البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ضياء العلي

 2  3  4  5  6 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
محاولة لإعادة توجيه النقاش    كن أول من يقيّم

 

الأخوة الكرام :  أشعر بإرتباك حقيقي تجاه ما أقرأه من ردود تجعلني أفكر مرتين قبل أن أتفوه بأية سذاجة محتملة  ، وهذا ما لم أكن قد فكرت فيه حتى الآن . الأخ زهير والأخ النويهي ، بما لهما من دماثة أسطورية تمنعهما من الانتقاد أو المغامرة بأية فكرة غير مثبتة " قانونياً " ، وبما لهما من إيمان غريزي بصدق النوايا والقلوب ، تركا لي الأخ يحي كله ، بعد أن عمماه وبايعاه بمشيخة الفلسفة .

حتى هذه اللحظة ، كنت أكتب ما يخطر على بالي في اللحظة التي أقرأ فيها ودون أن أفكر فعلاً بأبعاد الموضوع .

في البداية : سأعرفكم بنفسي ، اسمي ضياء سليم العلي ، ولدت في مدينة طرابلس شمال لبنان عام 1960 ، متزوجة وعندي ثلاثة أولاد وأعيش في باريس منذ عشرين سنة . حصلت على ليسانس الفلسفة من الجامعة اللبنانية ثم دبلوم الدراسات العليا من السوربون الأولى وكنت أحضر للدكتوراه لكنني توقفت عنها لأسباب خارجة عن إرادتي . مارست مهنة التعليم لمدة عشرة سنوات وأنا اليوم أعمل بالتجارة . لست إذاً شادية العرب وسأقوم بتصحيح ملفي اليوم .

حاولت اليوم إعادة قراءة الملف بغية التوصل إلى الإحاطة بما يقوله الأخ يحي ، لأنه أصبح هو الموضوع ، فهو الوحيد فينا الذي يمتلك رؤية بعيدة المدى ومشروعاً فكرياً يحاول وضعه على محك الإختبار هنا ، على طريقته ، يريد أن يصل به إلى مستوى النظرية ، هذا مشروع تماماً ، بل هو مفرح .

لا أعلم إلى أي مدى سيكون نقاشنا معك مفيداً ، من جهتي أنا لا أختلف معك كثيراً في المهم إلا أن لي ملاحظات حول بعض التفاصيل سأوضحها لاحقاً لو أعطيتني بعض الوقت . هناك أفكار " ثورية " مهمة جداً وقيمة فيما تقوله إلا أنها مبعثرة وبحاجة لترتيب ونحن حتى الآن اختلفنا معك على الأسلوب فقط . لو أعدت النظر فستجد بأنني لم أناقش معك فكرة واحدة حتى الآن . لن أدعي بأن لي مستواك العلمي من الناحية التقنية فأنا كنت قد ابتعدت عن الجو التعليمي منذ سنوات ، إلا أنني أدعي بأنه لي خبرة في النقاش النظري اكتسبتها ، فيما عدا الثقافة الأكاديمية ، من العمل السياسي الذي التزمته فترة من مطلع حياتي ، وهذا ما يجعلني أظن بأنني أمتلك ميزاناً ، يصلح للأفكار الفلسفية التي اختبرت قسماً منها على أرض الواقع . 

فهمت بأنك من خلال تنقيتك للمشكلة الفلسفية ، تريد بأن تثبت عدم التعارض القائم بين الدين والبحث الفلسفي . موقف الغزالي برأيك هو موقف رافض للفلسفة اليونانية وليس للفلسفة بتعريفها العام الذي حددته بوظيفة العقل وقدرته على توحيد الأشياء والربط بينها وتشكيل عالم معرفي متكامل يكون مركزه الإحساس بالفردية بكل تميزها وذاتيتها . وأنه بالإنطلاق من هذه الذاتية بكل فجاجتها وواقعيتها نموضع العالم من حولنا بما يتفق مع ما نص عليه الوحي في تحديد علاقتنا بالعالم وبالأخر .

بدءاً من هنا ، سنرتب العالم من جديد وننظر للآخر على كونه ثانوي في أهمية الوجود ونكون بهذا قد قلبنا الموازين وغيرنا قانون اللعبة ، بدلاً من أن أشعر نحوه بالدونية ، فلسوف أتعالى عليه وتختل العلاقة بيننا لصالحي .

وفهمت بأنك تظن بأن التموضع في موقع القوي والمتماسك مع ذاته سوف يخلق دينامية جديدة كفيلة لوحدها بقلب واقع الحال .

سنناقش هذه الأفكار جميعاً مع بقية الأخوة المشاركين بعد أن أتأكد بأنني فهمت جيداً وإلا فسننتظر منك بعض التصويبات والشروحات .

وأما هيغل المسكين فلقد جاء اسمه في سياق الجملة ولم يكن معنياً مباشرة بمشكلة الذات مع المجتمع ، إنما لو أخذنا بعين الاعتبار نظريته الجدلية للتاريخ وللمعرفة ويقينه بأن حركة تطور التاريخ وبالتالي المعرفة سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى : المعرفة المطلقة . فسيمكننا أن نستنتج: أن المعرفة الحالية هي معرفة مزيفة كونها في صيرورة ، ولأنها لم تصل بعد إلى سقف التاريخ .

