البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ضياء العلي

 30  31  32  33  34 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
عن الفيل والشطرنج    كن أول من يقيّم

 
أستاذي الكريم ، أساتذتي الكرام : صباح الخير
 
لم أكن أظن بأنني سأتدخل في هذا النقاش الصعب والذي بالكاد أفهمه لولا أن للموضوع جوانب أخرى فيما يبدو لم نكن لننتبه إليها لو لم تثر موضوع الفيل .
 
ورغم أنني لا علم لي بهذا الفيل المعروض في المكتبة الوطنية ، ولسوف أحاول الاستعلام عنه ، لكنني أذكر بأن الخليفة هارون الرشيد كان قد أهدى للمك شارلمان فيلاً أبيض يدعى : " أبالعباس " وأن شارلمان كان يفتخر به كثيراً ولكنه لم يعمر طويلاً بسبب أنه لم يحتمل المناخ البارد وتقول الحكاية بأنه توفي بسبب نزلة برد ألمت به بعد أن سبح في نهر الراين وكان ذلك العام 810 ميلادي .
 
وتحتفظ كاتدرائية إكس لا شابيل Aix La Chapelle  بفيل صغير من العاج يقال بأنه صنع من قرون " أبي العباس " وأن لعبة الشطرنج استبدلت : الوزير بالفيل تخليداً لأبي العباس .
 
وكلمة fou الفرنسية التي تعني : مجنون لفظياً وتعني الوزير في لعبة الشطرنج ، مصدرها لفظة فيل العربية fil  ، وهي alfil  بالإسبانية و alfiere بالإيطالية . ويبدو بأن الكلمة الروسية التي تدل على الوزير في لعبة الشطرنج تعني الفيل أيضاً .
 
ولي عودة في وقت آخر لبعض الطرائف اللفظية التي تسللت إلى الفرنسية من لعبة الشطرنج ومنها ما يتعلق بالرخ وسأجد لها وقتاً إن شاء الله .
 
 

6 - فبراير - 2007
الشطرنج آراء وأخبار وطرائف
من الرخ إلى الروك اند رول    كن أول من يقيّم

 
بداية أعود إلى توضيح ما ورد في مشاركتي السابقة ويتعلق بكلمة fou  بحيث أن الصيغة التي كتبت بها الجملة غير دقيقة : كلمة fou الفرنسية تتشابه لفظياً فقط مع كلمة فيل وهذا ما دعا إلى تبنيها ، لكن مصدر الكلمة اللغوي ليس عربياً بل لاتينياً وهو fol و  follis التي تعني القربة أو المنفخ ( منفخ الحداد ) أو البالون الفارغ ، ولقد سبق أن ذكرت ذلك في تعليق سابق بعنوان : " العقل ، الجنون ، المراهقة " في مجلس الوطن والزمن المتحول . أما في الإسبانية والإيطالية فالمصدر اللغوي للكلمة عربي .
 
وكما قال الأستاذ هشام حول كلمة : echec Mat هو تعبير مأخوذ من لعبة الشطرنج وأصله عربي - فارسي : شاه مات ، ولقد جرى تحوير كلمة شاه إلى echec .  قرأت تفسيراً لهذا يقول بأن العرب في الأندلس كانوا يقولون : الشيخ مات ، فتكون بالفرنسية echec mat لكنني لا أدري مدى صحته .
 
أما بما يتعلق بكلمة : رخ ، فالأمر طريف للغاية لأن كلمة رخ التي ترمز إلى القلعة في الشطرنج قد استخدمت بالفرنسية للتدليل على حركة تبديل مكان القلعة بوضعها من الجهة الأخرى للملك وتبديل مكان الملك بحركة واحدة إذا لم يكن بينهما عائق . هذه الحركة التي تسمى التببيت كما أظن بالعربية ، تسمى le roque  بالفرنسية ولقد اشتق منها الفعل : roquer  والإسم المؤنث  une rocade  ، وسأوضح كيف قبل أن نصل منها إلى موسيقى الروك اند رول التي تحيرني .
 
