البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات abdelhafid akouh

 31  32  33  34  35 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
عملة مغربية..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

Mohammed-Vمحمد الخامس .
الملك المحبوب

13 - مايو - 2007
المسكوكات
أنا أَكْبَرُ مِنَ العَرُوض ..    كن أول من يقيّم

 
أنا أكبر من العروض....
[1] هذا الكلامُ لأبي العتاهية• شَاعِرٌ خَبَرَ الشِّعْرَ، وعرف مَضَايِقَهُ• لَمْ يَقُلْ هذا الكلام، لأنَّ شِعْرَهُ كانَ " نثراً "، أو يُكْتَبُ في أُفُقِ رؤيَةٍ نثرية لِلُّغَةِ، أو للِشِّعر• فهو كانَ أحد الذين كانتْ إيقاعات القصيدة، أو موسيقاها، تَنْسَابُ في لسانهم دون عَنَاءٍ• لم يَكُنِ العَروض، بالنسبة لأبي العتاهية، كما لغيره مِنَ الشُّعَراء، الذين عاشوا في زَمَنِهِ، أو قَبْلَهُ، عَنَاءً، أو مُمَارَسَةً تَحْدُثُ بالتَّعَلُّمِ، بل إنَّ الشاعرَ كانَ مَعْنِياً بالشِّعر، حِفْظاً و رِوِايَةً• كان يَخُوضُ الكلامَ في رَقْصِهِ، و في تلك التَّنَوُّعَات التي تَنْقُلُ الجُملَةَ أو الصُّورَةَ، من وَضْعٍ إلى آخَر، وتجعلُ من الكلام انْتِظَاماً يَحْدُثُ بالتَّنَوُّعِ، أو بالانتقال من حالَةٍ إلى أخرى• ليس مُهِمّاً أنْ يكونَ البحرُ بسيطاً، أو مُرَكَّباً، هذا الأمر لم يكُن يعني الشَّاعِرَ، فهو كانَ مَعْنِياً بِرَهَافَةِ اللِّسَانِ• [2] في كلام أبي العتاهية، تَهُمُّنِي تلك الـ " أنا "• و لَنْ أَهْتَمَّ بما جاء في آخر الكلام، أعني العَروض• فأبو العتاهية أعطى للأنا في كلامِهِ، دور العُنصر المُهَيْمِنِ، وجعل منها ذاتاً لها حُضُورٌ، بِهَ تَحْدُثُ شِعْرِيَةُ القصيدة، وتكونُ• العَروضُ ليس سابِقاً على الذات، بل إنه تَالٍ لها• هذا ما أرادَ أبو العتاهية أن يُنَبِّهَ له مَنْ أَرَادُوا تَصْوِيبَ! ما اعْتَبَرُوهُ خَطَأً في شعره• إذا كان هؤلاء، يَقِيسُونَ الشَّعرَ بـ " صِحَّةِ " الوزن، وبما سَنَّتْهُ الأصولية النَّقدية من قوانين، لا يَحْدُثُ الشِّعرُ إلاَّ بها، فأبو العتاهية تَخَطَّى القاعدَةَ، و أوْلَى كُلَّ جُهْدِهِ لِمَا لَيْسَ مَألُوفاً• [3] قيلَ لأبي العتاهية: كيف تقول الشِّعْرَ? قال: ما أرَدْتُهُ قَطُّ إلاَّ مَثُلَ لي، فأقولُ ما أُريدُ، و أَتْرُكُ ما لا أُريدُ• و مِمَّا يُرْوَى عنه، قولُهُ: لَوْ شِئْتُ أنْ أَجْعَلَ كَلامِي شِعْراً لَفَعَلْتُ• و حينَ سُئِلَ عَنْ أَوْزَانِهِ التي لا تدخُلُ فِي العَروضِ، وهل يَعْرِفُ العَروض? أجاب: أنَا أَكَبَرُ مِنَ الْعَرُضِ• لَمْ يَكُنِ العَرُوض ضَرُورَةً يَقْتَضِيهَا الشِّعر• فالشُّعَراء جميعُهُم، كانوا يقولون الشِّعرَ أو يكتُبونه وفق حالاتٍ مِنَ التَّمَثُّلِ الذَّاتِيِّ، الذي تحكمه المعرفة باللُّغَة، كما تحكمه تجربة الذات نفسها، في علاقتها بالوُجود• ولعل في حكاية أبي نواس مع خَلَف الأحمر ما يُبًيِّنُ بعض حالات هذا التَّمَثُّل• فاللغة كانت هي كُلّ ما يحتاجُهُ الشَّاعِر، وليس العَرُوض أو الوزن• في ذهاب أبي العتاهية إلى أنَّ الكلامَ كُلّهُ يُمكن أن يصيرَ شعراً، ما يفضحُ تلكَ المسافَةَ التي نُقيمُها، عادة، بين لُغَتَيْن! واحدة لـِ " الِشِّعر "، و أُخرى لـِ " النثر "• فكل كلام قابِل لِأَنْ يصيرَ شعراً، بالمعنى الذي يجعل الشِّعرَ، إيقاعاً و تَمَثُّلاً تَخْيِيلِِياً للوُجود، لا مُجَرَّد مقاييس بها نُقيمُ الفرقَ بين كلام و آخر• [4] أوزانُ أبي العتاهية، كانت إيقاعات، وهي نوعٌ من التنويع الشَّعريِّ الذي تتدَخَّلُ الذَّاتُ في صياغته، أي تلك الـ " أنا "، التي عملت الأُصولية النقدية على وَضْعِهَا خارجَ الشَّعر، و راهَنَت على النموذج، أو القاعدة• أي على ما هو " جَمَاعِيّ "، ومُشتَرَك، واستبعاد " الفَرْدِيّ " الخاص، الذي لم يَكُن يَحْضَى لديها بأي اعتبار، انْسِجَاماً، طبعاً، مع مفهوم بناء القبيلة، الذي لا يقوم على الإِفْرَاد، والخُصوصية• إنَّ في وضع القصيدة كنموذج لا يتحقَّق الشِّعر إلاَّ به، ما يكشف عن المأزق الذي وَضَعَتِ الشِّعْرية العربية نفسَها فيه، فـ " القصيدة "، هي مُقْتَرَحٌ من بين مُقتَرَحات أخرى، و هي نموذج، ربما، كان يَسْتَجيبُ لرؤية مَن ذهَبُوا إليها، باعتبارها مُنجَزاً شِعْرياً، فيه تتحَقَّقُ الشِّعرية العربية، بكل ما فيها من خُصوصيات، لا صِلَةَ لها بغيرها• حين رفض الجاحظ ترجمةَ الشِّعر العربي، و اعتبر ذلك يمُسُّ شعرية هذا الشِّعر، فهو كان يذهبُ إلى إحدى هذه الخُصوصيات، وأعني تحديداً الوزن• هذا الشَّرط الذي كانت القصيدة تستجيب له، وتعمل على تكريسه بكُل إكراهاته• [5] أبو العتاهية، اختار الشِّعْرَ، و كان يذهبُ إليه باعتباره أُفُقاً، وليس نَمَطاً• لم يكن العَروض بالنسبة له، هو ما يُحَدِّدُ قيمةَ النص، بل إنَّ الشِّعرَ، عندَهُ، يَبْتَنِي شِعرِيَتَهُ، بما يُحْدِثُهُ من تغييرات في الرؤية والحساسية، أي بِمَا يُقْدِمُ عليه الشَّاعر مِن اجْتِراحَاتٍ، و بِما يفتَحُهُ من آفاق جديدة• [6] " الأَنَا "، هنا، تأكيدٌ لِمَا سَمَّاهُ ديكرو بـ " التجربة الذاتية للشعر "، وهو ما يعني، أنَّ الشِّعرَ لا يحدُثُ بتلك " القوانين الصَّارمة "، كما يقول، التي هي قواعد تَضَعُ الشِّعرَ في إطار مُغْلَقٍ، و تُنْهِي كلّ ما يحدُث فيه من تَوَسُّعٍ، أو انشراح، بل هو انفتاحٌ دائم، وتجربة لا تَحْضَى بمجهولاتِها، إلاَّ حين تضع الذات في مجرى تَدَفُّقِها، و تجعلُ الرُّؤيَةَ تُوَسِّعُ مِنْ ضَيْقِ العبارة، أو تَجْلُو بعضَ نشيدها• الإيقاع، وفق هذا المنظور، ليس الوزن، وهو يبحَثُ في الكلمات عن لباسٍ لَهُ، إنَّهُ تمرينُ اللُّغَة على خَوْضِ مُستحيلِها، و تفجير ذلك الماء الذي لن يتبدَّى صفاءه، إلاَّ حين تكون الذات، ذات سيادة وحُضور، وليست ظِلاًّ نائِماً في آخر الكلام• [7] هذه الشِّعرية التي ذهبَ إليها أبو العتاهية، هي شِعْرِيَةُ الكُلِّ، أعني اللغة في كُلِّيَتِها، لا في ما بِهِ تنفصلُ عن أصلها، لِتَصِيَر لُغَتان، واحدة للنثر، و أخرى للشعر• وهذا نوعٌ من الوعي المُبَكِّر، في النَّظر إلى الشِّعْر، حين يَمْثُلُ فادِحاً، أو لا يَحْدُثُ بتلك الجُرُعَات التي تُنَاوِيءُ انْشِرِاحَهُ، وتُفْضِي إلى وضعه في عُنُقِ الكلام• وهو وَعْيُ الشََِّاعر بذاته، بتلك الـ " أنا " العميقة، التي تَجْلُو مَاءَ اللُّغَة، و تُحَوِّلُ بناءَها، من لُغَةٍ تَحْدُثُ بالاتِّفاق، إلى لُغَةٍ مليئةٍ بانْشِقَاقاتِها• بتلك التَّصَدُّعات التي بها حَدَثَ الشِّعر، وصارَ ما هو عليه من كلامٍ، لا يُشْبِهُ الكلام في شيء•(1) [8] لم يكن العروض عند أبي العتاهية هو الشِّعر، كُلُّ شيء كان يَتِمُّ بينَ يَدَيْ الشَّاعر، أو ما سمَّاهُ أبو العتاهية، بـ " الامْثِتَالِ "• فالعروض، هو أحد تَبَدِّيات الإيقاع، أو هو أحد مُكَوَِناتِه، وليس هو الشِّعر• هذا، ربما، ما جعل القصيدة، في كثير من نماذجِها اللاَّحِقَة، أو مَا تَلا، منها، شعرَ الأوائل، تبقى أسيرَة العروض، و لم تَبْرَح قوانينَهُ، أو تذهَب إلى مَا جَرُأ عليه أبو العتاهية، و غيره ممن سبقوه، مِن تَوَسُّعاتٍ، ستعمل النظريات العروضية على حَصْرِها، و إلْحَاقِ بعضها بـ " زحافات "! الشِّعْر، و " عِلَلِهِ "!