  375 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
الطريق إلى كابل    كن أول من يقيّم

وقال الهيثم: صار الحجاج إلى البصرة فوجه جيشاً لمحاربة ابن الأشعث وضمه إلى ابنه محمد بن الحجاج فواقعه بمسكن فقتل بسطام بن مصقلة وجماعة بايعوه على الموت ثم بعد مسكن بالسوس ساعة من نهار، ثم إن ابن الأشعث انهزم وأصحابه حتى صاروا إلى سابور من فارس. فاجتمعت إليه مع أصحابه الأكراد فقاتلهم عمارة قتالاً شديداً ثم إن ابن الأشعث انهزم ومن معه. وقاتلت الأكراد بعد مضي ابن الأشعث عمارة قتالاً شديداً على العقبة.
وأتى ابن الأشعث كرمان فتلقاه عمرو بن لقيط العبدي، وكان خلفه عليها، فهيأ له نزلاً، وقال رجل من عبد القيس لابن الأشعث: والله لقد بلغنا أنك كنت جباناً ? فقال: والله ما جبنت، ولقد دلفت بالرجال إلى الرجال ولففت الخيل بالخيل، وقاتلت فارساً وراجلاً وما تركت العرصة للقوم حتى لم أجد مقاتلاً، ولكن زاولت ملكاً مؤجلاً له مدة.
وأمد الحجاج عمارة بن تميم بخيل كثيفة، وأمر محمداً ابنه بالانصراف إليه، وولى عمارة بن تميم سجستان، ثم إن ابن الأشعث فوز بمن معه في مفازة كرمان، وأهل الشام يتبعونه، فدخل بعض الشاميين فضل في المفازة، فإذا فيه شعر كتبه بعض أصحاب ابن الأشعث في صحيفة، ويقال في حائط:
أيا لهفي ويا حزني جميعاً ويـا  حرّ الفؤاد لما iiلقينا
تركنا الدين والدنيا iiجميعاً وأسلمنا  الحلائل iiوالبنينا
ألا كـنـا أناساً أهل دين فـنصبر للبلاء إذا iiابتلينا
ألا كـنـا أناساً أهل iiدنيا فنمنعها  وإن لم نرج iiدينا
تـركنا دورنا لطغام iiعك وأنباط القرى iiوالأشعرينا
ثم إن ابن الأشعث سار إلى مدينة زرنج بسجستان وفيها رجل من بني تميم كان خلفه عليها يعرف بالبعار، فلما علم أن ابن الأشعث منهزم، أغلق باب المدينة دونه ومنعه من دخولها التماساً للتقرب بذلك إلى الحجاج وتلافي أمره عنده، فأقام عنده، فأقام ابن الأشعث عليها أياماً فلما لم يصل إليها أتى بست فاستقبله عياض بن عمرو السدوسي صاحبه بها وقال له: انزل، فجاء حتى نزل، فلما تفرق أصحابه في المنازل وأغفلوه وثب عليه فأوثقه ليأمن بها عند الحجاج ويتخذ لديه مكانة.
وعلم رتبيل بمقدم ابن الأشعث فاستقبله في جنوده، فلما أوثق ابن الأشعث ذهب رجال من أصحابه يركضون حتى استقبلوا رتبيل فأخبروه بما ركب عياض صاحبه منه، فجاء رتبيل حتى أحاط ببست، ثم نزل وبعث إلى عياض فقال: والله لئن أقذيت عينه أو ضررته أدنى مضرة أو رزأته حبلاً من شعر، لا أبرح حتى أقتلك وجميع من معك، ثم أسبي ذراريكم.
