البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ضياء العلي

 34  35  36  37  38 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
البطم والحبة الخضراء    كن أول من يقيّم

 
اكتشفت للتو بأنني أكتب في نفس الوقت الذي يكتب فيه الأستاذ بنلفقيه : أحييك أستاذي وإليك آخر فقرة عندي في هذا الموضوع وشكري للأستاذ زهير الذي دفعني للبحث عن علاقة البطم بالحبة الخضراء وهذا مما تعلمته اليوم أثناء بحثي .
 
يبدو أستاذي بأن هناك أنواعاً كثيرة من البطم دفعت إلى الخلط بين أجناسه ، لكن الحبة الخضراء كما فهمت هي ثمرة إحدى تنوعات شجرة البطم وسأورد ما جاء على لسان ابن سينا في القانون في الطب  بهذا الخصوص :
 
حبّة الخضراء الماهية: هذه شجرة معروفة توجد في بلدان كثيرة باردة، وقد تكون في الجزائر التي يقال لها فوفلادس. والذي يجلب من هذه الجزيرة هو أجودها، ولونه أبيض شبيه بلون الزجاج مائل إلى لون السماء، طيّب الرائحة، يفوح منه رائحة حبّة الخضراء. وأجود هذه الصموغ صمغة شجرة الخضراء، وبعدها المَصْطِكَى، والكبار منه هي الضرو، وشجره يسمى البطم.
 
وجاء في لسان العرب : البطم ، شجرة الحبة الخضراء واحدته بطمة وأهل اليمن يسمونها الضرو ،
 
الضرو من شجر الجبال وهي مثل شجر البلوط العظيم له عناقيد كعناقيد البطم غير أنه أكبر حباً . ( يعني بأن ابن منظور يفرق بين الضرو والبطم على عكس ابن سينا ) ثم يضيف :
 
قال أَبو حنيفة: الضِّرْوُ من شَجَرِ الجِبالِ، وهي مثل شَجَر البَلُّوطِ العَظيمِ، له عَناقِيدُ كعَناقِيدِ البُطْمِ غيرَ أَنه أَكبرُ حبّاً ويُطْبَخُ ورَقُه حتى يَنْضَجَ، فإذا نَضِجَ صُفِّيَ ورَقُه ورُدَّ الماءُ إلى النارِ فيعقد ويصير كالقُبَّيطى، يُتداوى به من خُشُونةِ الصَّدرِ وَوَجَعِ الحلْقِ.
الجوهري: الضِّرْوُ، بالكسر، صَمْغُ شَجَرةٍ تُدْعى الكَمْكامَ تُجْلَبُ من اليَمَن.
 
والضِّرامةُ: شجرُ البُطْم. والضِّرْيَمُ: ضَرْبٌ من الصَّمْغ.
 
اترك للأستاذ بنلفقيه حسم هذا الموضوع بمعرفته وخبرته وتحياتي لكم جميعاً .
 
 
 

8 - أبريل - 2007
نباتات بلادي
للأوطان والألوان أقول :    كن أول من يقيّم

 
سلمت يداك يا ندى على هذا العمل الرائع ، وشكراً لك أستاذنا عبد الحفيظ هذه الهدية " الثمينة " لأكثر من وجه . سأرد عليها بنجمة ربما تكلفني عشرة يوروهات لكني لا زلت أفاوض . لكنها لوحة " لوحة " جميلة ومعبرة و " تستاهل " .
 
نحن دائماً بانتظار القنبلة يا أستاذ زهير : هل سنتفاوض معك أيضاً لكي تنشرها ?

8 - أبريل - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
إفتح يا سمسم    كن أول من يقيّم

 
عندما وقعت عيني على صورة الأستاذ طه
كان أول ما تذكرته هو صورة الدمنهوري ، بلؤلؤتين سوداوين ثاقبتين تتوسطان وجهه ، وتنظران بإمعان غريب ،
 قلت في نفسي : هذا نسر آخر ! وهذه عيون خارقة لها جناحات : وتلفتُّ ، وإذا بي في مغارة علي بابا ، ومن حولي كنوز الدنيا المسروقة  مطمورة في هذا المكان العجيب ، وإذ بي أرى طه المراكشي : علاء الدين ، يلبس الجينز ، ويضع النظارات الشمسية فوق رأسه ، ويخفي مصباحه في جيبه وهو يسير يدندن بلحن من الروك اند رول ........ كنت قد تخيلت شيئاً آخراً ، شيئاً أخراً مختلفاً تماماً فكان ظني أبعد ما يكون عن الحقيقة . هذه درة ثمينة أخرى تظهر على يديك يا أستاذ زهير ، طوبى لك مغارة الكنز هذه !