• يَعُـودُ بِي هذا، إلـى لَحْظَةٍ بَعيدَةٍ فـي تحديد فَـرق المفهومِ، بيـن " الـوزن " و " الإيقاع "• وأذهَبُ تحديداً إلى أرسطو، في كتابه " الخطابة "• يَتَحَدَّثُ أرسطو في المقطع الثامن من المقالة الثالثة، عَمَّا سَمَّاهُ بـ " إيقاع الأسلوب "، في سياق حديثه عن " الإيقاع الخطابي "، وهو ما يُتَرجِمُه الدكتور صفاء خلوصي، خِلافاً لعبد الرحمن بدوي، بـ " إيقاع النثـر "• فـ " شكل القول " عندَهُ، لا ينبغـي أن " يكون ذا وَزْنٍ، و لا بدون إيقاع• فإنَّه إن كان ذا وَزْنٍ، فإنَّهُ يَفْتَقِرُ إلى الإقناع، لأنَّهُ يَبْدُو مُتَكَلِّفاً، وفي نفس الوقت يَصْرِفُ انتباهَ السَّامِعِ، إذْ يُوَجِّهُهُ إلى تَرَقُّب عودة سياق الوزن•••" وبعكس ذلك، فالكلامُ إذا كانَ " بدون إيقاع، فإنَّهُ يكونُ غير محدود"، في حين أنه ينبغي أن يكون محدوداً، " وإن لم يكن بالبُحور والأوزان، لأنَّ ما هو غير محدود غير مُسْتَسَاغٍ ولا يمكن معـرفتُه••• فينبغي أن يكون [للكـلام] النثـري إيقـاع لا وزن، و إلاَّ أصبح شعراً "•(2) رغم ربط أرسطو لـ " الإيقاع " بـ " الخطابة "، فهو كان، في جوهر ما يذهَبُ إليه يحرص على تأكيد الفرق بين، ما هو وزن، و ما هو إيقاع، وأنَّ " النثر " يمكنهُ أن يكون " أسلوباً " خاصاً، و له إيقاعاتُه الخاصة، حين يَتِمُّ اسْتِثْمَارُهُ، في خُصوصية أسلوبه• والوزن، هو أحد مكونات الإيقاع، لأنَّ الإيقاع أوسَع من الوزن، و يَشْتَمِلُ عليه• في كلام أرسطو، هذا، تُصبِحُ المسافَة التي نُقيمُها بين لُغَة للنثر و أخرى للشِّعر، هي الأخرى، في المَهَبِّ، و قابلة لأن نُعيدَ النَّظرَ فيها، خصُوصاً، حينما يتعلق الأمر بلُغَةِ الإبداع، أو ما نصطلحُ على تسميته باللُّغةِ الأدبيةِ• [9] الجاحِظُ، كانَ أحد الذين أَوْقَعُوا الشِّعْرَ العربي في مأزق القصيدة• أوْ في مأزق الوزن، دون إيقاعٍ، أي أنَّهُ عَمِلَ على تَثْبِيت الحُدودِ بين الشعـر والنثر، واشْتِراط النَّيَةِ في الكلام، مهما كانت شاعريَتُهُ، ليكونَ شِعْراً• رُبَّما يكون القرآن سَبَب هذه الاشْتِرِاطات، حتى لا يُنْسَبَ إلى الشِّعر، أو تَخْتَلِطَ الحدود بين خِطابين، واحدٌ دينيُّ مُعْجِزٌ، و الآخَر دُنْيَوِيٌّ مِنْ صُنْعِ الإنسان• حَرِصَ الجاحظ على الوزن كحَدٍّ فَاصِلٍ، وكَسِمَةٍ، بها يتمَيَّزُ الشِّعْرُ [يقصدُ القصيدة] عن غيره من أشكال الكتابات الأخرى، وكانَ حِرْصُهُ على تمييز الشِّعر العربي عن غيرِهِ، أحد الواجِبات التي نَذَرَ نفسَهُ لخَوْضِها، في ما كتبهُ• يقول الجاحظ: " وَ يُدْخَلُ على مَنْ طَعَنَ في قوله " ثَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ "• وزعم أنَّه شَعر؛ لأنه في تقدير مستفعلن مفاعلن، وطعن في قوله في الحديث عنه: " هل أنْتَ إلاَّ إصْبَعٌ دَمِيتِ? و في سبيل الله ما لَقِيتِ "ـ فيُقالُ له: اعلم أنَّك لو اعترَضْتَ أحاديث الناس وَ خُطَبَهُم و رَسَائِلَهُم• لوجدتَ فيها مثل مستفعلن مستفعِلن كثيراً، ومستفعلنْ مفاعلنْ• وليسَ أحَدٌ في الأرضِ يجعلُ ذلك المقدارَ شِعْراً• و لو أنَّ رَجُلاً من الباعَةِ صاحَ: مَنْ يَشْتَرِي باذنجان? لقد تَكَلَّمَ بكلام في وزن مستفعلن مفعولات• وكيفَ يكون هذا شعراً وصاحبه لم يَقْصِدْ إلى الشِّعر? و مثلُ هذا المِقدار من الوزن قد يَتَهَيَّأُ في جميع الكلام• و إذا جاء المقدارُ الذي يُعْلَمُ أنَّهُ نتاج الشِّعر والمعرفةِ بالأوزان و القصد إليها، كانَ ذلك شِعراً"• [10] لَمْ يَعْبَأْ أبو العتاهية بكُلِّ هذه الحُدود، واختارَ الشِّعْرَ، حين يكونُ في أقصى دَرَجَاتِهِ• فهو وَسَّعَ خَطْوَهُ أكثرَ، وابْتَدَعَ أَوْزَانَ، هي ما جعَلَ، بعض الأصوليين يَسْألُونَهُ عن معرفَتِهِ بالعَروض، والمقصودُ، معرفته بالأصول• الذَّهابُ إلى الشَّعر، في مفهومه الأوسع، هو ما تَوَخَّـاهُ أبو العتاهيـة في كلامه، و هو، ما أَنْجَزَ بعض تَبَدِّيَاتِهِ في اللُّغة التي بها كتبَ شِعرَه، وما جَرُأَ عليه من إيقاعاتٍ، حَسِبَها كثيرون، أوزانا، لا تدخُلُ في العروض• ألمْ يُسْأَل أبوالعتاهية، من باب إقرار القاعدة وتَثْبِيتِها، عن معرفته بالعَروض• ألم يكن جوابُهُ، رفضاً للقاعدة، أو هو، بالأحرى، تَوْسِيع لتخومِها، وَوَضْع النص، بالتالي، في أُفُق الشِّعر، بدلَ أن يبقى مَاثِلاً في القصيدة، التي هي إحدى مُقْتَرَحَات الشِّعر، لا الشِّعر كامِلاً•••(3) إضـاءات 1. في هذا السياق، أستعيدُ عملاً مُهمّاً، لميرلوبونتي la prose du Monde . في هذا العمل أعطى م•بونتي أهميةً كبيرة لَلُغَةٍ نَبْتَدِعُهَا و نَخْلُقُها، و ليس لما هـو " مُشْتَرَك "، و " مُتَّفَقٌ عليه "• فكل أفكارنا رَهْنٌ بـأن تُقـَالَ من خلال هـذه التَّسْمِيَـاتِ الجديدة، أو ما نَبْتَدِعُهُ من " تراكيب "، بعيدة عن لغةٍ موجودة قبل اللغة، أو ما سيُسَمِّيه بونتي بـ " كلام الله "• في إحدى رسائله، أشار م• بونتي إلى أنَّ كل " نثر كبير "، هو أيضاً " إعادة خلق "، وهو ما يحدث من خلال تلك التراكيب الجديدة التي نذهبُ إليها، استجابة لنداء، يأتينا من اللُّغَة ذاتها• في ما يذهبُ إليه م• بونتي، نجد هذه الكلية التي تستعيدُ فيها اللغة أصلَها، أو بَدْأَها، باعتبارها ذلك اللِّقاء، أو " التواصل "، الذي لا يحدُثُ، إلاَّ في لحظات " الخطر"• Voir. Merleau_ Ponty. La prose du monde. Ed. Gallimard 1969 2. اعتمدنا في هذا النص لأرسطو، علـى ترجمـة كل من عبد الرحمن بدوي، فـي كتـاب " الخطابة " طبعة وزارة الثقافة والإعلام ـ بغداد 1980، وترجمة الدكتور صفاء خلوصي للنص، في كتابه، " فن التقطيع الشِّعري••" مكتبة المثنى ـ بغداد 1977. حِرْصاً على وضوح القصد• 3. وهناك مَنْ يذهب إلى أنَّ " القصيدة " هي الشكل الشعري الذي ثَمَّ نقلُهُ لنا، وهو يستندُ على النظام العروضي الذي استنبط الخليل إيقاعاته، وعمِلَ على تقنينها، دون أن يلتفتَ لأشكال أخرى، مثل الشَّطر الواحد، أو البنية الوزنية المقطعية، وغيرهما، مما كان قائماً في العصر الجاهلي، وخصوصاً في لهجات بعض القبائل، قبل أو إلى جانب " القصيدة "، وهو ما لا نتذكَّر نِسْيَانَهُ، في توظيفنا للمفاهيم، خصوصا حينما يتعلَّق الأمر بتنظيرات الحداثة، و بما نسمِّيه بيانات الكتابة! هكذا، دون مساءلة المسلَّمات•
2007/5/13
صلاح بوسريف    الملحق الثقافي / جريدة الاتحاد الاشتراكي المغربية .

