 | تعليقات | تاريخ النشر | مواضيع |  | من عمالقة كرة السلة.. كن أول من يقيّم
شكرا أ. ضياء . وإليك وإلى جواد هذه المشاركة / الهدية : كريم عبد الجبار.. المحلق دائما | | | |  | كريم عبد الجبار | حلق في سماء كرة السلة فكان الأفضل في تاريخ الدوري الأمريكي (NBA) مسجلا أكثر من 38 ألف نقطة، ومحرزا ألقابا وبطولات لم يحصل عليها أي لاعب في تاريخ لعبة السلة. وحلق أيضا في سماء الفن، سواء على مستوى التلفزيون أو السينما، وفي مقدمتها دوره المشهور في فيلم لعبة الموت مع "بروس لي" ليظل اسمه مرتبطا مع أسطورة السينما والكونغ فو في مشهد يحرص على مشاهدته معظم الشباب حتى اليوم. ولم يكتف بالتحليق رياضيا وممثلا بل حلق كذلك في سماء الكتب فتصدرت كتبه المبيعات لتشهد له على موهبة نادرة ورغبة حقيقية في الإبداع.. ولكن البطولة الحقيقية كانت كامنة في سجله النظيف الخالي من أي شائبة، أو سلوك أخلاقي غير محمود، عبر تاريخ طويل من الشهرة والثراء والقوة.. ليبقى كريم عبد الجبار المحلق دائما. من هو كريم عبد الجبار? في (25 من جمادى الأولى 1366هـ = 16 إبريل عام 1947م) ولد فرديناند لويس أركندور (Ferdinand Lewis Alcindor) بمدينة نيويورك، طفلا وحيدا لأسرة مسيحية. انضم إلى مدرسة هارلم (Harlem school)، حيث كان الأكثر طولا والأكثر انطواء والأفضل في فريق كرة السلة حتى يوم تخرجه في جامعة أوكلا (UCLA) التي كان يلعب بفريقها. وفي أثناء المرحلة الدراسية كان قد تم اختياره كأفضل لاعب سلة في دوري المدارس عام 1967، ثم عام 1969؛ لتأتي بدايته القوية في عالم السلة عندما تم اختياره من قبل فريق ميللوكي باكس (Milwaukee Bucks)؛ ليترك تمثيل جامعة أوكلا في دوري الجامعات وينضم لمقارعة كبار اللعبة ليساهم بشكل أساسي في قيادة فريق ميللوكي إلى نهائي عام 1974 وعام 1975. ومن فريق ميللوكي باكس انتقل إلى فريق لوس أنجلوس ليكرز (Los Angeles Lakers) الذي حقق معه أفضل إنجازاته، حيث أحرز مع ليكرز لقب الـNBA خمس مرات، واختير 19 مرة ضمن فريق "كل النجوم"، وأحرز لقب أفضل لاعب في الـNBA ست مرات، وتوج إنجازاته باختياره ضمن فريق أفضل لاعبي الـNBA منذ بداية البطولة، ثم اعتزل اللعبة عام 1989، وهو في الثانية والأربعين من العمر؛ ليتم تعيينه مدربا مساعدا لنادي لوس أنجلوس ليكرز ضمن الدوري الأمريكي للمحترفين. قصة إسلامه  | كريم عبد الجبار | قبل بداية موسم 1972 لكرة السلة أسلم فرديناند لويس أركندور، واتخذ اسمه الجديد كريم عبد الجبار وهم اسم يعكس النبل والقوة، وهو ما يميزه بالفعل، حيث ظل الأفضل بلا نظير سواء في عالم السلة أو غيرها. وكانت بدايته مع الإسلام من خلال الداعية حماس عبد الخليص (Hammas Abdul Khaalis) الذي كان له نشاط دعوي للإسلام في واشنطن، وهو الذي سماه عبد الكريم، ثم تغير الاسم إلى عبد الكريم الجبار. وبعد الإسلام والنطق بالشهادة بدأ في تعلم العربية وسافر إلى العديد من الدول العربية، منها ليبيا والسعودية؛ ليتقن اللغة العربية ويتعلم الإسلام في أرضه. وتغيير الاسم له معنى كبير عند عبد الكريم، فالمسألة ليست مجرد تغيير من اسم عُرف به عندما كان ينتمي إلى أسرة غير مسلمة إلى اسم جديد بعد الإسلام؛ فعبد الكريم ينتمي إلى الأمريكان الأفارقة الذين كانوا عبيدا في العصور القديمة، وكان الاسم الذي يحمله وهو فرديناند (Ferdinand) يُطلق على العبيد قديما؛ لذا عندما أسلم وأراد تغيير الاسم كان من المقصود أن يغيره إلى اسم يحمل معنى العزة والكرامة والنبل؛ لذا جاء اسم كريم، ثم جاءت عبد الجبار لتحمل معنى القوة المتمثلة في العبودية لله الجبار، وما تحمله تلك العبودية للجبار من شرف، في مقابل ما يحمله اسمه القديم من مذلة ومهانة وتاريخ من استعباد البشر للأفارقة السود، فالأمر لم يكن تغييرا في الاسم، بل كانت نقلة من العبودية إلى الحرية، وتمثل ذلك من اسم يُطلق على العبيد إلى اسم يحمل معنى العزة والقوة. سر الرقم 33 وفي رحلته الاحترافية بكرة السلة ظل الرقم 33 يلازم كريم عبد الجبار على مدار 20 عاما في عالم كرة السلة الأمريكية، والسبب وراء ذلك كان ميل تريبلت (Mel Triplett) لاعب كرة القدم الأمريكية -المعروفة باسم (soccer)- بفريق نيويورك (New York football Giants)، حيث كان البطل الذي أحبه كريم عبد الجبار وكان القدوة بالنسبة له والذي كان يرتدي فانلة تحمل هذا الرقم؛ لذا عندما جاءت الفرصة له للاشتراك في عالم اللعبة اتخذ من الفانلة رقم 33 زيا له مثل نجمه المحبوب، وظل الرقم 33 ملازما له حتى اعتزاله عام 1989، وانتقاله إلى عالم التدريب ليبدأ رحلة جديدة مع عالم السلة كمدرب هذه المرة. الأفضل محترفا ويعتبر عبد الكريم الأفضل في تاريخ الدوري الأمريكي للمحترفين، حيث لعب 20 موسما أحرز خلالها بطولة الولايات المتحدة ست مرات منها خمس مرات في صفوف ليكرز في الثمانينيات، واختير أفضل لاعب في الدوري المحلي ست مرات، إلى جانب العديد من الإنجازات والألقاب التي يمكن الاطلاع عليها بالتفصيل من خلال هذا الموقع (السيرة الذاتية لكريم عبد الجبار). وعندما اعتزل لم يحقق أي لاعب إنجازات مشابهة في الدوري الأمريكي مثلما فعل كريم سواء في خطوط الدفاع أو الهجوم، ولم ينل أحد ما ناله من جوائز التقدير التي يحلم بها أي لاعب في الدوري الأمريكي لكرة السلة سواء على مستوى التقدير الشخصي أو البطولات والإنجازات الرياضية. في عالم السينما  | مع بروس لي في فيلم لعبة الموت | القوة البدنية وحدها لا تكفي لصناعة بطل مثل كريم في عالم السلة، والطول وحده لا يكفي لأن يجعل لاعب كرة السلة يصل إلى ما حققه كريم عبد الجبار رغم طوله البالغ مترين و18 سم، فهناك الكثير من الأسباب التي تكمل معادلة نجم كرة السلة، ومن أهمها الأخلاق الرياضية التي كانت الإنجاز الأبرز لكريم عبد الجبار. وعلى الطريق لصناعة البطل اهتم كريم بتحسين لياقته البدنية؛ لذا مارس الجيت كوندو (فن قتال الشارع) مع النجم المشهور بروس لي، وهذا بدوره قاده إلى تمثيل دوره المعروف له في فيلم لعبة الموت. وبسؤاله عن تجربته المثيرة في لعبة الموت مع بروس لي والذي تم عرضه في قاعات السينما عام 1978 بعد وفاته بخمس سنوات تقريبا يقول كريم: بروس لي كان الرياضي البارز في عالم السينما وهو معروف بحركاته وبنيته، ويعتبر الأفضل في عالم الكونغ فو مثل مايكل جوردن (Michael Jordan) في عالم السلة، وويلي مايز (Willie Mays) في عالم البيسبول، وأمثال هؤلاء الأبطال يكونون مصدر إلهام لمواصلة التدريب والسعي لتكون الأفضل دائما. ولكن لعبة الموت لم يكن الفيلم الوحيد لكريم عبد الجبار فله مشاركات كثيرة في التلفزيون إلى جانب دوره في الفيلم الكوميدي (Air plane) مع النجم روبرت هايز (Robert Hays)، إلا أن لقاءه مع بروس لي في لعبة الموت يعتبر الأكثر شهرة، ورغم أن بروس لي قتل كريم في هذا الفيلم فإن كريم هو الذي شارك في مراسم جنازة بروس لي في عالم الواقع. في عالم الكتابة  | غلاف كتاب إخوة السلاح | في عالم الكتابة نجح كريم في نشر كتابه "إخوة في الجيش" (Brothers In Arms) والذي يتحدث عن الحرب العالمية الثانية ومشاركة الأمريكان الأفارقة في تلك الحرب، وحقق الكتاب أعلى المبيعات، ولكنه لم يكن الكتاب الوحيد فقد قام بنشر عدة كتب والتي منها خطوات عملاقة مع بيتر كنوبلر(Giant Steps with Peter Knobler) عام 1987 وكريم (Kareem) في عام 1990. كريم الآن كريم أب لثلاثة أولاد وبنتين، وحاليا يحلق في عالم التدريب لكرة السلة وكان آخر فريق يدربه هو فريق الشيساي للمدارس الثانوية (Alchesay High School). ورغم ابتعاده حاليا عن الأضواء سواء في الرياضة أو السينما أو الكتب فإنه سيظل محلقا كعادته، وسيتذكره الجميع بقفزاته الأسطورية وأعماله الفنية في التلفزيون والسينما، وبحياته المليئة بالقوة والثراء والشهرة، وبسجله الأخلاقي النظيف الذي سيظل يشهد له على أنه كان الأفضل دائما. اقرأ أيضا: | | 3 - مايو - 2007 | اقتباسات واستضافات لأصوات من العالم.. |  | الضرورات الخمس.. كن أول من يقيّم
