مرة أخرى : ماذا علينا ان نفعل؟     ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
أحيي الإخوة المشاركين الأعزاء ، وأشكرهم على ما أفدته من مشاركاتهم الطيبة ، كما وأحيي شيخي العزيز أبا بشار ، وأقول لحضرته : جملة أو جملتان في تعقيبك على مشاركتي السابقة(كان يحيى يتمنى من أخيه أن يقول غير هذا ، ولكنْ سبق السيف العذل !)جعلتني أكتب هذا التعليق الذي يمكن أن يبدو جزء من مضمونه لأول وهلة خارجا عن موضوع هذا الملف المفيد ؛ ولكني رأيت في فحواه ما يمكن أن يكون له علاقة بموضوع الملف ، فلذلك أقول لشيخي العزيز أبي بشار : أرجو أن لا تفهم ما كتبته أنا وكأنه نقد شخصي يطال أسلوبك بالذات ، أو يأس يطالني أنا من جهة حال الأمة ؛ وإنما هو نقد فكري يطال الأفكار لا الشخوص . فالصفات التي ننعت بها رئيس وزراء الصهاينة ( ربما نعتّه أنا وغيري من الفلسطينيين والعرب الآخرين بهذه الصفة مرات عديدة جدا من يوم أن عرفنا اسمه) تنبع عندي من مقتنا وكرهنا لكل متكبر عدواني يهضم حقوقنا ثم ينكل بنا أشد تنكيل . هذا المقت أو هذا الكره شيء ، والجهاد بالقلم في سبيل رفع الظلم واستعادة الحقوق المغتصبة شيء آخر . فكل ما أعنيه أن تعبيرنا عن عواطفنا له محله ، وتقديم الحلول لمشاكلنا له محل آخر . وأعود إلى القول : ماذا يضير النتن أن نصفه بما نصفه من نتانة وهو لا يرهب لنا جانبا على الإطلاق! هو يرهب جانب دولة مثل إيران مثلا ، فهذا ممكن ، وحق له أن يرهب ، أما نحن ، دولا وأنظمة حكم ، فليس هناك من يرهب لنا قولا ولا فعلا . إن الكلمة التي كتبتها تعليقا على الموضوع ( وفقا لطلب حضرتكم معرفة رأينا ) لم أكن أرمي من ورائها إلى إظهار يأس أو قنوط من رحمة الله تعالى وعونه للمجاهدين الصادقين ، بل إني أتيت على ذكر " أثر الفراشة " ؛ إيمانا مني بأن أمر الله فوق كل أمر ، ويده تعالى فوق كل يد ؛ ولكني من الذين يرون أن في النقد الذاتي سبيلا إلى اقتناص الموعظة ، ومن ثم استخلاص العبرة المؤدية إلى تحقيق المنفعة . والله جل وتعالى ، كما نعلم كلنا ، يعين الواعين المجتهدين المجدين الصادقين ، وييسر لهم ما يمكنهم من تحقيق أهدافهم الكريمة إذا سلموا من النزاع المؤدي إلى فشلهم وذهاب ريحهم . إن المطالب والشروط التي يشترطها رئيس وزراء الصهاينة الحالي بخصوص إنشاء دولة فلسطينية ليست جديدة كما نعلم كلنا ، وكل صهيوني نادى بها و ينادي قبل النتن وبعده ، هذا إن صدقوا في قبول تنفيذ ما يشترطون . فهم لو قلنا لهم : أتسالموننا لنهبكم ثلاثة أرباع الوطن العربي ويبقى لنا الربع ما قبلوا ، بل إنهم سوف يشترطون شروطا غير الشروط التي اشترطوها . أمام هذا الغزو الصهيوني الجارف الذي يستهدف وجودنا من أساسه ، والمدعم بآلة حربية خطيرة الفتك تمتلكها دولة عصرية أخذت بأسباب التقدم المادي وقطعت فيه شوطا خطيرا ، وخدمتها وتخدمها كل الدساتير والقوانين الأرضية ، كما قال أستاذنا زهير :( يا رب دنياك إسرائيل تخدمها = كل الدساتير فيها والقوانين ) ، أمام كل هذا أسأل : ماذا علينا أن نفعل؟ أجيب من جهتي بوجوب أن نخطو خطوة جادة أولى معروفة لدينا جميعنا ، ألا وهي توفير حرية القول والسماح بالنقد لكل موضوع يطرح في الدين أو السياسة أو غيرهما ؛ بعيدا عن الظنون والشكوك والاتهامات ، فأوجه النظر تتباين ، والمقاصد والأهداف التي نقصد تحقيقها ونهدف إلى الوصول إليها بنجاح يمكن أن تبدو لكل منا في حال لا تتفق مع الحال التي يرضاها ، فما علينا إذن إلا الجدال فيما بيننا بالتي هي أحسن ، لنفيد ونستفيد . وتبقى عواطفنا الصادقة تجاه مختلف القضايا العربية والإسلامية ، بل والإنسانية بشكل عام ، عواطف سامية المعنى ، نشترك كلنا في سموها مهما اختلفت آراؤنا وتباينت مفاهيمنا . وعلينا ، من وجهة نظر متواضعة ، أن لا نخفي عن بعضنا بعضا ما يعتمل في نفوسنا من أفكار نعرف تماما أنها لا تتفق وأفكار غيرنا ... إننا ، إن ظللنا نكتم وجهات نظرنا خشية أن نتهم بما ليس فينا ، فإن حالنا الفكرية لا بد وأن تزداد سوءا على مختلف الأصعدة ، ولا بد وأن يزداد البعد والجفاء الفكري بيننا ، وعندها لن تفيدنا الصداقة والاحترام المتبادل ، وإن كنا صادقين فيه ، فائدة ملموسة على صعيد قضايانا المتعددة . وعلى هذا ، فإنني أحب شيخي يحيى لحسن خلقه وصدق دينه دون أن أتفق معه في رؤيته الفكرية ، أو في تفسيراته أو تأويلاته دائما وأبدا ، وهو بالمقابل كذلك . وعليه أيضا ، فإنني لن أقول له : ليتك لم تقل كذا أو لم تفعل كذا ، وان السيف سبق العذل ، وكأنه ارتكب ما لا جدال في وصمه بالخطأ المؤكد ؛ وإنما يمكنني القول : أختلف معك في ما تقول ، وأرى غير ما ترى ، وعلينا أن نسعى لتقارب الأفكار أو تصحيح ما نراه خطأ منها . إن موضوعا من مثل هذا الموضوع الذي أتحدث فيه الآن ( وهو الخلاف الفكري بين الناس مع الاتهام ) يجعلني أصرح بأنني كثيرا ما أخشى الخوض في مخاضة الجدل بيني وبين طرف آخر إذا سبق الجدلَ التقرير من أحد الأطراف بأن ما يقوله هو ، هو الصحيح ولا صحيح غيره ، أو يعنون موضوعه الذي يدرجه بعنوان يدلل على حكمه على أمر من الأمور بالصحة أو البطلان ، أو بالقبول أو الرفض ، حكما مسبقا ، وما على مطالع الموضوع إلا أن يستسلم لطرح صاحبه دون جدال . إن رفض الرأي الآخر أن يذاع ، ورفض التعامل معه بموضوعية ، لأمر مقلق حقا . إن الموضوعية في الطرح الفكري تقتضي من الطارح أن يطرح الآراء جميعها في الموضوع الواحد ، ثم له أن يفندها كلها أو بعضها ويستبدل رأيه بها ، أو يتفق رأيه أو فهمه مع إحداها ، وبهذا يكون العدل والإنصاف في الطرح متحققا . ولهذا يا شيخي العزيز ، أعجبني منك نقلك لما قاله فضيلة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي من رأيه حول الإعجاز العددي في القرءان الكريم ، والذي بدا معارضا لرأي غيره ممن نقلت مواضيعهم ، وهذا ما شجعني على أن أسألك رأيك في موضوع الإعجاز المذكور ؛ مستريح الخاطر ومنفتح الفكر لأسمع منك رأيك ، وأجادلك فيه إن كان فيه للجدال مجال . بهذا تكون الأقلام قد آتت أكلها ، وأثمرت الأفكار ما لذ وطاب من ثمرها ، وما توفيقنا جميعنا إلا بالله ، عليه نتوكل وإليه ننيب . وأخيرا وليس آخرا ، أوجه شكري لأخي العزيز الأستاذ أحمد عزو؛ شاكرا له حسن ظنه بي ، فبارك الله فيه ونفع به ، وأشكره أيضا على أن نقل لنا رسالة صديقه المصري الجميل ، والتي بينت لنا كم كان سيدنا أبو بكر رضي الله عنه يحب النبي صلى الله عليه وسلم . هذا الحب العظيم من الصدّيق جعلني أفهم معنى الحب كيف يكون ، وكيف يكون الإخلاص في أسمى درجاته . بارك الله نياتكم الطيبة . |