البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات abdelhafid akouh

 35  36  37  38  39 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
رمضــان كـريـم..    كن أول من يقيّم

 
* الصورة من موقع أجنحة .
* شكر خاص للأسـتاذ زهـير والأستاذة ضــياء  عن تساؤلهما عن سبب غيابي
والسبب صحي ( تمزق في العضلة الخلفية للفخذ ) / إصابة "جامدة قوي " بلغة
الأستاذ النويهي الذي سرتني عود ته ، وكذلك إطلالة شاعرنا الرقيق الأستاذ السعدي .
 
* تقبل الله صيامكم و قيامكم في هذا الشهرالفضيل ، رمضان الأبرك / آمين آمين
 يا رب العالمــين .

17 - سبتمبر - 2007
رمضان كريم
كيف نفكر في الصلة بين العلم والدين?    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

*إهـداء للأسـتاذ النويهي

(المعتمر بن عبـاد) !
 
أ.د. طه عبد الرحمن / دراسات إسلامية
 
 
لقد فكَّر غيرُنا طويلا في الصلة بين العلم والدين، حتى أضحى هذا التفكير سبيلهم إلى صنع تاريخ لهم جديد، تاريخ أضفوا عليه من جميل الأوصاف ما أضفوا؛ فهل فكَّرنا نحن من جانبنا في هذه الصلة كما فكَّروا، وطوّلنا في هذا التفكير كما طوّلوا، وخرجنا منه بما خرجوا? كان يصح الجواب بـ"نعم" لو أننا أبدعنا في تفكيرنا كما أبدعوا، إذ لا تفكير بحق إلا مع وجود الإبداع؛ والواقع أن تفكيرنا في هذه الصلة الخفية خلا من أسباب الإبداع، إذ اكتفينا بترديد ما قاله غيرنا في وجوه هذه الصلة.
وقد انقسم هؤلاء بشأنها إلى فرق ثلاث:

1-أن بين العلم والدين تناقضًا صريحا

فقد ادعت فرقة أولى منهم أن بين العلم والدين تناقضًا صريحا،(1) وبالغت في التمسك بهذا التناقض، ولم تَرَ مخرجا منه لا بترجيح ولا بتفريق، بل جعلت العلم حربا على الدين وجعلت الدين حربا على العلم، ورأت أنه لا مخرج من هذه الحرب إلا بانتصار العلم وانهزام الدين؛ فانتصر العلم لديها وانهزم الدين.(2)
ووُجدت منا نحن كذلك طائفة تدَّعي ما ادعاه هؤلاء، لا حجة لها إلا أن سوانا تقدموا ونحن تأخرنا، فلْنحتذ حذوهم حتى نتقدم؛ وما درت هذه الطائفة منا أن أسباب النـزاع بين العلم والدين عند غيرنا لا وجود لها ألبتة عندنا مهما تكلفت من أسباب المشابهة بيننا وبينهم، ومهما لفَّقت من تُهم لتاريخنا حتى يكون بسوء تاريخ غيرنا، طامعة في أن يُقبل موقفها كما قُبِل موقف غيرها، وهيهات أن يُقبل! فالفجوة بيننا وبين سوانا في هذا الأمر لا هي حفرة تُردم ولا هي هوة تُعبر.

2- أن بين العلم والدين تمايزا لا تناقضا

وادعت فرقة ثانية من غيرنا أن بين العلم والدين تمايزا،(3) لا تناقضا؛ فليس أحدهما يَثبُت حيث ينتفي الثاني، فيكون بينهما تناقض كما عند الفرقة الأولى، وإنما يختص بما لا يختص به هذا الثاني؛(4) فما يشتغل به العلم لا يشتغل به الدين، وما يشتغل به الدين لا يشتغل به العلم؛ فالعلم عند أفراد هذه الفرقة الثانية موضوعه المعرفة والحقيقة، بينما الدين موضوعه الشعور والحدس؛ وضوابط المعرفة والحقيقة لا تنطبق على مجال الشعور والحدس، وقواعد الشعور والحدس لا تنطبق على مجال المعرفة والحقيقة. وعلى هذا، فلا النقد العلمي بمقدوره أن ينال من الدين، ولا السلطة الدينية بمقدورها أن تنال من العلم.
ووُجدت منا نحن أيضا طائفة أخرى ادعت ما ادعاه هؤلاء، حجتها في ذلك أن العلمَ مبني على التدليل العقلي والدينَ مبني على التسليم القلبي، ولا مطمع في التقدم والتحضر مثلما تقدَّم وتحضَّر سوانا إلا باعتماد طريق العقل على شرطهم؛ ولكَمْ كان فخرها كبيرا أن تجد بين أسلافنا من أشبهَ قولُه قول غيرنا، فراحت تشدد على اتباعه، وما ذاك إلا ابن رشد الذي قرَّر وجوب الفصل بين العلم والدين بدعوى أن العلم طريقُه البرهان الذي يناسب العلماء وأن الدينَ طريقُه الإيمان الذي يناسب العوام! وما دَرَت هذه الطائفة الثانية منا أن البرهان لا يستقل بنفسه ولا يغني عن الإيمان كما أن الإيمان لا يستقل بنفسه ولا يغني عن البرهان!

3- أن بين العلم والدين تباينا لا تناقضا

وادَّعت فرقة ثالثة من غيرنا أن بين العلم والدين تباينا،(5) لا تناقضا ولا تمايزا؛ فليس أحدهما يَثبت حيث ينتفي الثاني، فيكونَ بينهما تناقض كما عند الفرقة الأولى، ولا أنه يختص بما لا يختص به، فيكون بينهما تمايز كما عند الفرقة الثانية، وإنما الواحد منهما يتناول ما يتناوله الآخر، لكن بغير الوجه الذي يتناوله به، فمُتعلَّقهما واحد ووجه تعلُّقهما مختلف؛(6) فالاعتقاد في العلم غير الاعتقاد في الدين والمعرفة في هذا غير المعرفة في ذاك والفعل هنا غير الفعل هناك، فيكون العلم والدين بمنـزلة شكلَين متباينين من أشكال الحياة، بل بمنـزلة عالمين اثنين لا مجال للمقارنة بينهما ولا لمقايسة أحدهما بالآخر؛ ومادام العلم والدين بهذا التباين البالغ، فلا يُعقل أن نصرف الدين بحجة أنه معرفة لا تقوى على النهوض بموجبات العلم، كما لا يُعقل أن نسعى إلى تقويته بأن نخلع عليه حلية العلم.
ووُجدت منا نحن كذلك طائفة ثالثة ادعت ما ادعاه هؤلاء، مسترجعة بهذا الصدد ما قاله بعض أسلافنا من كون الدين يُعبّر عن الأشياء بلغة المجاز والإشارة، في حين أن العلم يُعبّر عن هذه الأشياء بلغة الحقيقة والعبارة؛ لذا لا يجوز أن نحكم على الإشارة بما يجب في حق العبارة، وإلا صارت قولا كاذبا، ولا أن نحكم على العبارة بما يجب في حق الإشارة، وإلا صارت قولا لا يقبل التحقيق ولا التدليل؛ فيتباين الدين والعلم عند أفراد هذه الطائفة منا كما تتباين لغة الشعر ولغة المنطق؛ وما دَرى هؤلاء أن الإشارة ليست درجة واحدة، وإنما درجات كثيرة، وأن العبارةَ –هي الأخرى- ليست درجة واحدة، وإنما درجات مختلفة! وحينئذ لا مفر من أن يتعذر عليهم الفصل في الأقوال التي تنـزل الدرجات الوسطى هل وردت على وجه الإشارة أم على وجه العبارة.
فهذه مواقف ثلاثة من الصلة بين العلم والدين وقفها غيرنا، فقلّدناهم فيها على غير بصيرة من أسبابها الحقيقية في مجالها الأصلي؛ أولها التناقض، وهو يفضي إلى صرف الدين؛ والثاني التمايز، وهو يفضي إلى تقديم العلم على الدين؛ والثالث التباين، وهو يفضي إلى جعل العلم في رتبة الدين.