 

 

11 - فبراير - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
أتحفتنا يا أستاذ زهير    كن أول من يقيّم

 

لم يكن بمقدوري يا أستاذ زهير بأن أعرف أنك قد بايعت فيلسوفاً آخراً من خارج حلقتنا بإمارة الفلسفة . هذه لوحدها كارثة ! ولكن وبما أن ما كان قد كان ، وما حصل قد حصل ، أفليس من الأفضل لوكنت كتبت بساعتها :

" ولولا أنني كنت قد بايعت بإمارة الفلسفة للفيلسوف محمد ولد عبدي ، لجاهرت بمشيختها ليحي الرفاعي " ، بهذا كنت وفرت علينا أن نتنازع عليها وأوقفت سيل الدماء .( شفاك الله يا أخ يحي لو كنت على مرض ) .

الحقيقة ، أستاذي الفاضل ، وهذه المرة عن جد ، بأنك تكتب شعراً عظيماً ، وكنت به جاهلة ، فيه عطر مرعاك ، وأنه يسيل منك كالسمن الحموي ، وأن لك روحاً شفافة ، يتلطم فيها قلب شفيف ، كما قطرميز الشيخ رشيد في لجة طرابلس . لا تقلق أبداً ، صحيح بأنني تبلبلت قليلاً في تلك الصبيحة وأبهرني اللون ، لا لم يكن أصفراً بل لامعاً بلون الفضة . ولأن الضوء كان قد غشى على بصري حتى استفقت منه رويداً رويداً ، ولأنني لا أجلس كثيراً على الكومبيوتر ، أتيت متأخرة ، إلا أنني أعرف كيف أفهم هذا الكلام وأين هو موضعه ، وأعرف بأنه يتجاوزني بكثير . 

 

14 - فبراير - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
الرد على الأستاذ وحيد    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 

إنطلق الفكر الإسلامي في بداياته من موضوعات لا تمت للفلسفة ولا للماورائيات بصلة ، بل كانت بداياته إنطلاقاً من حاجات التفسير والفهم للنص القرآني وللحديث النبوي ، وهي حاجات فهم النص الشرعي بغية إستنباط الأحكام  الفقهية الشرعية ، فكانت : علوم الفقه واللغة .

ثم توسعت هذه الرغبة في فهم مسائل العقيدة وموضوعاتها فتساءلوا عن معنى : الخير والشر ، الثواب والعقاب ، النفس ، العالم ، صفات الله ، المعاد ........... فنشأ عن ذلك ، علم أصول الدين ، هكذا كان اسمه في البداية ، ثم قيل : علم التوحيد ، ثم : علم الكلام .

وكان المجتمع الإسلامي الأخذ بالتوسع قد أصبح على إحتكاك بثقافات عديدة ، الهندية والفارسية من أهمها ، وديانات ذات طابع فلسفي ما ورائي أثارت تساؤله ، كالزراداتشية أو المانية والغنوصية . واحتكوا بالسريان المسيحيين الذين كانوا حفظة الفلسفة اليونانية ومترجموها وكان من الطبيعي بأن ينفتحوا على الثقافة اليونانية ويعجبوا بها لأنها كانت الأرقى والأكثر تنظيماً ، ولأنها كانت غير ذات طابع ديني ليرفضوها سلفاً ، فوجدوا فيها ضالتهم .

جاء استخدام الفلسفة اليونانية في بداياته كعنصر من أدوات الصراع الفكري الذي كان قائماً على موضوعات أساسية في صلب العقيدة وكان الإختلاف حولها واقعاً . كالإختلاف بين القدرية والمرجئة والمعتزلة حول درجة مسؤولية الإنسان عن أفعاله وإرادة الإنسان ، وصفات الله ككيفية الجلوس على العرش مثلاً وأن الله على العرش استوى " ..........

ثم جاء فريق جديد ليضيف إلى حمى التنظيرات الكلامية والفكرية ، بعد أن أشتد وطيس الصراع العقائدي بين السنة والشيعة بوصول العباسيين إلى السلطة ، فكان لكل منهما في البداية أئمته ومؤرخوه ( لتأريخ الحديث النبوي ووقائع البيعة للإمام علي ... )  ، ثم صار له فلاسفته ومنظريه ، وقد وجد الكثير منهم ضالته في الفلسفة اليونانية وخصوصاً في نظرية الفيض الأفلاطونية التي تتناسب كثيراً مع نظرية الوحي والإمام المعصوم .

الفلسفة اليونانية كانت ذريعة وأداة لتدعيم الأفكار والتصورات والخلافات الموجودة أصلاً . ولذلك ، جاءت الفلسفة الإسلامية لتختلف بعمق عن الفلسفة اليونانية بمفاهيمها ومرتكزاتها الأساسية منها نظرتها إلى موضوعات : النفس والعقل والمنطق . والفلسفة الإسلامية رغم خلافاتها الكبيرة إستطاعت بأن لا تقع في مطب السقوط الأيديولوجي وأن تحافظ على مبدأ : وحدة الوجود  ، الذي هو أساسي في العقيدة . ففي الوقت الذي كان أرسطو يعتقد بأن الله غير مدرك للعالم لأنه منفصل عنه وغير موجود فيه ، أكد الفلاسفة الإسلاميون بمجملهم على مبدأ وحدة الحق ووحدة الحقيقة ووحدة الوجود .

لو كانت المعرفة بالفلسفة اليونانية كافية لإنتاج فلسفة جديدة لأبدع السريان قبلنا ، وهم لم يبدعوا .

