البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات د يحيى مصري

 242  243  244  245  246 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
الفروق بينهما    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

" الفوارق… بين المدينة والقرية  
1 ـ المدينة أكثر ناساً بخلاف القرية.
2 ـ روابط الأفراد في المدينة عادية، بينما الروابط في القرية شديدة، وهكذا معاداة أفراد المدن بعضهم لبعض ضعيفة بينما معاداة أفراد القرية شديدة والسر أن كثرة أعمال روابط فرد المدينة لا تدع له مجالاً لشدة الولاء، أو شدة العداء بخلاف القرية.
3 ـ سعة مجال العمل والزواج والانضمام إلى الجمعيات والمؤسسات في المدينة دون القرية.
4 ـ قوة العلم والدين والأخلاق والآداب في المدينة، لكثرة المدارس والمعلمين والوعاظ والمربين في المدينة دون القرية.
5 ـ كثرة الأمراض ويسر العلاج في المدينة، وبالعكس من الأمرين القرية، حيث تلوث البيئة في المدينة أكثر والطب والوسائل الطبية فيها أكثر بخلافهما في القرية.
6 ـ تعقد النفس في المدينة دون القرية، وذلك لأن كثرة الروابط وتناقضها، وشدة الطبقية وكثرة الحرمان في المدينة توجب ذلك، والقرية ليست كذلك.
7 ـ سهولة المعاملات، وعدم التدقيق في أمرها في المدينة، وذلك لأن كثرة الشأن فيها لا يسمح بالدقة، بخلاف القرية حيث قلة الشأن فيها فتكون مسرحاً للدقة.
8 ـ ضعف مراقبة الأهل والأولاد في المدينة، وشدتها في القرية، إذ سعة المدينة من ناحية، وكثرة شغل الإنسان فيها من ناحية ثانية، تجعل الأولاد ونحوهم بمنأى عن عين الأب والأم، ثم إن أشغالهما يمنعان من المراقبة الدقيقة وبالعكس من كلا الأمرين القرية.
9 ـ في المدينة الدخل أكثر والأرباح أوفر، بخلاف القرية، وذلك من جهة ارتفاع مستوى المعيشة في المدينة دون القرية من ناحية، ومن جهة وجود النقد أكثر في المدينة مما يجعله أكثر ابتذالاً، وبالعكس من ذلك القرية.
10 ـ التحرك الاجتماعي في المدينة عمودياً وأفقياً، حيث مختلف المؤسسات، ومتفاوت الدرجات، فيتمكن الإنسان أن ينتقل من وظيفة إلى وظيفة، كما يتمكن أن يصعد من مرتبة نازلة إلى مرتبة رفيعة، وأحياناً بالعكس وليس كذلك القرية، ولذا يكون هناك الجمود.
11 ـ أخطار المدينة أكثر من حيث السرقة، والسطو، والاختطاف، والدهس وغيرها، حيث كثرة السيارات، وتنوع الناس، وإمكانية المفسد من الاختفاء، في بحر الناس بخلاف القرية في كل ذلك.
12 ـ كثرة الفساد في الـمديــنــة من زنا ولـــواط واستعمال المخدرات ونـــحوها بخلاف القرية،.....
13 ـ زيادة الحر والبرد في القرية لقلة العائق لهما من الأبنية والعمارات بخلاف المدينة لكثرة العائق، ولذا يمكن الاستفادة من الطبيعة أكثر من القرية من المدينة.
14 ـ تشتد النزاعات القومية والطائفية والعرقية وغيرها في القرية دون المدينة، وذلك لأن المدينة بحضارتها الكثيرة ترقق من المشاعر وتعطي رؤية أوسع، بخلاف القرية في ذلك.
15 ـ تجعل القرية أفرادها أبعد عن عين الحكومة ومتناولها، حيث تضعف أجهزة الحكومة في القرية، وحيــــث القرابة والصداقة الشديدة في القـــرية، مما يستر بعضهم على بعض، وليس كذلك المدينة، ولذا تشد القرية من إزر التنظيمات المناوئة للحكومة…
ولا يخفى أنه تختلف المدن والقرى الساحلية، والجبلية، والغابية، والسطحية في بعض تلك الجهات، كما أن حركة التهريب في الساحلية، والحرب في الجبلية والغابية، وغيرهما تختلف اختلافاً كبيراً، كما أن المدن الصناعية تختلف عن غيرها من بعض الحيثيات المتقدمة، وكذلك بالنسبة إلى القرية." .
( منقول من دون تدخل).

14 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
التوصيف القرآني لمجتمعات القرية والمدينة    ( من قبل 9 أعضاء )    قيّم

 
 