ما السبيل للخروج من هذا التقليد?

فإذن هل من سبيل إلى الخروج من هذا التقليد الذي لا يوضح ما استشكل علينا من أمر العلاقة بين العلم والدين ولا يرفع ما استغلق علينا بصددها، بل ينقل إلينا ما يزيد هذا الأمر استشكالا واستغلاقا، حتى صرنا لا نتعرف على هذه العلاقة في صورتها الأولى عندنا كما كنا قبل التعاطي لهذا التقليد? ولكي ينفتح لنا باب التجديد في النظر إلى الصلة بين العلم والدين، فلا بد من صرف الاستغلاق الزائد الذي دخل عليها بسبب التقليد.
يأتي هذا الاستغلاق من تَصوُّرين منقولين عن غيرنا كلاهما مردود، أحدهما "اختزال العلم في علوم الطبيعة"؛ والثاني "اختزال الدين في أحوال الإيمان".

لا يمكن اختزال العلم في علوم الطبيعة

فلا يمكن أن نختزل العلم في علوم الطبيعة لوجود مبدأين يمنعان هذا الاختزال:
أولهما "مبدأ مراتب العقل"؛ وبيانه أن السؤال الذي يجيب عنه العلم هو بالذات "ماذا أعقل?"، فيكون الأصل في العلم هو العقل الصحيح؛(7) غير أن العقل الصحيح ليس –كما شاع وذاع- رتبة واحدة، وإنما هو –على الحقيقة- رتب متعددة؛ وحيثما وُجدت رتبة من هذه الرتب العقلية فثمّة علم على قدرها؛ وعلى هذا، يكون العلم فوق العلم الطبيعي متى كانت رتبة العقل الذي يتعلق به تعلو على رتبة العقل الذي يتعلق بالعلم الطبيعي، كما يكون العلم دون العلم الطبيعي متى كان العقل المتعلق به ينـزل عن رتبة العقل المتعلق بالعلم الطبيعي؛ وهكذا، فالعلم أوسع من أن يستوعبه العلم الطبيعي وحده.
والمبدأ الثاني هو "مبدأ استكمال العلم"؛ وتوضيحه أن الأصل في كل علم من العلوم أن يطلب كمالَه، ولا يُحَصِّل هذا الكمال إلا بالالتجاء إلى العلم الذي يعلوه؛ ذلك أن كل علم تكون به آفات وله حدود، ولا يمكن أن يُزيل هذه الآفات ويَرفع هذه الحدود إلا علمٌ أرقى منه، فلا بد إذن لكل علم من أن يظل موصولا بالعلم الذي فوقه، حتى تزول عنه آفاته وترتفع عنه حدوده؛ وهكذا فالعلم الطبيعي لا تذهب عنه مناقصه ويكتمل حقا إلا بعلم غير طبيعي يسمو عليه.

لا يمكن اختزال الدين في أحوال الإيمان

كما أنه لا يمكن أن نختزل الدين في أحوال الإيمان لوجود مبدأين يمنعان هذا الاختزال:
أولهما "مبدأ تعدد شعب الحياة"؛ وبيانه أن السؤال الذي يجيب عنه الدين هو بالذات: "كيف أحيا?"؛ فيكون الأصل في الدين هو الحياة الطيبة،(8) غير أن الحياة الطيبة ليست شعبة واحدة، وإنما شعب متعددة؛ وقد نُجمل هذه الشعب في ثلاث كبرى، وهي "شعبة الإيمان"، وتدخل فيها كل الاعتقادات؛ ثم "شعبة العلم"، وتدخل فيها كل المعارف؛ فـ"شعبة العمل"، وتدخل فيها كل الأفعال؛ ولا حياة طيبة إلا بتكامل هذه الشعب الثلاث فيما بينها، فالفرد لا يحيا بشعبة واحدة منها، إن إيمانا وحده أو علما وحده أو عملا وحده، ولا بشعبتين منها، إن إيمانا وعلما معا أو إيمانا وعملا معا أو علما وعملا معا، وإنما يحيا بها جميعا على قدر نصيبه من كل شعبة منها؛ وهكذا، فالدين أوسع من أن تستوعبه حال الإيمان وحدها.
والمبدأ الثاني هو "مبدأ استكمال الشعبة"؛ وتوضيحه أن الأصل في كل شعبة من شعب الحياة الطيبة أن تطلب كمالَها، ولا تُحَصِّل هذا الكمال إلا بالتداخل مع الشعبتين الأخريين، ذلك أن كل شعبة تكون بها حاجات ولها تعلُّقات، ولا يمكن أن تُلبي هذه الحاجات وتُرضي هذه التعلقات إلا هذه أو تلك من الشعبتين الأخريين أو هما معا؛ فلا بد إذن لكل شعبة من أن تظل موصولة بغيرها من شعب الحياة؛ وهكذا، فالشعبة الواحدة لا تبلغ غاياتها وتكتمل حقا إلا بباقي الشعب.

