البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات زهير ظاظا

 298  299  300  301  302 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
منذ متى    كن أول من يقيّم

المعذرة من أستاذنا الكبير ياسين الشيخ سليمان، فكلام دموع الورد لا غبار عليه، وقد قرأت القطعة فلم يستوقفني أبدا ما تفضلتم به، لذلك لم أجد بدا من أن أقول: (أصابت امرأة وأخطأ عمر)
 وأما رزان فهي كما يظهر عندي في صفحة الإدارة من مواليد 1 / 1 / 1900م يعني عمرها بالتمام (108) سنوات، لذلك تراها تبكي على صباها وحق لها ذلك. وهذا كلام المزح، وأما كلام الجد فإن رزان شاعرة بالفطرة، لو قدر الله لها من يعتني بموهبتها فسوف تكتب شعرا جميلا يأسر القلوب، ويحبس الأنفاس.
والحق يقال: فهذه أول مرة في تاريخ الشعر العربي يفتتح شاعر قصيدته بقوله (منذ متى) بل لا أعرف شاعرا استطاع أن يخضع هذا التركيب العسر للشعر سوى أحمد شوقي في قصيدة (البامية):
الـبـامـيا منذ iiمتى هذا الخضار قد iiظهر
نـادى المنادون عليـ ـهـا منذ أسبوع iiعبر
تـرفُـل في iiشوكتها وفـي شبابها iiالنِضر
أجـل  لـقـد أكلتها في منزل الشيخ عمر
فلو استطاعت رزان أن تعيد كتابة هذه القصيدة على (الرجز) وتحافظ على (منذ متى) وعلى محلها في فاتحة البيت فسوف تكون فتحا مبينا في تاريخ الشعر العربي:
فقولها: (منذ متى يعنيك إضطرابي) رجز صحيح بقطع همزة الوصل، وفي هذا سوف نسامحها. والغالب على هذه القطعة بحر الرجز، وسوف أقوم هنا بسبك نصف القصيدة وأترك الباقي على الأستاذ ياسين:
مـنـذ متى يهمك iiاضطرابي مـنـذ متى تسأل عن iiعذابي
منذ  متى يعنيك كم جئت iiإلي كَ  أحمل الشوق على iiأهدابي
اسألْ رحيق الفجر عن مسكنه فـإنه يـسـكـن في iiثيابي
كـان  بـهـا حبك iiيفترسني في ساحة الوهم وفي iiالضياب
و كنت أدري أنه في iiومضه أمـنـيـة فـي أفق السراب
وحينما  اعتدت أعيش iiجرحه وحـيـدة  أتـابـع اغترابي
 

27 - أكتوبر - 2008
الماضي لا يعود
شكر وجواب    كن أول من يقيّم

كل الشكر لأستاذنا الكبير ياسين الشيخ سليمان على هذه الاستجابة الطيبة، والتي تجاوزت كل توقعاتي، وسبحان من طوع لك الأدب، وألان لك الحديث، تجعل من حجارته زهورا، وتصنع من طينه كهيئة الطير ثم تنفخ فيه فيصير طيرا بإذن الله. واما قصيدة الباميا فهي في الأصل (11) بيتا، وإليكها كاملة:
وما  الذي اشتريت iiيا حسنى لنا من الخُضَر
الـبـامـيا كأنها iiال زمـرد  الخام iiالحجر
الـبـامـيا منذ iiمتى هذا الخضار قد iiظهر
جـديـدة قلت iiعسى سـيـدتـي بها iiتُسر
نـادى المنادون iiعليـ ـهـا منذ أسبوع iiعبر
تـرفُـل في iiشوكتها وفـي  شبابها النِضر
أجـل  لـقـد iiأكلتها في منزل الشيخ iiعمر
كـالـذهب  iiالأبريز والثوم  عليها iiكالدرر
والـيـوم  iiتـأكلينها أمَرّ  من طعم iiالصبر
اشـتُـريـت  iiغالية مـثل البواكير iiالأخَر
مـن  أين جاء iiومتى مـن  الصعيد قد بكَر
أما قصيدة (قصة الأمس) فكما تفضلتم، لكل مقطع منها بحر:
وأولها مجزوء الكامل:
أنا لن أعود إليك مهما اسْتَرْحَمَتْ دقات قلبي
أنت الذي بدأ الملالة والصدود وخان حبي
فإذا دعوت اليوم قلبي للتصافي لن يلبي
ثم رمل
كنت لي أيام كان الحب لي = أمل الدنيا ودنيا أملي
حين غنيتك لحن الغزل = بين افراح الغرام الأول
ثم سريع
وكنت عيني، وعلى نورها = لاحت أزاهير الصبا والفتون
وكنت روحي، هام في سرها= قلبي ولم تُدرِك مداه الظُنون
وعدتني أن لا يكون الهوى = ما بيننا إلا الرضا والصفاء
وقلت لي إن عذاب النوى = بشرى توافينا بقرب اللقاء
ثم مجزوء الرمل
ثم اخلفت وعوداً =طاب فيها خاطري
هل توسمت جديداً = في غرامٍ ناضر ؟
فغرامي راح يا طو=ل ضَراعاتي إليه
وانشغالي في ليالي ال=سهدُ، والوَجْدِ عليه
ثم خفيف
كان عندي وليس بَعْدَكَ عِندي= نَعْمَةٌ من تصوراتي ووجدي
يا ترى ما تقول روحك بعدي = في ابتعادي وكبريائي وزهدي
ثم رمل مجزوء وغير مجزوء
عِشْ كما تهوى قريباً أو بعيدا
حَسْبُ أيامي جراحاً = ونواحاً ووعودا
ولياليَّ ضياعاً  =وجحودا ...
ولقاءً ووداعاً يترك القلب وحيدا
يَسْهَرُ المصباحُ والأقداحُ والذكرى معي
وعيونُ الليل يخبو نورها في أدمعي
يا لذكراك التي عاشت بها روحي على الوهم سنينا
ذهبت من خاطري إلا صدى يعتادني حيناً فحينا
قصة الأمس أناجيها وأحلامُ غَدي = وأمانيُ حسانُ رَقَصَتْ في مَعْبَدي
وجراحٌ مشعلاتٌ نارَها في مرقدي -= وسحاباتٌُ خيالٍ غائمٍ كالأبدِ
 
والقصيدة من شعر المرحوم أحمد فتحي (1960م) وأشهر شعره قصيدة الكرنك التي غناها له محمد عبد الوهاب، فلقب بها وصار يقال له (شاعر الكرنك) وترجمته وأخباره منشورة في كثير من المواقع

28 - أكتوبر - 2008
الماضي لا يعود
قصة الأمل الضائع    كن أول من يقيّم

اهتز قلبي لصورة هذه السطور قبل أن أقرأ ما فيها، فقد عرفت من نمط الخط وأسلوب توزيع الكلمات أنها كلمات وألحان أستاذنا الدكتور عبد الله الحذيفي.
ولكن لماذا اهتز قلبي وأحسست بالقشعريرة تسري بين كتفي ؟؟
لأنني فتحت الوراق وفي مخيلتي صورة الدكتور عبد الله الحذيفي كما رسمها حديث صديقنا الأستاذ عبد الله السريحي عنه وعن عصاميته قبل أن أدخل إلى هذا الملف بدقائق معدودات.
كان الحديث شجيا بما فيه من ذكر الأوضاع المتردية التي كانت تعيشها بلاد اليمن عموما في تلك الفترة، وكيف استطاع الأستاذ عبد الله طاهر الحذيفي أن يشق طريقه إلى القمة، بعزم وإصرار.. عزم لا يرضى الاستكانة، وإصرار يرفض الانصياع، ومع ذلك فقد كان أيضا ما حكاه، وما قرأته بمرارة، فقد دوختني كما دوخته المفاجآت ذات يوم، لاسيما قصة البكاء من ضياع الأمل. هذه القصة التي كانت قراءتي لروايتها مبكرة جدا، وقبل أن أبلغ العشرين، وصبغت حياتي برماد الشعلة ولم يكن غريبا أن تستهوي قصة الأمس كل من سمعها من شباب ذلك الجيل، وأذكر أني كنت في زيارة صديقنا السويدي (صانع الوراق) ففتحت مذكراته لأتفاجأ بقطعة من قصيدة (قصة الأمس) تتصدر المذكرات.
يَسْهَرُ المصباحُ والأقداحُ والذكرى معي
وعيونُ الليل يخبو نورها في أدمعي
يا لذكراك التي عاشت بها روحي على الوهم سنينا
ذهبت من خاطري إلا صدى يعتادني حيناً فحينا
وبقي أن أقول لأستاذنا عبد الله الحذيفي: غالية تلك الكلمات التي ليست لها مناسبة غير المحبة والود، نقرؤها باعتزاز، وترسخ في القلوب، ويبقى بريقها لامعا متجددا.. كل الشكر لك أستاذي المبارك الطاهر عبد الله طاهر الحذيفي ودمتم في توفيق الله ورضاه

