البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات د يحيى مصري

 254  255  256  257  258 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
...... أو ما ملكت أيمانكم    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

المرأة بين الإسلام والنصرانية.

 مثنى وثلاث ورباع وما ملكت أيمانكم

{{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ }}

الحق سبحانه وتعالى حينما يشرع الحكم يشرعه مرة إيجاباً ومرة يشرعه إباحة ، فلم يوجب ذلك الأمر على الرجل ، ولكنه أباح للرجل ذلك ، وفيه فرق واضح بين الإيجاب وبين الإباحة . والزواج نفسه حتى من واحدة مباح . إذن ففيه فرق بين أن يلزمك الله أن تفعل وان يبيح لك أن تفعل . وحين يبيح الله لك أن تفعل ، ما المرجح في فعلك ؟ إنه مجرد رغبتك .

ولكن إذا أخذت الحكم ، فخذ الحكم من كل جوانبه ، فلا تأخذ الحكم ، وبإباحة التعدد ثم تكف عن الحكم بالعدالة ، وإلا سينشأ الفساد في الأرض ، وأول هذا الفساد أن يتشكك الناس في حكم الله . لماذا ؟ لأنك إن أخذت التعدد ، وامتنعت عن العدالة فأنت تكون قد أخذت شقاً من الحكم ، ولم تأخذ الشق الآخر وهو العدل ، فالناس تجنح أمام التعدد وتبتعد وتميل عنه لماذا ؟ لأن الناس شقوا كثيراً بالتعدد أخذاً لحكم الله في التعدد وتركاً لحكم الله في العدالة .

والمنهج الإلهي يجب أن يؤخذ كله ، فلماذا تكره الزوجة التعدد ؟ لأنها وجدت أن الزوج إذا ما تزوج واحدة عليها ألتفت بكليته وبخيره وببسمته وحنانه إلى الزوجة الجديدة ، لذلك فلابد مرأة أن تكره زواج الرجل عليها بامرأة أخرى .

إن الذين يأخذون حكم الله في إباحة التعدد يجب أن يلزموا أنفسهم بحكم الله أيضاً في العدالة ، فإن لم يفعلوا فهم يسيعون التمرد على حكم الله ، وسيجد الناس حيثيات لهذا الترد ، وسيقال : انظر ، إن فلان تزوج بأخرى وأهمل الأولى ، أو ترك أولاده دون رعاية واتجه إلى الزوجة الجديدة .

فكيف تأخذ إباحة الله في شيء ولا تأخذ إلزامه في شيء آخر ، إن من يفعل ذلك يشكك الناس في حكم الله ، ويجعل الناس تتمرد على حكم الله ـ والسطحيون في الفهم يقولون : إنهم معذورون وهذا منطق لا يتأتى .

إن آفة الأحكام أن تؤخذ حكم جزئي دون مراعاة الظروف كلها ، والذي يأخذ حكماً عن الله لابد أن يأخذ كل منهج الله ز

هات إنساناً عدل في العِشْرة وفي النفقة وفي البيتوتة وفي مكان الزمان ولم يرجح واحدة على أخرى ، فالزوجة الأولى إن فعلت شيئاً فهي لن تجد حيثية لها أمام الناس . أما عندما يكون الأمر غير ذلك فإنها سوف تجد الحيثية للأعتراض ، والصراخ الذي نسمعه هذه الأيام إنما نشأ من أن بعضاً قد أخذ حكم الله في إباحة التعدد ولم يأخذ حكم الله في عدالة التعدد . والعدالة تكون في المور التي للرجل فيها خيار . أما الأمور التي لا خيار للرجل فيها فلم يطالبه الله بها .

ومن السطحيين من يقول : إن الله قال : اعدلوا ، ثم حكم أننا لا نستطيع أن نعدل .

نقول لهم : بالله أهذا تشريع ؟ ، أيعطي الله باليمين ويسحب بالشمال ؟ ألم يشرع الحق على عدم الاستطاعة فقال :
{{وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا}}

ومادام قد شرع على عدم الاستطاعة في العدل المطلق فهو قد أبقى الحكم ولم يلغه ، وعلى المؤمن ألا يجعل منهج الله له في حركة حياته عضين بمعنى أنه يأخذ حكماً في صالحه ويترك حكماً إن كان عليه .

فالمنهج من الله يؤخذ جملة واحدة من كل الناس ، لأن أي انحراف في فرد من أفراد الأمة الإسلامية يصيب المجموع بضرر . فكل حق لك هو واجب عند غيرك ، فإن أردت أن تأخذ حقك فأدّ واجبك .

والذين يأخذون حكم الله في إباحة التعدد يجب أن يأخذوا حكم الله أيضاً في العدل ، وإلا أعطوا خصوم دين الله حججا قوية في إبطال شرع الله ، وتغيير ما شرع الله بحجة ما يرونه من آثار أخذ حكم وإهمال حكم آخر .

والعدل المراد في التعدد هو القسمة بالسوية في المكان ، أي أن لكل واحدة من تالمتعددات مكاناً يساوي مكان الأخرين ، وفي الزمان ، وفي متاع المكان ، وفيما يخص الرجل من متاع نفسه ، فليس له أن يجعل شيئاً له قيمة عند واحدة ، وشيئاً لا قيمة له عند واحدة أخرى ، يأتي مثلا بيجامة ((منامه)) صُوف ويضعها عند واحدة ، ويأتي بأخرى من قماش أقل جودة ويضعها عن واحدة ، لا

لابد من المساواة ، لا في متاعها فقط ، بل متاعك أنت الذي تتمتع به عندها ، حتى أن بعض المسلمين الأوائل كان يساوي بينهن في النعال التي يلبسها في بيته ، فيأتي بها من لون واحد وشسكل واحد وصنف واحد ، وذلك حتى لا تَدِلُّ واحدة منهن على الأخرى قائلة : إن زوجي يكون عندي أحسن هنداماً منه عندك .

والعدالة المطلوبة ـ أيضاً ـ هي العدالة فيما يدخل في اختيارك ، لأن العدالة التي تدخل في اختيارك لا يكلف الله بها ، فأنت عدلت في المكان ، وفي الزمان ، وفي المتاع لكل واحدة ، وفي المتاع لك عند كل واحدة ، ولكن لا يطلب الله منك أن تعدل بميل قلبك وحب نفسك ؛ لأن ذلك ليس في مكنتك .

والرسول صلى الله عليه وسلم يعطينا هنا القول : عن عائشة رضى الله عنها قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ويعد ويقول : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) يعني القلب } رواه الإمام احمد وأبو داود والدارمي .

إذن فهذا معنى قول الحق :
{ وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ ... النساء129}

لأن هناك أشياء لا تدخل في قدرتك ، ولا تدخل في اختيارك ، كأن ترتاح نفسياً عند واحدة ولا ترتاح نفسياً عند أخرى ، أو ترتاح جنسيا عند واحدة ولا ترتاح عند أخرى ، ولكن الأمر الظاهر للكل يجب أن يكون فيه القسمة بالسوية حتى لا تَدِلُّ واحد على واحدة .

وإذا كان هذا في النساء المتعددات ـ وهن عوارض ـ حيث من الممكن أن يخرج الرجل عن أي امرأة ـ بطلاق أو فراق فما بالك بأولادها منه ؟ لابد أيضاً من العدالة .

والذي يفسد جو الحكم المنهجي لله أن أناساً يجدون رجلا عدّد ، فأخذ بإباحة الله في التعدد ، ثم لم يعدل ، فوجدوا أبناءه من واحدة مهملين مشردين ، فيأخذون من ذلك حجة على الإسلام . والذين يحاولوا أن يفعلوا ما فعلوا في قوانين الأحوال الشخصية إنما نظروا إلى ذلك التباين الشديد الذي يحدثه بعض الأباء الحمقى نتيجة تفضيل أبناء واحدة على الأخرى في المأكل والملبس والتعليم !