من أجل ثقافة السلام ... سأنطلق في هذه المقاربة الأولية الهادفة إلى رسم معالم القيم المشتركة بين الأديان السماوية الثلاثة والتي من شأنها أن تساهم في إرساء ثقافة السلام في عالمنا المعاصر الذي يواجه الإنسان فيه تحديات شتى، سأنطلق من قضية أصولية، قضية تنتمي إلى علم أصول الدين في الإسلام: علم التوحيد أو أصول العقيدة. يتعلق الأمر بالبحث في مقصد الشرع من إرسال الرسل إلى الناس، والحال أن الله غني عن العالمين. وبما أن الأمر يتعلق برسل وأنبياء تعاقبوا منذ آدم، وليس برسول واحد، وبما أن الإسلام يدعو إلى الإيمان بجميع الرسل والأنبياء فقد عمد علماء أصول الدين في الإسلام إلى التماس الجواب لا من الدين الإسلامي وحده بل من جميع الأديان السماوية. وهكذا قاموا باستقراء الغايات والأهداف والمقاصد التي تشترك فيها الأديان السماوية والتي تبرر بعثة الرسل، فوجدوها ترجع إلى مبدأ واحد، وهو أن جميع الديانات السماوية إنما تهدف من وراء مختلف تعاليمها، أوامرها ونواهيها، إلى شيء واحد، هو مصلحة الناس، مصلحة البشرية كلها. ومن هنا برز الجواب عن السؤال الذي طرحوه: لماذا بعث الله الرسل? بعثهم من أجل أن يبينوا للناس منافعهم في الدنيا والآخرة. هذا الجواب يطرح سؤالا آخر هو الذي سينطلق بنا مباشرة إلى موضوعنا. هذا السؤال هو: إذا كانت الديانات السماوية إنما جاءت لتقرير مصالح الناس، فما هي المصالح التي تشترك الديانات السماوية في تقريرها والدعوة إلى الحفاظ عليها. قام علماء أصول الدين إذن باستقراء المصالح التي تشترك الأديان الثلاثة في تقريرها فوجدوها ثلاثة أصناف: 1 - مصالح ضرورية لوجود الإنسان المادي والمعنوي وسموها الضروريات: ضروريات الحياة. 2 - مصالح يحتاج إليها الإنسان لاستقامة حياته ماديا ومعنويا وسموها الحاجيات. 3 - مصالح ترتقي بحياة الإنسان نحو مزيد من السعة والفضل والتحلي بكل ما هو مفيد وحسن، وسموها التحسينات. هناك فروق واختلافات بين الأديان الثلاثة في تقرير الحاجيات والتحسينات، ولكنها تتفق كلها في تقرير الضروريات، وهذا ما سنركز عليه هنا. وهذه الضروريات خمس وهي: حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ النسل، حفظ المال، حفظ الدين. وعليها تبني الحاجيات والتحسينات والتكميليات. أعتقد أن من جملة الموضوعات التي يمكن أن يهتم بها الحوار بين الديانات السماوية الثلاث من أجل بناء تصور مشترك لثقافة السلام موضوع الضرورات الخمس المذكورة. ذلك لأن هذه الضرورات، أعني حفظ النفس والعقل والنسل والمال والدين هي أساس كل سلام وبدونها لا يتحقق السلام، لا السلام مع النفس ولا السلام مع الجار ولا السلام بين الأمم. وفي هذا الصدد أرى أنه بالإمكان تأسيس رؤية جديدة سلمية وسليمة للمشاكل والتحديات التي يواجهها الضمير الديني والأخلاقي في عصرنا، وذلك بالارتكاز على هذه الضرورات الخمس. وفيما يلي أمثلة: 1 - ففي مجال حفظ النفس يمكن بناء تصور جديد لمفهوم "الحفظ" يستجيب لمتطلبات عصرنا. إن الأصل في مفهوم "حفظ النفس" هو كف الأذى عنها مهما كان نوعه، والإذاية التي تلحق النفس البشرية تمتد على مسافة واسعة، لا نهائية الصغر ولا نهائية الكبر معا: من الخبر المشؤوم والمنظر القبيح والكلمة غير الطيبة والتمييز بجميع أشكاله، العرقي والديني والاجتماعي والاقتصادي والحقوقي الخ… إلى التعذيب والقتل الفردي والإفناء الجماعي الخ… لقد شرع الله في الديانات الثلاث أن النفس بالنفس، ولكن ليس انتقاما ولا ثأرا، بل كبحا للميول العدوانية وردعا لها. فليس القصد الإلهي من "النفس بالنفس" أن القاتل يجب أن يقتل انتقاما أو ثأرا، بل إن القصد الإلهي أسمى من ذلك. إنه تنبيه للناس إلى أن الذي يقتل غيره أو يهم بقتله هو كمن يقتل نفسه أو يهم بقتلها. ولذلك قرر الشرع "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ" (النساء: 92). يدور الحديث اليوم حول "أسلحة الدمار الشامل". ولكن ما هو "الدمار الشامل"? هل هو الذي تقوم به القنبلة الذرية وحدها كتلك التي ألقيت على هيروشيما ونكازاكي مثلا، أم أنه القتل الجماعي سواء كان بقنبلة تلقى باليد أو تطلق من الطائرة أو من الصواريخ الموجهة البعيدة المدى التي تقلق من البواخر الحربية أو كان بالغاز أو بالجراثيم الخ… إن حفظ النفس يجب أن يشمل ليس فقط نفس الفرد البشري من القتل الذي من هذا النوع الفردي والجماعي بل يجب أن يشمل كذلك، في نظرنا، توقيف العمل بعقوبة الإعدام، وهي عقوبة صار من الممكن الآن أداء القصد منها بالسجن المؤبد. فالسجن المؤبد لم يكن ممكنا في الأزمنة القديمة ولا في جميع المجتمعات، لأنه يتطلب وجود دولة تتصف بالاستمرارية في مؤسساتها وقوانينها مما يجعل من عقوبة السجن المؤبد حكما بالإعدام مؤجل التنفيذ إلى حين حلول الأجل المحتوم. ويجب أن يشمل مفهوم حفظ النفس ليس فقط نفس الفرد البشري الواحد، بل أيضا نفوس الجماعات والشعوب والأمم. ومن هنا ضرورة منع الأسلحة التي تؤدي إلى القتل الجماعي مهما كان مستواها ونوعها. باختصار تقرر الديانات السماوية الثلاث أن "الله خلق الإنسان على صورته". وحفظ النفس يجب أن يرقى إلى مستوى حفظ صورة الله، حفظها في الأفراد والجماعات والشعوب والأمم. 