28 - أكتوبر - 2008
الماضي لا يعود
حول كلمة الحصري    كن أول من يقيّم

كل الشكر لأستاذتنا ضياء خانم على هذه الهدية الثمينة، ولسفير الورد على طرائفه التي حملت هذا الموضوع إلى الواجهة، ولأستاذنا الكبير ياسين الشيخ سليمان على متابعته المشكورة، وكنت أردت أن أجيبكم أستاذي على سؤالكم صبح اليوم ثم انشغلت وما تذكرت حتى هذه اللحظة.
لم أبحث عن حقيقة كلمة الحصري، ولكن يبدو لي أنها لا تخرج عما قلته في التعريف بتاريخ ابن خلدون، من أن الوالي أحمد جودت باشا (ت1895) =أحد ولاة سوريا في العهد العثماني= قام بترجمة القسم السادس من المقدمة، وهو أهم أقسامها، وكانت الترجمة التركية الأولى قد أغفلته. فربما كان حديث ساطع الحصري عن نشرات للمقدمة في استنبول أهملت نفس القسم، لأنه كان إهمالا متعمدا

29 - أكتوبر - 2008
أبجدية البربر والفرنجة
ولادة الأندلسية    كن أول من يقيّم

وأهلا بك في سراة الوراق أستاذة ولادة، متمنيا المزيد من المشاركة في مجالسنا، وأن تحدثينا أكثر عن الخطوات التي أنجزتها في رسالتك، قرأت اليوم مشاركاتك كلها، فرأيت فيها قلما ناضجا وأدبا ساميا وفكرا نيرا، وفقك الله وسدد خطاك، وكل الشكر لأستاذنا الكبير الدكتور سليمان أبو ستة على هذا الجواب الشافي حول كتاب الشافي، ولا عطر بعد عروس

29 - أكتوبر - 2008
كتاب الشافي للمبرد
عروة الورد    كن أول من يقيّم

تحية طيبة للشاعر الأديب عروة علي موسى، والذي يذكرني اسمه بعروة بن الورد، وشعره أيضا فائض من خيال عروة بن الورد، ولكل رجل نصيب من اسمه، لذلك رأيت أن أحييه بهذا الاسم (عروة الورد) كما أشكر الأستاذة (دموع الورد) على مشاركاتها الأنيقة في مجالسنا، وخاصة تلك التي تناولت فيها موضوع المسلسلات التركية، وأما قصيدة عروة (أغدا نعود) فتنم عن ملكة شعرية متفتحة، تحتضنها حصيلة خصبة من مفردات الشعر في مختلف فنونه وأغراضه، متمنيا من عروة أن يعرّفنا بشخصه الكريم، بكتابة نبذة عن حياته، تساعدنا على رسم صورة صحيحة لمشاركاته. وتخفف من ثقل التكهنات في مسار التعليقات. حتى لا نقع في الفخ الذي وقعنا فيه مع رزان، مع أني ما زلت متمسكا بما قلت هناك.
 

29 - أكتوبر - 2008
أغداً نعود ؟ !
أصدقائي من السودان    كن أول من يقيّم

وأهلا بك في سراة الوراق يا (عروة الورد) ونعم بالسودان أهلا وشعبا ووطنا، ولقد كان من حسنات هجرتي إلى أبو ظبي أني تعرفت عن نخبة من رجالات السودان شبابا وشيوخا... منهم من تعرفت عليه في مجلس صديقنا الأستاذ محمد السويدي، ومنهم من التقيتهم في مناسبات أخرى، ومنهم زملاء لي في العمل، والقاسم المشترك الذي يجمع بينهم صفاء الطوية وخلوص النية وعمق الاهتمام بتاريخ العرب في العصر الحديث، ورأيت في الكثير منهم صدق ما حكاه الجاحظ في كتابه (فخر السودان على البيضان) : (ولو رأيتم أهل لنجويه نسيتم الجمال والكمال) ولابد لي في كل يوم من أن أجلس ساعة مع صديقي تنباب تود (محمد عثمان) لأسمع منه أخبار العالم، ويسمع مني أخبار الأستاذة ضياء خانم وآخر كتاباتها.

29 - أكتوبر - 2008
أغداً نعود ؟ !
نص الرحلة     ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

قال ابن حجة الحموي في كتابه (ثمرات الوراق: ، نشرة الوراق، من ص 124 حتى ص 130)
وذكرت بهذه الرحلة أيضا رحلتي من الديار المصرية إلى دمشق المحروسة المحمية سنة إحدى وتسعين وسبعمائة والملك الناصر قد خرج من الكرك ونزل عليها وتصدى لحصارها وقد اجتمعت عليه العساكر المصرية والشامية وحدث بدمشق المحروسة ما حدث من القتال والحصار والحريق فكتبت إلى مقر المرحومي الفخري القاضي ابن مكانس في شرح ذلك رسالة لم ينسج على منوالها ولم تسمح على غلبة الظن قريحة بمثالها. وهي:
يقبل المملوك أرضا من يمَّمها أو تيمم بثراها حصل له الفخر والمجد، ففلا برح هيام الوفود إلى أبوابها أكثر من هيام العرب إلى ريّا نجد.
ولا زالت فحول الشعراء تطلق أعنة لفظها فتركض في ذلك المضمار، وتهيم بواديها الذي يجب أن ترفع فيه على أعمدة المدائح بيوت الأشعار.
وينهي بعد أشواق أمست الدموع بها في محاجر العين معثرة، ولو لم يقر إنسانها بمراسلات الدمع لقلت قتل الإنسان ما أكفره.
وصول المملوك إلى دمشق المحروسة فيا ليته قبض قبل ما كتب عليه الوصول، ودخوله إليها ولقد والله تمنى خروج الروح عند الدخول.
قبة يلبغا
فنظر المملوك إلى قبة يلبغا وقد طار بها طير الحمام وجثت حولها تلك الأسود الضارية، فتطيرت في ذلك الوقت من القبة والطير وتعوذت بالغاشية.
القبيبات
ودخلت بعد ذلك إلى القبيبات التي صغر اسمها لأجل التحبب، فوجدتها وقد خلا منها كل منزل كان آنسا بحبيبه، فأشد به لسان الحال (قفا نبك من ذكرى حبيب)
المصلى
ونظرت بعد القباب إلى المصلى وما فعلت به سكان تلك الخيام، والتفتُّ إلى بديع بيوته التي حسن بناء تأسيسها وقد فسد منها النظام:
فسال وقد وقفتُ عقيق iiدمعي على أرض المصلَّى والقباب
ونظرت إلى ذلك الوادي الفسيح وقد ضاق من الحريق بسكانه الفضا، فتوهمت أن وادي المصلى قد تبدل بوادي الغضا:
فسقى الغضا والساكنيه وإن همُ  شبّوه بين جوانـحي وضلوعي
ميدان الحصى
واصطليت النار وقد أرادت سبي ذلك النادي فشبت عليه من فوارس لهيبها الغارة، وركضت في ميدان الحصى فوجدت أركانه كما قال تعالى (وقودها الناس والحجارة)
قصر الحجاج
ودخلت قصر الحجاج وقد مدت النار به من غير ضرورة في موضع القصر، وأصبح أهله في خسر، وكيف لا وقد صاروا عبرة لأهل العصر.
وتأملت تلك الألسن الجمرية وقد انطلقت في ثغور تلك الربوع تكلم السكان، وتطاولت بألسنة الأسنة الأتراك فانذهل أهل دمشق وقد كُلّموا بكل لسان، ووصل المملوك بعد الفجر إلى البلد وقد تلا بعد زخرفة في سورة الدخان، فوجب أن أجري الدموع على وجيب كل ربع وأنشد وقد دخل صبري بعد أن كان في خبر كان:
دمعٌ جرى فقضى في الربع ما وجبا
ووقفت أندب عرصاتها التي قمحت بالبين فخابت من أهلها الظنون، وكم داروا بقمحها خيفة من طاحون النار فلم يسلم فصدقت المثل بأن القمح يدور ويجيء إلى الطاحون.
الحدادين
 وتطرقت بعد ذلك إلى الحدادين وقد نادتهم النار بلسانها من مكان بعيد، (آتوني زبر الحديد).
يوم حرقت دمشق
ولقد كان يوم حريقها يوما عبوسا قمطريرا، أصبح المسلمون فيه من الخيفة وقد رأوا (سلاسل وأغلالا وسعيرا)، هذا وكلما أصليت نار الحريق وشبت نار الحرب، ذكرت ما أشار به مولانا على المملوك من الإقامة بمصر فأنشدت من شدة الكرب:
آهاً لمصرَ وأين مصرُ وكيف لي بـديـار  مصرَ مراتعاً iiوملاعبا
والـدهـر سـلـمٌ كيفما iiحاولته لا  مثل دهري في دمشق محاربا