14 - مايو - 2007
اقتباسات واستضافات لأصوات من العالم..
أبي ...    كن أول من يقيّم

الحافلة تتجه بنا، أنا وأبي••إلى مسقط رأسه بإقليم الناظور• قبل أيام من سفرنا أبلغني والدي أنه بلغ السبعين من عمره، فنزلت من عيني دمعة•• ظلت على مدار الساعات•• تعبر خدي مرتجفة باتجاه الروح•• وقد هيمن الليل على قلبي وانطفأت نجومه الطائرة• فجأة انتبهت أن أبي أصبح كهلا ولم يعد شابا، أصبحت له السند ولم يعد هو السند، كانت كفاه وجناحاه تحضناني من البرق والرعود، فأصبحت مطالبة بجناحين يرفعانه إلى الأعلى•• كي لا يسقط وحيدا في فنائه• تمنيت لو كان بإمكاني أن أنقص من عمري •• وأزيد في عمره كي أظل أصغر•• ويظل أبي الأقوى• تمنيت لو كان بإمكاني أن أقتسم معه شبابي•• كي يظل وسيما•• تماما كما كنت أراه في طفولتي• حين كنت طفلة، ورغم قصر قامته•• كان أبي يبدو لي شاهقا وهو يطل علي من أعلى•• وسيما، بشعر أسود كثيف، وأسنان مرصعة، ناصعة في بياضها• أما ابتسامته وغمازة ذقنه•• فكانتا فتنتي وغبطتي في منتهاها• مازالت الطفولة تسكنني•• وتحملني إلى أسرارها الملونة، حيث يبدو لي خلف زجاج القلب وحبات المطر البعيدة: أن أقوى تجربة حب في حياة المرأة هي حبها الطفو لي لأبيها•• وهي لا تفعل بعد ذلك سوى أن تحمل أباها في قلبها باحثة عن رجال يشبهونه، وتجارب تشبه تجربتها معه، لذلك ربما مازلت كلما التقيت رجلا يطل علي من فوق•• بأسنان ناصعة البياض وغمازة في الذقن•• تهوي بي جبال وكثبان وشطان وأنهار•• فأصبح في ثانية طفلة•• وتشرق شموس قلبي دفعة واحدة• وما زلت لا أستطيع منع نفسي من الافتتان بذقن رجل تتوسطه غمازة، فأتمنى لو أقترب منه بخفر مجنون، وأقبل الغمازة حتى أعضها•• تماما كما كنت أريد أن أفعل مع أبي في طفولتي•• حين تصورت يوما أن شخصا عض ذقنه••فترك فيه غمازة، فأردت أن أفعل مثله وأترك لأبي غمازة أخرى•• ليمتلأ ذقنه بالغمازات• أمام افتتان كهذا أحس أن الطبيعة فقيرة جدا•• فيما خلفته لنا من أساليب التواصل للتعبير عن إحساسنا بالجمال في عفويته الطفولية, وإلا ماذا يمكن لامرأة مثلي أن تفعل أمام غمازة في ذقن رجل تحبه ? هل تقبلها ? هل تعضها ? هل تغازلها وتقول فيها الأشهى من الكلام? أم الأفضل أن تغمض عينيها وترحل إلى طفولات بعيدة حيث تكون/ أكون هناك إلى جانب القمر• لكن القمر انطفأ فجأة•• دون أن يمهلني مساحة من الحلم، كي أفهم على الأقل كيف تسرب منا أنا وأبي كل هذا الزمن الهارب ? كيف لم أنتبه لسنواته السبعين ? • يبدو أن أنبل المشاعر الإنسانية تخفي وراءها نرجسيات ضخمة، وأنني أحتاج لشجاعة أكبر كي أطرح أسئلة أعمق تعكس مرايا روحي المضببة، فهل أرفض أن يكبر أبي، لأنني أرفض أن أكبر أنا ? لأن المسؤولية جبل شاهق يخيفني وكنت أريده أن يحملها عني وبشكل دائم ? كيف لم أنتبه إلى كون أبي إنسان ومن حقه أن يتعب فنحمل عنه الصخر كي يرتاح ? بل من حق أبي أن يعود طفلا ونصبح نحن أبناؤه الآباء ? أما تلك الدمعة التي مازالت تعبر خدي مرتجفة•• باتجاه الروح، فقد خلفت وراءها تجاعيد خفيفة تحت العينين•• على الجبين •• وزوايا الشفتين، تجاعيد أصبحت تكبر وتكبر•• وتحفر بشراسة على وجهي آلاما وتجارب لا تنتمي لي ولا تعبر عني، فأستيقظ كل صباح مشوشة، مضطربة البال•• أسرع إلى المرآة، فأرى وجهي يضيع مني يوما بعد يوما دون أن أفهم لماذا ???•• إلى أن فهمت•• لم أفهم في الحافلة وأنا متجهة مع أبي إلى مسقط رأسه• بالعكس في الحافلة ازدادت تجاعيد وجهي•• وخيل لي أني أرى ظلالها على زجاج النوافذ، ولم يشغلني عنها سوى استغراق أبي في ذكرياته••عن المجاعة وشبحها المرعب كما عاشها الريف المغربي في سنوات الأربعينات من القرن الماضي•• كان أبي يتحدث كعادته بكبرياء فريد•• وتلك أقوى خصوصيات شخصيته، وصفته الكبرى التي طالما نالت إعجابي وإعجاب الآخرين •• وهي ككل الخصوصيات الأصيلة في الشخصية الإنسانية تظل أقوى من استبداد الزمن ولا يزيدها العمر كلما تقدم إلا مرونة ووهجا وعمقا • لذلك فقد ظل كبرياء أبي في جبروته أقوى من جبروت الزمن، حتى وهو يتحدث عن الجوع الذي أذل أجيالا•• وشرخ أرواحا •• ظل يتحدث بشموخ عال•• ولا يرى من التجارب سوى أقواها ضوءا بالنسبة إليه، نساء باهرات الجمال ودعن الحياة على عتبات المنازل جوعا، ورفضن أن يبعن أجسادهن، رجال أغلقوا عليهم وعلى أبنائهم الأبواب لكي لا يرى انهيارهم أحد• ترى ماذا كان يفعل أبي في زمن الجمر هذا ? كيف واجه هو وعائلته شبح الجوع ? من الصعب لرجل مثله أن يحكي عن ما ظل يسميه باستمرار >بالأوقات الصعبة< كي لا يقول أيام الجوع•• كي لا يقول أيام الحرمان• أي كبرياء هذا الذي يعرف كيف يروض الكلمات حتى لا تكشف ضعفا مضى•• ولو في زمن بعيد• التجاعيد ذاتها مازالت تحفر خطوطها على وجهي، وقد وصلنا إلى القرية التي ولد فيها أبي، بل ازدادت تشابكا مع بعضها فيما يشبه القناع•• وأنا أستمع إليه يتحدث سعيدا مع عائلته بأمازيغية لا أتكلمها، رغم كونها ظلت تناديني لسنوات طويلة• أحسست أني أهوي في مجهول بعيد، أبي شاخ ولغته وهي ذاكرة هويته و كاشفة أسرارها، لا تكشف لي من تواريخها ولسانها إلا ضوءا شحيحا، لا يكفي لرؤية زوايا القلب كلها• فكيف لي أن أحيك وسادة صوفية وأنام داخل ثقافة هي في شراييني ولست في شرايينها ? ثقافة تحتاج أن نحملها لا أن تحملنا وقد أنهكها الغياب• ولو غاب أبي كيف أحافظ عليه بداخلي إن لم أحمل لغته وتاريخه وحضارته البعيدة، ومن دونها سأبتعد أكثر فأكثر عن نفسي •تلك أسئلة حاصرتني في قرية أبي، أجهل أجوبتها فتزداد التجاعيد في وجهي•• ويزداد قلقي والسؤال• أثناء عودتنا، ونحن ننزل من الحافلة، التفت إلى أبي بشكل مفاجئ وقد خطرت لي فكرة، فتسمرت بعيني في وجهه وتجاعيده•• كانت هي ذاتها التجاعيد الموجودة في وجهي، نفس الخطوط الدقيقة ونفس المنعرجات وفي نفس الأمكنة، كدت أصرخ من الدهشة والذهول والاستغراب، وأنا أتحسس وجهي مرة أخرى أمام المرآة في المنزل• إن التجاعيد في وجهي لم تكن تجاعيدي كانت تجاعيد أبي، اختارت أن تستقر في وجهي، حين فهمت في نقطة غامضة من الروح أني لا أستطيع اقتسام شبابي مع أبي، فقررت أن نشيخ معا• يبدو أن التجاعيد لا تحب أن نكتشف أسرارها، لذلك بعد أيام قليلة فقط من فهمي لأسباب تربصها بوجهي •• اختفت تماما وعادت لوجهي نضارته وبهاؤه، أما هي•• فربما اندفعت باتجاه وجوه لم تكتشف بعد أسرارها (?)كاتبة من المغرب، مقيمة بفرنسا afrodite8_8@yahoo.fr afrodite8_8@hotmail.fr
قصة .. آبي........ فريدة العاطفي http://www.alittihad.press.ma/affdetail.asp?codelangue=6&info=52998

24 - مايو - 2007
القصة القصيرة
أورهان باموك في باريس ..    كن أول من يقيّم

 مسألة الهوية بين ثقافتين... أيّ غرب للكتابة?    

Imageبدعوة من مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية والفرع التابع لها معهد علوم عالم الإسلام
، حضر إلى باريس الروائي التركي أورهان باموك،الحاصل على جائزة نوبل للآداب برسم عام 2006، لتقديم محاضرتين في إطارالأنشطة الجامعية للمؤسسة الشهيرة، وضمن برنامج استضافة الباحثين الأجانب. كانت هذه الدعوة مقررة قبل أن يُكرّس اسم باموك في عداد كبار روائيي العالم، رغم أن شهرته طبّقت الآفاق، وترجمت رواياته بالجد الكافي إلى عديد اللغات. أما وقد تُوجت أعمال الضيف بجائزة الأكاديمية السويدية فإن المناسبة، زيادة على طابعها الأكاديمي، تحولت إلى احتفاء بالكاتب في دائرة الإشعاع الذي حظي به، وإن بدا طيلة اتصالنا به كأن الأمر تفصيل آخر يضاف إلى حياته الأدبية الحافلة، لا حدثا أكاديميا، ولحظة إبداعية مشعة، كما عشناها جميعا.

لم يكن هذا مفهوما بوضوح لجمهور الأساتذة والباحثين والطلبة المتخصصين الذين لم يتسع لهم أكبر مدرّج للمدرسة العليا، خلال لقائيْ 26 أبريل المنصرم، والذي تلاه في 28 منه. ففي المناسبتين معا، وصل أورهان مثل شخص غفل، منحشرا بين حشد المتداعين إلى التعرف عليه والاستماع إلى أفكاره، كاد يضيع لولا أن البروفيسور حميت بوزرسلان، الباحث التركي الأصل،صاحب الدعوة، انتبه إليه وهو إلى جانبي ينتظر دوره لينزل من أعلى المدرج كي يجلس في المكان المعد له إلى جوار مضيفيه ومقدميه. تلطف حميت وقام بالتقديم، فبرقت عيناه بخفة من وراء زجاج نظارتيه الغائمتين قليلا، وزادت أساريره انفراجا في وجه لن تقنصه مقطبا أبدا، تراه صامتا وهو متكلم، ومتكلما فيما هو مطرق.ابدت قامته الطويلة والنحيفة كالرمح وهو واقف يسوي وضع كرسيه، ويتردد في قبول موقع الصدارة، من غير أن ينظر إلى جمهوره، تحسبه يستأنف معه جلسة بدأت قبل ساعة أو يوم، أو بُعيد نهاية قراءة. واضح أن هؤلاء الذين قدموا من مؤسسات جامعية عدة، ومن باريس وخارجها، لم يحضروا صدفة، ولا للفرجة، وعدا رغبة التعرف المباشر إلى الشخص بالفضول الطبيعي للمهتم، فإنهم يخبرون ضيفهم، كتابته وعالمه، منهم من يطمع بتوقيع عند نهاية الجلسة، وبينهم سيفحمون بكبير دراية في النقاش.

وصل أورهان باموك إلى باريس وفي جعبته، يقولون رصيده هذه الأيام، ما يزيد على عشر روايات عظام، اشتهرت جلها، نذكر الأشهر"بيت الصمت"، "الكتاب الأسود"، آخرها "اسطمبول". وفيها جميعها التصوير البانورامي للعالم العثماني الآفل، بالصراع ذي الطابع السلطوي، الحاكم والأبوي، والانتقالات الجيلية،مع الرصد اليقظ لتغير البنيات الاجتماعية والذهنيات، عموما ثقافة بأكملها، عبر منعطف اللقاء الحاسم مع الغرب.

وعلى الرغم من أن باموك جاء إلى باريس محاضرا، أي باحثا، وهو مثقف موسوعي، كما يجدر بكل روائي، فإنه فضل أن يقدم نفسه للجمهور الجامعي الفرنسي في ضوء واحدة من رواياته الدالة، المتمركزة على علاقته المتوترة، شعبه وبلاده، بالعالم الغربي، تاريخا وثقافة، نعني" أكتب اسمي إنه أحمر". يتطابق هذا التقديم مع مبدأ أنه ليس أفضل من الكاتب لبناء حكاية عمله، بإعادة تشكيل العلامات ونحت الأيقونات الراسمة والرامزة لصرحه ومساره. يفهم باموك هذا الطرح، لا بسرد مختصرات وحبكات رواياته، فهي صعبة التجميع، عصيّة على النفاذ إلى مساربها الملتوية، حيث تتعدد الخيوط ونقط الطريق، وعليك أن تتمتع بالصبر لملاحقة عمليات تحقيق طويلة لسبر الأغوار، في ذلك البحث الشاق عن استتباب الهوية الذي قرر المؤلف أن يتخذه ملة. في المحاضرة يعوض السرد بإبدال المعنى. المعنى ذاته الذي يطلب منا أو بالأحرى يحفزنا على استيحائه من العلامة، ما دامت الرواية عملا قوامه التمثيل، الصورة والوصف والمشهدية. من هنا الأهمية القصوى للنظر إلى العالم بوصفه شيئا مشتركا، المحجوز من منظور وفي أفق، ويتخذ في كل بيئة شكلا محددا.

يذهب باموك إلى الحديث عن اسمه، وهو غير شخصه بالضرورة، القابل للتجريد ومحاورته كآخر، بأدوات البيئة كما تتوفر في الفضاء العثماني، فضاء للثقافة الإسلامية بامتياز. فجميع الأماكن حافلة بها، وهو يسائلها في الصمت والتمثيلية الخفية الكامنة بها والمعلنة في آن، كأنما بتجرد. إن الأمر يتعلق برسوم، وهي سلسلة من المعاني حتى ولو لم تقل شيئا، لأنها إنما تكظم القول، وتنأى عن التجسيد، أي صورة الخلق، مموهة بحرفية باذخة. ماذا تفعل الرواية غير أنها ترسم:العالم بوصفه شيئا مشتركا، الشخصيات، الطباع، العادات...الخ. وبالطبع فإن عالم المنمنمات ثابت خال من العلائق والأواليات كما أن محافله معلقة، أي تتنافى مع الرواية، وإن التقيا بشكل أكيد في خطاطة الرسم.

كنت أقترب وأبتعد من روائي تركيا الأول، من حيث يشرح ويلغز في آن، لأننا حين نتحدث عن الرسم، عن الصورة، في حقل الثقافة الإسلامية، نستثير مرادفه (المحرّم). ذلك أن الخالق وحده هو مالك المقدرة على الخلق بصفته تلك، ولم نكن في حاجة إلى الإسهاب بأننا إزاء قول دوالّه رسم، ومدلولاته هل هي المنافسة في ما يدخل في باب "التابو"، ذاك الذي تحررت منه الثقافة الغربية، في مظاهره الأكثر شراسة وتكبيلا للابداع ولحرية الإنسان?!

