البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات ضياء العلي

 24  25  26  27  28 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
حقل الخزامى    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

خزامى ، الخزامى Lavende
 
هذه الصورة وجدتها أيضاً على الأنترنت ونجحت في لصقها كما يبدو وهي صورة لحقل خزامى في الجنوب الفرنسي .
الخزامى وحتى يفصل الأستاذ بنلفقيه في هذا الموضوع هي هذه : la lavende ، وكما سماها عبد الحفيظ "لاوندا " ، وكانت جدتي تقول :  " لاونضة "وهي نبتة عطرية رائحتها نفاذة ، هي ليست إذاً أزهار : التوليب la Tulipe التي نشرتها أستاذ زهير في صفحة الصور إلا إذا كان بينها صلة كأن تنتسب لنفس النوع وهذا ما أجهله . أتمنى أن يعطينا الأستاذ بنلفقيه رأيه .
 
تحياتي لكم جميعاً ولندى الغالية والله شوكك نخز في قلبي يا ندى كإبر الصين وأنا أشكرك على الثمر وشوكه .
 

16 - نوفمبر - 2006
نباتات بلادي
في ذكرى شاعرنا وزادنا من سحر العطاء في هذا الزمن الرديء ...    كن أول من يقيّم

 
أراك في سحب المساء طائراً بجناحات من فضة ........
 
في الأفق شمس برتقالية الضوء يطفو شعرها على صفحة الأديم المشتعل بسناء اللون ........
 
طائراً أراك نحو الأفق الملتهب بشمعة المساء الوهاجة يرسم من حوله دوائرا وطلاسم لا تخترقها العيون ......
 
هيا استرح أيها المرتعش في حضرة المساء ، هيا استرح وارخي احمالك على وجه المياه تحملها معها في فلكها المشحون كضمة من أوراق ...
 
هيا استرح من الرحيل ومن تباريح الصيف والشتاء ومن تقلبات الزمن الصعب ، لقد حان المساء ...
 
لا تنثن وراء الشهب بل ضم جناحيك إلى صدرك واغمض عينيك هنيهات سوف تزورك فيها ألف نجمة وقصيدة .....
 
أيها الشاعر الممتد نحو اتساع الليل ، نم فوق صفحة المياه الراكدة كما النوارس في عرض المحيط ....
 
أيها الشاعر الممتد كظله في شساعة الضوء الحاني : شكراً لأبعاد المسافة وبرهات السحر المسكون بعطر الساكورا وعبيرالزيزفون .... 
 
شكراً لعطاء لا يوازيه انحناء ....
 
 
                
 
                         
 
 

16 - نوفمبر - 2006
أحاديث الوطن والزمن المتحول
أركيولوجيا الشواء والطبيخ    كن أول من يقيّم

 
أشكرك أستاذ سلام ولك مني فائق التقدير ، وسأتابع في حديث هذا العالم في الأركيولوجيا الذي أذكر كل ما قاله تقريباً دون اسمه واسم الكتاب الذي جاء من أجله بوقتها وهو عبارة عن رسائل كان يبعث بها لأصدقائه عبر الأنترنت ليجيب على أسئلتهم التي جمعها في ذلك الكتاب ، وذلك لأنني حرصت يومها على كتابة اسمه واسم كتابه ( أصدره بالفرنسية ) على ورقة رغبة مني في شرائه ، ثم أضعت الورقة ، فاحتفظت ذاكرتي بما سمعته منه ، وأضاعت ما أردت حفظه مكتوباً .
 
المهم أنه فسر من خلال حديثه لغزاً لطالما حيرني ، بل وكان أولادي قد لاحظوا هذه المسألة عندما كنا نذهب إلى لبنان في العطلة الصيفية وكنا نأكل أحياناً في المطاعم : كانوا قد استغربوا مسألة أننا نأكل في المطعم بطريقة مختلفة جداً عن البيت . في المطعم نأكل دائماً المازة ومن ثم الشواء وهذا ما يحدث غالباً في كل الإحتفالات العامة التي تحصل خارج البيت ، بينما نعتمد في البيت على الطبخ كالمحاشي واليخنات والأرز وغيرها وهذه كلها لا وجود لها في المطعم عندنا وهذه الظاهرة خاصة جداً بنا دون بلدان العالم الأخرى التي نعرفها .
 