2 - هذا النوع من الفهم لـ"حفظ النفس" يتطلب عقلا سليما، عقلا يعقل، يكبح ويحبس، الميول العدوانية في الناس مهما كان نوعها. ومن هنا ضرورة بناء فهم جديد لـ"حفظ العقل". العقل في أصل معناه هو القدرة التي تمكن الإنسان من التمييز بين الأشياء، بين الخير والشر، بين الحسن والقبح، بين الصواب والخطأ. وكلمة "عقل" في اللغة العربية، كما في لغات أخرى، تفيد الكبح والتقييد، وعندما يوصف بها الإنسان فالمعنى ينصرف إلى أنه قوة كابحة للميول العدوانية مقيدة للشهوات الخ… بعبارة قصيرة العقل معيار يمكن الإنسان من التمييز بين الصواب والخطأ على صعيد المعرفة، وبين الخير والشر على صعيد الأخلاق، وبين الحسن والقبح على صعيد الفن والجمال. ومن خلال التمييز بين الصدق والكذب أو الصواب والخطأ، وبين الخير والشر، وبين الحسن والقبح تبرز وظيفة أخرى للعقل تأتي في الحقيقة كنتيجة، وظيفة التمييز بين النافع وغير النافع، بين المفيد وغير المفيد، بين ما يؤدي إلى النجاح وبين ما ينتهي إلى غير نجاح. وهكذا فالنافع في الأصل هو المبني على الصواب والصحة والخير والحسن. وغير النافع هو المبني على عكس هذه. ذلك هو العقل المعياري، العقل كما يذكره الدين ويمجده وتتحدث عنه الأخلاق وتشيد به، وهو الذي كانت له القيمة الأسمى في العصور الماضية. أما اليوم فنحن نشاهد العقل يتحول من معيار منطقي وأخلاقي إلى مجرد أداة حتى أصبح يوصف بالعقل الأداتي: مهمته تحقيق النجاح بدون اعتبار لأي شيء آخر، فأصبح النافع هو الحق وليس العكس. وبعبارة أخرى تعرفون مرجعيتها الفلسفية: العقل الأداتي هو العقل الذي يربط الحق والخير والحسن بالمنفعة والنجاح، شعاره كل ما يحقق النجاح فهو حق وصواب وجميل. ومن الطبيعي أن ينساق هذا "العقل الأداتي" مع شعار "الغاية تبرر الوسيلة". حفظ العقل عملية يجب أن ترمي إلى إعادة الاعتبار للعقل المعياري الذي شعاره: الحق هو النافع وليس العكس. الإنسان حيوان عاقل، بالعقل ينفصل عن الحيوان، ولكن في أي مجال? هل في مجال العمليات الحسابية الراقية وحدها التي يعجز الحيوان عن القيام بها، وقد أصبح الحاسوب يقوم بها? هل في المهارات اليدوية التي تبتدئ من الأكل باليد والفرشاة بدل تناول الطعام بالفم كما يفعل الحيوان? الروبوات تفعل ذلك وأكثر. 3 - أعتقد أن أول واقعة سلوكية يتحقق بها انفصال الإنسان عن الحيوان هي الواقعة الطبيعية الأولى المعبر عنها بـ"حفظ النسل". الإنسان وحده يميز بين أولاده وإخوته وآبائه وبين غيرهم. الإنسان وحده يقال عنه إنه ابن فلان. إذن يمكن القول: الإنسان حيوان له نسب. أجل على الإنسان وحده تصدق العبارة التالية "النسب" "الأرحام" "الوالدين" "الحفدة" الخ… والإنسان وحده يبني لنفسه "مدينة" فهو حيوان مدني، اجتماعي، سياسي. كل ذلك يدخل في مجال الضرورة الثالثة ضرورة "حفظ النسل". ولكي ندرك أهمية هذه الضرورة في عالمنا المعاصر قد يكفي أن نتصور ما أصبح بإمكان التقدم العلمي القيام به في مجال البيولوجيا والطب، من أطفال الأنابيب إلى التدخل في الهندسة الوراثية إلى ما يعرف اليوم بالاستنساخ. ومنذ سنين ارتفعت أصوات بضرورة وضع أخلاقيات للبيولوجيا والطب، وأعتقد أن ضرورة "حفظ النسل" تتطلب فعلا وضع أخلاقيات في هذا المجال مجال حفظ النسل. 4 - حفظ المال، والمقصود: الخيرات المادية بمختلف أنواعها والتي هي ضرورية لحياة الإنسان. وحفظها يعني حمايتها من الضياع والتبذير والاحتكار وسوء الاستعمال الخ.. لقد سنت الديانات السماوية قوانين لذلك بعضها على سبيل الأمر الملزم، وبعضها على سبيل الحث والندب والترغيب. ومعلوم أن الديانات السماوية تقرر أن المال مال الله، باعتبار أنه وحده خالق كل شيء ومالك كل شيء. وغني عن البيان القول إن الحث على التوزيع العادل للثروة أمر تشترك فيه الديانات السماوية، وقد شرعت لتطبيقه بأساليب متنوعة ومرنة بحيث يمكن تطبيقها في كل عصر حسب معطياته الخاصة. وما يتحدى عصرنا اليوم، على صعيد المال والاقتصاد، هو هذه الظاهرة التي يكثر عنها الكلام الآن، ظاهرة العولمة. العولمة ظاهرة حضارية جديدة، وهي كجميع الظواهر الحضارية لها إيجابيات ولها سلبيات. وأخطر سلبياتها في نظرنا هو ذلك المبدأ الاقتصادي الذي تقوم عليه والذي يتلخص في الشعار التالي: "أكثر ما يمكن من الربح بأقل ما يمكن من العمال". ومن هنا ظاهرتان خطيرتان: "تسريح العمال وانتشار البطالة من جهة، وتشغيل الأطفال والنساء" بأقل أجر من جهة أخرى. يمكن القول بصفة عامة إن اقتصاد العولمة يتجاهل الأخلاق إن لم يكن يتنكر لها. لقد ظهر ذلك واضحا في المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية الذي انعقد بسنغافورة في ديسمبر 1996، حيث رفضت معظم الوفود مناقشة قضية تشغيل 250 مليون طفل في العالم، أغلبهم بين السادسة والرابعة عشرة من أعمارهم. وقد انتهت المناقشات في هذا الموضوع بالمناداة بضرورة "الفصل بين التجارة والسوق، وبين معايير العمل والقيم الثقافية والاجتماعية". نحن إذن أمام تنكر صريح للجانب الأخلاقي وللتعاليم الدينية، في ميدان العولمة الاقتصادية. يجب إذن "حافظ المال" والاقتصاد من هذا الاتجاه الخطير الذي يكرس مبدأ المال من أجل المال. ومن هنا ضرورة التفكير في صياغة أخلاق للعولمة يطلب لها الإلزام من ثقافة السلام. 5 ـ حفظ الدين: وحفظ الدين من منظور ثقافة السلام يقتضي أولا وقبل كل شيء حفظ المنطلق الذي انطلقنا منه: أعني كون الديانات السماوية إنما تقصد إلى مصلحة الناس. ومن هنا يكون حفظ الدين معناه حفظ الضرورات الأربع السابقة: حفظ النفس والعقل والنسل والمال. وهكذا فإذا كنا قد وضعنا حفظ الدين في المرتبة الخامسة فمن أجل أن نجعل من الضرورات الأربع الأولى موضوعا له، وهل يهدف حفظ الدين إلى شيء آخر غير حفظ النفس والعقل والمال والنسل وما تفرع عن ذلك? ولكي يقوم الدين بوظيفته هذه يجب حفظه من داء الغلو والتطرف: التطرف في الدين يلغي وظيفة الدين التي هي حفظ المصالح ويجر إلى توظيفه في غير ما وضع له، بل إلى استعماله ضد النفس والعقل والنسل والمال. تلك في نظرنا هي القيم الأساسية المشتركة بين الديانات السماوية الثلاثة والتي يمكن انطلاقا منها تشييد ثقافة للسلام، تضمن السلام للإنسان مع نفسه ومع نسله وجيرانه، وتضمن للشعوب والأمم السلام والعيش المشترك في إطار من التعاون والتضامن. وأخيرا، دعوني أؤكد: ثقافة السلام هي، أولا وقبل كل شيء، ثقافة للسلام مع الله، وبالتالي فهي ثقافة للسلام مع خلقه، أفرادا وجماعات، ثقافة ضد التطرف سواء بدافع القوة الغاشمة، قوة السلاح وأساليب الهيمنة، أو باسم الدين، أعني ادعاء احتكار حقيقته". انتهى **من حوار للجابري مع جريدة الأيام . | 5 - مايو - 2007 | فلسفة القصاص |  | ***** *****     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
* تأبطنا ألواننا هذا الصباح (أنا وندى) .. تفيأنا ظلالها الربيعية..فكانت هاتان البطاقتان .. مع كامل المودة والمحبة .  *عبد الحفيظ . *ندى . * ملاحظة : تصر ندى على أن بطاقتها هي الأفضل !!!!!!!! هل هذا صحيح ? | 6 - مايو - 2007 | فلسفة القصاص |  | القضاء المغربي بصيغة المؤنث .. كن أول من يقيّم
