البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات د يحيى مصري

 245  246  247  248  249 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
لكل مشكلة حل    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

 
نياجرا الدولية - كندا ، السعودية - عمان
أول من ابتكر العسل الخالي من السكر و السعرات
و أول من ابتكر عســـل المستخلصات الطبيعية
آمن - فعال - موثق - مرخص - لدي أرقى الموزعين
 
بوستر دعاية عسل النياجرا للموزعين
أطلب
عسل نياجرا
 منزوع السكر
 
معجزة عسل النياجرا المعملي الخالي من السكر بالغذاء الملكي
عسل نياجرا خالي من جميع أنواع السكر بشهادة تحليل و تجربة عملية أمامك بجهاز قياس السكر
لا تقبل أي إدعاء بخلو أي عسل من السكر إلا بتجربة جهاز السكر
خلو أي العسل من السكروز لا يجعله عسل رشاقة كما يدعي البعض أو حتى إنخفاض الجلوكوز فيه عن الفراكتوز , بل يجب خلوه من الجلوكوز حيث أنه أقوى من السكروز في رفع سكر الدم و تثبيط حرق الدهون و لذلك يستخدم في إختبارات رفع سكر الدم - نياجرا تقدم مواصفات جديدة لعسل الرشاقة و مرضى السكر
حسب أبحاثنا فإنه لا يوجد عسل يخلو من جميع أنواع السكر ماعدا عسل نياجرا حتى الآن
مذاق سكري جداً مميز و عجيب
مركز جداً و يستخدم بعشر كمية العسل العادي
لجميع أفراد العائلة
الآن بمحلات النوري بالرصيفة أمام دوار أم القرى
مدخل مكة المكرمة
 
مركز جداً و طعمه شديد الحلاوة بالرغم من محتوياته السعرية صفر و تستخدم ملعقة صغيرة جدا في استخدامه - قمة التوفير
مرضى السكر - الحوامل و المرضعات - مصابات سكر الحمل - الحمية و التخسيس - الأطفال و المراهقين و الشباب - الأزواج و الزوجات - كبار السن
 
 
الآن ما كان ممنوعا أصبح في متناول يديك و بآمان - إستمتع بجميع فوائد العسل و الغذاء الملكي ما عدا السكر
جميع فوائد تحسين أداء البنكرياس من غذاء الملكات لمرضى السكري بدون الرفع الفوري للسكر
جميع الفوائق التغذوية للأم و الجنين و المرضعة و الرضيع بدون رفع مستوي الجلوكوز بالدم
جميع ما تحتاجه الحامل المصابة بإرتفاع سكر الحمل من معادن و فيتامينات بدون تأثر سكر الجنين
جميع ما يحتاجه الجسم من تغذويات تمنع الجسم من إكتناز الدهون أثناء الحمية و التخسيس بدون طاقة السكر الفوري التي تمنع حرق الدهون للطاقة
للنمو السليم العقلي و الجسماني في الدراسة و الإجازة للأطفال و المراهقين من الجنسين بدون الطاقة الزائدة من السكر
للأزواج من الجنسين حيث يوفر دعم هرموني منظم للجنسين لحياة زوجية سعيدة و مستقرة
لكبار السن حيث يوفر الأحماض الأمينية و الفيتامينات المطلوبة لعمر ذهبي بدون مشاكل صحية أو ضغط على العينين من الإرتفاع المفاجئ لجلوكوز الدم
وصفات:
يؤكل بالقشطة و يضاف إلى الحليب و الرائب و الزبادي و اللبنة  للشرب و الملعقة و الساندويتش
يضاف إلى جميع أنواع الحلويات و خاصة الكيك و البسبوسة و الكنافة و البقلاوة بإجمل من طعم الشيرة و بكل فوائد و خيرات النحل و تمثيل فوري لكل محتوياته من خلال الإمتصاص من خلال الفم و تحت اللسان مما يعطي إعجاب فوري بطعامك و بهجة
يحمل كل العناصر الأساسية للإفطار و السحور بأيام الصيام و لإفطار و عشاء الأيام العادية

18 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
القدس مدينة السلام    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

توصيف 
اصطفى الله الشام من الأرض، واصطفى فلسطين من الشام، واصطفى القدس من فلسطين، واصطفى المسجد الأقصى من القدس، واصطفى الصخرة من المسجد الأقصى، وفيها ثاني المسجدين وثالث الحرمين.
ويتفق علماء التاريخ البشري على أنه لم تحظ مدينة قط بما حظيت به القدس من أهمية لدى شعوب الأرض قاطبة، فهي مهبط الوحي، وموطن إبراهيم خليل الرحمن، ومقر الأنبياء، ومبعث عيسى كلمة الله التي ألقاها إلى مريم، وقد قال ابن عباس: «البيت المقدس بنته الأنبياء، وسكنته الأنبياء، ما فيه موضع شبر إلا وقد صلى فيه نبي أو قام فيه ملك».
وهي أولى القبلتين، وثالث الحرمين، استقبلها المسلمون زهاء عام ونصف بعد هجرة الرسول الكريم إلى المدينة.
وخصها الله بإسراء رسوله المصطفى وهذا كله جعلها محط أنظار أهل الديانات والغزاة، بل إنها دمرت على يد غزاتها ثماني عشرة مرة، واحتلت خمساً وعشرين مرة، وقلما نعم أهل مدينة السلام بالسلام، فهم بين الغزو والغزو في غزو، وبين الدمار والدمار خراب!.
والقدس مدينة مقدسة عند أصحاب الديانات الثلاث، الإسـلام، والمسيحية واليهودية، فهي تضم «نحو 200 أثر إسلامي، و60 أثراً مسيحياً، و15 أثراً يهودياً.
( منقول)

18 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
رِزق الرزاق ذي القوة المتين.    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

 
قوله تعالى: { وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ } أي جعل منكم غنياً وفقيراً وحراً وعبداً. { فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ } أي في الرزق. { بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } أي لا يرد المولى على ما ملكت يمينه مما رُزق شيئاً حتى يستوي المملوك والمالك في المال. وهذا مثل ضربه الله لعبدة الأصنام، أي إذا لم يكن عبيدكم معكم سواء فكيف تجعلون عبيدي معي سواء؛ فلما لم يكن يشركهم عبيدهم في أموالهم لم يجز لهم أن يشاركوا الله تعالى في عبادة غيره من الأوثان والأنصاب وغيرهما مما عُبد؛ كالملائكة والأنبياء وهم عبيده وخلقه. حكى معناه الطبري، وقاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم. وعن ابن عباس أيضاً أنها نزلت في نصارى نَجْران حين قالوا عيسى ابن الله فقال الله لهم: { فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } أي لا يرد المولى على ما ملكت يمينه مما رزق حتى يكون المولى والعبد في المال شرعاً سواء، فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم فتجعلون لي ولداً من عبيدي. ونظيرها: { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ } على ما يأتي. ودل هذا على أن العبد لا يملك، على ما يأتي آنفاً".( القرطبي).
 
" يبين تعالى للمشركين جهلهم وكفرهم فيما زعموه لله من الشركاء، وهم يعترفون أنها عبيد له؛ كما كانوا يقولون في تلبيتهم في حجهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، فقال تعالى منكراً عليهم: أنتم لا ترضون أن تساووا عبيدكم فيما رزقناكم، فكيف يرضى هو تعالى بمساواة عبيد له في الإلهية والتعظيم، كما قال في الآية الأخرى:
ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِى مَا رَزَقْنَـٰكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ }[الروم: 28] الآية، قال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية: يقول: لم يكونوا ليشركوا عبيدهم في أموالهم ونسائهم، فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني؟ فذلك قوله: { أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } وقال في الرواية الأخرى عنه: فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم؟ وقال مجاهد في هذه الآية: هذا مثل الآلهة الباطلة، وقال قتادة: هذا مثل ضربه الله، فهل منكم من أحد يشاركه مملوكه في زوجته وفي فراشه، فتعدلون بالله خلقه وعباده؟ فإن لم ترض لنفسك هذا، فالله أحق أن ينزه منك.
وقوله: { أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } أي: إنهم جعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً، فجحدوا نعمته، وأشركوا معه غيره. وعن الحسن البصري قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الرسالة إلى أبي موسى الأشعري: واقنع برزقك من الدنيا، فإن الرحمن فضل بعض عباده على بعض في الرزق بلاء يبتلي به كلاً، فيبتلي من بسط له كيف شكره لله وأداؤه الحق الذي افترض عليه فيما رزقه وخوله، رواه ابن أبي حاتم". (ابن كثير).
 
ً" { وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرّزْقِ } فمنكم غني ومنكم فقير، ومنكم موال يتولون رزقهم ورزق غيرهم ومنكم مماليك حالهم على خلاف ذلك. { فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدّي رِزْقِهِمْ } بمعطي رزقهم. { عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ } على مماليكهم فإنما يردون عليهم رزقهم الذي جعله الله في أيديهم. { فَهُمْ فِيهِ سَوَآء } فالموالي والمماليك سواء في أن الله رزقهم، فالجملة لازمة للجملة المنفية أو مقررة لها، ويجوز أن تكون واقعة موقع الجواب كأنه قيل: فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فيستووا في الرزق، على أنه رد وإنكار على المشركين فإنهم يشركون بالله بعض مخلوقاته في الألوهية ولا يرضون أن يشاركهم عبيدهم. فيما أنعم الله عليهم فيساورهم فيه. { أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } حيث يتخذون له شركاء، فإنه يقتضي أن يضاف إليهم بعض ما أنعم الله عليهم ويجحدوا أنه من عند الله، أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج بعدما أنعم الله عليهم بإيضاحهم، والباء لتضمن الجحود معنى الكفر. وقرأ أبو بكر «تجحدون» بالتاء لقوله: { خَلَقَكُمْ } و { فَضَّلَ بَعْضَكُمْ }." ( البيضاوي).
 