فأرسل إليه: أعطنا أماناً على أنفسنا وأموالنا، ونحن ندفعه إليك سالماً موفوراً، فأمنهم ففتحوا الباب لابن الأشعث وخلوا سبيله.
واستأذن ابن الأشعث رتبيل في قتل عياض فقال: قد أمنته، قال: فأذن لي في الاستخفاف به فأذن له في ذلك، فأمر أن يوجأ عنقه ثم تركه، ويقال إن رتبيل وجه من يخلص ابن الأشعث وقدم إليه بعياض، ولم يتول أمره.
ولما صار ابن الأشعث إلى رتبيل أعظمه وأكرمه وقام له الأتراك ولمن معه، ووفى بما كان بينه وبينه قبل شخوصه عن سجستان.
وقدم فلال ابن الأشعث عليه من كل وجه، فاجتمع إليه منهم عشرون ألفاً فأمروا عليهم عبد الرحمن بن العباس الهاشمي، وحاولوا فتح زرنج، وكتبوا إلى ابن الأشعث فأتاهم فلما صار بزرنج وفتحها أخذ البعار فضربه وحبسه.
وقال أصحاب ابن الأشعث حين قرب منهم عمارة بن تميم بن فروة اللخمي: أخرج بنا من سجستان ودعها لأصحاب الحجاج وائت خراسان، فقال: إن بخراسان يزيد بن المهلب وهو رجل شاب شجاع ولن يترك لكم سلطانه لو دخلتموها، ولن يدع أهل الشام أيضاً اتباعكم فأكره أن يجتمع عليكم أهل الشام وجند خراسان.
فقالوا: إنما أهل خراسان منا، نرجو إن دخلتها أن يكون من يتبعك منهم أكثر ممن يقاتلك. وهي أرض طويلة عريضة نتنحى منها إلى حيث شئنا إن أردنا التنحي، ونقيم بها إلى أن يهلك الله عبد الملك والحجاج ونرى من رأينا.
فقال: سيروا على اسم الله، فسار ابن الأشعث بأصحابه حتى قرب من هراة فلم يشعر حتى فارقه عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة القرشي في ألفين، وأخذ طريقاً غير طريقهم، وجعل يفسد الناس على ابن الأشعث.
وقال بعضهم: أتى البصرة بعد ذلك فغلب عليها ثم هرب.
وقال ابن الأشعث لأصحابه إني قد شهدت بكم هذه المواطن فليس منها مشهد إلا وأنا أصبر لكم فيه نفسي حتى لا يبقى معي منكم أحد، فلما رأيت أنكم لا تقاتلون ولا تصبرون أتيت ملجأ ومأمناً، فكنت به فجاءتني كتبكم بأن أقبل إلينا فقد اجتمعنا بزرنج، وأمرنا واحد، وكلمتنا مجتمعة، فأبيتم قتال عدوكم ورأيتم أن نمضي إلى خراسان، وزعمتم أنكم مجتمعون لي وأنكم لن تتفرقوا عني، وهذا عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة قد صنع ما رأيتم فحسبي منكم فاصنعوا ما بدا لكم فإني منصرف إلى صاحبي الذي أتيتكم من عنده، فمن أحب منكم أن يتبعني فليفعل، ومن كره ذلك فليذهب إلى حيث أحب في خيار من الله.
فتفرقت منهم طائفة، وخرجت معه منهم طائفة حتى أتوا معه رتبيل، وبقي عظم العسكر فوثبوا إلى عبد الرحمن بن العباس الهاشمي فبايعوه. وانتهوا إلى هراة فلقوا بها الرقاد الأزدي فقتلوه