 
                             التوصيف القرآني لمجتمعات القرية والمدينة

                              الدكتور وليد أحمد السيد

معماري وأكاديمي ومدير مركز دراسات العمارة الإسلامية بلندن

" من الملاحظ أن العمارة ومتعلقاتها الحضرية والإجتماعية قد ورد ذكرها في القرآن الكريم بدلالات وإشارات بعضها صريح مباشر وبعضها الآخر ضمني. ففي الإطار الأول وضمن العمارة الدينية ورد ذكر المسجد الحرام في مواضع متعددة منها في سورة الاسراء {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}. وورد ذكر العمارة السكنية في مواضع عديدة منها ما يخص الانسان ومنها ما يخص المخلوقات الاخرى. ففي سورة النحل قوله تعالى {والله جعل لكم من بيوتكم سكنا}، وفي سورة النمل { قالت نملة يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم } - النمل، بالاضافة الى ذكرالمسجد والصوامع والجنة والسد في قصة ذي القرنين، أو السلم أو الصرح (قيل أدخلي الصرح) - النمل، في قصة بلقيس ملكة سبأ، أو البروج أو المدخل {إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر}- القمر، أو السرادق أو الغرفات { في الغرفات آمنون} - سبأ، أو {لنبوئنهم من الجنة غرفا } - العنكبوت، أو قصة ثمود الذين جابوا الصخر بالواد، أو الاشارة الى عظم مدنية ثمود وعاد التي لم يخلق مثلها في البلاد مما يدل على علو شأو مدنيتهم وعمارتهم. ولكن ما يلاحظ هو دقة ألفاظ القرآن الكريم في التمييز بين كلمة (مدينة) وبين كلمة (قرية)، اذ تمت الإشارة الى لفظة (قرية) مثل قوله تعالى {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} - الزخرف، أو في قصة موسى والخضرعليهما السلام {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما} الكهف، وفي آية لاحقة من سورة الكهف {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة}. أو قوله تعالى {قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم} – الاعراف. أو لفظة أم القرى بالاشارة الى مكة المكرمة في قوله تعالى {وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها} الانعام. جميع هذه الاشارات واستعمال الالفاظ المتعددة بين قرية ومدينة لها مدلولات ومعان دقيقة، فما هي الحكاية؟ وما هو الفرق بين اللفظتين، وماذا يعني ذلك من ناحية حضرية تخطيطية عدا عن الجوانب الاجتماعية؟
بداية من المهم الإشارة الى أن لفظة قرية الواردة في القرآن الكريم لا تعني البتة مفهوم القرية الريفي الذي نعرفه اليوم، بل إن الدلائل والمعاني تدل على المدنية ووجود المجتمع الذي يشكل المدينة بحسب تعريفاتها في التخطيط الحضري اليوم من حيث وجودُ كيان اجتماعي واقتصادي تجاري وهيكل نظام حكم سياسي الى غيره مما يقيم أود المجتمع المتحضر، وهذه مما وردت في أكثر من موضع تاريخيا اذ توفرت هذه العناصر جميعا. فلا فرق بين المدينة وبين القرية من ناحية حضرية وبحسب التعبير القرآني, فقد أطلق القرآن الكريم على مكة المكرمة لفظة أم القرى, وهي في ذلك الوقت قمة الرقي والتمدن فيما حولها من المدن والحواضر وكانت عاصمة التجارة والسياحة الموسمية (الحج بمعنييه في الجاهلية وفي الإسلام) والأدب (سوق عكاظ). ولكن يبدو أننا في العصر الحديث أطلقنا اصطلاحات وتعريفات للتجمعات العمرانية بناء على أسس بيئية عمرانية محضة تم على أساسها التفريق بين البيئة الحضرية (كما في المدينة) وبين البيئة الريفية (كما في القرية) تبعا لمقومات حسية وديموغرافية واقتصادية وسياسية منها العمل والتعداد السكاني وتوفر وسائل المواصلات والرفاهية والتكنولوجيا ومقر الحكم وغيرها. وفي الحقيقة فاللفظ القرآني يفرق بين الإصطلاحين لا من إعتبارات بيئية أو حضرية إنما من نواحي أخرى. وهنا يتردد التساؤل: لماذا وكيف فرق اللفظ القرآني الكريم بين اللفظتين؟
لعل من أبرز التعاريف والتفاسير التي تجلب الانتباه وبخاصة ما ورد في سورة الكهف في استعمال اللفظتين، هو التفريق بين (الطبيعة المجتمعية) لسكان القرية والمدينة. ففي حين أن اللفظتين قد اطلقتا على نفس المكان في قصة موسى والخضر عليهما السلام، في قوله في الآية الاولى { فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما} الكهف، فقد اطلقت لفظة المدينة على نفس المكان في معرض تفسير الخضر لأعماله العجيبة مع موسى عليهما السلام. والتفسير لذلك أنهما حينما قدما على المكان توسما الخير في أهل المكان (القرية), واللفظة مشتقة من القرى (بكسر القاف) وتعني إطعام الضيف, فطلبوا الطعام فلم يطعموهما ولذلك حينما أورد الخضر لموسى عليهما السلام ما جرى في المكان باقامته الجدار في القرية التي أبى أهلها أن يطعموهما، فسر له الخضر أن الجدار كان لغلامين يتيمين, واستعمل هنا كلمة (المدينة) ولم يستعمل التعبير القرآني لفظة (قرية) في المرة الثانية. ففي المرة الأولى استعمل الوصف القرآني لفظة (القرية) حينما توسم الخضر وموسى الخير في المكان وأهله في إقراء الضيف أي إطعامه, واستعمل مرة أخرى لفظة (المدينة) لنفس المكان حين أبى أهلها أن يطعموهما, وفي هذا دلالة على طبائع وخصائص المجتمع في المكانين وليس توصيفا للمكانين أو تمييزا لهما من ناحية حضرية أبدا. أما في القرية – وبحسب التوصيف القرآني- فيبدو أن الطباع والعادات والتقاليد الاصيلة هي التي تسود بخلاف ما يترتب على تغيير هذه العادات والطباع الاصيلة في المدينة التي ينحو أهلها ناحية الإنعزالية والأنانية تجاه الغرباء من ناحية، وتجاه جيرانهم من ناحية ثانية. فبالمقارنة بين المجتمعين - مجتمع القرية ومجتمع المدينة الحضري بالمفهوم الذي نعرفه اليوم - يسهل تبين مجموعة من الخصائص المتباينة التي قد يبدو أنها انعكاس لتحورات أساسية بين المجتمعين في المكانين وفي البنية التركيبية للبيئات المختلفة من اجتماعية واقتصادية ودينية وغيرها. فمثلا يعرف أهل القرية, بصرف النظر عن نسبية حجمها مقارنة بتعداد سكانها أو بتوافر وسائل الإتصالات والمواصلات الحديثة, بعضهم بعضا وفي الغالب تسود العلاقات الاجتماعية الوطيدة والحميمة، فيما تفتقد هذه العلاقات في مجتمع المدينة, التي تعكس المدنية والتمدن بصرف النظر عن نسبية حجمها وتوفر وسائل الإتصالات والمواصلات التي تقرب البعيد, وتضمحل رويدا رويدا في المدينة ليس فقط بين الجيران وانما بين الأرحام والأقارب في بعض الأحيان. وفيما تسود عادات الطيبة والكرم مجتمع القرية وتعد من الشهامة والعادات المحبذة مثل إطعام الضيف ومساعدة الغرباء وعابري السبيل، تجد أن هذه المفاهيم قد أعيدت تركيبتها في مجتمع المدنية والتمدن بطريقة مختلفة تماما. فالتعامل مع الغرباء محدود ومكروه، بل إن المدينة قد تسببت في خلق عادات أنانية وبرزت فكرة (لا يخصني) بحيث أن احدهم اذا سقط في الشارع العام وبحاجة للمساعدة قد لا يجد الكثير ممن يستوقفه هذا المشهد ويهب للمساعدة، بخلاف مجتمع القرية الذي لا يستوقفه هذا المشهد طويلا بل يجد المحتاج من الغرباء يد العون رغم شح الموارد وقلة ذات اليد في بعض الاحايين. والأمثلة على ذلك من وقائع الحياة العملية لا تعد ولا تحصى, فمثلا أذكر أنني اثناء سفرة لزيارة الاهرامات بمصر قبل عقد من الزمن وأثناء التجول بالموقع حيث السياح والزائرين ممن يركب بعضهم الخيل والجمال للتجول بالمكان، سقط أحدهم عن ظهر الحصان الذي جنح وولى بعيدا بعد أن أسقط حمله، ولسوء حظ الرجل المسكين فقد سقط على أرض صخرية وأغشي عليه والدماء تسيل من رأسه، واذ سارعت إليه تناهى الى سمعي جملة أحد الاصدقاء الذين معي: لا يخصنا، لنبتعد عن هنا! وفي المقابل أذكر أنني ومع زملاء الدراسة في أواخر الثمانينيات قمنا بزيارة لمنطقة عراق الامير, وأثناء التجوال تمكن منا العطش فطلبنا شربة ماء من سيدة طيبة مسنة فحصلنا على شربة ماء وبعضا من خبز الطابون ودعوة صادقة لتناول الغداء, بيد أن البحث وضيق الوقت حال دون تلبية الدعوة التي قابلناها بالشكر الجزيل. هاتان صورتان متغايرتان من مجتمعي القرية والمدينة, يبدو للرائي فيما يبدو أنهما انعكاس مباشر لخصائص المكان, فهل هذه هي الحقيقة؟ وهل البيئة المكانية هي التي تحدد خصائص السكان أم أنهم مسؤولين مسؤولية مباشرة عن الموروث من العادات الإجتماعية والأعراف والممارسات اليومية التي تتحور مع الزمن إن لم يتعهدها أهلها بالرعاية؟
وفي الحقيقة تبدو جملة (لا يخصني) هي عنوان الحياة الاجتماعية في المدينة بمفهومنا الحديث لها وفي غالب الأحيان. وقد يجد لها البعض تبريرا من حيث تجنب الدخول في المتاعب أو ربما لطبيعة الحياة المصلحية التي فرضتها المدينة وتبعاتها من ماديات طاحنة. فبمقارنة البساطة التي يعتادها القاطنون في مجتمع القرية من ناحية المتطلبات المادية، تجد ان سكان المدينة يركضون في كل الاتجاهات سعيا وراء لقمة العيش لتلبية الاحتياجات المادية المتزايدة، والتساؤل هو: هل ينبغي للمكان الحضري الذي اصطلحنا على تسميته بالمدينة بالضرورة أن تفرض مثل هذا النمط الأناني والجشع على ساكنيها أم أن الساكنين هم الذين فرضوا طبيعتهم في المدينة؟ وبكلمات أخرى، هل تبعات متطلبات العيش في المدينة هي التي تولد الخصائص السلبية في المجتمع كالأنانية والتقوقع أم أن العكس هو الصحيح, وأنها نتاج الجشع والسعي المتزايد نحو المزيد؟ وهل الموقع الجغرافي للمكان الحضري على ضفاف الأنهار وشواطئ البحار وخطوط التجارة والسياحة هو الذي يقولب سلوكيات السكان أم أن لهم إرادة سلوكية تظل مناط التكليف والمحاسبة, إذ أن كل نفس بما كسبت رهينة؟ ولماذا تختلف طبيعة المجتمعات بين المدن الحديثة المختلفة؟ فهذا مجتمع منفتح على الإغراب ومضياف, وذاك منغلق لا يكاد يرد السلام على طارحه؟
نترك الاجابة والتفكير مليا بهذا التساؤل للقارئ الكريم ،إنما يهمنا أن القرآن الكريم قد قرر في توصيفه للإختلاف بين المجتمعين أن الفرق يكمن في التركيبات الإجتماعية والتدرج الهرمي التكويني بين المجتمعين, ففي القرية تقوى الروابط الإجتماعية في مقابل تراخيها في المدينة لإعتبارات العمل والمال والمصالح, وربما الموروث الإجتماعي للخلف من السلف على القاعدة التكاسلية "إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم لمقتدون" والتي كرست العادات الخبيثة في المجتمعات وكانت سببا مباشرا في تقويض المدنيات والحضارات وإهلاك الأمم. ويبدو أن الالفاظ القرآنية قد حسمت القضية، فبالنظر الى التعبيرات القرآنية المختلفة، يتبين انه حيثما وردت لفظة (قرية) تجد الخير أو النزعة نحو الخير، ولذلك وصفت مكة في القرآن الكريم بأم القرى. أما المتأمل في لفظة (مدينة) في القرآن الكريم فيجد أنها تدل على تغير الطبيعة المجتمعية وظهور الصفات المتحورة التي غالبا ما تنزع نحوالدنيا وتبتعد عن الخيرية. فمثلا لم يستعمل التعبير القرآني لفظة (القرى) في قصة سحرة موسى إنما كان التعبير المستعمل هو (المدائن) جمع مدينة (وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم). ومن هنا تدل الالفاظ, في جملة ما تدل عليه, على نوعية المهن التي تتطلبها طبيعة العيش في المدينة والتي تخلو منها القرية, فالسحرة هم من أهل المدائن بالتوصيف القرآني. وفي المجتمعات الحديثة وبالذات المجتمعات الحضرية الحديثة تعاني المدينة من ظهور الحرف التي لم تعهدها البشرية في تاريخها الطويل، إذ تظهر الحرف التي تعتمد النصب للحصول على لقمة العيش دون بذل ادنى مجهود، وتعلو نسب الجريمة والسرقة والسطو، وهي من آفات البيئة الحضرية الحديثة. ونطرح التساؤل للقارئ الكريم مجددا، أهي المدينة أم سكانها؟
( منقول من غير إصلاح الكتابة).


 

14 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
وجوب غض الصوت عند رسول الله حياً وميتاً    ( من قبل 7 أعضاء )    قيّم

غض الصوت :
" إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ" {49/3}
" قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ } أي يخفِضون أصواتهم عنده إذا تكلموا إجلالاً له، أو كلموا غيره بين يديه إجلالاً له. قال أبو هريرة: لما نزلت { لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ } قال أبو بكر رضي الله عنه: والله لا أرفع صوتي إلا كأخي السِّرَار. وذكر سنيد قال: حدثنا عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قال: لما نزلت: { لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قال أبو بكر: والذي بعثك بالحق لا أكلمك بعد هذا إلا كأخي السِّرار. وقال عبد الله بن الزبير: لما نزلت:
 { لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ } ما حدث عمر عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فسمع كلامه حتى يستفهمه مما يخفض؛ فنزلت: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ }. قال الفراء: أي أخلصها للتقوى. وقال الأخفش: أي اختصها للتَّقْوَى. وقال ابن عباس: «ٱمْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى» طهّرهم من كل قبيح، وجعل في قلوبهم الخوف من الله والتقوى. وقال عمر رضي الله عنه: أذهب عن قلوبهم الشهوات. والامتحان افتعال من مَحَنْتُ الأدِيمَ مَحْناً حتى أوسعته. فمعنى ٱمتحن الله قلوبهم للتقوى وسّعها وشرحها للتقوى. وعلى الأقوال المتقدمة: امتحن قلوبهم فأخلصها؛ كقولك: امتحنت الفضة أي اختبرتها حتى خلصت. ففي الكلام حذف يدل عليه الكلام، وهو الإخلاص. وقال أبو عمرو: كل شيء جَهَدته فقد محنته. وأنشد:
أتت رذايَا بادِياً كَلالها
   
قد محنت واضطربت آطالها
{ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }." ( القرطبي).

14 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
متعتك ومتعة زوجك الصلاة ؛ إذ الراحة بها واللهِ.    ( من قبل 6 أعضاء )    قيّم

" وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى" {طه20/132}
"ذِكر الأهل هنا مقابل لذِكر الأزواج في قوله:إلى ما متعنا به أزواجاً منهم }
[طه: 131] فإن من أهل الرجل أزواجَه، أي مِتْعَتُك ومتعةُ أهلك الصلاةُ فلا تلفتوا إلى زَخَارف الدنيا. وأهل الرجل يكونون أمثل من ينتمون إليه.
ومن آثار العمل بهذه الآية في السنّة ما في «صحيح البخاري»:
" أن فاطمة،رضي الله عنها، بلغها أن سبياً جيء به إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فأتت تشتكي إليه ما تلقى من الرحى تسأله خادماً من السبي فلم تجده. فأخبرت عائشةُ بذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فجاءَها النبي، صلى الله عليه وسلم ، وقد أخذت وعليّ مضجعَهما فجلس في جانب الفراش وقال لها ولِعَليّ: «ألا أُخبِركُما بخير لكما مما سألتما تسبّحان وتحمدان وتكبران دُبر كلّ صلاة ثلاثاً وثلاثين فذلك خير لكما من خادم» " . وأمَر الله رسوله بما هو أعظم مما يأمر به أهله وهو أن يصْطبر على
الصلاة. والاصطبار: الانحباس، مطاوع صبره، إذا حبسه، وهو مستعمل مجازاً في إكثاره من الصلاة في النوافل." ( ابن عاشور).
" وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِإِقَامَةِ الصَّلاَةِ فِي أَوْقَاتِهَا، لِتُنْقِذَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ، وَاصْبِرْ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأَدِّها كَامِلَةً حَقَّ أَدَائِها، فَالوَعْظُ بِالفِعْلِ أَشَدُّ أَثَراً مِنْهُ بِالقَوْلِ. وَإِذَا أَقَمْتَ الصَّلاَةَ أَتَاكَ الرِّزْقُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَحْتَسِبُ، وَلَمْ تُكَلّفْ أَنْتَ رِزْقَ نَفْسِكَ. وَكَانَ الأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ أَمْرٌ فَزِعُوا إِلَى الصَّلاَةِ. وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ القُدُسِيِّ: " يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أمَلأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ. وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ مَلأْتُ صَدْرَكَ شُغْلاً، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ " (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ). وَإِنَّ حُسْنَ العَاقِبَةِ - وَهِيَ هُنَا الجَنَّةُ - سَتَكُونُ جَزَاءً لِمَنِ اتَّقَى رَبَّهُ وَأَطَاعَهُ"
( أيسر التفاسير/ أسعد حومد).
* " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم66/6}
" ... وقد ثبت في " صحيح مسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل " وذكر تمام الحديث، فدل على صحة ما قلناه. وقوله: { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلَوٰةِ وَٱلزَّكَـوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } هذا أيضاً من الثناء الجميل والصفة الحميدة، والخلة السديدة، حيث كان مثابراً على طاعة ربه عز وجل، آمراً بها لأهله، كما قال تعالى لرسوله:وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا }[طـه: 132] الآية، وقال:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }[التحريم: 6] أي: مروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر، ولا تدعوهم هملاً؛ فتأكلهم النار يوم القيامة، وقد جاء في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء. رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء " أخرجه أبو داود وابن ماجه. وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا استيقظ الرجل من الليل، وأيقظ امرأته، فصليا ركعتين، كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات " ، رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، واللفظ له."( ابن كثير).

14 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
أم القرى : مكة ، و مَن حولها : سكان العالم.    ( من قبل 7 أعضاء )    قيّم