معالم الصلة بين العلم والدين عندنا

بناء على هذا الذي ذكرناه في سياق إبطالنا للاختزالين المنقولين، تتضح معالم الصلة بين العلم والدين التي قد نكون بها مجدِّدين غير مقلدين، ومنتِجين غير مستهلكين؛ وهذه المعالم المبدعة هي:
أ- أن مفهوم "العلم" يصبح –بمقتضى "مبدإ مراتب العقل"- أوسع من المفهوم المتداول "للعلم"، كما أن كل علم يصبح -بمقتضى "مبدإ استكمال العلم"- محتاجا إلى ما فوقه من العلوم؛ وفي هذا تجديد يخالف ما تقرر عند غيرنا.
بـ- أن مفهوم "الدين" يغدو –بمقتضى "مبدإ تعدد شعب الحياة"- أوسع من المفهوم المتداول "للدين"، كما أن كل شعبة تغدو -بمقتضى "مبدإ استكمال الشعبة"- محتاجة إلى ما يناظرها من الشعب؛ وفي هذا تجديد يخالف ما تقرر عند غيرنا.
تترتب على هذا الاتساع في مفهوم "العلم" ومفهوم "الدين" نتائج أساسية:
أولاها: أن العلم لا يقابِل الدين مقابلة تناقض، ولا مقابلة تمايز، ولا مقابلة تباين، وإنما مقابلة تداخل،(9) إذ يكون العلم جزءً واحدا من أجزاء الدين كما يكون الإيمان جزءً ثانيا والعمل جزءً ثالثا من هذه الأجزاء.
والثانية: أن العلم -خلافا للقائلين بالتناقض- لا يمتنع أن يَرِد في ترتيب واحد مع الدين، وأنه –خلافا للقائلين بالتمايز- لا ينـزل رتبة أعلى من الدين، وأخيرا أنه -خلافا للقائلين بالتباين- لا ينـزل نفس الرتبة التي ينـزلها الدين، وإنما ينـزل رتبة أدنى منه كما يكون الجزء أدنى من الكل، إذ إن العلم يدخل في الدين دخول الإيمان والعمل فيه.
والثالثة: أن العلوم التي تكون جزءً من الدين لا تقتصر على ما اختص باسم "علوم الدين"، وإنما تشمل أيضا ما اختص باسم "علوم الدنيا"، سواء كانت علوم رياضة أو علوم طبيعة أو علوم حياة أو علوم إنسان؛ فكل علم منضبطٍ بالمبدأين المذكورين: "مبدأ مراتب العقل" و"مبدأ استكمال العلم" يصح أن يُتعبد ويُتقرَّب به، أي يُتديَّن به؛ وقد ذكرنا أن المبدأ الأول يقضي بأن تتنوع العلوم بتنوع رتب العقل، أعلاها ما تعلق بما فوق الطبيعة؛ وأن المبدأ الثاني يقضي بأن يكون كل علم موصولا بما فوقه، حتى يتمكن من صرف النقص الذي يلحقه.
والرابعة: أن تطوُّر العلوم –على خلاف ما يَظُن غيرنا- لا يُضيّق من رقعة الدين، بل يزيدها توسعا، ولا ينقص من تأثيره، بل يزيده قوة، ذلك أن العلوم، لما كانت جزءً داخلا في بنية الدين نفسها، كانت الأطوار التي تتقلب فيها والتي يَفضُل لاحقُها سابقَها، تفتح في الدين آفاقا معرفية غير مسبوقة وترقى بفهمنا له درجات على قدر هذه الأطوار، بل إنها تتعدى ذلك إلى كونها تُجدِّد قدرتنا على التديّن وتُنوِّع سُبلَ تحقُّقه لدينا.
والقول الجامع أن صلة العلم بالدين، من منظور الإسلام، هي صلة تداخل يكون فيها العلم جزءا من الدين، فيلزم بحسب هذا المنظور أن نُقدِّم الدين على العلم، لا تقديم الفاضل على المفضول، وإنما تقديم الكل على الجزء كما يلزم بحسبه أن نُدخل في الدين كل العلوم، لا دخول التابع في المتبوع، وإنما دخول العنصر في المجموع، ألا ترى كيف أن مكتشفات العلوم وحقائقها –وهي تشهد بصدقِ أخبار الدين وصحة أحكامه- نزداد بها افتكارا واعتبارا، حتى إنها تُقوِّي صلتنا بخالقنا كما يقويها دائم صلواتنا!

الهوامش
(1) ومقابله الفرنسي: "contradiction".
(2) لا يخفى أن هذه الفرقة تتكون من الأنواريين ومن تبعهم من الوضعانيين والعلمويين.
(3) بمعنى "الفصل"، ومقابله الفرنسي: "Séparation".
(4) يأتي على رأس هذه الفرقة مؤسس التأويليات الحديثة الفيلسوف الألماني "فريريديرك شلايرماخر" والذي تنبني نظرته على فكرة "الدين الخالص"، انظر كتابه المترجم إلى الإنجليزية:
F. SCHLEIERMACHER: On Religion ,Speeches to its Cultured Despisers, trans. R. CROUTER, Cambrige University Pres, 1998.
(5) مقابله الفرنسي: "Incompatibilité".
(6) يأتي على رأس هذه الفرقة الثالثة الفيلسوف النمساوي الشهير "فيتجنشاين"، انظر مقالته "دروس في الاعتقاد الديني" ضمن المجموع:
“WITTGENSTEIN: Leçons et conversations sur l’esthétique, la psychologie et la croyance religieuse, trad. Jacques FAUVE, Gallimard, Paris, pp. 107-135.
(7) تدبر الآية الكريمة: ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ﴾ (العنكبوت:43).
(8) تدبر الآية الكريمة: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾(النحل:97).
(9) نستعمل كلمة "تداخل" هنا بالمعنى المنطقي القديم، أي "دخول شيء في آخر من غير أن يصح العكس"، ومرادفه في لغة نظرية المجموعات هو "تضمن ضيق"، ومقابله المنطقي بالفرنسية هو: "Implication" ومقابله المجموعي هو: "Inclusion stricte".

__________________
* كلية الآداب، جامعة محمد الخامس - المغرب
. *عن موقع http://www.hiramagazine.com/archives_show.php?ID=164&ISSUE=8
 

20 - سبتمبر - 2007
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
فرانسوا شاتوبريان ..مبدعاً ومتسكعاً.    كن أول من يقيّم