محاولة الفلسفة الإسلامية التوفيق بين الدين والفلسفة هي في عمقها رغبة الفيلسوف في الحصول على هامش أكبر من الحرية في التفكير في إطار النص الديني ورغبته في إختيار أدواته المعرفية .

 

17 - فبراير - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
الرد على الأستاذ زهير    كن أول من يقيّم

 

الأخوة الكرام : صباح الخير

كنت أتمنى العودة قبل هذا إلا أني لم أستطع ، المثل الفرنسي يقول : أن تأتي متأخراً خير من أن لاتاتي أبداً . هي مجرد وجهة نظر .

قرأت مقالة الأخ يحي للتو وهي تؤكد شعوري الأول الذي شعرته في أول مقالة كتبها . انطباعي الأول عن مقالة اليوم ، هو أنه منسجم مع نفسه ، لكن هذا لا يكفي لتغيير الواقع . إلا أنها بداية صحيحة .

سأحاول تفنيد رأيي في مقالة أخرى لأنني أمتلك ساعة من الوقت ، أو أكثر بقليل ، وكنت قد أتيت للرد على الأستاذ زهير .

أكتب من الذاكرة ، وهذا ليس احترافاً ، مشاركاتي هي أقرب إلى الوجدانيات منها إلى البحث الفلسفي . لست أستاذة إذاً ، وأعتقد بأن عرفات لو كان حياً ، كان سيغار من الأستاذ زهير لأنه سبقه في منح الألقاب التي عادة ما يتركها معلقة بخيط ، طرفه الآخر في يده . أنت شاعر مقتدر بدون شك ، أستاذي الكبير ، لكنك كنت ستنفع أيضاً في السياسة .

عدت إلى المراجع التي عندي وفهمت منها بأن القدرية والمعتزلة فرقتان في منشئهما ، إلا أن تقاربهما الفكري دعا إلى الخلط بينهما ، وأن القدرية ذابت فيما بعد في المعتزلة المتأخرة .

أما في مسألة وحدة الوجود ، وهو التعبير الذي استعرته من الصوفية لأعبر من خلاله عن حالة الفكر العربي عبر التاريخ ، والذي هو ـ برأيي ـ المنطق الضمني لكل الفرق والفلسفات ، هو : أن الله غير منفصل عن العالم ، بل إنه قريب منه إلى درجة تستعصي على الفهم ، فمنهم من راح يفسر هذه العلاقة بالعقل، ومنهم من سعى إليها  بالمجاهدة . لكن الفكرة الرئيسة هي : الله يتدخل في أعمالنا باستمرار ، ونحن على اتصال مباشر معه بدون  وسيط ، سواء كان ذلك بالكلام ، أو بالنية ، أو بالعمل ...... والله في قرآنه العظيم = وهذا محصور بالقرآن والإسلام = يخاطب الإنسان مباشرة ويتوجه إليه بالكلام : هو يخاطب روحه وعقله ووجدانه . نحن نشعر بأن الله معنا ، ونشعر بأنه قريب دون أن نستطيع تحديد هذه العلاقة .

 ما علاقة هذا بالفلسفة ?

تفسيري ، هو أن المفكر المسلم ، عبر التاريخ ، وقف بحيرة أمام إعجاز القرآن ولم يفهمه بعقله . استعصى عليه، فهو ليس تاريخاً وليس فكراً منظماً كالفلسفة اليونانية ، وليس مجرد مجموعة من المعتقدات والتصورات الدينية والطقوس كباقي الأديان . هو نص فيه إعجاز يستدعي التسليم والقبول ، وفيه رهبة ورحمة تستدعي الطاعة ، وفيه هذا الشعور بأننا أمام حقيقة تتجاوزنا بكثير ومع هذا فهي قريبة منا لكننا لا نمسكها . هذه العلاقة الوجدانية هي في أساس هذا القبول بأفضلية الوحي ومرجعيته العليا والتي لم تستثن أحداً ، وهي متأتية من هذا الشعور الضمني بأن الله موجود دائماً معنا وأنه يتدخل في حياتنا في كل لحظة .

إلا أن الإنسان ليس بسيطاً ، وهو محكوم بنوازعه الفطرية الغريزية والرغبة في الحماية التي تدفع به دائماً إلى الاحتماء بالسلطة ، وإذا أمكن ، الاستئثار بها . هذا الرغبة تدفع به دائماً للتفتيش على عناصر القوة التي تؤمّن له التفوق .

المفكرون الإسلاميون بحثوا في الفلسفة اليونانية عن عناصر القوة هذه ليفهموا الدين ، ولكن أيضاً ليستأثروا به كل من جهته ، لأن الصراع كان قائماً بينهم على قاعدة الخلاف السني ـ الشيعي ، وذلك منذ البدايات .

من المستحيل فهم الحركات الفكرية في الإسلام إلا على ضوء هذا الصراع الذي لو عايناه من وجهه العقائدي فقط ، لوجدنا بأنه قد طال مختلف نواح الحياة الثقافية : الفقه ، التاريخ ، علم الكلام ، الفلسفة ......... إلا أن الخيط الجامع ، والسقف الذي لم يتجاوزه أحد ، هو ما ذكرته عن التوحد مع فكرة وجود الله المباشرة واللصيقة بشعورنا الوجداني ، وعلى أسبقية الوحي . إلا أن الصراع كان ( ولا يزال ) دائراً حول الاستئثار بمرجعية الوحي . محاولات تفسير الوحي وإخضاعه لمنطق آخر غير منطقه هو الضمني ، هي محاولات فاشلة ، آخرها كانت محاولة أبن رشد .