حين يُسأل أورهان باموك عن معنى أن تكون روائيا اليوم، مما هو أبعد عن "المستنسخ" (الكليشيه) الصحفي، تتطلب الإجابة استحضار مدلولات الاختراق عن طريق السرد ووسائطه الفنية. نعم إن الروائي، الكلاسيكي، من فصيلة بلزاك، مثلا، مؤرخ مجتمع وعادات، باموك كذلك مع تاريخ الإمبراطورية العثمانية. ينبغي أن نفكر جيدا هنا في شيخنا نجيب محفوظ، ونمعن النظر مجددا في رواياته. وصاحب"الكتاب الأسود" يحب هذا المنطق،ومثله البروفيسور جاك فريدريك شريكنا في النقاش، كلاهما يعتبر الرواية سجلا اجتماعيا أحفظ لوجه التاريخ وأدق وصفا وأبقى توثيقا. بيد أن هذا لا يكفي، لنقل إنها مرحلة سابقة، أعقبتها أخرى، هي حلقة تطور، أضحى فيها هذا الجنس الأدبي، فضلا وإلى جانب اجتماعيته، معنيا بشدة بتيمتين، منظورين أساسين: الأنا، مكون الهوية المركّب والإشكالي، وجعل الأدب نفسه موضوع سؤال مُركّز، يمكن اختصار تعددية دلالاته في مدى إمكانية أن يصبح شكلا للمعرفة.

هما تيمتان وبعدان متكاملان، متفاعلان. والأولى، عند باموك، مضمونها مستقى لا من المصدر المباشر الغربي، حيث لصيغة الفرد مفهومية نسقية، تاريخية وعقلانية وفلسفية وسيكولوجية مميزة، وإن لم يهمل هذا المصدر، لكن من خصوصية التاريخ التركي، قديمه وحديثه، الواقع في مفترق طرق وتنازعات/ انجذابات. إنها الهوية في مقابل الذات، لكن كيف?على الرواية، في عرفنا أن تجيب بطريقتها الخاصة، وضمنها َتمثُّل معرفة العالم، وهنا أحسب، أيضا، أن الإيديولوجية تتخلل، تدخل في نسيج العلاقات المرصودة والمحافل المشهودة بأزماتها، فلا تدعي قول عالم بتلك الكلمات الكبيرة(!) وإنما توحي به فقط، مثل شعاع... تلك رؤية العالم بحق.

في المحاضرة الثانية، بعد ظهيرة السبت 28 أبريل، حيث بقيت صفوف منتظرين، منهم باحثون وكتاب مشهورون، خارج المدرج لا يتسع لوقفة، فقد كانت مشهودة، لأنها اتسمت بالشجاعة والصراحة، والقدرة على القيام بنقد مزدوج للذات والآخر، بعيدا عن المقت والزلفى .جاء باموك،كما في المرة الأولى، تظنه مشتت البال فما يلبث أن يفاجئك لدى السلام بأنه في منتهى التركيز، وإذا انطلق في الكلام عليك أن تلاحق تدفق لسانه الإنجليزي الذرب، وأفكاره يشد بعضها بعنق بعض،لا تحس بضجر في الحر الخانق الذي هجم على باريس في نهاية أبريل الماضي، واستفز الحواس، بدون أن يصرف أهلها الراسخين في الثقافة عن شؤون الفكر والإبداع. سمعت من ُتدعى أوديت، وقد ولجنا المدرج، تقول لتِرب حولها جالسة إنها سجلت نفسها للمحاضرة قبل شهرين، ومجيئها هذه العشية، وهو ما أعجبني، لتتمتع بقفزات وحكايا باموك "يقطع" بها حديثه الجدي عن الأدب والكتاب والحياة، ومثله. هذا الرجل لا يكف فعلا عن الحكي،عن السرد، فكلما عرض فكرة، قضية نظرية،وهو يعلن امتعاضه من النظري،وثقافته فيه غنية، إلا أردفها بحكاية أو استطرد نحو أخرى. هو كائن شرقي بلا منازع.

نحن في قلب الموضوع، إذن، وإن خرج المحاضر عن عنوانه، وأربكنا جميعا، ثم ما لبثنا أن عدنا إلى"صوابنا" بعد أن تبين لنا الخيط الأبيض من"الكتاب الأسود"، عنوان عمله الفذ. كان الاتفاق المسبق أن يحاضر في موضوع "الاجتماعي في ضوء الرواية" ما ينسجم مع توجه المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية، أرادت السوربون أن تسرق منها الضوء فادعت بأنها هي من استدعى الضيف التركي، فيما بقي هو منفصلا عن التنازع، وقال لنا: اسمعوا، إنني أميل إلى فكرة أخرى تناسبني وتناسب المقام أكثر. منذ هذه اللحظة ستصبح التعليقات المعدة سلفا لاغية، ولا بد من الإصغاء جيدا لما سيتفوه به الرجل، وملاحقة سرعته في العرض والسرد. أعلن باموك عنوانه:"والآن أيها السادة سينصبّ حديثي على أندري جيد، قراءة خاصة ليوميات أو مذكرات أندري جيد" .سنرى أنه اختيار غير اعتباطي على الإطلاق، فمن حيث سيمهد سيقود إلى القضية المركزية في تفكير الروائي ومشغل عالمه.

المدخل هدية قدمتها له أمه وهو في الثامنة من عمره: دفتر مذكرات،وله قفل. هذا الدفتر صار يخصه وحده، لا أحد يستطيع أن يلجه إلا هو، وبداخله يمكنه أن يضع ما يشاء، ويكتب، يخبئ، ما يشاء دون أن يخبر أحدا، ويبقى وحده يحمل المفتاح. إنها حالة تبعث على التساؤل عن وضعية الفرد في العالم الإسلامي. فهذه الممارسة غير موجودة. أجل،هناك مذكرات محفوظة ، خصوصية، للذكرى. لكنها أبدا ليست للزمن القادم، فإما ُأتلفت أو أصابتها عوارض الأيام لعدم وجود تقاليد لحفظها. عندما ُتنشر اليوميات ُينزع عنها عندئذ الطابع الخصوصي، لأنها تخرج إلى مجال التداول، العري والانفضاح، وهما ليسا أمرا سهلا، إطلاقا.

فماذا عن مذكرات الروائي والكاتب الفرنسي، النوبلي أندري جيد? ولماذا هو بالذات? ما من شك، عند باموك، أن جيد كان من كبار أعلام زمانه،العارفين بالعصر،المتمثلين لروحه، ساعدته في ذلك خبرة تنقل في أماكن عديدة من العالم، منها إفريقيا، روسيا، تركيا، أيضا،هذا فضلا عن رواياته ذات المرتكز الوجودي العميق. باموك لا يذهب إلى هذا المثقف الوجودي الأول مباشرة وإنما يتوسل إليه أحد أسلافه الأتراك القريبين زمنا ومذهبا انفتاحيا على الغرب، ومساءلة كذلك لمسألة الهوية في تركيبها المزدوج، إن لم نقل الإشكالي. نعني الكاتب والصحفي "تامِبنار". لقد ذهب هذا الأخير يفحص في ما كتب جيد خلال أسفاره، وتوقف تحديدا عند زيارته لاسطنبول وما دوّنه عن الشعب التركي وتاريخه وحضارته، من خلالها، وهو على درجة قصوى من الازدراء. لنعلم أن تامبنار منجذب للثقافة الفرنسية، للغرب عامة، ويرى نفسه في مرآتها. شأن الكاتب الياباني تانيزك، وقبله دوستويفسكي. تامبنار وتانيزاك تأثرا بقوة بالنموذج الفرنسي إلى حد أن نصف دماغهم كان مع فرنسا، غير أن هذا لم يكن يكفي. لقد تساءلا أكثر من هذا عن الكيفية التي تجعلهما يمثلان التقاليد وهما يفحصان الهوية في ضوء العلاقة مع الغرب؛ بعبارة أخرى كيفية تركيب العلاقة شرق/غرب، وإزاء ما ستترتب عليه الإشكالية يفكران في طريقة لفهمها، وهما يفعلان ذلك بجد ومتعة، معا.

على هذا الأساس يمثل انجذاب باموك لهما وأضرابهما، لكونهم يقبلون الرؤيتين معا، وينغمسون فيهما، ومن يعرف روايات أورهان لن يتأخر في استنتاج كيف أنهما تمثلان قوة جاذبية معظم شخصياته الروائية. ولذلك يضع تامبنار نموذجا له، هو نفسه الذي وضع "جيد" النموذج الأول. فلقد تركز إعجاب سلفه على شخصين فقط في الثقافة الفرنسية. فإلى جانب الأخير هناك بول فاليري. إلى حد أنه كان يتساءل عن وضعهما المعيشي وهما في حمأة الحرب العالمية الثانية، كيف يتدبران أمرهما مع الخبز والنبيذ والتبغ! مصدر الإعجاب الحقيقي بالنسبة لتامبنار هو أنهما في نظره جددا القيم وأنقذا ثقافة ذات جوهر إنساني من الابتذال.

هذا كله رغم الهجاء اللاذع الذي قذف به جيد بلاد الأناضول، بل هو لا يتورع في تقديمه إلى قراء بلاده، ينقل إليهم ما كتبه عن اسطنبول من أن: " كل ما في المدينة إما مجلوب أو مسروق، والمطلوب لمن حل بها أن يغادرها بأسرع وقت.".ويسوق سخريته من الهندام التركي، واصفا الجيش التركي بأنه يستحق هندامه! في المقابل يكيل الروائي الفرنسي جليل المديح للحضارة الغربية، والفرنسية خاصة، يراها الأجمل والوحيدة في العالم. من الواضح أننا هنا إزاء تعارض مطلق بين حضارتين مختلفتين، ولا شك أن جيد الذي لا يمكن اتهامه بالعنصرية، رغم ما يظهره من نزعة استعلائية،أحس بأنه يضع قدميه في حضارة مختلفة عن بلاده، في أرض الأناضول.

الفيصل في هذا التعارض يلتمسه باموك في محيط البنية السياسية العليا التي أخضعت بلاده لتحول جذري، وجعلت منها ما هي عليه تركيا الحاضر. ذلك أن بحثه الشخصي يقوده إلى وجود ما يشبه التماهي بين النقد الغربي الموجع، وبين ما أصدره كمال أتاتورك من أحكام حاسمة في هذا الباب، هو الذي خاض جملة إصلاحات غربية لبلاده. فلكم انتقد الهندام التركي واتخذ منه مثال هزء في المحافل العامة هو عينه الذي كان ممثلا للأمة. إنهما ذويْ رؤية مشتركة، ويلتقيان في نقطة الإصلاح. أوَ لم يطلق طه حسين صيحته المدوية "إني لأكره نفسي!". ولكي يبتعد الروائي التركي عن مأزق التناقض، أسمعه يؤكد مجموعة ملاحظات تحتاج إلى التأمل في صيرورة العلاقة الإشكالية بين الأنا والآخر:1 ـ النظر تاريخيا إلى الغرب كمسلسل حضاري لا يوجد في تاريخنا وثقافتنا؛ 2ـ ما يبرر انجذابنا لأوروبا يتمثل في امتلاكها القوة، مظهر التقدم، والقطع مع التقاليد بفكرة الإصلاح؛ 3ـ ارتباط المثقف الغربي بمثال عن الغرب نفسه،أكثر من ارتباطه بالمجموعة القومية المكونة له، من هنا يستطيع انتقاد ثقافته ذاتها. وهذا ما يجعلنا نميز التوتر بين الواقع والمثال. ومن نحو أخير نفهم كيف أن تامبنار كان معجبا بمثال جيد لا بالواقع.

هل باح أورهان باموك بشيء يخصه? إن المكر الفني المقيم في خيال كل روائي يجنبه الوقوع في فخ التصريح،لا سيما أمام جمهورمكسوب لديه ويريد أن يكسبه ويتعرف عليه أكثر. من هنا، فخطاب أندري جيد وسيط يحل المشكل، كأي شخصية روائية تُستعار لإبلاغ خطاب، وتجديد مساءلته باستمرار،وقد كنا مع هذا الموعد لهذا الغرض:إن هناك رغبة حارة في أن تكون ذاتك، وتتجاوزها في آن، وأن الروائي يا سادة هومن يملك رؤية واضحة للعالم..
أحمد المديني
http://www.alawan.com/

18 - مايو - 2007
اقتباسات واستضافات لأصوات من العالم..
الكتاب منشور أيضا في منتدى عمرو خالد..    كن أول من يقيّم


إخوتي الكرام إنه كتاب أثار جدلا شديدا في الأوساط الأدبية والدينية فأحببنا أن تطلعوا عليه وتدلوا برأيكم بعد القراءة .أنتظر رأيكم ومشاركاتكم . بإذن الله .
الكتاب هو :
" في الشعر الجاهلي ... لطه حسين " .