* تحية رمضانية طيبة.
وأكرر شكري للأستاذة ضـياء والأستاذ النويهي على دعواتهما..
الحالة الآن في تحسن..ربما عدت إليها في مشاركة مستقلة.. *
******************************************************************
يشغل فرانسوا شاتوبريان مكانة غامضة في خريطة الأدب الفرنسي, فهو أقل شهرة من فيكتور هيجو, وأقل عمقا وتعقيداً من لامارتين وديموسيه, لكنه مع ذلك يعد أحد أبرز رواد المدرسة الرومنطيقية في النصف الأول من القرن التاسع عشر, وقد كان رومانسيا على طريقته الخاصة, رومانسيا حمل جميع قسمات هذه الحقبة, من التعطش الى جمال الشرق وسحره, الى الحلم الجامح بالعودة الى أحضان الطبيعة والمصالحة معها.
وقد دفعه ذلك مثل روسو للبحث عن (المتوحش النبيل) فسافر لمعاينة مجتمع الهنود الحمر الامريكيين, لمشاهدة عفوية الحياة وفطريتها وسذاجتها الأخاذة, لكن حياته هو مع ذلك كانت سلسلة مغامرات واخفاقات, عاش نهاية حلم الأنوار, بقيام الثورة الفرنسية المغدورة, الثورة التي أكلت أبناءها بسادية عن بكرة أبيهم, التي خلطت كل خيرات وشرور, نجاحات وإخفاقات العصرين الكلاسيكي والعقلاني, الثورة التي فتحت النار على شاتوبريان من جميع الجهات, وسمحت له بصياغة كل تجاربه المريرة في الحياة, صياغة رسخت التقاليد الرومانسية في الأدب الفرنسي, على نحو ما نشير الى ذلك في هذا التصنيف المبسط.
ولد شاتوبريان يوم 4 سبتمبر 1768م بسان مالو, وسط عائلة لفها الحزن فقد كان أصغر اخوته الستة, إلا أن أربعة منهم ماتوا تباعا, وكان والده رينيه أوجست مثالا لأرستقراطية القرن الثامن عشر, فقد جاب البحار وسافر كالمستكشفين الى أمريكا, وحمل أنواط سلاح البحرية, وجمع ثروة كبيرة من التجارة عبر المحيطات, ومن ضمنها ــ طبعا ــ تجارة الزنوج الأفارقة, وقد أثرت توجهات هذا الوالد على ابنه شاتوبريان أبلغ تأثير, كما أثر عليه الجو المحموم العام في فرنسا النصف الثاني من القرن الثامن عشر, حين كان مخاض الثورة الفرنسية, والغليان (الثوري) يسيطران على المشهد الاجتماعي والحياتي العام.
وقد عاش طفولة منعمة ومتقلبة أيضا بين مسقط رأسه ومدن مختلفة, وبفعل انتمائه الارستقراطي بدأت اهتماماته السياسية تتنامى مع اندلاع الثورة الفرنسية يوم 14 يوليو 1789م, وقد صور سقوط سجن الباستيل حين تحدث عن الغوغائيين الذين مروا من تحت شرفته وهو يتلقفون رأس وزير المالية فولون (لنتوقف هنا مليا أيها القارىء, كان علي ان أشهد على زخات الدم الأولى التي ستتحول إلى أنهار بفعل الثورة, كانت هذه الرؤوس, ورؤوس أخرى سأصادفها فيما بعد تدفعني دفعا الى التفكير لأول مرة, بمغادرة فرنسا, بحثا عن بلاد قصية, بلاد بدأت الان ترتسم في مخيلتي), وقبل تنفيذ هذه الرغبة نشر أول نصوصه (حب الريف) وقد جاء نصا كلاسيكيا, وتعمد نشره باسم مستعار هو (شفالييه), وإن لم تكن هذه المحاولة هي أول ما كتب في الحقيقة, فقد أفاد في مقدمة مجموعة شعرية 1829م أنه يكتب الشعر منذ أيام المدرسة الإعدادية.
ووقع اختيار شاتوبريان على أمريكا لتنفيذ هجرته الاختيارية, وأعلن انه يسعى من وراء هذه الرحلة لتحقيق غايتين علمية وشعرية, اما العلمية فهي البحث عن استكشاف طريق ممكن بين المحيطين الأطلسي والهادىء من جهة الشمال الشرقي, وأما الشعرية فهي الوقوف عن كثب على حياة الانسان الطبيعي ممثلا في الهنود الحمر, الانسان البعيد عن صخب وانحطاط وظلامية الحضارة, المتصالح مع الطبيعة, البسيط الشاعري الشفاف, بكلمة واحدة الانسان الملهم الذي أيقظ نيام اوروبا من سباتهم العميق, فانطلقوا ينادون بالحرية والتنوير والمحبة بعدما عاينوا مجتمع الهنود الحمر الفطري المتصالح مع ذاته البعيد كل البعد عن الجشع والاستحواذ ومذابح ومسالخ الحضارة الغربية وبعدها عن الانسانية.
وفي يوم 8 ابريل 1791م أبحر من سان مالو بفرنسا ووصل بالتيمور في أمريكا 9 يوليو من ذات السنة وقد طاف بجميع أنحاء القارة الأمريكية الشمالية, من فيلادلفيا الى بوسطن ونيويورك ومنطقة البحيرات, ثم اتجه لأوهايو, ولنتذكر ان مثل هذه الأسفار وقتها كانت مغامرة حقيقية, لصعوبة المواصلات, ما صوره مستكشفا وبطلا في نظر الكثيرين, وهذا ما جعل الرئيس جورج واشنطن يستقبله بحفاوة.
كما استقبل ايضا في بلاده بالقدر نفسه من التشجيع حين عاد يوم 2 يناير 1792م, الا أن موقفه المناصر للملكية جعل رجال الثورة الفرنسية يطاردونه فهرب لبلجيكا وتطوع للمقاومة ضد الثورة وجرح, واضطر للهروب الى انجلترا 1793م التي عاش فيها سبع سنوات عجاف لفه الفقر والحزن والفاقة والمرض المرير, ووسط هذه المعاناة الأليمة شحذت نوائب الدهر عبقريته فكتب مخطوطات أثمن أعماله الأدبية, ويصف فاقته اللندنية بقوله (كنت أمضغ العشب والورق لفرط معاناتي ولضيق ذات اليد) ولكنه في هذه الظروف, أو لهذه الظروف بدأ في كتابة (مساهمة حول الثورات المقارنة), وما لبثت اخبار باريس ان حملت اليه انتقام رعاع الثورة منه, إذ أعدموا أخاه 22 ابريل 1794م, وسجنوا أمه وزوجته وأختيه.
وهنا يمكننا ان نتوقع بيسر موقفه من الثورة الفرنسية وهو يكتب تحت كل هذه الضغوط, ولكنه مع ذلك قدم محاولة لا تعدم حسا تاريخيا أصيلا, مع مسحة دينية مسيحية لا تخلو من تعصب.
وفي سنة 1800م عاد لباريس متخفيا عن خصومه (الثوار) باسم مستعار هو دي لاسان: (طلعت عليهم أنا والقرن الجديد معا), وبسرعة أصبحت حاميته أليزا شقيقة بونابرت, ومن أجلها نشر دراسة عن مدام دي ستايل صديقتها والمنظرة الرومانسية الشهيرة, وقد سمح له الاستقرار النسبي بنشر أول أعماله الملفتة (أتالا) 1801م, ثم نشره مع آخر في طبعة (آتالاورينيه) وقد لقيت تجربته القصصية قبولا عاما, كما صادفت توجهاته ضد الثورية هوى في نفس بونابرت الذي عينه مستشارا اول في السفارة الفرنسية بروما.
وكان هذا الموقع هاما بالنسبة لشاتوبريان فقد كان يسمح له بالعمل تحت امرة (فرش) خال بونابرت, وأيضا لان ايطاليا تعتبر وقتها نافذة مشرعة على الشرق الذي كان الشغف به وبسحره يأكل شاتوبريان من الداخل, وحين شن نابليون حملة لتصفية أنصار الملكية السابقة استقال هو وعاد لباريس متفرغا مؤقتا للكتابة مجتهدا في عدم الاصطدام بديكتاتور الثورة الجديد.
ومع مطلع سنة 1806م انطلق فرانسوا شاتوبريان في رحلته الى الشرق التي كانت تخامره منذ زمن الصبا, (لقد طفت ودرت دورة كاملة حول البحر المتوسط, دون مخاطر تذكر, ومثل القدامى زرت اسبرطة, مررت بأثينا, حللت بالقدس, رسوت بالاسكندرية, تفرجت على آثار قرطاج, وأخيرا استسلمت لجمال قصر الحمراء بالاندلس, دورة كاملة حول المتوسط), وقد دفعه الشعور بأنه أصبح بطلا اسطوريا على شاكلة أبطال هوميروس الى أن يشرع في كتابة سيرته الذاتية سنة 1808م.