رسالة عالمية :
" وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ {الشورى42/7}
" يقول تعالى: وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك، { أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً } أي: واضحاً جلياً بيناً { لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } وهي مكة { وَمَنْ حَوْلَهَا } أي: من سائر البلاد شرقاً وغرباً، وسميت مكة أم القرى؛ لأنها أشرف من سائر البلاد؛ لأدلة كثيرة مذكورة في مواضعها، ومن أوجز ذلك وأدله ما قال الإمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب عن الزهري، حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: إن عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري أخبره: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وهو واقف بالحزورة في سوق مكة: " والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت " هكذا رواية الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث الزهري به، وقال الترمذي: حسن صحيح. وقوله عز وجل:
 { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } وهو يوم القيامة، يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد. وقوله تعالى: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي: لا شك في وقوعه، وأنه كائن لا محالة، وقوله جل وعلا: { فَرِيقٌ فِى ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى ٱلسَّعِيرِ } كقوله تعالى:يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ }[التغابن: 9] أي: يغبن أهل الجنة أهل النار، وكقوله عز وجل:إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلأَخِرَةِ ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ }[هود:103 / 105] قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا ليث، حدثني أبو قبيل المعافري عن شفي الأصبحي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان، فقال: " أتدرون ما هذان الكتابان؟ " قلنا: لا، إلا أن تخبرنا يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم للذي في يمينه: " هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وقبائلهم، - ثم أجمل على آخرهم -، لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً " ثم قال صلى الله عليه وسلم للذي في يساره: " هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً " فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأي شيء نعمل إن كان هذا الأمر قد فرغ منه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سددوا وقاربوا؛ فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة، وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار، وإن عمل أي عمل " ثم قال صلى الله عليه وسلم بيده فقبضها، ثم قال: " فرغ ربكم عز وجل من العباد ، ثم قال باليمنى فنبذ بها فقال : فريق في الجنة ، ونبذ باليسرى وقال : فريق في السعير " وهكذا رواه الترمذي والنَّسائي جميعاً عن قتيبة عن الليث بن سعد وبكر بن مضر، كلاهما عن أبي قبيل عن شفي بن ماتع الأصبحي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما به، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، وساقه البغوي في تفسيره من طريق بشر بن بكر عن سعيد بن عثمان عن أبي الزاهرية عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره بنحوه، وعنده زيادات منها: ثم قال: " فريق في الجنة وفريق في السعير عدل من الله عز وجل " ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث به، ورواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي قبيل عن شفي عن رجل من الصحابة رضي الله عنهم، فذكره.
ثم روي عن يونس عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث وحيوة بن شريح عن يحيى بن أبي أسيد: أن أبا فراس حدثه: أنه سمع عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: إن الله تعالى لما خلق آدم نفضه نفض المزود، وأخرج منه كل ذريته، فخرج أمثال النغف، فقبضهم قبضتين، ثم قال: شقي وسعيد، ثم ألقاهما، ثم قبضهما، فقال: فريق في الجنة، وفريق في السعير. وهذا الموقوف أشبه بالصواب، والله سبحانه وتعالى أعلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، يعني: ابن سلمة، أخبرنا الجريري عن أبي نضرة قال: إن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له أبو عبد الله دخل عليه أصحابه، يعني: يزورونه، فوجدوه يبكي، فقالوا له: ما يبكيك؟ ألم يقل لك رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ من شاربك ثم أقره حتى تلقاني، قال: بلى، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" إن الله تعالى قبض بيمينه قبضة، وأخرى باليد الأخرى، قال: هذه لهذه، وهذه لهذه، ولا أبالي " فلا أدري في أي القبضتين أنا؟ وأحاديث القدر في الصحاح والسنن والمسانيد كثيرة جداً، منها حديث علي وابن مسعود وعائشة وجماعة جمة رضي الله عنهم أجمعين. وقوله تبارك وتعالى: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً } أي: إما على الهداية، أو على الضلالة، ولكنه تعالى فاوت بينهم، فهدى من يشاء إلى الحق، وأضل من يشاء عنه، وله الحكمة والحجة البالغة، ولهذا قال عز وجل:
 { وَلَـٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رَحْمَتِهِ وَٱلظَّـٰلِمُونَ مَا لَهُمْ مِّن وَلِىٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }.
وقال ابن جرير حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي سويد: أنه حدثه عن ابن حجيرة أنه بلغه: أن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب خلقك الذين خلقتهم جعلت منهم فريقاً في الجنة، وفريقاً في النار، لو ما أدخلتهم كلهم الجنة، فقال: يا موسى ارفع درعك، فرفع، قال: قد رفعت، قال: ارفع، فرفع، فلم يترك شيئاً، قال: يا رب قد رفعت، قال: ارفع، قال: قد رفعت، إلا ما لا خير فيه، قال: كذلك أدخل خلقي كلهم الجنة، إلا ما لا خير فيه." ( ابن كثير).
 
* " هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" {57/9}
" يقول تعالى ذكره: الله الذي ينزّل على عبده محمد { آياتٍ بَيِّناتٍ } يعني مفصَّلات
{ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ } يقول جلّ ثناؤه: ليخرجكم أيها الناس من ظُلمة الكفر إلى نور الإيمان، ومن الضلالة إلى الهُدى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ } قال: من الضلالة إلى الهدى.
وقوله: { وَإنَّ اللّهَ بِكم لَرَءوفٌ رَحِيمٌ } يقول تعالى ذكره: وإن الله بإنزاله على عبده ما أنزل عليه من الآيات البيِّنات لهدايتكم، وتبصيركم الرشاد، لذو رأفة بكم ورحمة، فمن رأفته ورحمته بكم فعل ذلك"  (الطبري).
" قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } يريد القرآن. وقيل: المعجزات؛ أي لزمكم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لما معه من المعجزات، والقرآنُ أكبرها وأعظمها. { لِّيُخْرِجَكُمْ } أي بالقرآن. وقيل: بالرسول. وقيل: بالدعوة. { مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ } وهو الشرك والكفر { إِلَى ٱلنُّورِ } وهو الإيمان. { وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }." ( القرطبي).

14 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
تنبه ! كل شيء مسجَّل عليك....    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم

كل شيء مسجَّل:
" مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" {50/18}
" رُوي: " أنَّ اللهَ تَعَالَى وَكَّلَ بالإنْسَانِ مَلَكَيْنِ باللَّيلِ، وَمَلَكَيْنِ بالنَّهَار يَحْفَظَانِ عَمَلَهُ، أحَدُهُمَا يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ، وَالثَّانِي يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ، فَإذا تَكَلَّمَ الْعَبْدُ بحَسَنَةٍ كَتَبَهَا الَّذِي عَلَى الْيَمِينِ عَشْراً، وَإذا تَكَلَّمَ بسَيِّئَةٍ قَالَ صَاحِبُ الْيَمِينِ لِلآخَرِ: أنْظِرْهُ، فَنَظَرَهُ سِتَّ سَاعَاتٍ أوْ سَبْعَ سَاعَاتٍ، فَإنْ تَابَ وَاسْتَغْفَرَ لَمْ يَكْتُبْهَا، وَإنْ لَمْ يَتُبْ كَتَبَ عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً " هكذا قال صلى الله عليه وسلم.
وعن أنسٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" وَكَّلَ بعَبْدِهِ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ عَلَيْهِ، فَإذا مَاتَ الْعَبْدُ قَالاَ: يَا رَب قَدْ قَبَضْتَ عَبْدَكَ؛ أفَتَأْذنُ لَنَا أنْ نَصْعَدَ إلَى السَّمَاءِ؟ فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: سَمَائِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ مَلاَئِكَتِي يُسَبحُونَ، فَيَقُولاَنِ: أنُقِيمُ فِي أرْضِكَ؟ فَيَقُولُ: إنَّ أرْضِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ خَلْقِي يَعْبُدُونَنِي، فَيَقُولاَنِ: أيْنَ نَذْهَبُ؟ فَيَقُولُ: قُومَا عَلَى قَبْرِ عَبْدِي وَهَلِّلاَنِي وَكَبرَانِي وَاكْتُبَا ذلِكَ لِعَبْدِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ". (الطبراني).
الحديث: " إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو المسيء، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها ، وإلا كتب واحدة " .
(سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/210).
إنْ كلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ" {الطارق86/4}
" والمعنى: إنْ كلُّ نفسٍ لعَلَيها حافظٌ من الملائكةِ يحفَظُها ويحفظُ عليها عملَها وأجَلَها، حتى إذا انتهَى إلى المقاديرِ كُفَّ عن الحفظِ.
وقرأ الحسنُ وابنِ عامرٍ وعاصم وحمزةُ بالتَّشديد، يعنُون( ما كلُّ نفسٍ إلاَّ عليها حافظٌ)، وهي لغةُ هُذيل، يقولون نَشدتُكَ اللهَ لَمَّا قُلتَ، يعنون إلاَّ قُلتَ، قال ابنُ عبَّاس: ((هُمُ الْحَفَظَةُ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ)). قال الكلبيُّ: ((مَعْنَاهُ حَافِظٌ مِنَ اللهِ يَحْفَظُ قَولَهَا وَفِعْلَهَا)). وعن أبي أُمامة قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
" وُكِّلَ بالْمُؤْمِنِ مِائَةٌ وَسُتُّونَ مَلَكاً يَذُبُّونَ عَنْهُ مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، مِنْ ذلِكَ الْبَصَرُ سَبْعَةُ أمْلاَكٍ يَذُبُّونَ عَنْهُ كَمَا يَذُبُّ الرَّجُلُ الذُّبَابَ عَنْ قَصْعَةِ الْعَسَلِ، وَلَوْ وُكِّلَ الْعَبْدُ إلَى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ لاخْتَطَفَتْهُ الشَّيَاطِينُ ".( الطبراني).
 