9 - أبريل - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
ردود ( 3 ) ......    كن أول من يقيّم

 
بل أعتذر من الأستاذ تنباب تود والأستاذ بسام لتأخري بالرد على رسالتيهما وأحذرهما ، بأن من يصعد إلى سفينة هذا الملف ، يكون " كراكب الأمواج " ، من الجائز أن تقذف به الريح إلى شطآن غير التي كان يبتغيها .
 
شكراً لك أستاذ تود المعلومات التي زودتنا بها حول تفسير معاني بعض الكلمات باللغة النوبية التي ، للأسف ، لا نعرف عنها الكثير . 
أما الموضوع الأول المتعلق بحسن الترابي فيصعب علي الخوض فيه لأنني : لا أعرف عن حسن الترابي أكثر مما أعرف عن وول ستريت ! وهذا يعطي للأستاذ بسام علي تفوقاً ملوحظاً بنقطتين مقابل لا شيء . أسمع عن الترابي في نشرات الأخبار وأقرأ عنه بعض المقالات لكني لم أعمل في وول ستريت ولا أمتلك بها أي سهم .
 
وأما حول الفتاوي والآراء الفقهية فلا شك عندي بأن مجهودات كبيرة من الممكن أن تبذل في هذا الإتجاه ، إنما أشك في درجة أولويتها بالقياس لما نعيشه من فوضى وحروب ومشاكل تنموية خطيرة كتفشي الأمية والبطالة ، وانعدام الأمن الغذائي ، وعدم توفر الماء والحاجات الضرورية الأساسية ، وأشك في كونها تنمو في الإتجاه الصحيح لأنها رهينة كونها ردات فعل متسرعة لا يجمع بينها إطار منظم ضمن هيئة شرعية يكون لها سلطة قانونية عامة ومؤثرة .
 
أما في لبنان ، فلا أشك بأنك تعرف ما يجري أكثر مني على الصعيد العام ، وأما على الصعيد المحلي الضيق فلو توغلت مثلاً في أحياء طرابلس الشعبية الفقيرة وأسواقها ، لوجدت في كل حارة فرقة أوجماعة وعلى رأسها مفتي أو أمير ، ولسمعت العجائب من الفتاوي والبدع . أظن بأن هذا يعكس تماماً حالة البؤس والتفسخ التي نعيشها .
 
كنت أتكلم مع صديقة لي على الهاتف في آخر معركة انتخابية نيابية حصلت عندنا منذ بضع سنوات . سألتها : ما الأخبار ? فقالت لي بأن أخبار برامج تخريج الفنانين والفنانات مثل ستار أكاديمي وتنافس المحطات التلفزيونية فيما بينها على هذه البرامج يطغي على كل ما عداه ، حتى أننا ، قالت لي :      " وعدونا بالإنتخابات بأنه سيكون لنا في لبنان ، لكل مواطن مطرب ! " . فلم لا يكون عندنا لكل مواطن مفتي ?
 
 
 
 

10 - أبريل - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
إلى اللقاء .....    كن أول من يقيّم

 
صباح الخير عليكم جميعاً .
 
كنت أردت الكلام عن جبران اليوم ، جواباً على ما كتبه الأستاذ طه والأستاذ عبد الحفيظ . أجدني منساقة للحديث عن شيء أخر : شجرة الكرز .
 