يا مولانا لقد لبست دمشق في هذا المأتم السواد، وطبخت قلوب أهلها كما تقدم على نارين وسلقوا من الأسنة بألسنة حداد، ولقد نشفت عيونهم من الحريق واستسقوا فلم ينشقوا رائحة الغادية، وكم رؤي في ذلك اليوم (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلي نارا حامية)، وكم رجل تلا عند لهيب بيته (تبت يدا أبي لهب) وخرج هاربا (وامرأته حمالة الحطب) وشكا الناس من شدة الوهج وهم في الشتاء، وصاروا من هذا الأمر يتعجبون، فقال لهم لسان النار: أتعجبون من الوهج والحريق وأنتم في كانون، ولعمري لو عاش ابن نباتة ورأى هذه الحال، وما تم على أهل دمشق في كانون لترك رثاء ولده عبد الرحيم وقال:
يا لهف قلبي على وادي دمشق ويا حُـزنـي  ويـا شجوي ويا iiدائي
فـي شهر كانون وافاه الحريق لقد أحـرقت  بالنار يا كانون أحشائي
قلعة دمشق
ونظرت بعد ذلك إلى القلعة المحروسة وقد قامت قيامة حربها حتى قلنا (أزفت الآزفة) وستروا بروجها من الطارق بتلك الستائر وهم يلتون (ليس لها من دون الله كاشفة)
واستجليت عروس الطارقة عند زفها وقد تجهزت للحرب وما لها غير الأرواح مهر؛ وعقدت على رأسها تلك العصائب وتوشحت بتلك الطوارق وأدارت على معصمها الأبيض سوار النهر.
وغازلت بحواجب قسيها فرمت القلوب من عيون مراميها بالنبال؛ وأهدت إلى العيون من مكاحل نارها أكحالا كانت السهام لها أميال.
وطلبها كل من الحاضرين وقد غلا دست الحرب وسمح وهو على فرسه بنفسه الغالية؛ وراموا كشفها وهم في رقعة الأرض كأنهم لم يعلموا بأن الطارقة عالية.
وتالله لقد حرست بقوم (1) لم يتدرعوا بغير آية الحرس في الأسحار؛ وقد استيقظوا الحمل قسيهم ولم تنم أعينهم عن الأوتار؛ فأعيذ رواسيها التي هي كالجبال الشامخة بمن أسس رواسي المحجوج؛ وأحصنها قلعة بالسماء ذات البروج.
سور دمشق وأبوابها
وتطاولت إلى السور المشرف وقد فضل في علم الحرب وحفظ أبوابه المقفلات؛ فما وقفنا على باب إلا وجدناه لم يترك خلفه لصاحب المفتاح تخليصا لما أبداه من المشكلات؛ وما أحقه بقول القائل:
فـضائله سورٌ على المجد iiحائطٌ وبالعلم هذا السور أضحى مشرّفا
كم (2) حملوا عليه وظنوا في طريق حملتهم نصرا، ونصبوا دست الحرب ولم يعلموا بأنه قد طبخ لهم على كل باب قدراً.
 فلا وأبيك لو نظرته يوم الحرب وقد تصاعد فيه أنفاس الرجال لقلت (ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد) وإلى المحاصرين وقد جاؤوا راجلاً وفارسا ليشهدوا القتال لقلت (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) وإلى كواكب الأسنة وقد انتثرت، وإلى قبور الشهداء وهي من تحت أرجل الخيل قد بعثرت، وإلى كرَّ الفوراس وفرِّها لقلت (علمت نفس ما قدمت وأخرت) وإلى نار النفط وقد نفطت من غيضها، وإلى ذكور السيوف وقد وضعت لمنايا السود وتعذرت من شدة الدماء لكثرة حيضها،
ومن العجائب أن بيض سيوفهم تـلد  المنايا السود وهي iiذكور
 وإلى فارس الغبار وقد ركب صهوات الجو ولحق بعنان السماء، وإلى أهداب السهام وقد بكت لما تخضبت بالدماء، وإلى كل هارب سُلب عقله وكيف لا وخصمه له تابع، وإلى كل مدفع وما له عند حكم القضاء دافع، وإلى قامات أقلام الخط وقد صار لها في طروس الأجسام مشق، فاستصوبت عند ذلك رأي من قال: عرّج ركابك عن دمشق.
العشير
ونظرت بعد ذلك إلى العشير وقد استحل في ذي الحجة المحرم وحمل كل قيسيٍّ يمانيا وتقدم.
 فخرج النساء وقد أنكرن منهم هذا الأمر العسير فقلت:
وغـير  بدعٍ iiللنسا ء إذا تنكّرن العشير
باب النصر
وتصفحت بعد ذلك فاتحة باب النصر فعوذته بالإخلاص وزدت لله شكرا وحمدا، وتأملت أهل الباب وهم يتلون لأهل البلد في سورة الفتح وللمحاصرين (وجعلنا من بين أيديهم سدّا)ً، كم طلبوا فتحه فلم يجدوا لهم طاقة (وضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب).
الأسواق تحت القلعة
ونظرت إلى ما تحت القلعة من أسواق التجار فوجدت كلا قد محت النار آثاره وأهله يتلون (قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة) فمنهم من شأنه على صاحبته وبنيه، وآخر قد استغنى بشأن نفسه فهم كما قال الله (لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه) فوقفت أنشد في تلك الأسواق وقد سُعّرت:
ألا موتٌ يباع فأشتريه ..
ونظرت إلى المؤمنين الركع السجود وهم يتلون على من ترك في بيوتهم أخدودا من وقود النار، وقعد لحربهم في ذلك اليوم المشهود (قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود) هذا وكم مؤمن قد خرج من دياره حذر الموت وهو يقول النجاة وطلب الفرار، وكلما دعا قومه لمساعدتهم على الحريق ناداهم وقد عدم الاصطبار، (ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار)
ضواحي دمشق
ونظرت ضواحي البلد وقد استدّت في وجوههم المذاهب وما لهم من الضيق مخرج، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت لما غلق في وجوههم باب الفرج، فقلت اللهم اجعل لهم من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا، ولعدم أموالهم من كل عسر يسرا، ولانتهاك مخدراتهم من كل فاحشة سترا، ولقطع الماء عنهم إلى كل خير سبيل فإنك حسبنا ونعم الوكيل.
هذا وكم نظرت إلى سماء ربع غربت شمسه بعد الإشراق، فأنشدت وقد ازددت كربا من شدة الاحتراق:
فـدنياك من ربعٍ وإن زدتنا iiكربا فإنّك كنت الشرق للشمس والغربا
الطواقيين
وانتهيت إلى الطواقيين (3) وقد أسبل عليهم الحريق شدته فكشفوا الرؤوس لعالم السرائر، وكم ذات ستر خرجت بفرق مكشوف ورمت العصائب وبعلها بعينه دائر، هذا وكم ناهدات
أسبلن من فوق النهود ذوائبا فتركن  حبّات القلوب ذوائبا