وكانت سنة 1811م أهم سني حياة شاتوبريان الأدبية كما صرح بذلك في مقدمة (الرحلة من باريس الى القدس) التي نشرها في السنة نفسها, وفيها بدأ كتابة الكتاب الذي سيشتهر به حتى الان (مذكرات ما وراء القبر) كما عين عضوا بالأكاديمية, وقد جرت العادة ان يلقي كل عضو جديد خطابا يقدم فيه أفكاره وأطروحاته التي أهلته لهذا المنصب العلمي الرفيع, وكان خطاب شاتوبريان مكرسا كله للدفاع عن الحرية في السياسة وأيضا في الفن والإبداع, مما أثار نابليون ضده فقرر استرضاءه بنشر أعمال متتالية (الى بونابرت) (عن آل بوربون) (ضرورة ان نتعلق بحكامنا الشرعيين) وهي نصوص أدت مع سقوط بونابرت في واترلو 1815م الى أن يتخذ الجميع مواقف منه, وأن يعتبروه منتهي الصلاحية,
لكن سمعته كأديب كبير جعلتهم يعينونه سفيرا بالسويد وكان هذا نوعا من النفي وقتها, آثر هو تجنبه فرفض السفر وبقي حتى 1823م منشغلا بمستنقع باريس السياسي, حينا وزير دولة وحينا اخر مطاردا مطلوب رأسه, ومنذ سنة 1924م اتجه للصحافة فنشر أعمالا كثيرة منها (مات الملك: عاش الملك) ودافع بحماس شديد عن حرية النشر التي أسس من أجلها (جمعية أنصار الصحافة) 1827م.
ومع مجيء حكومة بولينياك ـ التي تورطت في غزو الجزائر ـ استقال من أية مناصب وتقاعس عن العمل سفيرا بروما, وبسرعة بدأت مصاعبه من جديد مع السلطة, فآثر الفرار الى سويسرا ثم الى براغ والبندقية, كما نشر مذكراته و(محاولة عن الأدب الانجليزي) وهي دراسة نشرت كمقدمة لعمل ميلتون (الفردوس المفقود), ومع تقدمه في السن فإنه عاد طرفا في صراعات باريس السياسية حتى يوم موته 4 يوليو 1848م عن عمر يناهز الثمانين عاما.
نص متجدد:
رغم مرور أكثر من قرن ونصف على موت شاتوبريان فإن أعماله مازالت تنشر باستمرار, ومازالت الدراسات عن مكانته في الحقبة الرومانسية الفرنسية تتوالى, وهي مكانة مميزة مهدت بصدق لرومانسية القرن التاسع عشر التي عمت الأدب والفن وانسربت الى عتبات المسرح والحياة أيضا, وسط واقع بالغ المأساوية, ألقت عليه إخفاقات الثورة الفرنسية, وخيبات عصر الأنوار بظلالها.
وقد شهدت السنوات الماضية ليس فقط ظهور طبعات منقحة من أعمال شاتوبريان الكاملة, بل دفقا من الدراسات عنه, بعضها سعى لإعادة تصنيف ونقد كتبه, سواء رواياته (آتالا ورينيه) و(مغامرات اخر بني سراج) أو مسرحه كمأساة (موسيى: تراجيديا شعرية في خمسة مشاهد), وأيضا دراساته (محاولة عن الثورات المقارنة) و(جمعية فيرون) و(حياة رانسي) ثم (الأعمال السياسية) و(أفق الرسم عبر الزمن), أم ما نشر عنه من دراسات متميزة قديما وحديثا ابتداء منها (عوالم شاتوبريان لجان ريشار, ودراسة جان مورو حول (عبقرية الاسلوب عن شاتوبريان من خلال مذكراته) وأيضا (البحث الكتابة) لبيير بربريس, و(شاتوبريان الرد على الحداثة) ثم (الكتابة من شاتوبريان لرامبو) لايف فاديه, وأخيرا (المنفي والمجد: شاتوبريان ورواية العائلة) لجان رولين, و(شعرية شاتوبريان) لفابيان بارسيجول, و(أدب الرحلة عند شاتوبريان: مساهمة في دراسة جنس أدبي) لفيليب أنطوان, وغيرها من الدراسات المعمقة التي ظهرت اخيرا لترسيخ مكانة هذا المبدع فيما يبدو وأنه ليس فقط حنينا الى العصر الرومانسي, وإنما محاولة نفض غبار عن رموزه التاريخيين في الأدب الفرنسي.
تصنيف:
لعل محاولة تصنيف مكانة شاتوبريان في الخريطة الرومانسية تقتضي أولا ــ لكي نبسّط الأمور ــ ابداء ملاحظة حول الرومانسية نفسها, فقد ظهرت نهاية القرن الثامن عشر وخلال النصف الأول من القرن التاسع عشر, وجاءت كرد فعل على الكلاسيكية والعقلانية اللتين بلغتا ذروتهما في عصر الأنوار, فقد قدم عصر العقل خاصة أدبا منمطا عقلانيا جافا رغم عمقه خاصة عند فولتير وروسو, لم يكن فيه للعاطفة والحياة النابضة مكان واضح, وهذا ما أدى لثورة الرومانسيين على العقلانية ومن ورائها الكلاسيكية.
وباختصار, فقد كانت الرومانسية من الناحية النسقية عودة للماضي, رجوعا للقرون الوسطى, وتمجيدا للعاطفة على حساب العقل, للخيال في مقابل العلم, أو لنقل (للظلامية) في وجه الأنوار, وقد ازدهرت في انجلترا مع ولترسكوت وأيضا في ألمانيا واسبانيا قبل فرنسا, ويمكن ان نلحظ تباشيرها في أعمال جان جاك روسو الذي كان يعلي من شأن العاطفة ويتغنى بالعفوية, وكان أسلوبه غنائيا مشبوبا بأعقد العواطف وأكثرها عذرية وغجرية, كما أدخل الحب الجياش والإحساس بالجمال والتذاوب والفناء في روعة الطبيعة في الأدب الروائي الفرنسي لأول مرة, وعلى نحو مؤثر.
غير أن المؤسس الحقيقي للرومانسية الفرنسية كان بالفعل شاتوبريان, فقد أهلته تجربته مع الحياة, التي أفضنا في الحديث عنها ـ وفاء للتقليد الرومانسي ـ لان يكون رومانسيا من الصنف الأول, فقد كانت قصصه وكتاباته تعكس واقع حياته, تدور أحداثها في تضاعيف من مشاعر الملل والوحدة والحزن العميق, كما ابتكر شخصية محورية في الأدب الرومانسي (هي شخصية البطل العاطفي الذي لا يجد في العالم من يفهمه ولا يجد أنيسا في وحدته) فيتجه لاجترار آلامه, واختلاق عوالمه الخيالية, وابتداع عالم من السحر والأحلام بديل لكل ما هو قائم.
وبالتالي كان تأثير شاتوبريان محوريا على جميع الرومانسيين الفرنسيين اللاحقين, سواء مدام دي ستايل مؤلفة الكتاب الشهير (عن الأدب) 1800م أو في الشعر الرومنطيقي مع ألفونس لامارتين صاحب (تأملات شعرية) وفيكتور هيجو في (أوراق الخريف) وأيضا ألفرد دي فينيه مؤلف (قصائد قديمة وجديدة) وألفرد ديموسيه صاحب المراثى الشهيرة لحبيبته في (الأمسيات).
وسواء أيضا على المسرح الرومانسي مع هيجو (هرنان), وفينيه (شاترتون) التي رسخت شخصية ستلعب دورا كبيرا في خيال الرومانسيين هي شخصية الفنان الحالم الأثيرة عندهم, وأخيرا اثر قصص شاتوبريان ايضا على القصة والأدب الروائي خاصة عند ديماس الاب صاحب الرواية التاريخية الشهيرة (الفرسان الثلاثة) وفيكتور هيجو في رواية (أحدب نوتردام) 1831م, التي تعكس بشكل خاص حنينا للعودة الى القرون الوسطى, وأملا في الخلاص من قبضة عصر العقلانية.
وهذا يصدق ايضا على رومانسيين اخرين في الرواية الفرنسية, مثل ستاندال وبلزاك وجورج ساند الذين بدأت تظهر في اعمالهم الملامح الاولى للواقعية, لكنهم حملوا قسمات واضحة من رومانسية شاتوبريان, الذي يستدعى الان, مثلما استدعي طيلة القرن التاسع عشر, ليثبت انه كان بحق رجل كل الأزمنة, مثلما كان برحلاته رجل كل الأمكنة...
 