إذن فالمسلم هو الذي يهجر دينه ويعرضه للنقد والنيل من أعدائه له . فكل إنسان مسلم على ثغرة من ثغرات دين الله تعالى فعليه أن يصون أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته من أي انحراف أو شطط ؛ لأن كل مسلم بحركته وبتصرفه يقف على ثغرة من منهج الله ، ولا تظنوا أن الثغرات فقط هي الشيء الذي يدخل منه أعداء الله على الأرض كالثغور ، لا ..... الثغرة هي الفجوة حتى في القيم يدخل منها خصم الإسلام لينال من الإسلام .

إنك إذا ما تصرفت تصرفاً لا يليق فأنت فتحت ثغرة لخصوم الله . فسد كل ثغرة من هذه الثغات ، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توسع في العدل بين الزوجات توسعاً لم يقف به عند قدرته ، وإن وقف به عند اختياره ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين مرض كان من الممكن أن يعذره المرض فيستقر في بيت واحدة من نسائه ، ولكنه كان يأمر بأن يحمله بعض الصحابه ليطوف على بقية نسائه في أيامهن فأخذ قدرة الغير . وكان إذا سافر يقرع بينهن ، هذه هي العدالة .

وحين توجد مثل هذه العدالة يشيع في الناس أن الله لا يشرع إلا الحق ، ولا يشرع إلا صدقاً ، ولا يشرع إلا خيراً ، ويسد الباب على كل خصم من خصوم دين الله ، حتى لا يجد ثغرة ينفذ منها إلى ما حرم دين الله ، وإن لم يستطع المسلم هذه الاستطاعة فليلزم نفسه بواحدة . ومع ذلك حين يلزم المسلم نفسه بزوجة واحدة ، هل انتفت العدالة مع النفس الواحدة ؟ لا
فلا يصح ولا يستقم ولا يحل أن يهمل الرجل زوجته . ولذلك حينما شكت امرأة عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن زوجها لا يأتي إليها وهي واحدة وليس لها ضرائر ، فكان عنده احد الصحابة ، فقال له : أفتها ( أي أعطها الفتوى )
قال الصحابي : لك أن يبيت عندك الليلة الرابعة بعد كل ثلاث ليال .

ذلك أن الصحابي فرض أن لها شريكات ثلاثا ، فهي تستحق الليلة الرابعة .

وسُر عمر بن الخطاب رضى الله عنه من الصحابي ؛ لأنه عرف كيف يفتي حتى في أمر المرأة الواحدة .

إذن قوله الحق سبحانه وتعالى : {{وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ }} النساء129
أي لا تظنوا أن المطلوب منكم تكليفاً هو العدالة حتى في ميل القلب وحبه ، لا .

إنما العدالة في الأمر الاختياري ، ومادام الأمر قد خرج عن طاقة النفس وقدرتها فقد قال ـ سبحانه ـ (( فلا تميلوا كل الميل )) . ويأخذ السطحيون الذين يريدون أن يبرروا الخروج عن منهج الله فيقولوا : إن المطلوب هو العدل وقد حكم الله أننا لا نستطيع العدل .

ولهؤلاء نقول : هل يعطي ربنا باليمين ويأخذ بالشمال ؟ فكأنه يقول : أعدلوا وأنا أعلم أنكم لن تعدلوا ؟ فكيف يأتي لكم مثل هذا الفهم ؟ إن الحق حين قال : { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ .. النساء129} أى لا يتعدى العدل ما لا تملكون من الهوى والميل ؛ لأن ذلك ليس في إمكانكم ، ولذلك قال : { فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ }} النساء129
نقول ذلك للذين يريدون أن يطلقوا الحكم غير واعين ولا فاهمين عن الله ، ونقوله كذلك للفاهمين الذين يريدون أن يدلسوا على منهج الله ، وهذه المسألة من المسائل التي تتعرض للأسرة ، وربها الرجل .فهب أن رجلا ليس له ميل إلى زوجته ، فماذا يكون الموقف ؟ أمن الأحسن أن يطلقها ويسرحها ، أم تظل عنده ويأتي بامرأة تستطيع نفسه أن ترتاح معها ؟ أو يطلق غرائزه في أعراض الناس ؟

إن الحق حينما شرع ، إنما يشرع ديناً متكاملاً ، لا تأخذ حكماً منه لتترك حكماً آخر .

والأحداث التي أرهقت المجتمعات غير المسلمة ألجأتهم إلى كثير من قضايا الإسلام ، ولعدم الإطالة هناك بعض الدول تكلمت عن إباحة التعدد لا لأن الإسلام قال به ، ولكن لأن ظروفهم الاجتماعية حكمت عليهم أن لا يحل مشاكلهم إلا هذا ، حتى ينهوا مسألة الخليلات . والخليلات هن اللائي يذهب إليهن الرجال ليهتكوا أعراضهن ويأتوا منهن بلقطاء ليس لهم أب .

إن من الخير أن تكون المرأة الثانية ، امرأة واضحة في المجتمع . ومسألة زواج الرجل منها معروفة للجميع ، ويتحمل هو عبء الأسرة كلها . ويمكن لمن يريد أن يستوضح كثيراً من أمر هؤلاء الناس أن يرجع إلى كتاب تفسير في هذا الموضوع للدكتور محمد خفاجة حيث أورد قائمة بالدول وقرارتها في إباحة التعدد عند هذه الآية .

وهنا يجب أن ننتبه إلى حقيقفى وهي : أن التعدد لم يأمر الله به ، وإنما أباحه ، فالذيتلرهقه هذه الحكاية لا يعدد ، فالله لم يأمر بالتعدد ولكنه أباح للمؤمن أن يعدد . والمباح أمر يكونالمؤمن حراً فيه يستخدم رخصة الإباحة أو لا يستعملها ، ثم لنبحث بحثاً آخر . إذا كان هناك تعدد في طرف من طرفين فإن كان الطرفان متساويين في العدد ، فإن التعدد في واحدة لا يتأتى ، والمثل هو الآتي :

إذا دخل عشرة أشخاص حجرة وكان بالحجرة عشرة كراسي فكل واحد يجلس على كرسي ، ولا يمكن بطبيعة الحال أن يأخذ واحد كرسياً للجلوس وكرسياً آخر لمد عليه ساقه ، ولكن إذا كان هناك أحد عشر كرسياً ، فواحد من الناس ياخذ كرسياً للجلوس وآخر لستند عليه ، إذن فتعدد طرف في طرف لا ينشأ إلا من فائض . فإذا لم يكن هناك فائض ، فالتعدد ـ واقعاً ـ يمتنع ، لأن كل رجل سيتزوج امرأة واحدة وتنتهي المسألة ، ولو أراد أن يعدد الزواج فلن يجد .
إذن فإباحة التعدد تعطينا أن الله قد أباحه وهو يعلم أنه ممكن لأن هناك فائضاً . والفائض كما قلنا معلوم ، لأن عدد ذكور كل نوع من الأنواع أقل من عدد الإناث .

وضربنا المثل من قبل في البيض عندما يتم تفريخه ؛ فإننا نجد عدداً قليلاً من الدجيوك والبقية إناث . إذن فالإناث في النبات وفي الحيوان وفي كل شيء أكثر من الذكور .

وإذا كانت الإناث أكثر من الذكور ، ثم أخذ كل ذكر مقابله فما مصير الأعداد التي تفيض وتزيد من الإناث ؟
إما أن تعف الزائدة فتكبت غرائزها وتحبط ، وتنفس في كثير من تصرفتها بالنسبة للرجل وللمحيط بالرجل ، وإما أن تنطلق ، تنطلق مع من ؟ إنها تنطلق مع متزوج . وإن حدث ذلك فالعلاقات الاجتماعية تفسد .

ولكن الله حين أباح التعدد أراد أن يجعل منه مندوحة لامتصاص الفائض من النساء ؛ ولكن بشرط العدالة . وحين يقول الحق : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً } النساء 3 .. أي إن لم تستطع العدل الاختياري فليلزم الإنسان واحدة .

وبعد ذلك يقول الحق : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } النساء 3

وهناك من يقف عند ((مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)) ويتجادل ، ونطمئن هؤلاء الذين يقفون عند هذا القول ونقول : لم يعد هناك مصدر الآن لملك اليمين ؛ لأن المسلمين الآن في خنوع ، وقد اجترأ عليهم الكفار ، وصاروا يقتطعون دولاً من دولهم . وما هبّ المسلمون ليقفوا لحماية أرض إسلامية . ولم تعد هناك حرب بين المسلمين وكفار ، بحيث يكون فيه أسرى و (( ملك اليمين)) .