وتقول نتائج الدراسات الأركيولوجية عن المنطقة بأن طقوس الإحتفالات الدينية التي كانت تتم في المعابد والساحات العامة ، وكانت تقدم فيها القرابين إلى الآلهة ، غالباً ما كانت تنتهي بمأدبة عامة تشوى فيها لحوم الحيوانات المقدمة كقرابين في احتفالات كبيرة أو صغيرة بحسب المناسبة ، وكانت طقوس ذبح الأضاحي وشيها وقراءة التعاويذ الدينية عليها من ضمن عمل كهان المعبد وسلطتهم .
 
أما اللحم المتبقي ، فكان يذهب إلى البيوت ، فتقوم النساء بطبخه في قدور مع المرق والخضار والحبوب على طريقتهن الخاصة ، وكان للنساء أيضاً تعاويذهن ووصفاتهن السحرية لجعل الأكل مباركاً وعميم الفائدة ...... كانت طقوس الطبخ المنزلية مختلفة تماماً عن طقوس المعبد ( العامة ) وكان هناك نوع من التنافس بين قدرات وسلطة كهان المعبد وتعاويذهم السحرية وبين قدرة وخبرة ربات البيوت وسلطتهن السحرية أيضاً .
 
ويذكر هذا العالم من طرائف طفولته ، ولا بد أن أي واحد منا قد عاش شيئاً مماثلاً ، أنه عندما كان يذهب للتنزه مع عائلته ، ويحدث أن يتوجهوا إلى مطعم للغداء أو العشاء ، فإن أمه وعمته كانتا ترفضان دوماً تناول الأكل في الخارج بحجة عدم ثقتهما بالنظافة ، أو لأنهما غير جائعتين بل وكانتا تنظران بإشفاق وازدراء إلى صحون الأكل الموضوعة على الطاولة وترفضان رفضاً باتاً حتى تذوقها ...... لا زالت أمي تفعل الشيء نفسه  ولا تأكل في أي مطعم حتى اليوم . يبدو ، والله أعلم ، أن هذه المنافسة لا زالت قائمة  منذ القدم في عقلنا اللاواعي  ورغم عدم وجود أي مبرر لها حالياً . فهل يعقل أن تكون ذاكرتنا قد ورثت ردات الفعل هذه عبر آلاف السنين ?
  
 
 

17 - نوفمبر - 2006
شقندحيات من عالم الطبخات والأكلات
تبولة    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

 
هذه صورة لصحن تبولة بالطريقة التي يقدم بها غالباً في المطاعم اللبنانية .
 
والتبولة نوع من السلطة قوامها البقدونس والنعناع المفرومة فرماً ناعماً ، يضاف إليها البندورة والبصل المفرومة أيضاً وقليلا من البرغل الناعم ، ثم تجبل جميعها مع عصير الحامض وزيت الزيتون بعد إضافة الملح والبهار .
 
وكانت التبولة في الماضي القريب ( عهد الطفولة ) على غير ما هي عليه حالياً وكنا نأكلها غالباً في العصاري ولم تكن تعتبر من المقبلات أو السلطات لأن قوامها الحقيقي كان البرغل المنقوع يضاف إليه النعناع والبصل والبقدونس والمقومات التي ذكرتها ، لكن البرغل كان هو الغالب بينما يغلب البقدونس اليوم على طعم الطبق ولونه . ولم تكن التبولة تؤكل بالملاعق أو شوكة السفرة بل كنا نستعمل ورق الخس ، أو ورق الملفوف ، أو ورق العريش ( ورق العنب ) بحسب الموسم وما هو متوفر لغرف التبولة من الطبق تماماً كما نستعمل الخبز لبقية الأطباق . ولم يكن الطبق الذي أتحدث عنه هذا الصحن المتواضع الذي نراه في الصورة بل ما كنا نسميه " لكَن العجين " يعني القدر أو الطبق الذي كانوا يستخدمونه لعجن الخبز وهو عادة أكبر وعاء في البيت .
 