كنت قد بدأت بداية متعثرة في المقالة السابقة لشرح هذه الفكرة ، واستخدمت بدون قصد مصطلحاً له دلالات لم أقصدها ، وفي هذه معك حق يا أستاذ زهير . أرجو أن أكون قد تقدمت خطوة نحو شرح فكرتي التي لن تتوضح إلا إذا بينت كيف تجلت في الفلسفة ، ولكن أيضاً في اللغة وفي مفهوم التاريخ عند المؤرخين المسلمين

هذا ما سأحاول شرحه لاحقاً ، وسأعتمد فكرة الأخ يحي في ترقيم المقالات .

شكري للأخ النويهي على لطفه وتشجيعه ، ولنا عودة قريباً إن شاء الله .

 

 

21 - فبراير - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
حكاية من الذاكرة    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

 

كنا لا زلنا صغاراً ، وكانت جدتي المتدينة جداً هي الحاكم الناهي في أمور البيت ، وهي من يتولى تربيتنا فعلياً . كانت الأفعال عندها مقسمة إلى قسمين : الأول عيب ، والثاني حرام .

بالمقابل ، كان أبي شيوعياً ! لكنه كان يأتي في المساء فقط ، ليأكل ويشرب ، ويعقد بيننا أحياناً مبارزات في تفسير شعر المتنبي أو جبران خليل جبران . أحياناً ، كان يطرح أفكاراً أخرى كانت عجيبة بنظري منها أن أصل الأنسان من زبد البحر . ثم ، لما كان يضجر منا كان يقول : " روحوا ناموا " . فنذهب لننام .

وكان لنا أخت صغيرة ، في الخامسة تقريباً في تلك الفترة ، كانت حادة الذكاء ، لكنها كانت شرسة جداً ومشاكسة ، وكانت جدتي تعاني في تقويمها فلا تفتأ تنهرها وتخوفها ......... فإذا جلست على حافة حائط الجنينة قالت لها : " عيب " ، وإذا رمت كسرة خبز ، قالت لها: " حرام " ، وإذا وقع منها قليل من الملح على الأرض ، قالت لها بأنها سوف تلتقطها في الجنة " بسباسيب عيونها " ، وإذا ضربت أخاها الأصغر منها قالت لها بأن الله سوف يخنقها ..............

كنا كلنا نعاني من فكرة الخوف من الله التي كانت تستخدمها جدتي في ترويضنا وإحكام سيطرتها علينا ، وأنه يوماً ما سوف يخنقنا لواحد من هذه الأسباب . حتى جاء يوم ، وكانت "هلا " وهو إسمها ، قد أتت إلى الجنينة بكرسي الحمام الصغيرة ، لكن أختى الثانية جلست عليها أثناء غيابها . ولما طلبت منها أن تقوم عنها ولم تمتثل ، غضبت وإنفعلت ونظرت من حولها فوجدت قدوماً على الأرض فتناولته وفتحت به رأس أختها . طبعاً ساد الهرج والمرج يومها وأخذت الصغيرة إلى المستشفى ، وأما جدتي فصارت ترغي وتزبد وترطن بالدعاءات عليها وتزيد في لعن إبليس الرجيم الذي أصبحت واحدة من شركائه وتهددها بأن الله سيعاقبها وأنه سيخنقها لا محالة .

في تلك الليلة ، إستيقظت في الليل ، لأجد " هلا " التي تنام معي في نفس الغرفة صاحية ، فاتحة عينيها ، مبحلقة في سقف الغرفة ، عليها إمارات الذعر ، ولا تنام ! سألتها ما بها ? ولما هي شاخصة هكذا في الظلام :

_ " أنتظر ! " ، قالت .

_ " تنتظرين ماذا ? " ، سألت .

_ " أنتظر أن يأتي الله ليخنقني ، وعندما سيقترب مني وبيده الخناقة التي يخنق بها الأولاد ، سأنتزعها منه وسأخنقه بها " . قالت بكل تصميم .

شعرت في هذه اللحظة بالشفقة عليها ، وأنا أكبرها بأربع سنوات ، ولكني في الوقت نفسه أعجبت بها أيما إعجاب . كنت أخاف مثلها وأضيق بفكرة الله الذي يخنق ويعذب ، لكنني لم أتجرأ يوماً على هذه الفكرة التي أدركت للتو سذاجتها ، إلا أنها ساعدتني للتخلص من عبء كبير .

هذا ما دفعني فيما بعد للاقتراب من أفكار والدي المريحة وتبنيها ، رغم إحساسي الضمني الذي لم يفارقني أبداً بوجود الخالق.. إلا أن هذه العلاقة ظلت ملتبسة ولوقت طويل . أميل دائماً إلى تبسيط الأمور ، إلا أنه لا بد من تفكيك مشاعرنا لفهمها . وهذا وجه من وجوه المشكلة مع المتدينين .

 ربما نكون لا زلنا في عمر الخمس سنوات ، والتسع سنوات ، وأن علينا درباً طويلة يجب أن نقطعها ، إلا أن حاجز الخوف لا بد من تجاوزه لأنه موجود فعلاً وهو معيق للفهم الذي هو طريق التوحد مع الذات

25 - فبراير - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
أهلاً بكم على أرض الواقع    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

 

كأننا كنا داخل طيارة تحلق في السماء ، وفجأة ، وكأنها حالة طوارىء ، يأتي نداء عاجل من المطار ، يجبرنا على الهبوط ، لنجد الأخ فادي بإستقبالنا مرحاً ومرحباً  :" أهلاً بكم على أرض الواقع " . كانت كلماته أبلغ من كل الذي قلناه ، إلا أنه تسبب بالإحباط لربان الطائرة .