عندما قرأت تعليق الأستاذ زهير عن شجرة الكرز ، عاودتني تلك الرهبة التي عشتها أول مرة في مجلس الفلسفة ، وفي لحظة معينة من النقاش ، دفعتني يومها للتصريح عن هويتي ، لأنني كنت بدأت أشعر بثقل مسؤولية ما أكتبه ، وبأن الكلام بدأ يأخذ منحى جدياً وطابعاً مؤثراً لم أكن أتوقعه ، أمدني بإحساس مخيف ، فقررت أن أضع نفسي بمواجهة نفسي لكي لا تجبن ، وكأنني بهذا التصريح أردت تحمل عواقب كل كلمة أقولها أو كأنني قلت لنفسي : ما تكتبينه هو أنت ، وهذه مرآتك التي تنظرين بها إلى صورتك ، وهكذا سيراك الناس ، فكيف ستكونين ? ........
 
هكذا ، ومنذ عام أو أكثر ، وأنا أحاول رسم هذه الصورة بأمانة وبما يقترب من الحقيقة ، أحاول نبشها ومسح الغبار عنها ، ولم أحاول تزويقها أبداً . لم أكن أعلم بأنها تحمل كل تلك الندوب ، ولم أكن أظن بأن ما بي من ندوب سيكون ظاهراً ومرئياً بهذا الشكل ، ولم أكن أدرك بأن ندوبنا تتشابه لدرجة أن يصبح ما أقول مصارحة ومراجعة عامة ، أو كأنني أتكلم باسم الجميع . كنت أظن بأنني أكتب عن الفروع والغصون ، الصيف والشتاء ، طنين الذباب وشقاوة الأولاد من حولي ..........غير أن للشجر ذاكرة ، كما لاحظ الأستاذ زهير بحسه الشاعر ، وأن ذاكرته حاضرة في جذعه ، وفي لبه ، وانبساط فروعه . شكراً لك أستاذي هذه الشهادة المخيفة .
 
وشكري لكم جميعاً ، صديقنا الجديد ، جمال وزوجته الكريمة (مع الامتنان الكبير لكلماتك الطيبة والمشجعة ) ، ومولانا الوارف بالعطاء ، والأساتذة : طه وعبد الحفيظ وبسام وزياد وتنباب تود والنويهي والسعدي .... ، وأستاذنا الغائب هشام ( يبدو أنه لم يدفع إشتراك الإنترنت بعد ) وكل الذين شاركونا في هذا الملف أو تابعوه قراءة ، أعلم اليوم بأنني لست وحدي ، وبأن لي أصدقاء يشبهونني في مشرق هذا الوطن الكبير ومغربه و ........... إلى اللقاء .
 
 

14 - أبريل - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
الذاكرة وابن المجنونة ..........    كن أول من يقيّم

 
 
الفداء
 
 
وسار زارا يوماً على الجسر فاحاط به رهط من اهل العاهات والمتسولين وتقدم إليه احدب يقول له :
 
ـــ التفتْ إلى الشعب يا زارا فهو أيضاً يستفيد من تعاليمك وقد بدأ يؤمن بسنتك . ولكن الشعب بحاجة إلى أمر واحد ليتوطد إيمانه بك : عليك يا زارا ان تتوصل إلى إقناعنا نحن أهل العاهات . وامامك الآن نخبة منهم وما لك بعد مثل هذه الفرصة تنتهزها لتقوم لاختبارك على مثل هذا العدد من الرؤوس . بوسعك الان ان تشفي العميان والمقعدين فتخفف الأثقال ، وتريح المتعبين . تلك هي الطريقة المثلى لهداية هؤلاء القوم إلى الإيمان بزارا .
 
فأجاب زارا :
 
من يرفع عن ظهر الأحدب حدبته فقد نزع منه ذكاءه . هذه هي تعاليم الشعب . وإذا أعيد النور إلى عيني الأعمى فإنه ليرى على الأرض كثيراً من قبيح الأشياء فيلعن من سبب شفاءه . ومن يطلق رجل الأعرج من قيدها فإنه يورثه أذية كبرى إذ لا يكاد يسير ركضاً حتى تتحكم فيه رذائله فتدفعه إلى غايتها . هذه هي التعاليم التي ينشرها الشعب . وهل على زارا أن يأخذ عن الشعب ما اخذه الشعب عنه ?
 
غير أنني منذ نزلت بين الناس سهل علي ان أرى منهم من تنقصه عين ، ومن تنقصه أذن ، وآخر فقد رجليه ، وهنالك من فقدوا لسانهم أو أنفهم أو رأسهم ، وهكذا رأيت أقبح الأمور ، وهنالك أشياء أشد قبحاً إن اعرضت عن ذكرها فلا يسعني السكوت عن أكثرها .
 
رأيت رجالاً فقدوا كل شيء ، غير أنهم يملكون شيئاً يسوده الإفراط ، فهم رجال كأنهم عين عظيمة أو فم واسع أو بطن كبير أو عضو كبير آخر لا غير ، وما هؤلاء الناس إلا اهل العاهات المعكوسة .
 
وعندما عدت من عزلتي لأجتاز هذا الجسر للمرة الأولى وقفت مندهشاً لا أصدق ماأرى فقلت : هذه أذن ، أذن وسيعة كانها قامة رجل ، وتقدمت إليها فلاح لي وراءها شيء صغير لم يزل يتحرك وهو ناحل ضعيف يستدعي الإشفاق ، فإن الأذن الكبرى كانت قائمة على ساق دقيقة ، وما كانت هذه الساق إلا إنساناً ، ولو أنك تفرست في هذا الشيء بنظارة لرأيت فوقه وجهاً يتقطب بالحسد وينم عن روح صغيرة تريد الانتفاخ وترتجف على قاعدتها .
 
وقال لي الشعب : إن هذه الأذن ليست رجلاً فحسب ، بل هي أيضاً رجل عظيم بل عبقري من عباقرة هذا الزمان . غير أنني ما صدقت الشعب يوماً إذ هو تكلم عن عظماء الرجال ، فاحتفظت بعقيدتي وهي: (إن هذا الرجل ذو عاهة معكوسة إذ ليس له إلا القليل من كل شيء والكثير من شيء واحد) .
 
وبعد أن وجه زارا هذا الخطاب إلى الأحدب ومن تكلم بالوكالة عنهم اتجه نحو أتباعه وقد تحكم الكدر فيه فقال :
 
والحق أنني أسير بين الناس كأنني أمشي بين أنقاض وأعضاء منثورة عن أجسادها . وذلك أفظع ما تقع عليه عيناي ، فإنني أرى أشلاء مقطعة كأنها بقايا مجزرة هائلة . وإذا ما لجأت عيني إلى الماضي  هاربة من الحاضر فإنها لتصدم بالمشهد نفسه ، فهناك أيضاً أنقاض وأعضاء وحادثات مروعة ، ولكنني لا أرى رجالاً ..........
 
إن أشد ما يقع علي أيها الصحاب إنما هو الحاضر والماضي ، وما كنت لأطيق الحياة لو لم اكن مستكشفاً ما لا بد من وقوعه في آتي الزمان ، وما زارا إلا باصرة تخترق الغيب ، فهو رجل العزم وهو المبدع ، هو المستقبل والمعبر المؤدي إلى المستقبل ، وهو وا آسفاه ذو عاهة ينتصب على هذا المعبر .
 
وأنتم أيضاً تتساءلون مراراً : من هو زارا ? وبماذا نسميه ? فلا تتلقون غير السؤال جواباً كما اتلقاه انا .
 
أهو من يعد أم من ينفذ الوعد ? أهو فاتح أم وريث ? أهو الطبيب أم هو الناقه ?
 
أشاعر هو ام رجل حقيقة ? أمحرر أم متسلط ? أصالح أم شرير ?
 
ما أنا إلا سائر بين الناس شطرة من المستقبل الذي يتراءى لبصيرتي وجميع أفكاري تتجه إلى توحيد وجمع كل ما تفرق على أسراروتبدد على الصدف العمياء للاسرار ومفتدياً لإخوانه من ظلم ما تسمونه صدفة ودهراً . وما الفداء إلا في إنقاذ من ذهبوا ، وتحويل كل ما كان إلى ما اريد لو انه كان .........
 
ما المخلص والمبشر بالغبطة إلا الإرادة نفسها ، وهذا ما أعلمكم إياه يا أصحابي ، ولكن اعلموا أيضاً ان هذه الإرادة لم تزل سجينة مقيدة .
 