رخ ، أصبحت بالفرنسية rock  أو roc للدلالة على اسم الطائر الخرافي الذي هو الرخ ، لكن الحركة المستوحاة من الشطرنج والتي تكون عبارة عن نوع من الالتفاف وتجاوز عقبة ما باستبدال موضع الشيء وذلك بتخطي العقبة إلى الجهة الأخرى ، أو وضع شيء مكان آخر ، وهذا ما نعنيه بفعل roquer  والذي اشتقت منه كلمة rocade  التي تعني مثلاً بأن تلتف على موضع فيه زحمة سير وذلك بأن تستعيض عن الطريق المباشرة بأخرى غير مباشرة تتحاشى فيها العقبة الموجودة أمامك .
 
هكذا يكون الفرنسيون قد احتفظوا بهذه الكلمة التي ترمز إلى الحركة المستوحاة من لعبة الشطرنجفهل من الممكن بأن تكون هذه الكلمة هي نفسها كلمة rock  التي تعني بالإنكليزية رمى أو ألقى والتي جاءت منها لفظة rock and roll  وهل هناك من يستطيع البحث عن أصل هذه الكلمة الإنكليزية ?
 
 

7 - فبراير - 2007
الشطرنج آراء وأخبار وطرائف
الأستاذ نور الدين : لماذا الشعر ?    كن أول من يقيّم

 
شكراً لك أستاذ نور الدين ودادك الكريم ، جادت به كلمات كريمة ، وكل ما قرأته في شعرك من جمال ، وهو يعني بأنك شاعر بكل ما لهذه الكلمة من أبعاديبدو بأن الشعر سيبقى دائماً ملاذنا الأول والأخير ، فلماذا الشعر ?

8 - فبراير - 2007
الشطرنج آراء وأخبار وطرائف
حكاية الأرجوان    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

 
احتفاء بكل الضيوف الصغار ، هذه حكاية تذكرتها لما رأيت صورة ندى تخرج من البحر ، وكان شعوري كأني اصطدت لؤلؤة ثمينة : هي من أساطير فينيقيا كنت أحكيها في كل مرة كانت إحدى معلمات صفوف اولادي تطلب مني بأن آتي لأحدثهم عن لبنان ، فكنت أختم عرضي دائماً بهذه الحكاية لأننا نحن الأولاد نحب الحكايا ، كباراً وصغاراً ولا نشبع منها أبداً :
 
كانت أميرة من فينيقيا ، ولنقل بأنها أميرة صيدون تتنزه على شاطىء البحر برفقة خطيبها الشاب ، يرافقها كلبها الصغير الفضولي والكثير الحركة فيركض أمامها مسافات وينتظر بأن تنهره وتنادي عليه ، ليعود سريعاً ، سعيداً بما تسببه لها من قلق ، ليدور من حولها وهو يتنطط مسروراً بهذه النزهة الجميلة .
 
كان الحديث بين الأمير والأميرة يدور حول التحضيرات للعرس ، فبينما كان الأمير يرغب في جمع أكبر عدد ممكن من الملوك والقادة العسكريين من حوله لهذه المناسبة ، كانت الأميرة تحلم بفستان لم يلبسه احد من قبلها ، وكانت لا تشعر بالرضى عن الاستعدادت الجارية لأنها لم تجد بعد فستان عرسها المناسب .
 
وبينما هما يتحادثان ، التفتت الأميرة للبحث عن كلبها الصغير فلم تجده من حولها ، ولما نادت عليه ، لم يسمعها ولم يلبّ النداء ، فقلقت وطلبت من الأمير الذهاب للبحث عنه ، ولما عاد به من مكان بعيد بعد أن وجده عند صخور الشاطىء ، لاحظت بأن فمه كان مخضباً بلون أحمر قاني جميل لم تر مثله في حياتها وعرفت بأن كلبها الفضولي كان قد أدخل فمه في صدفة تعيش بين صخور الشاطىء هي صدفة الموركس .
 
رغبت الأميرة بأن يكون ثوب عرسها بهذا اللون الجميل ، واشترطت على خطيبها بأن يجد طريقة تحصل فيها على هذا اللون الأحمر قبل اتمام مراسيم الزفاف . وهكذا ولد اللون الأرجواني من صدفة الموركس وعرف الفينيقيون كيفية استخراجه لصبغ الثياب الجميلة والأقمشة الثمينة التي كانوا يبيعونها في الكثير من البلدان الواقعة في حوض البحر الأبيض المتوسط ولقد احتفظوا بسر استخراجه وقتاً طويلاً .
 
