عودة السؤال... كن أول من يقيّم
مساء الخير...
كم تسعدني هذه العودة إلى طرح السؤال علينا ومن خلالنا ااا
يصعب علي ـ عزيزي فادي ـ أن أجيبك عن سؤال ( ماهية الفيلسوف) دون أن أحدد المرجعية التاريخية والنظرية التي سأتكلم من خلالها. هو سؤال تاريخي ينفلت من كل طرح مجرد. صورة الفيلسوف اليوم ليست هي صورته بالأمس. كان سقراط معلما ومربيا يجول الأزقة والساحة العامة. أما تلميذه أفلاطون فقد فضل تعليم فلسفته داخل أروقة الأكاديمية التي أسسها لهذا الغرض بشروط مازالت سائدة اليوم بصيغ أخرى. ومع فجر الحداثة برز ديكارت فيلسوفا يفضل العزلة الطويل من أجل تحقيق وحدة الذات solipsisme . أما هيجل فقد كان أستاذا جامعيا يورط معه طلابه في مغامرة التفلسف. وكان سارتر مناضلا نزل الشوارع في تظاهرة الطلبة في ماي 1968. ودريدا فضل الاشتغال على النصوص تفكيكا لهويتها...إلخ. التاريخ لا يقدم النموذج الواحد للفيلسوف? فمن هو الفيلسوف? هل الفيلسوف كائن زئبقي غير قابل للنمذجة في قالب ما? أبدا...كيف الطريق إذن? هناك طرق عديدة ممكنة. منها الطريق الذي اقترحه جيل دولوز وفيليكس غاتاري في كتابهما ( ما هي الفلسفة?). يتحدد هذا الطريق في اعتبار الفلسفة إبداعا للمفاهيم. وبالتالي لن يكون الفيلسوف سوى مبدعا للمفاهيم. في مداخلة سابقة أوضحت هذه المسألة بتفصيل. المعيار إذن هو القدرة على صنع/خلق/صياغة/ ابتكار مفاهيم جديدة أو على الأقل إعادة إنتاج وتكييف مفاهيم قديمة أو متعاصرة. لم يعد الفيلسوف الآن صاحب نسق فلسفي. هذا عهد ولى. إذا اتفقنا على هذا المعيار يمكن حينئذ تلمس طريق الإجابة...ودون ذلك علينا البحث عن معايير أخرى ( لا تقتصر فقط على التأليف والبحث. ذلك نتيجة وليس سببا).
......
الأخ رؤوف كان لك وسيظل لك كل الفضل في فتح هذا الملف. مازلت متمسكا بأن هذا الملف كان ينبغي أن يأخذ مسارا آخر. كان ينبغي أن يوجه نحو منعطف وليس نحو مفترق. أنا شخصيا تصورت الأمر مفترقا عندما شكرنا بعضنا البعض في المداخلات الأخيرة. وكان بودي أن يكون الأمر منعطفا لو تدخل أحدنا لتوجيه مسار النقاش بعد وقفة انعطاف للتقييم. أنا متفق معك كليا أنه يصعب الحسم في السؤال. ولهذا السبب بالضبط كان ينبغي لأحد منا أن يفجر من السؤال أسئلة. وأن يحول الجواب/الأجوبة إلى "لغم" أو "قنبلة" تمكن شظاياها وأصداؤها من إيقاظنا من سباتنا واطمئناننا.
أقترح العودة إلى حيث توقفنا. أقترح أن يقدم كل واحد منا تقييمه الخاص لهذه التجربة التي استغرقت شهورا:
ـ ما معنى أن نطرح سؤال الفلسفة اليوم?
ـ ما مدى إلحاحية هذا الموضوع?
ـ ما هي مقارباتنا للموضوع?
ـ كيف بدأ النقاش? وكيف تطور? وكيف ولماذا ارتفع إيقاعه في لحظة ما? وكيف نزل ولماذا?
ـ ما هي القواسم المشتركة بيننا? وما هي التقاطعات والتنافرات بيننا?
ـ ما هي الاسماء الجديدة التي ساهمت في الملف ولم تتمكن من الاستمرار? لماذا لم تستمر?
ـ لماذا ظل النقاش منحصرا بين أسماء بعينها? لماذا لم نتمكن من الإشراك المنتظم لأسماء أخرى?
ـ ما هو المنجز الذي تحقق وغير المنجز الذي ينتظر دوره في غرفة انتظارنا?
ـ ما الذي حققته هذه التجربة? ما هي امتداداتها وتأثيراتها على الموضوعات الأخرى في مجالس الوراق?
ـ هل كانت الفلسفة فعلا هي الأم التي أنجبت تلك الملفات والموضوعات، مثلما كانت في وقت ما هي أم العلوم?
ـ لماذا لم تتمكن الأم من احتضان أبنائها وجمع شملهم ?
...
هي بعض من تلك الأسئلة التي أججت داخلي مرة اخرى حبي لكم، ودعوتي إياكم للعودة إلى المنعطف.
....
مهما قلت أو قلتم لن أتنازل عن حبي لكم... |