: القاضيات المغربيات•• القضاء على الأبارتايد العربي! قبل أزيد من أربعين سنة، كان القضاء المغربي شأنا ذكوريا، حيث ظلت المرأة المتطلعة إلى هذا المنصب رهينة الفتاوى الشرعية والسعي المزعج بين الحلال والحرام ومايجوز وما لا يجوز• ولم تكن المرأة المغربية استثناء، فالإعاقة في ذلك الوقت كانت تنسحب على الفضاء العربي برمته، وكان السجال على أشده بين ثقافة التجديد التي كان ينادي بها الفقهاء المتنورون وثقافة الانغلاق التي كان يمثلها المحافظون أصحاب المرجعية النصية المكتفية بذاتها• وحسب تقرير في الموضوع، فإن الكفة كانت تميل (غالبا) نحو المحافظين الذين يشهرون النص الديني وأقوال السلف وفتاوى الشيوخ (العلماء) لدحض أي تطلع للمرأة لمنافسة الرجل على منصب القضاء• وظل الأمر على ما هو عليه إلى أن أُبطل السحر، واستطاعت- بعد صبر وإصرار- أن تنتزع صفة قاضية• وقد استطاعت المرأة أن تتبوأ هذا المنصب في عدد من الدول العربية مثل المغرب والجزائر والأردن ولبنان وفلسطين والسودان وسورية وتونس ومصر واليمن، لكن بنسب مختلفة• ففي المغرب، بلغت النسبة 20 في المائة من القضاة، بينما بلغت في تونس 33 في المائة• ولا تتجاوز في اليمن 14 في المائة• أما التجربة المصرية، فما زالت تعيش مرحلة البدايات، خاصة مع تعيين 30 أمرأة مصرية مؤخرا في سلك القضاء• ولم تتمكن أول قاضية في العراق (نضال ناصر جريو ) من تسلم منصبها حتى الآن لاشتداد الطوق الرجعي المتخلف الذي يقول باحتكار الرجل لـالاجتهاد، وهو الشرط الذي لا يمكن تولي القضاء بدونه• وتشير الأرقام في العالم العربي إلى أن عدد القاضيات لا يتعدى 15 في المائة• وبينما يرى باحثون جامعيون (وهذا ما نقلته أشغال مائدة مستديرة حول إصلاح القضاء نظمها منتدى المواطنة في مستهل الشهر الماضي بالدار البيضاء) أن المرأة المغربية مازالت تتعرض للتمييز والاستثناء من بعض المناصب القضائية الحساسة (أو الكبرى)، يرى آخرون- وهم نشطاء حقوقيون أو محامون- أن العكس هو الصحيح وأن التجربة المغربية رائدة في هذا المجال، وذلك باعتراف من المراصد العربية• وأشار المتحاورون (خالد السفياني- البقالي- جلال الطاهر••إلخ) بقوة إلى الندوة المغربية- المصرية التي احتضنتها القاهرة، حيث أفادت التقارير التي تم اختيارها لتقديم التجربة المغربية أن المرأة تحتل الآن في 20 في المائة من مناصب المسؤولية في الميدان القضائي، وأن 590 إمرأة تعمل حاليا في السلك القضائي في المغرب، أي ما يمثل 19 في المائة من العدد الإجمالي للقضاة الذين يمارسون في مختلف المحاكم وعلى مختلف المستويات (3114 قاضيا وقاضية)• هذا ما أكدته فاطمة الحلاق، الوكيل العام الأول لدى المجلس الأعلى للقضاء في عرضها الذي قدمته بالقاهرة- حسب ما أوردته (إيلاف)• وأضافت أن التزايد الملحوظ في عدد النساء المنتميات إلى الأسلاك القضائية باختلاف درجاتها في المغرب انعكس بشكل إيجابي على النظام القضائي المغربي، وعلى احترام حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل• وأبرزت أن عدد النساء في المجلس الأعلى، الذي توجد فيه سبع رئيسات غرف ومحامية عامة أولى واحدة و32 مستشارة وثلاث محاميات عامات، تمثل 22 في المئة من مجموع المستشارين في المجلس وبخصوص توزيع المستشارات على غرف المجلس، ذكرت أن المرأة تحتل المرتبة الأولى في الغرفة الجنائية بنسبة 44.17 في المائة، تليها الغرفة التجارية بنسبة 26.10 في المئة، ثم الغرفة المدنية بنسبة 15.6 في المائة والغرفة الإدارية وغرفة الأحوال الشخصية والغرفة الإجتماعية بنسبة 5.2 في المائة• وتعمل في الهيئة القضائية في المحاكم الإبتدائية، حسب الأرقام المقدمة، 387 سيدة، كنائبات للرئيس أو لوكلاء الملك أو في الإدارة المركزية لوزارة العدل أو ملحقات بإدارات أخرى• وإذا كانت المرأة في المغرب أو تونس (التي يفضل فيها المتقاضون أن تفصل في قضاياهم امرأة!) تعتلي منصة القاضي بدون مشاكل أو احتجاج، فإنها في دول أخرى مثل مصر تعيش في نقطة ساخنة• ذلك أن صوت المحافظين الذي ارتفع يرتاب في قدرتها على الفصل والحسم في بعض القضايا الدقيقة والملتبسة... |
*http://www.alittihad.press.ma/affdetail.asp?codelangue=6&info=52584 | 9 - مايو - 2007 | نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0 |  | أطروحة..     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
أو دعوى كلدتسيهر بناصر البعزاتي
للمستشرق الهنغاري اِ�ناتْسْ �ُلدْتْسيهِر ((1850-1921 تصوّرٌ عن وضع العلوم العقلية القديمة (أو علوم الأوائل أو علوم القدماء) في أحضان الثقافة الإسلامية مشهورٌ، مؤداه أنّ هذه العلوم بِقدر ما أقبل عليها بعضُ المسلمين منذ منتصف القرن الثاني للهجرة، عارضها بعضُ المسلمين الآخرين، من منطلق فقهي متزمّت أو ديني منغلق• فيسمّي �ُلدْتْسيهِر هذه الجموع من الفقهاء المناوئين للعلوم العقلية بالأرتودكسية أو فقهاء السنّة المتشددين• سافر �لدتسيهر في بعض مناطق الشرق الأوسط، وزار بعض المراكز الإسلامية والعلمية بالشام ومصر، مثل الأزهر، وحضر دروساً دينية وعاشر مسلمين عن قرب، ملاحظاً تنوّع الرؤى• ثم ألّف في صُلب الإسلاميات (الحديث والفقه والتفسير) ومكوّنات الفضاء الثقافي الإسلامي عامّة، مبرزاً اختلاف التيارات والتأويلات، سواء في التفسير أو الحديث أو الفقه• لكن تصوّره بخصوص مكانة العلوم العقلية التي تَعرّف عليها المسلمون، وهي ذات جذور في الحضارات غير العربية السابقة عن الإسلام، وموقف المتزمّتين منها، ضمّنه محاضرة ألقاها يوم 11 نونبر 1915 في نطاق جلسة من جلسات القسم الفلسفي التاريخي للأكاديمية الملكية البروسية للعلوم؛ وقدّمت المحاضرة للطبع في نفس اليوم، وصدرت منشورة يوم 21 فبراير 1916 ببرلين• والمقالة بعنوان: موقف الأرتودكسية الإسلامية القديمة [أو الأولى أو السابقة] من العلوم القديمة•1 والعالِم الدارس �ُلدتسيهر يحظى بمكانة محترمة في الأوساط الأكاديمية كافّة، لِما يتمتع به من حسّ تحليلي مدقِّق للمعاني• إذ كتب عنه المرحوم بدوي مثلاً: وكان سيّدَ الباحثين فيه الإسلام من الناحية الدينية خاصة، والروحية عامة، اجنتس جولدتسيهر 2. ثم كتب: ومِن مكتبه في مدينة بودابست ظل جولدتسيهر أكثر من ربع قرن شمساً ساطعة استمرّت تُرسل في عالَم البحوث الإسلامية ضوءاً يبدّد قليلاً قليلاً ما يحيط بنواحي الحياة الدينية الإسلامية مِن ظلام، ويُنير السبيلَ أمام الباحثين في الوثائق التي سجّلت فيها تلك الحياة [...] 3. ويشيد بدوي بنظرة هذا المستشرق التحليلية النقدية الكاشفة عن التيارات المتنوعة المتفاعلة في نسيج الثقافة الإسلامية، دون أن تبتعد عن النصوص الأصيلة؛ فيقول: وهذه النظرة إلى النصوص والوثائق [...] جعلتْه ينظر إلى المذاهب والنظريات والآراء نظرة زمانية لا نظرة مكانية، نظرة حركية لا نظرة سكونية، نظرة تاريخية لا نظرة مذهبية4. ثم كتب بدوي في سياق آخر: ولا عجب فإن جولدتسيهر أعظم مَن بحَث في المذاهب الإسلامية في الكلام والتفسير والحديث، من بين المستشرقين جميعاً؛ ولعله أن يكون أقدرَ باحث استطاع أن ينفُذ إلى طبيعة الحياة الدينية في الإسلام، وأن يحلل تياراتها ويكشف عن جوهرها، والعوامل المؤثرة فيها والتأثرات التي خضعت لها 5. وفي حديثه عن مؤلفات �ُلدتسيهر، يصفها بدوي بالروعة والعظمة والشمولية والتصوير الرائع؛ ويقول عنه أنه كان في كل خطوة يخطوها يتّكئ على النصوص ويعتمد عليها كل الاعتماد، وكان يسُوق الشواهد العديدة تأييداً لأقواله وتأكيداته 6. فقد ظل العالِم المجري بعيداً - نسبياً - عن مجرى الأحداث اليومية في زمانه، وانكبّ على النصوص الأصلية بلغاتها المختلفة• وبالطبع، ففي الإنسانيات والاجتماعيات والتاريخيات لا توجد أحكام نهائية؛ بل حتى في العلوم الصلبة، لا حكم نهائي• إذ لا مفرّ من أن تكون تفاصيل التصورات موضوع أخذ وردّ؛ لكن سيرورة التنقيب والتدليل والاعتراض في العلم تؤدي إلى التدقيق والفهم الأفضل على الدوام• ما معنى الأرتودكسية ? لا تشكّل المذاهب الفقهية الإسلامية كيانات منسجمة تمام الانسجام• فالمالكية أساليب متنوعة، بحسب المزاج ومستوى التكوين والولاء والموقع الاجتماعي