هذه حكاية من أساطير الفينيقيين لا نعلم فيها نسبة الحقيقة إلى الخيال ، فهي تحمل من الحقيقة شيئاً ، ومن الخيال أشياءاً ، لكنها تبقى في الذاكرة .
 
 

12 - فبراير - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
النص بالفرنسية : أرض الزعتر    كن أول من يقيّم

 
هذا نص بالفرنسية مأخوذ من كتاب بعنوان :
 
 Physionomies et gouts des fleurs sauvages
 
هو للكاتبة الفرنسية : Andree MARTIGNON ، صدر في العام 1947 عن : edition LE STOCK
 
 وكان الأستاذ بنلفقيه قد أرسل لي بهذا المقطع المتعلق بالزعتر ، فأعجبني النص والأسلوب ورأيت فيه نفساً جديداً في الأدب لم أقرأ ما يماثله في اللغة العربية ، لذلك حاولت ترجمته لكم للتعرف على هذا النمط من الأدب الذي يجمع بين العلم وحب الطبيعة ، ولقد قام الأستاذ لحسن بتقديم العون لي لترجمة المطصلحات النباتية وأبدى ملاحظاته القيمة التي لولاها لما استطعت القيام بهذا العمل الذي ، وبالرغم من صغر حجمه ، إلا أنني أشعر بسعادة
بالغة لتمكني من إنجازه :
 
Landes , coteaux , friches 
 
 
 
Ces jours tout vibrant de soleil, en lisière extrême de l’été, sont le beau moment des coteaux, terres à bruyères et genêts, vêtus qu’ils sont d’un gazon épais ponctué d’orchidées, ophrys, hélianthèmes, sérapias. Négligés en tout temps, impropres à la culture, ces semaines verront leur revanche : parterres de plein vent, banquettes fleuries que la pesée solennelle des pennes du milan est seule, d’heure en heure, à marquer d’une ombre mouvante. Courte revanche. Par la faute même de leur situation élevée, sans défense d’arbres ou de buisson, nues dans l’embrasement solaire leurs feuilles, leurs corolles grilleront avant l’heure. La mi-juin n’est pas achevée que, déjà, leur floraison semble tarie. Et quand le dorycnium – dernier à paraÎtre – y déclora ses pétales au blanc-rose, ces terres n’espéreront plus qu’en les bruyères, parures d’automne.
              Avril ranime en ce gazon soleilleux quantité de feuilles menues, ovales, en coin à la base. Première annonce du Thym serpolet, thymus serpyllum (labiées). Chaque jour accroÎt ce tapis serré, mais point fleuri de ses fleurs propres, cette nappe brillante oÙ pédiculaires et potentilles piquent sans gêne leur corolles comme s’il leur appartenait. S’il s’y étend un moment pour gouter le délice de la saison, le promeneur le trouvera parfumé. Aromatique et profus ; c’est une couche délicieuse d’oÙ écouter la caille appeler dans les blés… Puis un matin, du cœur des bouquets menus que, de la tige prostrée, montent les tigelles, s’éveille, se forme une fleur purpurine. BientÔt elles seront dix, cent, mille. BientÔt elles couvriront en entier l’odorant tapis dont leurs corolles parfumées exaltent encore la senteur de verveine : fleurettes à deux lèvres d’oÙ s’échappent les étamines.
            Royalement vêtu de cette pourpre, foncée à maturité par les calices vidés de leur fleurs, et qui s’arrache comme une étoffe de l’épaulée de terre ensoleillée, le coteau reçoit la visite du lapin sauvage friand de la plante, et les abeilles dorées, les frelons, les papillons de toutes tailles et couleurs en dégustent le suc dans un incessant bourdonnement.
                       
                                                                                                            Physionomies et gouts des fleurs sauvages (pp.137 - 138).
 