سنحاول بأن نقلع من جديد بعد أن تفضلت الأخت الكريمة " أم فراس " مشكورة ، بإعادة شهيتنا للنقاش . 

حول تساؤلك عن مسألة الخوف وعلاقتها بالدين ، أجيب بأن الخوف عادة ما يكون موجوداً بالعلاقة مع السلطة أو من يمثلها . فالولد يخاف من أبيه مثلاً ، أو من أستاذه ، أو من الشرطي ، أو من أي شخص يمثل بالنسبة إليه سلطة قمعية تمارس عليه الرقابة وتجبره على القيام بما يكره ، كالواجب مثلاً ، أو تمنعه من الحصول على اللذة . هذه السلطة هي ضرورية في مرحلة الطفولة شرط أن لا تتحول إلى ما يسمى ب " الرهاب " ، أي الخوف الشديد المرضي الذي يتحول إلى إرتباك في الشخصية والذي غالباً ما تكون له نتائج سلبية على السلوك .

إن إرتباط المفهوم الديني بالسلطة ، وإرتباط السلطوي بالتربوي ، والتربوي بالديني ، هو ما يجعل هذه العلاقة معقدة وعصية على الفهم . هو مثلث قديم قدم البشرية لا بد من تفكيكه لفهم كل من عناصره على حدى ، ومن ثم النظر في العلاقة بينها . فالسلطة عادة ما تستمد شرعيتها من الدين ، وعادة ما تؤمن إستمراريتها عبر النظام التربوي . التمرد على الديني يأتي أحياناً ضمن التمرد على السلطة والتخلص من عبء الإحساس بالخوف تجاهها . هو شعور طفولي لا بد من تخطيه . أترك هذا الموضوع للمتخصصين وأكتفي بالملاحظة .

التيار الديني الإسلامي لا يكف عن إبداء شهيته للسلطة ، بل جعلها هدفه الوحيد وهو يسعى ، كما هو معروف ومصرح به ، لإقامة الشريعة حيث لا توجد ، أو تصحيح مسارها ، حيث وجدت . هو عادة لا يكلف نفسه عناء البحث النظري أو الفلسفي ، ولا إعطاء تصور واضح عن برنامجه السياسي والإجتماعي ، بل يكتفي بإنتقاد الفساد و "الشرور الإجتماعية " ، والكلام عن الفضيلة والرذيلة متلفحاً بعباءة السلف ، يعني القديم مع أنه حالياً وكما أشار الأخ يحي ، من أكثر التيارات معاصرة ( لجهة أنه الوحيد الذي يمتلك جواباً نقدياً للحداثة وتصوراً منظماً ومتكاملاً لما بعد الحداثة ) .

يجدر بي أيضاً ، الإشادة هنا بموقف الأخ يحي من البحث الفلسفي لجهة أنه أكد على ضرورته ولزومه وبأن النظر العقلي مكمل لرسالة الوحي وليس متعارضاً معها .

أظن أنه يوجد في كل واحد منا شيء من "يحي" وشيء من "عبد الحفيظ "، وأننا كمجتمع ، لم نحسم أمرنا بعد ، فحن نستحضر الحداثة عندما يناسبنا ، ونستلهم الدين حين الشعور بالخطر . اليوم ، نشعر بالخطر وهي ردة فعل تجاه هذه الهجمة الشرسة التي نعانيها . لو تجولت في السوق مثلاً ، في دمشق أو طرابلس أو عمان أو القاهرة ، أو الرباط ........... ، فستسمعين من مكبرات الصوت ، وفي الوقت نفسه ، أغاني " نانسي عجرم " و صوت الداعية " ......... " في نفس المكان . هذا الكاريكاتور حقيقي وليس مفتعلاً كغيره ، ونحن مسؤولون عنه .

أما موضوع اللغة فسأتركه للمرة القادمة .

كلمة صغيرة للأستاذ زهير بمناسبة قصيدته عن الدنمارك : شعرك أستاذي جميل ، جميل ، جميل ولكنه برىء ، برىء ، برىء ، ولم يعد الوضع يحتمل منا كل هذه البراءة ، نريد أكثر ، وننتظر .

 

2 - مارس - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
تعبت من الدوران حول طقوس الفاجعة    كن أول من يقيّم

 

شاعرنا وأستاذنا الكبير :

لن أقول لك كما قال المتنبي : " صحبت في الفلوات الوحش منفرداً " ، إلا أنني صحبت وحشتي وغربتي ، زمناً كافياً في هذا العالم المجنون ، لكي أسيء به الظن بما فيه الكفاية ، ولكي أعرف بأن انفعالاتنا الفطرية كثيراً ما تكون "مبرمجة " من قبل غيرنا ، وغالباً ما تستغل ضدنا .

لا أنوي الحديث في السياسة ، ولكن ما أعرفه ، هو أنه نشر وينشر في كل يوم ما هو أقبح من هذا بكثير ، دون ان يحتج عليه أحد ????????????????