لكل فقيه• والشافعية أساليب أيضاً، وكذا الشأن بالنسبة للحنبلية وللحنفية، إذ تتخللهما اجتهادات شخصية؛ حيث تتنوع النوازل والحالات، وتؤثّر الطموحات في توجيه الأحكام• ولكن، قد يظهر فقيه في فترة تاريخية ما، فيحاول إحياء المذهب الفقهي الطبري أو المذهب الأوزاعي أو المذهب الظاهري، استجابة لمتطلبات معيّنة؛ وقد يحاول آخر الدمج بين المذهبين الشافعي والظاهري ••• وهذا في نطاق ما نسميه بالمذاهب السنيّة، دون إغفال وجود تيارات فقهية شيعية، متشعبة هي أيضاً• والمذهب الفقهي الحنفي قد يمتزج مع جوانب من الفقه الشيعي (غير المُغالي) والكلام الاعتزالي• والمتكلم الأشعري قد يكون مالكياً أو شافعياً ••• لذا عادة ما يكون تبادل الفائدة بين الحنابلة والمالكية، وبين المالكية والشافعية، وأحياناً بين الشافعية والحنفية• لكن، يقف المذهبان الحنبلي والحنفي متباعدين، بدون تفاعل مثمر، بل يصطدمان، وأحياناً يتبادلان العنف المادي والرمزي• وهذا القول الموجز في حاجة إلى توسيع وتدقيق• فالمذهب المالكي، الذي قوي عودُه في بغداد من خلال مناظرات الباقلاني (توفي 403/1012) مع المعتزلة، وبعدها، أصبح يتناول مسائل تدليلية متطورة مثل الترجيح القائم على تصنيف الأدلة والحجج، عند منتصف القرن الخامس الهجري• والمالكية الذين انخرطوا في هذا الأسلوب وجدوا أنفسهم يمارسون علم الكلام (الأشعري)، وفي حوار تلقائي مع المذهب الفقهي الشافعي الذي بدأ بدوره ينظر في سبل الاستدلال العقلي في نفس الفترة التاريخية مع إمام الحرمين الجويني (توفي 478/1085)؛ في حين رفض جلّ المالكية بالغرب الإسلامي هذا الأسلوب البغدادي المنفتح من المالكية• وفي هذه السيرورة التناظرية الغنيّة، قد ينتقل المالكي إلى الشافعية أو العكس، أو ينتقل الحنبلي إلى الشافعية، أو يتخذ شافعيٌّ من أمرٍ ما موقفاً أقرب إلى مواقف الحنبلية• فالتّشدّد والتّزمّت والانفتاح منازل ومستويات، حسب مدى استيعاب المسائل النظرية والأمزجة والظرفيات المحلية والخارجية، وحسب موقع الفقهاء في المجتمع وعلاقتهم برجال الحكم، ومدى اعتبارهم للمصلحة الشخصية أو التزامهم المذهبي؛ ويرتبط كل هذا بمدى الرخاء المادي أو انتشار الفقر في المجتمع أو تعرّض لتهديد خارجي• إذن، الأرتودكسية موقف متشدد متزمّت، نسبة إلى مذهب أو علم أو تصوّر• فالحنبلي متشدد مقارنة مع الحنفي؛ والحنفي متزمّت مقارنة مع فيلسوف عالِم؛ وبعض الفلاسفة متحجّرون بالنظر إلى موقفهم من التجديد العلمي• والأرتودكسية إذن مفهوم مطّاط وتقريبي ونسبي، قد تتّسع سعتُه الدلالية أو تضيق حسب خصوصية المجال موضوع النظر وحسب حدّة التشدد في الموقف• ما العلوم العقلية ? لا تشكّل علوم الأوائل أو العلوم القديمة وحدة عضوية منسجمة تمام الانسجام، لأن المذاهب الفلسفية متعددة ومتنوعة ومتدافعة، بل متصارعة أحياناً• والعلوم مرتبطة بهذه المذاهب الفلسفية برباط تاريخي، لكن الرباط ليس لزومياً بين علمٍ ما ومذهب فلسفي محدد: إذ يمكن أن ينخرط عالِمان في نفس التقليد العلمي ويختلفان في جزئيات فلسفية• وإجمالاً، فإن الأفكار تتفاعل وتتدافع وتتحوّل عبر تنقّلها من نسيج ثقافي إلى آخر، تاريخياً وجغرافياً• فلا يمكن أن يكون عالِمُ الرياضيات عند بداية الحكم العباسي إلا تلميذاً لإنجازات اقليدس و/أو اَرخميدس وشرّاحهما، أو عليه أن يبدأ من أبجدية العلم؛ لكن قد يكون الرياضيُ أفلاطنياً أو أرسطياً أو رواقياً أو فيثاغورياً أو زرادشتياًً أو مسلماً أو مانوياً أو مسيحياً أو صابئياً •••، أو يمزج بين معتقد ديني ومذهب فلسفي• وعالِم المنطق في نفس الفترة قد يكون أرسطياً أو رواقياً أو جالينياً (نسبة إلى جالينُس)، أو يجمع ويؤلف بين هذا وذاك؛ ويمكن أن ينخرط في التقليد الهندي للمنطق الممتزج بفلسفة الصيرورة الأنطولجية؛ وقد يتمسك شخصٌ ما بفهم لغوي للمنطق كما لدى ابن السكيت• فالبيروني مثلاً تعمّق في الرياضيات، وأدار ظهره إلى المنطق والفلسفة المشائية؛ في حين أن الغزالي تحمّس للمنطق، وتحفّظ من التعمّق في الرياضيات، وتهجّم على الفلسفة• وهناك من أشار إلى الانفصال الممكن بين المنطق الصوري ووسيلته اللغوية وخلفيته الفلسفية• والانخراط في الفزياء (الفلسفة الطبيعية) يقتضي اطلاعاً على تصورات دمقريتس واَرسطو ويوحنا النحوي في باب العناصر والحركة• وقد عرف الفكر تنافساً بين تصوّري اَرسطو وفِلوبوُس، حيث موقف الفارابي قريب من موقف اَرسطو بينما موقف ابن سينا قريب من فِلوبونُس• هكذا تتطور التصورات في تفاعل وتنافس؛ ولا تساهم كل التصورات بنفس القدر في التجديد والنقد والبناء المعرفي• صلب دعوى �لدتسيهر• يرى الدارس المجري أن الفقهاء المتشددين اتخذوا مواقف مناوئة بإزاء العلوم العقلية، وعبّروا عن ذلك بأشكال متنوعة• فأحياناً يدعون إلى إحراق كتب العلوم والفلسفة والمنطق، وأحياناً يتّهمون المقبلين على قراءة تلك الكتب بالكفر أو الزندقة أو المروق، وأحياناً يصدرون أحكاماً وفتاوى بالسجن أو التعذيب أو النفي أو المنع من التدريس• وأغلب الأمثلة على تلك المواقف، يأتي بها �لدتسيهر من مواقف الفقهاء الحنابلة، وبعض المالكية والشافعية• ويتتبّع أحياناً تغيّر الموقف لدى بعضهم، مثل إسماعيل الأزجي (توفي 610/1213) الذي كان حنبلياً، ثم أقبل على قراءة علوم الأوائل، حيث برع فيها ودرّسها، فاتّهم في دينه• وأتى بمثال سيف الدين الآمدي (توفي 631/1233) الذي كان حنبلياً، ثم تحوّل إلى الشافعية، وأقبل على العلوم العقلية، فأدانه الحنابلة واضطهدوه وأباحوا دمه وهرب ••• ويأتي بأمثلة من مفكرين ضحايا التهم، مثل الكندي والسرخسي ••• ويأتي بنصوص من عند ابن الجوزي وابن الصلاح وابن تيمية والشاطبي والسيوطي تمنع النظر في العلوم العقلية، أو حتى قراءة كتبها• بل يمنع التشدّد أحياناً حتى من التعمّق في الدراسة اللغوية• ويأتي �ُلدتسيهر بأقوال معبّرة، مثل ما يروي أبو طالب المكي عن القاسم بن المخيمرة القائل: العربية أوّلها كبر وآخرها بغي• وقال بعض السلف: النحوُ يُذهِب الخشوعَ من القلب؛ وقال آخر: من أحبّ أن يزدري الناسَ كلّهم فليتعلم العربية• ومعنى هذا أن بعض الفقهاء كانوا ينهون عن التحليل النحوي والصوتي للغة، لأن التحليل قد يؤدي إلى بحث فيلولُجي وتاريخي ودراسة تفاعلية مقارنة للغات ••• كما كانت تنتشر تُهم ضد النحو بذريعة أن النحو يؤدي إلى الزيغ أو الحمق• وكان يقال إن أغلب النحاة يميلون إلى التشيّع لعلي بن أبي طالب ••• وعلّق �ُلدتسيهر: ويرتبط أو ينسجم هذا جيّداً بكوْن الرواية المألوفة في أمر بداية النحو العربي كانت تميل إلى شيعة علي 7. وبالطبع، ليس تشدّدُ الفقهاء بالضرورة على وتيرة ثابتة؛ إنما يخِفّ التشدّد أو يحتدّ حسب الملابسات المجتمعية والسياسية• وفي ذلك كتب �لدتسيهر: ومع تزايد سيطرة الأرتودكسية القاتمة أو المظلمة، يبلُغ عدمُ الثقة مِن لدن الدوائر الدينية بالإسلام المَشرقي بإزاء الاشتغال بعلوم الأوائل تعبيراً أكثر فأكثر حدّة• وإزعاج الفيلسوف الكِندي خلال البعث الأرتودكسي تحت حُكم المتوكل هو أقدم مثال بكيفية جيّدة• ولكن، لحسن الحظ، لم تُفلح تلك المضايقات في أن تجعل العنايةَ الدؤوبة بهذه