باب الفراديس
ووصلت إلى ظاهر الفراديس وقد قام كل إلى فردوس بيته (فاطلع فرآه في سواء الجحيم) واندهشت لتلك الأنفس التي ماتت من شدة الخوف وهي تستغيث بالذي (أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم)
باب السلامة:
ونظرت إلى ظاهر باب السلامة (4) وقد أخفت النار أعلامه، ولقد كان أهله من صحة أجسامهم ومن اسمه كما يقال بالصحة والسلامة.
الشلاحة:
وإلى الشلاحة وقد لبست ثياب الحزن وذابت من أهلها الكبود، وقعدوا بعد تلك الربوع على أديم الأرض ونضجت منهم الجلود.
الأطراف السبعة
 ولقد والله عدمت لذّات الحواس الخمس وضاقت عليّ الجهات الست فلم ترقأ لي دمعة، وأكلت الأنامل من الأسف لما سمعت بحريق أطراف السبعة، فأعيذ ما بقي من السبعة بالسبع المثاني والقرآن العظيم، فكم رأينا بها يعقوب حزن رأى سواد بيته فاصفر لونه (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم)
الباب الشرقي:
وتغربت إلى ظاهر الباب الشرقي فتشرقت بالدمع من شدة الالتهاب، فلقد كان أهله من دار عنبه وكرومه الكريمة في جنتين من نخيل وأعناب.
باب كيسان:
 وتوصلت إلى ظاهر باب كيسان فأنفقت كيس الصبر لما افتقرت من دنانير تلك الأزهار والدراهم رباها، وسمحت بعد ذلك بالعين واستخدمت فقلت (بسم الله مجراها)
الباب الصغير:
وكابرت إلى أطراف الباب الصغير فوجدت فاضل النار لم يغادر منها صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
دمعة على دمشق:
فيا لهفي على عروس دمشق التي لم تذكر مع محاسنها أسماء ولا الجيداء، لقد كانت ست الشام فاستعبدها ملك النار حتى صارت جارية سوداء، ولقد وقفت بين ربوعها وقد التهبت أحشاؤها بالاضطرام، وفطم جنين نبتها عن رضاع ثدي الغمام، فاستسقيت لها بقول ابن أسعد حيث قال:
سـقى دمشق وأياماً مضت iiفيها مواطرُ  السحب ساريها iiوغاديها
ولا يـزال جنين النبت iiترضعه حوامل المزن في أحشا أراضيها
فـمـا  نضا حبّها قلبي iiلنيربها ولا قـضـى نحبه ودّي iiلواديها
ولا تـسلّيت عن سلسال iiربوتها ولا  نـسيت مبيتي جار iiجاريها
الربوة
هذا وكم خائف قبل النوم آويناه بها إلى ربوة ذات قرار، وكم كان بها مطرب طير خرج بعدما كان يطرب على عود وطار.
الجنك والدف (وهما من منازه دمشق):
 وبطل الجنك لما انقطعت أوتار أنهاره فلم يبق له مغنى، وكسر الدف لما خرج نهر المغنية عن المغنى، واستسمح الناس من قال:
انـهض  إلى الربوة iiمستمتعاً تـجـد مـن الّلذات ما iiيكفي
فـالـطير قد غنّى على عوده في الروض بين الجنك والدفّ
وأصبحت أوقات الربوة بعد ذلك العيش الخضل واليسر عسيرة، ولقد كان أهلها في ظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة.
فعبس بعد ذلك ثغر روضها الباسم، وضاع من غير تورية عطره الناسم، ولم ينتظم لزهره المنثور على ذلك الوشي المرقوم، رسالة من النسيم سحريه، وكيف لا وقد محا سجع المطوق من طروس تلك الأوراق النباتية.
هذا وكم عروس روض سوّر معصمها النقش فلما انقطع نهرها صح أنها كسرت السوار، وكم دولاب نهر بطل غناؤه على تشبيب النسيم بالقصب وعطلت نوبته من تلك الأدوار.
فوقفت أندب ذلك العيش الذي كان بذلك التشبيب موصولا، وأنشد ولم أجد بعد تلك النوبة المطربة إلى مغنى الربوة دخولا:
لم لا أشبِّبُ بالعيش الذي انقرضت أوقـاتُـهُ وهـو بالَّلذات iiموصولُ
أنهار دمشق:
ونقص يزيد فاحترق ولا ينكر ليزيد الحريق على صنعه، وانقطع ظهر ثور فأهلك الحرث والنسل بقطعه، وذاب بردى وحمي مزاجه لما شعر بالحريق، ولم يبق في ثغره الأشنب بدرّ حصائبه ما يبلّ الريق، وانقطع وقد اعتل من غيضه بانياس، ولم يظهر عند قطعه خلاف ولا بان آس، وجرى الدم من شدة الطعن بالقنوات، وكسرت قناة المرجة فذاقت مر العيش بعد حلاوة تلك القطف الدانيات، وكسر الخلخال لما قام الحرب على ساقه، وسقط رأس كل غصن على الجبهة فهاجت البلابل على أوراقه.
وخرّ نهر حمص خاضعا وتكدر بعد ما كان يصفي لنا قلبه، وافتقر أغنياء غصونه من حبات تلك الثمار فصاروا لا يملكون حبة، طالما كان أهله فاكهين، ولكنهم اعترفوا بذنوبهم فقالوا: (وكنا نخوض مع الخائضين) وذبلت عوارض تلك الجزيرة (5) التي كانت على وجنات شطوطه مستديرة، فقلنا بعد عروس دمشق وحماتها لا حاجة لنا بحمص والجزيرة.
فيا لهفي على منازل الشرف وذلك الوادي الذي نعق به غراب البين، ويا شوقي إلى رأس تلك المرجة التي كانت تجلسنا قبل اليوم على الرأس والعين، هذا وقد اسودت الشقراء فأمست كابية لما حصل على ظهرها من الجولان، وجانسها العكس فأضحت باكية على فراق الأبلق واخضر ذلك الميدان.
يا مولانا لقد بكى المملوك من الأسف بدمعة حمراء على ما جرى من أهل الشهباء في الميدان على الشقراء حتى كذّب الناس من قال:
قُـلْ للذي قايس بين iiحلبٍ وجـلّـقٍ بمقتضى iiعيانها
ما تلحق الشهباء في حلبتها تـعثّر الشقراء في iiميدانها
فقال لسان الحال والله ما كذبت ولكنه قد يخبو الزناد، وقد يكبو الجواد، وقد يصاب الفارس بالعين التي تغمز قناته غمزا وأنشد:
ومن ظنَّ أن سيلاقي الحروب وأن لا يصاب فقد ظنّ iiعجزا
ودخلت بعد ذلك إلى البلد فوجدت على أهله من دروع الصبر سكينة، فقلت با رب مكة والحرم انظر إلى أحوال أهل المدينة، ولكن ما دخلت بها إلى حمام إلاّ وجدته قد ذاق لقطع الماء عنه حماما، وعلم القوّام والقاعدون بأرضه أنها ساءت مستقرا ومقاما، وتلا على بيت ناره (قلنا يا نار كوني برد وسلاما) فحسن أن أُنشد قول ابن الجوزي من الكان كان :
الـحار  عندك iiبارد والنهر أمسى منقطع
والـعين لا ماء فيها مـا حـيـلة iiالقوّام
__________________________
1 في نشرة محمد أبو الفضل إبراهيم (حزنت لقوم)
2- في نشرة محمد أبو الفضل إبراهيم (ثم)
3- في نشرة محمد أبو الفضل إبراهيم (الطوافين) بالفاء وياء واحدة. والصواب أنها (الطواقيين) بياءين وقاف، وهم بياعو الطواقي.
4- ويقال له اليوم (باب السلام)
5- حسب سياق النص فإن الجزيرة هنا هو المنطقة الواقعة بين نهر بردى ونهر القنوات وفيها كانت المنتزهات التي ذكرها منتزه الجبهة ومنتزه الخلخال، قال: ابن بدران في (منادمة الأطلال):

الجبهة والخلخال متنزهان، بين نهر بردى ونهري القنوات وبانياس

30 - أكتوبر - 2008
يوم أحرقت دمشق
تتمة نص الرحلة    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