إن الإرادة تنقذ ، ولكن ما هي القوة التي تقيد المنقذ نفسه ?
 
داء الإرادة الوحيد إنما هو كلمة " قد كان " تقف الإرادة أمامها تحرق الإرم عاجزة عن النيل من كل ما كان ، فالإرادة تنظر بعين الشر إلى كل ما فات وليس لها أن تدفع بقوتها إلى الوراء ، فهي أضعف من ان تحطم الزمان وما يريده الزمان ، هذا داء الإرادة الدفين .
 
إن الإرادة تنقذ ، ولكن ما هو تصور الإرادة في عملها للتخلص من دائها وهدم جدران سجنها ?
 
وا آسفاه ! إن كل سجين يصبح مجنوناً ، وما تنقذ الإرادة السجينة نفسها إلا بالجنون .
 
إن الزمان لا يعود أدراجه . ذلك ما يثير غضب الإرادة وكيدها ، فهنالك صخر لا طاقة للإرادة برفعه ، وهذا الصخر إنما هو الأمر الواقع .
 
لذلك تهب الإرادة وقد تملكها الغيظ مقتلعة الأحجار منتقمة من كل من لا يجاريها في كيدها وثورتها ، وهكذا تصبح الإرادة المنقذة قوة شريرة تصب جام غضبها على قانع بعجزها عن الرجوع إلى ما فات . وهل انتقام الإرادة إلا عبارة عن كرهها للزمان لأنه أوقع ما لا قبل لها برده ?
 
والحق أن إرادتنا مصابة بالجنون ، وقد نزلت لعنة على البشرية منذ تعلم الجنون أن يتفكر . إن خير ما طرأ على الإنسان حتى اليوم إنما هو فكرة الانتقام ، وهكذا سيبقى العقاب ملازماً للألم في كل زمان وفي كل مكان . وهل فكرة الانتقام إلا العقاب بذاته ? فما كلمة الانتقام إلا كلمة مكذوبة يقصد بها التعبير عن الضمير .
 
إن كل مريد يتألم لأنه لا قبل له بالرجوع إلى الماضي لرد ما فات ، ولهذا لزم أن تكون الإرادة بل كل حياة على الإطلاق كفارة وعقاباً .
 
بمثل هذه الاعتقادات تلفع العقل بالغيوم فانبثق منه الجنون هاتفاً : كل شيء يزول ، فكل شيء يستحق الزوال .
 
إن العدل نفسه يقتضي بأن يفترس الزمان أبناءه ، هذا ما أعلنه الجنون .
 
لقد وضع الناموس الأدبي وفقاً للحقوق والعقاب ، فأين المفر من نهر الحياة الجارف وما الحياة إلا عبارة عن عقاب ? وهذا أيضاً ما أعلنه الجنون .
 
ليس من حادث واحد يمكننا أن نزيله من الوجود . فهل للعقاب ان يمحو الحادثات ? وهل من خلود لغير  الأعمال في وجود لا بنفك يحول العمل عقاباً والعقاب عملاً ? ولا مناص من هذه الحلقة المفرغة ما لم تتوصل الإرادة إلى الفرار من ذاتها فتصبح حينذاك إرادة منفية .
 
إنكم تعرفون ، أيها الأخوة ، هذه الأغاني التي يتشدق بها الجنون . وقد أقصيتكم من سماعها عندما علمتكم أن الإرادة مبدعة . كل ما فات يبقى مبدداً منثوراً كأنه أسرار ومصادفات رائعة إلى أن تقول الإرادة : إنني أنا أردت هذا . ثم تقول : وهذا ما أريده الآن وسأريده غداً .
 
هل نطقت الإرادة بمثل هذا حتى اليوم ? وأي متى ستنطق به ? هل هي تملصت من قيود جنونها فأصبحت تفتدي الحادثات بعزمها وتبشر بالحبور ? هل هي اطرحت فكرة الانتقام وتوقفت عن حرق الأرم من كيدها ? من ترى تمكن من تعليمها مسالمة الزمان بل ما يفوق هذه المسالمة ?
 