في فترة أعياد الميلاد الماضية ، وهي الفترة التي تقام فيها مغارة الميلاد ، أقامت " فنانة " باكستانية ، كما أذكر ، معرضاً " مبتكراً " عن مغارة الميلاد . بدلاً من الحمار والنعجة والبقرة التي توضع حول المعلف الذي ولد فيه الطفل " يسوع " ( عليه السلام ) ، هي وضعت ثلاثة حمير ( حيوانات حقيقية) ، ولا أريد أن أنقل لكم ما كتبت عليها احتراما لموقعكم الموقر !! . وقد بقي هذا المعرض حوالي الشهر في مركز " جورج بامبيدو " الثقافي ،  الذي يؤمه الألوف ، ولم يحتج عليه أحد ??????????

هذه هي البراءة التي كنت أعنيها ! ولا يمكن للبراءة عند الشاعر بأن تكون غيرها لدى الآخرين .

معرفتي بالشعر ليست كبيرة ، إلا أنني أحبه ! نظمت منه صفحات وصفحات ولكنني لا أعتبرها جديرة بالنشر ، خصوصاً لضعف مستواها اللغوي . لا أرى أبعد من المتنبي ، وهو من فلاسفة الشعر . أما في العصر الحديث ، فأنا أحب شعر " سعدي يوسف " ، ليست أفكاره هي ما يستهويني ، إلا أن لغته قوية ومشاكسة وأشبهه "بحلاج " عصره . تعجبني أيضاً لغة " سليم بركات " الساحرة ، ولوعته ، وفضاءه الأسطوري رغم أنني لا أفهم الكثير مما يقوله . لا أحب " أدونيس " ولا أجد فيه إلا مهندساً للشعر ، وتزعجني حساسية " محمود درويش " المرهفة ، رغم غنائيته الجميلة ، إلا أنه لا يريد ، برأيي ، بأن يخرج من تنورة أمه ، رغم ما يقال عن "ثورية " شعره . هه ، كما ترى ، لا أحكم على الشعر إلا بميزان عواطفي نحوه فلا تحاسبني على المللغرام .

أرى بأنك تمتلك لغة جميلة ومسبوكة ، وان لديك ثقافة عميقة ، هي أبعد من الحسي ، وأنبل من العقلي ، لا تستعملها ، وأنك تقلب المعاني لكنك لا تطحنها جيداً ! تقف عند حدود الذوق والدماثة وما يخدش القالب ولا تتجرأ على القلب . لا تستخدم سلطتك عليه . الكلام سلطة وليس صورة ، كأنك بشعرك تريد بأن ترسم لوحة جميلة ، إلا أننا لا نراك فيها .

أنت ثاني شاعر أعرفه ويزعل مني . فهل أخاطر بهذا ?

 

 

 

4 - مارس - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
شعر من موسيقى النجوم    كن أول من يقيّم

 

والله يا أستاذ زهير لم أسمع أجمل ولا أشمل مما قلته فيها ، وأنا أتابع عنها كل شيئ ، ولقد تبعتها أحياناً في الأمصار لأسمعها . أتمنى لها بأن تسمع كلامك هذا فهي تستحق بأن ننحني لها إجلالاً وإنبهاراً ، وأن نرد إليها بعض الجميل .

أما شعرك الراقي هذا فهو حكاية أخرى لن أقدر عليها اليوم .

 

8 - مارس - 2006
البنت التي تبلبلت
مفهوم التاريخ    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

 

الأخوة العزاء :

تسعدني العودة لهذا الملف خصوصاً بعد أن قرأت ردودكم المشجعة على مواصلة طريق بدأناها منذ ثلاثة أشهر . شكري الجميل للأستاذ النويهي الذي أطلق شارة البدء ولكل الأخوة المشاركين الذين أخص منهم هؤلاء الذين كانت لهم مداخلات قصيرة لم تأخذ حظها في النقاش وذلك بسبب أننا مجبرون على حصر الموضوع وإستعادة الخيط الرئيسي في كل مرة ، لئلا يتشعب كثيراً ويتوزع في سواقي صغيرة سرعان ما تذوب في الطبيعة ، وليس لأي سبب يتعلق بوجهة نظرهم التي ابدوها على أي حال . وأؤكد على أن بعض المداخلات المختصرة يمكن لها أن تصبح مهمة مع بعض المثابرة .

الأستاذ وحيد عاد إلينا بعزم جديد وبمقالتين : سأختصر جداً ردي يا أستاذ وحيد لكن قبل ذلك أريد أن أثني على دماثتك وأؤكد لنا بأن الحوار مع عقلك النير وثقافتك الواسعة هو مصدر سعادة لنا .

بالنسبة للمقالة الأولى : عد ، لو سمحت ، إلى أول مقالة كتبتها في هذا الملف ، و أنظر كيف عرفت فيها الفلسفة على أنها : نظرية في أصل المعرفة . وعبرت عن قناعتي بأن جذرها هو عند اليونان ولا يتجاوزهم إلا تفرعاً عنهم . من هذا المنطلق ، لا يمكن للفلسفة بأن تكون إسلامية إلا إذا إعترفت بأن أصل المعرفة هو الوحي الإلهي . وهذا ما حصل فعلاً مع محاولات التوفيق التي بقيت نجاحاتها محدودة . بالتالي ، فإن المفاهيم التي طورتها الفلسفة الإسلامية إنطلاقاً من الإعتراف بأولوية الوحي ، إرتبطت بنظرية المعرفة هذه وجاءت المفاهيم المحورية كالعقل والنفس والمنطق ، مطبوعة بهذا الطابع . 