العلوم عديمةَ الجدوى• ولم يتوجّه عدمُ الثقة ضد الأبحاث الفلسفية بالمعنى الضيّق فحسب 8. خلال سنوات لم ينظر الدارسون في دعوى �لدتسيهر هذه نظراً ذا بال، ربما لأنها اعتبرت وصفية عادية ومن باب أوائل المعرفة• والدارس فرانتس روزنتال لا يناقش تصور �لدتسيهر، لكنه يعبّر بنفس الألفاظ: شعرَت الأرتودكسية الإسلامية بأنها مرغَمة على محاربة العلم والمعرفة اليونانيين لأسباب دينية، ولذلك كانت تميل بالطبع إلى تصوير الإرث اليوناني بمثابة العدوّ الأصلي المخلوق من طرف الشيطان 9. نظرة جورج مقدسي• يناقش مقدسي أفكار �لدتسيهر حول مدارس التعليم ومحتوى التدريس ومكانة الفقه والصراع بين المذاهب الفقهية• ففي نظر مقدسي، يخطئ �لدتسيهر إذ يعتبر المدرسة النِظامية مؤسسة لعلم الكلام (الأشعري)؛ بينما يرى هو أن المدرسة مؤسسة فقهية؛ حيث كان كل مذهب فقهي يؤسس ما استطاع من مدارس، في سياق تنافسي•10 ولكنه يذكّر بكون الفقه كان يُقصي الإلهيات الفلسفية باعتبارها أجنبية عن الإسلام 11. كما أنه يلاحظ في مكان آخر: لقد كان في مدرسة الفقه الحنبلية حيث كان العنصر المحافظ أقوى [...] 12. ويشير إلى أن الخلاف كان يتخذ أحياناً شكل عنف دموي بين الحنابلة والمتكلمين الأشاعرة• وتطور البحث يسمح بتهذيب بعض المواقف، لكن ليس هناك تراجع عن الأساسي• انتقاد عبد الحميد صبره• يناقش الأستاذ صبره دعوى �لدتسيهر في نطاق ما يسميه دعوى الهامشية، أي الدعوى التي تعتبر أن العلوم العقلية لم تندمج اندماجاً عضوياً في نسيج الثقافة الإسلامية، بل بقيت على الهامش؛ أي ظلت أجنبية عن البيئة الإسلامية، لأن المقبلين عليها في الغالب كانوا غير عرب وغير مسلمين سنّة• وعنده أن هذه الدعوى (هامشية العلوم العقلية) متهافتة وباطلة• ولكن صبره لا ينسب الدعوى إلى �لدتسيهر؛ بل ينبّه على أن المرء قد يقع في فهم سيئ لمقالة المجري؛ ثم إن �لدتسيهر غيرُ مسؤول، وأنه لم يكن يقصد تقديم موقف الإسلام عموماً؛ فهذا التعميم غير مقترَح [وغير موحى به] في مقالته 13. في حين يرى صبره أن وجود العلوم العقلية في أحضان المجتمع الإسلامي من قبيل امتلاك طبيعي أمْلتْه شروطٌ تاريخية جعلت المجتمع الإسلامي يحتاج إلى هذه العلوم• لكن صبره، وهو يحاول التخفيف من حدّة مقاومة المتشددين السنّة للعلوم العقلية ومن مدى تأثيرهم، يأتي بمثالين: الأول عن المأمون العبّاسي الذي شجع العلوم العقلية ضداً على المناوئين أعداء المعتزلة (أي الحنابلة)، والثاني عن الخليفة الموحدي (أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن وأبو يوسف يعقوب بن يوسف المنصور) الذي رعى وحمى ابنَ رشد، غير مبال بتهديدات المالكيين المتشددين• وهذان المثالان لا يسيران ضد دعوى �لدتسيهر، ولا حتى ضد دعوى الهامشية، بل يؤكدانها، لأن الحماية والرعاية أتتا من الحكّام، ضد تشدّد الفقهاء المحافظين• ويعود صبره إلى تأكيد فكرته مع تغيير بسيط، حيث يخطّئ تصور �لدتسيهر هذه المرّة باعتباره تقييماً إجمالياً، لكنه يقرّ بالقيمة التوثيقية الشاملة لمقالته الرائدة؛ وذلك في سياق هامشي بدون تفصيل•14 ولكنه لا يناقش عمق فكرة �لدتسيهر، بينما يقرّ بوجود وبقيمة النصوص المنددة بالعلوم العقلية• ثم يعود صبره إلى التأكيد على الاستمرارية بين الإرث العلمي القديم والعلوم العقلية التي نمت لدى المسلمين•15 إذن، مناقشة صبره لا تفنّد دعوى �لدتسيهر؛ وكيف يمكن إنكار نصوص بيّنة? ثم إن صبره يشير أحياناً إلى وجود هذه الأرتودكسية• انتقاد دِمتري غوتاس• يبدأ الأستاذ غوتاس بالحديث عن الترجمة الإنجليزية وما يرى أنها أدّت إليه من سوء فهم• ثم ينتقد �لدتسيهر في عدم تحديده للمقصود من الأرتودكسية وبأساس التفريق بين القديمة والحديثة•16 ويلاحظ غوتاس أن �لدتسيهر، تحت تأثير تشبّعه بالعقلانية في دراسته، ارتمى في موقف مناوئ للحنبلية باعتبارها لاعقلانية، وهو موقف إديولُجي من لدن �لدتسيهر• ويرى غوتاس أنه لا يوجد تشريع مركزي، كما هو الشأن لدى الكنيسة الأرتودكسية والكاتولكية، يسمح بإصدار فتوى نافذة كلياً• ثم يأتي بمثال الفاطميين في مصر، الذين كانوا أقلية وشجّعوا على العلوم العقلية• ويلاحظ غياب تحليل الشروط التاريخية والمجتمعية المحيطة بالتصريحات التي يأتي بها �لدتسيهر على لسان المتشددين الموجهة ضد علوم الأوائل• ولدينا بعض الملاحظات على انتقاد غوتاس: أوّلا: لا شك أن الحديث عن العقلانية التي كانت تحرك �لدتسيهر قد يجعلنا نفهم أفضل دقائق الاختيار عنده؛ لكنها لن يُلزمنا الكشفُ عن عقلانية �لدتسيهر على رفض الدعوى• فلا تطغى لدى الدارس المجري الأحكامُ المعيارية بالشكل الذي يجعلنا نستنتج أنه يؤوّل النصوص المختارة تأويلا بعيداً على ضوء قيم معيّنة• ثانيا: لو سُئل �لدتسيهر عن غياب التحليل التاريخي والسسيولجي في مقالته، لكان الجواب لا محالة بأن ذلك يجب القيام به من أجل فهم أفضل للعلاقة المتشعبة بين العلوم النقلية والعلوم العقلية، ومدى تنافسها وتدافعها، والمصالح وراء ذلك، وإرادة التحكّم والسيادة والاستمرار لدى الفاعلين في الحياة الثقافية والفكرية• وتلك مهمّة الدارسين اليوم• ثالثاً: هل يسير التحليلُ التاريخي والسسيولجي ضد تصوّر �لدتسيهر لمكانة العلوم العقلية في نطاق الثقافة الإسلامية ? لا• بل سيتكوّن عندنا فهمٌ أفضل للملابسات السياسية والمجتمعية بدون شك؛ وسنفهم أيضاً مدى قبضة رؤيةٍ معيّنة للمعتقد الديني على الأذهان، ومدى حرص المتشددين على منع البحث والتفكير النقدي، لاعتبارات مصلحية وسياسية• رابعاً: مثال الفاطميين لا يدحض تصوّر �لدتسيهر ولا يدعمه؛ فهو خارج مجال القول، لأنهم شيعة• ثم إن �لدتسيهر لا يقرر صراحة بأن التشدد آت من السنّة وحدهم، ولا يقول إن كل الفقهاء متشددون• والمعروف أن هناك من الحكام من رفض مواقف أشخاص (حالة السرخسي)، لا العلوم العقلية ذاتها• خامساً: لنفرض أننا اكتشفنا مئات من نماذج من الإبداع الفني الرائع والابتكار التقني الفعّال والتجديد العلمي المضبوط أنجزت في أركان المجتمعات الإسلامية، هل تَدحض (تفنّد وتبطل) هذه النماذجُ فكرةَ وجود نصوص لفقهاء متشددين مندّدة بالعلوم العقلية والفنون? لقد وجد علماء ساهموا في البناء الحضاري؛ ولكن تمسّك المتشدّدون بموقفهم المناوئ للإبداع والابتكار والتجديد• مدى التهذيب• لا شك أن البحث سيكشف عن الملابسات الثقافية والسياسية، وحتى الشخصية، التي كانت وراء اتّخاذ هذا الفقيه أو ذاك لهذا الموقف المتشدّد المتزمّت أو وراء عدم الاكتراث الذي يميّز موقفاً آخر• فتظهر نصوص وقرائن، تكشف عن ترابط بين الوقائع، وتفسّر الشروط المحددة للمواقف تفسيراً أفضل من السائد الآن• لكن، هل ذلك التفسير سيكذّب دعوى �ُلدتسيهر ? كيف يمكن تكذيب (إبطال أو دحض أو تزييف أو تكذيب) أنّ الفقهاء المتشدّدين وقفوا ضدّ اندماج العلوم العقلية ضمن الثقافة الإسلامية والعلوم النقلية? هل كل هذه النصوص المحرّضة على إتلاف الكتب الفلسفية والمنطقية والعلمية وإحراقها منحولة ? بل هناك أسماء لفقهاء آخرين ساروا في نفس التشدد، لم يوردها �ُلدتسيهر، مثل ابن أصبغ وابن العربي والسكوني وآخرين كثر• إن كتاب البخلاء من تأليف