يجب على الإرادة ولا أعني سوى إرادة الاقتدار أن توجه مشيئتها إلى ما هو أعظم من المسالمة . ولكن أنى لها ذلك ومن سيعلمها أن توجه هذه المشيئة إلى ما فات ?
 
وتوقف زارا عن الكلام فجأة كأن رعباً شديداً حل به فاتسعت حدقتاه وشخص بأتباعه سابراً أفكارهم غير انه ما لبث أن عاد إلى الضحك فقال بكل هدوء :
 
ـــ  ما تهون الحياة بين الناس لأن الصمت صعب على المرء وخاصة إذا كان ثرثاراً .
 
هكذا تكلم زارا ..........
 
ولكن الأحدب الذي كان يصغي إلى هذا الحديث  وهو يستر وجهه بيديه سمع قهقهة زارا ففتح عينيه مستغرباً وقال :
 
ـــ لماذا يخاطبنا زارا بغير ما يخاطب به أتباعه ?
 
فقال زارا :
 
ـــ وهل من عجب في هذا ? أفما يصح أن يخاطب الأحدب بأقوال لها حدبتان ?
 
فقال الأحدب :
 
ـــ ولا عجب أيضاً في أن يخاطب زارا تلاميذه كمعلم أولاد ، ولكن لماذا يخاطب أتباعه بغير ما يخاطب به نفسه ? 
 
 
هكذا تكلم زرادشت ( كتاب للكل ولا لأحد ) للفيلسوف الألماني : فريدريك نيتشه
ترجمة : فيلكس فارس ــ مكتبة صادر ، بيروت ، لبنان ، نسخة مطبعة الاتحاد 1948 .
 
 
 
 
 

16 - أبريل - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
مقدمة في الرد على الأستاذ هشام    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

 
 
الصديق
 
 
 
يقول المنفرد في نفسه " لا أطيق وجود أحد بقربي " ولكثرة ما يقف محدقاً في ذاته تظهر التثنية فيه ،ويقوم الجدال بين شخصيته وبين ذاته فيشعر بالحاجة إلى صديق . وما الصديق للمنفرد إلا شخص ثالث يحول دون سقوط المتجادلين إلى الأغوار كما تمنع المنطقة المفرغة غرق العائمين .
 
إن أغوار المنفرد بعيدة القرار ، فهو بحاجة إلى صديق له أنجاده العالية ، فثقة الإنسان بغيره تقوده إلى ثقته بنفسه ، وتشوقه إلى صديق ينهض أفكاره من كبواتها .
 
كثيراً ما يقود الحب للتغلب على الحسد ، وكثيراً ما يطلب الإنسان الأعداء ليستر ضعفه ويتأكد إمكانه مهاجمة الآخرين .
 
من يطمح إلى اكتساب الصديق وجب عليه أن يستعد للكفاح من أجله ، ولا يصلح للكفاح إلا من يمكنه ان يكون عدواً . يجب على المرء أن يحترم عداءه في صديقه ، إذ لا يمكن لك أن تقترب من قلب صديقك إلا حين تهاجمه وتحارب شخصيته .
 
أنت تريد الظهور امام صديقك على ما أنت عليه هاتكاً كل ستر عن خفايا نفسك ، فلا تعجب إذا رأيت صديقك يعرض عنك ويقذف بك إلى بعيد .
 
من لا يعرف المصانعة يدفع الناس إلى الثورة عليه ، فاحذر العري ، يا هذا ، لأنك لست إلهاً ، والآلهة دون سواهم يخجلون من الاستتار .
 
عليك بارتداء خير لباس أمام صديقك ، لتهيب به إلى طلب المثل الأعلى : الإنسان المتفوق .
 
أفما تفرست في وجه صديقك وهو نائم لترى حقيقته ? افما رأيت ملامحه إذ ذاك كأنها ملامحك أنت منعكسة على مرآة مبرقعة معيبة ? أفما ذعرت لمنظر صديقك وهو مستسلم للكرى ?
 