هذه هي التبولة أستاذي الكريم لحسن بنلفقيه وأنا أشكر لك توضيحاتك الدقيقة وجزيل المودة والعطاء تغدقها علينا من معين نبلك وكرمك وسأوافيك إن شاء الله ببقية المواد الأخرى .
 
شكري لسفير الورود والخزامى البرية الأستاذ عبد الحفيظ ولندى الصباح المقطر ووالدتها الكريمة السيدة نجاة .
 
والشكر دائماً موصول لشاعرنا الأستاذ زهير لخزامى الوراق ومشتقاتها ، ولكن على الأخص لقصيدته الخالدة : الله يا أمي ، أشهد بأنني لم أسمع أرق منها في مناجاة أم غائبة ، ولقد لمس قلبي بشكل خاص معنى هذين البيتين :
 
وأنـا  رجـعت كما ذهبت iiمعلما فـي  كـل أخطائي وليس iiأجيرا
وأرق مـن حـمـل الورود iiطوية وأعـف من كسر النجوم iiضميرا
تحيتي لكم جميعاً ودمتم بخير .

18 - نوفمبر - 2006
نباتات بلادي
توضيح :    كن أول من يقيّم

 
كلمة : خزامى الوراق ، أقصد بها قصائد الأستاذ زهير وسأنافس أياً كان على أن يجد تعبيراً أجمل منه وألصق معنى يصف به هذا الشعر ذو العطر النفاذ الممهور بلون الحبر الحزين المغمس  باللوعة .

18 - نوفمبر - 2006
نباتات بلادي
خاص إلى عبد الحفيظ : إخرج من العبث ، تدخل في النسيان ...    كن أول من يقيّم

 
مساء الخير عزيزي :
 
لا أتوخى في رسالتي هذه تفسير طلاسم المعنى ولا ارتعاشات الروح التي تسعى لاقتناص لحظة سعادة توازن بينها وبين خيبتها المتراكمة سنيناً على ذاكرة الوجع الذي لم ينتهي بعد ، أو تأتي لتستنجد بفكرة ، بوردة ، بجدار مائل يمنحها اطمئناناً مؤقتاً ووهمياً واستنساخاً أزلياً لأسطورة الزمن المتأرجح بين الواقع والخيال . إنها المأساة التي لن نستطيع أن نكبر بمحاذاتها أبداً :  الوهم المضني الذي يؤرقنا بهشاشته ونفاذ صبره ،  فضاء الفوضى ، وفوضى الفضاء الذي يخرج الزمن من اعتياديته ورتابته المملة ...... يبقى المحير والمضني في تتبعه ، هو شعورك بأنك مستلب تماماً ولا تملك حياله أي تأثير . إنه مساحات الجمال الشاسعة ، مركونة في ثنايا هذا الواقع المؤلم والحزين .
 
" لولا أنك تحوي جحيم الفوضى والعدم ، لما أتيت بالنجمة التي تتراقص " يقول " نيتشة " ، أو " أبن المجنونة " كما يسميه يحي الرفاعي .
 
هو العبث المؤسس كما يطيب لي بأن أتخيله ، هو العبث الذي يقاوم النسيان ويخلق من وجوده وجودات يترجى منها تثبيت المتحول والمتأرجح في ذاكرة العدم : إخرج من العدم ، تدخل في النسيان !
 
سلام على أرض الحسيمة : الأم والمعنى والتاريخ .
 
 

21 - نوفمبر - 2006
نباتات بلادي
رحمها الله    كن أول من يقيّم

 
تعازينا القلبية للأستاذة خولة الحديد لوفاة فقيدتها الغالية جعلها الله خاتمة الأحزان .