 

14 - فبراير - 2007
نباتات بلادي
النص بالعربية : أرض الزعتر    كن أول من يقيّم

 
منطقة اللاند الفرنسية ( الجنوب الغربي ) ، المنحدرات البرية :
 
 
هذه الأيام المحمومة ، الواقعة على تخوم الصيف ، المتقدة تحت شمسه الوهاجة ، هي أجمل أيام تلك المنحدرات المرتفعة ، موطن الرتم والخلنج ، المكتسية بمفارش ثقيلة من العشب الموشوم بأزهار السحلبية والحاجبية وزهرة الشمس والمحاجث الملائكي . هي كما هي ، لا تزال مهملة كما في كل حين كونها لا تصلح للزراعة ، لذلك ، فإنها ستحاول خلال هذه الأسابيع رد اعتبارها : ربوعها ملاعب الريح ، وتكايا مزهرات ، حيث ، وحدها ريشات مفقودة سقطت من حدأة مهاجرة تستطيع رسم ظلالها المائجة فوق أديم العشب . هوانتصار زائل لأنها ، وبسبب علوها المرتفع ، فإن تلك التلال المكشوفة ، العارية في حمأة شمس متقدة ، دون ظلال شجرة ، أو نبات وارف ، سرعان ما ستجد وريقاتها وتيجانها قد يبست . قبل أن ينتصف حزيران ، تكون نضارتها قد جفت . عندما يتفتح زهر الزويتية ، وهو آخر أفواج الموسم ، ويبدأ برسم زهيراته البيضاء والوردية ، تعلم هذه البقعة من الأرض بأنه لم يبق لديها من رجاء سوى الخلنج وحده كرداء للخريف المقبل .
 
يحي نيسان في العشب المنثور تحت الشمس ، كماً من الوريقات الدقيقات المستطيلات المدببات الطرف . إنها بشائر الصعتر البري ، السعتر أو الزعتر . هو في كل يوم ، يتمدد ويتكاثر في ذلك البساط اللامع ودون أن يَشِمَهُ بزهره ، بل يترك لحشيشة القفل وعشبة القوى أن تطل برأسها ناثرة تيجانها من فوقه وكأنها سيدة المكان . ولو أن متنزها استلقى هناك ليتذوق طراوة ذلك الفصل من السنة ، لاشتمّ رائحة ذلك العطر الكريمة والفواحة . إنها فراش وثيرة ، يستطيع أن يسمع منها نداء سمنة في حقول القمح . ثم ، ذات صباح ، من وسط تلك الباقة الرقيقة ، ومن بين تلك الرؤوس الرهيفة ، تخرج براعم صغيرة ثم تتفتح على شكل زهرة ليلكية ، بعد وقت قصير تصبح عشرة ، أو مئة ، أو ألف زهرة . بعد حين ، سوف تغمر كلياً هذا البساط المعطر والذي لا يزال يتضوع  برائحة رعي الحمام : زهيرة بشفتين تخرج من خلالهما الأسدية . مجللة بحمرة هذا الرداء الملوكي ، الداكن في ذروة نضجه ، يبدو المرج وكأنه ينتزعه كالوشاح عن كتف تلك الأرض المشمسة ، وذلك بسبب كل تلك الكؤوس التي فرغت من أزهارها ، وحيث تحظى هذه التلال بزيارة الأرنب البري النهم لتلك المراعي ، والنحلات الشقراوات ، والزنابير ، والفراشات المختلفة الألوان والأحجام ، لترتشف جميعها عصارة ذلك الرحيق ، في جوقة من طنين لا يهدأ أبداً .
 

14 - فبراير - 2007
نباتات بلادي
لعب الجدي بعقل التيس    كن أول من يقيّم

 
كنت قد ذكرت في تعليق سابق بأننا في الصف الخامس الإبتدائي كان لدينا مادة اسمها " أشغال " كانوا يعلموننا فيها الخياطة ( بينما كانوا يعلمون الرسم للصبيان ) . لم أكن أحسن إمساك الخيط والإبرة وكانت علاماتي دائماً متدنية في هذه المادة ، وكنت بوقتها أصغر تلميذة في الصف مع فارق كبير أحياناً مع بعض التلميذات في السن والحجم . وذات يوم ، كان علينا تنفيذ درس عن مهارة يسمونها " قطبة الدرزة " ، وكان موعد المادة بعد الظهر ولم أكن قد " درزت " شيئاً بعد .
 