ما الإنسان ، أيها الرفيق ، إلا كائن وجب عليه ان يتفوق على ذاته ، وعلى الصديق أن يكون كشافاً صامتاً ، فأمسك النظر علناً إلى كل شيء ما دمت قادراً في غفلتك على كشف ما يفعله صديقك في انتباهه . عليك أن تحل الرموز قبل أن تعلن إشفاقك ، فقد ينفر صديقك من الإشفاق ويفضل أن يراك مقنعاً بالحديد وفي عينيك لمعان الخلود .
 
ليكن عطفك على صديقك متشحاً بالقسوة وفيه شيء من الحقد ، فيبدو هذا العطف مليئاً بالرأفة والظرف .
 
كن لصديقك كالهواء الطلق والعزلة والغذاء والدواء ، فإن من الناس من يعجز عن التحرر من قيوده ولكنه قادر على تحرير أصدقائه .
 
دع الصداقة إذا كنت عبداً ، وإذا كنت عاتياً فلا تطمح إلى اكتساب الأصدقاء .
 
لقد مرت أحقاب طويلة على المرأة كانت فيها مستبدة أو مستعبدة فهي لم تزل غير أهل للصداقة ، فالمرأة لا تعرف غير الحب .
 
إن حب المرأة ينطوي على تعسف وعماية تجاه من لا تحب ، وإذا ما اشتعل بالحب قلبها فإن انواره معرضة لخطف البروق في الظلام .....
 
لم تبلغ المرأة بعد ما يؤهلها للوفاء كصديقة ، فما هي إلا هرة ، وقد تكون عصفوراً ، وإذا هي ارتقت اصبحت بقرة ...........
 
ليست المرأة أهلاً للصداقة ، ولكن ليقل لي الرجال من هو أهل للصداقة بينهم ? إن فقر روحكم وخساستها يستحقان اللعنة أيها الرجال ، لأن ما تبذلونه لأصدقائكم يمكنني أن أبذله لأعدائي دون ان أزداد فقراً
 
إنكم لا تتخذون إلا الأصحاب ، فأي متى تسود الصداقة بينكم ?
 _________________________
 
هكذا تكلم زرادشت ( كتاب للكل ولا لأحد ) للفيلسوف الألماني : فريدريك نيتشه
ترجمة : فيلكس فارس ــ مكتبة صادر ، بيروت ، لبنان ، نسخة مطبعة الاتحاد 1948
 
 

18 - أبريل - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
لماذا نيتشه?    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
كان المتنبي قد أعادني إلى نيتشه ، أجد تشابهاً كبيراً بينهما رغم اختلاف العصر والظروف وثقافة المنشأ .
 
نيتشه كما أراه هو ضمير الحداثة ، والضمير هنا من المضمر أيضاً . لم يوجه نيتشه ضربات معوله إلى البنية الاجتماعية ولا إلى الأنظمة السياسية السائدة في عصره ، بل انتقد الإنسان كمحصلة لمراحل طويلة من التحولات التاريخية التي طرأت في أوروبا وسلبته حريته واستعبدت غريزته وفطرته الأولى . يعتقد نيتشه بأن الخلفية النفسية الموروثة من الثقافة الدينية ( المسيحية واليهودية ) هي التي تتحكم بأفكار العقلانية والحداثة . المشكلة هي في الإنسان المستعبد نتيجة خضوعه الطويل لمؤسسة أخلاقية زائفة ( أخلاق العبيد ) أدت به للخضوع إلى هذا الاستلاب النفسي .
 
في الواقع: مؤسس علم النفسي الحقيقي هو نيتشه وليس فرويد ، وما فرويد إلا مهندس لهذه الأفكار بعد أن أعاد صياغتها وشرحها وبوبها ، وجعلها علماً نفعياً ممنهجاً .
 
لو أردنا الحديث عن نيتشه فسيطول بنا الشرح ويتشعب ، سأكتفي اليوم بإجمال موقفي منه لأن حديث الأستاذ هشام أعادني إليه كما أعادني المتنبي . قبل هذا أقول للأستاذ هشام : أهلاً بك في نادي الحداثة !
 
