من ذكريات الشعبي مع الحجاج كن أول من يقيّم
قال الشعبي: فوالله ما أتى لذلك الأمر إلا نحو من شهرين، حتى رفعت إليه فريضة أشكلت عليه، وهي أم، وجد، وأخت. فقال: مَنْ هاهنا نسأله عنها. قال: فدلّ عليّ، فأرسل إلي، وقال يا شعبي ما عندك في هذه الفريضة: (أم، وأخت وجد؟ ) فقلت: أصلح الله الأمير. قال فيها خمسة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. قال: من قال فيها؟ قلت: قال فيها علي بن أبي طالب، وأمير المؤمنين عثمان بن عفان، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت. قال: هات ما قال فيها علي. فأخبرته. قال: فما قال فيها بن مسعود؟ فأخبرته، قال: فما قال فيها بن عباس؟ فوالله لقد كان متفقهاً فأخبرته. قال: فما قال فيها أمير المؤمنين عثمان؟ فأخبرته. قال: فما قال زيد بن ثابت؟ قلت: أخذها من تسعة أسهم، فأعطى الأم ثلاثة أسهم، وأعطى الجد أربعة أسهم، وأعطى الأخت سهمين. فلما سمع ما كان من قول كل واحد منهم، وعرف رأيهم فيها. قال يا غلام: قل للقاضي يمضيها على ما قال أمير المؤمنين عثمان. قال الشعبي: ودخلت عليه الترك، قد شدوا أوساطهم بعمائمهم، وانتزعت السيوف من أعناقهم وأخذوا الطوامير بأيمانهم، فدخل عليه رجل من قبل أمير المؤمنين عبد الملك. فقال له الحجاج: كيف تركت أمير المؤمنين وأهله وولده وحشمه؟ فأنباه عنه وعنهم بصلاح. فقال: ما كان وراءك من غيث؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير، أصابتني سحابة في موضع كذا، فواد سائل، وواد تارع، فأرض مدبرة، وأرض مقبلة، حتى صدعت عن الكمأة أماكنها، فما أتيتك إلا في مثل مجرى الضب. فقال للحاجب: ائذن للناس فدخل عليه رجل أتاه من قبل نجد. فقال له: ما كان وراءك من غيث؟ فقال: كثير الإعصار، واغبرّ البلاد، وأكل ما أشرف من الحشيشة، فاستيقنا أنه عام سنة. فقال: بئس المخبرأنت. قال: أخبرتك بالذي كان. فقال للحاجب: ائذن للناس، فدخل عليه رجل أتاه من قبل اليمامة. فقال: هل كان وراءك من غيث؟ قال: نعم. وسمعت الرّوّاد يدعون إلى ريادها، وسمعت رائداً يقول: هلموا أطعمكم محلة تطفو فيها النيران، وتشتكي فيها النساء، وتنافس فيها المعز. فقال له: ويحك، إنما تحدث أهل الشام فأفهمهم. فقال: أصلح الله الأمير، أما تطفوا النيران، فيستكثر فيها الزبد واللبن والتمر، فلا توقد نار - يختبز بها -، وأما أن يشتكي النساء: فإنه من جذبها على إبريق لبنها فتظل تمخض لبنها فتبيت ولها أنين من عضديها، وأما تنافس المعز: فإنها ترأم من نوار النبات وألوان الثمر ما يشبع بطونها، ولا يشبع عيونها، فتبيت، وقد امتلأت أكراشها، لها من الكظّة شرّة تنزل به الدرّة. ثم قال للحاجب: ائذن للناس، فدخل عليه رجل من الموالي، كان أشجع الناس في زمانه، يقال له عمرو بن الصلت. فقال له الحجاج: هل كان وراءك من غيث؟ قال: نعم. أصلح الله الأمير، أصابتني سحابة بموضع كذا وكذا، فلم أزل أطأ في أثرها، حتى دخلت على الأمير. فقال له الحجاج: أما والله لئن كنت في المطر أقصرهم خطبة، إنك بالسيف لأطولهم باعاً وخطوة. (... يتبع) |