في فرصة الظهر ، حاولت مع قريبة لي معي في نفس الصف ، تكبرني ببضع سنوات ، وصديقة أخرى في مثل عمرها تنفيذ ذلك العمل الصعب : وهو خياطة خط كامل من " قطبة الدرزة " على رقعة من القماش مخصصة لهذا التمرين . وبعد محاولات يائسة مني كنت في كل مرة أنزل فيها عن الخط المرسوم على القماشة ، عيل صبري وفقدت الأمل بالتعلم ، فأقنعت الرفيقة التي معنا ، وكانت تسكن قريباً من المدرسة ، بأن تذهب إلى بيتهم ، وتدرز لنا هذا الخط على ماكينة الخياطة ، وأوصيتها بأن توسع القطبة بقدر ما تستطيع كي لا تلاحظ المعلمة هذا .
 
وبالفعل أطاعتني وظنت بأن هذه الحيلة ستنطلي على المعلمة . عندما حان وقت وضع العلامة ، صارت المعلمة تمر علينا ونحن في مقاعدنا لتشاهد  عملنا ، وبما أنني كنت أجلس في الصف الأمامي ، فلقد كنت أول فريسة تقع في يدها :
 
ــ  " ما شالله ، قالت لي ، ما هذا ? " وهي تقلب القماشة على وجهها وعلى قفاها . " وبتعرفي تغشي كمان ? " .......
 
وقبل أن تنهي عبارتها ، ومنذ اللحظة التي علمت فيها بأنني وقعت في الفخ ، وذلك بمجرد أنها قلبت القماشة في يدها كثيراً ، بدأت دموعي بالسيلان أنهاراً مدرارة ، ورحت أنتحب في بكاء غزير أثار شفقتها على ما يبدو فاكتفت بتعنيفي والتأكيد علي بأنني سوف أعيد خياطة ذلك السطر الضائع في المرة القادمة بالإضافة إلى درس اليوم وكان بعنوان : " قطبة العروة " .
 
ثم تابعت جولتها بين المقاعد وصارت تضع العلامات  حتى وصلت إلى أخر الصف حيث تجلس قريبتي ( الطويلة والعريضة ) ورفيقتها ( الطويلة والعريضة أيضاً ) شريكتي في هذه " الجريمة " النكراء ، فتوقفت طويلاً عندهما ( بما ينذر بالويل والثبور ) وهي تقلب رقعتيهما على كل الوجوه وتقول :
 
ــ  " ما شالله ، ما شالله ، أنتما كذلك استعنتما بالماكينة ? من هي فيكما صاحبة هذه الفكرة النيرة ، أنت أم هي ? " .
 
فرمقتاني كلتاهما بنظرات كلها لوم وعتب ودون أن تنبسا بكلمة واحدة بل بقيتا مطأطئتي رأسيهما إلى الأسفل وتكادان تنفجران من الخجل ، وحدها عيونهما كانت تختلس إلي النظر ، ففهمت المعلمة بأن الذنب يقع على عاتقي وأن أصابع الاتهام تشير إلي ، فتأملت بي لحظة ، ثم تأملت بهما طويلاً ، ثم أردفت :
 
ــ " صحيح متل ما بيقول المتل : لعب الجدي بعقل التيس " .
 
كلام الجد : لم لا تتركون الأمر على طبيعته في هذا الملف لأن الأفكار تتوالد من بعضها وهي ليست بالضرورة في نفس الموضوع بل ربما تذكرنا بها كلمة وردت في سياق الحديث أو واقعة ما . فيما بعد ، يمكن لأم الرضا بأن تعمل عليه دراسة صغيرة من نوع : ما هي المواضيع التي استأثرت بأكبر عدد من الأمثال ، أو عن تقارب أو اختلاف اللهجات ، أو عن تضاد بعض الأمثال .....
 
 

15 - فبراير - 2007
أمثال من هنا وهناك
القصيدة التي تتكسر    كن أول من يقيّم

 
حاولت أن أعرب كلام المزح عن كلام الجد في هذه القصيدة فلم أستطع : هما يختلطان ويتناغمان فيها ليشكلا طبقاً حلواً مالحاً كطبق " البسطيلة " الذي يعرفه جيداً عبد الحفيظ ، ويعرفه مولاي لحسن والأستاذ سعيد والكثير من الأخوة معنا هنا ، وهو من ألذ الأكلات المغربية ، خصوصاً بهذه القافية التي تتكسر كرقاقات العجين المحمص بالسمن البلدي .
 