5 - مارس - 2009
دير الجماجم (شعر الفرزدق)
معركة هراة    كن أول من يقيّم

وسار إليهم يزيد بن المهلب فلقي عبد الرحمن بن العباس ومعه خلق كثير فقاتلهم بهراة فهزمهم يزيد وفلهم وقتل خلقاً منهم فما أحصوا إلا بالقصب، وأخذ رؤوس من معهم أسرى فكان فيهم
 محمد بن سعد بن أبي وقاص
وعمر بن موسى بن عبد الله بن معمر التيمي، وكان على شرطته بعد الجماجم،
وعتبة بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس،
وعاصم بن قيس التميمي.
وأسر يومئذ الهلقام بن نعيم بن القعقاع بن معبد بن زرارة بن عدس،
وعياض بن الأسود بن عوف الزهري، ويقال إنه قتل بالزاوية.
وعبد الرحمن بن طلحة الطلحات الخزاعي، ويقال يزيد بن طلحة الطلحات.
وفيروز حصين المنسوب إلى حصين العنبري، وكان مولاه فحبس ابن طلحة الطلحات عنده وأمنه، وبعث بالباقين إلى الحجاج، ويقال إنه صفح عن جميع الأسراء اليمانية وبعث بمن سواهم

5 - مارس - 2009
دير الجماجم (شعر الفرزدق)
محاكمة محمد بن سعد بن أبي وقاص    كن أول من يقيّم

فقال الحجاج لمحمد بن سعد حين رآه، وكان أحول أسود: هذا ظل الشيطان، وثابٌ في كل فتنة، ألست صاحب يوم الحرة تقتل أصحابك كما تقتل عدوك، قال: أو ليس ذاك كان أحب إليك، قال: أما والله لا تقاتل بعدها في فتنة أبداً ثم ليصلينك الله ناراً كلما خبت زيدت سعيرا. فقال: إن الله قد أعدها لك ولقومك أكباد الحمر، وأما أنا فقد والله حشدت عليك فيمن حشد وجهدت مع من جهد، وايم الله ما أعطيت بيدي طائعاً، ولكني ضربت بسيفي حتى انقطع. فأمر به الحجاج فقتل.
ويقال إنه قال: يا ظل الشيطان أنت أعظم الناس كبراً وتيهاً، تأبى بيعة يزيد بن معاوية تشبهاً بابن عمر والحسين ثم تتابع حواك كندة ? فقال له: ملكت فأسجح، فضرب عنقه.

5 - مارس - 2009
دير الجماجم (شعر الفرزدق)
محاكمة عمر بن موسى التيمي    كن أول من يقيّم

ثم دعا بعمر بن موسى بن عبد الله فقال: أنت صاحب شرطة عبد الرحمن بن عباس ? فقال: أصلح الله الأمير، كانت فتنة شملت البر والفاجر، فدخلنا فيها وقد أمكنك الله منا فإن عفوت فبحلمك وفضلك، وإن عاقبت عاقبت ظلمة مذنبين.
فقال: أما قولك: شملت البر والفاجر فقد كذبت فيه، ما شملت إلا الفجار ولقد عوفي منها الأبرار، أما اعترافك بذنبك فعسى أن ينفعك، فعزل ناحية ورجا له الناس السلامة *.

__________

* انظر في التعليق التالي خبر إعدام عمر بن موسى بحضور الفرزدق

5 - مارس - 2009
دير الجماجم (شعر الفرزدق)
محاكمة الهلقام بن نعيم بن القعقاع    كن أول من يقيّم

وقال للهلقام: ما رجوت من اتباع ابن الأشعث ? أظننت أنه يكون خليفة ? قال: نعم قد رجوت أن يكون خليفة وطعمت في ذلك، وأن ينزلني منه بمنزلتك من عبد الملك، فغضب وقال: اضربوا عنقه. ونظر إلى عمر بن موسى وقد نحي، فقال: اضربوا عنقه فقتل، ويقال إنه قال لعمر بن موسى: أتقوم بالعمود على رأس ابن الأشعث الحائك، وتشرب معه الشراب، يا فرزدق أنشده ما قلت فيه فانشده.

أخضبت ... للزناء ولم تكن يوم الهياج لتخضب الأبطالا

قال: فوالله لقد أكرمته عن عقائل نسائكم.

وقال البلاذري في موضع آخر:

حدثنا الحرمازي، أخبرني أبو عبيدة معمر بن المثنى أن الهلقام بن نعيم التميمي قال للحجاج حين أدخل عليه، وقد حمله إليه يزيد بن المهلب: لعنك الله يا حجاج إن فاتك هذا المزوني وقد قدم قومك وأخر قومه، فوقر ذلك في قلب الحجاج وقال: أتخذني ابن المهلب جزاراً أجزر مضر وترك قومه اليمانية، وكان قد أمسك عن حمل اليمانية، وحمل غيرهم من خراسان.