19 - مايو - 2007
طه حسين 0 عميد الأدب العربى 0وكتابه (فى الشعر الجاهلى )0
ما بعد القصيدة..    كن أول من يقيّم

* إلى  جميع الأصدقاء ، في انتظار العودة..
 
نزهة على الآقدام في بحر الظلمات
محمد بنطلحة
" لَا شَيْءَ عَلـَى الْأَرْضِ أَوْهَـنُ مِـنَ الْمـَاءِ ثُمَّ إِنَّكَ لاَ تَجِدُ شَيْئاً أَنْفَذَ فِي الْحَجَرِ الصّلْدِ مِنَ الْمَاءِ"

لا مناص، أرمش. وأسأل نفسي للتو : منذ متى شرعت في كتابة الشعر ? بدون تردد : منذ بدء الخليقة. أجل، ما من شاعر يولد وهو صفحة بيضاء. ناهيك عن أن طبيعة الشعر مزدوجة : مغناطيسية وزئبقية في آن واحد. كدت ألمس حجر الفلاسفة. وفي آخر لحظة اقشعر الفلز تحت أصابعي. أنا السبب. دخلت إلى منطقة الضغط العالي وليس فوق رأسي أي قبعة، لا عادية ولا رقمية. ليتني- على الأقل- كنت مهندسا.. إذن كنت دخلت إلى أكاديمية أفلاطون من غير أدنى مشقة. أما وعلّتي الأولى هي الشعر فتلك هي المشقة بعينها. هل من اقتراح عملي ? ربما على الأنترنيت.. نقرة. نقرتان. ثم "بحث متقدم" : ما هو الشعر ? نتيجة البحث : لا شيء. أغير اللغة• مرة أخرى : لا شيء. كيف بي إذن ? أليس الشعر اشتغالا على اللغة ? طبعا. ولكن، أي لغة : اللغة- الحضن أم اللغة- السجن ? بلغة أخرى ثمة مأزق ما. الأفق، عند الظهيرة : ثعلب. وفي وقت الغروب : قاعة انتظار. بينما الشعر : مرة كشتبان. ومرة متاهة. أيها الخراز الأعمى ! كفى مناورة. اسبق الإشفى وقل : الشعر حقل شاسع من الفرضيات. فرضيتي الأولى : فضاء الشعر فضاء ذري. كالرذاذ، متناه في الصغـر وكثيف. كيف نمسـك بـه إذن ? أفكر قليلا. ثم أحرك أهدابي. ومن وراء سياج، كالزغب حول سرة اللغة، أمعن النظر في سلوك القردة وهي تسعى-تحت عيني- للإمساك بحبات الجوز الهندي. آخذ صورة. وبعد التحميض : كلمات ليس غير. بعضها من غير أسارير. وبعضها كأنه عائد في حينه من قاعة للرشاقة وكمال الأجسام : حذاء رياضي، قميص بدون كم، وعطر طبيعي. أرأيت ? إن هي إلا عدسة ترتعشوتهرع الإشارات والدوال، كالموانئ الغريقة، خلف شمس لا أثر لها.هاهنا، عند حاجز من سديم.هلامي ومكتوب فوقه : خفف السير. أرأيت ? في الواقع : وصل الماء إلى أكتافنا. وفي الحلم : هاهي القوارب من حولنا كالفطر. أنا في قارب. وعيني على قاربين آخرين. أيهما أختار : قارب دانتي أم قارب ميدوزا ? سؤالي بسيط. ولكن، صبرا علي. من الذي يحلم : أنا أم شخص آخر ? دانتي ? دولاكروا ? جيريكو ? ..........? من يدري ? في الأصل، المعنى ممتد.وبالتالي فالشعر مبثوث في جميع أرجاء الكون. صفة ملازمة للكينونة. حتى في الرياضيات : المسألة الواحدة قد يكون لها حلان• والمفارقة أن أحدهما يكون أكثر شعرية من الآخر. القانون نفسه يسري على الجميع. تستوي في هذا "شرائع حمورابي" و"الشرائع السماوية". ألم يجئ في "سفر الجامعة" : "بالكسل الكثير يهبط السقف" ? هذا كسل شعري، وظيفته هنا كسر القانون. أي خلق مناخ مختلف، طازج، وغير رتيب• هنا أيضا، وفي مهب كيمياء هذه هي عناصرها، سأعترف : أنا شاعر كسول.ولكن، على طريقتي. أي في سياق فكرة هذه هي تتمتها : بالجهد تبرز أكثر فأكثر شعرية الكسل. والمقصود أن العرق الغزير من علامات الشعر. هذه استعارة ليس غير.
 وإلا فإن الترجمة القصوى لهذه الفكرة سبق أن صاغها مالارمي (Mallarmé) هكذا : حيث يكون هناك جهد في الأسلوب يكون هناك إيقاع. بحسب هذا، هناك فقط : الأبجدية والإيقاع. إذن لا وجود للنثر. إلى هذا الحد مالارمي ذهب بعيداً. من حيث المبدأ، ثمة ما يغري. ولكن على مضض• في العمق، إذا كان شرط وجود اللغة هو الإيقاع فإنه من المنطقي جدا أن يكون النثر، ولو من جهة الاشتقاق، مكونا أساسيا وليس حادثا عرضيا. المحك هو اللغة وقد تجسدت في "نص" (texte) أي في "نسيج." هذه عتبة. تليها نوافذ متقابلة. مثلا، قبل أن يعني فعل "السرد" في صيغته العربية " تتابع وحدات الإخبار، كاد أن يجيء على وزن مصدر "صناعي". بدليل أن من معانيه أيضا : "نسج" الدروع، و"خرز" الجلد.أما في الصيغة اللاتينية فإن الجذر "gnarus" ( "narare" يعني حرفيا : "الذي يعرف". ثم تطور المعنى إلى ما يدل عليه فعلان متجانسان صوتيـا : "conter" )حكى، قص( و "compter" )عدَّ، أحصى(. إذن، وبقوة الأشياء : "السارد" هو "الذي يعرف" كيف يعد ويحصى، في وقت واحد : الأفعال )حدث، حبكة، وقائع( والتفاعيل )نبور، مقاطع، تصاديات(• في ضوء هذه الأجرومية النصية، وخارج أي تقسيم طبقي للغةـ، ليس النثر خنصراً مقطوعا إلى النصف، ولا هو مجرد مستودع احتياطي للشعر. غير بعيد عن هذا : منذ البدء واللغة سكن يتسع ?على الأقل لاثنين. بمقتضى التعريف : "سكن اقتصادي". ولكن من مدخل أنطولوجي آخر، عتبة كل "قصـ"ـــيدة : "قص" هل أجازف أكثر وأسأل : أيهما أسبق : الشعر أم النثر ? الإنسان الصانع (homo-faber) أم الإنسان العارف (homo-Sapien) ? أنا، لا أعرف. حسبي أن أقول، استطراداً : حتى تباشير الرواية )في أوروبا( كانت شعراً.? بحق : الأجناس غصون واللغة جذع مشترك. هنا مربط آخر : اللغة خلية نحل. بينما الشاعر يعسوب، لا يمل من التنقل بين مختلف الجداول والحقول والأزمنة. بالتجربة كذلك : جراب الشاعر وقارب نوح من "نسيج" واحد. معا، فيهما من كل "جنس" زوجان، على الأقل. لهذا، في الشعر أيضا يمر التناسل عبر قناتين : الكولاج كتقنية )وليس على غرار : (copier/coller والتناص كإجراء. هكذا هو الشاعر : قبل أن يسرق، يصلي. أنا، على الهامش، أتلاعب-مثلما شئت- بكل ما لدي من "طروس" وزعتها هكذا بين هذه الـ"سطور" : "عتبات"، عتمات، عقبات. وهات ما عندك. شيء من كرة القدم، لعبتي المفضلة، هاهنا : تسلل، مراوغة، ضربة مقص، ثم تسديد. ما هم، نحو الشبكة أو نحو المنصة. وضع اعتباري مثل هذا توفره للشاعر كذلك صفة لا تتقادم : الشاعر الجوال. من هذه الناحية جميع العناصر متوفرة : لغويا : "العرب" و"الإعراب" والعبارة و "العبور" كلها تقوم على فكرة "التجوال" وما سار في ركابهـا : الرحيل، الحركة، الهجرة، الصعلكة، والضرب في الآفاق... شعريا : فكرة الانتقال حاضرة أيضا. من طلل إلى طلل. من امرأة إلى امرأة. ومن سيد إلى سيد. من غرض إلى غرض. ومن بيت إلى بيت. آنذاك، بيت التخلص كان بمثابة تأشيرة. الآن، كل هذا تشتت. أيها الشاعر المعاصر ! كم يلزمك من وقت ? ليس للوقوف أمام باب الأمير، ولكن أمام باب القنصلية. من حسن الحظ، فوق الورقة جميع الأبواب "مشرعة" عن آخرها. أنا، عند الضرورة، لا أستكين. وألجأ إلى المنفى أو إلى الصمت. أحيانا، إليهما معاً• ثمة شعرية ما أيضا. ولربما أعمق. كيف لا والشعر كالعزلة، فن تدبير الفراغ ? حتى في التقليد الغربي هناك شيء من هذا القبيل، إذ مثلما انتقل حرفا الخاء والثاء من العربية إلى بعض اللغات اللاتينية انتقل كذلك، عبر ظاهرة التروبادور، طقسٌ بأسره. حيوي. ومن أجمل ما فيه، ليس فقط هذا الاحتفاء الباذخ بقيمتي : الحب والفروسية، بل أيضا هذا الذهاب- شعريا- نحو الآخر. وهو الذهاب الذي تترجمه في مدخل "troubadoures" حذلقة لغوية إلى "فرقة طرب" أو "فرقة تدور"، أي فرقة متجولة. بالمقابل، وتوخيا لشيء من الدقة، فإن تأثيل الكلمة يعود بها إلى جذر إغريقي "Trover" "Trouver" بمعنى :عثر على" و"ابتكر". ومنه : "Tropos" "Trope" بمعنى : "طريقة في التعبير" أو " وجه بلاغي". آنذاك، وقبل أن تتحول البلاغة إلى مخزن تتكدس فيه على شكل سلع استهلاكية كثير من المطابقات والمقتضيات، وفوقها : "ماركة مسجلة" كانت- على الأقل بحسب الاشتقاق- "مصنعا" ضخما يتكون من كثير من الوحدات الإنتاجية. كل وحدة ( (trope(tropos) فريدة من نوعها، بكر، وغير مستهلكة. ليس للطهرانية كبير معنى ها هنا. التهجين إمكانية. والعبرة بالعلاقات التي بين العناصر، أي بزاوية النظر. لا أقصد أي زاوية قائمة. هذا لا يليق بالشعر، يليق به أكثر الزاوية المنحرفة، أول الشعر : الانحراف. طبعا، سؤال الأخلاق مؤجل. وإلا فهذه هي أخلاق الشعر : مطر يسفه تكهنات النشرة الجوية. يفاجئ. يتحرش. يشير• ويسمي. يا إلاهي ? أين قرأت هذا ? ليتنا كالأسماء لا يغيرها الزمن ! أجل، الشعر فن التسمية• بصيغة أخرى : خربشة فوق أديم معتم. لا فرق : لجة غامقة للغاية أو كتلة شمعية سوداء. هل هذا ممكن ? لم لا ? الشعر، يا بودلير، هو الذي أيضا يجعل حتى من علم قاحل كالنحو سحراً موحيا• ثم إن البعض يأكل في الظلام أو يحلق فيه ذقنه. أنا أمارس فيه هوايتي المفضلة : المشي. تعلمت هذا فوق الورق. طبعاً، كم تعثرت. وكم قلت : ما أصعب أن يمشي المرء منذ بدء الخليقة، حافيا فوق مضمار كله فجوات وأسنان ناتئة. ثم عدت للتو إلى تماريني. دائما، هاهنا : فوق الورق. لا غرابة، فالطريق- مثلما هو متفق عليه في جميع الترجمات التي تطرقت إلى "الطاو"- ليس ممشى فقط. ولكن عبادة. هو كذلك فلسفة. الآن والعولمة "مسمار كيف"، لا مناص. بين الفلسفة والشعر جسر أورطي لا غنى لنا عن استعماله. إنه السؤال. أي ما يضمن للكينونة، باستمرار صفتها المتجددة. تلك صفة أولى. وما عداها، سيان : بناء المعنى أو هدم الدليل. لديَّ : القلق إكسير• والإيقاع نبض اللغة. شعر أو نثر، لا فرق. مع ذلك، لنمعن النظر : في الفرنسية أسرة لغوية صغيرة أفرادها، حسب الظهور : "Poète" (1155) "Poème" (1213)، "Poésie" (1511). إذن التعارض، عند هذا المستوى ولو من شرفة إلى شرفة، ممكن بين أسرة مثل هذه وأسرة أخرى اسمها العائلي : "Prose". كل هذا ليس بدون تحفظات. إذ لعل التعارض ينبغي أن يكون بين "Vers" )نظم، بيت شعري( الذي يفيد الرجوع " "versus" (Retour) و"Prose" الذي يفيد الخطية والذهاب إلى الأمام (Processus). في هذه الحالة حتى في العربية ينبغي أن يقوم التعارض بين "بيت" الذي بانتهائه بـ "قافية" يحقق- كأي محراث خشبي- معنى الاقتفاء وبالتالي معنى الرجوع )إلى السطر(، وبين "أسلوب" الذي من معانيه "الطريق الممتد" و"السطر من النخيل"، غير أن "الأسلوب" يتضمن أيضا معنى " السلب" وما يتفرع عنه من دلالات متقاربة : نزع. أخذ بالقوة. نهب. سرقة. حذف. نفي...