ولكنا ندافع عنه أيام كان هناك ملك يمين . ولنر المعنى الناضج حين يبيح الله متعة السيد بما ملكت يمينه ، انظر إلى المعنى ، فالإسلام قد جاء ومن بين أهدافه أن يصفي الرق ، ولم يأت ليجئ بالرق .

وبعد أن كان لتصفية الرق سبب واحد هو إدارة السيد . عدَّدَ الإسلام مصاريف تصفية الرق ؛ فارتكاب ذنب ما يقال للمذنب : اعتق رقبة كفارة اليمين . وكفارة ظهار فيؤمر رجل ظاهر من زوجته بأن يعتق رقبة وكفارة فطر في صيام ، وكفارة قتل ... إلخ .... إذن الإسلام يوسع مصارف العتق .

ومن يوسع مصاريف العتق أيريد أن يبقى على الرق ، أم يريد أن يصفيه ويمحوه ؟
لنفترض أن مؤمناً لم يذنب ، ولم يفعل ما يستحق أن يعتق من أجله رقبة ، وعنده جوار ، هنا يضع الإسلام القواعد لمعاملة الجواري :

ـ إن لم يكن عندك ما يستحق التكفير ، فعليك أن تطعم الجارية مما تأكا وتلبسها ما يلبس أهل بيتك ، لا تكلفها ما لا تطيق ، فإن كلفتها فأعنها ، أي فضل هذا ، يدها بيد سيدها وسيدتها ، فما الذي ينقصها ؟ إن الذي ينقصها إرواء إلحاح الغريزة ، وخاصة أنها تكون في بيت رجل فيه امرأة ، وتراها حين تتزين لزوجها ، وتراها حين تخرج في الصباح لتستحم ، والنساء عندهن حساسية لهذا الأمر ، فتصوروا أن واحدة مما ملكت يمين السيد بهذه المواقف ؟ ألا تهاج في الغرائز؟

حين يبيح الله للسيد أن يستمتع بها وأن تستمتع به ، فإنه يرحمها من هذه الناحية ويعلمها أنها لا تقل عن سيدتها امرأة الرجل فتتمتع مثلها . ويريد الحق أيضاً أن يعمق تصفية الرق ، لأنه إن زوجها من رجل رقيق فإنها تظل جارية أمة ، والذي تلده يكون رقيقاً ، لكن عندما تتمتع مع سيدها وتأتي منه بولد ، فإنها تكون قد حررت نفسها وحررت ولدها ، وفي ذلك زيادة في تصفية الرق ، وفي ذلك إكرام لغريزتها . ولكن الحمقى يريدون أن يؤاخذوا الإسلام على هذا !!
يقول الحق : ((فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ )) فالعدل أو الأكتفاء بواحدة أو ما ملكت اليمين ، ذلك أقرب ألا تجوروا .

وبعض الناس يقول : ((أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ )) أي ألا تكثر ذريتهم وعيالهم . ونقول لهم : إن كان كذلك فالحق أباح ما ملكت اليمين ، وبذلك يكون السبب في وجود العيال قد اتسع أكثر ، وقوه : ((ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ )) أي أقرب ألا تظلموا وتجوروا ، لأن العول فيه معنى الميل ، والعول في الميراثأن تزيد أسهم الأنصاب على الأصل ، وهذا معنى عالت المسألة ، وإذا ما زاد العدد فإن النصيب في التوزيع ينقص .
وبعد ذلك قال الحق : النساء 4

وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا

اللهم تقبل منا صالح الأعمال
من خواطر الإمام / محمد متولي الشعراوي

24 - سبتمبر - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
الصلاة والسلام على سيدنا محمد بصوت الشيخ عبد الباسط    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

http://www.youtube.com/watch?v=1iEepnr-VMg&feature=related

24 - سبتمبر - 2010
سيدنا محمد: الرحمة المهداة....صلى الله عليه وآله وسلم(2)
أدب الوصايا والنصائح    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

يقول الأستاذ أحمد أمين في مقدمة كتابه " إلى ولدي " :

وهذه العادة ، عادة كتابة الآباء إلى الابناء (كتابة الوصايا والنصائح) ، عادة قديمة قصها علينا القرآن الكريم في نصيحة لقمان لإبنه ، ونصيحة الفارسية المعروفة بجويدان خرد ، وكثيراً ما نصح الملوكُ عمّالهم في كيف يسيرون وأي منهج ينهجون : نصح عمر بن الخطاب أَبا موسى الأشعري نصيحته المشهورة في كيف يسير في القضاء ، وقالوا إن عليِّ بن أبي طالب نصح الأشتر النخعي بنصيحته المشهورة عندما ولاه مصر . واستمرت هذه النصائح في التاريخ الأدبي إلى يومنا هذا .... ولما كان لكِّل عصر نصائحه ، ولكل عصر أسلوبه آثرتُ أن أَجْري مجراهم مراعياً اختلاف البيئة واختلاف العصر .

تتخذ صيغة الوصايا في الأدب العراقي القديم أشكالاً عديدة . وتظهر بعض هذه الوصايا بلغة صريحة تحذر من ارتكاب الأعمال المشينة . وكانت بعض هذه الوصايا ترد على لسان أستاذٍ لتلميذه يُخاطبه فيها بكلمة (يا بني) .
وكانت الوصايا ترد أيضاً بصيغة تنبيهات على شكلٍ فؤول .
ولدينا من مصر القديمة عدد من نصوص الحكم والوصايا ، وهذه النصوص طويلة وعلى جانب كبير من الإفاضة والتفصيل وهي تطلعنا على جانب من جوانب الحياة الأخلاقية للمجتمع المصري القديم .
وتمتاز الوصايا في العصر الجاهلي بجمالها ، وتناسب جملها ورقتها . وهي تمثل البيئة العربية الجاهلية من حيث الحفاظ على مكارم الأخلاق ووضوح الغايات والوسائل إلى جانب الاهتمام بالحكمة والمثل .
وتعددت موضوعات الرسائل في العصر الإسلامي فشملت جميع النظم الجديدة التي قامت عليها دولة الإسلام .
وتعددت موضوعات الرسائل في العصر الإسلامي فشملت جميع النظم الجديدة التي قامت عليها دولة الإسلام .
وارتكزت مضامين الرسائل في هذا العصر والعصور اللاحقة ، على التوجيهات الأخلاقية المستوحاة من روح الرسالة الدينية في شتى مناحي الحياة! السياسية والاجتماعية والاقتصادية . كما استمر وجود نوعين من الرسائل ، الأول الذي اتخذ الطابع الرسمي ، وهو ما كان يوجه من الخليفة أو الحاكم إلى أفراد الرعية ، أما النوع الآخر وهو غير الرسمي ، فقد شاع في حياة الأمة بغرض نقل المشاعر والعواطف والأفكار من شخص للآخرين ، للتأثير في عواطفهم وميولهم ...

27 - سبتمبر - 2010
وصايا خالدة
أدب الوصايا والنصائح (2)    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

أدب الوصايا والنصائح
من الأدب العراقي القديم

 

تمهيد :
تتخذ صيغة الوصايا في الأدب العراقي القديم أشكالاً عديدة . وتظهر بعض هذه الوصايا بلغة صريحة تحذر من ارتكاب الأعمال المشينة . وكانت بعض هذه الوصايا ترد على لسان أستاذٍ لتلميذه يُخاطبه فيها بكلمة (يا بني) وبعضها يرد بصيغة تنبيهات على شكلٍ فؤول .
 