"هذا من الاستدلال على أن التّصرف القاهر لله تعالى. وذلك أنه أعقب الاستدلال بالإحياء والإماتة وما بينهما من هرم بالاستدلال بالرّزق.
ولما كان الرّزق حاصلاً لكل موجود بُني الاستدلال على التّفاوت فيه بخلاف الاستدلال بقوله تعالى:
والله خلقكم ثم يتوفاكم }
[سورة النحل: 70].
ووجه الاستدلال به على التصرّف القاهر أن الرزق حاصل لِجميع الخلق وأن تفاضل الناس فيه غير جار على رغباتهم ولا على استحقاقهم؛ فقد تجد أكيس الناس وأجودهم عقلاً وفهماً مقتّراً عليه في الرزق، وبضدّه ترى أجهل الناس وأقلّهم تدبيراً موسّعاً عليه في الرزق، وكلا الرجلين قد حصل له ما حصل قهراً عليه، فالمقتّر عليه لا يدري أسباب التّقتير، والموسّع عليه لا يدري أسباب تيسير رزقه، ذلك لأن الأسباب كثيرة متوالدة ومتسلسلة ومتوغّلة في الخفاء حتى يُظن أن أسباب الأمرين مفقودة وما هي بمفقودة ولكنها غير محاط بها. ومما ينسب إلى الشافعي:
ومن الدّليل على القضاء وكونه
   
بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
ولذلك أسند التفضيل في الرزق إلى الله تعالى لأن أسبابه خارجة عن إحاطة عقول البشر، والحكيم لا يستفزّه ذلك بعكس قول ابن الراوندي:
كم عاقل عاقل أعيَت مذاهبه
   
وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذي ترك الأوهام حائرة
   
وصيّر العالم النّحرير زنديقا
وهذا الحكم دلّ على ضعف قائله في حقيقة العلم فكيف بالنّحريرية.
وتفيد وراء الاستدلال معنى الامتنان لاقتضائها حصول الرزق للجميع.
فجملة { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } مقدمة للدّليل ومنّة من المنن لأن التفضيل في الرزق يقتضي الإنعام بأصل الرزق.
وليست الجملة مناط الاستدلال، إنما الاستدلال في التمثيل من قوله تعالى: { فما الذين فضلوا برادي رزقهم } الآية.
والقول في جعل المسند إليه اسم الجلالة وبناء المسند الفعلي عليه كالقول في قوله تعالى:

والله خلقكم ثم يتوفاكم }[سورة النحل: 70]. والمعنى: الله لا غيره رزقكم جميعاً وفضّل بعضكم على بعض في الرزق ولا يسعكم إلا الإقرار بذلك له.
وقد تمّ الاستدلال عند قوله تعالى: { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } بطريقة الإيجاز، كما قيل: لمحة دالة.
وفرع على هذه الجملة تفريع بالفاء على وجه الإدماج قولُه تعالى: { فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء }. وهو إدماج جاء على وجه التمثيل لتبيان ضلال أهل الشرك حين سَوّوا بعض المخلوقات بالخالق فأشركوها في الإلهية فساداً في تفكيرهم. وذلك مثل ما كانوا يقولون في تلبية الحجّ (لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك). فمثل بطلان عقيدة الإشراك بالله بعضَ مخلوقاته بحالة أهل النّعمة المرزوقين، لأنهم لا يرضون أن يُشركوا عبيدهم معهم في فضل رزقهم فكيف يسوّون بالله عبيده في صفته العظمى وهي الإلهيّة".ورشاقة هذا الاستدلال أن الحالتين المشبّهتين والمشبّه بهما حالتا مولى وعبد، كما قال تعالى:
ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم }
[سورة الروم: 28].
والغرض من التمثيل تشنيع مقالتهم واستحالة صدقها بحسب العرف، ثم زيادة التشنيع بأنهم رضوا لله ما يرضونه لأنفسهم، كقوله تعالى:
ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون }[سورة النحل: 57] إلى قوله:ولله المثل الأعلى }
[سورة النحل: 60].
وقرينة التمثيل والمقصد منه دلالة المقام.
وقوله تعالى: { فما الذين فضلوا } نفيٌ. و (ما) نافية، والباء في { برادي رزقهم } الباءُ التي تزاد في خبر النفي بــــ (ما) و (ليس).
والرادّ: المعطي. كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم
" والخُمُس مردود عليكم "
، أي فما هم بمعطين رزقهم لعبيدهم إعطاء مشاطرة بحيث يسوّونهم بهم، أي فما ذلك بواقع.
وإسناد الملك إلى اليمين مجاز عقلي، لأن اليمين سبب وَهمِي للمِلك، لأن سبب الملك إما أسر وهو أثر للقتال بالسيف الذي تمسكه اليد اليمنى، وإما شراء ودفع الثمن يكون باليد اليمنى عرفاً، فهي سبب وهَمي ناشىء عن العادة.
وفرعت جملة { فهم فيه سواء } على جملة { فما الذين فضلوا برادي رزقهم } ، أي لا يشاطرون عبيدهم رزقهم فيستووا فيه، أي لا يقع ذلك فيقع هذا. فموقع هذه الجملة الإسميّة شبيه بموقع الفعل بعد فاء السببية في جواب النفي.
وأما جملة { أفبنعمة الله يجحدون } فصالحة لأن تكون مفرّعة على جملة { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } باعتبار ما تضمّنته من الامتنان، أي تفضّل الله عليكم جميعاً بالرزق أفبنعمة الله تجحدون، استفهاماً مستعملاً في التوبيخ، حيث أشركوا مع الذي أنعم عليهم آلهة لا حظّ لها في الإنعام عليهم. وذلك جحود النعمة كقوله تعالى:
إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له }
[سورة العنكبوت: 17]. وتكون جملة { فما الذين فضلوا } إلى قوله تعالى: { فهم فيه سواء } معترضة بين الجملتين.
وعلى هذا الوجه يكون في { يجحدون } على قراءة الجمهور بالتحتية التفات من الخطاب إلى الغيبة. ونكتته أنهم لما كان المقصود من الاستدلال المشركين فكانوا موضع التوبيخ ناسب أن يعرض عن خطابهم وينالهم المقصود من التوبيخ بالتعريض كقول:
أبى لك كسب الحمد رأي مقصّر
   
ونفس أضاق الله بالخير باعها
إذا هي حثّته على الخير مرّة
   
عصاها وإن همّت بشر أطاعها
ثم صرّح بما وقع التعريض به بقوله: { أفبنعمة الله يجحدون }.
وقرأ أبو بكر عن عاصم ورويس عن يعقوب { تجحدون } بالمثناة الفوقية على مقتضى الظاهر ويكون الاستفهام مستعملاً في التحذير.
وتصلح جملة { أفبنعمة الله يجحدون } أن تكون مفرّعة على جملة { فما الذين فضلوا برادي رزقهم } ، فيكون التوبيخ متوجّهاً إلى فريق من المشركين وهم الذين فضلوا بالرزق وهم أولو السّعة منهم وسادتهم وقد كانوا أشدّ كفراً بالدين وتألّباً على المسلمين، أي أيجحد الذين فضلوا بنعمة الله إذْ أفاض عليهم النّعمة فيكونوا أشد إشراكاً به، كقوله تعالى:
وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهّلهم قليلا }
[سورة المزمل: 11].
وعلى هذا الوجه يكون قوله تعالى: { يجحدون } في قراءة الجمهور بالتحتية جارياً على مقتضى الظاهر. وفي قراءة أبي بكر عن عاصم بالمثناة الفوقية التفاتاً من الغيبة إلى خطابهم إقبالاً عليهم بالخطاب لإدخال الروع في نفوسهم.
وقد عُدّي فعل { يجحدون } بالباء لتضمّنه معنى يكفرون، وتكون الباء لتوكيد تعلّق الفعل بالمفعول مثل:
وامسحوا برؤوسكم }[سورة المائدة: 6]. وتقديم بنعمة الله على متعلّقه وهو { يجحدون } للرعاية على الفاصلة.( ابن عاشور).
 

18 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
الرزق    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم

" أظهر التفسيرات في هذه الآية الكريمة: أن الله ضرب فيها مثلاً للكفار، بأنه فضل بعض الناس على بعض في الرزق، ومن ذلك تفضيله المالكين على المملوكين في الرزق، وأن المالكين لا يرضون لأنفسهم أن يكون المملوكون شركاءهم فيما رزقهم الله من الأموال والنساء وجميع نعم الله. ومع هذا يجعلون الأصنام شركاء لله في حقه على خلقه، الذي هو إخلاص العبادة له وحده، أي إذا كنتم لا ترضون بإشراك عبيدكم معكم في أموالكم ونسائكم - فكيف تشركون عبيدي معي في سلطاني!.
ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى:

ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ }[الروم: 28] الآية. ويؤيده أن " ما " في وقوله { فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } نافيه. أي ليسوا برادي رزقهم عليهم حتى يسووهم مع أنفسهم اهـ.
فإذا كانوا يكرهون هذا لأنفسهم - فكيف يشركون الأوثان مع الله في عبادته! مع اعترافهم بأنها ملكه، كما كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك.
وهذه الآية الكريمة نص صريح في إبطال مذهب الاشتراكية القائل: بأنه لا يكون أحد أفضل من أحد في الرزق، ولله في تفضيل بعضهم على بعض في الرزق حكمة. قال تعالى:

نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً }[الزخرف: 32] الآية، وقال:ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ }
[الرعد: 26]، وقال:عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدْرُهُ }[البقرة: 236] إلى غير ذلك من الآيات.
وفي معنى هذه الآية الكريمة قولان آخران:
أحدهما - أن معناها أنه جعلكم متفاوتين في الرزق. فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم وهو بشر مثلكم وإخوانكم. فكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم، حتى تساووا في الملبس والمطعم. كما
" ثبت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: أنه أمر مالكي العبيد " أن يطعموهم مما يطعمون، ويكسوهم مما يلبسون "
وعلى هذا القول فقوله تعالى: { فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } لوم لهم، وتقريع على ذلك.
القول الثاني - أن معنى الآية - أنه جلَّ وعلا هو رازق المالكين والمملوكين جميعاً. فهم في رزقه سواء، فلا يحسبن المالكون أنهم يريدون على مما ليكهم شيئاً من الرزق، فإنما ذلك رزق الله يجريه لهم على أيديهم. والقول الأول هو الأظهر وعليه جمهور العلماء، ويدل له القرآن كما بينا. والعلم عند الله تعالى.
وقوله { أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُون } إنكار من الله عليهم جحودهم بنعمته. لأن الكافر يستعمل نعم الله في معصية الله، فيستعين بكل ما أنعم به عليه على معصيته، فإنه يرزقهم ويعافيهم، وهم يعبدون غيره. وجحد: تتعدى بالباء في اللغة العربية. كقوله:
وَجَحَدُواْ بِهَا }[النمل: 14] الآية، وقوله:

فَٱلْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ }
[الأعراف: 51] والجحود بالنعمة هو كفرانها".( الشنقيطي).
 