لماذا نيتشه ? : لأنه يرفض سياسة القطيع ، ولأنه يعيد الاعتبار لدوافع الإنسان الفطرية ، ولأنه يحرر العقل من الحتميات الأخلاقية المتوارثة بغباء ، ومن سطوة التاريخ الهيغلي وتسلط أفكار الصراع الطبقي وفكرة المساواة . ومع أنه يسيء الظن بالإنسان ، إلا انه يمنحه فرصة ! ومع أنه يعترف بفرديته إلا أنه يدرك أهمية الدور الإجتماعي وضرورة الإلتزام ........ ثم لأنه شاعر ، ولأنه صادق !
 
هذا لا يعني بأنني أؤمن ب " الإنسان المتفوق " الذي ينادي به . هذه رغبة أمتنع عنها بالكثير الكثير من التواضع . هنا وقع نيتشه في شطحات الفلسفة التي هي غالباً غاياتها . أؤمن بأننا نستطيع اكتساب الوعي بالجهد والإرادة ، وأن التحرر من الضعف سيريح الإنسان من سوء الطوية القاتل ، وسيوحد عناصره ربما ويوجهها إلى هدف أسمى .
 
هناك انتقادات كثيرة من الممكن توجيهها إلى أفكاره ، ولقد أوردت الفصل السابق كاملاً رغم تحفظي على ما قاله بخصوص المرأة ، وهو غالباً ما كان شديد القسوة في الحكم عليها ، لكنه أسلوبه الخاص في الحكم على كل البشر . ربما يكون من المفيد للمرأة بأن تسمع هذا الرأي المتطرف الذي لا يقال لها علانية في كل يوم ، لكن الكثير من البشر يعتقدونه ، لا يزال ، وحتى اليوم .
 
 
 

18 - أبريل - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
غريب الطوارقي    كن أول من يقيّم

 
نعم يا أستاذ طه ، يبدو أن الأخ غريب هو من الطوارق وهذا ما نفهمه من القصيدة ، مع هذا لم أفهم تماماً البيت الأخير . إنما ما كان قد أثار عجبي هو العنوان الذي اختاره الأستاذ زهير لتعليق الأمس : " خذوا الحكمة من أفواه المجانين " ، واستغربت هذا القول لأنني لم أتبين في قول الغريب أية حكمة حتى ساعتها ، لكنني عذرت الأستاذ زهير وظننت بأنه متعب بسبب قلة النوم وقلقه على صحة زوجته ( شفاها الله وعافاها بفضله ) بل قلت في نفسي : " هذه غلطة الشاطر " فكيف يمكن لمثل الأستاذ زهير إسأة استخدام المثل على هذا النحو ? لم أكن أعلم بأنه لغز !
 
إذا عرف السبب ، بطل العجب .

18 - أبريل - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
أحاديث على الباب    كن أول من يقيّم

 
أشكر لكم اهتمامكم ومودتكم مولانا بلحسن وأستاذنا زهير وأستاذنا هشام ، أنا بخير والحمدلله ، وكنت أريد التغلب على المرض بالعزيمة والإرادة كما قال الأستاذ هشام ، فلم تنفع لوحدها ، حتى اضطررت للذهاب إلى الطبيب وتناول الدواء وهذا مما أكرهه وأتحاشاه عادة ، لكن للضرورة أحكامها .
 
تجولت في صفحة الصور كمن يتنزه في حديقة جميلة أزهرت أثناء غيابه : صور لفنان رقيق المحيا والريشة هو الأستاذ عبد السلام ، وصورة الأستاذ سعيد الهرغي بعد أن خرج من بين شتلات الذرة لنكتشف بأنه في مثل سن طه والدمنهوري ، وكنا نعرف بأنه درة ثمينة حتى تبدت لنا واضحة في ضوء الشمس ، وصور الأطفال الأحباء كأزهار نيسان وآخرهم سمر التي ستكون ، بدون شك ، نجمة هذا الأسبوع .
 
شكري الجزيل للأستاذ النويهي على قصيدة نيتشه المعذب ، وشكري للأستاذ زهير على أبياته الرقيقة الساحرة ، وأنا أدعوكم جميعاً لقراءة مساهمتي في ملف الأستاذ هشام الجديد : ذكريات أيام المدرسة .
 

24 - أبريل - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
 34  35  36  37  38