غيب مطلق
" تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ" {المسد111/1}
" مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ {111/2}
" في هذه الآية سؤالان هما:
أولاً: لقد كان صلى الله عليه وسلم مع قومه في مكة ملاطفاً حليماً، فكيف جاء به عمه بهذا الدعاء: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ }؟ والجواب: أنه كان يلاطفهم ما دام يطمع في إسلامهم، فلما يئس من ذلك، كان هذا الدعاء في محله، كما وقع من إبراهيم عليه السلام، كان يلاطف أباه
يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ }[مريم: 44]،يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِيۤ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً }[مريم: 43]، فلما يئس منه تبرأ منه كما قال تعالى:فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ }[التوبة: 114].
والسؤال الثاني: وهو مجيء قوله تعالى: { وَتَبَّ } ، بعد قوله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } ، مع أنها كافية سواء كانت إنشاء للدعاء عليه أو إخباراً بوقوع ذلك منه.
والجواب، والله تعالى أعلم، أن الأول لما كان محتملاً الخبر، وقد يمحو الله ما يشاء ويثبت، أو إنشاء وقد لا ينفذ كقوله:
قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ }[عبس: 17]، أو يحمل على الذم فقط، والتقبيح فجاء " وتب " لبيان أنه واقع به لا محالة، وأنه ممن حقت عليهم كلمات ربك لييأس صلى الله عليه وسلم، والمسلمون من إسلامه. وتنقطع الملاطفة معه، والله تعالى أعلم.
وقد وقع ما أخبر الله به، فهو إعجاز القرآن أن وقع ما أخبر به، كما أخبر ولم يتخلف.
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً }[الأنعام: 115]، وقوله:كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }[يونس: 33]. نسأل الله العافية، إنه سميع مجيب." ( الشنقيطي).
* " سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ" {111/3}
" وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ" {111/4}
" أي سيدخلُ أبو لَهب ناراً لا يسكنُ لَهبُها ولا يطفأُ جَمرُها، قرأ أبو رجاء (سَيُصَلَّى) بالتشديد وضمِّ الياء" .( الطبراني).
" فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ" {111/5}
" أي مِمَّا مُسِّدَ أي فَتِلَ، ومنه رجل ممسود الخلق أي مجدوله، وهو ترشيح للمجاز أو تصوير لها بصورة الخطابة التي تحمل الحزمة وتربطها في جيدها تحقيراً لشأنها، أو بياناً لحالها في نار جهنم حيث يكون على ظهرها حزمة من حطب جهنم كالزقوم، والضريع وفي جيدها سلسلة من النار، والظرف في موضع الحال أو الخبر وحبل مرتفع به."
عن النبي صلى الله عليه وسلم
" من قرأ سورة تبت رجوت أن لا يجمع الله بينه وبين أبي لهب في دار واحدة ".( البيضاوي).

14 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
الغيب النسبي    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم

غيب نسبي
" وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ" {الانفطار82/10}
" كِرَامًا كَاتِبِينَ" {82/11}
" معناهُ: وإنَّ عليكم رُقباءَ يحفَظون أعمالَكم وأفعالكم وهم الملائكةُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:
{ كِرَاماً كَاتِبِينَ }؛ أي كِرَاماً على اللهِ كاتِبين يكتُبون أقوالَكم وأفعالَكم، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ أحَدٍ يَأْوي إلَى مَضْجَعِهِ إلاَّ شَكَتْ أعْضَاؤُهُ إلَى اللهِ تَعَالَى مِمَّا يَجْنِي عَلَيْهَا الإنْسَانُ " ، وإنما قالَ كِرَاماً على اللهِ ليكون أدعَى إلى احترامِهم وإلى الامتناعِ عن فعلِ ما يُؤذيهم." ( الطبراني).
" يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ" {82/12}
" في الظاهرِ دون الباطنِ، يعني يعلَمون ما تفعلون دون ما تعتقِدون، قال ابنُ مسعود: " يَكْتُبُونَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الأَنِينَ" ونظيرهُ قولهُ:وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ }[القمر: 53].( الطبراني).
" وأكد الكلام بحرف { إنَّ } ولام الابتداء، لأنهم ينكرون ذلك إنكاراً قويّاً.
و { لحافظين } صفة لمحذوف تقديره: لملائكة حافظين، أي مُحْصين غير مضيعين لشيء من أعمالكم.
وجمع الملائكة باعتبار التوزيع على الناس: وإنما لكل أحد ملكان قال تعالى:

إذ يتلقى المتَلَقِّيانِ عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }[ق: 17، 18]، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن لكل أحد ملكين يحفظان أعماله " وهذا بصريح معناه يفيد أيضاً كفاية عن وقوع الجزاء إذ لولا الجزاء على الأعمال لكان الاعتناء بإحصائها عبثاً.
وأجري على الملائكة الموكّلين بإحصاء أعمالهم أربعةُ أوصاف هي: الحفظ، والكرم، والكتابة، والعلم بما يعلمه الناس.
وابتدىء منها بوصف الحفظ لأنه الغرض الذي سبق لأجله الكلام الذي هو إثبات الجزاء على جميع الأعمال، ثم ذكرت بعده صفات ثلاث بها كمال الحفظ والإِحصاء وفيها تنويهٌ بشأن الملائكة الحافظين. فأما الحفظ: فهو هنا بمعنى الرعاية والمراقبة، وهو بهذا المعنى يتعدى إلى المعمول بحرف الجر، وهو (على) لتضمنه معنى المراقبة. والحفيظ: الرقيب، قال تعالى:
اللَّه حفيظ عليهم }[الشورى: 6]. وهذا الاستعمال هو غير استعمال الحفظ المعدّى إلى المفعول بنفسه فإنه بمعنى الحراسة نحو قوله:يحفظونه من أمر اللَّه }[الرعد: 11]. فالحفظ بهذا الإِطلاق يجمع معنى الرعاية والقيام على ما يوكل إلى الحفيظ، والأمانة على ما يوكل إليه.
وحرف (على) فيه للاستعلاء لتضمنه معنى الرقابة والسلطة.
وأما وصف الكرم فهو النفاسة في النوع كما تقدم في قوله تعالى:
قالت يا أيها الملأ إني ألقيّ إلي كتاب كريم }في سورة النمل (29).
فالكرم صفتهم النفسية الجامعة للكمال في المعاملة وما يصدر عنهم من الأعمال، وأما صفة الكتابة فمراد بها ضبط ما وكّلوا على حفظه ضبطاً لا يتعرض للنسيان ولا للإِجحاف ولا للزيادة، فالكتابة مستعارة لهذا المعنى، على أن حقيقة الكتابة بمعنى الخط غير ممكنة بكيفية مناسبة لأمور الغيب.
وأما صفة العلم بما يفعله الناس فهو الإِحاطة بما يصدر عن الناس من أعمال وما يخطر ببالهم من تفكير مما يراد به عمل خير أو شر وهو الهَم.
و { ما تفعلون } يعم كل شيء يفعله الناس وطريق علم الملائكة بأعمال الناس مما فطر الله عليه الملائكة الموكّلين بذلك.
ودخل في { ما تفعلون }: الخواطر القلبية لأنها من عمل القلب؛ أي العقل فإن الإِنسان يُعمل عقله ويعزم ويتردد، وإن لم يشع في عرف اللغة إطلاق مادة الفعل على الأعمال القلبية.
واعلم أنه ينتزع من هذه الآية أن هذه الصفات الأربع هي عماد الصفات المشروطة في كل من يقوم بعمل للأمة في الإِسلام من الولاة وغيرهم فإنهم حافظون لمصالح ما استحفظوا عليه وأول الحفظ الأمانة وعدم التفريط. فلا بد فيهم من الكرم وهو زكاء الفطرة، أي طهارة النفس.
ومن الضبط فيما يجري على يديه بحيث لا تضيع المصالح العامة ولا الخاصة بأن يكون ما يصدره مكتوباً، أو كالمكتوب مضبوطاً لا يستطاع تغييره، ويمكن لكل من يقوم بذلك العمل بعد القائم به، أو في مغيبه أن يعرف ماذا أجري فيه من الأعمال، وهذا أصل عظيم في وضع الملفات للنوازل والتراتيب، ومنه نشأت دواوين القضاة، ودفاتر الشُّهود، والخِطاب على الرسومِ، وإخراج نسخ الأحْكام والأحباس وعقود النكاح.
ومن إحاطة العلم بما يَتعلق بالأحوال التي تسند إلى المؤتمن عليها بحيث لا يستطيع أحد من المخالطين لوظيفه أن يموّه عليه شيئاً، أو أن يلبس عليه حقيقة بحيث ينتفي عنه الغلط والخطأ في تمييز الأمور بأقصى ما يمكن، ويختلف العلم المطلوب باختلاف الأعمال فيقدم في كل ولاية من هو أعلم بما تقتضيه ولايته من الأعمال وما تتوقف عليه من المواهب والدراية، فليس ما يشترط في القاضي يشترط في أمير الجيش مثلاً، وبمقدار التفاوت في الخصال التي تقتضيها إحدى الولايات يكون ترجيح من تسند إليه الولاية على غيره حرصاً على حفظ مصالح الأمة، فيقدم في كل ولاية من هو أقوى كفاءة لإِتقان أعمالها وأشدّ اضطلاعاً بممارستها.".
( ابن عاشور).