" لو نظرنا إلى الكون من حولنا لوجدنا أننا لا نتساوى إلا في شيء واحد فقط، هو أننا عبيدٌ لله.. نحن سواسية في هذه فقط، وما دون ذلك فنحن مختلفون فيه، تختلف ألواننا، تختلف أجسامنا.. صورنا.. مواهبنا.. أرزاقنا.
والعجيب أن هذا الاختلاف هو عَيْنُ الاتفاق؛ ذلك لأن الاختلاف قد ينشأ عنه الاتفاق، والاتفاق قد ينشأ عنه الاختلاف.
مثلاً: إذا دخلتَ أنت وصديقك أحد المطاعم وطلبتما دجاجة.. أنت بطبيعتك تحب صدر الدجاجة وصديقك يحب جزءاً آخر منها.. هذا خلاف.. فساعة أن يأتي الطعام تجد هذا الخلاف هو عين الوفاق حيث تأخذ أنت ما تحب، وهو كذلك.. هذا خلاف أدى إلى وفاق.. فلو فرضنا أن كلانا يحب الصدر مثلاً.. هذا وفاق قد يؤدي إلى خلاف إذا ما حضر الطعام وجلسنا: أينا يأخذ الصدر؟!
فالحق سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين في أشياء، وأراد أن يكون هذا الاختلاف تكاملاً فيما بيننا.. فكيف يكون التكامل إذن؟
هل نتصور مثلاً أن يُوجَد إنسان مجمعاً للمواهب، بحيث إذا أراد بناء بيت مثلاً كان هو المهندس الذي يرسم، والبنَّاء الذي يبني، والعامل الذي يحمل، والنجار والحداد والسباك.. الخ. هل نتصور أن يكون إنسان هكذا؟.. لا..
ولكن الخالق سبحانه نثَر هذه المواهب بين الناس نَثْراً لكي يظل كل منهم محتاجاً إلى غيره فيما ليس عنده من مواهب، وبهذا يتم التكامل في الكون.
إذن: الخلاف بيننا هو عَين الوفاق، وهو آية من آياته سبحانه وحكمة أرادها الخالق جَلَّ وعَلا، فقال:

وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }[هود: 118].
فقد خلقنا هكذا. وإلا فلو اتحدنا واتفقنا في المواهب، فهل يعقل أن نكون جميعاً فلاسفة، أطباء، علماء، فمَنْ يبني؟ ومَنْ يزرع؟ ومَنْ يصنع؟.. الخ.
إذن: من رحمة الله أنْ جعلنا مختلفين متكاملين.فالحق سبحانه يقول:{ فِي ٱلْرِّزْقِ... } [النحل: 71].

ينظر الناس إلى الرزق من ناحية واحدة، فهو عندهم المال، فهذا غنيّ وهذا فقير.. والحقيقة أن الرزق ليس المال فقط، بل كُلّ شيء تنتفع به فهو رِزْقك.. فهذا رِزْقه عقله، وهذا رِزْقه قوته العضلية.. هذا يفكر وهذا يعمل.
إذن: يجب ألاَّ ننظر إلى الرزق على أنه لَوْن واحد، بل ننظر إلى كل ما خلق الله لخَلْقه من مواهب مختلفة: صحة، قدرة، ذكاء، حِلْم، شجاعة.. كل هذا من الرزق الذي يحدث فيه التفاضل بين الناس.
والحق سبحانه وتعالى حينما تعرَّض لقضية الرزق جعل التفاضل هنا مُبْهماً، ولم تحدد الآية مَنِ الفاضل ومَنِ المفضول، فكلمة ـ بَعْضٍ ـ مُبْهمة لنفهم منها أن كل بعض منَ الأبعاض فاضل في ناحية، ومفضول في ناحية أخرى. فالقوي فاضل على الضعيف بقوته، وهو أيضاً مفضول، فربما كان الضعيف فاضلاً بما لديه من علم أو حكمة.. وهكذا.
إذن: فكلُّ واحد من خَلْق الله رَزَقه الله موهبة، هذه الموهبة لا تتكرر في الناس حتى يتكامل الخَلْق ولا يتكررون.. وإذا وجدت موهبة في واحد وكانت مفقودة في الآخر فالمصلحة تقتضي أن يرتبط الطرفان، لا ارتباط تفضُّل، وإنما ارتباط حاجة.. كيف؟
القويُّ يعمل للضعيف الذي لا قوةَ له يعمل بها، فهو إذن فاضل في قوته، والضعيف فاضل بما يعطيه للقوي من مال وأجر يحتاجه القوي ليقُوتَ نفسه وعياله، فلم يشأ الحق سبحانه أنْ يجعلَ الأمر تفضُّلاً من أحدهما على الآخر، وإنما جعله تبادلاً مرتبطاً بالحاجة التي يستبقي بها الإنسان حياته.
وهكذا يأتي هذا الأمر ضرورة، وليس تفضَّلاً من أحد على أحد؛ لأن التفضُّل غير مُلْزَم به ـ فليس كل واحد قادراً على أن يعطي دون مقابل، أو يعمل دون أجر.. إنما الحاجة هي التي تحكم هذه القضية.
إذن: ما الذي ربط المجتمع؟ هي الحاجة لا التفضُّل، وما دام العالم سيرتبط بالحاجة، فكل إنسان يرى نفسه فاضلاً في ناحية لا يغترّ بفاضليته، بل ينظر إلى فاضلية الآخرين عليه؛ وبذلك تندكُّ سِمَة الكبرياء في الناس، فكلٌّ منهما يُكمل الآخر.
وقد ضربنا لذلك مثلاً بالباشا الغني صاحب العظمة والجاه.. والذي قد تُلْجِئه الظروف وتُحوجه لعامل بسيط يُصلح له عُطْلاً في مرافق بيته، وربما لم يجده أو وجده مشغولاً، فيظل هذا الباشا العظيم نَكِداً مُؤرّقاً حتى يُسعفه هذا العامل البسيط، ويقضي له ما يحتاج إليه.
هكذا احتاج صاحب الغنى والجاه إلى إنسان ليس له من مواهب الحياة إلا أنْ يقضي مثل هذه المهام البسيطة في المنزل.. وهو في نفس الوقت فاضل على الباشا في هذا الشيء.
فالجميع ـ إذن ـ في الكون سواسية، ليس فينا مَنْ بينه وبين الله سبحانه نسب أو قرابة فيجامله.. كلنا عبيد لله، وقد نثر الله المواهبَ في الناس جميعاً ليتكاملوا فيما بينهم، وليظل كُلٌّ منهم محتاجاً إلى الآخر، وبهذا يتم الترابط في المجتمع.
وقد عُرِضَتْ هذه القضية في آية أخرى في قوله تعالى:

أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً.. }[الزخرف: 32].
البعض يفهم أن الفقير مُسخّر للغنيّ، لكن الحقيقة أن كلاً منهما مُسخَّر للآخر.. فالفقير مُسخّر للغني حينما يعمل له العمل، والغني مُسخّر للفقير حينما يعطي له أجره.. ولذلك فالشاعر العربي يقول:
النَّاسُ لِلْناسِ مِنْ بَدْوٍ وحاضرة
   
بَعْضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خَدَمُ
ونضرب هنا مثلاً بأخسِّ الحرف في عُرْف الناس ـ وإنْ كانت الحِرف كلها شريفة، وليس فيها خِسَّة طالما يقوت الإنسان منها نفسه وعياله من الحلال.
فالخِسَّة في العامل الأخرق الذي يُتقِن عملاً.
هذا العامل البسيط ماسح الأحذية ينظر إليه الناس على أنهم أفضل منه، وأنه أقل منهم، ولو نظروا إلى علبة الورنيش التي يستخدمها لوجدوا كثيرين من العمال والعلماء والمهندسين والأغنياء يعملون له هذه العلبة، وهو فاضل عليهم جميعاً حينما يشتري علبة الورنيش هذه.. لكن الناس لا ينظرون إلى تسخير كل هؤلاء لهذا العامل البسيط.فقوله تعالى:
لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً.. }
[الزخرف: 32].
مَنْ مِنّا يُسخّر الآخر؟! كُلٌّ منا مُسخَّر للآخر، أنت مُسخَّر لي فيما تتقنه، وأنا مُسخَّر لك فيما أتقنه.. هذه حكمة الله في خَلْقه ليتم التوازن والتكامل بين أفراد المجتمع.
وربُّنا سبحانه وتعالى لم يجعل هذه المهن طبيعية فينا.. يعني هذا لكذا وهذا لكذا.. لا.. الذي يرضى بقدر الله فيما يُناسبه من عمل مهما كان حقيراً في نظر الناس، ثم يُتقن هذا العمل ويجتهد فيه ويبذل فيه وُسْعه يقول له الحق سبحانه: ما دُمْتَ رضيتَ بقدري في هذا العمل لأرفعنّك به رِفْعة يتعجَّب لها الخَلْق..
وفعلاً تراهم ينظرون إلى أحدهم ويشيرون إليه: كان شيالاً.. كان أجيراً.. نعم كان.. لكنه رَضِي بما قسم الله وأتقن وأجاد، فعوَّضه الله ورفعه وأعلى مكانته.
ولذلك يقولون: مَنْ عمل بإخلاص في أيّ عمل عشر سنين يُسيّده الله بقية عمره، ومَنْ عمل بإخلاص عشرين سنة يُسيّد الله أبناءه، ومَنْ عمل ثلاثين سنة سيَّد الله أحفاده.. لا شيء يضيع عند الله سبحانه.
فليس فينا أَعْلى وأَدْنى، وإياك أنْ تظنَّ أنك أعلى من الناس، نحن سواسية، ولكن مِنَّا من يُتقِن عمله، ومِنَّا مَنْ لا يتقن عمله؛ ولذلك قالوا: قيمة كل امرئ ما يُحسِنه.
ولا تنظر إلى زاوية واحدة في الإنسان، ولكن انظر إلى مجموع الزوايا، وسوف تجد أن الحق سبحانه عادلٌ في تقسيم المواهب على الناس.
وقد ذكرنا أنك لو أجريتَ معادلة بين الناس لوجدتَ مجموع كل إنسان يساوي مجموع كُلِّ إنسان، بمعنى أنك لو أخذتَ مثلاً: الصحة والمال والأولاد والقوة والشجاعة وراحة البال والزوجة الصالحة والجاه والمنزلة.. الخ لوجدت نصيب كُلٍّ منّا في نهاية المعادلة يساوي نصيب الآخر، فأنت تزيد عني في القوة، وأنا أزيد عنك في العلم، وهكذا.. لأننا جميعاً عبيدٌ لله، ليس مِنّا مَنْ بينه وبين الله نسب أو قرابة.
وقوله تعالى:{ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ... } [النحل: 71].
فما ملكت أيمانهم: هم العبيد المماليك.. والمعنى: أننا لم نَرَ أحداً منكم فضّله الله بالرزق، فأخذه ووزّعه على عبيده ومماليكه، أبداً.. لم يحدث ذلك منكم.. والله سبحانه لا يعيب عليهم هذا التصرف، ولا يطلب منهم أنْ يُوزّعوا رزق الله على عبيدهم، ولكن في الآية إقامةٌ للحجة عليهم، واستدلال على سُوء فعلهم مع الله سبحانه وتعالى.
وكأن القرآن يقول لهم: إذا كان الله قد فضَّل بعضكم في الرزق، فهل منكم مَنْ تطوع برزق الله له، ووزَّعه على عبيده؟.. أبداً.. لم يحدث منكم هذا.. فكيف تأخذون حق الله في العبودية والألوهية وحقّه في الطاعة والعبادة والنذر والذبح، وتجعلونه للأصنام والأوثان؟!
فأنتم لم تفعلوا ذلك فيما تملكون.. فكيف تسمحون لأنفسكم أنْ تأخذوا حقَّ الله، وتعطوه للأصنام والأوثان؟
ويقول تعالى في آية أخرى:
ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ.. }
[الروم: 28].
أي: أنكم لم تفعلوا هذا مع أنفسكم، فكيف تفعلونه مع الله؟ فهذه لَقْطة: أنكم تُعاملون الله بغير ما تُعاملون به أنفسكم:{ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ... } [النحل: 71].
أي: أنكم سوَّيتُم بين الله سبحانه وبين أصنامكم، وجعلتموهم شركاء له سبحانه وتعالى وتعبدونهم مع الله.
والحق سبحانه وإنْ رزقنا وفضَّلَنا فقد حفظ لنا المال، وحفظ لنا الملكية، ولم يأمرنا أن نعطي أموالنا للناس دون عمل وتبادل منافع، فإذا ما طلب منك أن تعطي أخاك المحتاج فوق ما افترض عليك من زكاة يقول لك:
مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ.. }
[البقرة: 245].
مع أن الحق سبحانه واهب الرزق والنِّعَم، يطلب منك أنْ تُقرِضه، وكأنه سبحانه يحترم عملك ومجهودك، ويحترم ملكيتك الخاصة التي وهبها لَك.. فيقول: أقرضني. لعلمه سبحانه بمكانة المال في النفوس، وحِرْص المقرض على التأكد من إمكانية الأداء عند المقترض، فجعل القرض له سبحانه لتثقَ أنت أيها المقرض أن الأداء مضمون من الله.
ويختم الحق سبحانه الآية بقوله:{ أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [النحل: 71].
أي: بعد أنْ أنعم الله عليهم بالرزق، ولم يطلب منهم أنْ ينثروه على الغير، جحدوا هذه النعمة، وأنكروا فَضْل الله، وجعلوا له شركاء من الأصنام والأوثان، وأخذوا حَقَّ الله في العبودية والألوهية وأعطوْهُ للأصنام والأوثان، وهذا عَيْنُ الجحود وإنكار الجميل.
ثم يقول الحق سبحانه: { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ... }." ( الشعراوي).

18 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
أحاديث ، منها الضعيف ، ومنها الموضوع.    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

1- (( لو يعلم العباد مافي رمضان لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها، إن الجنة لتزين لرمضان من رأس الحول إلى الحول .... )) الخ، وهو حديث طويل.....
فهذا الحديث رواه ابن خزيمة (رقم:1886) وابن الجوزي في (( كتاب الموضوعات)) (2/188-189) وأبو يعلى في (( مسنده )) ، كما في (( المطالب العالية )) ( ق 46/أ- ب / النسخة المخطوطة) من طريق جرير بن أيوب البجلي، عن الشعبي، عن نافع بن بردة ، عن أبي مسعود الغفاري.
وهذا حديث موضوع، آفته جرير بن أيوب ، ترجمه ابن حجر في (( لسان الميزان)) (2/101) وقال: (( مشهور بالضعف )) ثم نقل عن أبي نعيم قوله فيه: (( كان يضع الحديث )) وعن البخاري قوله : (( منكر الحديث )) وعن النسائي : ((متروك))!! وحكم عليه ابن الجوزي بالوضع ، وقال ابن خزيمة بعد أن رواه : (( إن صح الخبر، فإن في القلب من جرير بن أيوب البجلي )).
ومنها أيضا :
2- (( يأيها الناس قد أظلكم شهر عظيم ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، جعل الله صيامه فريضة وقيامه تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ... وهو شهر أوله رحمة ، ووسطه مغفرة، وأخره عتق من النار ...)) الخ.
وهو طويل أيضا ، اقتصرنا على إيراد أشهر كلام فيه .
وهذا الحديث رواه ابن خزيمة أيضا ( رقم:1887) والمحاملي في (( أماليه)) (رقم: 293) ، والأصبهاني في ((الترغيب)) ( ق/178، ب / النسخة المخطوطة ) من طريق علي بن زيد بن جدعان ، عن سعيد ابن المسيب عن سلمان.
وهذا إسناد ضعيف لضعف علي بن زيد، قال ابن سعد: (( فيه ضعف، ولا يحتج به ))، وقال أحمد بن حنبل :
(( ليس بقوي )) ، وقال ابن معين : (( ضعيف)) ، وقال ابن أبي خيثمة : (( ضعيف في كل شئ ))
وقال ابن خزيمة : (( لا أحتج به لسوء الحفظ)) . كذا في (( تهذيب التهذيب)) ( 7 /322-323).
وقال ابن خزيمة بعد روايته له : (( إن صح الخبر)) ، وقال ابن حجر في (( الأطراف)) : (( ومداره على علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف )) ، كما نقله السيوطي في (( جمع الجوامع)) ( رقم : 23714 – ترتيبه).
ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه في (( علل الحديث)) ( 1 / 249) : (( حديث منكر))!

ومنها أيضا
3- (( صوموا تصحوا))
وهو قطعة من حديث رواه ابن عدي في (( الكامل)) ( 7 /2521) من طريق نشهل بن سعيد ، عن الضحاك ، عن ابن عباس.
ونشهل متروك كان يكذب، والضحاك لم يسمع من ابن عباس.
ورواه الطبراني في (( الأوسط)) ( 1 / ق ، 69 / أ – مجمع البحرين ) . وأبو نعيم في (( الطب النبوي)) كما في (( تخريج الإحياء)) ( 3 / 87) . وابن بخيت في (( جزئه)) – كما في ((شرح الإحياء)) ( 7 / 401) – من طريق محمد بن سليمان بن أبي داوود، عن زهير بن محمد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبي هريرة.
وسنده ضعيف ، قال أبو بكر الأثرم : (( سمعت أحمد – وذكر رواية الشاميين عن زهير بن محمد – قال: يروون عنه أحاديث مناكيرهؤلاء )) ، وقال أبو حاتم : (( في حفظه سوء ، وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق لسوء حفظه))، وقال العجلي : ((وهذه الأحاديث التي يرويها أهل الشام عنه ليست تعجبني)) كذا في (( تهذيب الكمال))
(9 /417) .
ومحمد بن سليمان شامي مترجم في (( تاريخ دمشق)) (15 / ق386- النسخة المخطوطة) فروايته عن زهير كما نصص الأئمة – منكرة ، وهذا حديث منها. !!

وأخيرا :
4 – (( من أفطر يوما من رمضان من غير عذر ولامرض لم يقضه صوم الدهر وإن صامه)).
وهذا حديث علقه البخاري في (( صحيحه)) ( 4 / 160- فتح الباري) دون إسناد. وقد وصله ابن خزيمة في (( صحيحه)) (1987) ، والترمذي (723) ، وابن ماجه(1672) ، والنسائي في (( الكبرى)) ، كما في (( تحفة الأشراف)) ( 10 /373) ، والبيهقي (4 /228) ، وابن حجر في(( تغليق التعليق)) (3 /170) من طريق أبي المطوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة.
وقال ابن حجر في (( فتح الباري)) (4 / 161) : (( واختلف فيه على حبيب بن أبي ثابت اختلافا كثيرا، فحصلت فيه ثلاث علل: الاضطراب ، والجهل بحال أبي المطوّس ، والشك في سماع أبيه من أبي هريرة)).
وقال ابن خزيمة بعد روايته : (( إن صح الخبر ، فإني لا أعرف ابن المطوّس ولا أباه )) ، فالحديث ضعيف أيضا.

( منقول)

19 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
تعرَّفْ إليها.... وجزى الله خيراً مُنشئها.    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

 

جامعة المعرفة العالمية
مداد
صرح علمي متميز يعتمد على تقنية المعلومات والاتصالات لتقديم تعليم عالي ذي جودة متميزة تصل للجميع في كل مكان، وتعتمد الجامعة أسلوب التعليم عن بعد باستخدام الوسائل الالكترونية (شبكة الانترنت بشكل رئيسي)، وتمنح الجامعة حاليا درجة البكالوريوس في تخصصي الشريعة و الدراسات القرآنية و يتضمن تخصص الدراسات القرآنية القراءات و علوم القرآن و التفسير، وقد استقطبت الجامعة في هيئة التدريس كبار العلماء والأساتذة المرموقين لضمان تقديم محتوى دراسي متميز، عملت الجامعة على بناء خطط أكاديمية حديثة ومتطورة، تلبي احتياجات طلبة العلم بمختلف تخصصاتهم، واعتمدت أسس ومبادئ ترتكز على أحدث أساليب التدريس المطبقة في أعرق الجامعات العالمية.
مداد
نظام التعليم في جامعة المعرفة العالمية
يستند نظام التعلم والتعليم في جامعة المعرفة العالمية إلى :
 أولا: التعلم عن بعد: الذي يقوم على أساس استلام الطالب لمقرراته الدراسية الأساسية والداعمة بالإضافة لدليل الدراسة الذاتية الذي يشرح له الطريقة الأكثر كفاءة في الاستفادة من هذه المقررات الدراسية و بما يضمن  الاستفادة المثلى منها في النواحي العملية والتطبيقية ويأتي الإشراف الدراسي باستخدام وسائل تكنولوجيا الاتصالات وعلى رأسها شبكة الإنترنت، من خلال قسم التعليم الافتراضي كهيئة تدريبية مسؤولة عن تقديم كل التوجيه الدراسي والمساعدة المطلوبة لضمان أفضل إنجاز دراسي للطالب في الفرع الذي يدرس فيه.
 ثانيا :التعليم المبدع: يتم التركيز في نظام قسم التعلم عن بعد على المتابعة المستمرة للطالب لتلبية احتياجاته العلمية والتعليمية بالإضافة إلى رسم خطة عامة لتفعيل إنجاز الطالب الدراسي من خلال التشارك معه في دراسات عملية مصغرة وأعمال بحثية مبسطة لضمان تفعيل المهارات العملية والإبداعية لدى الطالب، ويتم تطوير تلك الخطة بما يتناسب مع الإنجاز السابق للطالب والميول والتوجهات التطبيقية التي يهتم بها.
 