21 - نوفمبر - 2006
أحاديث الوطن والزمن المتحول
حديث ذو شجون    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
أشعر بأنني أم مرحلة جديدة ستكون على الأرجح ترجمة شعر الأستاذ زهير إلى الفرنسية وهي مهمة شاقة وعويصة بالنسبة لي بقدر ما ستكون ممتعة لبريجيت .
 
عادة ما تكلفني بريجيت بمهمات " أدبية " من نوع أن تدخل علي فجأة وبيدها كتاب تطرحه أمامي على الطاولة وتقول لي :
 
ـ خذي اقرأي هذا الكتاب ولخصيه لي بثلاثة أسطر ....
 
أحياناً أفاوض على سطر رابع فلا تقبل وتحتج بأنها لن تستطيع حفظ أكثر من ثلاثة سطور . يحدث هذا عندما تكون على موعد مع مجموعة من المتحذلقات وأن تسألها واحدة منهن إذا كانت قد قرأت الكتاب الفلاني فتدعي بأنها اشترته ولم تقرأه بعد ثم تخرج من عندها رأساً إلى المكتبة فتشتريه وتأتيني به لألخصه في ثلاثة سطور ....
 
بفضلها قرأت الكثير من الكتب الممتعة أحياناً ، والأقل متعة أحياناً أخرى وألقيت جانباً أيضاً بالكثير منها دون أن أتمكن من التقدم فيها لأكثر من بضع صفحات لسخافته أو لأنه يستفزني بوجه من الوجوه  . في هذه الحالة تستعيد مني الكتاب وهي تقول : " كم أنت فوقية وعديمة الصبر في بعض الأحيان ، ماذا سأقول لفلانة الآن ? " .
 
سأحاول ، على الأقل ، أن اترجم لها معاني هذه القصيدة الأولى الرائعة وأنا أعي تماماً بأن أي كلام سوف أقوله لا يمكنه أبداً أن يصل حد الشفافية في التعبير ولا في الجرس الموسيقي الذي يحتويه هذا الشعر البديع .
 
شكراً لك أستاذي الكريم هذه المهمة تلقيها على عاتقي .
 
 

23 - نوفمبر - 2006
دو ويك
أبعد نقطة في ذاكرة الطفولة    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

 
كان ذلك اليوم هو الرابع عشر من تموز يوم ولدت أختي التي تصغرني بسنتين تماماً .
 
عندما فتح الباب الذي بقي موصداً بوجهي لساعات ، كان أول ما رأيته هو إناء النحاس الكبير يحتل أرض الغرفة فيه ماء الحمام وبجانبه خرق مبللة ومناشف لا زالت مرمية على البلاط ......
 
 باب الشرفة كان مغلقاً مع أن الحر كان شديداً . كان ذلك في الغرفة الغربية من البيت المطلة على البحر وبساتين الليمون التي تقع بمحاذاته وتفصلنا عنه ، الغرفة التي  تحتوي على طقم الكنبات والراديو الكبير ذو العين التي تخضر كلما أدارته لنا عمتي يوم الجمعة من بعد الظهر لنستمع إلى برنامج : " صديقي الصغير " . كان لهذا البرنامج احتفالية خاصة نقوم بها في كل مرة حيث كانت عمتي تقوم قبلها بشطف البيت وكان علينا أن نبقى خلالها فوق الكنبة فلا نتزحزح عنها أثناء دلقها الماء ومن ثم كشطها وتنشيفها ، ثم نأتي لنجلس حولها فتدير زر المذياع في الوقت المحدد ويبدأ بالغناء :
 
جينا يا رفقاتنا
لنحكي حكاياتنا
فيه برنامج حلو كتير
اسمه صديقي الصغير
كله غناني وحزازير
عم يجمع بيناتنا
 
  هذه الغرفة من الشقة التي تشغلها جدتي وعمتي عادة وحيث تدور مجريات حياتنا أثناء النهار هي صالون البيت ، إلا أنني وجدت أمي ممددة هناك في ذلك اليوم على فراش موضوعة بين الكنبات . كانت مستلقية على ظهرها وتبدو على وجهها إمارات الانزعاج .......
 