الجامع الأموي
وأتيت بعد ذلك إلى الجامع الأموي فإذا هو لأشتات المحاسن جامع، وأتيته طالبا لبديع حسنه فظفرت بالاستضاءة والاقتباس من ذلك النور الساطع، وتمسكت بأذيال حسنه لما نشقت تلك النفحات السحرية، وتشوقت إلى النظم والنثر لما نظرت إلى تلك الشذور الذهبية، وآنست من جانب طوره نارا فرجع إلى ضياء حسي، واندهشت لذلك الملك السليماني وقد زها بالبساط والكرسي، وقلت هذا ملك، سعد من وقف في خدمته خاشعا، وشقي من لم يدس بساطه ويأته طائعا، ولقد صدق من قال:
أرى  الحسن مجموعاً بجامع iiجلّقٍ وفي صدره معنى الملاحة مشروحُ
فـإن  يـتـعالى بالجوامع iiمعشرٌ فـقـل  لـهم بابُ الزيادة iiمفتوح
معبد له قصبات السبق ولكن كسرت عند قطع الماء قناته، ورأيته في القبلة من شدة الظمأ وقد قويت من ضجيج المسلمين أناته، وخفض النسر جناح الذل وود بأن يكون النسر الطائر، وطمست مقل تلك المصابيح فاندهش لذلك الناظر.
هذا وكم نظرت إلى حجر مكرم ليس له بعد أكسير الماء جابر، واختفت نجوم تلك الأطباق التي كانت كالقلائد في جيد الغسق، ومرت حلاوة نارها بعدما ركبت طبقا عن طبق، وأصبح دوحه وهو بعد تلك النضارة والنعيم ذابل، وكادت قناديله وقد سلبت لفقد الماء أن تقطع السلاسل، ولم تشر الناس بأصابعها إلى فصوص تلك الخواتم المذهّبة، ولم يبق على ذلك الصحن طلاوة بعد الماء وحلاوة سكبه الطيّبة، وتذكر المنبر عند قطع الماء أوقاته بالروضة، وتكدرت أفراحه لما ذكر أيامه بتلك الغيضة، وأنشد لسان حاله:
لو أن مشتاقاً تكلّف فوق iiما في وسعه لسعى إليك المنبرُ
فوار أبي نواس:
وودت العروس أن تكون  مجاورة لحماتها، لتبلَّ برحيق الأمن إذا نظرت إلى عاصي المحمدية وقد دخل جناتها، ونظرت إلى فوار أبي نواس (1)  وقد انقطع قلبه بعد ما كان يثب ويتجرَّا، وكاد أن ينشد من شعره لعدم الماء (ألا فاسقني خمرا)، ودخلت إلى الكناسة وقد علا بها غبار الحزن فتنهدت من الأسف على كل ناهدة، ورثيت للنساء وقد فقدت بعد تلك الأنعام المائدة.
باب البريد (وهو من أبواب جامع دمشق)
واستطردت إلى باب البريد فوجدت خيول الماء الجارية قد انقطعت عن تلك المراكز، ونظرت إلى السراج الأكبر وقد انعقد لسانه لما شعر من ممدوح الماء بعدم تلك الجوائز.
ونظرت إلى أهل الصلاة وعليهم في هذه الواقعة من الصبر دروع، وقد استعدوا بسهام من الأدعية أطلقوها عن قسيّ الركوع،
مريَّشة بالهدب من جفن ساهر مـنـصّـلة  أطرافها iiبدموع
ونظرت إلى الريان من العلم وقد اشتد لفقد الماء ظمأه وتبلَّد ذهنه، حتى صار ما يعرف من أين الطريق إلى باب المياه.
عودة إلى فوار أبي نواس
ومشيت بحكم القضاء إلى الشهود فوجدت كلا منهم قد راجع سهاده وطلق وسنه، وتأملت أهل الساعات وقد صار عليهم كل يوم بسنة، ونزلت في ذلك الوقت الساعات إلى الدرج في دقيقه، فانتهيت إلى مجاز طريق الفوار فوجدته كأن لم يكن له حقيقة، كم وردته وهو كأنه سنان يطعن في صدر الظما، أو شجرة كدنا نقول إنها طوبى لما ظهرت وأصلها ثابت وفرعها في السما، أو مغترف بيده الماء وقد أفاض عليه عطاياه فيضا، فرفع له لأجل ذلك فوق قناته راية بيضا، أو عمود وفاء أشارت الناس إليه بالأصابع، أو ملك طالب السماء بودائع، حتى كأن إكليل الجوزاء له من جملة الصنائع، أو نسر أبيض طائر علا حتى قلنا إنه يلتقط حبات النجوم الثواقب، أو شجاع ذو همة علية يحاول ثأراً عند بعض الكواكب، فخفض لفقد الماء مناره وخفي بعد ما كان به أشهر من علم، وجدع أنفه وطالما ظهر وفي عرينه شمم، فقلت:
لـست أنسى الفوّار وهو iiينادي غيض مائي وعطّل الدهر حالي
فـتـمـنَّـيت  من لهيبي بأنِّي اشـتري غيضه بروحي iiومالي
خاتمة (في عودة الأمن ثم عودة الحرب)
فلا والله ما كانت إلا أيسر مدة حتى رجع الماء إلى مجاريه، وابتسم ثغر دمشق عن شنب الريّ بعدما نشف ريقه في فيه، هذا وقد خمدت نار الحرب وقعدت بعد ما قامت على ساق وقدم، وبطلت آلتها التي كانت لها على تحريك الأوتار وجس العيدان نغم، واعتقل الرمح بسجن السلم وعلى رأسه لواء الحرب معقود، وهجعت مقل السيوف في أجفانها لما علمت أن الزيادة في الجد نقص في المحدود، وفاضت غدران الرحمة على رياض الأمن فظهر لها من نبات حسن، فالحمد لله الذي أذهب عنا الحزن.
وبعد: فالمعذرة من فهاهة هذه الرسالة التي هي في رياض الأدب باقلية والصفح عن طولها وقصر بلاغتها بين يدي تلك المواقف السحبانية وليكن محمولا على متن الحلم كلامها الموضوع، فقد علم الله أنها صدرت من قلب مكسور، وفؤاد مصدوع، وذهن ضعيف وليس لكسير ضعفه عاصم ولا نافع، وراحلة فكر أمست وهي عند سيرها إلى غايات المعاني ظالع:
فسيروا على سيري فإنَّي ضعيفكم وراحـلـتي بين الرواحل iiضالعُ
هذا وكم تولد للمملوك في طريق الرمل من عقله، وكم ذاق من قطاع الطريق أنكادا حتى ظن أنه لعدم النصرة ليس له إلى الاجتماع وصله، وكلما زعق عليه غراب البين تألم لسهام البين، وفقد مصر التي هي نعم الكنانة، وأنشد وقد تحير في الرمل لفراق ذلك التخت الذي أعز الله سلطانه:
مـن زعقة الغراب بعد iiالملتقى فـارقـت  مصراً وبها iiأحبابي
وفي طريق الرمل صرت حائراً مـروّعـا  مـن زعقة iiالغراب
واستقبل المملوك بعد ذلك بلاد الشام فبئس الحال وبئس الاستقبال، فو الرحمن ما وصل بها إلى مكان إلا وجده قد وقعت فيه الواقعة واشتد القتال، وحصدوا سنبل الرشاد فدرست فلا أعيد لمعيد حربهم دروس، وأداروا رحى الحرب بقلوب كالأحجار فطحنت عن ذلك الرؤوس، وأنشد لسان الحال:
مـن كـل عادٍ كعادٍ في iiتجبُّره مـن فوق ذات عمادٍ شادها iiإرمُ
لا يجمعون على غير الحرام إذا تجمّعوا كحباب الرَّاح iiوانتظموا
وانتهيت الغاية بالمملوك إلى أنه شلح بقرب الكسوة في الشتاء وانتظرت ملك الموت وقد أمسيت:
لـي  مهجةٌ في النازعات iiوعبرةٌ في المرسلات وفكرةٌ في أهل أتى
هذا والليل قد أنطفأت مصابيح أنواره وعسعس، حتى أيقنت بموت الصبح وقلت لو كان في قيد الحياة تنفس، فذهب المملوك وقد تزود عند قسم الغنيمة بسهم، فخرج ولم يجد له تعديلا ولكنه صبر على الألم بعد ما كاد يدمى من الوهم، ولم يلق له مجيرا لما قوي ألمه وضعف منه الحيل، إلا أنه دخل تحت ذيل الليل، فوصل إلى البلد وقد ود يومه لو تبدل بالأمس، ولم يسلم له في وقعة الحرب غير الفرس والنفس، ولكنه أنشد:
ما تفعل الأعداء في جاهلٍ ما  يفعل الجاهل في iiنفسه
فأعاذ الله مولانا وبلاده من تلك القيامة القائمة، وبدأ به في الدنيا ببراعة الأمن وفي الآخرة بحسن الخاتمة.
____________________________________________
1- لم أجد من ذكر (فوار أبي نواس) هذا، ويبدو حسب سياق النص أنه فوار ماء كان يخرج من النهر الواصل إلى الجامع، ويشتق منه عبر شاذروان المسجد، ويكون محله محل النافورة اليوم أمام مقهى النافورة في الجهة الشرقية من محيط الجامع. وسيعود ابن حجة إلى ذكر الفوار بعد أسطر.