وأما بخصوص نشر الصور في هذا الملف ، فإنني في كل مرة تظهر فيه صورة جديدة ، أشعر به وكأنه تحت شجرة اليقطين ، وأنه يكتسي بالجلد واللحم رويداً رويداً وكأنه خارج من بطن الحوت . فالمجلس له اليوم حيطان وسقف وشبابيك وطاولة ومقاعد وكومبيوتر ، وفيه إنارة هادئة ، لكنها كافية ، وصور أهل بيته معلقة على الحيطان ، وفيه كل ما يوحي بالدفء والطمأنينة :
 
مـن هنا: حيث نلتقي زكـريـا قـد iiانطلق
مـن  هنا: كان iiبدؤنا وهـنا  مجمع iiالحرق
يـا صديقي وصاحبي أفـتني في الذي iiمرق
وعـلـيـنـا  وفاؤنا وعـلـى الله ما iiخلق
قل  ليحيى السويسري مـزحه أمس iiمخترق
وحريٌّ بـوده مـن  على بابه طرق
 
 
 

16 - فبراير - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
قالوا في الزواج    كن أول من يقيّم

 
يقول المثل العربي : " وافق شنٌّ طبقة " للتدليل على التناسب الحاصل لجهة التكافؤ بين الزوج والزوجة . بالعامية يقولون : " طنجرة ولقت غطاها " للتدليل على أن الزوج والزوجة يكمل واحدهما للأخر . وأما المثل العامي الآخر السلبي في هذا الموضوع فهو يهدف إلى الإشارة لعيوب يشترك بها الزوجان فيقول بأن : " إبليس يقطع تسعة وتسعين تاسومة ( حذاء ، نعل ) ليجمع رأس على رأس " ويعني بأن إبليس تعب وبحث كثيراً وبذل جهداً مضنياً لكي يجد زوجة مناسبة لرجل سيء الخلق أو الطبع ، وهو يقال عندما يكون رأي المتحدث سلبياً بالزوجين المراد عنهما بالحديث كأن يكونا من أهل الكذب أو النميمة أو الحسد مثلاً ويشتركان في هذه العيوب الخلقية .
 
أود أن أشير إلى أن بعض ما نقوله لا يعد من الأمثال بل هو فقط من الكلام الشائع .

19 - فبراير - 2007
أمثال من هنا وهناك
الذاكرة والحداثة    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

 
 
أعود اليوم للإجابة على رسالة الأستاذ عبد الحفيظ بعنوان : عودة منيرفا ، طائر الفلسفة .
 
أول ما لفت انتباهي هو اختيارك للعنوان ـ ربما بطريقة غير مقصودة ـ فهو يربط بين الفلسفة والأسطورة : لا بأس من التذكير بأن " منيرفا " عند الرومان هي نفسها " أتينا " اليونانية التي ولدت من رأس أبيها " زوس " بعد أن أصابه منها ألم غير محتمل برأسه ( لأنه ابتلع أمها الحامل بها وهي على وشك الوضع خشية أن تأتي بمولود يشكل خطراً عليه ) فأهوى عليه " أوفايستوس " بضربة من فأسه وشطر له رأسه إلى نصفين ومنه خرجت " أتينا " ألهة الحكمة والشعر والفن .
 
هكذا بحسب الأسطورة ، ولدت الحكمة من الرأس ، من العقل ، محاربة ، وبكامل عدتها ، تسدي النصائح ، وتحمي الأبطال ، وتدافع عن الخير والفضيلة : هكذا كانت " أتينا " ذكية وعفيفة لكنهاكانت قاسية أيضاً وسريعة الغضب ، وهي أول من زرع زيتونة ، رمز السلام والخير الوفير . رغم هذا فإن " باريس " في لحظة الاختيار فضل عليها " أفروديت " آلهة الحب والجمال واستحق بذلك غضبها وثورتها .
 