 مداد
مدير الجامعة
مدير الجامعة الشيخ الدكتور / عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس 
إمام وخطيب الحرم المكي – المملكة العربية السعودية 
مداد
أعضاء هيئة التدريس
سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ
مفتي المملكة العربية السعودية
معالي الشيخ الدكتور/ صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء ،وعضو اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء في المملكة العربية السعودية
معالي الشيخ / صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ
وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية
معالي الشيخ الدكتور/ عبدالله بن محمد المطلق
عضو هيئة كبار العلماء ،وعضو اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء في المملكة العربية السعودية
الأستاذ الدكتور/ عبدالله بن علي الركبان
أستاذ الدراسات العليا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وعضو هيئة كبار العلماء سابقاً
فضيلة الدكتور/ يعقوب بن عبدالوهاب الباحسين
الأستاذ المشارك في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
معالي الشيخ الدكتور/ سعد بن ناصر الشثري
عضو هيئة كبار العلماء ،وعضو اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء في المملكة العربية السعودية
فضيلة الدكتور/ إبراهيم بن ناصر الحمود
الأستاذ المشارك في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الشيخ الدكتور/ سعد بن تركي الخثـــلان
الأستاذ المشارك في قسم الفقه في كلية الشريعة في الرياض
معالي الشيخ الدكتور / نورالدين بن مختار الخادمي
أستاذ التعليم العالي بالمعهد الأعلى لأصول الدين بتونس
الأستاذ الدكتور/ مهدي رزق الله أحمد
  باحث و مؤلف في السيرة النبوية و الثقافة الإسلامية و عضو دائرة السنة و الشمائل بمركز بحوث القرآن الكريم و السنة و النبوية - جامعة القرآن الكريم و العلوم الإسلامية - السودان , و خطيب جمعة.
الدكتور/ إبراهيم بن سليمان المطرودي
الأستاذ المساعد في كلية اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الأستاذ/ عقل بن محمـد عقل
أستاذ مهارات الاتصال في جامعة المعرفة العالمية
مداد
و للمزيد من المعلومات عن الجامعة ، يمكنك زيارة موقع جامعة المعرفة العالمية على العنوان التالي :

19 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
موسم الثقافات    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

تعدد الزوجات مطلب عضوي وظيفي
الاحد 29 شوال 1430 الموافق 18 أكتوبر 2009
 
تعدد الزوجات مطلب عضوي وظيفي

د. سعيد بن محمد القرني
سياق الحديث عن تعدّد الزّوجات مرتَهَنٌ بكشف المخبوء في سياق دعواتٍ شاذّةٍ لهيئاتٍ دوليّةٍ ذات شأنٍ دوليٍّ في توجيه مسار البحوث العلميّة ورعايتها، ويُبنَى عليها مصائرُ النّاس وتوجيه حياتهم الجنسيّة. فلك أن تعلم ـ أخي الكريم ـ أنّ ثلاث دولٍ في الشّمال الأوروبيّ السّويد والدّانمارك والنّرويج، وكندا في الشّمال الأمريكيّ أقرّوا زواج المثليّين(Homosexualism ) آصرةً طبعيّةً بين أفراد الجنس الواحد، واعتلّوا لذلك بالقدر الجنسيّ المشترك بين الجنسيْن، وأنّ ثمّة جنساً مغايراً مخبوءاً عند الذّكر والأنثى على السّواء، وأنّ حاجة الذّكر إلى الذّكر جنسيّاً حاجة عضويّةٌ بيولوجيّةٌ أو حيويّةٌ.
وفي مجال حمْل الرّجل قالوا: إنّ بيئة الأمعاء الدّقيقة (small intestine ) تشبه بيئة الرّحم فلابدّ من استثمارها في تكافؤ فرص الحمل بين الرّجل والمرأة، ورعايةً لحقوق المرأة في المساواة المطلقة بينها وبين الرّجل. وأنتجت هوليوود (Hollywood )  في ذلك أفلاماً؛ ومنها: الرّجل الحامل  (Pregnant man )، وغيره. ورعت المراكز البحثيّة التّابعة للأمم المتّحدة مثل هذا التّوجّه في حقل الدّراسات المعزّزة لحقوق المرأة بزعمهم، فوقعوا في مشكلاتٍ لا حصر لها بسببٍ من رغبةٍ جامحةٍ وطغيانٍ وتجربةٍ في تغيير خلق الله. فلما أن ضاهؤوه طغَوا فراموا تغيير ناموسه في وصل الأقطاب المختلفة حتّى تأتلف؛ ذكر وأنثى، وموجب وسالب، ونحوهما.وفي مجال تغيير الجنس البشريّ استثمروا وجود قدرٍ مشتركٍ من الجينات أو المولّدات المورّثات الجنسيّة بين الذّكر والأنثى؛ فـ " x " قاسمٌ مشتركٌ بينهما يمكن أن ينشط (Activiation phrase ) ويستحيل الرّجل معها امرأةً؛ لما ذكرنا سلفاً من تناظرٍ في الخلْق بينهما من غير تكافؤٍ. فاستُغلّتْ طاقات هذا العصْر في ما يضرّ وفي العدوان على سنن الله في الخلْق.
أمّا أصداء ذلك كلّه في شرق الأرض فهو بيّنٌ يظهر أحياناً في بعض الزّيجات الشّاذّة بين رجلٍ ورجلٍ، وامرأةٍ وامرأة، وفي تجارب تغيير الجنس، فقد اعتاد شرقُ هذا الزّمان في ما اعتادَ أن يكون صدًى لدعوة الغرب ومجالاً خِصْباً لتجريبه وتخريبه، ولا صلاح بحقٍّ للنّاس كافّةً إلاّ بتسويد هذا الدّين وقيامه على رعاية البحث العلميّ وتوجيهه، وإلاّ أفضينا إلى خراب العالم ودماره جنسيّاً واجتماعيّاً ونفسيّاً، ومظاهر الفساد لسنا بسبيل ذكرها في هذه المحاضرة .
مدافعة بعض الدّول الإسلاميّة فضلاً عن غيرها لتعدّد الزّوجات أو تحريمها إيّاه وتجريمها فاعليه رسميّاً، ومدافعة كثيرٍ من النّساء له بأثرٍ من إعلامٍ أو تعليمٍ شعبيّاً باعثان على أن نجلي الأمر؛ فلعلّ في معرفة مقاصد الخلْق وطبيعته ما يُزيل تلك الغشاوة عن كثيرٍ من النّاس رجالاً ونساءً.
ولسائلٍ أن يقول: فيم يعدّد الرّجل ولا تُعدّد المرأة؟!
والجواب عن ذلك يستدعي الحديث عن طبيعة كلٍّ الخلْقيّة أو الجنسيّة ودور كلٍّ منها في التّكاثر الّذي هو غاية الوصْل بينهما في سكينةٍ ومودّةٍ ورحمةٍ.
والنّاس اليوم يقعون في خلْطٍ عظيمٍ في توصيف علاقة الرّجل بالمرأة أو الذّكر بالأنثى كمّاً وكيفاً؛ لتباعدهم من شريعة خالقهم، الّتي تستكنه طبيعة كلٍّ الجنسيّة أو الخلْقيّة على الوجْه الّذي خلقَ الله عليه خلْقَه؛ لعلمِ الله الكامل بما خلقَ ومن خلقَ، وعلم الإنسان القاصر الّذي يقوم على الملحوظة النّاقصة.
وللخلْط في عدم الوعْي بطبيعة خلْق كلّ مظاهر في ما استجدّ من قضايا أساءت استخدام نتائج العلوم مؤمنةً بالمحسوس النّاقص معرضةً عن الغيب الكامل، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصْر: زواج المثليّين (Homosexualism )، وتغيير الجنس (Transsexualism )، وحمل الرّجل (Male pregnancy )؛ فقد تسرّبت الملالة إلى الذّكور والإناث على السّواء من بقاء الصّلة بين ذكرٍ وأنثى يستولد فيه الذّكر، وتلدُ فيها الأنثى، وأخذ الإنسان الخارج عن ناموس ربّه يجرّب، فقدّس التّجارب، وظنّ أنّها وحدها السّبيل إلى العلم والمعرفة، وهجر دليلَ الخالق في تسيير خلْقه.
وسرّ تماسك هذا الكون وإحكام خلقه خلقُ ما فيه على أزواجٍ مختلفةٍ، من حيثُ طبيعةُ خلقِ كلّ مؤتلفةٍ من حيثُ حاجةُ كلٍّ إلى زوجه. موجِبٍ وسالبٍ، وحَمْضٍ وقاعدةٍ، وليلٍ ونهارٍ، وإضمارٍ وإظهارٍ في المعنى والحسّ على السّواء، ونحو ذلك. ولو خلقَ الله الخلق على غير أزواجٍ لتنافر الخلقُ؛ فنحن نرى الموجِب والموجِب يتنافران، والسّالب والسّالب يتنافران، ولو زايل أيٌّ منهما طبيعة خلْقه لما تمّ المقصود بالخلْق.
فالرّجل في العلاقة الزّوجيّة موجبٌ قاعديٌّ مانحٌ (Donator )، والمرأة سالبٌ حَمْضيٌّ مكتسِبٌ (Acceptor )، والصّلة بينهما صلةٌ تكامليّةٌ تفاضليّةٌ، وليستْ صلةَ صراعٍ على مكاسب، بل المكاسب الكبرى في أن يكون السّالبُ سالباً، والموجبُ موجباً.
والإيجابُ قيمةٌ ظاهرةٌ والسّلب قيمةٌ مستترةٌ فيها خفاءٌ؛ ولذا ظهرتْ أعضاء الجنس السّفليّةُ للرّجل؛ لأنّها مانحةٌ، واستتر ما يقابلها من المرأة؛ لأنّها مكتسِبةٌ سالبةٌ؛ ليُعلمنا الله أنّ السّترَ يناسب المرأة، والظّهور يناسب الرّجل في الإنتاج. ولمّا كانت المرأة مانحةً من جهة ثدييْها ظهرا، واستترا عند الرّجل؛ لقصوره عن الإنتاج، ولو كانا على نسقٍ واحدٍ لتنافرا.
خلقَ الله آدمَ خلقاً مستقلاًّ، وخلق من ضِلعه حوّاء؛ ليُعلمنا أنّ صلاحها في أن تكون منه لا عنه. وكم ضِلعاً له؟! فالّذين يصوّرون للمرأة أنّها مكافئةٌ في أصل الخلْق لآدم أبعدوا النّجعةَ وجانبهم الصّواب، فليس الذّكر كالأنثى بهذا الاعتبار، فهو متحرّكٌ وهي سكنه، وهو طاردٌ وهي جاذبةٌ، والّذي يجعلهما على نسقٍ واحدٍ يباعدهما من بعضٍ وينافر بينهما، والّذي يفعل ذلك إمّا رجلٌ يدعو إلى حقوق المرأة بفكر رجلٍ وحسّه، وإمّا امرأةٌ تفكّر للرّجل بفكر المرأة، فاستأنث الرّجال واسترجل النّساء.
وإذا كان الرّجل مصدراً للطّاقة الحيويّة الّتي تسري منه إلى المرأة، فإنّ مولّدات الطّاقة يناسبها تعدّد النّهايات الطّرفيّة لها؛ فيمكن أن ترى أكثر من برّادٍ على مولّدٍ واحدٍ، أو سخّانٍ أو تليفزيونٍ، ولكن هل رأيتَ في ناموس ما خلقَ الإنسانُ على نقصان خلْقه أكثر من مولّدٍ تسري طاقتهما في آنٍ لبرّادٍ أو سخّانٍ واحدٍ؟! فما بال النّاس يعتدون على ناموس خلْق الله وقد سلمتْ مصنوعاتهم من مثل ما اعتدوا به، وما كان لهم أن يصنعوا شيئاً ممّا صنعوا لولا قياسهم على مصنوع خلْق الله؟!
إنّ المرأة حرثٌ للرّجل ببييضتها الّتي تفرزها مرّةً واحدةً كلّ (28) يوماً، يتكافأ المِبْيضان على إنتاجها، وهي بُييضةٌ واحدةٌ كرويّة الشّكل مغشّاةٌ بمخاطٍ للزّينة والحماية تبقى في محبسها قناة المبيض (قناة فالوب: Falobian tube ) تنتظر الحيوان المنويّ حتّى يُخصبها في خدْرها مستورة، وهو يتحرّك ويرتحل إليها وهي ساكنةُ، حتّى إذا يئستْ من مجيئه ماتتْ، وانهالتْ أغشية المخاط المبطّنة للرّحم حزناً عليه؛ فيعرى جسم الرّحم الدّمويّ، ويحدث الطّمث أو العادة الشّهريّة (Ministrual cycle )، ولذا أمرنا باعتزال النّساء في المحيض مخافة الأذى؛ ومنه انتقال المايكروبات الدّاخلة للرّحم من الخارج أيّاً كانتْ وسائلُها للدّم مباشرةً بعد أن عرِي الرّحم من الحماية. فهل المرأة والرّجل على مستوى الإنتاج على سواءٍ؟! لا، فلا يُساوَى بين من ينتِج بييضةً واحدةً في الشّهر بمن ينتج (60) مليون حيوانٍ منويٍّ في السّنتيمتر المكعّب الواحد؛ فحجم الدّفقة الطّبيعيّة للرّجل (10) سم مكعّب ترتحل جميعها إلى البييضة، ولا يخصب البييضةَ إلاّ واحدٌ منها، فلا يجتمع على الأنثى ذكران، كما لا يجتمع عاملان على معمولٍ كما يقول أهل اللغة. فهل يحلّ بعد ذلك للمرأة أن تعدّد؟!
أمّا الرّجل المعياريّ فخصوبته دائمةٌ غير مقيّدةٍ بحمْلٍ أو طمْثٍ كما عند المرأة، ولذا حلّ له أن يبتغي حرثاً آخر له؛ فتعطيل الحرْث لاشتغال واحدٍ بحملٍ أو نحوه خلاف القصْد. ونحن نعلم أنّ المرأة قد تتّصل بأكثر من رجلٍ، ولا تحمل إلاّ من واحدٍ، فإذا حمِلتْ لم تستطع الحمل على حملها؛ لأنّ الحمل مشغولٌ بالزّرع. على حين أنّ الرّجل قد يجامع نساءً ويحملْن منه جميعاً، ولا يفقد بذلك خصوبته وقدرته على تحقيق مقصود الله بالتّكاثر، ولذا شرع الله له التّعدّد، وقصر المرأة على زوجٍ واحدٍ، فإذا رامت استبداله؛ لاستحالة العيش بينهما انفصلتْ عنه واستبرأتْ لرحمها بالعِدّة؛ فإنّ الأرض إذا أحصد زرعُها لا تُزرَع بعده مباشرةً من غير مهلةٍ زمنيّةٍ تهيّئها للزّرع ثانيةً.
جديرٌ بالذّكر أنّ لغتنا العربيّة راعت الفروق بين الذّكر والأنثى؛ فالأصل في الأسماء التّذكير كما أنّه في أصل الخلْق ذلك، والتّأنيث فرعٌ عنه، والفروع تتعدّد، والأصول مفردةٌ، ولو كان الفرع بعِدّة الأصل لكان الأصل فرعاً، والعكس. ولذا يحتاج المؤنّث إلى علامةٍ يا دعاة نبْذ المحارم، فكم علامةً للمؤنّث؟ أربع علاماتٍ؛ تاءٌ مربوطةٌ، وتاءٌ مفتوحةٌ، وألفٌ مقصورةٌ وألفٌ ممدودةٌ. ويُشار إلى المفرد المذكّر باسمٍ واحدٍ، والمؤنّث بأربعة أسماء، والحديث في هذا مستفيضٌ لا يسعه الزّمن المتاح، والحقّ أبلج لمن رام السّبيل.

