 | تعليقات | تاريخ النشر | مواضيع |
 | صالح الجيتاوي و(فاعِلُ).. كن أول من يقيّم
وفي محاولةٍ قاصرةٍ لتبرير وجودها، ظنّ صالح الجيتاوي أنه حلَّ المعضلةَ، باعتبار (فاعلن) مركّبةً من وتدٍ مفروق (فاعِ /ه/) فسببٍ خفيف (لنْ /ه)، وأنّ سقوطَ النونِ فيها يصبح حينئذٍ زحافاً مقبولاً يقعَ على سبب لا على وتد()! وواضح أن الجيتاوي رمى نفسَهُ في مأزقٍ أصعب، ومعضلةٍ أشد. فهو في غمرةٍ من نشوة الاكتشاف، نسيَ تماماً أن زحاف (الخبْن) الذي يُصيبُ (فاعلن) أصلاً، فيُحوّلها إلى (فعِلن) بسقوط ألِفِها، أكثر استعمالاً من (فاعِلُ) تلك. وأنه بتفريقه الوتد في (فاعِ لن) يُوقِعُ هذا الزحاف الشائع على الوتد (المفروق عنده!). أضف إلى ذلك أن (فاعلن) ذاتها لا ترِدُ في الخبب، لأنّها ليست من تفاعيله أصْلاً. | 10 - مارس - 2009 | بحور لم يؤصلها الخليل - بحر الخبب |
 | علي يونس وأمين سالم كن أول من يقيّم
أما د.علي يونس، فعَدّها "خروجاً على القواعد العروضية"، أدّى كما يقول إلى نشوءِ بحْرٍ آخر "هو الخبب الجديد"!! وفسّر دخولَها بتطوّر الأذواق الحديثة حتى "صارت تقبل ما لم تكن تقبله في الماضي"()!. بل إنَّ د.أمين سالم اعتبرها خَلَلاً عروضيّاً، ومَزْلَقاً من مزالق البحر الموسيقية، مستغرباً أنْ يُواقِعَ مثلَ ذلك الخللِ شاعرٌ كبير كمحمود حسن اسماعيل، ومتغافِلاً عمّن استخدمها قبله()!. | 10 - مارس - 2009 | بحور لم يؤصلها الخليل - بحر الخبب |
 | (فاعِلُ) في الشعر القديم     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
وواضح من آرائهم أنهم يعتبرونَ (فاعِلُ) ابتكاراً جديداً لم يَرِدْ في شعر القدماء، ولا سجّلَها العروض القديم. ولكننا نُشكِّكُ في ذلك كله، إذْ إنّ (فاعِلُ) أقدمُ كثيراً مما يَدَّعون، فهي من خصائص هذا البحر الغريب ومميزاته كما سنرى، ولأنها كذلك كانَ لا بدّ لها من الظهور. وليسَ مهمّاً عندنا الآن معرفةُ أول من استعملها، ولكننا نؤكد أن استقراءَ قصائد هذا البحر منذ وُجِد سيُظهِرُ أثَرَها دونَ ريب، وذلك على الرغم من ضياع معظم قصائد الخبب القديمة كما رأينا. هاكَ مثلاً وجدْتُه عند أشهر شعراء الخبب؛ الحصري القيرواني (-488هـ)، في قصيدةٍ له يقول فيها(): أَ عَنِ الإغْريضِ أمِ البَرَدِ=ضَحِكَ المُتَعَجِّبُ منْ جَلَدي يا هاروتِيَّ الطّرْفِ تُرى=كَمْ لَكَ نَفَثَاتٌ في العُقَدِ ومن قصيدةٍ طويلةٍ لابن الأبّار البلنسي (-658هـ) وجدْتُ قوله(): بَيْتُهُ في التّرْبِ رَسَا وَتَداً=وعَلى الأفْلاكِ لَهُ طُنُبُ ولفتيان الشاغوري (-615هـ)(): آهاً منْ هَجْرِكَ والإعْـرا=ضِ وطولِ صُـدودِكَ والمَلَـلِ لا بَلْ واهاً لِسَجايا المَلِـ=ـكِ الأفْضَلِ نورِ الدينِ عَـلي وللشاعر اليمني؛ علي بن القاسم الحسْني الزيدي (-1096هـ)(): اسمعْ مولايَ نِظامَ أخٍ=قدْ زادَ بِمَدْحِكَ رَوْنَقُهُ وُدُّكَ قدْ صارَ يُكَلِّفُهُ=بِمَقالِ الشـعْرِ ويُنْطِقُهُ | 11 - مارس - 2009 | بحور لم يؤصلها الخليل - بحر الخبب |