المقالة الثانية : تدل على متابعتك الدقيقة ، والعرض جيد ومفيد ، ولكنها لا تثبت أو تنفي شيئاً . هي تعود بنا إلى نقطة البداية التي يتحدد على أثرها الكثير من المسلمات : مرجعية الوحي . في هذه لا يوجد نقاش . ولو إتفقنا على أنه لا توجد حقيقة خارج العالم ، فسنختلف على تعريف العالم .

سأحاول الآن ربط كل هذا بالأفكار الضمنية ( وهي محاولة فهم يا أخ يحي ) التي تداولناها دون الإفصاح عنها مباشرة بغية تحديدها .

إن الفكرة الضمنية المحركة لهذا النقاش تنطلق من مفهومين متضادين للتاريخ . النظرة الإسلامية للتاريخ كما تجلت في الترسانة الهائلة التي تركها كنا المؤرخون العرب ، حيث ترى فيه سجلاً للأحداث ، أو إخباراً يحكي تاريخ البشر بدءاً من عهد آدم عليه السلام . ويتضمن هذا التاريخ كل النبؤات والمعجزات وتاريخ الأمم السابقة بما يتفق مع نص القرآن . ويتضمن فكرة القيامة أو اليوم الآخر كنهاية مؤكدة للتاريخ . التاريخ هنا : حلقة دائرية لها بداية ونهاية ستعود لتنغلق على نفسها متضمنة " الأخبار " . هو قصة وجود الإنسان على الأرض من خلال علاقته بالخالق . وهذا الوجود ليس عبثياً كما يبدو من عدم ترابط الأحداث المروية ، بل أن له غاية ضمنية : الخلاص .

صحيح بأن ابن خلدون حاول تطوير مفهوم التاريخ وتفسير الأحداث وربطها ببعضها في نظريته الشهيرة ، إلا أنه عندما عاد وكتبه ، كتبه بنفس طريقة الأوائل .

ضمن هذا المفهوم ، لا يتخذ الزمن ، أي طابع تراكمي إلا من حيث الكمية . الزمن لا يراكم فكراً ، بل هو تعداد رقمي للسنوات والعصور ليس إلا . سأستعيد هنا كلام الأخ يحي المأخوذ من مقالته رقم 20 حول تنقية المشكلة الفلسفية :

"يضع الزمان نفسه كخلفية للأفكار حيث تنشطر إلى أفكار سالفة (ماضي ) و أفكار حديثة (حاضر) , وكل منهما بدورها تفض نفسها في المحيط الإنساني إلى  سلفية و حداثة ,  و يبدو أننا عثرنا أخيرا على صلة قربي بين السلفية و الحداثة أي وضعهم للزمان كخلفية للأفكار, ويبدو أيضا أن الحداثة _ لحسن حظها _ قد حازت الجزء المفضل من تورتة الزمان أي العصر الحديث وهو العصر الذي يحتوي علي أقرب الأفكار إلى الحقيقة , أما السلفيون فقد قنعوا بالأفكار المتبقية في الماضي والتي كانت  _يوما ما _ أقرب إلى الحقيقة "

وهي فكرة رئيسية من حيث مدلولها لأنها تعبر عن خلفية النقاش الذي يربط مفهوم الحداثة ببعدها الزمني ويعطي للتيار الإسلامي طابعاً رجعياً كأنه علبة محفوظات إنتهت مدتها . 

 كنت قد أشرت إلى عدم واقعية هذا الإعتبار ، فهو ، أي التيار الإسلامي ، حديث بكل معنى الكلمة ، لأمرين : 

ـ الأول : لأنه لا زال فاعلاً ومؤثراً في الحياة العامة ، سياسياً وإجتماعياً . بكلمة واحدة ، هو لا زال فعالاً .

ـ الثاني : لأنه الوحيد الذي يمتلك مشروعاً فكرياً مستقلاً عن الغرب ، رغم أنه لم يعمل على تطويره وبلورته وظل مستغرقاً في النضال السياسي ، وفي التفسيرات القديمة التي أنتجها العقل العربي أبان مجده وهو غير قادر حتى الآن على مضاهاتها ، لذلك يحيطها بكل تلك القداسة ، إلا أنها غير مقدسة ، هي ضرورية لكنها غير نهائية . هذه واحدة من المآسي التي نعانيها . هناك تجارب غير عربية ، تركية وإيرانية حدثت وتحدث في إتجاه التطوير ولكن معرفتي بها قليلة .

هذه المقولة تجد جذرها في مفهوم التاريخ من وجهة نظر الحداثة ، بوصفه : حركة تصاعدية تتطور بإستمرار بإتجاه الأعلى ، وتعتقد أننا بإنضمامنا إلى الحداثة ، فلسوف نلتحم  مع حركة التاريخ السائرة دائماً إلى الأمام ( معنا أم من دوننا ) ، والأخ النويهي يقول بتساؤله الأساسي بوضوح  :

لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?

إن الإلتحاق بالمشروع الحداثي يعني الإلتحاق بحركة التاريخ التطورية الذي أنتجه العقل الأوروبي في القرن الثامن عشر وبلوره في العصور اللاحقة ولا يعني تحديداً ولا حصرياً ، فلسفة العقل الإنساني ، بل يعني بأن حركته ، أي التاريخ ، قسرية ، أو حتمية ، وأن الفكر سلسلة متصلة من التصورات  تتوالد حتماً من بعضها البعض ، وأن ذلك سيجبرنا على المرور بمحطات التطور البشري كلها ، الخلفية الثقافية لهذا التطور هي مسألة تقديس العقل المادي ، لكنه سرعان ما سيؤدي بنا إلى جملة من المفاهيم السياسية والإجتماعية ، أهمها : 

ـ فصل الدين عن الدولة وإعطاء التشريع طابع إنساني نفعي بحت.