إلخ. وهذه كلها من مقومات كل كتابة لا تقف، في تعاملها مع اللغة عند عتبتها الأدواتية. عموما، اللغة سلبية : لباس مقلوب. مصدر التباس. وأيضا مصدر خطورة. عند العرب : اللسان سيف. وفي الإيطالية : "stilo" يعني : "خنجر". أما عند الإغريق فإن "stylos" يعني "عمود" (colonne). هل هي الصدفة مرة أخرى ? إن لدينا في الشعرية العربية هذا الأورغانون الذي نعرفه تحت عنوان كبير هو "عمود الشعر" والذي خرج من صلبه عنوان آخر هو : "الشعر العمودي"، بينما في مكان غير هذا، مثلا : تجربة الشاعر الأرجنتيني روبرتوا خواروث (Roberto Juarroz) كلها تحت عنوان واحد : "شعر عمودي" (Poesia Vertical) (1958). وهو العنوان نفسه الذي تحمله سائر مجموعاته الفرعية. ليس للقصائد عناوين. الظل له الكلمة الأخيرة. والباقي : شذرات عمودية، ملابس عمودية، طبيعة عمودية. حتى الأفق، هاهنا، عمودي. في وسع المرء أيضا أن يعزو هذا القدر أو ذاك من الشعرية في أي هايكو، فقط إلى شكله ما دام يكتب من فوق إلى تحت. بالمقابل لدى المكسيكيين مقلب آخر : هم يكتبون من تحت إلى فوق. هل هو مكر اللغة ? أم هو مكر الهندسـة ? للوهلة الأولى وكأن زهرة الشعر تنمو، دائما وفي جميع الأصقاع، عموديا فقط وليس أفقيا كذلك. أو أن الشعراء ينبغي أن يكونوا- بالضرورة- من ذوي "السحنات السوداء" : عمال مناجم، غطاسين، ومرتادي أعماق. لا يضاهيهم في هذا سوى "الرجال الزرق". هؤلاء الذين يغلب على الظن أنهم - لا محالة- هم الرواد الحقيقيون لما بعد الحداثة. ليس فقط لأن الأبجدية، هاهنا، متاه. أو لأن من شأن عمل الحواس- مدمِّرة ومدمَّرة- أن يجعل من لؤلؤة أرخميدس مجرد حرف في تلك الأبجدية. بل كذلك لأنهم منذ نعومة أظافر الزمن وهم يراهنون على شعرية السطوح. أي على كل ما يشي به أفق التجربة من خربشات وثآليل وندوب. كل جرة قدم، هاهنا، بصمة. وكل جرة كمنجة لطخة أو غرافيتي. ربما. ولكن بجد عن أي أفق أتحدث : عن أفق الشعر ? أم عن أفق القصيدة ? حذار ؛ ففي العربية، هنالك منذ الأول، وعي-ولو لغوي محض-بالمسافة الضرورية بين الاثنين. بحسب هذا الوعي : الشعر أوسع من القصيدة. إنها أحد ممكناته، أحد مسالكه، وإحدى قنواته. قد تمشي في خطه أو في جواره أو في موازاته. أحيانا درجة في سلم تطوره، وأحيانا أحد أشكاله : "مقطعة" "أرجوزة"، "قصيدة"، "موشح..
 كل شيء يتوقف على عملية الترهين، أي على مسلسل استدراج الراهن إلى فخ اللغة. بالملموس إذن، ليس كل شعر قصيدة. وليست كل قصيدة شعرا. وفي صياغة أقل صرامة : القصيدة بالنسبة للشعر، كالحلم بالنسبة للريح. معاً قد يتجسدان في سبنية من العصر المريني، أو فقط في جناح فراشة بين قارتين. من حارس الفنار ? أستدرك. موضوعيا : في عبارة مثل "قصيدة النثر" تعارض ما، ولكنه نسبي. بمعنى أنه يخص الشكل وليس النوع. ثم إنه بين "قصيدة" و "نثر" وليس بين "شعر" و "نثر".على النقيض من هذا : الشعر، ليس شكلا وليس نوعا. أما إذا كان لا مهرب فإنه شكل فارغ. عبء وانزاح. إذن "ما الذي بقي كي نكتب عنه ?". شعريا، بقي كل شيء. على الأقل، الهيكل العظمي. أي ما يبقى بعد كل تجربة معيشة. تبقى أيضا ثقوب الناي. ولكن، أين الأصابع ? وأين الشهيق ? بنصف كلمة : في هذه الدنيا، ليس من طريق آمن إلى الشاطئ الآخر• لا عبر قارب من ورق، ولا عبر قارب من دخان. أليس لهذا السبب قال أبو الطيب المتنبي : ما لي وللدنيا ? قالها بأسنان تصطك ومشى. أنا، من وراء ظهره، كم قلت : " مالي وللشعر ? كم قلت أيضا: الدنيا والشعر خطان متوازيان. إذن لا يلتقيان. ثم ما لبثت أن اكتشفت أنهما-بالعكس-يلتقيان، عند الأفق. هنالك حيث تؤول جميع الأشجار الضخمة والمترامية على جانبي الطريق إلى شجرة وحيدة، عارية، وفي غاية الدقة والصغر. تكاد تتلاشى. صبرا علي. وراء كل غصن غابة• وتحت كل قدم رقية أو ديوان شعر أو ربابة. كن شاعرا وانتسب إلى أي شئت : إلى غصن، إلى شجرة، أو إلى ميناء غريق. أنا، حين أنهيت قاربي جف البحر. ما حيلتي ? تأسلب الماء. ليتني بجعة. (Cygne) إذن كنت قد استوعبت في رمشة أذن : الصورة السمعية للعين والمدلول البعيد للإشارة (Signe). غير أن "كل خطاب حجاب". ثم إن الإنسان لغة قبل كل شيء. أي مقاربة مؤلمة لليومي. حضور صاعق. وشنآن سرمدي بين الممكن والمستحيل. لا مناص "الطبيعة" ذاتها منذ البدء وهي من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة. "الطبع" و "العطب" شقيقان. والطامة الكبرى أن الشاعر لا يقنع. حتى رماد العنقاء لا يملأ عينيه. يمشي ووسواسـه : ما وراء الأفق. طبعا كل ومشيته : شاعر إغريقي، فيلوطاس (Philotas) كان يحشو حذاءه )كما لو كان قلماً( بالرصاص، كي لا تهزه الريح. رامبو مشى بنعال من ريح. أبو الطيب المتنبي : دائما، كأن الريح تحته. بدر شاكر السياب : شبنا يا ريح فخلينا. شاعر مجهول : إذا لم تستطع أن تحرك الريح، إذن حرك الشراع. دنيا الشعر واسعة إذن، ولكن، ما فائدة الدنيا الواسعة إذا كان حذاؤك ضيقا ? الوجه الآخر للمسألة : حين تضيق الدنيا ما فائدة أن يكون الحذاء واسعاً ? لابد من حل. أنا، جزء من الحل وجدته، غير ما مرة، في سوق المتلاشيات. ثمة حيث تتكدس أكثر قطع الغيار صدأ : علامات الترقيم. في "سدوم" أساسا، أحد رهاناتي كان كتابة الزائل، كتابته وليس الكتابة عنه، كل هذا حاشية. والأهم، طبيعة المتن : التركيب، المورفولوجيا، والسلم الموسيقي. هذا هو المعمار، عالقا في الهواء. أما فوق الورق فكيف للآجر أن يعثر- مفردة مفردة- على أي نقطة، سيان كي يقوم عليها توازنه الافتراضي أو كي يتداعى ? هذا من عمل الفيزياء. وهذا ما أتصور أن تكون علامات الترقيم قد نهضت ببعض وظائفه. طبعا، ليس الشعر مجرد نقطة هندسية، ولا مجرد دائرة عروضية. والراجح أيضا أنه ليس مجرد خط مستقيم يمر بين نقطتين. من هذه الزاوية، حتى مبدأ التوازي في الشعر قابل للنقاش. ثم إن الزمن نفسه لا يتقدم، في كل مرة، خطيا ولو بين السطور• أحيانا يتقدم في اتجاهين متعاكسين في وقت واحد، وأحيانا بدون اتجاه بالمرة. أيها النحاة لا تبلعوا ريقكم، وقولوا لي أولا : كم علامة ترقيم في الحياة كما في الشعر، منذ بدء الخليقة ?  لم أحسب• ولكن تسبقني شفاهي إلى اثنتين : الاستفهام والتعجب. معا : الدهشة والسؤال.   هما للشعر قدماه• النقطة عثرته. والفاصلة عكازه. أنا، هكذا راقبت السحب. وهكذا مضى الحصاد : أدنى علامة كالقابلة، تساعد الطبيعة. اللغة تتوجع. والمعنى يقول للحجر : "أنت ولدتني". ثم صار المتن حاشية• وصار للتجربة أسماء أخرى : الشاعر إسكافي. النص حذاء. الخطى ثقوب. وأكثر علامات الترقيم إما مسامير وإما مطارق. عندي : دائما، كائنات من لحم ودم. أوسع الاستعارة وإذا بالنص مدينة، بينما علامات الترقيم : شرطة مرور، أطفال شوارع، معطوبو حرب، متسولون، عشاق، وحتى مومسات. لم لا ? إن المدينة التي لا تصطف المومسات فوق طرقها تموت. "قفوا على الطرق وانظروا". في أثينا ليس بين "المومس" و"الفراشة" سوى فارق صوتي طفيف. أحدهم ثمة، في ساحة كولوكوتروني (kolokotroni) جذبني من ذراعي وقال لي : هذا هو الواقع، مرآة بالحجم الطبيعي. قلت، ولكن في نفسي : إذن إذا انكسرت بأي جسم آخر سوف ترتطم الفراشات ? قلت ما قلت. ومشيت، أنا الآخر. للحقيقة، ثمة : في طريق الشعر كم مشيت حتى بدون قدمين. أحيانا على يديَّ. وفي غالب الأحيان بعينين مغمضتين. ربما لأنني لا أقدر على المشي بين الجثث، أي بين الكلمات وهي مجندلة فوق مقبرة لغوية اسمها القاموس، أو فقط لأن الموتى لا يكذبون. إنهم يقولون الحقيقة. كل الحقيقة. وليس غير الحقيقة. بينما أنا مازلت لا أعرف إلى حد الآن ما هي الحقيقة• هل هي مشكلة أم حل ? ثم إن طبعي هكذا : دائما أكذب، ولا سيما على نفسي، بغير هذا كيف للهواء أن يحرك القصب ? وكيف للدورة الدموية أن تضخ الشعر في شرايين اللغة ? هذه هي الحقيقة : في الشعر، الكذب رئة ثالثة. طوبى للحيوانات ! هي الأخرى، إذا كانت لا تتكلم فإنما كي لا تكذب. ليس بالضرورة لأن أعذب الشعر أكذبه. ولكن لأن العذاب والعذوبة من معين واحد• ربما. ولكن، متى كان الطوفان ? وكيف كان مذاق الماء ثمـة : في عباب اللغة ? ثمة، المذاق مختلف. كما أن لسان المؤرخ ليس هو لسان الشاعر. هذا يقرأ المؤشرات. وذاك يقرأ الإشارات• فرق دقيق مثل هذا هو الذي جعل، بدون شك، حتى علامات الترقيم تغير سلوكها معي.فجأة تشققت. ثم ما لبثت أن ذابت، مثل أكياس من ملح، عن آخرها. تغيرت الاستراتيجية إذن. حل العمى. ردم فوق ردم. شهب على هواها. براكين تحت. وأخرى فوق. أقدام خفية تبعثر العتبات• صمت يتأتئ. وناعورة تدور"بعكس الماء". أيضا، بين الضفتين : جيئة وذهابا. ليس لأن الماء ?هاهنا- مادة لليأس. أو لأن خرير الأكورديون متقطع، وطالما حرم عيون الإمبراطور من النوم فأمر، في جنح الليل، بمحو النافورة التي كان الفنان قد رسم من قبل، في قاعة العرش. لربما لا• ولكن، على الأرجح، لأن فعل التموج صار لازماً. صار يتشكل من تلقاء نفسه. لا روزنامة ولا نفير. ما حاجتي إذن للقوارب ? ما حاجتي للمجاذيف ? حاجتي هي حاجة النص : تهوية جيدة• تحكم في التنفس. وحرية مطلقة في الحركة والتنقل. إلى هذا الحد، سعيد من كان مثل أوليس : يخسر الوقت ويربح التفاصيل. أرأيت ? إيثاكا لا أثر لها، بينما الأفق يكتظ بالفنارات وبالموانئ• إذن، ثمة ميناء آخر ما زال ينبغي تحديد موقعه في عتمات النشيد الموالي. أقصد النشيد الخامس والعشرين من الأوديسا. لم العجب ? هكذا هي كوريغرافيا النص : منصة متحركة. أنفاس تتشظى• وإيقاعات كلها منذورة للإحاطة بالشكل الموسيقي للرماد. حاليا، في الواقع : ما أكثر غابات الجوز الهندي. ولكن، هاهنا : في غياهب الورق، رهان الإستطيقا صار أكثر فأكثر على القليل. أو، بالأحرى، على الأقل..
 ملحوظة: (?) مداخلة ألقيت في ختام اليوم الدراسي الذي نظمته في كلية الأدب والعلوم الإنسانية بالمحمدية شعبة اللغة العربية وآدابها، يوم 25 أبريل 2007 تحت عنوان محمد بنطلحة، ما بعد القصيدة•