14 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
هذه الآية لم تنف سعي الغير.    ( من قبل 6 أعضاء )    قيّم

لم تنف سعي غيره:
 
" وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى" {53/39}
"وذُكر عن ابن عباس أنه قال: هذه الآية منسوخة.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله { وأنْ لَيْسَ للإنْسانِ إلاَّ ما سَعَى } قال: فأنزل الله بعد هذا
:{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّياتِهِم بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّياتِهِمْ } فأدخل الأبناء بصلاح الآباء الجنة." ( الطبري).
" المراد من الآية بيان ثواب الأعمال الصالحة أو بيان كل عمل، نقول: المشهور أنهما لكل عمل فالخير مثاب عليه، والشر معاقب به. والظاهر أنه لبيان الخيرات يدل عليه اللام في قوله تعالى: { لِلإِنسَـٰنِ } فإن اللام لعود المنافع وعلى لعود المضار تقول: هذا له، وهذا عليه، ويشهد له ويشهد عليه في المنافع والمضار، وللقائل الأول أن يقول:إن الأمرين إذا اجتمعا غلب الأفضل كجموع السلامة تذكر إذا اجتمعت الإناث مع الذكور، وأيضاً يدل عليه قوله تعالى:ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَاء ٱلأَوْفَىٰ }[النجم: 41] والأوفى لا يكون إلا في مقابلة الحسنة، وأما في السيئة فالمثل أو دونه العفو بالكلية....{ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } بصيغة الماضي دون المستقبل لزيادة الحث على السعي في العمل الصالح. وتقريره هو أنه، تعالى، لو قال: ليس للإنسان إلا ما يسعى، تقول النفس إني أصلي غداً كذا ركعة وأتصدق بكذا درهماً، ثم يجعل مثبتاً في صحيفتي الآن لأنه أمر يسعى وله فيه ما يسعى فيه، فقال: ليس له إلا ما قد سعى وحصل وفرغ منه، وأما تسويلات الشيطان وعداته فلا اعتماد عليها" .( الرازي).
" قال الربيع بن أنس: { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } يعني الكافر. وأما المؤمن فله ما سَعَى وما سَعَى له غيره.
قلت: وكثير من الأحاديث يدل على هذا القول، وأن المؤمن يصل إليه ثواب العمل الصالح من غيره، وقد تقدّم كثير منها لمن تأملها، وليس في الصدقة ٱختلاف، كما في صدر كتاب مسلم عن عبد الله بن المبارك. وفي الصحيح:
" إذا مات الإنسان ٱنقطع عمله إلا من ثلاث " وفيه " أو ولد صالح يدعو له " وهذا كله تفضل من الله عز وجل، كما أن زيادة الأضعاف فضل منه؛ كتب لهم بالحسنة الواحدة عشراً إلى سبع مِئة ضِعف إلى ألف ألف حسنة؛ كما قيل لأبي هريرة: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله ليجزي على الحسنة الواحدة ألف ألف حسنة " فقال سمعته يقول: " إن الله ليجزي على الحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة " فهذا تفضل. وطريق العدل { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ }.
قلت: ويحتمل أن يكون قوله: { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } خاص في السيئة؛ بدليل ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" قال الله عز وجل إذا همّ عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة فإن عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبع مِئة ضِعف وإذا همّ بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه فإن عملها كتبتها سيئةً واحدة " وقال أبو بكر الورّاق: { إِلاَّ مَا سَعَىٰ } إلا ما نوى؛ وبيانه قوله صلى الله عليه وسلم: " يُبعث الناس يوم القيامة على نياتهم ""( القرطبي).
" ..وقوله تعالى: { وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ } أي: يوم القيامة؛ كقوله تعالى:
وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [التوبة: 105] أي فيخبركم به، ويجزيكم عليه أتم الجزاء، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وهكذا قال ههنا: { ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ } أي الأوفر." ( ابن كثير).
" ...أخرج أبو داود، والنحاس كلاهما في الناسخ، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عنه قال: { وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَـٰنِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } فأنزل الله بعد ذلك:وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرّيَّتُهُم بِإِيمَـٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ }[الطور: 21]، فأدخل الله الأبناء الجنة بصلاح الآباء". ( الشوكاني).
" { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } أي عمل وهذا في صحف إبراهيم وموسى أيضاً قال ابن عباس هذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة بقوله تعالى:ألحقنا بهم ذريتهم }[الطور: 21] فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء وقيل كان ذلك لقوم إبراهيم وموسى فأما هذه الأمة فلها ما سعوا وما سعى لهم غيرهم لما روي عن ابن عباس " أن امرأة رفعت صبياً لها فقالت يا رسول الله ألهذا حج؟ قال نعم ولك أجراً ". أخرجه مسلم وعنه " أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمي توفيت أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال نعم ".
وفي رواية أن سعد بن عبادة أخا بني سعد وذكر نحوه وأخرجه البخاري وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " إن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال نعم. " أخرجاه في الصحيحين. وفي حديث ابن عباس دليل لمذهب الشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء أن حج الصبي منعقد صحيح يثاب عليه وإن كان لا يجزيه عن حجة الإسلام بل يقع تطوعاً. وقال أبو حنيفة: لا يصح حجه وإنما يكون ذلك تمريناً للعبادة. وفي الحديثين الآخرين دليل على أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصله ثوابها." ( الخازن).
" { وأن ليس للإنسان إِلاّ ما سعى } قال الزجّاج: هذا في صحفهما أيضاً. ومعناه: ليس للإنسان إِلاّ جزاء سعيه، إِن عَمِل خيراً جُزِي عليه خيراً، وإِن عَمِل شَرّاً. جزي شَرّاً. واختلف العلماء في هذه الآية على ثمانية أقوال.
أحدها: أنها منسوخة بقوله:
وأَتْبَعْناهم ذُرِّياتِهم بإيمان }[الطور: 21] فأُدخل الأبناء الجَنَّة بصلاح الآباء، قاله ابن عباس، ولا يصح، لأن لفظ الآيتين لفظ خبر، والأخبار لا تُنْسَخ.
والثاني: أن ذلك كان لقوم إبراهيم وموسى، وأما هذه الأمَّة فلهم ما سَعَوا وما سعى غيرُهم، قاله عكرمة، واستدل
" بقول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي سألته: إنَّ أبي مات ولم يحُجَّ، فقال: «حُجِّي عنه» ".
 والثالث: أن المراد بالإنسان هاهنا: الكافر، فأمّا المؤمن، فله ما سعى وما سُعي له، قاله الربيع بن أنس.
والرابع: أنه ليس للإنسان إلاّ ما سعى من طريق العدل، فأمّا مِنْ باب الفَضْل، فجائز أن يَزيده اللهُ عز وجل ما يشاء، قاله الحسين بن الفضل.
والخامس: أن معنى «ما سعى» ما نوى، قاله أبو بكر الورّاق.
والسادس: ليس للكافر من الخير إلا ما عمله في الدُّنيا، فيُثاب عليه فيها حتى لا
يبقى له في الآخرة خير، ذكره الثعلبي.
والسابع: أن اللام بمعنى «على» فتقديره: ليس على الإنسان إلا ما سعى.
والثامن: أنه ليس له إلاّ سعيه، غير أن الأسباب مختلفة، فتارة يكون سعيه في تحصيل قرابة وولد يترحم عليه وصديق، وتارة يسعى في خِدمة الدِّين والعبادة، فيكتسب محبة أهل الدِّين، فيكون ذلك سبباً حصل بسعيه، حكى القولين شيخنا علي ابن عبيد الله الزاغوني." ( ابن الجوزي).
" قال ابن عطية: الجمهور أنّ قوله: { وأن ليس للإِنسان إِلا ما سعى } مُحْكَمٌ لا نسخ فيه، وهو لفظ عام مخصّص. هـ يعني: أن المراد: الكافر، وهكذا استقرئ من لفظ " الإنسان " في القرآن، وأما المؤمن فجاءت نصوص تقتضي انتفاعه بعمل غيره، إذا وهب له من صدقة ودعاء وشفاعة واستغفار، ونحو ذلك، وإلاَّ لم يكن فائدة لمشروعية ذلك، فيتصور التخصيص في لفظ " الإنسان ": وفي السعي، بأن يخص الإنسان بالكافر، أو السعي بالصلاة، ونحو ذلك مما لا يقبل النيابة مثلاً. والحاصل: أن الإيمان سعي يستتبع الانتفاع بسعي الغير، بخلاف من ليس له الإيمان. هـ قاله الفاسي: وكان عز الدين[ العز بن عبد السلام] يحتج بهذه الآية في عدم وصول ثواب القراءة للميت، فلما مات رؤي في النوم، فقال: وجدنا الأمر خلاف ذلك.
قلت: أما في الأجور فيحصل الانتفاع بسعي الغير، إن نواه له، وأما في رفع الستور، وكشف الحجب، والترقي إلى مقام المقربين، فالآية صريحة فيه، لا تخصيص فيها؛ إذ ليس للإنسان من حلاوة المشاهدة والقُرب إلا بقدْر ما سعى من المجاهدة. والله تعالى أعلم." ( ابن عجيبة).
" { وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَـٰنِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } بـيانٌ لعدمِ انتفاعِ الإنسانِ بعملِ غيرِه من حيثُ جلبُ النفعِ إليهِ إثرَ بـيانِ عدمِ انتفاعِه بهِ منْ حيثُ دفعُ الضررِ عنْهُ، وأما شفاعةُ الأنبـياءِ عليهم السَّلامُ واستغفارُ الملائكةِ عليهم السَّلامُ ودعاءُ الأحياءِ للأمواتِ وصدقتُهم عنُهم وغيرُ ذلكَ ممَّا لا يكادُ يُحصَى من الأمورِ النافعةِ للإنسانِ مع أنَّها ليستْ من عملِه قطعاً فحيثُ كان مناطُ منفعةِ كلِّ منهَا عمله الذي هو الإيمانُ والصَّلاحُ ولم يكن لشيءٍ منها نفعٌ مَا بدونِه جُعل النافعُ نفسَ عملِه وإنْ كان بانضمامِ عملِ غيرِه إليهِ" ( أبو السعود).
"... وقد جاءت آية من كتاب الله تدل على أن الإنسان قد ينتفع بسعي غيره وهي قوله تعالىوَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ }[الطور: 21].
ووجه الجمع بين قوله تعالى: { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } وبين قوله:
{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ } من ثلاثة أوجه:
الأول: أن الآية إنما دلت على نفي ملك الإنسان لغير سعيه، ولم تدل على نفي انتفاعه بسعي غيره، لأنه لم يقل: وأن لن ينتفع الإنسان إلا بما سعى، وإنما قال وأن ليس للإنسان، وبين الأمرين فرق ظاهر، لأن سعي الغير ملك لساعيه إن شاء بذله لغيره فانتفع به ذلك الغير، وإن شاء أبقاه لنفسه.
وقد أجمع العلماء على انتفاع الميت بالصلاة عليه والدعاء له والحج عنه ونحو ذلك ما ثبت الانتفاع بعمل الغير فيه.
الثاني: أن إيمان الذرية هو السبب الأكبر في رفع درجاتهم، إذ لو كانوا كفاراً لما حصل لهم ذلك. فإيمان العبد وطاعته سعي منه في انتفاعه بعمل غيره من المسلمين، كما وقع في الصلاة في الجماعة، فإن صلاة بعضهم مع بعض يتضاعف بها الأجر زيادة على صلاته منفرداً، وتلك المضاعفة انتفاع بعمل الغير سعى فيه المصلي بإيمانه وصلاته في االجماعة، وهذا الوجه يشير إليه قوله تعالى:
{ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ }.
الثالث: أن السعي الذي حصل به رفع درجات الأولاد ليس للأولاد كما هو نص قوله تعالى: { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [النجم: 39] ولكن من سعي الآباء فهو سعي للآباء أقر الله عيونهم بسببه، بأن رفع إليهم أولادهم ليتمتعوا في الجنة برؤيتهم.
فالآية تصدق الأخرى ولا تنافيها، لأن المقصود بالرفع إكرام الآباء لا الأولاد، فانتفاع الأولاد تبع فهو بالنسبة إليهم تفضل من الله عليهم بما ليس لهم، كما تفضل بذلك على الولدان والحور العين، والخلق الذين ينشؤهم للجنة. والعلم عند الله تعالى. اهـ منه." ( الشنقيطي).