 | (فاعِلُ) في الشعر الحديث     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
وحديثاً وردت (فاعِلُ) هذه على لسان شوقي قبل نازك الملائكة، وذلك في شطري البيت التالي من نشيد النيل(): جارٍ ويُرى ليسَ بِجارِ=لأناةٍ فيهِ وَوَقارِ وفي الشطر الأول من قوله(): نَتَّخِذُ الشمسَ لهُ تاجا=وضُحاها عَرْشاً وهّاجا وفي الشطر الأول من قوله أيضاً(): نَبْتَدِرُ الخيْرَ ونستَبِقُ=ما يرضى الخالِقُ والخُلُقُ وفي الشطر الأول من قول مطران(): ما بيْنَ لُصوصٍ وَلُصوصٍ=فرْقٌ في الأعْلى والأدْنى وفي قول أبي شادي من ديوانه (الشفق الباكي)، المطبوع عام 1926م(): لَيْسَ نَظيمي=نَظْمَ بَناني إنْ هَوَ إلاّ=بعْضُ جَناني وفي قول الهراوي (-1939م)(): يسْتَمِعُ القولَ فيحفظُهُ=ويَعي الأنغامَ فيُنشِدُها وكَمِثْلِ الساعةِ عُدَّتُهُ=إنْ فَرَغَتْ تَملأُها يدُها راوَدَني النّومُ وما بَرِحا=حتّى طأْطأْتُ لهُ راسي | 11 - مارس - 2009 | بحور لم يؤصلها الخليل - بحر الخبب |
 | (فاعِلُ) لدى العروضيين كن أول من يقيّم
وأما العروضيون القدماء؛ فلعلّ ابن الفرخان (من علماء القرن السادس الهجري) هو أوّل مَنْ ذكرَ هذه التفعيلة. إلاّ أن ذِكْرَها لديه لم يكن تسجيلاً واقعيّاً لورودها في الشعر، وإنّما ظهرت لديه عَرَضاً، وهو يُولِّد التفاعيل توليداً افتراضيّاً يقوم على تقليب مواضع المتحرّكات والسواكن. وقد عدَّها تفعيلةً قائمةً بذاتِها، يتألّف من تكرارها ما يتّزن من الشعر، وإنْ كانَ ليس بالرشيق كما يقول، ومثّلَ لها بقوله(): ليْتَ حَبيبِيَ ساعَةَ أعْرَضَ=أجْمَلَ هَجْرِيَ وهْوَ جَميلُ فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ=فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ فعْلن وقوله كذلك من مسدّسها: أبْـقِ عَلَيَّ حَبيبِيَ=ليسَ لِجَوْرِكَ دافِـعْ جُرْتَ عليَّ فَطَرْفِيَ=حيْثُ ذَكَرْتُكَ دامِعْ فاعِلُ فاعِلُ فاعِلُ= فاعِلُ فاعِلُ فعْلن | 11 - مارس - 2009 | بحور لم يؤصلها الخليل - بحر الخبب |
 | (فَعِلَتُ ////) في الخبب كن أول من يقيّم
ومع ازديادِ الكتابةِ عليه، فلقد زاد الطينَ بلّةً -بالنسبة للعروض التقليدي- ظهور تفعيلةٍ أُخرى، حطّمت كلَّ آمالِ العروضيين في أنْ يبقى هذا البحرُ محتفظاً برباطٍ واهٍ يربطُهُ بعروضهم التقليدي. تلك هي التفعيلة (فَعِلَتُ ////) بمتحركاتِها الأربعة المتتالية، والتي أدّت -في الشعر- إلى تجاوُرِ خمسةِ متحركات فأكثر. وهو ما لا تقبله أوزان الشعر العربي الأخرى كما هو معروف. يقول محمود حسن اسماعيل(): بِثُمالَةِ قَدَحٍ مَفْتونِ=يَتَرَنَّحُ في كفِّ السّاقي ///ه //// /ه/ه /ه/ه إنّي لا أومِنُ في حُبٍّ=لا يَحْمِلُ نَزَقَ الثُّوّارِ /ه /ه //// /ه/ه /ه/ه ولآخر، وقد جمع