 


 

5 - مارس - 2009
دير الجماجم (شعر الفرزدق)
ببّة: وهو عبد الله بن الحارث    كن أول من يقيّم

 وقتل عتبة بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة وجميع الأسراء.
وكان يزيد بن المهلب أمر حين انهزم عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ومن معه أن لا يتبعوا، فهرب عبد الرحمن إلى السند فمات بها.
وكان ممن خرج مع ابن الأشعث: ببة (1)، وهو عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، فلحق بعمان وهو شيخ كبير فمات بها.
_______
1- ترجم السخاوي لببة في (التحفة اللطيفة) فقال:
عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم: أبو محمد الهاشمي النوفلي المدني، نزيل البصرة، ويلقب ببّه لكون أمه هند أخت معاوية بن أبي سفيان كانت تنقزه وترقصه وتقول:
يـا  ببّه، يا iiببة لا  تنكحن iiخدبة
جـاريـة iiمحبة تسود أهل الكعبة
اصطلح أهل البصرة على تأميره عليهم عند هرب عبيد الله بن زياد إلى الشام، وكتبوا إلى ابن الزبير بالبيعة، فاستعمله عليهم، ثم خرج هارباً منها إلى عمان من الحجاج عند فتنة ابن الأشعث. فمات بعمان سنة أربع أو ثلاث وثمانين. يروي عن: عمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب والعباس وابنه وحكيم بن حزام وصفوان بن أمية وأم هانئ ابنة أبي طالب وميمونة وكعب الأحبار وجماعة، وأرسل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، بل ذكر ابن سعد: أنه تابعي ثقة، أتت به أمه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ دخل عليها: فتفل في فيه. ودعا له.
وقال العجلي: مدني تابعي ثقة، وشهد الجابية. روى عنه: ابناه إسحاق وعبد الله وأبو التياح يزيد بن حميد، والزهري وعبد الملك بن عمير ويزيد بن أبي زياد وهو مولاه وعمر بن عبد العزيز وأبو إسحاق وآخرون. قال الواقدي: ثقة كثير الحديث، بل قال يعقوب بن شيبة: ثقة ثقة. ظاهر الصلاح وله رضى في العامة،
وقال ابن حبان: هو من فقهاء أهل المدينة،
وقال ابن عبد البر: في الاستيعاب: أجمعوا على أنه ثقة.
قال ابن حبان:توفي سنة سبع وسبعين، قتلته السموم، ودفن بالأبواء بعد أن صلّي عليه سليمان بن عبد
الملك، قال وقيل: إنه مات بعمان، يعني كما تقدم. قال شيخنا: وهو المعتمد، والذي مات بالسموم ولده عبد الله