14 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
فكرة التمكين ، وتمكين الفكرة    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم

 
 
 

فكرة التمكين وتمكين الفكرة


الفكرة هي الصورة الذهنية لأمر ما والفكر اسمى صور العمل الذهني بما فيه من تحليل وتركيب وتنسيق، وأية فكرة يُراد لها أن تنجح لابد أن تكون ممكنة في نفوس أصحابها، فهم يؤمنون بها ويسعون لتنفيذها ويجتهدون ويأخذون بالأسباب لتمكينها، ويعرف المرء بصدقه وإخلاصه من خلال سعيه، وهذا هو الفرق بين أصحاب العقائد السليمة الصحيحة وتجار الشعارات الزائفة البراقة، فكم من إنسان يتفوه بكلام جميل ولم يسع لتنفيذه وليس له رصيد في عالم الواقع!
 
  هذا بشأن أية فكرة، فما بالك لو كان السعي لتمكين العقيدة والسعي لجعل لا إله إلا الله منهج حياة؛ فسيرة النبي صلى الله عليه وسلم مليئة بالجواهر والصور العملية، فهل تذكرنا المؤاخاة على سبيل المثال التي أرسى قواعدها النبي صلى الله عليه وسلم ـ والتي لم تشهد لها الإنسانية والبشرية مثيلًا ـ هل تمعنا وتأملنا وتصورنا ما قام به الأنصاري وقد اقتسم أمواله مع المهاجري وأخذ يعرض عليه أن يختار إحدى نسائه ليطلقها له الأنصاري ويتزوجها المهاجري.
 
  فعلينا أن نأخذ هذه الصور بكل جوانبها فهم أناس أدركوا معني لا إله إلا الله كمنهج حياة وفهموا معني العبودية لله؛ فعاشوا قول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وأدركوا حقيقة الحياة ووظيفتهم في الدنيا، وعملوا لتحديد مصيرهم في الآخرة، فتمكنت العقيدة من قلوبهم وأخضعت جوارحهم لشرع الله، فدانوا لله بقلوبهم وسلوكهم فتصرفوا بتلقائية، وأدركوا أن التمكين لدين الله لن يأتِ إلا بالتضحية بالمال والنفس.
 
  فلا ينبغي أن نفهم أن هذا العمل "المؤاخاة" انطلق من خلال الكرم والإيثار ومساعدة الغير فحسب؛ بل الفهم والتصور أشمل وأعم، وينم عن منظومة عقائدية فكرية منهجية واعية، هل قرأنا عن تمكن وتمكين العقيدة في نفوس المؤمنين أثناء الاستضعاف في مكة؟ فترى ضعفًا في البنيان والصحة والجسد، وقوة في العقيدة والفهم والفكر والتصور، وقوة العقيدة أوجدت استعلاءً إيمانيًّا لم يتأثر هذا الاستعلاء بالضعف الجسدي والمادي؛ بل لم يضعف في تصوره وفكره؛ بل لم يبالِ هذا الاستعلاء الإيماني بالظروف المحيطة به المكبلة له، والاستعلاء ناتج عن عقيدة صحيحة أدت إلى فهم وشعور وإحساس وسلوك يستشعر به المؤمن المستضعف عظمة الإسلام، ويرى أن المستقبل والريادة لهذا الدين رغم إحكام وغطرسة الظالمين. 
  هذا الاستعلاء لا يورث التكبر والتعالي على العباد؛ بل هذا اليقين بغلبة هذا الدين تجعل النفس المؤمنة نفس واثقة متواضعة متمنية لكل الناس أن يدخلوا في دين الله مشفقة عليهم من عذاب الله، ترى هذا الاستعلاء واضحًا جليًّا في سلوك ورد فعل بلال على معذبيه وجلاديه بالصدع وترديد: (أحد أحد)، وترى أبا بكر يشتري العبيد الذين أسلموا ويعتقهم ليكثر من عدد السادة المؤمنين ويقلل من عدد العبيد المؤمنين.
  أخي المتأمل أخي الواعي الراصد الجيد لا تنظر إلى هذا العمل والفعل من الجانب الثوابي فقط، ألست معي أن هذا الفعل صورة من صور التمكين وسط خضم وركام الاستضعاف؟! ألست معي أن هذه الجيل الفريد أدرك حقيقة الإسلام وقام بتفعيل الإسلام قولًا وعملًا؟! هل تعلمنا من هذه الدروس وقمنا بتنفيذها؟! أم أننا ما زلنا في طور التعريف والتنظير، والكلام والتأهيل والتعليم، لا نقلل من قدر التعليم وأهميته؟!
  لماذا لا نسعى لإنشاء مجتمع أخوي فاهم واعٍ بدينه في كل حي وكل مركز حسب الاستطاعة، أو حتى داخل المسجد، مجتمع يحكم ويتحاكم لشرع الله فيما بينه؟   هذا المجتمع له عاداته وله تقاليده، يسعى لحل مشاكله ولا يصتدم مع المجتمع فيقع على عاتق ومسئولية أغنيائه تزويج فقرائه وينشئ أغنياؤه مشاريع يعمل فيها فقراء هذا المجتمع، ويتم حصر العانس من بنات هذا المجتمع وتحل مشكلة العنوسة؛ كل هذا على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، وهذا السعي ليس من خلال باب الصدقات أو المساعدات فحسب ولكن من خلال التصور الصحيح لمعنى لا إله إلا الله؛ فنرى التعايش والتكافل الاجتماعي من خلال الفهم الصحيح والسليم، ولا نراه بعين الأعمال الخيرية فقط.   نراه مكتمل الأركان ونراه بصورة واجبة على أبنائه، نراه نموذجًا حيًّا يؤكد ويبرهن على عظمة النموذج الإسلامي لأبنائه، ويبهر الآخرين فيدخلون في دين الله التزامًا، أم أننا سنظل نحاضر ونحاضر ونرى فينا ومنا شبابًا لا يستطيع أن يعف نفسه؟!   
  وفي المقابل ونقولها بصراحة ووضوح، نرى فينا ومنا أناسًا يركبون سيارات فارهة بصورة كبيرة لو كانت أقل موديلًا لزوج الفرق العديد من الشباب، نعيب على العلمانية التفاوت الطبقي ونرى في أنفسنا ومنا تفاوتًا طبقيًّا صارخًا؟!
 