1) من الوصايا الأكدية
 
" يا بني ...
لا تفترِ ، بل قل كلمات صالحة
لا تتداول بأمور شريرة ، ولا يكن لك سوى كلمات طيبة !
فالذي يفتري ، ويقول كلمات شريرة
سينتظرُ عبثاً مكافأة شمش
لا تدع المجال لفمك بالإفراط وراقب شفتيك !
حتى  إذا كنت وحدك ، لا تُبح بأفكارك الخفية :
فما تكون قد قلته مرةً وستلقاه بعدئذٍ !
لذا ، مرِّنْ فكرك على السيطرة على أحاديثك "
 
 
2) تنبيهات للملك سنحاريب
كُتِبَ هذا النص على الأرجح في عهد الملك سنحاريب (704 – 681) ق.م قبل أن يدمر بابل سنة 689 ق.م :
 
" إذا لم ينتبه ملكٌ إلى الحق ، فسيقع شعبه في الفوضى ، وسيُجتاحُ بلده
إذا لم ينتبه ملك إلى حق بلده ، فإن إيا ملك المصائر الإلهي
سيغير مصيره الخاص وسيدفعه دوماً على طريق التعاسة
إذا لم ينتبه إلى حكيمه . فستكون أيامه قصيرة
إذا لم ينتبه إلى مستشاره فستثور بلاده عليه
إذا أصغى إلى نذل فستتغير ذهنية البلاد
إذا انتبه إلى رسالة إيا .. فإن الآلهة العظام سيقودونه دوماً في المشورة وطرق الإنصاف .
 

27 - سبتمبر - 2010
وصايا خالدة
أدب الوصايا والنصائح (3)    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

أدب الوصايا والنصائح
من الأدب العراقي القديم

 

3) من أبٍ إلى ابنه
 
 
هذه فقرات من لائحة طويلة تنوف عن 350 وصية يرعى تطبيقها الإله شمش وهذا النص يعود إلى عام 700 ق.م
( 1 )
-  أكبح جماح فمك ، راقب كلماتك .
-  وكما يحافظ الرجل على ثروته احفظ شفتيك .
-  لا تتفوه بما لا يفيد ولا تعط نصيحة في غير محلها .
-  لا تصنع بخصمك شراً .
-  ومن يبادلك بسيئة كافئه بحسنة .
-  واجه عدوك بالعدل ولا تظلم .
-  لا تترك قلبك نهبة لإغواء العمل السيء .
 
( 2 )
- اعطِ الطعام لسائله وشراب البلح لطالبه ، ولا ترد طالباً لصدقة أو ثوب ، ففي ذلك مرضاة للإله شمش ، وبه يُجزي حسنة .
- كن مصدر عون لإخوتك ، صانعاً للخير .
- أي بني ، إذا اختارك الأمير لخدمته ، حافظ على ختمه محافظتك على نفسك ، وإذا فتحت خزينته وولجت إليها ، سترى أموال لا يمكنك عدها ، فغض الطرف عنها ولا يروادك طمع بها .
 
( 3 )
- لا تغلظ في الكلام ولا تفتر على أحد ، من يغلظ القول ويفتر على الناس ، يعاقبه الإله شمش ويلاحقه طالباً رأسه.
 

27 - سبتمبر - 2010
وصايا خالدة
أدب الوصايا والنصائح (4)    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

أدب الوصايا والنصائح
من الأدب المصري القديم

 

... ولدينا من مصر القديمة عدد من نصوص الحكم والوصايا ، وهذه النصوص طويلة وعلى جانب كبير من الإفاضة والتفصيل وهي تطلعنا على جانب من جوانب الحياة الأخلاقية للمجتمع المصري القديم .
 
1) وصايا أمين أم أوبيت وتعود إلى حوالي عام 700 ق.م
 
- لا تسرق من المسكين ، ولا تحمِّل الضعيف فوق طاقته .
- لا تزعزع أحجار حدود الحقول عن مواضعها ، ولا يكن جشعك لبضعة أمتار من الأرض .
- لا توسع أرضك على حساب أملاك الأرملة ، لأن المتر الحلال أفضل من خمسة آلاف متر حرام ، وحصادها لا
  يبقى يوماً في صومعتك ، وغلتها لا تقدم لبرميل واحد من الجعة .
- أفضل لك أن تكون فقيراً بين يدي الله ، من أن تكون غنياً في وسط مستودعاتك .
- الرغيف الواحد مع الطمأنينة ، أفضل من الثورة مع الأحزان .
- لا تشته الغنى ولا المظاهر ، فكل إنسان مملوك لساعته .
- لا تجهد نفسك في الاكتناز وحاجتك آمنة ، فإن المال الحرام لا يلبث في يدك ليلة ، ومع الصباح يختفي من بيتك ،
  تصير له أجنحة وتطير .
- لا تطمع في مال الفقير ولا تشته خبزه ، لأنه سيصير شوكة في حنجرتك وقيئاً في حلقك .
- إذا كان لك دين عند رجل فقير ، اجعله ثلاثة أقساط ، سامحه بقسطين واترك واحداً ، عندها ستنام ملء جفونك ،
  وفي الصباح ستجد عملك كالبشارة الطيبة .
- لا تجعل لنفسك أوزاناً مغشوشة ، لأنها سوف تزخر بالبلايا بإرادة الله .
- لا تقض ليلك في خوف من الغد ، لأنه من يعرف ما سيكون عليه الغد عند انبلاج الصبح .
- ما يقوله الإنسان شيء ، وما يفعله الله شيء آخر .
- إذا آذاك أحد لا تقل إن لي رئيساً قوياً ، وإذا أصابك أحد بضرٍ لا تقل إن لي حامياً ، بل ضع نفسك في رعاية الله.
- لا تهزأ من أعمى ولا تسخر من قزم ، ولا تنفجر غضباً في وجه من يرتكب خطأ ، فما الإنسان إلا قش وتراب ،
  خلق الله .
- إن الله يخلق ألف إنسان ضعيف إذا شاء ، ويخلق ألف إنسان حكيم أيضاً .
- لا تنهر الأرملة ويه تجمع البقايا في حقلك ، ولا تمنع عن الغريب جرة زيتك ، إن الله يفضل احترامك للفقير على
  تعظيم للقوي .

27 - سبتمبر - 2010
وصايا خالدة
أدب الوصايا والنصائح (5)    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

أدب الوصايا والنصائح
الوصايا في العصر الجاهلي

 

 
... وتمتاز الوصايا في العصر الجاهلي بجمالها ، وتناسب جملها ورقتها .
 
1) عمرو بن كلثوم
 
جمع عمرو بن كلثوم بنيه حينما حضرته الوفاة ، وكان قد عاش مائة وخمسين سنة ، فقال : ـ
 
" يا بَنيَّ ، قَدْ بَلغْتُ منْ العُمَرِ ما لمْ يَبْلغْهُ أحدٌ منْ آبائي ، ولا بدَّ أنْ يَنْزلَ بي ما نَزلَ بهم منَ الموْتِ . وإني واللهِ ما عيّرتُ أحداً بشيءٍ إلا عُيِّرتُ بمثْلهِ ، إنْ كانَ حقاً فَحقاً ، وإن كانَ بَاطلاً فبَاطلا ، ومنْ سَبَّ سُبَّ . فكُفُّوا عنِ الشتّمِ ، فإنّهُ أسْلمُ لَكمْ ، وأحسِنوا جِوارَكمْ ، يحسنْ ثناؤُكم ، وإذا حُدِّثْْتم فَعوا ، وإذا حَدثْتم فأوْجِزوا ، فإن مع الإكثارِ تكونُ الأهْذار .
أشجعُ القَومِ العَطوفُ عندَ الكرِّ ، كَما أن أكرمً المنايا القتلُ ، ولا خيرَ فيمن لا رَويّة لهُ عندَ الغضَبِ ، ولا منْ إذا عُوتبَ لم يُعْتِبْ ، ولا تَتزوجوا في حيِّكم ، فإنّه يودي إلى قُبْحِ البُغْضِ " .
 
2) ذو الإصبع العدواني
 
وأوصى ذو الإصبع العدواني ، لما حضرته الوفاة ، ابنه فقال :
" يا بُني ، إن أباكَ قد فَنِيَ وهوَ حيُّ ، وعاشَ حتَى سَئِمَ العَيشَ . وإنِّي مُوصيكَ بما إنْ حفظْته بَلغتَ في قَوْمكَ ما بَلغتُه : ألِنْ جانبَك لقَومك يُحبُّوكَ ، وتَواضعْ لهُمْ يرفَعوكَ ، وابسُطْ وجْهَكَ يُطيعوكَ ، ولا تستأثْر علَيهمْ بشيءٍ يسوِّدوكَ ، وأكْرِم صغارَهُمْ كَما تُكْرمْ كبارَهُمْ ، يُكْرمكَ كبارهُم ، ويَكبُرْ على مودَّتكَ صِغارَهُمْ ، واسْمحْ بمالكَ ، وأعززْ جارَكَ ، وأعنْ من اسْتعانَ بِكَ ، وأكرم ضَيفكَ ، وصُنْ وجهكَ ، عنْ مسألِة أحدٍ شيئاً ، فَبذلِكَ يَتمُّ
سُؤْدُدُكَ ".