اعداد: الحسن المختار - بيان الثقافة
 

20 - سبتمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
على السطر..    كن أول من يقيّم

* . ومع مـرور الوقت نكتشف أننا لا يمكن أن نكون طيبين مع كل الناس . *
 
   - الطاهربنجلـون .

20 - سبتمبر - 2007
كلمات أعجبتني
ردود..    كن أول من يقيّم

* بداية أشيرإلى أني قصدت بـ ( المعتمر بن عباد ) التلميح إلى أني أقرأ رسائل الأستاذ النويهي / رحلة المعتمر ، عبادة و ...
* أما بخصوص الأسئلة الثلاث الموجهة إلي :
 
1- كان هدفي من إثارة هذا الموضوع هو محاولة متواضعة مني - بعد محاولة الأستاذ هشام - لكسـر هذا الصمت الصائت..
  نفض بعض الغبار الذي علا هذا الملف.. استدراج الأساتذة والأصدقاء باقتراحي هذا الموضوع الذي أراه دسما ..تذكارا..
 ( طعما على مائدة الإفطار..)
 
2- الموضوع كان عنوانه :

كيف نفكر في الصلة بين العلم والدين? وليس  الصلة بين العلم والدين !!!

شخصيا أراه في صلب موضوع : هل يوجد فلاسفة ....  وقد سبق للدكتور وحيد في هذا الملف أن طلب من الأستاذ الرفاعي
رأيه في كتابات هذا المفكر ، أقصد الأستاذ / الدكتور طه عبد الرحمـن .(مع الأسف لم نتلق إجابات..)
والموضوع نفسه شهد سجالا  بين الأستاذة ضياء وأحد الأساتذة في مجلس من المجالس..
 
3 - أما بخصوص السؤال الثالث : ماذا سيستفيد القارئ( والهمزة على الياء ) من قراءته للموضوع ، فكل ما يمكن
   أن أجيب يه السائل  هو أن الموضوع  نشرفي موقع : حراء..مجلة علمية ثقافية فصلية.. تحت عنوان :

كيف نفكر في الصلة بين العلم والدين?

العدد: 8 (يوليو - سبتمبر) 2007
أ.د. طه عبد الرحمن / دراسات إسلامية
مقالات أخرى للكاتب إلى صديق طباعة
تمت قراءة هذه المقالة  226  مرة
                                                                                *يمكن لـ "حضرتك " أن تسألهم / أقصد القراء .
 

21 - سبتمبر - 2007
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
هذه حـال الدنـيا !    كن أول من يقيّم

وشعرك أ . زهـير أجمـل من
 
" قفا نبـكـ ..."
Image hosted by allyoucanupload.com
ما رأي الأسـتاذ المكي ??
 
 

25 - سبتمبر - 2007
رمضان كريم
تحية خاصة لـ د . فاروق مواسي والدكتور عبد الرحمـن السليمان ..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

*http://www.wataonline.net/
     الدكتور عبد الرحمن السليمان
                  
       
د . فاروق مواسي
                                        

25 - سبتمبر - 2007
الضــــاد و " لغة الضــــاد "
مناجاة من وحي الشهر الكريم..    كن أول من يقيّم

* مهداة لأستاذنا وشاعرنا الكبيرأ. زهـير.
 
رمضان قد هلّت بشائره بالطيب و الرحمة .. و الذنوب كلها تغفر.. تزودي يا نفس فيه و لا تجزعي من ذنوب أتيتها فالشهر كريم و الربٌ أكرم..
السنون تنساب من أعمارنا و النفس مع الأنفاس منّا تتسرب..
يوم الرحيل قريبٌ و إن طاوله الأمل حين يعجز الطبيب ييأس الحبيب و يتخلّى القريب و ينهال التراب وحيدة يا نفس خالية الوفاضِ كما دخلت تخرجين بصحيفة أعمال قد تنير القبر أو تُظلم...
تزيني بصلاة و صيامٍ و نفسٍ ملؤها التوحيد تعيش في الأرض تصدقُ و ترحمُ و في يومِ الرحيل ترنو من وحشةٍ بنور عظيم الكون الذي من الأمّ و الأب أحن و أرحمُ.. النفس العاصية في خشوعٍ ببابه يضنيها الخجل من نور وجهه الذي له الظلمات تشرقٌ و دموع الندمِ في السجود على أعتابهِ تنساب طامعة بالصفح الجميل من كريمٍ عفوه في كلّ ليلةٍ على الخلائق يتنزلُ...
 إلهي.. أنت الغني عنّا و نحن الفقراء لنور وجهك..ارحم جحود بشريتنا و غرور جهلنا و ضعف أنانيتنا و ظلمنا لأنفسنا
..
اللهمّ من فيض حبك علّمنا كيف نحب بعضنا بعضاً و من مغفرتك علمنا كيف نتسامح و نغفر و نكبر فوق الأحقاد و نتواضع و نرى عيوب أنفسنا و محاسن الآخرين..
يا ربّ الخير و الرحمة اجعل نسائم المغفرة في الشهر الكريم تهبّ علينا و فينا و تعيدنا إلى الفطرة السليمة فيرحم كبيرنا صغيرنا و قوينا ضعيفنا و شابنا شيخنا و غنينا فقيرنا و نحفظ قدر كبار السن فينا و ماء الوجوه..
علمنا كيف نمسح الدموع عن العيون الباكية و نرسم البسمة على الشفاه الحزينة و نبعث الأمل في النفوس اليائسة.. و كيف نحبٌ الخير للناس كما نحبه لأنفسنا
يا ربّ الخير و النور أعدنا لطريق الخير و النور و فرّج عنّا كرب أمّتنا....
 
*************** هدى الخطيب .... أوراق 99

28 - سبتمبر - 2007
رمضان كريم
بغداد والشعراء والصور..    كن أول من يقيّم

* ألف شكر ومليـون تحية أستاذنا الغـالي زهير.
*أهديك وللأستاذة ضياء هذه الأغنية لشذى العراقية (من أم مغربية) والأغنية في أصلها من غناء السيدة فيروز
وهي بعنوان "بغداد"
 
                      http://www.youtube.com/watch?v=UzTZE0BfVhE
 
 
 ندى (بنت الأكوح)
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
كل الشكر لك ندى الحبيبة هذه الأغنية الرائعة التي كنت أعرفها من فيروز وردتني إليها وسلامي لكم جميعاً ، إلى جميع العائلة ، ولوادي الحسيمة وتمنياتي لك بسنة دراسية موفقة وناجحة ( ضياء ) .

29 - سبتمبر - 2007
رمضان كريم
النساء ومخاض الحداثة ..    كن أول من يقيّم

 
   