30 - أكتوبر - 2008
يوم أحرقت دمشق
رواية المقريزي    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم


قال المقريزي في كتابه (السلوك) في حوادث ذي القعدة  من عام 791هـ
وفي هدا الشهر: كثرت الإشاعات، وقويت الأراجيف، واختلفت الأقوال في الملك الظاهر
برقوق، وكان من خبره أنه لما قتل الشهاب بالكرك، وأنزل عوام البلد الملك الظاهر من
قلعتها، وقاموا بخدمته، أتته العربان وصار في طائفة، فلم تجد أكابر مدينة الكرك بداً من
الموافقة، إلا أنهم قد سقط في أيديهم، وخافوا سوء العاقبة. فلما كثر جمع الظاهر عزم على
الخروج من المدينة، وبرّز أثقاله. فاجتمع الأعيان عند العماد أحمد بن عيسى المقيري،
قاضي الكرك، وأحالوا الرأي، وخشوا من السلطنة بمصر، فاتفقوا على القيام عليه،
وقبضه، وإعلام أهل مصر بذلك، وأنه لم يخرج إلا باجتماع السفهاء منهم، ليكون ذلك
خلاصاً لهم من معرة معاداة الدولة. وبعثوا ناصر الدين محمد أخا القاضى، فأغلق باب
المدينة، وصار الظاهر وقد حيل بينه وبين أثقاله وعامة أصحابه فلما قام. ليركب ويخرج،
بلغه ذلك.
وكان علاء الدين على- أخو القاضى- مباشر الإنشاء بالكرك، فكتب للظاهر في مدة
خروجه وخدمه. فلما رأى ما نزل بالظاهر، عندما بلغه اتفاق أهل المدينة في بيت أخيه
على قبض الظاهر، حدثه وقوّى جأشه، وسار به، حتى وصل باب المدينة، فإذا به
مغلوق، وأخوه ناصر الدين قائم عنده، فما زال به حتى فتح الباب وخرج بالظاهر من
المدينة، والتحق ببقية أصحابه من المماليك الذين وصلوا اٍ ليه، والعربان التى اجتمعت
عليه، وأخلاط أهل مدينة الكرك. فأقام بالثنية خارج الكرك يومين، ورحل في ثامن
عشرين شوال، وسار بهم يريد دمشق- وبها الأمير جَنتمُر أخو طاز، متولي نيابتها- وقد
وصل إليه الأمير ألْطُنْبغا الحلبي الدوادار من مصر نائباً على حلب بحكم عصيان كمشبغا
الحموي. فاستعدا لقتال الظاهر، وتوجه إليهما الأمير حسام الدين حسين بن باكيش- نائب
غزة- بعساكرها وعشيرها.
وأقبل الظاهر. ممن معه، فخرجوا إليه وقاتلوه بشقحب- قريبا من دمشق- قتالاً شديداً،
كسروه فيه غير مرة، وهو يعود إليهم ويقاتلهم، إلى أن كسرهم، وانهزموا منه إلى دمشق.
وقتل منهم ما ينيف على الألف، فيهم خمسة عشر أميراً، وقتل من أصحابه نحو الستين،
ومن أمرائه سبعة. وركب اًقفية المنهزمين، فامتنع جَنتمُر بالقلعة، وتوجه بالقلعة، وتوجه
من أمراء دمشق ستة وثلاثون أميراً، ومعهم نحو الثلاثمائة وخمسين فارساً، قد أثخنوا
بالجراحات. وأخذوا نائب صفد، وقصدوا ديار مصر. فلم يمض غير يوم واحد حتى
وصل ابن باكيش بجمائعه، فقاتله الظاهر وهزمه، وأخذ جميع ما كان معه، فقوي به قوة
كبيرة. وأتاه عدة من مماليكه، ومن أمراء الشام، فصار في عسكر كبير، وأقبل إليه الأمير
جبرائيل حاجب الحجاب بدمشق، وأمير علي بن أسندمر الزيني، وجَقمَق، ومقبل الرومي،
طائعين له، فصاروا في جملته.
ونزل السلطان برقوق على قبة يلبغا ظاهر دمشق، وقد امتنع أهلها بها، وبالغوا في
تحصينها، فحصرها، وأحرق القبيبات، وخربها، وأهلك في الحريق خلقاً كثيراً، وجد أهل
المدينة في قتاله، وأفحشوا في سبه، وهو لا يفتر عن قتالهم،
فأمده الأمير كمشبغا من حلب
بثمانين فارساً من المماليك الظاهرية، فأخرج إليهم الأمير جَنتمُر خمسمائة فارس من
دمشق، ليحولوا بينهم وبين الظاهر، فقاتلوهم، فكسرهم الظاهرية، واستولوا على جميع ما
معهم.
وأتوا إلى الظاهر، فأقبل الأمير نعير بعربانه، يريد محاربته، فحاربه وكسره فانهزم عنه،
وتقوى. مما صار إليه في هذه الوقائع. وصار له برك ويرق، بعدما كان بهيئة رثة، لا يكنه
من المطر إلا خيمة صغيرة، ومماليكه في أخصاص كل منهم هو الذى يتولى خدمة فرسه
بنفسه.
واستمر الظاهر برقوق على حصار دمشق وقتال أهلها، فورد الخبر بذلك إلى منطاش في
خامس عشر ذى القعدة، فتقدم في سابع عشره إلى الصاحب موفق الدين أبي الفرج بتجهيز
الملك المنصور للسفر، فلم يجد في الخزائن ما يجهزه به، واعتذر بأن المال انتهب وتفرق
في هذه الوقائع، فقبل ذلك، واستدعى القضاة، وسأل قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي
أن يقرضه مال الأيتام، فامتنع من ذلك ووعظه، فلم تنجح فيه المواعظ، وختم في يومه على
موادع الأيتام، وكانت إذ ذاك عامرة بالأموال. ورسم لحاجب الحجاب وناصر الدين بن
قُرطُاى- نقيب الجيش- بتفرقة النقباء على أجناد الحلقة، وحثهم على التجهيز للسفر بعد
العرض.
وفي تاسع عشره: قدم البريد بكسرة ابن باكيش وأخذ الملك الظاهر جميع ما كان معه،
فاشتد اضطراب الناس، وكثر الإرجاف، ووقع الاجتهاد في الحركة للسفر، وأزعج أجناد
الحلقة. واستدعى الأمير منطاش الخليفة المتوكل على اللّه، وقضاة القضاة، وشيخ الإسلام،
وأعيان أهل العلم، فرتبوا صورة فتيا في أمر الملك الظاهر، وانفضوا من غير شيء.
وفيه قدم البريد بواقعة صفد، و كَان من خبرها أن مملوك من المماليك الظاهرية- يعرف
بيلبغا السالمي- أسلمه الملك الظاهر للطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك، فرتبه
خازنداره. واستمر على ذلك إلى أن نفي المقدم كما تقدم ذكره، فخدم يلبغا الطواشي،
صواب السعدي شنكل المقدم، وصار دواداره الصغير. فلما قبض الناصري على
شنكل، خدم يلبغا عند الأمير قطلوبك النظامي صفد دواداراً، وسار معه إلى صفد،
فتحبب إلى الناس بالإحسان إليهم وملاطفتهم، إلى أن قدم إلى صفد خبر مسير الملك
الظاهر من الكرك إلى دمشق. وجع النظامي العسكر ليصير إلى نائب دمشق. وقام يلبغا
في طائفة من المماليك الذين استمالهم، وأفرج عن الأمير أينال اليوسفي، الأمير قجماس ابن
عم الظاهر، ونحو المائتين من المماليك الظاهرية من سجن صفد. ونادى بشعار الملك
الظاهر يريد القبض على النظامي. فلم يثبت وفر من صفد في مملوكين، فاستولى يلبغا. ممن
معه على مدينة صفد وقلعتها، وصار الأمير أينال قائماً بأمر صفد، ووقف يلبغا في
خدمته، وقد تقووا بثقل النظامي وبركة. فلما ورد هذا الخبر، عظم اضطراب الأمير
منطاش، وزاد قلقه، وكثرت قالة الناس، وتوالت الأخبار ذلك.
وفي حادي عشرينه: استقر الشريف بَكتمُر في ولاية البحرة  ونقل تمراز العلاي إلى كشف
الوجه البحري، ورسم لهما بجمع عرب البحيرة لقتال الظاهر.
وفيه قدم الخبر بوصول نائب صفد ونائب حماة، وحمد بن بيدمر أتابك دمشق، في تتمة
خمسة وثلاثين أميراً، وجمع كثير من المماليك، وقد انهزموا من الظاهر، فرسم بدخولهم.