27 - سبتمبر - 2010
وصايا خالدة
أدب الوصايا والنصائح (6)    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

أدب الوصايا والنصائح
الوصايا في العصر الإسلامي

 

رسالة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في القضاء إلى أبي موسى الأشعري عندما ولاّه قضاء البصرة .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
" من عبد الله عمر بن الخطاب ، أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس ؛ سلام عليك؛ أما بعد ، فإن القضاء فريضة محكمة ، وسنة متبعة ، فافهم إذا أدلي إليك ؛ فإنه لا ينفع تكل بحق لا نفاذ له . آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك ؛ حى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك . البينة على من ادّعى واليمين على من أنكر ، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً . أو حرم حلالاً .
 
لا يمنعك قضاء قضيته اليوم ، فراجعت فيه عقلك ، وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق ؛ فإن الحق قديم ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ، الفهمَ الفهمَ فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة ثم اعرف الأشباه والأمثال فقس الأمور عند ذلك ، واعمد إلى أقربها إلى الله، وأشبهها بالحق ، واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أو بينة أمداً ينتهي إليه ، فإذا أحضر بينة أخذت له بحقه ، وإلا استحللت عليه القضية ؛ فإنه أنفى للشك ، وأجلى للعمى . المسلمون عدول بعضهم على بعض ، إلا مجلوداً في حد ، أو مجرباً عليه شهادة زور ، أو ظنيناً في ولاء أو نسب ؛ فإن الله تولى منكم السرائر ، ودرأ بالبينات والأيمان ، وإياك والقلق والضجر والتأذي بالخصوم ، والتنكر عند الخصومات ؛ فإن الحق في مواطن الحق يعظم الله به الأجر ، ويحسن به الذخر ، فمن صحت نيته ، وأقبل على نفسه ، كفاه الله ما بينه وبين الناس ، ومن تخلق للناس بما يعمل أنه ليس من نفسه ، شانه الله ، فما ظنك بثوّاب عند الله عز وجل في عاجل رزقه ، وخزائن رحمته ، والسلام ".
 

المفردات :
(1)    أدلي إليك : إذا تقدم إليك المتقاضون بحجتهم .
(2) آس بين الناس : سو بينهم .
(3)    لحيف : الميل . أي ميلك معه لشرفه .
(4)    تلجلج : تردد حتى كان موضع حيرة .
(5)    الكتاب : القرآن الكريم ، والسنة : ما أثر عن النبي من قول أو فعل أو تقرير .
(6)    ظنين : متهم : أي ينتسب إلى غير أبيه ، أو يدعي إلى غير مواليه فليس أهلاً للشهادة .
(7) درأ : دفع ، يريد منع الحدود .
(8) القلق والضجر ضيق الصدر ، وقلة الصبر .
 

27 - سبتمبر - 2010
وصايا خالدة
أدب الوصايا والنصائح (7)    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

أدب الوصايا والنصائح
الوصايا في العصر الإسلامي

 

رسالةٌ إلى والٍ  
 كتبها الإمام عليٌّ بن أبي طالب إلى بعض عُمّاله وقد بَلَغَهُ أنّه يستغلُّ السلطة السلطة لمصلحته الخاصة .. 
 
أَمّا بَعْدُ ، فقد بلغَني عنك أمرٌ ، إنْ كنتَ فَعَلْتَهُ فقد أسخَطتَ ربَّك ، وَعَصَيْتَ إمامَكَ ، وأَخزيْتَ أمانتكَ .
 
بَلَغني أنَّك جرَّدتَ الأرضَ فأخذتَ ما تحتَ قدميْكَ . وأكلتَ ما تحتَ يديْكَ ، فارفَعْ إليَّ حِسابَكَ . واعلمْ أنَّ حسابَ اللهِ أعظمُ من حسابِ الناس .
 
وقد كنتُ أشركْتُكَ في أمانتي ، وجعلتُكَ شِعاري وبطانتي ، ولم يكنْ رجلٌ من أهلي أوثَقَ منكَ في نفسي لمواساتي ومؤازرتي ، وأداءِ الأمانةِ إليَّ ، فلمّا رأيت الزّمانَ على ابنِ عمِّكَ قد كَلِبَ والعدوَّ قد حَرِبَ ، وأمانةَ الناسِ قد خَزِيَتْ ، قلبْتَ لابنِ عمِّكَ ظهرَ المِجَنِّ ففارقْتَهُ مع المُفارقينَ ، وخَذلتَهُ مع الخاذلين ، وخُنْتَهُ مع الخائنينَ فلا ابْنَ عمِّكَ آسيتَ ولا الأمانةَ أدَّيْتَ ، وكأنَّكَ إنّما كنتَ تكيدُ هذه الأمَّةَ عن دُنياهُم وتنوي غِرَّتَهُمْ عن فَيْئِهِمْ ، فلمَّا أمْكَنَتْكَ الشدَّةُ في خيانةِ الأمّةُ أسْرَعْتَ الكرَّة ، وعاجلْت الوَثْبَةَ ، واختطفتَ ما قَدْرتَ عليه من أموالِهم المصونةِ لأرامِلِهِم وأيتامِهِم اختطافَ الذئبِ الأزَلِّ داميةَ المِعزى الكسيرةَ ، فحملْتَهُ إلى الحجازِ ، رحيبَ الصَّدْرِ بحَمْلِهِ ، غيرَ متأثِّم من أخذِهِ ، كأنّك – لا أبا لغيركَ – حدرْتَ إلى أهلِكَ من أبيكَ وأُمِّك ، فَسُبْحان اللهِ ! أما تُؤمِنُ بالمعادِ ؟ أوَ ما تخافُ نقاشَ الحسابِ ، أيُّها المعدودُ – كان – عندنا من ذوي الألبابِ كيف تَسيغُ شراباً وطعاماً وأنتَ تَعْلَمُ أنَّكَ تأكُلُ حراماً وتشربُ حراماً ؟ فاتّقِ اللهَ واردُدْ إلى هؤلاءِ القومِ أموالَهم ، فإنّكَ إن لم تفعَلْ ثم أمكنني اللهُ منكَ لأعذِرَنَّ إلى اللهِ فيكَ ، ولأَضرِبَنَّكَ بسيفي الذي ما ضَرَبتُ به أحداً إلاّ دخلَ النارَ ! واللهِ لو أنّ الحسنَ والحُسينَ فَعَلا مثلَ الذي فَعَلْتَ ما كان لهما عندي هَوادَةٌ ، ولا ظَفِرا منّي بإرادةٍ ، حتّى آخذَ الحقَّ منهما..
 

المفردات :
(1) أخزيت أمانتك : أفسدتها ، وكان هذا العامل أخذ ما عنده من مخزون بيت المال .
(2) المؤازرة : المناصرة .
(3) كلب : كفرِحَ : اشتدٌ وخشّن .
(4) المِجَنّ : الترس ، وهذا مثل يضرب لمن يخالف ما عهد فيه .
(5) آسيت : ساعدت وشاركت في الملمات .
(6) كاده عن الأمر : خدعه حتى ناله منه .
(7) الغِرّة : الغفلة .
(8) الفَيء : مال الغنيمة والخراج .
(9) الأزلّ : السريع الجري .
(10) الدامية : المجروحة .
(11) التأثّم : التحرّز من الإثم – بمعنى الذنب .
(12) لا أبالغيرك : تقال للتوبيخ من التحامي من الدعاء عليه .
(13) حدرتَ : أسرعت إليه .
(14) حدره : حطّه من أعلى لأسفل – " كان " هنا زائدة لإفادة معنى المضيّ ، لا تامّة ولا ناقصة .
(15) تسيغ : تبلغ بسهولة .
(16) لأعذرنّ إلى الله فيك : المقصود هنا لأعاقبنّك عقاباً يكون لي عذراً عند الله من فعلتك هذه .
 