العلاقة بين الفلسفة والأسطورة أعمق مما نعتقد حتى ولو بدت لنا الفلسفة بأنها نقيض للأسطورة . فالفلسفة هي الفكر المنظم والمصنف ضمن أنساق معرفية محددة وعلوم مستقلة ولها منطقها العقلي الصارم ، وهي فكر شمولي يجنح إلى تعميم مقدماته ونتائجه (لا يمكن له الالتزام بمعطيات مجتمع   بعينه ) ، لكنها رغم هذا لا زالت تحتفظ بغائية الأسطورة : هي لا زالت تدافع عن القيم ، وتهدف إلى خير الإنسان . الفرق هو أن ما كنا نسميه في الماضي " أسطورة " أصبحنا اليوم نسميه " ايديولوجيا " ، وأن " الحداثة " اليوم تضع نفسها بموقع " العقل المفكر " تجاه " التقليد " اللامفكر ( الأسطورة ) .
 
 نسبح اليوم في فضاء فكري حدوده العالم الواسع لأن وسائل الاتصال المتنوعة جعلت هذه " العولمة " ممكنة ، هو السقف الأعلى لما توصل إليه التفكير الإنساني في زمننا الراهن من معطيات وهو ما نسميه اصطلاحاً ب : " الحداثة " أما الفكر التقليدي الذي يستمد قوالبه من رؤية مثالية للتاريخ أو حقبة منه على الأقل ويطالب بالرجوع إليه فهو ينضوي تحت سقف الحداثة هذه مجبراً ورغم رفضه لها لأنه يستخدم أدواتها المعرفية والتقنية ، وليس لديه أي أمل ممكن بتخطيها طالما أنه يعيش في عصرها ورهن شروطها . إنه يشبه مظلة صغيرة تحت السقف الكبير أو دائرة صغيرة تقع ضمن الدائرة الكبيرة ولا تشكل بالعلاقة معها وجه منافسة من المنظور المعرفي إلا من الوجه الإيديولوجي فقط . الفصام الثقافي الحاصل واقع على المستوى الإجتماعي وقبل أن يكون على المستوى المعرفي ، هناك مستويات للمعرفة لكنها كما أراها معرفة متضمنة داخل أخرى وليس متنافسة معها إلا على المستوى الفردي الشخصي لأفراد ومجموعات لم تحصل على نصيبها من الحداثة ولذلك فهي تشعر بالغبن والظلم والتفاوت وأنا لا أرى في ردات الفعل التي نرصدها إلا تعبيراً عن الوجه السلبي لهذه الحداثة التي همشت قطاعات هائلة من البشر والشعوب وليس في العالم الثالث وحده ، بل في أوروبا نفسها وأميركا لأنها تريد أن تستأثر لوحدها بكل مقدرات العلم والتكنولوجيا ، وبكل الثراء الإنساني .
 
علاقتنا اليوم بالماضي والتراث هي علاقة متفجرة لأننا لم ننجح بعد بالابتعاد عنه المسافة الكافية لفهمه وتأطيرة . إنها علاقة عاطفية تشبه علاقة المراهق بأمه وأبيه . هي علاقة انفعالية متوترة رافضة ومتشبثة بالوقت نفسه ، محبة ومتسلطة . هي علاقة لا واعية يلزمها التجربة والفهم ، لكنها ضرورية ولا بد منها لبناء شخصية سوية ، ليس الحل برفض الماضي ولا الاستغراق فيه ، الحل هو أن نحدد علاقتنا به بصفته جزء من شخصيتنا ، شئنا أم أبينا ، جزء حميم وعاطفي ومتجذر فينا حتى النخاع .
 
إن الإحساس بالشيء يكون عبر الغريزة والعاطفة وهي إحدى سبل المعرفة ، لكن الإمساك بالشيء لا يتم إلا عن طريق العقل . أميل إلى الاعتقاد بأن الانقسام الحاصل قد تجذر في ذواتنا حتى وصل إلى مستوى الفصل بين العقل والغريزة وهنا خطورته : فالغريزة التي هي شعور الإنسان بذاته السحيقة الممتدة عبر الزمن لا تقبل الجدل ولا المساومة ، هي غالب أو مغلوب ، وهي في حالة الهزيمة ، تنحو بنا إلى الموت . ومن هنا تأتي خطورتها عندما تضع لنفسها سقفاً وهمياً وأهدافاً غير واقعية ، ومن هنا أهمية أن تكون الذاكرة في منطقة الوعي والعقل .
 
 

19 - فبراير - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
 30  31  32  33  34