5 - مارس - 2009
دير الجماجم (شعر الفرزدق)
نهاية ابن الأشعث    كن أول من يقيّم

قال البلاذري:
وقال المدائني في إسناده: لما خرج ابن الأشعث من هراة، أشار عليه مودود بن بشر العنبري ألا يأتي رتبيل وأن يتحصن ويقاتل حتى يظفر أو يؤمن أو يموت كريماً فأبى، وأتى رتبيل وأقام مودود متحصناً في مدينة زرنج، فأتاه عمارة بن تميم اللخمي في أهل الشام فحصره حيناً ثم أمنه وأصحابه فوفى لهم الحجاج وقال لمودود: أي الأرض أحب إليك ? قال: البصرة. قال: فأيها أبغض إليك قال: عمان. فسيره إلى عمان. وفي مودود يقول بعض همدان ممن كان مع عمارة:
لـلّـه  عيناً من رأى من iiفوارس أكـر على المكروه منهم iiوأصبرا
فـما برحوا حتى أعضوا iiسيوفهم بـذي الـهام منا والحديد iiالمسمرا
فـلـو أنـهـم لاقوا قواماً iiمقارباً ولكن لقوا موجاً من البحر أخضرا
قالوا: ولما صار عبد الرحمن إلى رتبيل منصرفه من خراسان وأقام عنده. كتب الحجاج إلى رتبيل: أما بعد فإن الكذاب الشرود عدو الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس بن معدي كرب، فأما معدي كرب فإنه عاهد مهرة فغدر بهم فظفروا به فجدعوا أنفه وأذنيه، وشقوا بطنه وملأوه حصىً، وأما قيس فإنه عاهد مذحج ثم غدر بهم فقتلوه، وأما الأشعث فإنه كفر بعد إيمانه وغدر بقومه فأسلمهم لينجو، وأما محمد فغدر بأهل طبرستان وهذا رجل غدار فاجر مائق معرق له في الغدر والفجور، فلا تثق به ولا تمنعه ولا تؤوه.
وتتابعت كتب الحجاج إلى رتبيل في ابن الأشعث بالوعيد والترغيب والترهيب، حتى كان خوفه أكثر من رجائه، وقال في بعض كتبه: لئن لم تسلمه وتبعث به إلي أو تخرجه من بلادك إلى غير حرز لأبعثن إليك مائة ألف ومائة ألف من أهل الشام والجزيرة وأرمينية وأهل خراسان، ولئن أسلمته أو أخرجته لأضعن عنك الأتاوة سبع سنين.
وكان عند رتبيل رجل من بني يربوع يقال له عبيد بن سبع بن أبي سبع، فقال لرتبيل: أنا آخذ لك من الحجاج أماناً وكتاباً بوضع الخراج عن أرضك سبع سنين، ولا تغزى، على أن تدفع عبد الرحمن بن محمد إليه.
فسفر بينه وبينه عمارة بن تميم، ويقال إنه أتى الحجاج فتوثق منه لرتبيل.
وبعث رتبيل إلى الحجاج برأس ابن الأشعث، فوفى له الحجاج بالصلح، فيقال أن ابن الأشعث مات حتف أنفه، فلما أرادوا دفنه احتز رتبيل رأسه وبعث به إلى الحجاج، ويقال بل دس له شربة أضنته وقتلته، فأخذ رأسه حين مات وبعث به إلى الحجاج فكانت امرأته مليكة- كما زعموا- تقول: مات ورأسه على فخذي، فلما أرادوا دفنه أمر رتبيل فاحتز رأسه، وكان قد أصابه السل.
وقال الهيثم بن عدي عن أشياخه: كان عبيد بن سبع مولى بني تميم تاجراً يدخل بلدان رتبيل وكان عاقلاً، وهو كان الداخل بين ابن الأشعث ورتبيل في الصلح، فبلغ ابن الأشعث عنه شيء فأراد قتله، فصار عليه، فلم يزل يحذر رتبيل الحجاج ووفاءه بما كان يتوعده به، ويخوفه أهل الشام، وقال: ابعثني أتوثق لك وعمارة ففعل، واشترط له عمارة ألا تؤخذ الجزية منه عشر سنين ولا يغزى.
فكتب عمارة بذلك إلى الحجاج فأنفذه الحجاج وأجازه، فلما هم رتبيل بالغدر بابن الأشعث قال له: فرق أصحابك فإن البلاد لا تحملهم، ففعل، ثم صنع طعاماً فحضره وجعل يعظمه، وأمر أساورته فكفروا له، وأقبل على طعامه، ثم أشار إلى أساورته بأن يأخذوه ومن معه في البيت من آل الأشعث.