27 - سبتمبر - 2010
وصايا خالدة
أدب الوعظ ، يلحق به ( أدب الوصايا والحكمة)    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

الأساليب الأدبية في مواعظ الحسن البصري
بقلم الأستاذ/ شمس الدين درمش
كثيرًا ما نسمع في مجال النقد الأدبي اتهام نص إبداعي بالمباشرة والخطابية، وأن المبدع يلجأ إلى الوعظ في إيصال فكرته إلى المتلقي، وأن عليه أن يقدم الفكرة بشكل رمزي غير مباشر.
يقال هذا: إذا كان النص ملتزما في توجهه بالإسلام وما ينبثق عنه من ضوابط عقدية وفكرية وأخلاقية فيما يسمى الآن أدباً إسلامياً، وكان الناقد ينطلق من الرؤى التجديدية المنبثقة من معين الآداب العربية والإسلامية.
أما إذا كان الناقد ينطلق في نقده من الرؤى الحداثية بأفكارها المستوردة من الغرب، فإنه لايقبل أن يدخل معنا في الحوار منذ البدء، لأن الأدب والنقد في نظره بمنأى عن الدين والأخلاق.
وحديثي يتوجه إلى الفئة الأولى التي نتفق معها بأن الالتزام في الأدب لا يحده بل يمده. ويتواصل مع الفئة الثانية إذا هي أقرت بقاعدة الالتزام، وذلك بأن النص الأدبي لا يطلب منه دائماً أن يكون رمزاً، وغير مباشر، وخيالاً تصويرياً، ومبالغات، وغير ذلك مما يقرره بعض النقاد والدارسين.
فأدب الوعظ فنٌ قائم بذاته، وله مبدعوه الذين اشتهروا به منذ القدم، ويلحق به ما يسمى:" بأدب الحكمة والوصايا" سواء أكان في الشعر أم في النثر.
ولعل تقديم نماذج من أدب الوعظ يبين بعض ما أريد الوصول إليه، من أن هذا الأدب يتمتع بالحيوية والقدرة على التأثير في مجاله، مثل غيره بل أكثر.وأن فيه من تنوع أساليب البيان والمعاني والبديع ما يجعله من عيون الأدب.
وقد عرف تاريخ الكلمة الأدبية التراثية من أصحاب هذا الفن رجلاً كان له حضوره غير العادي في عصره، هو الإمام الحسن البصري، الذي ولد في المدينة سنة إحدى وعشرين للهجرة، وتوفي في البصرة عن ثمان وثمانين سنة.
ونصوصه مبثوثة في كتب العلم والأدب والحِكَم والمواعظ، والتي منها: "كتاب جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبلي، وكتاب:" الزهد" الذي جمع نصوصه وحققها الدكتور محمد عبد الرحيم محمد.
يقول عنه ثابت بن قُرَّة:"لقد كان - أي الحسن- من دراري النجوم علماً وتقوى وزهداً وفصاحة، مواعظه تصل إلى القلوب، وألفاظه تلتبس بالعقول، وما أعرف له ثانياً، قريباً ولا مدانياً..."(1)
وفيما يأتي أختار بعض النصوص من هذا الكتاب، وأُعلق عليها بما تيسر بإذن الله سبحانه.
حادثوا القلوب.. واقدعوا الأنفس

يقول: الحسن البصري:" حادثوا هذه القلوب بذكر الله فإنها سريعة الدثور، واقدعوا هذه الأنفس فإنها طلعة، وإنكم إن تطيعوها في كل ما تنزع إليه لا تبقي لكم شيئا"(2).
فقوله: " حادثوا هذه القلوب بذكر الله فإنها سريعة الدثور" تشخيص للقلب، واعتباره إنساناً مستقلاً يحادثه صاحبه، وهي صورة يأنس بها صاحب القلب نفسه عندما يتوجه إلى قلبه وكأنه شخص آخر فيطلب منه أن يتذكر ولا يغفل، ودثور القلب غفلته، ودثور السيف والثوب صدؤه واتساخه. وقوله: " واقدعوا هذه الأنفس..." أي: اكبحوها تشبيه لها بالفرس الجامحة التي يشد لجامها للسيطرة عليها. والتصرف بالتشبيهات من الأساليب البيانية الأدبية المؤثرة في إبلاغ المعنى إلى المتلقي، وحمله على الاستجابة النفسية التي تدفعه إلى العمل.
كِدْتُ أن أكون السواد المُخْتَطف:

وللقصة أثر كبير في المتلقي، والعناية بها واضحة في القرآن الكريم، وفي السُّنة النبوية، حتى صار الهدي القرآني والنبوي مقصد الواعظين يستقون من معينهما في الوعظ، وتأثر الكتاب في كل عصر ومصر بذلك. والحسن البصري كثيراً ما يستعين بالقصة للوصول إلى قلب سامعه، وكان له من صدق اللهجة ما جعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يُقِرُّه في مجلسه بمسجد البصرة إذ منع غيره من الوعاظ من مساجد البصرة والكوفة وغيرهما.
يقول الحسن البصري: "كان رجل من المسلمين يبلغه موت أخ من إخوانه فيقول: كدت والله أن أكون أنا السواد المختطف. فيزيده الله بذلك جداً واجتهاداً. فيلبث بذلك ما شاء الله، ثم يبلغه موت أخ من إخوانه فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، كدت والله أن أكون أنا السواد المختطف، فيزيده الله بذلك جداً واجتهاداً.
قال الراوي: فردَّدَ الحسن هذا الكلام غير مرة. فوالله مازال كذلك حتى مات موتاً كيساً"(3)، فهذه القصة أقرب إلى ضرب الأمثال منها إلى رواية قصة واقعية، لانعدام العناصر الحقيقية للأحداث من الشخصيات والزمان والمكان، وإسناده الفعل إلى مجهول، وتركيزه على الحدث المجرد والعبرة منه، وهي الاستعداد للموت الذي يأتي فجأة، والتهيؤ له بالعمل الصالح.
ففي القصة يأتي خبر موت (أخ) إلى (رجل) من المسلمين بصيغة النكرة فيتأثر بذلك ويعد نفسه للموت، ويتكرر الحدث بالطريقة نفسها، ليعطي الثمرة نفسها من حصول الموعظة والجد والاجتهاد بالعمل الصالح. ويتدخل الراوي ليوضح لنا أن الرجل من المسلمين كان الحسن البصري نفسه، وكان الأخ الذي يموت هو أي أحد من المسلمين، حتى أفضى به الأمر أن يموت موتاً كيِّساً، أي: حسناً.
وما كان للحسن البصري أن يقول للناس: إنه يعني نفسه بذلك الذي يأخذ العبرة، فيزكي نفسه، فيقع في دائرة المحظور في الوعظ! وهذا أبلغ في الموعظة. والتكرار في القصة عامل آخر من عوامل التأثير بأسلوب الإطناب، يجدد به التأثير في المتلقي ويجعله في دائرة التذكر الدائم.
لا حياة لمن تنادي:

ونجد لدى الحسن البصري أسلوب المثال الحقيقي بدلاً من ضرب المثل بالمجهول، فقد "رأى شيخاً في جنازة، فلما فرغ من الدفن، قال له الحسن: ياشيخ، أسألك بربك أتظن أن هذا الميت يود أن يرجع إلى الدنيا فيتزيد من عمله الصالح، ويستغفر الله من ذنوبه السالفة؟ فقال الشيخ: اللهم نعم. فقال الحسن: فما بالنا لا نكون كهذا الميت؟! ثم انصرف وهو يقول: أي موعظة؟! ما أنفعها لو كان بالقلوب حياة! ولكن لا حياة لمن تنادي".(4)، فالحكاية عن الغائب في النص السابق حكاية حاضرة في هذا النص يعتمد الحوار القصير المكثف، ويتخذ من التشبيه التمثيلي بين حالة حاضرة، وحالة ماضية، وحالة مستقبلة أسلوباً، ويدخل أسلوب القسم لتأكيد المعنى واستجماع النفس التي ما تزال تلهو وتغفل، ثم يلجأ إلى أسلوب التهويل( أي موعظة)، والتعجب (ما أنفعها لو كان بالقلوب حياة)، ثم التيئيس الذي يهدف إلى التخويف من حالة الغفلة العامة عند الإنسان(ولكن لا حياة لمن تنادي). والجملة الأخيرة في لحظتها تحمل معنى تشبيه الأحياء بالأموات فيما يظهر لعدم انتفاعهم بالموعظة، والأموات بالأحياء لتمنيهم العودة إلى الحياة لاستدراك ما فات، ولكن هيهات هيهات!!
قيام يفترشون وجوههم:

وقد يجعل القصة رواية مباشرة منه –رحمه الله- إذ يقول: " والله لقد أدركت أقواماً، وصَحِبتُ طوائف منهم، ما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أَقْبَل، ولا يأسفون على شيء منها أدبر، ولهي كانت أهون في أعينهم من هذا التراب. كان أحدهم يعيش خمسين سنة لم يطو له ثوب قط، ولا نصب له قدر، ولا جعل بينه وبين الأرض شيئاً، ولا أمر في بيته بصنعة طعام قط. فإذا كان الليل فقيام على أطرافهم يفترشون وجوههم، تجري دموعهم على خدودهم، يناجون ربهم في فكاك رقابهم، وكانوا إذا عملوا الحسنة، دأبوا في شكرها، وإذا عملوا السيئة أحزنتهم وسألوا الله أن يغفرها. وإنكم أصبحتم في أجل منقوص، والعمل محفوظ، والموت والله في رقابكم، والنار بين أيديكم، فتوقعوا قضاء الله في كل يوم وليلة".(5)
في هذا النص جملة من الأساليب الأدبية والبلاغية، فقد عمد إلى الرواية المشاهدة للقصة، وذلك أوقع من الخبر المنقول لثقة السامع بصدق المتحدث، وليس الخبر كالمعاينة! وإذ استوثق من تصديقهم لما يخبر أطنب في وصف من يخبر عنهم، ويعظ بحالهم، مستخدماً أسلوب المقابلة القائمة على التضاد في موقفهم من الدنيا، فإذا كان أكثر الناس يفرحون إذا هي أقبلت، ويحزنون إذا هي أدبرت، فإن هؤلاء القوم المشمرون بالجد لا يأبهون بالدنيا في حالي إقبالها وإدبارها.
ويشبه الدنيا في هوانها بالتراب، بل هي أهون، وينتقل بعد ذلك من مظاهر الوصف المعنوي إلى مظاهر الوصف الحسي الدال على الحالة المعنوية التي هم فيها، فـ"لم يطو له ثوب" كناية عن عدم التنعم باللباس، "ولا نصب له قدر، ولا أمر في بيته بصنعة طعام" كناية عن عدم التنعم بالطعام، " ولا جعل بينه وبين الأرض شيئا" كناية عن عدم التنعم بالنوم، و"قيام على أطرافهم يفترشون وجوههم" كناية عن التعبد عامة وبالسجود خاصة، و "يناجون ربهم في فكاك رقابهم" كناية عن تذللهم في الدعاء لربهم، وتشبيه لعبودية المخلوق للخالق بعبودية المخلوق للمخلوق في مجتمع كان لعبودية الرق فيه شأن، يعايشه الناس بأنفسهم.
ومثل هذه الأساليب التصويرية التي تحفز الخيال بالحسي إلى المعنوي، وتكشف المعنى في أكثر من صورة، تؤثر في مراكز الاستقبال في القلب والعقل تأثيراً محموداً، فإذا لم يحمله على الاقتناع المباشر حمله على التفكير، وإذا لم يدفعه إلى العمل الفوري هيأه للتحرك إلى العمل في مرة قادمة.
هل رأيت فقيهًا بعينيك؟!:

ونجد في مواعظ الحسن البصري أساليب علم المعاني تخدم هدفه، في إيصال موعظته لسامعيه، ويحشد في الجملة الواحدة أكثر من أسلوب.
فعن عمران بن القصير قال: "سألت الحسن عن شيء، فقلت: إن الفقهاء يقولون كذا وكذا، فقال: وهل رأيت فقيها بعينيك!؟ إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، المداوم على عبادة ربه عز وجل"(6).
فالحسن يستنكر على عمران بن القصير قوله:"إن الفقهاء يقولون كذا وكذا" ذلك أن الفقه غير الكلام عند العلماء الربانيين، فصاغ عبارته بأسلوب الاستفهام الإنكاري، الذي يتضمن النفي. ثم يتابع إيضاحه لما استنكره فيعرف الفقيه بأسلوب القصر بإنما و بتعريف المبتدأ والخبر بأل التعريف "إنما الفقيه الزاهد في الدنيا"وأسلوب القصر بأداة واحدة يفيد التوكيد، وبأداتين يفيد زيادة التوكيد، فهو نفى المعنى الشائع للفقيه أولاً ثم أكَّدَ المعنى الذي يريده بأداتين من أساليب القصر، وأضاف للجملة الأولى جملة ثانية بأسلوب الإطناب، لوجود علاقة عموم وخصوص بين الزهد في الدنيا والمداومة على عبادة الله سبحانه، وجاء بكلمة "ربه" ليفيد معنى قرب العابد من المعبود، المتضمن إشارة الإقرار بالربوبية المستدعية للشكر من المربوب.
بئس الرفيقان الدرهم والدينار:

وفي حملته على الدنيا ومغرياتها، وتحذير الناس منها بشكل دائم يلفت نظر مستمعيه إلى الدرهم والدينار اللذين يفتنان الناس ويغريانهم، يقول حزم بن أبي حزم: "سمعت الحسن يقول: بئس الرفيقان الدرهم والدينار، لا ينفعانك حيث يفارقانك"(7).
وذلك أن الإنسان يحب أن يكون درهمه وديناره معه حيث يذهب وكأنهما رفيقان، والمتوقع من الرفيق أن ينفع عند الحاجة، فإذا تخلى عن مرافقه أشد ما يكون محتاجاً إليه فبئس الرفيق هو إذن. وهكذا الدرهم والدينار في نظر الحسن البصري لا ينفعانك حيث يفارقانك، والمعنى يحتمل أن يكون لا ينفعانك لأنهما يفارقانك، أو لا ينفعانك عندما يفارقانك فتذهب إلى الآخرة ويبقيان في الدنيا لغيرك، وبين المعنيين صلة.
ما يصنع بالزرع إذا طاب؟!:

ويحرص الحسن على الاستفادة من كل سَانحَةٍ للموعظة، فقد حضر يوماً مجلساً جمع شيوخاً وشباباً فقال: معشر الشيوخ، ما يصنع بالزرع إّذا طاب؟ قالوا: يحصد. ثم التفت فقال: معشر الأحداث، كم من زرع لم يبلغ، قد أدركته الآفة فأهلكته، وأتت عليه الجائحة فأتلفته، ثم بكى، وتلا:?? وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ? [إبراهيم:25] (8)، فقد جعل من مادة الزرع وسيلة لإيصال المعنى بأبلغ صورة محسوسة، بما يُسمى التشبيه التمثيلي، وكثيراً ما يضرب القرآن الكريم، مثل الحياة الدنيا بالزرع الذي ينمو صغيراً ثم يشتد سُوقه، ثم يصفر فيستحصد. وهكذا خاطب الشيوخ الذين عاشوا أعمارهم بجملة واحدة فقال: ما يصنع بالزرع إذا طاب؟ أي: إذا بلغ أَوَان الحصاد فقالوا: يحصد! وهو الموت بالنسبة للإنسان. ثم التفت إلى الشباب الذين تضطرم الآمال في قلوبهم المقبلة على الحياة، ليوقظهم من غفلة الشباب واغترارهم بطول الأمل، ليقول لهم: كم من زَرْعٍ لم يبلغ(أوان الحصاد) قد أدركته الآفة (وهو أخضر) فأهلكته، وأتت عليه الجائحة (أي المصائب) فأتلفته.
والحسن البصري لا يكتفي بنقل الصورة الواعظة لغيره وينسى نفسه، بل يتفاعل أشد التفاعل بما يقول، كما هنا، ثم بكى وتلا: (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) [إبراهيم:25] وهو ما يسميه نقاد الكلمة الأدبية صدق التجربة، وفيه سر التأثير في المتلقي.
أمانيها كاذبة وآمالها باطلة:

ومع أن مواعظ الحسن البصري مقاطع قصيرة أو جمل معدودة، فإن له مواعظ طويلة سواء في مجالس خاصة اتخذت أسلوب المشافهة، أو في المراسلات التي كانت تتم بينه وبين بعض الولاة والخلفاء، فمن الخلفاء والولاة الذين وعظهم الحسن عمر بن عبد العزيز(رحمه الله)(9) إذ كتب إليه رسالة طويلة في ذم الدنيا، ومثلها في الطول موعظة وعظه بها أصحابه(10). ومثلها ما روي في موعظته المشهورة لعمر بن هُبيرة والي العراق، في مجلس حضر فيه هو والشعبي، خوَّفَ فيه الوالي من طاعة الخليفة في معصية الله تعالى(11).
ووعظَ النَّضْر بن عمرو والي البصرة(12)، وعَدِي بن أرطأة (والي البصرة)(13)، والحجَّاج في أكثر من مناسبة (14)، كما أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله كاتبه عدة مرات يطلب منه الموعظة.
والميزة في هذه المواعظ أنها طويلة مكتوبة أو مشافهة، ويظهر فيها التصرف بالأساليب الأدبية والبلاغية أكثر من تلك المقاطع القصيرة. "،ف مع فقرة من رسالته عن الدنيا إلى عمر بن عبد العزيز(15) يقول فيها: "واعلم يا أمير المؤمنين أن أمانيها كاذبة، وآمالها باطلة، وعيشها نكد، وتاركها موفق، والمتمسك بها هالك غرق.." ،.
وقد وصف عمر بن عبد العزيز هذه الرسالة قائلاً: "وصلت مواعظك النافعة فاشتفيت بها، وقد وصفت الدنيا بصفتها، والعاقل من كان فيها على وجل، فكأن كل من كتب عليه الموت من أهلها قد مات".
فقال الحسن يصف استجابة أمير المؤمنين للموعظة: "لله در أمير المؤمنين من قائل حقاً، وقابل وعظاً، لقد أعظم الله جل ثناؤه بولايته المنة، ورحم بسلطانه الأمة، وجعله بركة ورحمة"(16).
فهذه الرسائل الطويلة تظهر فيها الأساليب البديعية اللفظية من غير تكلف ولا إكثار، تخدم المعنى، وتجعله أدنى إلى القبول لتقديمه في ثوب من اللفظ الجميل الذي يستند إلى المجانسة والسجع والمقابلة والطباق بالتماثل والتضاد.
يسر المرء ما كان قدم من تقى:
وكان الحسن البصري يعنى بالموعظة الشعرية يتمثل بها في نفسه، ويبلغها سامعيه، ومن ذلك ما روي أن أصحابه دخلوا عليه يوماً فوجدوه يبكي وينشد(17):
دعُوه لا تلومُوه دعُوه فقد عَلِمَ الذّي لم تعلَمُوه
رأَى علم الهُدى فسَما إليه وطالبَ مطلباً لم تطلبُوه
أجابَ دُعاءَهُ لماَّ دعَاهُ وقامَ بأمرِه وأضَعتُموه
بنفسِي ذاكَ مِن فَطِن لبيبٍ تذَوَّقَ مَطْعمًا لم تَطعمُوه
ونحن لا نعرف قائل الأبيات، ونجدها تتضمن شيئاً من الرمز الشفيف، مع وضوح الألفاظ، وبساطة الصورة الخيالية (رأى علم الهدى فسما إليه) و (تذوق مطعماً لم تطعموه) التي رسمت صورة حركية في الصورة الأولى، ووضعت المعنوية موضع المحسوس في الثانية.
وربما أبدى إعجابه ببيت شعر، فقد روي أن رجلاً أنشده يوما(18):
وأجرأُ من رأيتُ بظهرِ غَيبٍ على عَيبِ الرِّجالِ ذُوو العُيوب
فقال الحسن، لله در هذا القائل! إنه لكما قال!، فهو استعمل أسلوب التعجب والتوكيد الإنكاري والإطناب في تثبيت المعنى.
وروي أنه كان يتمثل إذا أصبح وفرغ من تسبيحه ببيت الشعر(19):
وما الدُّنيا باقِية لحيٍّ ولا حيّ على الدُّنيا بباق ٍ
وإذا أمسى بكى وتمثل بيت الشعر:
يسرُّ الفَتى ما كانَ قدَّم من تُقى إذا عرفَ الدَّاء الذي هو قَاتلُه
وهذان البيتان مبنيان على الوضوح، لأنهما تعبران عن تجربة الحياة، واكتساب الحكمة منها، والشطر الأخير من البيت الثاني فيه تشبيه للذنوب المهلكة لصاحبها، والتقوى المنجية لها بالداء القاتل، والدواء الشافي من الداء.
صاحب الأسلوب المونق:

وقد عرف النقاد المنصفون من المعاصرين مكانة الحسن البصري وأهمية مواعظه وأثرها. يقول الدكتور شوقي ضيف(20): "وهو بلا ريب أكبر من ثبتوا في هذا العصر، ذلك الأسلوب المونق الذي تأثر به عبد الحميد (الكاتب) ومن خلفوه من الكتاب، إذ كان يقتدر على تصريف الكلم، مع السلامة من التكلف، والبراءة من التعقيد، وليس ذلك فحسب، بل أيضا مع تحلية لفظه بالمزاوجات والمقابلات والتشبيهات والاستعارات والتقسيمات الدقيقة" ونقل له نصوصاً عدة في كتابه لإظهار سمو أدب المواعظ.
من سمات أدب المواعظ:
وخص الدكتور عدنان النحوي كتاباً لهذا الفن سماه " أدب الوصايا والمواعظ.. منزلته ونهجه وخصائصه الإيمانية والفنية". وكان منطلق الكتاب بحثاً قدمه المؤلف في الندوة العلمية السنوية التي أقامتها رابطة الأدب الإسلامي العالمية عن "أدب الوصايا والمواعظ في الإسلام" سنة 1417هـ/ 1996م بمدينة حَيْدَر أباد في الهند برئاسة الشيخ أبي الحسن الندوي رحمه الله.ولخص الدكتور عدنان النحوي في الفصل الخاص بالدراسة الفنية الموجزة لسمات أدب المواعظ أنقل منها بإيجاز ما يأتي(21):
1- تأتي المواعظ مباشرة قوية لتقرير الحقائق للترغيب أو الترهيب.
2- تأتي على صيغة السؤال والتعجب والدهشة والدعوة إلى التأمل والتفكير أو الأمر والنهي.
3- تأتي على أسلوب القصة والخبر والحكمة لتبرز سنن الله في الحياة والكون.
4- تأتي على أسلوب الحوار، وعلى أسلوب التكرار للتأكيد والتثبيت.
5- تأتي على أسلوب ضرب الأمثال لتقديم الموعظة في صورة مؤثرة في النفس.
ولقد وجدنا هذه الأساليب ظاهرة في مواعظ الحسن البصري على قلة النصوص التي استشهدت بها مراعاة لعدم الإطالة، وفي هذا غنية لمن أراد الغناء، وابتعد عن المكابرة والمراء.
-----
الهوامش:
1- كتاب الزهد، ص3، جمع وتحقيق د.محمد عبد الرحيم محمد، دار الحديث، القاهرة.
2- ص20.
3- ص21.
4- ص21.
5- ص30-31.
6- ص49.
7- ص50.
8- ص63.
9- ص30.
10- ص40.
11- ص75.
12- ص163.
13- ص167.
14- ص166.
15- ص168.
16- ص169.
17- ص61.
18- ص54.
19- ص22.
20- العصر الإسلامي، د.شوقي ضيف، ص50، مكتبة المعارف، القاهرة.
21- أدب الوصايا والمواعظ، د.عدنان النحوي، صـ269، نشر دار النحوي في الرياض، ط1، 1418هـ / 1998م

27 - سبتمبر - 2010
وصايا خالدة
 254  255  256  257  258