26 - مايو - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
الشاعر الذي تنكرت له أمته..!    كن أول من يقيّم

كان الخباء مربع الزوايا قائماً على اثني عشر عموداً من الذهب، وكانت جنباته مصنوعة من حرير مقلم، يثبته إلى الأرض خمسمئة حبل قرمزي، وتقف عند زواياه أربعة نسور فضية. وتحت القبة، على دكة وسط الخباء، جلس النسر الخامس تيمور غورغان، ملك الملوك، نفسه. وكان وجه الفاتح الأعرج أبه بسكين عريضة النصل، صدئة بالدم الذي أغمدت فيه آلاف المرات. وكانت عيناه فتحتين ضيقتين، بريقهما أشبه ببريق الزمرد البارد، ومن أذنيه يتدلى قرطان من جواهر سيلان، في لون شفتي عذراء بارعة الجمال. وفي أرض الخباء، على سجاد لا يُضارع روعة وبهاء، انتصب ثلاثمئة إبريق ذهبي من أباريق الخمر، وكل ما يليق باحتفال ملكي. وخلف تيمورلنك جلس الموسيقيون، وعند قدميه جلس جماعة من الملوك والأمراء والزعماء، وكان أدناهم إليه كرماني، الشاعر الذي سأله تيمورلنك، وقد أخذه العجب بنفسه:
-  يا كرماني، بكم تشتريني لو عرضت في سوق البيع? فأجاب الشاعر قائلاً:
-  بخمسة وعشرين ديناراً. قال تيمورلنك، في كثير من الدهش:
-  ولكن حزامي وحده يساوي هذه القيمة! فأجابه كرماني:
-  إنما كنت أفكر بحزامك وحده، لأنك نفسك لا تساوي فلساً واحداً
. بهذا المثال، بدأ الكاتب حنا مينه نص كتابه “ناظم حكمت”، مبيناً أن الحق يكون في شرف الكلمة، وأن الكلمات مواقف، وأن المواقف وقفات عزّ. وشاعرنا ناظم حكمت كان أحد هؤلاء الرجال الذين يجبرون الآخرين على احترامهم، تقديراً لمواقفهم التي ارتبط فيها القول بالفعل. فدفاعاً عن عقيدته وإيمانه، أمضى ناظم حكمت أكثر من ثلثي عمره في سجون بلده تركيا، وبقي حاملاً قضيته حتى وفاته. وبقيت هذه السجون تخط الكثير من القصص والحكايات عن الشاعر الإنسان. ولد ناظم حكمت في العام 1901 لأبوين من عائلة عريقة في الثراء، هما حكمت ناظم بك، مدير المطبوعات العام في الدولة العثمانية، وعايشة جليلة خانم، الرسامة. وكان جده محمد ناظم باشا والياً على سورية أيام الحكم العثماني، ومن هنا جاء اهتمام العائلة بالأدب العربي. وقد تخرج شاعرنا من العديد من المدارس الراقية في اسطنبول، إلى أن وصل إلى المدرسة الحربية “هيبلي” التي تركها هاجراً بذلك الحياة العسكرية بعد خمس سنوات من إصابته بمرض “ذات الجنب” للمرة الثانية، وكان أن تفرغ بعدها لإكمال طريقه مناضلاً وشاعراً. وقد حمل ناظم قضية وطنه والإنسانية في قلبه، وقدم للعالم روائع الشعر الإنساني، الذي تغنى بالحب والسلام والحرية، وخط أروع القصائد في “منوّر” زوجته و “محمد” ابنه، اللذين افترق عنهما لزمن طويل، فجاءت هذه القصائد حانية، عذبة وملتهبة. وكانت القضية الشعرية لديه رسالة حملها وقاوم وصمد لإيصالها، إيماناً منه بأن ما بعد الموت تأتي الحياة، وقد وعى قيمة التضحية والتصميم على الاحتراق لإنارة المستقبل. فالقضية الشعرية لديه هي التعبير عن التوق للمستقبل والدعوة لإنشاء عالم جديد، مدعوماً بالصمود في الوقت الحاضر. فالثورة في القرن الماضي –على الصعيد السياسي– كان لا بد لها من أن تترافق مع ثورة أخرى –على الصعيد الفني والأدبي، وقد كان شاعرنا مجدداً في الشعر التركي، لا في الشكل فحسب، بل في المضمون واللغة والنظرة إلى الكون، وعلى يديه دبت الحياة في اللغة التركية. انضم ناظم إلى حرب التحرير بقيادة أتاتورك، الذي أعجب بشعره، وساعده بإيفاده إلى الاتحاد السوفييتي لدراسة الاقتصاد السياسي. ولكن حلم ناظم باستقلال بلاده وبتحولها إلى تركيا جديدة متحررة متقدمة اشتراكية، اصطدم مجدداً مع الفاشية الجديدة المدعومة بالرجعية، اللتين كانتا تعدان العدة للتلاحم مع النازية الألمانية.. فما لبث أن قبض عليه بتهمة “نشر المبادئ الهدامة” في صفوف الجيش، وسجن، ووصلت مدة العقوبات التي قضت بسجنه إلى ستة وخمسين عاماً، أمضى ما يقارب الثلاثة عشر عاماً منها في سجن انفرادي، فذابت قواه وأنهكه المرض، فأضرب عن الطعام في العام 1950.. واحتج العالم كله هذه المعاملة، ومورست أكبر الضغوط على الحكومة التركية إلى أن تمكن العالم من انتزاعه من يدها، ليجتاز الحدود التركية إلى الاتحاد السوفييتي، ويبقى إلى أن يموت في – ما عدّه هو – وطنه الثاني، ويدفن فيه، لأن بلاده رفضت أن يدفن على أرضها. وقد التزم شاعرنا الكلمة التي نادى بها، وانسلخ عن طبقته البرجوازية، وهو حفيد الباشوات، وقاتل ضد الرجعية التي تنتمي عائلته إليها، وذلك لإدراكه أن التحرر الوطني لا بد له من أن يقترن بالتحرر الاجتماعي. وعاش هذا الإنسان الجميل، ذو القامة الفارعة والعينين الزرقاوين الحياة شعراً، ولم يعش الشعر نزوة، فالفعل الشعري لديه يرتكز على التجربة والمعاناة ووضوح الرؤية، إضافة لنظرته الشمولية الإنسانية. ماري تيريز كرياكي (كاتبة مقيمة بالمهجر)

27 - مايو - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
يوميات القاصة العراقية صبيحة شبر في المغرب..    كن أول من يقيّم