ـ جعل الإنسان محور الوجود وموضوع العقل الأول بصفته الغاية في أي بحث علمي أو فلسفي.

ـ بناء عليه ، تبني قيم حقوق الإنسان المعلن عنها في : شرعة حقوق الإنسان كأنها الدين الجديد لليشرية .

ـ تبني القيم التي تروج لها الدعاوي السياسية ، من الديموقراطية ، إلى حرية التعبير ، إلى  ، حقوق المرأة بل وحقوق الطفل أيضاً ، وقد زادوا عليها اليوم حقوق الطبيعة ، والتعددية الثقافية ...... وأشياء أخرى ربما تغيب عن ذهني في هذه اللحظة .

هذه المفاهيم ، ليست صحيحة أو خاطئة بحد ذاتها ، بل يمكننا تبني الكثير منها بسهولة ودون أن يمس ذلك منظومتنا الأخلاقية ولا جوهر المعتقد . فلما لا نكون مع الديموقراطية مثلاً ? ولما لا ندعو لتحسين حقوق المرأة ، والطفل لو أردتم وإحترام الطبيعة وحرية التعبير عن الرأي ?

إلا أن المشكلة ليست هنا . وما علينا إلا مراقبة كيفية تحول هذه المفاهيم من دعوى إجتماعية إلى مجرد دعاوي سياسية هدفها تفكيك البنى الإجتماعية التقليدية للمجتمع في العالم كله ، وإعادة تنظيم المجتمعات على خلفية هذه المفاهيم الجديدة التي لا تخدم في الحقيقة سوى برنامج إقطاعيي الرأسمالية الجشعة، الذين يحكمون العالم وأن أهدافهم المضمرة ذات طابع إقتصادي وسياسي بحت .

فالديموقراطية تحولت إلى لعبة إجتماعية يسيطرون عليها تماماً ـ عبر وسائل الإعلام ـ ويتحكمون بنتائجها ( يحضرني الآن قول صحافي فرنسي هو فيليب دو بوفوار والذي يقول بأن الديموقراطية هي خمسين بالمئة من المغفلين ، زائد واحد ) ولقد فضحت الأحداث الأخيرة جديتهم في تطبيقها إلا بما يخدم مصالحهم . وأما المرأة ، فلقد حرروها ، عندما إحتاجوا إليها في بداية الأمر كيد عاملة رخيصة للعمل في المصانع ، وأما الطفل فهم يريدون سلبه حماية أهله الطبيعية وإيهامه بأنه مستقل عنهم وبهذا يتم تفكيك العائلة ويحصلون عليها فرداً فرداً . وأما الطبيعة فمن لوثها ? البوذية أم الإسلام ? وأما حرية الرأي فإسلوا عنها فادي .

إختصرت في النهاية حيث يمكننا التوسع كثيراً ، إلا أن لكل مقال نهاية .

 

 

8 - مارس - 2006
لما ذا لايوجد لدينا فلاسفة وهل عقمت الأمة العربية ?أم أننا خارج التاريخ ?
من وحي المناسبة    كن أول من يقيّم

 

قد فُتَّ المسك حقاً على محمد

قد فُتَّ المسك حقاً على محمد

في الملاوة التي بارك في تنزيلها المهيمن حول ذرّ شارقه

ليستوي بين يديه الفُلك الراتع في سجوّ صلاته

مكنوناً في شفتيه كأنما المصحف وجيب القلب الذي بسكناه لا يستعان وكالمقام المحمود المبعوث دُرّاً في هدبه الناظمات الضّياء

ذلك أن قرّة العين تبكي زمانه وتُبكي على فؤاده الصاعد جبريل بخفقانه إلى الأثير

إلى سماوات سبع يسجدن لعين وُسنه الذي يقشع الأنوار

مكتوباتٍ بسمت الوهج الذي يُضوي في الصّدور حبّاً مُناه أولى بأن تصير حبات قلبٍ ألحاظهن يبدين العفاف ويكتمن سماويّ السر العتيق

وما كان محمد أباً لواحد من أبنائكم بل كان الفرد الذي أناط حياتكم بالغفران

ببُرْدِ التواجد الضافي للعزة آلى يبقيها في المشى الحقيق بالآلاء والمصيف الخليق بالنعمى تسري من جبهته في فلذات أكبادكم ما شامت إلا النور وما عرّجت إلا على النّمير

كشمسي المصطفى يتخايلان في ألفاظكم ما حبَبْنَ إلا القطر وما صعّدن إلا الصّفو وما أرّجن إلا السّرى

كتبتّل إحسان الغمام لمهده وكاشراق الرّوض بثناياه والحرير

قد فُتَّ البهاء حقّاً على مُحمّد

وقام في الملكوت من يرخي سدول الخشوع على الأنوار والأفلاك والعصر المنير.

 

منذر حلاوي        

" النهار " الثلاثاء 24 كانون أول 2002 

 

 

10 - مارس - 2006
في الرد والدفاع عن رسول الله محمدصلى الله عليه وآله وسلم
 2  3  4  5  6