 
الحداثة مبدئيا، فعل ذكوري بامتياز لأن المساهمات الأساسية في بناء الحداثة في صيغتها الكونية هي، على العموم، مساهمات ذكورية من طرف علماء ومستكشفين وفلاسفة... ولكن الحداثة - التي هي فعل ذكوري إلى حد كبير - هي مع ذلك أكثر الأفعال الذكورية أنثوية. هذا الفعل الحداثي الذي هو فعل ذكوري، هو أولا فعل تحرير، وطاقة تحريرية، لأن القيمة الأساسية للحداثة هي الحرية والفردية، قيمة الفرد وقيمة الفكر الحر الشخصي. أولا الحرية، ثانيا قيمة الفرد: هذه هي الأقانيم الأساسية للحداثة الأم.
الحداثة هي إسهام بشري في تحرير الإنسان، بالكشف عن أسرار الطبيعية، ومحاولة الحد من مخاطرها، ومحاولة تطوير قدرات الإنسان ما يزيد من حرية الأفراد والمجتمعات ومن قدرتها على الفعل. والحداثة هي أيضا تحرير للشعوب (حق السيادة والمشاركة السياسية)، وللأفراد وللفئات اقتصاديا وسياسيا وفكريا. في هذا الإطار تندرج قضية المرأة بمعنى أن المفهوم النسائي مرتبط بتحرير فئات اجتماعية معينة كالنساء. لقد ساهمت الحداثة في تحرير فئات اجتماعية بعينها كفئة العبيد، كما ساهمت في تبلور كيانات وفئات اجتماعية معينة من بينها النساء والأطفال.
إذا كانت الحداثة أولا طاقة تحررية ومشروعا تحرريا للأفراد والشعوب والفئات (العبيد، النساء...) فهي ثانيا طاقة استكشافية ومعرفية. فالحداثة مرتبطة بتطور العلم وبتطور المعرفة أي باستكشاف الطبيعة والفهم الموضوعي لنظامها وقوانينها، أي الفهم غير الأسطوري وغير الخرافي لها، أي تطهيرها من زوائدها لمعرفة آلياتها والتعرف عليها كما هي، والانتقال من الفهم الغائي أو السحري للطبيعة إلى فهم القوانين التي تحكمها ووصف التفاعلات التي تحدث فيها. هذا الجانب المعرفي للحداثة هو جانب استكشافي أي محاولة فهم آليات الطبيعة لتسخيرها لصالح الإنسان.
ثالثا: الحداثة طاقة تعبوية بمعنى أنها تعبئة الموارد البشرية وتحرير الناس وتحويلهم من كم مهمل ومن أفراد لاقيمة ولا فاعلية لهم إلى أفراد لهم أولا كامل الحق الإنساني بمعنى الاعتراف بالمساواة الصورية المطلقة، المساواة القانونية المطلقة بما يعني إلغاء الاستثناءات، أي استثناء فئات بشرية بعينها إما عرقية او لغوية او دينية، واعتبار كل البشر متساوين وبالتالي التعبئة القصوى للموارد البشرية ثم تعبئة للطاقات والإمكانات والقدرات التي يتوفر عليها الناس، من حيث هم كائنات متساوية القيمة بغض النظر عن الدين أو العرق أو النوع.
إذاً هناك خصوصية في علاقة الحداثة بالمسألة النسائية. لا جدال في أن تاريخنا مليء بسلوكات وبتقاليد ثقافية تحط من قيمة المرأة سواء في تاريخنا المحلي أو القومي أو الديني. لكننا نجد كذلك في تراثنا الإسلامي العديد من النقاط المضيئة سواء في القرآن الكريم أو السيرة النبوية أو حتى في بعض الاجتهادات التي قدمها العديد من الفقهاء. ولكن ما حدث مع الأسف أن هذه الطاقة التحريرية التي جاء بها الإسلام في إشعاعه الأول في اعتبار النساء شقائق الرجال، وفي الحد من تعدد الزوجات، هذه الإشراقات التحررية بدأت تخبو مع الزمان، بخاصة في عصور الانحطاط التي تغلبت فيها ثقافات الضواحي وثقافات المناطق الصحراوية المتخلفة في العالم الإسلامي. وربما كانت الوليمة النفطية هي ذروة اشعاع هذه الرؤى التي تعود إلى عصور الانحطاط حيث اندغم نوع من الفكر الأسيوي أو التقاليد البدائية الأسيوية مع فكر بدوي أو صحراوي... يحط من قيمة المرأة.
وهكذا وجدنا أنفسنا في العقود الأخيرة أمام عودة وحضور قوي وكاسح لذلك الجانب القدحي والتنقيصي في تصور المرأة ومعاملتها سواء باعتبارها كائنا ناقصا نقصا بيولوجيا، أو عقديا، أو معرفيا أو أي شكل من أشكال النقص، حيث عادت هذه الثقافة التحقيرية للمرأة لتنتشر في العقود الأخيرة على نطاق واسع وذلك بتوازٍ وتلازمٍ مع شيوع "الفكر" التحريمي الذي يتخذ مواقف متشددة ومحافظة تجاه كل مظاهر التحديث، ويفهم التراث الروحي والدين فهما متحجرا مضادا للتطور.
كمثال على ذلك، هنا أورد كتابا مشهورا لابن باز، بعنوان "من منكرات الأفراح والأعراس" وفيه الكثير من المواقف المتشددة تجاه المرأة التي تشكل دستورا للفكر التحريمي.
وهذا الكتاب ليس مجرد كتاب عادي لأن صاحبه كان مفتيا ومؤثرا وكان من صناع السياسة الدينية في المملكة العربية السعودية لعقود عدة والتي كانت تضخ بملايين الكتب وآلاف الجرائد والمجلات وعشرات القنوات الفضائية.
لابن باز هذا الكثير من الفتاوي التحريمية من أشهرها فتوى تحريم التلفاز. وهذا الكتاب نموذج للفكر التحريمي، إذ فيه يحرم على المرأة: السفر وحيدة أو بدون محرم ـ وزيارة الطبيب الذكر ـ وارتداء الملابس العصرية ـ استعمال موانع الحمل ـ رفع الصوت أمام الرجل ـ السلام باليد على الرجال ـ قيادة السيارة ـ تصوير الوجه ـ الاختلاط ـ شهر العسل ـ رؤية الخطيب ـ خاتم الخطوبة ـ الجلوس مع الخطيب على المنصة أو الهودج (العمارية) ـ الوقوف في الشرفة ـ المشي وسط الطريق ـ الالتفات إلى الوراء ـ إظهار القدم أو الظفر...إلخ.
لكي نفهم الدور التحريري للحداثة يجب أن ننتبه إلى رسوخ هذا الفكر وقوته وهو الفكر المتشدد التحريمي الذي أقل ما يقال عنه أنه يطمس صورة أخرى مضيئة موجودة في تراثنا وفي تاريخنا الإسلامي وحتى في بعض ممارساتنا الاجتماعية في هذا القطر أو ذاك.
إذاً الحداثة كطاقة تحريرية للعديد من الفئات الاجتماعية وللنساء بخاصة، تقدم للمرأة مجموعة هدايا. فكر الحداثة يعيد للمرأة قيمتها ككائن إنساني مساوٍ للرجل، ويعيد لها كرامتها وحقها الكامل في الإنسانية، ويمنحها حق المساواة في المواطنة، ويحولها من موضوع إلى ذات فاعلة مسؤولة وحرة.
ولكي لا أذهب بعيدا في التحليل أقف عند نموذج التحرر الذي تعيشه المرأة في المغرب اليوم، الذي هو المدونة التي تمثل إلى حد ما قدرة توفيقية كبرى بين ما في تراثنا من تحرر كامن ومن قدرة على التطور وبين الأفكار الحداثية وذلك عندما تتوفر الإرادة السياسية التي هي تعبير عن إرادة المجتمع وإصغاء لرغبة المجتمع في التطور. فمع توفر الإرادة السياسية يصبح التعارض بين الحداثة والتقليد مسألة قابلة للتجاوز.