?لائـحـة الاتــهام? تـطول لـعراق الأمـجاد
28/05/2007 | فيصل عبد الحسن

صدرت عن دار الوطن بالرباط للعراقية صبيحة شبر مجموعة قصص قصيرة بعنوان ?لائحة الاتهام تطول?، والكاتبة نشرت مجموعة قصص بعنوان ?التمثال? عندما كانت تعمل مدرسة في الكويت، ثم نشرت عام 2005 مجموعة قصصية بعنوان ?امرأة سيئة السمعة?.
صدرت للقاصة العراقية صبيحة شبر المجموعة القصصية ?لائحة الاتهام تطول?، والكاتبة نشرت مجموعة قصص بعنوان ?التمثال? عندما كانت تعمل مدرسة في الكويت عن مطبعة الرسالة في الكويت عام 1976 وواصلت النشر في الصحافة الكويتية باسم مستعار ?نورا محمد? بين سنة 1980 و1986، بسبب عملها في وسط محافظ في دولة الكويت، ثم نشرت عام 2005 مجموعة قصصية بعنوان ?امرأة سيئة السمعة? عن وكالة الصحافة العربية في مصر وضمت المجموعة الجديدة ?لائحة الاتهام تطول? التي صدرت قبل أيام من دار الوطن في الرباط 20 قصة قصيرة، اتسمت بقصرها و تركيزها وحيوية أبطالها، وقد اختارت القصة التي حملت عنوان المجموعة لرواية ما يحدث في وطنها العراق، مصورة في قصتها الرئيسية أحداثا تهز الوجدان وتقرب بين فنين من فنون القول، هما فن السرد القصصي وفن الاعتراف أو ما يسمى بكتابة اليوميات، التي تنهل أحداثها مباشرة مما يحدث حولها كمادة خام ولا تضيف إليها شيئا من بنات أفكارها أو خيالها، وبعدما فتشت الكاتبة في التاريخ القديم عن فترات مشابهة تعرض فيها الناس لإحداث مشابهة، معتبرة أن العراق عبر التاريخ بأهله وحكامه قد وقعوا تحت لائحة اتهامات كثيرة تبدأ بمقولات وخطب للحجاج بن يوسف الثقفي، الذي حكم ولاية العراق بمنتهى الصرامة والقسوة في فترة الحكم الأموي، ولا تنتهي بما يحدث في العراق منذ الاحتلال الأمريكي لهذا البلد، وحتى الوقت الحاضر فإنه في واقع الأمر لائحة الاتهام تطول لعراق الأمجاد منتصرا ومنتظرا لانتصار صار وشيكا.
مدرسة تعترف
القاصة تبدأ مرافعتها في مجموعتها بقصة ?المعلم? التي تحكي قصة معلمة تحضر إلى مقر عملها وهي تشعر بأنها مستلبة ومهانة، ولا غاية حقيقية من عملها سوى ملء بطون عائلتها بالخبز، فهي لا تجد في عملها أية قيمة معنوية، مبررة لنفسها أنه لا يوجد لها عمل آخر في هذه البلاد إذا فقدت عملها في المدرسة، وأنها إذا لم تنفذ المطلوب منها وهو غير شرعي وغير مؤمنة به فان مصيرها سيكون الطرد من العمل، والقصة تبدو من خلال السرد وتداخله مع المنولوج الطويل والحوارات المتقطعة التي تجيء على لسان المعلمة تحيلنا إلى أدب الاعتراف، واليوميات التي يحكي فيها السارد كل شيء كأنما يتطهر من ذنوبه عبر الكتابة مما يعطي القارئ الإحساس بأن الحادثة حقيقية وقد يتداخل النص القصصي بواقع حياة كاتبته، وأن القصة عبارة عن لائحة اتهام أخرى تضعها أمام المجتمع لتحصل منه على عقاب مناسب لمن جنوا عليها كإنسانة فقدت معالم شخصيتها من خلال الخوف من المستقبل وما سيحيق بها من أحوال سيئة في بلد غريب عليها، لا تعرف فيه أحدا ولا أهل لها فيه ولا أقارب ولا أصدقاء.
زوج يموت حرقا
لقد وضعت القاصة خبرتها كأستاذة عملت لعدة سنوات وما زالت في حقل التعليم حيث نجد حرارة الحدث ودينامكية الموقف والكلمة المعبرة في جعل الفعل خالدا في ضمائر القراء وفي قصة أخرى معنونة –تراجع عن قرار- ص20 تضعنا أمام نموذج امرأة تقرر قتل زوجها حرقا، فهو في كل ليلة يشرب حتى  يثمل وينساها كامرأة وزوجة وقد وضع بينه وبينها حجابا، وتنقل لنا الكاتبة إحباطا كبيرا بعالم الزوجية فهي تشعر أنها زوجته وفي الوقت ذاته منفصلة عنه، ومنذ سنوات كثيرة فهو لم يعاشرها كزوجة واعتاد في كل ليلة أن يقيم طقوسه على ضوء شمعة حيث يقرأ الكتب التي يحب قراءتها حتى يوافيه النوم وهو بين الصحو الغافي والثمالة، حيث ينسى دائما أن يطفئ شمعة القراءة التي تذوب ببطء، فتعمد الزوجة في كل ليلة إلى وضع الغطاء على النائم وإطفاء الشمعة التي تحترق ببطء، وتنبثق من هنا فكرة أن تدفع الشمعة صوب فراشه وتغلق عليه باب غرفته ليموت محترقا، ونرى في هذه الغرفة وحريقها المفتعل إضافة جديدة إلى لائحة الاتهام التي تطول في هذه المجموعة، وفي حرارة السرد نرى الكلمات وكأنها استلت من مذكرات حقيقية كتبتها امرأة عانت حقا من برود زوجها تجاهها وواجهها المجتمع بكل تابواته وشروط المرأة الصالحة والمدرسة المستقيمة، التي ينبغي أن تكونها بطلات قصصها، وهن بالمناسبة كلهن مدرسات ومعلمات، ما يؤكد ما افترضناه في بداية الكتابة عن المجموعة القصصية من أنها أقرب لمذكرات مدرسة ثانوية ويومياتها الضاجة بالأحداث والشكوى والأسرار.
لص وسط الرباط
في قصة أخرى تستخدم الكاتبة لغة الإيهام والتأويل التي تستخدم عادة لطرح مسائل فلسفية كبرى، فهي تضعنا في محكمة تكون هي فيها المدعية على جارها لأنه فتح باب القفص ليطير البلبلان المحبوسان إلى الحرية.. تكتب القاصة ص 37: ?نعم سيدي القاضي، كان ضيفاي بلبلين جميلين صداحين، عندما فتح لهما الباب طارا معا و تركاني وحدي انتظر عودتهما ، فلا شك أنهما قد فقدا معالم الطريق?.
في قصة سطو تحدد الكاتب بطلتها بمكان وزمان معينين، فالبطلة مدرسة تعيش في الرباط وفي أحد أيام حزيران (يونيو) القائظ تذهب إلى مدرستها عبر الشارع الطويل الموحش الذي في وسطه أشجار باسقة، ومن وصفها للشارع يعرف ابن الرباط العارف بالعاصمة أنها تعني شارعا بعينه هو شارع النصر الذي يتوسط الرباط، حيث تتعرض المدرسة  السائرة إلى مدرستها وهي بين اليقظة والحلم للسطو ص 55: ?شيء بارد يقف على رقبتي، سكين حاد نصلها تقطع حقيبتي اليدوية وهي على كتفها صوت قهقهة مكتومة يسخر مني:
-بمن تحلمين أيتها الحلوة? اسمع صوت الدراجة البخارية يبتعد، الحظ راكبها من الخلف، يبدو مجعد الشعر أسوده يرتدي الجينز، لم أستطع تسجيل رقم الدراجة كلما فعلته إنني صرخت: أيها اللص، اعد إلي حقيبتي?.
وفي القصة يظهر حبيبها الأول الذي ارتبط بها بزواج فاشل يظهر ويختفي من خلال المنولوجات التي تتخلل القصة، حيث تحاول الكاتبة وضع اللص كمعادل موضوعي لذلك الحبيب الذي فشلت عند الارتباط به وأحال حياتها جحيما، والكاتبة تحاول في كل قصة من قصصها أن تجد التعارض المطلوب في العمل الأدبي، أي أنها تضع القبح بموازاة الجمال والخوف بموازاة الأمان والحياة بموازاة الموت والشجاعة بمواجهة الجبن والفرح بمواجهة الحزن.
لائحة الاتهام تطول
في القصة التي حملت عنوان المجموعة تتركنا الكاتبة في قاعة وسط عدد قليل من الحضور وتكون الراوية مشدودة اليدين مكممة الفم تسمع ما يقوله الادعاء في حقها ص 60:
?تهمك كثيرة سيدتي، أنت واقفة منذ دهر، تورم منك القدمان، وانتفخ الساقان وانتفض القلب، وأرعد وأزبد يبست شفتاك ثم تكمل القاصة ربطوا فمك فماذا يمكنك أن تفعلي? طالما انتفضت ثرت قاومت، قواك أوشكت على الانطفاء وعيناك المربوطتان ما زالتا وهاجتين?.
عالم القصة يذكرنا برواية ?القضية? للكاتب الألماني المعروف فرانس كافكا وبطله المستر كاف الذي يقع ضحية اتهامات كثيرة، حتى يحكم عليه بالإعدام في نهاية الرواية المعروفة اسمع للقاصة تقول عن الاتهامات الموجهة إلى بطلتها في قاعة المحكمة المفترضة:
?أثرت الشقاق والنفاق بين أفراد المجتمع الراضي المسرور، زرعت الفتنة في الأرض الخضراء فولت بورا، لسانك الطويل حول البياض سوادا فاحما والنهار الساطع ليلا بهيما والقانع الراضي ثائرا ساخرا.
-أنت نقمة سلطها الشيطان على هذه الأمة المنكودة، فسلب منها اليقين المفرح وسرق رضا الله، حين عصت ولي الأمر?، وتتداخل صرخات المدعي العام مع منولوج داخلي للمدرسة تحول كلام المدعي العام إلى جمل سمعتها من زوجها الذي هجرها من زمن طويل، ويختلط الجمهور في ذهنها بمجموعة من قاطعي الطريق والمجرمين ص 62:
?الجالسون ينظرون بشماتة، يتناولون المرطبات بسرور وبهجة.. يتفرجون على مخلوق غريب في وسط القاعة، معصوب العينين مربوط اليدين، قد خيطت منه الشفتان وتورمت القدمان، وانتفخت الركبتان والقلب قد مل من الوجيب?. نلاحظ هنا اختلاط الصور وقربها من آلام -مستر كاف العراقي- ولكن آلأمه مجموعة من الروابط جمعتها بآلام أبناء وطنه ص69:
?قومك أهل شقاق ونفاق، شقاق ونفاق، شقاق ونفاق.
وزوجها يصرخ في ذاكرتها:
تزوجنا? نعم هل تريدين احتكاري? أنا من لحم ودم. أعشق الجمال. أود من تتغنى بشمائلي، وأنت لن تعودي قادرة على العيش السليم، ورؤية ما أتحلى به من مناقب، وما أتميز به من شمائل.
-هذه المتهمة الماثلة أمامكم أم المصائب التي حلت في ديارنا أطالبكم أيها القضاة، يا رجال العدالة أن توقعوا بالمجرمة أقصى العقوبات وأن تعيدوا إلى ربوعنا المعذبة أمنها المسلوب ص? 70.
تتبارى القصص العشرون في هذه المجموعة لتكون كل واحدة منها يومية من يوميات مدرسة عراقية تعيش في المغرب تحكي مالها وما حدث لها، راسمة طيلة الوقت دمعة كبيرة بحجم خارطة العراق. تحاول بين الحين والحين أن تمسحها بابتسامة أمل ونظرة تحد إلى الغد على أمل أن يكون رحيما بأوجاع الباحثين عن الحياة في بلدان غير بلدانهم متشبثين بماضيهم مثل شراع قديم إلى الأبد.
 
** جريدة المـسـاء المغربية.
 

29 - مايو - 2007
القصة القصيرة
متاهة بلا زمان..    كن أول من يقيّم

 
بـلا ظِـل يمشي
الزمانُ بيْننا
كما لو كان شبحاً
أو نهرا باطنياً
أو مسافرا غريبا
في متاهة العمرانْ
وحين لا تراهُ عينٌ
بيننا
يراه الفجرُ قادماً
من جهة الغيب إلى
مجال الحُلمِ حيث لا
زمانْ •
مِن لا بداية أتى
ذاتَ ظلامٍ
حين كانت دولةُ
الفجائعْ
تـَصول وحدَها
بسيفِ النار والسَّمومْ
وحيث لم يكن هناك
راءٍ غير الشمس
والنجومْ•
بلا صوت ولا لونٍ
ولا صدى مِطرقةٍ
يصيغ من معادن
السوائعْ
أشكالاً ومصائـرْ
ليست مصادفاتٍ
لكن لم أر الزمان
حين كان ينتقيها
ويمزج الألوان
من تقاطع الظلال
والأضواء،
يـُجددُ المخطوطَ كل
يومٍ
ويصنف الأجزاء •
وذاتَ غفوةٍ
أطلَّ مِن حلـْم
الزمانْ
منتهكُ الحياة
وملازمُ الموتِ
ومتناقضُ الأحوالْ
وانتزع الكِـتابَ
قسْراً
من يد الزمانْ
ودَوَّن الأسماءَ
في دفاتر الذنوبِ
والغفرانْ
وقايـَضَ الموتَ
على خلود
المعجزاتِ
ورجوعِ المُومياتِ
وتجدُّدِ الأجسادْ •
ها نحن الآن في
متاهة بلا زمانْ
وفي تاريخٍ خالٍ من
جمال المعجزاتْ
يراه الفجرُ سائرا
حثيثاً
نحو هوة الغروبْ
كما يرانا نائمين
بـَينما تـَخْـتَـلُّ
ذاكراتـُنا
على شـَفا ضَبابٍ
عِند وَهْدة مَحتومة
فما لأنبياء الوقت
حاجةٌ
إلى معجزة كبرى
لمحو الذاكراتِ كلَّ
ليلٍ
وبدايةِ التاريخ من
صباح اليوم التالي•
محمد الميموني

ماي 2007

4 - يونيو - 2007
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
صورة لـ بريجيت .    كن أول من يقيّم

Intérieur juif marocain

Femmes_juives Rien ne permettait vraiment de différencier ces Marocaines juives de leurs concitoyennes musulmanes, si ce n'est quelques détails vestimentaires: les longues nattes décoratives (dites soualefs), et la forme particulière des coiffes, caractéristique du costume juif du Maroc.
Photographie prise à Meknès dans les années 1920.

10 - يونيو - 2007
رسالة بريجيت
 31  32  33  34  35