المرأة المسنة والسمينة التي رأيتها داخل الغرفة كانت منشغلة بوضع إزارها مما يعني بأنها تتهيأ للرحيل وهي تتحدث في مع جدتي وعمتي سكينة المصغية بانتباه كعادتها بينما جدتي في جدال مع تلك المرأة التي كانت معالمها تختفي عن ناظري تحت الأوشحة السوداء .
 .
عندما دلفت إلى الغرفة ، لم ينتبه إلي أحد ، ولا حتى أمي ، الراقدة  في فراشها وبجانبها تلك الصرة العجيبة التي أراها لأول مرة فتستدعي مني كل الجفاء والحذر ........ ما هذا الشيء الموضوع داخل تلك اللفائف المطرزة والمركون في الفراش إلى يسار أمي ? ما هذه الصرة التي لها وجه وردي وعينان منفوختان ويخرج منها نفس ضئيل وهي مغمضة المعالم ، غائبة عنا ، كأنها جراء القطط المولودة حديثاً ? هو شيء مريب وعجيب ما وضعوه بجانب أمي لكنها والحمدلله لا تهتم به إطلاقاً ولا تلتفت صوبه بالمرة ....  فقط ، يبدو عليها الانزعاج .....
 
أتيت لقربها ، واندسست بينها وبين الصرة الموضوعة إلى جانبها واستلقيت على ظهري مثلها تماماً لكنها لم تنظر إلي ، ولم تنهرني ، بل بقيت مشيحة بوجهها ورأسها إلى الأعلى ، تغمض عينيها وتفتحها من وقت لأخر ، كنت أرى وجهها يتقلص أحياناً فأعبس معها ثم يعود ويتمدد فأشعر بانبساط عجيب .... لكن في الجهة الأخرى ما يؤرقني : رحت أنظر إلى ذلك الشيء القريب مني في تلك اللحظة ، وهوعلى الجهة الأخرى مني ، ولم أستسغه ..... هو لا يشبه أي شيء أعرفه ولا يروق لي بتاتاً رغم سكونه ودعته . الحمد لله ، هو بعيد عنها تماماً وأنا الآن الأقرب إلى أمي . أقترب منها أكثر وأنظر إلى وجهها المتجمد للحظات والمتألم لحظات أخرى ... ..أبتسم لها ! لا تراني ..... أنسل من تحت الغطاء وأزحف تحته لأخرج من تحت قدميها ........ من الظلمة إلى النور أخرج ، رأسي الصغيرة تطل من تحت اللحاف وتضحك . لا أحد يراني فأعيد من جديد ..........  لكن ، لا شيء : جدتي والمرأة المسنة في نقاش ، وعمتي سكينة مصغية إلى الحديث ، وعمتي حليمة التي كانت قد تربعت على الكنبة المقابلة كانت تنظرإلى جهة أمي تارة ، وإلى جهة جدتي تارة أخرى .
 
حدث ذلك في الرابع عشر من تموز عندما كان لي من العمر سنتان بتمامها .
 
 

23 - نوفمبر - 2006
أحاديث الوطن والزمن المتحول
أوقفوا الحرب الأهلية في لبنان    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم


الاستقلالان:
أسئلة التاريخ ودروسه

فواز طرابلسي
<إن القبائل التي يسفك أفرادها دماء بعضهم بعضاً بسبب الاختلافات المذهبية، تستحق أن تخضع لنير أمة غريبة تحمي بعضها من فتك البعض الآخر>
(يوسف بك كرم إلى الأمير عبد القادر الجزائري، 1867)
مَن يشاهد زعماء الطوائف يخطبون في موضوع الاستقلال، لا يسعه إلا أن يبتسم ولو ابتسامة شفقة على النفس، نفس الذين يصدقون هؤلاء الزعماء وينتخبونهم. فكأن لا صلة تذكر بين الاستقلال أو بالأحرى غيابه وبين النظام الطائفي، بما هو المولّد الأبرز لعناصر الاستتباع في الحياة اللبنانية.
فمنذ اكتشاف يوسف بك كرم للقاعدة الذهبية لعلاقة الانقسام الطوائفي بالاستتباع الخارجي، ونحن نمارس هذه الرياضة المقيتة. تستعين الطوائف بالخارج درءاً لخطر يتهددها أو منعاً لتهميش تتعرض له أو لمجرد الحفاظ على موقع غلبة لها في السلطة أو الثروة أو في كلتيهما. وغالباً ما يتم ذلك الاستنجاد بالخارج على حساب حوارات الداخل وتقديم التنازلات للخصوم الداخليين، ما يشعل عادة نزاعات أهلية تشكل بذاتها مناسبات للمزيد من التدخلات الخارجية.
ولا بد من الاعتراف أيضاً بأن لبنانيين لجأوا إلى الخارج وإلى السلاح، وأحياناً إلى الاثنين معاً، لفرض أنفسهم على نظام سياسي (واقتصادي اجتماعي) مغلق ونابذ يميز في الانتماء والحقوق والأحقية. حتى إننا نستطيع أن نقول إن الارتقاء السياسي والاجتماعي للقسم الأكبر من الجماعات اللبنانية تحقق بأن فرضت نفسها بالعنف وبالاستقواء بالخارج، على
محتكري السلطة والمال. هكذا يمكن النظر إلى أزمة 1958 الدامية على أنها كانت الواسطة التي بها عبرت نخب سنية (ودرزية إلى حد ما) نحو المشاركة في الحياة السياسية بمثل ما يمكن النظر إلى الحرب الأهلية الأخيرة (1975 1990) بما هي الواسطة التي بها وصلت نخب شيعية نحو تلك المشاركة وجرى تعديل التوازن بين المسيحيين والمسلمين في مواقع السلطة السياسية.
من ناحية أخرى، لم يكن الاستقلال اللبناني مرة معزولاً عن الشبكة الثلاثية التي انضوى فيها لبنان منذ التجزئة الكولونيالية عام .1920 في المنعطفات التاريخية، يتوصل الطرفان الإقليميان المعنيان إلى تفاهم ما، وغالباً بتسهيل من طرف دولي، فينعكس الأمر تسوية على اللبنانيين، أو عكساً، تكتمل عناصر التسوية الداخلية، فيأتي الاتفاق الإقليمي والتدبير الدولي لإتمامها وتكريسها. في عام ,1943 كان التفاهم بين مصر النحاس باشا وبريطانيا، الساعية لإخراج فرنسا من المعادلة الكولونيالية في المنطقة، والحركة الوطنية السورية التي ارتضت أولوية الاستقلال للبلدين على الوحدة بينهما. داخل هذا الإطار تمت التسوية بين لبنان وسوريا المستقلين وبين بشارة الخوري ورياض الصلح، التي عرفت ب<الميثاق الوطني>. كذلك الأمر، في العام ,1958 كانت التسوية بين الولايات المتحدة والجمهورية العربية المتحدة هي التي وضعت حداً للاقتتال الأهلي واختارت قائد الجيش فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية، وجددت الكيان والميثاق الوطني معاً. وفقط عندما تتعطل إمكانات التسوية بين الأطراف الإقليمية والدولية، كما في الحال منذ حرب تشرين ,1973 وتعجز الأطراف الداخلية عن توليد تسوية في ما بينها، إما لأن قادتها استمرأوا الاتكال على الخارج لتدبير أمورهم وحل مشكلاتهم وإما لظن هذا الفريق أو ذلك بأن الطرف الخارجي الذي به يرتبط سائر نحو الغلبة في موازين القوى الإقليمية أو الدولية، يكون الانفجار.