20 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
من أعظم الأعمال عند الله سبحانه وتعالى.    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

معالم في إصلاح ذات البين
 
 
معالم في إصلاح ذات البين

د. محمد بن إبراهيم الحمد
إصلاح ذات البين شعبة إيمانية, وشرعة إسلامية, تُستلّ بها السخائم, وتصفو القلوب, وتخمد نيران الفتن.
قال الله -عز وجل- منوّهاً بتلك الخصلة: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً). [النساء: 114].
ولكن هذه الخصلة الكريمة، والقربة العظيمة تحتاج إلى ممارسة ودربة، وألمعية مهذبة، كما تحتاج إلى نية صالحة، وقدرة على حسن الأخذ بالأسباب، ومعرفة لدخول البيوت من الأبواب؛ فهذه -على سبيل الإجمال- أسس لابد للمُصْلِح من مراعاتها، والأخذ بها حال خوضه لغمار إصلاح ذات البين.
أما تفصيل ذلك فيحتاج إلى بسط وتفصيل، والمقام لا يسمح إلاّ بأقل القليل.

وفيما يلي معالم بازرة في هذه الشأن هي أشبه بالإيضاح للأسس الماضية المجملة.
1- احتساب الأجر: - كما قال -عز وجل-: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً). [النساء: 114].

فما ظنك بعمل صالح رتب الله عليه هذا الثواب الجزيل؟
إنه عمل عظيم وله -في نظر الشارع- مقام جليل؛ فاحتساب ذلك على الله -عز وجل- يبعث الهمم، ويقود إلى المسارعة والمسابقة في ذلك السبيل، ويمد القائم به بالصبر، والروح، والطمأنينة.
2- استشعار أن ذلك العمل استجابة لأمر الله، قال الله -عز وجل-: (وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ). [الأنفال: 1].
3- استحضار أنه سبب لقوّة الأمة: لأن الأمة المتصارعة، المتفككة توشك أن تنهار، وأن تلتهمها أمم أخرى؛ فإصلاح ذات البين سبب لقوة الأمة، وصلابتها، وهيبة أعدائها لها.
4- شكر الله -عز وجل-: فحقيق على المُصلِح بين الناس, المُيَسَّر لهذا العمل الجليل - أن يشكر الله - على هذه النعمة؛ وأن يعترف له بتلك المنّة؛ فانشراح صدره لذلك العمل, وقبول الناس لإصلاحه, وإصغاؤهم لكلامه, وأخذهم برأيه - إنما هو محض فضل الله -عز وجل-.
قال الإمام الشافعي-رحمه الله-:
الناسُ بالناس ما دام الحياةُ بهم
والسعدُ لا شكّ تاراتٌ وهباتُ