وفيه استدعى الخليفة والقضاة والفقهاء بسبب الفتيا، فكتب ناصر الدين محمد بن
الصالحي- موقع الحكم- فتيا تتضمن السؤال عن رجل خلع الخليفة والسلطان، وقتل شريفاً
في الشهر الحرام والبلد الحرام وهو محرم، واستحل أخذ أموال الناس وقتل الأنفس، وجعلها
عشر نسخ.
وفي ثالث عشرينه: قدم سواق من سواقي البريد، وبدوي، وبشرا منطاش بأن الظاهر بعد
ما ملك دمشق كبس في الليل، وهرب، فمشى ذلك عليه، وأنعم عليهما. وفيه رسم بفتح
سجن قديم بالقلعة، وقد ارتدم، وسجن به عدة مماليك وسجن كثير منهم بأبراج القلعة،
وضيق عليهم.
وفيه وجدت ذخيرة بالقاهرة، في بيت عماد الدين إسماعيل بن المشرف أستادار جركس
الخليلي، فيها ستمائة ألف درهم، ونحو الخمسين ألف درهم، فأخذها الأمير منطاش،
وأخذ لابن جركس الخليلي أيضاً نحو ثلاثمائة ألف دينار مصرية.
وفيه قدم الأمراء والمماليك المنهزمون من الظاهر، وهم: قطلوبك النظامي نائب صفد،
وتنكز الأعور نائب حماة، ومحمد بن بيدمر أتابك دمشق، ويلبغا العلاي أحد المقدمين
بدمشق، وأقباي الأشرفي نائب قلعة المسلمين، ومن أمراء الطبلخاناة دمرداش الأطروش
والي الولاة، وشكر اًحمد، وجوبان الخاصكي، وقطلوبغا جَبْجَق، وجبرائيل. ومن
العشرينات أقبغا الوزيري، وأزدمر الأشقَتمري، وقُنُق الزيني، ومنكلي بغا الناصري،
وبَمبغا، وطومان، وأقبغا الإينالي، وأحمد بن يانوق.
ومن العشراوات بيبغا العلاي، وطغاي تمر الأشرفي، ومصطفي البيدمري، ويوسف
الأطروش، وأقتمر الأشقتمري، وأرغون شاه- دوادار يلبغا المنجكي- وألطنبغا البيدمري،
وقر ابغا السيفي.
ومن أمراء صفد تغري بردي الأشرفي، ومنجك الخاصكي، وقجقار السيفي.
ومن أمراء حماة جَنتمُر الأسعردي، وألطبغا المارديني، وبكلمق الأرغوني، وطيبغا
القرمي، وأسنبغا الأشرفي، وحسين الأيتمشي.
ومن المماليك عدة مائتين وأحد وعشرين.
وفيه أفرج عن الأمير قرقماس الطشتمري، واستقر خازندارا على عادته.
وأفرج عن شيخ الصفوي الخاصكي، وأرغون السلامي، ويلبغا اليونسي، ونزلوا إلى
دورهم.
وفيه رسم على مباشري الأمراء المنفصلين ليجهزوا الأمراء المستجدين للسفر، فلم يسمع
بمثل هذا.
وفيه نودي أن الفقهاء والكتاب لا يركب أحد منهم فرساً عربياً، وأن الكتاب الكبار
أرباب الوظائف السلطانية، وكتاب الأمراء يركبون البغال.
وفيه أخذت أكاديش الحمالين المعدة للحمل عليها، وأخذت خيرل الطواحين الجياد،
وتتبعت المماليك الجراكسة، وطلبهم حسين والي القاهرة، وأخذهم من كل موضع، فقبض
منهم على رجل شيخ يقال له يُلوا الأحمدي، وضرب، وأخذ منه مبلغ خمسين ألف درهم
فضة، وأفرج عنه وعن طُرنطاي الخطيري، وطولو بغا الأحمدي، واًقبغا البشتكي، ومسافر،
لأجل أن لكل منهم في مصر نحو الستين سنة.
وفيه خشبت أيدى المماليك المسجونين، وأرجلهم.
وفي خامس عشرينه: اجتمع الأمراء وأهل الدولة مع الأمير الكبير منطاش، واتفقوا على
استبداد السلطان الملك المنصور، وأثبتوا رشده بحضرة القضاة والخليفة. فرسم السلطان
بتعليق الجاليش بالطبلخاناة، ليعلم الناس بالسفر إلى الشام، وأفرج عن الأمير محمود
الأستادار، وأمر بعرض أجناد الحلقة والمماليك السلطانية، ونودي أن العامة لا يركب أحد
منهم فرساً أصيلاً وأن المكارية لا تحمل على أكديش حملاً.
وفيه أحضرت نسخ الفتوى في الملك الظاهر، وزيد فيها: "واستعان بالكفار على قتال
المسلمين" وحضر الخليفة المتوكل وقضاة القضاة الأربع وشيخ الإسلام سراج الدين عمر
البلقيني وولده جلال الدين عبد الرحمن قاضي العسكر، وقاضي القضاة بدر الدين محمد
بن أبي البقاء، وولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون المالكي، وسراج الدين عمر بن
الملقن الشافعي، وعدة دون هؤلاء؛ بالقصر الأبلق من القلعة بحضرة الملك المنصور والأمير
الكبير منطاش، وقدمت إليهم الفتوى، فكنبوا عليها بأجمعهم وانصرفوا. وفيه نودي على
أجناد الحلقة بالعرض، وهدد من تأخر منهم.
وفيه كتب لعرب البحيرة بالحضور للسفر مع العسكر إلى الشام.
وفيه استقر الأمير قُطلبوبغا الزيني أمير جاندار، شريكاً لطوغان العمري.
واستقر أمير حاج بن مُغْلطاي الحاحب أستادار السلطان. وأنعم على كل من أرغون
شاه السيفي، وقطلوبغا السيفي بإمرة مائة. وأنعم على الأمراء القادمين من الشام بفرس
بقماش ذهب، وخمسين ألف درهم فضة لكل أمير مائة، ولمن عداهم من الأمراء بأقبية
مغرية. ورتب لهم اللحم والجرايات والعليق وفيه أعيد مبارك شاه في نيابة الوجه القبلي
وخلع عليه.
وفي سابع عشرينه: أخليت خزانة الخاص بالقلعة، وسدت شبابيكها وبابها، وفتح من
سقفها طاق، وعملت سجنا.
وفي يوم السبت أول في ذي الحجة: قدم البريد من الصعيد بأن العسكر المجرد مع الأمير
أسندمر بن يعقوب شاه واقع الأمراء الخارجين عن الطاعة بمدينة قوص، وقبضوا عليهم
كلهم، فدقت البشاير ثلاثة أيام بالقلعة.
وفيه قبض على الصاحب كريم الدين بن الغنام، وألزم بحمل ثلاثمائة ألف درهم فضة،
وخمسين فرساً.
وفيه أنفق على كل من الأمراء الألوف مائة ألف درهم فضة، وعلى كل من أمراء
الطبلخاناة خمسون ألف درهم.
وفيه سد باب الفرج- أحد أبواب القاهرة- وخوخة أيدغمش، وغير ذلك.
وفي ثالثه: قبض على متى بطرك النصارى، وألزم بمال، وقبض على رئيس اليهود، وألزم
بمال. فتقرر على البطرك مائة ألف درهم، وعلى رئيس اليهودي خمسون ألف درهم
جبوها وحملوها.
وفيه طلب الشيخ شمس الدين محمد الركراكي المالكي، وألزم بالكتابة على الفتوى في الملك
الظاهر، فامتنع، فضرب مائة ضربة، وسجن بالإصطبل.
وفي رابعه: أفرج عن ابن غنام.
وفي سادسه: فتحت خوخة أَيْدُغْمُش.
وفيه خرجت تجريدة إلى الصعيد خوفاً منأخذ العرب الأمراء المماليك الظاهرية المقبوض
عليهم.
وفي سابعه: دقت البشائر لكذبة نمقت، وهى أن إينال اليوسفي سار من صفد. ممن معه،
فقاتله أهل دمشق، وقتلوه، وجرح الملك الظاهر.
وفي ثالث عشره: تولى الأمير تمان تمر الأشرفي رأس نوبة عرض المماليك السلطانية، وكثرت
في أمر الظاهر والأرجاف، تارة بنصرته وتارة بهزيمته، وتحدث كل أحد على مقتضى
غرضه.
وفي خامس عشره: عرض الأمير تمان تمر أجناد الحلقة، مَنْ إقطاعه عبرة أربعمائة دينار
فما فوقها، وعين جماعة منهم للسفر، وجماعة لحراسة القلعة، وجماعة لحراسة القاهرة
وجماعة لحراسة مصر، وعرض مقدمي المماليك، وعرض البحرية والمفاردة.
وفيه برز الأمراء الشاميون بظاهر القاهرة، للتوجه إلى الشام.
وفيه قبض على الخليفة المخلوع زكريا، وأخذ منه العهد الذي عهده إليه أبوه بالخلافة،