وتسامع أصحاب ابن الأشعث بذلك فهربوا على وجوههم، وأخذ من أهل بيته جماعة يقال ثمانية عشر، ويقال سبعة وعشرين فبعث بهم إلى عمارة فقتلهم جميعاً، وبعث بابن الأشعث إلى الحجاج فرمى بنفسه من قصر أنزله في طريقه فمات فأخذ رأسه.
وقال أبو الحسن علي بن محمد المدائني في إسناده: أتى عبيد بن سبع عمارة وهو ببست فقال: ما تجعلون لي ولرتبيل إن دفع إليكم ابن الأشعث ? فجعل له ثلاثمائة ألف درهم وجعل لرتبيل ألا يؤخذ منه الخراج سبع سنين ولا يغزى.
وكتب إلى الحجاج أن عبيد بن سبع أحد بني يربوع ذكر كذا وسأل كذا. فكتب إليه: أعطه ما سأل لنفسه، وأعط رتبيل ما سأل له.
ثم قدم على رتبيل فقال له: ما كنت صانعاً فاصنعه فقد توثقت لك وإلا أتاك ما لا قبل لك به من جنود أهل الشام والمصرين والجزيرة وخراسان، وهيبه الحجاج، وأخبره بغدر ابن الأشعث، فأجابه إلى إسلام ابن الأشعث وجاء ابن الأشعث فدخل على رتبيل فلما جلس قام رتبيل فقال: قد جاشت نفسي: وترك ابن الأشعث في المجلس فقام إليه النعار، وقد كان أخرج من محبسه فضرب رأسه بعمود حديد كان معه فشجه وأثخنه، فقال: ويلك أخذت لها جعلاً.
ثم أخذوا ابن الأشعث فأوثقوه وناساً من آل ابن الأشعث، وقيل لأصحابه إنكم آمنون فاذهبوا حيث شئتم، وبعث بابن الأشعث ومن معه من حرمه إلى عمارة بن تميم اللخمي لينفذهم إلى الحجاج ووكل بهم جماعة من جند رتبيل فسلموهم إلى عمارة بن تميم.
وصير عليهم عمارة رجلاً من بني تميم وسير معه رجلاً من بني ربيعة بن حنظلة كان أتى عنزاً فلقب أبا العنز، فجعل مع ابن الأشعث في سلسلة واحدة. فلما صار بالرخج رمى ابن الأشعث نفسه من جبل، ويقال من فوق سطح عال كان إلى الطريق وأبو العنز فوقه فتدهدى وأبو العنز يقول له: أنشدك الله والصحبة، فلما وافيا الأرض مات أبو العنز، ثم لم يلبث ابن الأشعث أن مات.
واحتز رأسه وحمل إلى الحجاج، وقدم بالقاسم بن محمد وأهل بيته ومليكة بنت يزيد الأزدي امرأة عبد الرحمن وأمه على عمارة فحملهم، فقال الحجاج: يا مليكة: أسلطاننا خير أم سلطان رتبيل ? فظنت أنه عرض بها فقالت: ما كنت فحاشاً. فقال: إني لم أذهب إلى حيث ذهبت. فقالت: سلطانك خير لنا.
وقال الحجاج لأم عبد الرحمن: ويقال لأمرأته: أخذت مال الله فوضعته تحت ذيلك، فقال عنبسه بن سعيد بن العاص: لقد أعففت المنطق، قال: أفكنت تراني أقول الأخرى ? ولما رأى الحجاج رأس ابن الأشعث قال: لقد كنت عالماً بتيهه وموقه وسخافة عقله، ولكن الله أراد أن يهلك به جيلاً من خلقه كانت له فيهم نقم. وتمثل:
أبى حينه والموت إلا تهورا  فلاقاه عبل الساعدين شتـيم
كريه المحيا باسل ذو عرامة  فروس لأعناق الكماة أزوم
فقال ناعصة بن يزيد القيني. ويقال إنه من غير القين: لا يبعد الله إلا من عصاك. قالوا: وبعث برأسه إلى عبد الملك، فبعث به عبد الملك، إلى عبد العزيز بمصر، فقال الشاعر:
هيهات  موقع جثة من iiرأسها رأس بـمصر وجثة iiبالرّخج
قـتـلوه قسراً ثم قالوا iiبايعوا وجرى البريد برأس قرم أبلج
وقدم بالقاسم بن محمد ومن معه من أهله على الحجاج فاستبقى القاسم ولم يقتله