الجاحظ؛ وغداً قد يكتشف البحث أن جل محتوى الكتاب مسروق من مؤلَف لكاتب سابق، أو أن الجاحظ كتبه في ظروف نفسية وسياسية معيّنة• ولكن، لن يغيّر ذلك الاكتشاف كون الكتاب موجوداً• إذن، تظل دعوى �ُلدتسيهر متمتّعة بنصيب مهمّ من الصواب؛ وقد يتزايد الصواب في نفس القارئ على إثر اكتشاف نصوص أخرى للمتشددين؛ وربما يتراجع الصواب على إثر تقديم تبرير ما لبعض النصوص؛ بل لا نقول يتراجع إلا من قبيل المرونة الفكرية، لأنّ عدد النصوص المتوفرة المعروفة منذ زمن، التي تحرّض على تجنّب العلوم العقلية ومنعها، كاف لدعم دعوى �ُلدتسيهر• وقد كوّن العالِم الهنغاري فكرتَه نتيجة تحليل نصوص واضحة لا غبار عليها• ولن يتناقص عدد النصوص، بل قد يتزايد• ليس في تصوّر �ُلدتسيهر تحامل أو إجحاف بيّن، إنما النسبية العلمية تقتضي أن لا يبالغ أحد لا في الإطراء ولا في الطعن• ويمكن الاستئناس بقول بدوي: وهكذا كان منهج جولدتسيهر منهجاً وسطاً استطاع به أن يتجنب خطرين: خطر الضيق والسطحية في المنهج العلمي بالمعنى الدقيق، وخطر الإفراط في السعة والتأويلات البعيدة الخيالية في المنهج الوجداني الاستدلالي 17. أما ما يقول غوتاس عن وقوع �ُلدتسيهر ضحية الأفكار السائدة فمحدود المرمى• وغوتاس نفسه لا يقول شيئاً عن تلك النصوص ولا ينكرها؛ فقوله لا ينفذ إلى صلب المسألة• وليست معارضة العلوم الوضعية خاصّة بالفقهاء المتشددين المسلمين، بل إن المعارضة تصدر أيضاً عن فقهاء متشددين مسيحيين أو يهودٍ أو صابئة أو غيرهم؛ وتأتي أحياناً من فلاسفة• وكم من مثال لمقاومة التجديد العلمي من لدن علماء مرموقين من نفس الميدان العلمي! ولا يقول �لدتسيهر إن مقاومة المتشددين أوقفت الفاعلية الفكرية والعلمية في أحضان الحضارة الإسلامية• فقد أكد مرات عكس ذلك؛ حيث يقول: ولكن، لحسن الحظ، لم تَفلح تلك المضايقاتُ في أن تجعل العنايةَ الدؤوبة بهذه العلوم عديمةَ الجدوى 18. ثم يقول في باب أثر التحريم على تداول المنطق: وعليه، فالأدبيات تُرينا أن هذا التحريم للمنطق من لدن المتعصبين، في نطاق نظام الدراسة للإلهيات الإسلامية، لم يفرِض نفسَه• فالمكانة المعلَنة التي احتلتْها الشروحُ والشروح الموسّعة والحواشي- ولن نشير إلا إلى تلك التي كانت ذات تأثير أكبر- من قبيل أعمال الأبهري (الشرح لإيساغوجي لفرفوريُس)، والكاتبي (الشمسية)، والأخضري، ومؤلفين آخرين لمُتون منطقية، في الدرس الإسلامي، تقدّم لنا الدليلَ على أنّ أصوات المعارضة المعادية للمنطق بقيت بدون نجاح• وعلم الكلام العقدي بالذات استخدم، في تأسيسه وتطويره، الفلسفةَ الأرسطية كمرشد منهجي، خصوصاً منذ فخر الدين الرازي (توفي 606) 19. ثم يؤكد �لدتسيهر على الاستمرار في تدريس المنطق، عند قرب نهاية المقالة: وحتى زمنٍ أقرب، ظل المنطق يُعتبر عِلماً مساعداً في الدراسة الدينية• ولم يكن هناك نقص في المتون لخدمة الشبان المتعلمين وإفادتهم في هذا الميدان؛ إنّما، كما جرت به المهارة الديدكتية في الشرق، وُضعت في ذلك منظوماتٌ باعتبارها شعراً تذكّرياً• وقد ألّف أحدُ المشهورين في زمانه في القاهرة، الكاتب المنتج كثيراً في الإلهيات، شمس الدين الشُجاعي (توفي 1197 ه)، قبل ما يزيد عن قرن بقليل، الأشكال القياسية في شكلٍ منظوم للتذكّر، ووضع عليه شرحاً 20. وختم �لدتسيهر مقالته بالإشارة إلى فشل التشدد المذهبي في تجميد الفاعلية الفكرية، وإلى أن الأرتودكسية المعاصرة لا تعارض العلوم العقلية• (?) كلية الآداب ، الرباط 1- Ignaz Goldziher, ?Stellung der alten islamischen Orthodoxie zu den antiken Wissenschaften?, Abhandlungen der Koniglich Preussischen Akademie der Wissenschaften, Berlin, 1916 (1-46). وقد ترجم المرحوم عبد الرحمن بدوي المقالة بعنوان موقف أهل السنّة القدماء بإزاء علوم الأوائل• نشرها مع مقالات أخرى، في كتاب التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية ((1940 ، ص• 123-172. وترجمت المقالة إلى الأنجليزية سنة 1981، بعنوان: ?The Attitude of Orthodox Islam Toward the ?Ancient Sciences??, in Studies on Islam, tr. Merlin L. Swartz, Oxford U. P., 1981 (185-215). وهناك تصرّف في العنوان، وفي مواضع أخرى؛ مثلاً، في النص الألماني (ص• 9): أبو الفتح بن المَنّي (توفي 583)، وفي الانجليزي (ص• 188): أبو الفنح بن المُنَى• كما أن النصوص العربية غير واردة في الترجمة• والأرجح أنه لا توجد ترجمة فرنسية ولا إسبانية للمقالة• 2- عبد الرحمن بدوي، التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، ط• 4، الكويت: وكالة المطبوعات، بيروت: دار القلم، 1980، ص• 307. 3- عبد الرحمن بدوي، نفس المرجع، ص• 309. 4- عبد الرحمن بدوي، نفس المرجع، ص• 310. 5- عبد الرحمن بدوي، نفس المرجع، ص• 302-303. 6- عبد الرحمن بدوي، نفس المرجع، ص• 311. 7- Ignaz Goldziher, ?Stellung der alten …?, s. 9: ?Dies hangt wohl damit zusammen, da? die gewohnliche Uberlieferung ?ber die Anfange der arabischen Grammatik eine ?alifreundliche Tendenz befolgt?. يترجم المرحوم بدوي الجملة مع تغيير بسيط، حيث يضع مقابل كلمة wohl كلمة لعلّ، هكذا: ولعل هذا راجع إلى أنّ ما يُروى عن نشأة النحو العربي فيه ميلٌ إلى علي• التراث اليوناني، ص• 131. الفرق بسيط، لكن جيداً أنسب، بحكم أن لعل ضعيفة الإقرار شيئا ما• ثم إن راجع تحمل معنى السببية، في حين أن الفكرة هي عن الترابط والانسجام• والترجمة الإنجليزية أقرب إلى ترجمة بدوي• 8- I. Goldziher, ?Stellung …?, s. 4-5: ?Mit dem Uberhandnehmen der Vorherrschaft einer finsteren Orthodoxie ist dies Mi?trauen der religiosen Kreise des ostlichen Islams gegen den Betrieb der ?ul?m al-aw??il zu immer scharferem Ausdruck gelangt. Die Beunruhigung des Philosophen al-Kind? wahrend der orthodoxen Restauration unter Mutawakkil ist wohl das fr?heste Beispiel. Solche Hemmungen haben jedoch gl?cklicherweise die rastlose Pflege dieser Wissenschaften nicht vereitelt. Das Mi?trauen richtet sich nicht nur im engeren Sinne gegen die philosophischen Forschungen?. وهذه ترجمة بدوي: وكلما ازدادت شوكةُ أهل السنّة المتشددين، كان عدمُ الثقة لدى البيئات الدينية في شرقي الإسلام بإزاء الاشتغال بعلوم الأوائل أشدّ وأعنف• وأقدم مثل لذلك ما شعر به الكندي الفيلسوف من قلق وخوف بعد عودة سلطان أهل السنّة في عهد المتوكل• ولكن هذه المضايقات لم تفلح لحسن الحظ في أن تجعل العناية المستمرة بهذه العلوم تضيع سدى• ولم يكن هذا النحو من عدم الثقة خاصاً بالأبحاث الفلسفية بمعناها الدقيق وحدها• (نفسه، ص• 125)• الترجمة الإنجليزية أقرب إلى ترجمتنا• 9- Franz Rosenthal, The Classic Heritage in Islam (1965), tr. from German by E. and J. Marmorstein, London & New York: Routledge, 1994, p. 26. 10- George Makdisi, The Rise of Colleges, Edinburgh U. P., 1981, pp. 303-4 11- G. Makdisi, ?The Guilds of Law in Medieval Legal History : …?, ZGAIW, 1, 1984 (233-252), p. 238. 