عندما يريد مجتمع ما أن يتطور فإن بالإمكان القيام بذلك إذا ما توافر شرط تهيؤ نخب قانونية وسياسية ومثقفة وفكرية... بغض النظر عن رمزية المدونة كتعبير عن قدرة المجتمع على تخطي إشكال التعارض الممكن والمتخيل، الواقعي والمفتعل بين التراث والحداثة فإن بالإمكان القيام بذلك شريطة توفر إرادة التطور لدى كل الأطراف الفاعلة في المجتمع. "مدونة الأسرة" الجديدة إذاً نموذج لإعادة استرجاع حقوق المرأة (الولاية والطلاق والنفقة والملكية العائلية المشتركة...). المدونة التي هي توفيق إيجابي ونموذج لنص قانوني تتفاعل فيه بشكل قوي مقومات مستنيرة في تراثنا وروح التحديث والتجديد، بل لها في العمق ثورة ثقافية صامتة.
وفي الفترة الأخيرة بدأنا نشاهد نوعا من التباري في القضية النسائية. بدأنا نسمع في العالم العربي اجتهادات حيث تتوسع في حقوق المرأة وحريتها فقد صرح الدكتور حسن الترابي اخيرا أنه من الضروري أن نفكر في إطار إسلامي بالتخلص من الثقافة التقليدية للفقهاء التي أغلقت الباب على التطور ودعا إلى التفكير بجد في مسألة حق المسلمة في التزوج من الكتابيين والدفع بمساواة المرأة مع الرجل في الإمامة والإرث وغيرها. هذا يدل على أنه في العقود الأخيرة ظهرت هنا وهناك في العالم العربي دينامية فكرية لتحديث المرأة كانت المدونة المغربية إحدى أبرز معالمها.
الفكر التحديثي هو فكر تحريري للمرأة في العديد من المجالات وإقرار لحقوقها هو فكر حقوق وفكر حريات، ولكنه أيضا فكر لتحرير الرجل ولتحرير المجتمع من النظرة الاختزالية للمرأة في قضية الجنس أو في قضية الإنجاب إلى غير ذلك، وبالتالي فهو دعوة للانتقال بالمرأة إلى درجة الإنسانية. مسألة تحرر المرأة ليست عملا تلقائيا بسيطا وميكانيكيا بل هو مخاض عسير يضرب بجذوره في المجتمع لأنه يتعلق بنظام الأسرة والنظام الاجتماعي والنظام السياسي. مسألة تحرر أو تحرير النساء هي مسألة سهلة على مستوى الخطاب والكلام لأن الأمر لا يتعلق بأفكار وتصورات فقط بل ببنيات اجتماعية راسخة منذ قرون عدة. ونحن نتحدث عن بنيات اجتماعية بالمعنى السوسيولوجي، أي عن قوالب وقواعد متوارثة عبر قرون وستستمر قرونا. وهذه البنيات قوية ومتينة وراسخة ولها ميكانيزمات للدفاع عن نفسها. إنها بنيات موضوعية مترسخة ومتجذرة في البناء الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية والتقاليد الثقافية.
إن الحداثة النسائية مخاض عسير لأن النظام الاجتماعي التقليدي ليس شاشة سلبية تتلقى التأثير من الخارج وتتقبله، بل إن التغيير يمر عبر شبكات التراث الفكري والاجتماعي والعائلي... وهذا التراث الفكري والاجتماعي يفرز مقاومات وآليات مضادة لا على مستوى الرأي والفكر واللغة بل أيضا على مستوى الميكانيزمات الاجتماعية، والعادات والتقاليد والقيم التي تكرر نفسها عبر الأجيال والقرون.
هناك مستوى آخر من مستويات مناهضة التحديث ويتمثل في تعبئة النساء أنفسهن ضد الحداثة. وهذا مستوى آخر من مستويات مقاومة الحداثة قد يكون أخطر شكل من أشكال مقاومة تحديث المرأة، لأن العبودية الطوعية أكثر مشروعية وحلاوة من العبودية الإكراهية.
وهذه المسألة صعبة التحليل لأنها ترجع إلى رسوخ هذه البنيات وتجذر ثقافة الدونية وتحقير المرأة. وهكذا يحصل نوع من التماهي اللاشعوري مع الصورة السلبية، أو التوحد اللاواعي مع الغريم. هذه المقاومات هي جزء من الصراع بين آليات التحديث التي هي آلية موضوعية بالدرجة الأولى وبين الإفرازات التي يفرزها المجتمع في مقاومة التحديث الكاسح. وربما كانت مسألة تعبئة النساء ضد تحررهن أو ضد ثقافة التحرر هي أخطر أنواع التبعية أو الدونية لأنها تكرس الدونية الطوعية التي يراد لها أن تنبثق تلقائيا من نفس الجسم الاجتماعي المروَّض.
مخاض الحداثة طويل وعسير لأن الحداثة ليست فعلا تلقائيا وسهلا بل هي مخاض صراع وجدل وأخد ورد بين مكونات المجتمع المختلفة. وهذا المخاض العسير يتطلب مجموعة شروط حتى يؤدي إلى نتائج محددة، أولها ضرورة تبلور وعي ذاتي نسائي: وعي ذاتي منبثق من النساء أنفسهن من حيث أنهن المعنيات والمعانيات للاحتقار والدونية... في الشارع في البيت وفي كل الأماكن. إذاً شرط المعاناة شرط أساسي. هناك قناعات فكرية لدى نخب مثقفة تحديثية ربما كان لها الفضل في إثارة مسألة تحرير المرأة ولكن إذا قارناه بالوعي التلقائي النسائي المنبثق من رحم المعاناة يتبين أن الوعي الذاتي يعكس معاناة وجودية مفعمة بالألم.
فمسألة التحرر تتطلب وعيا نسائيا ذاتيا وتحالفا مع الفئات المستنيرة في المجتمع والمتطلعة للمستقبل، والمؤمنة بضرورة تحرير المرأة. مسألة الوعي هي مسألة معرفة ومسألة ضمير نسوي. إن الوعي بمسألة تحرير المرأة لا يمكن أن يتم فقط من خلال نضالات المرأة ولكن بالتنسيق مع القوى الاجتماعية والقوى السياسية التي تؤمن بهذا التحرر سواء تعلق الأمر بالدولة أو الأحزاب. إذاً لابد من اندراج النضال النسائي في إطار هذه الفئات والإرادات السياسية التحررية.
لكن لابد من إثارة الانتباه هنا إلى أن مسألة تحرير المرأة قد تعرضت ـ مثلها في ذلك مثل جل القضايا السياسية ـ لتكييف فكري وفئوي قانوني وحقوقي. بل إن الوعي النسائي اتخذ في كثير من الأحيان صورة وعي قانوني وحقوقي. وهذا أمر ضروري كما أن الحقبة القانونية أساسية لكن الوعي الثقافي أعمق، وهو ضروري ولا محيد عنه لأن المسألة النسائية مرتبطة بإيديولوجيا المجتمع، بوعيه وبلا وعيه وبثقافته العميقة.
نعم إن الوعي الحقوقي ضروري لكن إذا لم تكن لديه مرتكزات ورؤية ثقافية فسيكون نضالا سطحيا ووعيا سطحيا لأن هناك ضرورة ارتباط النضال النسائي بمسألة المناخ الثقافي والبعد الثقافي. الشرط الثقافي شرط أساسي في مسألة تحرر المرأة.
لقد أصبحت مسألة تحرر المرأة اليوم رهاناً أساسيا في تطور المجتمع، في عصر العولمة أي في عالم هو حلبة تباري بين الأمم من أجل التحديث وتحقيق التقدم. والمسألة النسائية تقع كميا وكيفيا في صلب التحديث. مسألة التحدي والتباري الحضاري تجعل المسألة النسائية ضرورة تاريخية لإمكان نجاح المجتمع في استدراك التأخر التاريخي العميق والطويل. إذا كان هذا المجتمع يريد أن يتطور، ويواكب عصره، وينفض عنه غبار التاريخ.
 *******************************************************
محمد سبيلا
طباعة أضف تعليق جميع التعليقات
موقع: تنوير

29 - سبتمبر - 2007
نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0
 35  36  37  38  39