بين (فعِلَتُ) و (فاعِلُ)(): لا نُؤْمِنُ أَبَداً بِحُدودِ=لا نَخْضَعُ أبَداً لِسُدودِ /ه/ه //// /ه// /ه /ه=/ه /ه //// /ه// /ه/ه والأغرب أن تردَ (فعِلَتُ) عَروضاً، كما في قول أسامة عبد الرحمن(): وأُعلِّق فوقَ الهدْنَةِ شَرَ=في ... حتّى كَثُرَتْ هدْناتي وتَلينَ قَنَاتي، تنْكَسِرُ عَـ=ـلى قَدَمَيْ (كوهينَ) قناتي ///ه ///ه /ه /ه //// | 11 - مارس - 2009 | بحور لم يؤصلها الخليل - بحر الخبب |
 | أحكام حائرة كن أول من يقيّم
ومن الواضح أنّ مشكلتهم مع تفاعيل الخبب هذه؛ ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمشكلتهم الرئيسة مع الخبب ذاته، وذلك عندما اعتبروه صورةً عن البحر الخليلي المهمل ( فاعلن فاعلن...). بتفعيلته الوتدية، والتي لا يجوز أن يتأثر وتدها بأي زحاف. ولذلك فهم يستغربون من تحولها مرّةً إلى (فعْلن) بقَطْعِ وتدها، وهذا لا يجوز في البحور الأخرى. ويستغربون من تحوّلها إلى (فاعِلُ) مرة أخرى، متوهِّمين بذلك سقوطَ ساكنٍ من وتد! فإذا ما ظهَرَت (فَعِلَتُ)، فتلك هي الطامّة الكبرى، إذ لا مجالَ عندهم البتّة لتبرير وجودها. ومع ذلك فلقد كان لديهم شعورٌ بتمايز الإيقاعين منذ عرفوا الخبب، ولذلك نبّه القدماء إلى أنّ تحوُّل (فاعلن) إلى (فعْلن) هو مما يُخالف أصولَ القواعد الخليلية()، وأنّ ذلك حالة شاذةٌ يختصُّ بها هذا البحر دون سواه()!! بل لقد حكَمَ معظمهم بشذوذ هذا البحر سالمَ التفاعيل (أي على فاعلن فاعلن...)، وصحّته معتلاًّ (أي على فعِلن و فعْلن)()!! بل جزَمَ آخرون أنّه لا يستعمل إلاّ مخبوناً أو مقطوعاً()!. وعلى الرغم من كلِّ هذه المؤشرات والدلائل على هوية الخبب الموسيقية المتميّزة، فلا يزال العروضيون إلى اليوم يضَعونَه تحت مظلّة البحر المهمل (فاعلن فاعلن...)، معتبرين إيّاه صورةً من صوره!! | 11 - مارس - 2009 | بحور لم يؤصلها الخليل - بحر الخبب |
 | كلام عن (المتدارك).. كن أول من يقيّم
على الرغم من ضياع كتاب العروض للخليل، فلا نشكّ في أنه اعْتَبَرَ البحرَ الذي على (فاعلن فاعلن...) بحرًا مُهملاً ينفكُّ عن دائرة المتقارب. ولا يُعقل أبدًا أن لا يُشير إليه الخليلُ بحراً مُهْملاً، لأنّ طريقتَه الفذَّةَ في فكّ البحور من دوائرها لابدّ أن تُخرِجَه من دائرته، بل إنّ إخراجَه أسهلُ من إخراجِ غيره من مهملات الدوائر الأخرى. ولقد كانت إشارة ابن عبد ربِّهِ (-328هـ) إلى هذا البحر واضحةً في اعتباره مُهْمَلاً، لم يأْتِ عليه في الشعر أية شواهد، حيث قال(): وبعدَها خامسَـةُ الدوائرِ=للمُتَقَاربِ الـذي في الآخِـرِ ينْفَكُّ منها شَطْرُهُ.. وشَطْرُ=لَمْ يأْتِ في الأشعارِ منه الذكْرُ كما أشار في رسمِ دائرة المتقارب عنده إلى موضع انفكاكه منها بقوله "مُهْمَل"(). ومعلوم أن ابن عبد ربه صرّحَ أكثر من مرّة بأخذه العَروضَ عن كتاب الخليل. يقول(): ولا شكّ أن اعتبارَه البحرَ الذي على (فاعلن) مهملاً له ما يُبرّره، فهو كغيره من مهملات الدوائر الأخرى، لم يكن له في جعبة الخليل الشعرية أيّ شاهدٍ أو دليل يدلّ عليه، بل لم توجد له شواهدُ حقيقية إلا في زمنٍ متأخر. يقول المعرّي: وهذا الوزن "لم تستعملْه العرب"(). وربّما كان الجوهري (-398هـ) بعده، أول من سمّاه (المتدارك)، وأصَّلَ قواعِدَه المعروفةَ إلى اليوم، فأفرَدَ له باباً خاصّاً في البحور، ونظمه على طريقة البحور الخليلية الأخرى، مُعدِّداً أعاريضَه وضروبَه، ومشيرًا إلى إمكانية وروده مجزوءاً. وأورد له بعض الشواهد المصنوعة للتمثيل(). وكان مَنْ أتى بعده عالةً عليه، فلم يتجاوزوا طريقتَه في التأصيل، ولا شواهدَه في التمثيل، وذلك على الرغم من هشاشة تلك الطريقة، وافتقادها إلى المنطقية التي تميّزَ بِها عروض الخليل. ويتضح من جميع أمثلة البحر، وتعليقاتِهم عليه، أنّ ما هو مستخدمٌ فعلاً، وما أشاروا إلى قِدَمِهِ وصحّته، لا يخرج عن (فعِلن و فعْلن) دونَ (فاعلن) أبدًا، كالذي نُسِبَ إلى الجنّيّ، أو إلى علي بن أبي طالب، أو إلى أبي العتاهية، أو إلى الخليل ذاته، أو إلى من جاء بعدهم، يقول الجوهري(): "وشعْر عمروٍ الجنّي مخبون" كلّه. ويقول ابن القطاع عنه(): "استعمل مخبوناً". ويقول الزمخشري(): "غيرَ أنه جاءَ مخبوناً أو مقطوعاً"! في حين يبقى ما جاءَ على (فاعلن) أمثلةً مفردةً مصنوعةً، غير منسوبةٍ لأحد، وُضِعتْ للتمثيل. وهي لا تخرجُ عن (فاعلن) وبديلها (فعِلن) دون (فعْلن) أبدًا. ولم يقدر صانعوا هذه الأمثلة على إيراد شاهدٍ مصنوعٍ واحد يخلط ما بين (فاعلن و فعْلن) على الإطلاق. | 11 - مارس - 2009 | بحور لم يؤصلها الخليل - بحر الخبب |
 | الخبب والمتدارك وزنان منفصلان كن أول من يقيّم
إنّهما في واقع الأمر وزنان منفصلان، متمايزان، خلَطَ بينهما العروضيون دون الشعراء، على الرغم من شعورهم الأكيد بالاختلاف والتباين. فقد نبَّهَ معظمُهم إلى أن تحوّل (فاعلن) إلى (فعْلن) هو مما يُخالف أصولَ القواعد الخليلية، وأنّ ذلك حالةٌ شاذّةٌ يختصُّ بِها هذا البحر دونَ سواه!! بل لقد حكَمَ معظمهم بشذوذ هذا البحر سالِمَ التفاعيل، وصحّته معتلاًّ!! ونبّهَ آخرون إلى أنه لا يستعمل إلاّ مخبوناً أو مقطوعاً كما رأينا. يقول العروضي(): "إنّ هذا الوزنَ قد لحِقَهُ فسادٌ في نفس بنائه، أوجَبَ [على الخليل] ردّه، وذلكَ أنه يجيءُ في حشْوِ أبياته (فعْلن) ساكنَ العين، ومثل هذا لا يقع إلاّ في الضرب... فأما في حشو البيت فغير جائز، وما عُلِمَ في شيءٍ من أشعار العرب"، مخالفًا بذلك سائرَ أنواع الشعر كما يقول، ومشيرًا إلى أنه "لو كانَ يجيءُ على بناءٍ تامّ ، فيكون كلّه (فاعلن فاعلن)، أو يجيء [على] (فعِلن)" لَما خالَفَ أنواعَ الشعر الأخرى "ولكنه قلَّ ما يجيء منه بيت إلاّ وأنتَ تجدُ فيه (فعْلن)". ولعلَّ في إطلاقِهِ اسمَ (الغريب) عليه إشارة واضحةٌ إلى استغرابه من هذه المخالفة(). كما أن في إشارات المعرّي العروضية، ما يؤكد أنه كان يشعر بانفصال الوزنين، وإن لم يقل ذلك صراحة. يقول(): "وقد ينقلب [المتقارب] إلى وزنٍ آخر [دون تسميته] لَمْ تستعمله العرب، مثل قوله: أنتِ ياقوتةٌ عندنا في الرّضا=غيرُ مَقْلِيَّةٍ عندنا في الغضَبْ يقول: "فهذا وزنٌ مهملٌ لَم تستعمله العرب". ولكنه عندما أشار إلى الخبب قال(): "الوزنُ الذي يُسمّى ركض الخيل، وزنٌ ركيك"، "ضَعُفَ وهجَرَتْهُ الفحول في الجاهلية والإسلام، وربما تكلّفه بعض الشعراء كما قال: أوَقفْتَ على طَلَلٍ طرَباً=فشَجاكَ وأحزَنَكَ الطّلَلُ ويقول الزنجاني(): "وأنشدوا في تمامِهِ: يا بَني عامِرٍ قدْ تجمّعْتُمُ=ثمَّ لمْ تدفعوا[الضَّيْمَ] إذْ قمْتُمُ ولعلّه مصنوع؛ فإنّ العرب لم تستعمله تامّاً، بل جميعُ أجزائه يجيءُ إمّا على (فعِلن) مخبوناً... وإمّا على (فعْلن) مقطوعاً... أو يجيءُ بعضُ أجزائه مخبوناً، وبعضُها مقطوعاً"!! وباستقرائنا للكثير مما كُتبَ على هذين الوزنين -قديماً وحديثاً- تبيّنَ لنا بما لا يدعُ مجالاً للشكّ، أنّهما شكلان منفصلان، لا يرتبط أحدهما بالآخر إلاّ برباطٍ كاذب؛ هو اشتراكهما بالوحدة الإيقاعية (فعِلن): * حيث يُمثل الشكل الأول كلَّ ما كُتِبَ على (فعْلن) وبديلها (فعِلن)، وتركنا له اسمَ الخبب. * ويمثل الشكل الثاني كلّ ما كُتِبَ على (فاعلن) وجوازها (فعِلن)، وتركْنا له اسمَ المتدارك. | 11 - مارس - 2009 | بحور لم يؤصلها الخليل - بحر الخبب |
 | ابن الفرخان والقرطاجني كن أول من يقيّم
ولعلّ ابن الفرخان هو أول عروضيٍّ من القدماء يفصل الخبب عن المتدارك، فيجعله جنساً قائماً بذاته (يقوم على فعِلن)، ويجعل المتداركَ جنساً قائماً بذاته أيضاً (يقوم على فاعلن). يقولابن الفرخان(): "وقولهم إنّ (فاعلن) هو أصل (الخبب)؛ إنْ عنَوْا به أنّ (فاعلن) أفضل من (فعِلن) في الوزن فليس كذلك، وإن عنَوْا أن المتألِّفَ من (فاعلن) أكثرُ استعمالاً من المتألِّفِ من (فعِلن) فلا كذلك أيضاً، وإنْ عنَوْا أنّ (فعِلن) لا يُستعملُ أصْلاً على انفراده، بل زحافاً (لفاعلن) ومعَه [فهذا] أيضاً غير مقبول". ويرفض القرطاجني()(-684هـ) أن يكون للمتدارك وجودٌ أصلاً، لِما فيه من التنافر والثقل، بينما أقرّ الخببَ بحراً قائماً بذاته، مُجَهِّلاً مَنْ جعله صورةً عن المتدارك وزعَمَ أن الخبْنَ التُزِمَ في جميع أجزائه، مقترحاً تقطيعَه على (مُتَفاعِلَتُن ///ه///ه) مرتين في كل شطر، مع جواز سكون التاء أو اللام() أوكليهما معاً، لتصيرَ إلى (مفعولاتن). ومبيّنًا "فسادَ رأيِ مَنْ جعَلَ شطْرَ الخبب مركّباً من (فاعلن) أربع مرات، ثمّ زعَمَ أن (الخبْنَ) التُزِمَ في جميع أجزائه وجاز فيها القطع، [و]لا يُلتَزَمُ خَبْنٌ، ولا يجوزُ قطعٌ، إلاّ في عروضٍ أو ضرب". | 11 - مارس - 2009 | بحور لم يؤصلها الخليل - بحر الخبب |