12- G. Makdisi, ?Muslim Institutions of Learning in Eleventh-Century Baghdad?, BSOAS, xxiv, 1961 (1-56), p. 52. 13- A. I. Sabra, ?Appropriation and Subsequent Naturalization of Greek Science in Medieval Islam: A Preliminary Statement?, History of Science, xxv, 1987 (223-243), p. 231; repr. in Tradition, Transmission, Transformation, F. J. Ragep & S. P. Ragep (eds.), Brill, 1996 (3-27), p. 12. 14- A. I. Sabra, ?Science and Philosophy in Medieval Islamic Theology: …?, ZGAIW, 9, 1994 (1-42), p. 3. 15- A. I. Sabra, ?Situating Arabic Science: …?, ISIS, 87, 1996 (654-670), pp. 658, 661. 16- Dimitri Gutas, Greek Thought, Arabic Culture, Routledge, 1998, pp. 166-175. هذا ويجب أن نشير في هذا السياق إلى أن الترجمة العربية لكتاب غوتاس، بعنوان الفكر اليوناني والثقافة العربية، مصيبة كبيرة أخرى من مصائب الترجمة العربية• 17- عبد الرحمن بدوي، نفس المرجع، ص• 312. 18- أنظر قبله، ص• 6. 19- Ignaz Goldziher, ?Stellung der alten …?, s. 41-42: ?Jedoch die Literatur zeigt uns, da? sich diese die Logik verdammende Gesinnung der Fanatiker im Studiensystem der islamischen Theologie nicht durchgesetzt hat. Die in Kommentaren, Superkommentaren und Glossen sich bekundende Stellung, welche ? um nur die einflu?reichsten zu nennen - die logischen Werke der Abhar? (Bearbeitung der Isagoge des Porphyrius), K?tib? (?emsijja), Achdar? und anderer Verfasser logischer Kompendien im islamischen Unterricht einnehmen, bietet uns den Beweis daf?r, da? die Stimmen der logikfeindlichen Opposition erfolglos verhallt sind. Selbst die Kal?mdogmatik hat sich zu ihrer Grundlegung und Entfaltung, besonders seit Fachr al-d?n al-R?z? (st. 606), der aristotelischen Philosophie als methodischen leitfaden bedient?. وفي ترجمة بدوي: وعلى الرغم من هذا كله، فإن الكتب المؤلفة تدلنا على أن هذا الرأي القاضي بتحريم المنطق، وهو الرأي الذي قال به المتعصبون، لم يكن نصيبه النجاح في السيطرة على نظام الدراسة الدينية الإسلامية• فالمكانة التي احتلتها الكتب المنطقية أمثال مؤلفات الأبهري (شرح إيساغوجي) والكاتبي (الشمسية) والأخضري وغيرهم ممن ألفوا متوناً في المنطق، نقول إن المكانة التي احتلتها هذه الكتب - ونحن لا نذكر هنا إلا أعظمها تأثيراً - في التدريس بجانب العلوم الإسلامية، تقدم لنا الدليل على أن أصوات المعارضة المعادية للمنطق ذهبت هباء، ولم يكن لها في واقع الأمر نجاح• بل إن علم الكلام نفسه قد استخدم، في تأسيس قواعده ومقدماته وفي تطوره وارتقائه، الفلسفة الأرسططالية كمرشد يسير على منهج قويم، وكان ذلك خصوصاً منذ الفخر الرازي (المتوفى سنة 606) ؛ ص• 166. الترجمة الإنجليزية أقرب إلى ترجمتنا• 20- Ignaz Goldziher, ?Stellung der alten …?, s. 42: ?Bis zur neuesten Zeit wird die Logik im Studium der Theologie als Hilfswissenschaft behandelt. Zu Nutz und Frommen der studierenden Jugend fehlt es nicht an Kompendien (mut?n, text-books) f?r diese Disziplin, ja sogar, nach einem im Orient noch immer gangbaren didaktischen Kunstgriff, an Versus memoriales (manz?m?t) f?r dieselbe. Ein seinerzeit angesehener, sehr fruchtbarer theologischer Schriftsteller in Kairo, ?ams al-din al-Su???? (st. 1197 h) hat vor etwas mehr als einem Jahrhundert die syllogistischen Figuren in Denkverse gebracht und dazu einen Kommentar verfa?t?. وفي ترجمة بدوي: وظل المنطق حتى أحدث العصور يدرس مع العلوم الشرعية بوصفه علماً مساعداً• ووضعت لفائدة الطلاب متونٌ في هذا العلم، بل وضعت فيه منظومات أيضاً، جرياً على تلك الطريقة التعليمية التي لا تزال شائعة في الشرق• ومنذ قرن أو يزيد نظم أحد الكتّاب من رجال الدين في القاهرة، وكان كثير التآليف مشهوراً في زمانه، أشكال القياس، وأضاف إلى ذلك شرحاً عليه؛ ص• 167. سقط اسم شمس الدين الشجاعي في ترجمة بدوي• | 10 - مايو - 2007 | لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ? |  | وردة البيداغوجيا .. كن أول من يقيّم
أحلم بتلميذات أكثر أناقة وجمالا وتلاميذ أقل سماجة ولؤماً ليس من أجل راحتي (وإلا فإني أناني) ولكن لكي تتفتح وردة البيداغوجيا جنوب | 10 - مايو - 2007 | أحاديث الوطن والزمن المتحول |  | جارة القمر.. كن أول من يقيّم
| 10 - مايو - 2007 | نون النسوة فى مسيرة الإبداع الفنى والفكرى والأدبى0 |  | درس الــحب..     ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
مخمورا دخل الطفل إلى الفصل. حدق جيدا في المعلمة وقال: - أحبك. ضحك الصغار وظلت حنان تتأمله. كانت المعلمة قد هرعت إلى مكتب المدير. وكان المدير قد هتف إلى الشرطة. سرى الخبر في المدينة: - طفل مخمور قال لمعلمته أحبك... عندما حضر مسؤول الشرطة كان التلميذ قد كبر، وقبل أن يقتربوا منه قال: - لم أعد أحبها. كانت رائحة الخمر لا تزال فواحة من فمه،وكان يبدو أطول منهم جميعا. بينما كان الوزير قد قرر أن يعدل المنهاج المدرسي وألا يدرس الأطفال شيئا غير درس الحب. وفي أذن الطفل همست حنان: - أنا صرت أحب الوزير * قصة قصبرة لـ جمال بوطيب، من منشورات اتحاد كتاب المغرب | 11 - مايو - 2007 | ذكريات أيام المدرسة |  | دينار ذهبي أموي .. كن أول من يقيّم
تم تداوله باسبانيا وأفريقيا الشمالية 115 هـ. خلال حكم هشام بن عبد الملك105-125 هـ . | 13 - مايو - 2007 | المسكوكات |  | دينار ذهبي موحدي.. كن أول من يقيّم
دينار( أو ديناران أو 3 دنانير حسب وزن القطعة ) موحدي ، ضرب بالأندلس 524 هـ -666 هـ . La pièce été frappée en Espagne pendant la période des califats Almohades, entre 1130 et 1269 du calendrier Gregorien ou environ entre les années 524 et 666 de l'Hégire. Si le poids de la pièce est de 4,2 gr., il s?agit d?une pièce de 1 Dinar (et non pas Dirham). Si le poids est de 8,4 gr. il s?agit d?une pièce de 2 Dinars, et si elle pèse 12,6 gr. il s?agit d?une pièce de 3 Dinars. Son contenu d?or pur est de 975 millième soit 23,42 carats. Merci André, pour votre magistrale explication ! | 13 - مايو - 2007 | المسكوكات |
|
Le poids des dinars de cette période est de 4,25 grammes pour un diamètre de 19 mm. La pureté de l'or est de 0985.
Une pièce identique de l'année 115 Hijri mais d'un poids de 4,35 gr (très rare) a été vendu le 02/10/87 à Sotheby's Londres.
La collection privée Choukri en possède quelques exemplaires.
Je me tiens à votre disposition pour tout renseignements supplémentaires.
Cordialement,
nadia choukri
historienne d'art, archéologue, spécialisée en muséologie