وأفضلُ الناس ما بين الورى رجلٌ
تُقضى على يده للناس حاجاتُ

لا تمنعنّ يدَ المعروفِ من أحدٍ
ما دمتَ مقتدراً فالسعدُ تاراتُ

واشكرْ فضائلَ صنعِ الله إذ جُعلت
إليك لا لك عند الناس حاجاتُ
5- التحلي بالحلم وسعة البال: لأن المصلح -في الأغلب- سيدخل بين أطراف يقلّ عندها العدل والعقل، ويفشو فيها الظلم والجهل؛ فيحتاج -إذاً- إلى ضبط النفس، وسعة الصدر، واحتمال ما يصدر من سفه، وتطاول، وترديد كلام، وإطالة في المقدمات.
فلا يحسن به أن يكون ضيق الصدر، قليل الصبر.
وليعلم أن مهمته مرهقة؛ فليوطّن نفسه على عقبات الطريق، وليداوِ كلوم النفوس بالهدوء، وسعة الصدر، ولين الجانب، ومقابلة الإساءة بالإحسان؛ فإن تلك الصفات رقيةُ النفوس الشرسة، وبلسم الجراح الغائرة.
6- التصوّر التام للقضية: فلا بد للمصلح إذا أراد الدخول في قضية ما - أن يكون على تصوّر تام لها؛ فالحكم على الشيء فرع عن تصوّره؛ إذ كيف يدخل في مجاهل، ومفاوز لا يدرك غورها، ولا يسبر مسالكها؟!
فلا بد -إذاً- من تصوّر القضية، ومعرفة أطرافها، وأحوال أصحابها، وما يكتنفها من غموض، وظروف.
7- النظر في إمكان الدخول في القضية: فإذا تصوّر المصلح القضية تماماً نظر في إمكان الدخول فيها، وجدوى السعي في حلها.
وربما احتاج إلى الاستشارة، والاستخارة؛ فربما تكون القضية فوق طاقته، وربما يكون دخوله فيها كعدمه، بل ربما لحقه ضرر دون أدنى فائدة.
ومن هنا كان التحرّي، والتروي، وحسن النظر - متحتم قبل الدخول في القضية.
8- الدعاء وسؤال الله التوفيق: فمهما بلغ الإنسان من الكياسة والفطنة، والسياسة، وحسن التصرف - فإنه لا يستغني عن توفيق الله ولطفه، وإعانته؛ فليلجأ المصلح إلى ربه وليسأله التوفيق، والتسديد, واللطف، فإنه -عز وجل- يجيب من دعاه، ويعين من استعان به (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). [غافر: 60].
9- المحافظة على أسرار المتخاصمين: فذلك من الأخلاق التي يجب على المصلح أن يأخذ بها، وألاّ يسمح لنفسه بالتفريط في شأنها.
أما إذا احتاج إلى إفشاء شيء من ذلك لمن يعنيه الأمر، أو لمن يمكن الإفادة من رأيه - فذلك داخل في الإصلاح.
10- الحذر من اليأس: فربما حاولت المحاولة الأولى، وبذلت وسعك في معالجة المشكلة - فأخفقت؛ فإن كنت قصير النَّفَس، ضيّق العطن أيست من العلاج، وتركت المحاولة إلى غير رجعة.
أما إذا أخذت بسياسة النفس الطويل، وتدرّجت في مراحل العلاج مرحلة مرحلة - أوشكت أن تصل إلى مبتغاك؛ فاحذر -إذاً- من اليأس، وإن أعيتك حيلة فالجأ إلى أخرى، وإذا انسدّت عليك طريق - فاسلك غيرها.
11- الاستعانة بمن يفيد: سواء من أقارب الأطراف، أو من أصدقائهم، أو معارفهم، أو من له تأثير عليهم.
ولكن يُراعى في ذلك أن يكون أولئك من ذوي الروية، والبصيرة، والحكمة.
12- مراعاة الذوق العام: ويندرج تحت ذلك أمور كثيرة، وربما كان بعضها صغيراً، لكنه قد يغير مسار القضية تماماً، فيدخل تحتَ الذوقِ تجنّبُ بعضِ الكلمات الجافية المثيرة، واستعمالُ العبارات اللائقة الجميلة التي تبهج النفس، وتشرح الصدر.
ويدخل في ذلك اللمسةُ الحانيةُ، والبسمةُ الصادقة، ويدخل فيه استثارة النخوة، وتحريك العاطفة، بل قد يدخل فيه العتب والغضب إذا كان ذلك في محله، وممن يليق منه ذلك.
ويدخل في ذلك مراعاة العادات، وفهم الطبائع والنفسيات.
فهذه الأمور، وما جرى مجراها من جملة ما يحتاجه المصلح مع مراعاة وضع كل أمر في نصابه دون وكس ولا شطط، ولا تكلّف.
13- حسن الاستماع: لأن كلَّ طرف من الأطراف يزعم أنه على حق، وأن صاحبه على باطل؛ فيحتاج كلُّ واحد منهما إلى مَنْ يَستمع إليه، ويرفق به، ويأخذ ويعطي معه.
بل إن بعض الخصوم يكفيه أن يفرغ ما في نفسه من غيظ، أو كلام؛ فيشعر بعد ذلك بالراحة، ويكون مستعداً لما يُراد منه.
14- الانفراد بكل طرف على حدة: فاللقاء الفردي بكل واحد من الأطراف ربما يحسن في بعض الأحيان؛ حتى لا يحصل الصراع والعراك في بداية الأمر؛ فيتعذر الإصلاح.
فإذا حصل اللقاء الفردي كان ذلك سبباً لأن يقف المُصْلِحُ على حقيقة الأمر، وما يريده كل طرف من الآخر.
15- الرفع من قيمة المتخاصمين: وذلك بإنزالهم منازلهم، ومناداتهم بأحب أسمائهم إليهم، والحذر من انتقاصهم، أو الحطّ من أقدارهم.
16- الحذر من الوقيعة بأحد الخصمين عند الآخر: لأن ذلك ضرب من الغيبة, ولأنهما ربما اصطلحا، فأخبر كل واحد منهما بما قلته في صاحبه؛ فتحصل على الضرر من غير ما فائدة، وقديماً قيل:
كم صاحبٍ عاديتَه في صاحبٍ
فتصالحا وبقيتَ في الأعداءِ
17- الوضوح ولزوم الصدق والصراحة: والمقصود بالصراحة ههنا ألاّ يساير أحداً من الخصمين على باطل، وألاّ يَعِدَ أحداً منهما وعداً وهو غير قادر على إنفاذه، إلى غير ذلك مما يستلزم الوضوح والصدق.
وليس من شرط ذلك أن يشتد المصلح، أو أن يواجه الخصوم بما يكرهون بحجة أنه صريح، بل يحرص على أن تكون صراحته مغلّفة بالأدب واللياقة، وأن تكون كلماته خفيفة الوقع على أسماع المتخاصمين.
كما لا ينافي الصراحةَ والصدق تنميةُ الخير, واستعمال المعاريض, والعبارات الواسعة التي تصلح وتقرب.
18- تذكير الخصوم بالعاقبة: فيحسن بالمصلح أن يُذكِّر الأطراف المتخاصمة بالعاقبة؛ فيذكرهم بعاقبة الخصومة, وما تجلبه من الشقاق, وتوارث العداوات, واشتغال القلوب, وغفلتها عن مصالحها.
ويذكرهم -كذلك- بالعاقبة الحميدة للصلح في الدنيا والآخرة, ويسوق لهم الآثار الواردة في ذلك كقوله -تعالى-: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [البقرة: 237] وكقوله: ( وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ ) [آل عمران: 134] وكقوله: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى: 40].
ويسوق لهم قصصاً لأناس عفوا, فحصل لهم من العز, والخير ما حصل.
وهكذا…
فذلك يبعث النفوس إلى الإقصار عن التمادي في الخصام.
19- إعطاء الوقت والفرصة الكافية: فإذا قام المصلح بما ينبغي له أن يقوم به فَلْيَدَعْ للزمن دوره, حتى تهدأ النفوس, ويختمر الرأي في الأذهان, ويبدأ الأطراف في المراجعة.
20- الحذر من إلحاق الضرر بأيٍ من الخصوم: وذلك بالحرص على ألاّ يترتب على الإصلاح إضرار بأحد الأطراف، كحال من إذا رأى حادثاً مرورياً في طريقٍ ما - بادر إلى حثّ الطرفين على الصلح.
وربما جامل صاحب الحق، وسكت، وعفا، وتحمّل نتيجة الحادث، مع أنه قد يكون قليل ذات اليد، وقد يضطر إلى المسألة؛ ليصلح سيارته.
فلا بد -إذاً- من مراعاة هذا الأمر؛ فلا ضرر ولا ضرار، ولا بد في العفو من الإصلاح لا الإفساد.
وقسْ على هذه النبذة كثيراً مما قد يقع من الخلاف، والتنازع في الحقوق.
21- ألاّ تدخل في قضية بشرط النجاح: بل عليك -أيها المصلح- بذل الوسع، واستنفاد الطاقة، ثم بعد ذلك وطِّن نفسك على أن محاولاتك ربما لا تفلح؛ فلا يكبر عليك ذلك، وأعلم بأنك مأجور مثاب، وليس من شرط الإصلاح إدراك النجاح، وليكن شعارك ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ). [هود: 88].

21 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
من أجل هذا لُعِن اليهود    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

إن مَن يقرأ سورة البقرة يعتقد - بلا أدنى ريب - أن اليهود قوم جحود، والجحود - كما يفسره المعجم العربي - هو الإنكار مع العلم، فلقد جحد اليهود نِعَم الله – تعالى - وكذبوا بآلائه التي أخرجتهم من ظلمات الباطل إلى نور الحق المبين، وأنجتْهم من سوء عذاب سامهم إياه أعداؤهم.

وقد تجسَّدت تلك النعم في معجزات وخيرات عاينها اليهود، ونعموا بآثارها الطيبة، ولكنهم - برغم ذلك - جحدوها جحودًا لم يأتِ بمثله قومٌ من قبلهم أو من بعدهم.

ونرى دلائل الجحود حين نقرأ في سورة البقرة عن نِعَم غامرة، جحدها اليهود وكذَّبوا بها، وهم يعلمون سوء فعلهم، لقد نجاهم الله - تعالى - من آل فرعون الذين ساموهم سوء العذاب، فذبَّحوا أبناءهم، واستحْيَوْا نساءهم، ففلق الله - تعالى - لهم البحر، حتى ظهرت لهم الأرض اليابسة، فمشوا عليها، وبذلك نجوا من آل فرعون الذين تتبعوهم يريدون الفتك بهم، ورأوا بأعينهم آل فرعون وهم يغرقون، ثم أنعم الله عليهم بأن واعَدَ موسى أن يعطيه التوراة بعد أربعين ليلة، وفيها هدى لهم ورحمة، ولكنهم جحدوا تلك النعم، فاتَّخذوا العجل إلهًا حين ذهب موسى للقاء ربه، وبرغم ذلك الجحود عفا الله عنهم؛ لعلهم يشكرون: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 49 - 52].

وأنزل الله - تعالى - من أجل اليهود وهدايتهم كتابًا على موسى، وآتاه السلطان الذي يفرق به بين الحق والباطل، ونصحهم موسى فأخلص لهم النصح، وذكَّرهم بظلمهم حين اتخذوا العجل إلهًا، وذكَّرهم أيضًا بفضل الله عليهم حين تاب عليهم، ولكنهم جحدوا، فأعلنوا لموسى أنهم لن يؤمنوا له إلا بعد أن يرَوُا اللهَ جهارًا، فلما تطلعوا يريدون رؤية الله - سبحانه - أخذتْهم صاعقة من السماء وهم ينظرون، ثم بعث الله - تعالى - أولئك الذين أرادوا رؤيته بعد أن أحرقتهم الصاعقة، وتفضل الله عليهم بعد ذلك بالمَنِّ - إفراز حلو المذاق، تفرزه بعض الأشجار - وبالسلوى - الطائر المعروف بالسمان - ليَقِيهم الهلاك جوعًا في بيئة مجدبة؛ ولكنهم جحدوا أيضًا كل هذه النعم؛ {وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة: 53 - 57].