5 - مارس - 2009
دير الجماجم (شعر الفرزدق)
محاكمة عبد الله بن إسحاق بن الأشعث    كن أول من يقيّم

قال: ولم يقتل من آل ابن الأشعث أحداً يعرف غير عبد الرحمن وعبد الله بن اسحاق بن الأشعث. وكان عبد الرحمن بن محمد ولى عبد الله بن اسحاق الكوفة فلما هزم عبد الرحمن خرج وهو يريد عبد العزيز بمصر وكان ابن خالته، فأخذ طريق السماوة فانتهى إلى ماء من مياه كلب. فنزله فوجد الأعراب منه ريح الطيب فقالوا: إن لهذا شأناً، ولم يعلمهم من هو فأخذوه فأتوا به عبد الملك فضرب عنقه.
وكانت أم عبد الله بن إسحاق الشعثاء بنت زبان بن الأصبغ الكلبي، وأم عبد العزيز ليلي بنت زبان.
 
وقال البلاذري في ذيل حديثه عن مقتل سعيد بن جبير:
 
 وحدثني أبو مسعود الكوفي عن عوانة قال: لما أخذ الأعراب عبد الله بن إسحاق بن الأشعث فأتوا به عبد الملك قال له عبد الملك وقد أدخل عليه بحمص: ألم أقدم الكوفة حين قتلت مصعباً فوجدتك في ستمائة من العطاء فبلغت بك ألفين، ووليت بشراً أخي الكوفة فأمرته أن يجعلك في صحابته، وحملتك على دابة من دواب رجلي وخلعت عليك ثياباً من ثياب بدني ?. قال: بلى. قال: ثم بلغني أن بشراً غضب عليك في حمقة من حمقاتك، فإنك من أهل بيت حمق ولؤم، فأغزاك أصبهان فكتبت إليه أعزم عليه أن يقفلك ويعيدك إلى حالك ففعل ? قال: بلى، قال: فلعنتني على منبر البصرة وشتمتني على منبر الكوفة وأخذت رسولي فقطعت يديه ورجليه وصلبته منكوساً ? قال: بلى. قال: فأنت ترجو الهوادة عندي لا أم لك. وتمثل:

أبعد الذي بالنعف نعف كويكبٍ

 

رهينة رمس من تراب وجندل

أذكّر بالبقيا على من أصـابـه

 

وبقياي أني جاهد غير مؤتـل

أنختم علينا كلكل الحرب مـرة

 

فنحن منيخوها عليكم بكلكـل

قم يا عتاب بن مسروق فاضرب عنقه، ودع عليه من ثيابه ما يواري عورته. فقال: قد أمنني عبد العزيز، فقال عبد الملك: ما يقول ? فأخبر به، فقال: كذب ولو أمنه لم أجز أمانه، فضربت عنقه.

 

5 - مارس - 2009
دير الجماجم (شعر الفرزدق)
حميد الأريقط    كن أول من يقيّم

وقال هشام ابن الكلبي: خرج الحجاج في أيامه تلك ومعه حميد الأريقط وهو يقول:
ما  زال يبني خندقاً iiويهدمه هيهات  من مصعده منهزمه
إن أخا الكظاظ من لا يسأمه .
فقال الحجاج: هذا أصدق من قول الفاسق أعشى همدان:
إن بنى يوسف للزل انزلق
وقد تبين من زال وتب. ومن دحض فانكب.
ورفع صوته ففزع الأريقط
فقال له: مالك ?
قال: إن سلطان الله عزيز، ورأيتك قد غضبت فأرعدت خصائلي واسترخت مفاصلي وأظلم بصري.
فقال: صدقت. إن سلطان الله عزيز فعد إلى ما كنت فيه.

5 - مارس - 2009
دير الجماجم (شعر الفرزدق)
صلح رتبيل    كن أول من يقيّم

قال البلاذري:
وقال أبو الحسن علي بن محمد المدائني: كان صلح رتبيل سنة ثلاث وثمانين والمدة سبع سنين ويقال تسع، ويقال عشر سنين.

5 - مارس - 2009
دير الجماجم (شعر الفرزدق)
 371  372  373  374  375