لن أتوقف طويلاً عند مفارقات الاستقلاليات اللبنانية التي تتصف كلها بالإطلاق. ففي عالم بات فيه الاتحاد الروسي، بترسانته النووية وثرواته الاقتصادية العاتية وطاقاته الصناعية والعلمية والبشرية، يناضل من أجل تحقيق استقلاله في وجه الإمبراطورية الأميركية، هناك في لبنان من لا يرضى عن الاستقلال المطلق بديلاً، بالاتكاء على اقتصاد يصدّر العمالة للخارج ويستورد كل شيء منه تقريباً، ودولة مديونة، وطوائف تزداد ارتهاناً لقوى خارجية، ناهيك عن حجم البلد وعدد سكانه (وإن هذا وذاك لا يختصران القدرة ولا القيمة).
ولكن، فلنعد إلى سؤال الاستقلال بالنظر في الوضع الإقليمي والدولي المحيط.
واشنطن تتخبّط في احتلالها الدموي في العراق، وتعيش مرحلة من المراوحة في سياساتها تجاه المنطقة، خاصة بعد الهزيمة الانتخابية الأخيرة للجمهوريين. وأفق الاحتمالات مفتوح على مصراعيه. يتراوح بين دق طبول الحرب ضد منشآت إيران النووية وبين استدعائها إلى لعب دور مميز في العراق يساهم في إخراج القوات الأميركية من ورطتها. وفي الجانب الآخر، رقصة أميركية سورية معقدة، فيها ما فيها من سعي لفك التحالف السوري الإيراني، وتشجيع سوريا على دور <إيجابي> في العراق، وبين الاتهام بالإرهاب والتلويح بالمحكمة الدولية.
ألا يستدعي هذا إعلان هدنة بين الأفرقاء اللبنانيين، بديلاً من التصعيد ووهم الانتصارات.
في وضع يتسم بمثل هذا الاختلاط الكبير، الذي لم تعرفه المنطقة منذ سنوات، والمرشح لأن يطول ولو لبعض الوقت، ألا يجدر بالبلد الصغير العزيز الجريح أن يبحر بحذر بين هذه الأمواج المتلاطمة. أليس الخطل الأفدح أن يخيّل للاعبين اللبنانيين أن ثمة ضفتين أميركية إسرائيلية وسورية إيرانية لا بد من الانضمام إلى هذه أو تلك. وأن ما يستطيعون السيطرة عليه: أوضاعهم الداخلية. اللهم إلا إذا صدقنا ما قد صرنا قابلين لتصديقه بأن تغريب المشكلات عند ال14 إن هو إلا إعلان الإفلاس عن تصور أي حل لمشكلات البلد.
إلى الآن، خسرنا معركة الاستقلال مرتين أو بالأحرى خسرنا معركتين للاستقلال في عام واحد أو يزيد. نسي قادة استقلال ,2005 ضد <الوجود السوري>، وجود العدو الإسرائيلي وركنوا إلى ما بدا أنه جبروت الإمبراطورية الأميركية بعد 11 أيلول. فيما قادة استقلال أيار 2000 وتموز ,2006 في التحرير ومقاومة العدوان الإسرائيلي، لم يفلحوا حتى الآن في إقناع سائر اللبنانيين باستقلاليتهم عن سوريا في إطار <الصداقة>. فالدعوة إلى حكومة وحدة وطنية يحبط فيها كل فريق <إملاءات> الراعي الخارجي للفريق الآخر، كأنها تنطوي على إقرار بأن الإملاءات الخارجية قدر مقدّر على السياسة اللبنانية وبأن السياسيين اللبنانيين <جسمهم لبّيس> لتلقي الإملاءات من هذا الفريق أو ذاك.
والفشل في الحالتين هو في اكتشاف الاستقلال المركّب. فقط لا غير.
أحبّ أن أرى أن شهادة بيار أمين الجميل نتاج هذا العجز المزدوج عن اكتشاف الحاجة إلى مثل هذا الاستقلال المركّب.
<عند تغيير الدول، احفظ رأسك>.
ليست هذه حكمة نافلة بالنسبة للبلد الصغير الهشّ الجريح. إنها رأس الحكمة.
لم يستطع لبنان أن يحفظ رأس بيار الجميل. هل تسهم شهادة بيار الجميل أن تحفظ رأس لبنان?
*  عن السفير اللبنانية هذا الصباح

24 - نوفمبر - 2006
أوقفوا الحرب على لبنان...
 24  25  26  27  28