ويذكِّر الله - تعالى - اليهود بما تفضَّل عليهم بعد خروجهم من تِيهٍ وضياع في صحراء سيناء، إذ أمرهم بدخول بيت المقدس وهم ساجدون، يسألون الله أن يَحطَّ عنهم ذنوبهم، ويغفر لهم عنادهم، ووعدهم - سبحانه - بالمكافأة وحسن الجزاء، إن فعلوا ما أمرهم به، ولكنهم لم يستغفروا ربهم؛ بل انهمكوا في الشهوات، ولما عطشوا في التيهِ، تفضل الله عليهم بتكليف موسى أن يضرب بعصاه حجرًا، فتفجرت منه عيون بقدر عدد قبائلهم، لكل قبيلة عين خاصة يأخذون منها حاجتهم، ولا يشاركهم فيها غيرهم، ولكن اليهود - بعد كل هذه النعم - أعلنوا السأم مما هم فيه من نعم؛ بل طلبوا من موسى أن يطلب لهم من ربه أن يرزقهم مما تُنْبت الأرض، من بقل، وقثاء، وثوم، وعدس، وبصل، وتعجَّب موسى من استعاضتهم الأردأ بالأحسن من الطعام، فهذا يدل على عدم ثباتهم على الحق، وهم يعلمون أنه حق؛ {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة: 58 - 61].

وتمضي آيات الذكر الحكيم في سورة البقرة تذكِّر اليهود بآلاء الله، حين أخذ عليهم العهد أن يعملوا بما بأمر به في التوراة، وهدَّدهم - سبحانه - بمعجزة رفع الجبل فوق رؤوسهم، ولكنهم - برغم هذا - أعرضوا وعاندوا، ولولا فضل الله عليهم لباؤوا - جزاء إعراضهم وعنادهم - بخسران مبين.

وأمرهم الله - تعالى - أن يتفرغوا يوم السبت للعبادة؛ ولكنهم احتالوا، فاستباحوا الصيد في يوم السبت، فاستحقُّوا أن يمسخهم الله قردة منبوذين؛ ليكونوا عبرة لمعاصريهم وللأجيال من بعدهم؛ {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 63 - 66].

ويبلغ اليهود في جحود نِعَم الله مدى بعيدًا في قصة البقرة، ذلك أن رجلاً منهم قتل رجلاً، وبادر القاتل بشكوى لموسى، فبحث موسى عن القاتل، فلم يهتدِ إليه، فأمرهم الله - تعالى - أن يذبحوا بقرة، فجادلوا موسى جدالاً شديدًا، متسائلين عن لون البقرة، وشكلها، وسِنِّها، وكلما شدَّدوا شدَّد الله عليهم، حتى صارت نادرة، فتعبوا في الحصول عليها، وبعد جهد جهيد، حصلوا على بقرة لا مُسِنَّة ولا فتيَّة، صفراء خالصة الصفرة، ليست بصعبة، تهيج الغبار إذا تحركت، تسقي الزرع، سليمة من العيوب، في جلدها قطعة لونُها يخالف لونه.

وهذه الصفات إنما طلبها الله - تعالى - نتيجة لطول لَجاجهم وتشددهم، وقد حصلوا على بقرة تتوافر فيها هذه الصفات بضعف ثمن مثلها، وذبحوها بعد أن قاربوا ألاَّ يفعلوا ما أُمِروا به.

وأرشدهم الله أن يضربوا جثة القتيل ببعض أعضاء تلك البقرة، فعاد إلى الحياة وأخبرهم عن قاتله، وفي هذه القصة آية من الله لعلهم يعقلون، ولكن قلوبهم - برغم هذه المعجزة البينة - قَسَت حتى صارت كأنها الحجارة أو أشد؛ {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 67 - 74].

على أن اليهود يبلغون قمة الجحود حين يزيِّفون أعظم ما يعتز به كل ذي قلب سليم، حين يزيفون العقيدة، مبرِّرين سوء فعلهم بعذر أقبح من الذنب، وهو أن قلوبهم مغلقة، لا تصلح لإدراك العقيدة الصحيحة، البعيدة عن الزيف، فلقد أنزل الله - تعالى - على موسى التوراة، وأرسل من بعده رسلاً إلى أمم كثيرة، حتى جاء دور عيسى ابن مريم، فآتاه الله الآيات الواضحات، وشدَّ أزره بجبريل، ولكن اليهود استكبروا عن اتِّباع أولئك الرسل؛ لأنهم لم يجيئوا بما يوافق هواهم، فكذبوا فريقًا من الرسل، وقتلوا الفريق الآخر، ولما انتهت الرسالة إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - ودعاهم، وأكَّد لهم أن قلوبهم ليست مغلقة، ولكن الله أبعدهم عن قبول الخير بسبب كفرهم، فقليلاً ما يؤمنون بحقيقة، ومصداق ذلك أنه جاءهم القرآن من عند الله مصدقًا للتوراة التي معهم، وموافقًا لها، وكانوا من قبل نزوله يطلبون النصر على أعدائهم بحرمة النبي المنتظر، الذي كانوا يتوقعون مبعثه، ويُمَنون أنفسهم بالمبادرة إلى اتِّباعه، فلما جاءهم محمد – صلى الله عليه وسلم - وفيه العلامات التي عرفوها مِن كُتُبهم، قابلوه بالكفر به، وجحود النعمة العظمى التي جاء بها، نعمة العقيدة الصحيحة، البعيدة عن الزيف، وبذلك استحقوا اللعنة التي وصم الله بها الكافرين؛
{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 87، 88].

هكذا استحقَّ اليهود اللعنة؛ لأنهم جحدوا آلاء الله ونعمه، وجعلوا أصابعهم في آذانهم حين ناداهم الحق - تعالى - مذكِّرًا ومحذرًا:
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ * وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 40 - 42]
سيد أحمد شاعر

21 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
رب اشرح لي صدري    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

الذين آمنوا والذين كفروا:
"وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ" {محمد47/2}
" ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ" {47/3}
" { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } يعم المهاجرين والأنصار والذين آمنوا من أهل الكتاب وغيرهم. { وَءَامَنُواْ بِمَا نُزّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ } تخصيص للمنزل عليه مما يجب الإيمان به تعظيماً له وإشعاراً بأن الإيمان لا يتم دونه، وأنه الأصل فيه ولذلك أكده بقوله: { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّهِمْ } اعتراضاً على طريقة الحصر. وقيل حقيقته بكونه ناسخاً لا ينسخ، وقرىء «نَزَّلَ» على البناء للفاعل و «أنزل» على البناءين و «نَزَلَ» بالتخفيف. { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيّئَـٰتِهِمْ } سترها بالإِيمان وعملهم الصالح. { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد.
{ ذٰلِكَ } إشارة إلى ما مر من الإِضلال والتكفير والإِصلاح وهو مبتدأ خبره. { بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَـٰطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِِّهِمْ } بسبب اتباع هؤلاء الباطل واتباع هؤلاء الحق، وهذا تصريح بما أشعر به ما قبلها ولذلك سمي تفسيراً. { كَذٰلِكَ } مثل ذلك الضرب. { يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ } يبين لهم. { أَمْثَـٰلَهُمْ } أحوال الفريقين أو أحوال الناس، أو يضرب أمثالهم بأن جعل اتباع الباطل مثلاً لعمل الكفار والإِضلال مثلاً لخيبتهم واتباع الحق مثلاً للمؤمنين، وتكفير السيئات مثلاً لفوزهم." ( البيضاوي).
 
العلم ، ثم التوحيد:
"فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ" {47/19}
" { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } أي دُمْ على العلم بذلك، واستدل بعضهم بهذه الآية على أن النظر والعلم قبل العمل، لأنه قدم قوله: فاعلم على قوله: واستغفر { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } قيل: متقلبكم تصرفكم في الدنيا، ومثواكم إقامتكم في القبور. وقيل: متقلبكم تصرفكم في اليقظة، ومثواكم منامكم"
( ابن جزي الغرناطي)
"  قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ }؛ الخطابُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، والمرادُ بهِ غيرهُ. والمعنى: إذا جاءَتْهم الساعةُ فاعلم أنَّه لا قاضيَ حينئذٍ إلاَّ اللهُ، ولا مخرجَ يومئذٍ إلاَّ إليهِ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم قد كان عَلِمَ ذلك، ولكن هذا خطابٌ يدخلُ فيه الناسُ.
والمعنى: مَن عَلِمَ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ فليَقُمْ على العلمِ ويَثبُتْ عليهِ، قَوْلُهُ تَعَالَى:
{ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ }؛ أي استَعصِمْ مِن مُواقعَةِ ذنبٍ يُوجِبُ الاستغفارَ. ويقالُ: معناهُ: استَغفِرْ لصَغَائِرِكَ؛ فإنه لا صغيرةَ مع الإصرار،{ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ }؛ واستغفِرْ لذُنوب المؤمنين والمؤمناتِ، وهذا إكرامٌ من اللهِ لهذه الأُمة حين أمرَ نبيَّهم أنْ يستغفرَ لهم وهو الشفيعُ الْمُجَابُ فيهم.
وقوله تعالى: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }؛ أي مُتصرَّفَاتِكم في الدُّنيا من أوَّلِ ما ينقلِبُون من ظهرٍ إلى بطنٍ إلى أن تَخرُجوا من دُنياكم إلى قُبوركم، ويعلمُ أينَ مَثْوَاكُمْ في الآخرةِ، قال عكرمةُ: (مَعْنَاهُ: واللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ مِنَ أصْلاَب الآبَاءِ إلَى أرْحَامِ الأُمَّهَاتِ، وَمَثْوَاكُمْ مَقَامَكُمْ فِي الأَرْضِ). وقال مقاتلُ: (وَاللهُ يَعْلَمُ مُنْتَشَرَكُمْ بالنَّهَار وَمَأْوَاكُمْ باللَّيْلِ). والمعنى: إنَّهُ عالِمٌ بجميعِ أحوالِكم، لا يخفَى عليه شيءٌ منها."
( الطبراني)

22 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
 245  246  247  248  249