فالعمدة ما حكاه الثعلبي كن أول من يقيّم
صباح الخير:
استيقظت هذا الصباح فكان أول ما تذكرت كيف كنا ونحن دون السادسة من العمر إذا رأينا السحابة السوداء تطل من فوق الجبل، نهرب ونقول: (إجا الجمل، إجا الجمل) و(إجا: يعني جاء) أردت هنا أن أعلق على كلمة الإمام الثعلبي التي نقلها عنه القرطبي، كما في التعليق السابق، وهو قوله في كتابه (الكشف والبيان): (وقيل : الإبل هاهنا السحاب، ولم أجد لذلك أصلا في كتب الأئمة)
والثعلبي هو الإمام المفسر الكبير: أبو إسحق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري، توفي عام 427هـ ويمكن تحميل (الكشف والبيان) عن طريق هذا الرابط.
وما حكاه الثعلبي هو الصواب،فقد وردت (لفظة) الإبل في معجم لسان العرب (1740) مرة، فكانت كلها عن الإبل (البعير) ولم ترد بمعنى السحاب أبدا إلا في مادة (إبل) أثناء الحديث عما يقال من أن الإبل يطلق أيضا على السحاب.
وسبب تشبيه السحاب بالإبل هو بروزها من الأفق بروز الإبل، واجتماعها وتفرقها في السير، وحملها الماء كما تحمل الإبل أحمالها، لذلك نرى العرب وصفوا السحاب بما يصفون به الإبل في كثير من مفرداتهم.
فقالوا: الحَدْوُ سَوْقُ الإِبِل والغِناء لها. ويقال للشَّمالِ حَدْواءُ لأَنها تَحْدُو السحابَ أَي تَسوقُه؛ قال العجاج:
حَدْواءُ جاءتْ من جبالِ الطُّورِ |
|
تُـزْجِي أَراعِيلَ الجَهَامِ iiالخُورِ |
وقالو في السحاب إذا ارتفع نَحْوَ بطن السماء: احْزَأَلَّ
وقالوا في الإبل إذا اجتمعت ثم ارتفعت عن مَتن من الأَرض في ذهابها (احزألت)
وسموا الإبل التي تتلوها أولادها متالي، جمع (متلية) وقال البَاهلي: المَتالي الإِبل التي قد نُتج بعضها وبعضها لم ينتج؛ وأَنشد:
وكـلُّ شَـمـالـيٍّ، كـأَنَّ iiرَبابَه |
|
مَتالي مهيب، مِنْ بَني السيِّدِ، أَوْرَدا |
قال: نَعَمُ بَني السيِّدِ سُودٌ، فشبه السحاب بها وشبه صوت الرعد بحَنِين هذه المَتالي.
وقالوا :الصِّرْمَةُ: القِطْعة من السحاب. والصِّرْمَة: القطعة من الإبل
وقالوا: الخِنْطِيلة: القِطْعة من الإِبل والبقر والسحاب؛ قال ذو الرمة:
خَـنَـاطِيل يستقرِين كل iiقَرَارة |
|
مِرَبٍّ نَفَتْ عنها الغُثاءَ الروائس | الروائس: أَعالي الوادي. والخُنْطُولة: الطائفة من الدواب والإِبل ونحوها. وإِبِلٌ خَناطِيل: متفرقة
وقالوا: والعَكَرةُ:القطعة من الإِبل وقال ساعدة بن جؤية:
لَـمّا رَأَى نَعْمان حلَّ iiبِكِرْفِئ |
|
عَكِرٍ، كما لَبَجَ النُّزولَ الأَرْكُبُ | جعل للسحاب عَكَراً كَعَكَرِ الإِبل، وإِنما عنى بذلك قِطَع السحاب وقَلَعَه
وقالوا: القُذَعْمِلة: القصير الضخم من الإِبل، والقُذَعْمِلة: الناقة القصيرة. وما في السماء قُذَعْمِلة أَي شيء من السحاب.
وقالوا: النَّشء بسكون الشين: صِغار الإِبل،. وأَنْشَأَت الناقةُ، وهي مُنْشِءٌ: لَقِحَت. ونَشَأَ السحابُ نَشْأً ونُشُوءاً: ارتفع وبَدَا، وذلك في أَوّل ما يَبْدأُ. ولهذا السحاب نَشْءٌ حَسَنٌ، يعني أَوَّل ظهوره.وقال الأَصمعي: خرج السحابُ له نَشْئٌ حَسَنٌ وخَرج له خُروجٌ حسن، وذلك أَوَّلَ ما يَنْشَأُ
وقالوا: رَحا السَّحابِ: مُسْتَدارُها. وفي حديث صِفَةِ السَّحابِ: كيف تَرَوْنَ رَحاها أَي اسْتِدارَتَها أَو ما اسْتَدارَ منها. والأرْحي: القَبائلُ التي تَسْتَقِلُّ بنَفْسها وتَسْتَغْني عن والرَّحا من الإبل: الطَّحَّانة، وهي الإبل الكثيرةُ تَزْدَحِمُ.
وسموا السَّحابَ رَوايا البِلادِ؛ والرَّوايا من الإِبلِ: الحَوامِلُ للماء، واحدتها راوِيةٌ فشبَّهها بها، وبه سميت المزادةُ راويةً، وقيل بالعكس. وفي حديث بَدْرٍ: فإِذا هو برَوايا قُرَيْشٍ أَي إِبِلِهِم التي كانوا يستقون عليها
وقالوا: الفِرْشاحُ من النساء: الكبيرة السَّمِجَة، وكذلك هي من الإِبل؛ قال:
سَقَيْتُكمُ الفِرْشاحَ، نَأْياً iiلأُمِّكُمْ |
|
تَدِبُّونَ للمَوْلى دَبيبَ العَقارِب | والفِرْشاحُ من السحاب: الذي لا مطر فيه.
وقالوا : الفارِقُ من الإِبل: التي تُفارق إِلْفَها فَتَنْتَتِجُ وحدها، وقيل: هي التي أَخذها المَخاض فذهبت نادَّةً في الأَرض، وجمعها فُرَّق وفَوارِق.
قال الجوهري: وربما شبهوا السحابة التي تنفرد من السحاب بهذه الناقة فيقال فارق. وقال ابن سيده: سحابة فارِقٌ منقطعة من معظم السحاب تشبه بالفارِقِ من الإِبل؛ قال عبد بني الحَسْحاسِ يصف سحاباً:
لـه فُـرَّقٌ منه يُنَتَّجْنَ iiحَوْلَهُ |
|
يفَقِّئْنَ بالمِيثِ الدِّماثِ السَّوابيا | فجعل له سوابي كسوابي الإِبل اتساعاً في الكلام، قال ابن بري: ويجمع أَيضاً على فُرَّاق؛ قال الأَعشى:
أَخرجَتْه قَهْباءُ مُسْبِلةُ الوَدْ |
|
قِ رَجُوسٌ، قدَّامَها iiفُرّاقُ |
|