وأشهد عليه أنه لا حق له في الخلافة.
وفيه قدمت التجاريد من بلاد الصعيد بالخارجين عن الطاعة في القيود، فغرق جماعة من
المماليك في النيل ليلاً، وأخرج بستة من الجب بالقلعة، موتى.
وفي سادس عشره: أحضر بالقادمين من الصعيد مع الأمير أسندمر بن يعقوب شاه إلى
القلعة، وهم: تمرباي الحسني، وقرابغا الأبو بكري، وبجمان المحمدي، ومنكلي الشمسي،
وفارس الصرغتمشي، وتمربغا المنجكي، وطوجي الحسني، وقرمان المنجكي، وبيبرس
التمان تمرى، وقراكسك السيفي، وأرسلان اللفاف، ومقبل الرومي، وطوغاي تمر
الجركتمري، وجرباش الشيخي، وبغداد الأسعدي، ويونس الأسعردي، وأردبغا العثماني
وتنكز العثماني، وبلاط المنجكي، وقراجا السيفي، وكمشبغا اليوسفي، وأقبغا حطب،
وقرابغا المحمدي، وعيسى التركماني، وبك بلاط السونجي، فأوقفوا في القيود زماناً ثم
سجنوا. وأفرج عن جماعة ممن حضر وهم: قُنُق بيه اللالا، وأقبغا السيفي، وتمرباي
الأشرفي، وعز الصرغتمشي، وخلع عليهم. وأفرج أيضاً عن بك بلاط السونجي.
وفيه سجن بخزانة الخاص الأمير محمود، والأمير أقبغا المارداني، وأيدمر أبو زلطة،
وشاهين الصرغتمشي أمير أخور، وجُمُق بن أيتمش، وبطا الطولوتمرى، وبهادر الأعسر،
وعدة كبيرة من الأمراء والمماليك.
وفيه ألزم سائر مباشري الدواوين بأن يحمل كل واحد خمسمائة درهم ثمن فرس، وقرر
ذلك على الوظائف لا على الأشخاص، على أن من كان له عشر وظائف في عدة دواوين
تحمل كل وظيفة خمسمائة درهم، فنزل بالناس ما لم يعهدوه، فتوزعوا ذلك بعد أن جبى
منهم عدة خيول، فجاء جملة الحمل من المباشرين خيلاً وعينا ألف فرس.
وفيه أحضر من ألزم بالسفر من أجناد الحلقة، وأعفوا من السفر، على أن يحضر كل منهم
فرساً جيداً، فأحضروا خيولهم، فأخذ جيادها، ورد ما عداها. وألزم من لم يحضر فرساً
بألف درهم عن ثمن فرس، فتضرروا من ذلك، فاستقرت خمسمائة درهم جبيت منهم.
وألزم رؤوس نوب الحجاب بحمل كل منهم خمسين ألف درهم، وعدتهم أربعة، ثم استقر
على كل واحد أربعة عشر ألف درهم، حملها وأفرج عنه.
وفيه أنفق على مماليك الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير منطاش، لكل واحد ألف
درهم.
وفي يوم الاثنين سابع عشره: نزل الملك المنصور والأمير الكبير منطاش من قلعة الجبل
بالعساكر إلى الريدانية خارج القاهرة. واستدعى قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي
إلى الريدانية، وألزم بالسفر فامتنع وسأل الإعفاء، فأعفى. واستقر قاضي القضاة بدر الدين
محمد بن أبي البقاء على أنه يعطى مال الأيتام ويحمل من ماله مائة ألف درهم فضة، ثم
خلع عليه وعبر إلى القاهرة من باب النصر.
وفيه استقر عبيد الله العجمي في قضاء العسكر، وعزل سراج الدين عمر.
وفيها اعتقل الخليفة المخلوع زكريا، والأمير سودن النائب، بقاعة الفضة من القلعة. وفيه
تقرر على سائر المماليك البحرية والمفاردة وأولاد الأمراء المقيمين بالقاهرة - ممن تعين
لحفظها وحفظ القلعة ومصر في مدة غيبة السلطان- خيولاً يحملونها إلى الريدانية، وتقرر
على موقعي الإنشاء أيضاً خيولاً، وعلى بقية أرباب الوظائف من المتعممين، وأزعجوا
بسبب ذلك، فمنهم من قاد العشرة أرءوس، ومنهم من قاد دونها، على قدر ما لزمه، كما
تقدم في الكتاب، فاشتد غم الناس، وكثرت حركاتهم، ونزل بهم ما لم يروا مثله.
وفي تاسع عشره: ركب الأمير تُمان تَمُر رأس نوبة في عدة مماليك إلى الرميلة تحت القلعة،
وقبض على كل من رآه راكباً على فرس من المتعممين وغيرهم، وأخذ خيولهم ومضى بها
إلى داره.
وفيه اشتد الطلب على الأجناد وغيرهم بسبب جباية الخيول وأثمانها، وسلم كثير منهم
للأمير حسام الدين حسين بن الكوراني- الوالي- ليخلص ذلك منهم بالعقوبة وفيه نزل
الوزير موفق الدين أبو الفرج والأمير ناصر الدين محمد بن الحسام إلى خان مسرور بالقاهرة،
حيث مودع الأيتام، وأخذا منه ثلاثمائة ألف درهم، وألزم أمين الحكم بالقاهرة أن يحمل تتمة
خمسمائة ألف درهم، وألزم أمين الحكم. ممصر أن يحمل مائة ألف درهم، وألزم أمين الحكم
بالحسينية  أن يحمل مائة ألف درهم قرضاً، حسب إذن قاضي القضاة بدر الدين محمد
بن أبي البقاء في ذلك.
وفيه استدعى قضاة القضاة الأربع إلى الريدانية بكرة النهار، فأجلسوا في خيمة، وتركوا
بغير أكل إلى قريب العصر. ثم طلبوا إلى عند السلطان، فعقدوا عقده على خوند بنت
أحمد بن السلطان حسن، بصداق مبلغه ألف دينار وعشرون ألف درهم، وعقدوا عقد
الأمير قطلوبغا الصفوي على ابنة الأمير أيدمر الدوادار.
وفي عشرينه: رحل طليعة العسكر أربعة أمراء وهم: أسندمر بن يعقوب شاه، والكريمي،
وثمان تمر رأس نوبة، وقطلوبغا الصفوي.
وفي ثاني عشرينه: رحل الأمير منطاش في عدة من الأمراء، ثم رحل السلطان والخليفة
والقضاة وبقية العسكر، وقد أقيم نائب الغيبة بالقلعة الأمير تكا، ومعه الأمير دمرداش
القشتمري، وبالإسطبل الأمير سرايَ تمُر، وبالقاهرة الأمير قُطلوبغا الحاجب، وجعل أمر
العزل والولاية إلى الأمير سراي تمر.
وفيه نقل الأمير سودن النائب إلى بيت بالقلعة.
وفيه ألزم قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء الشافعي بإحضار عشرة أروس
من الخيل. وطلب من كل الأمراء من المقدمين المقيمين عشرة أروس، ومن كل أمير
طبلخاناة أربعة أروس، ومن كل أمير عشرة فرسان، فأخذ ذلك من الجميع. وكلب من
سائر الولاة المستقرين بأعمال ديار مصر والمعزولين، الخيل. وقرر على كل واحد منهم
بحسب حاله، وطلب من سائر الخدام الطواشية خيول، ثم أعفوا.
وفيه استقر الأمير حسام الدين حسين بن الكوراني في ولاية مصر، مضافة إلى ولاية
القاهرة، فاستناب في مصر ابن أخيه أمير عمر بن ممدود.
واستقر ناصر الدين محمد بن ليلى في ولاية الجيزة، عوضاً عن قرطاي التاجي بحكم انتقاله
لكشف التراب بالجيزية.
وفي ثالث عشرينه: استقر قُطلوبغا السيفي أمير حاجب ثانياً، عوضاً عن أمير حاج ابن
مغلطاي. ورسم لفراج السيفي بإمرة عشرة. وأنعم على كل من قراكسك، وأرسلان
اللفاف، وبك بلاط السونجي بقباء بفرو، وشق.
وفيه قدم نجاب من الحجاز بموت الطواشي مثقال الساقي الزمام، ببدر.
وفيه رحل السلطان من العكرشا إلى بلبيس، فتقنطر عن الفرس، فتطير الناس من ذلك
بأنه يرجع مقهوراً، وكذا كان.
وفي سلخه: سد الأمير صراي تمر باب القصر الذي بالإصطبل، وسد شبابيك الشراب
خاناة.
وانقضت هذه السنة والناس في مصر والشام بشر كبير.

30 - أكتوبر - 2008
يوم أحرقت دمشق
 298  299  300  301  302