 أي نعم الأمر لا يخلو ولن يخلو من بعض أعمال الخير، ولكن شتان بين التصورين؛ إنفاق الصدقات المجزأة التي تستجدي وتدفع على استحياء، وتصور إيجاد نموذج إسلامي واقعي جعل من لا إله إلا الله منهج حياة، نموذج تدرب أبناؤه عمليًّا على البذل والعطاء، نموذج أوجد نفسه وسط العلمانية فانتزع انبهار المعارضين له رغم أنوفهم.
 
   والسؤال الذي يجب أن يطرح بقوة، هل العلمانية أرحم بأبنائها؟! والإسلام عاجز عن إيجاد رحمة لأبنائه وبأ بنائه؟!
 
   الإجابة معروفة للجميع، إن الإشكال لا يوجد في الإسلام كعقيدة وكمنهج وكفكر، ولكن الإشكالية في مطبقية ومنفذيه؛ بل بعض الداعين إليه، الأمر يحتاج إلى فهم ووعي وتصور صحيح وحكمة.
 
   العلمانية أنشأت مجتمعًا وأوجدت منظومة متكاملة، فعلى سبيل المثال أوجدت بنوكًا يسطتيع المحتاج أو صاحب المشروع الذي يملك ضمانات أن يقترض؛ بل ما يحزنك من نفسك وعلى نفسك أن تبتكر هذه المجتمعات العلمانية حلولًا وندعي نحن أصحاب الفهم والوعي الإسلامي عجزًا؟!
 
  في ظل هذا المجتمع العلماني على سبيل المثال؛ إذا تأزمت الأوضاع المالية لفرد ما واستدان عمل عرسًا أو ختانًا ولو كاذبًا ودعى الناس إليه وأتى بالراقصين والراقصات، وفتح باب ما يُسمى بالنقطة "المساهمة بالنقود"، وفي نهاية عرسه يجمع العديد من الآلاف فيسدد دينه وتفك أزمته، وقد باعد هذا العمل بينه وبين السجن.
 
  أنا لا أنبهر بالمعصية؛ فالمعصية معصية ولن ارتضي لحلول المعاصي، ولكن أتضايق حينما لا نحاول أن نجد حلولًا منهجية لمشاكلنا، ولا تفعيلًا لأفكارنا، ولا واقعًا لما نطرحه.
  لماذا لا يحرص العديد من الملتزمين على حضور عرس الأخ الفقير؟ فلو اجتمع ألف فرد وساهم كل فرد بعشرين جنيه "هدية لاترد" لتمكن هذا الأخ الفقير من سداد دينه ليلة عرسه؛ فزاد هذا العمل من سعادته، ولكن للأسف الشديد يحرص الآلاف من الملتزمين لحضور عرس ابن أو بنت الأخ الداعية أو الأخ الغني!
 
  والفقير فقير في كل أحواله، وحتى نكون منصفين تأتيه بعض المساعدات التي تزيد من عرق جبينه وتزيد من ضعفه النفسي الداخلي، وهي تأتيه تحت عنوان "تهادوا تحابوا".
 
  فهل أدركنا الفرق بين الأمرين؟! هل آن لنا أن نضع التصور العملي لإنشاء نموذج إسلامي عملي يضاهي ما تفعله العلمانية على الأقل ولكن بأسلوب شرعي؟! أم أننا نتعامل بتجزئة الشرع وكأننا لا نملك منهجية لعمارة الدنيا وإصلاحها، وتكون المساعدات علي استحياء، وفي ظروف ضرورية ملحة فاضحة، فلا نساعد إلا من دخل غرفة الإنعاش أو احتاج غسيل كلوي، أو أصيب بسرطان؟! أي أننا نساعد من هم في نهاية المطاف والراحلين عنا، وكأننا نريد أن نكسب رضاهم وهم راحلين، ولم نسعَ لمعرفة وحل مشاكلهم وهم أحياء، كواجب علينا أو من خلال فهمنا لـ"لا إله إلا الله" كمنهج حياة.
 
  ومن الأشياء الملفتة؛ نجد إعلانًا في بعض المساجد "يوجد كفن بالمجان"، ولا نقرأ "يوجد عندنا عمل للأحياء"، وهل الذي مات ولم نسمع عن حياته أو عن مأساته إلا من خلال طلب واستجداء ورثته لكفنه؟ ألا يدل ذلك على جرمنا نحن الأحياء في حق هذا الراحل عنا في حياته؟ ألا يعد هذا الطلب وثيقة إدانة لنا تشعرنا بالخجل وتأنيب الضمير؟
 
  وهذا يدفعنا إلى سؤال آخر؛ ما مفهوم الدعوة عندنا؟ أليست الدروس والمحاضرات والمناظرات ما هي إلا وسائل لإنشاء مجتمع مسلم بحق يسعد أبناؤه في الدنيا والآخرة؟ فهل آن لنا أن نثبت لأنفسنا بداية ولغيرنا عظمة ديننا كمنهج حياة أم أننا سنظل ننتظر الخليفة المرتقب أو المهدي المنتظر؟!
 
   وأختم مقالي بكلمات للأستاذ سيد قطب رحمه الله: لقد انتصر الرسول صلى الله عليه وسلم (يوم أن صنع من أصحابه رضي الله عنهم صورًا حية من إيمانه، تأكل الطعام وتمشي في الأسواق، يوم أن صاغ من كل منهم قرآنًا حيًّا يدب على الأرض، يوم أن جعل من كل فرد نموذجًا مجسمًا للإسلام يراه الناس فيرون الإسلام، إن النصوص وحدها لا تصنع شيئًا، وإن المبادئ وحدها لا تعيش إلا أن تكون سلوكًا، ومن ثَم جعل الرسول صلى الله عليه وسلم هدفه الأول أن يصنع رجالًا لا أن يلقي مواعظ، وأن يصوغ ضمائر لا أن يدبج خطبًا. وأن يبني أمة لا أن يقيم فلسفة، أما الفكرة ذاتها فقد تكفل بها القرآن، وكان عمل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُحَوِّل الفكرة المجردة إلى رجال تلمسهم الأيدي، وتراهم العيون لقد انتصر الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أن صاغ من الإسلام شخوصًا، وحول إيمانهم بالإسلام عملًا، وطبع من المصحف عشرات من النسخ ثم مئات وألوفًا؛ ولكن لم يطبعها بالمداد على صحائف الورق، وإنما طبعها بالنور على صحائف من القلوب، وأطلقها تعامل الناس وتأخذ منهم وتعطي وتقول بالفعل والعمل، ما هو الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم) [من كتاب دراسات إسلامية، سيد قطب، بتصرف]، فهل أدركنا التصور الصحيح وسعينا لتنفيذه؟!
 
 
 

14 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
الدعاء العبادة    ( من قبل 7 أعضاء )    قيّم

 
يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله إلا أنت رُدَّ لنا الأقصى ، واحفظ شعب فلسطين من شياطين الإنس.... آمين.
 
إخوتي الأحبة : هذا هو الهم الإسلامي.... اجتماع القلوب...... الكلمة الواحدة..... القوة.... الصلاة..... الزكاة.... الالتجاء إلى رب الأرباب : كن فيكون..... جنود لا نراها تُخيف اليهود ، وتُرهبهم..... أليس الله بقادرٍ على أن يردّ لنا أقصانا ، ويعيش الفلسطينيون حياة كريمة.....؟ بلى ربُّنا - لا إله إلا هو - قادرٌ ، وثقتنا بك يا مولانا عظيمة..... اللهم كما غرتَ على الكعبة ، فأرسلتَ على الأوباش طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلتهم كعصف مأكول..... فندعوك يا قادر، يا منتقم ، يا قهار ، يا جبار أن تُرينا غَيرتَك على المسجد الأقصى..... آمين.آمين.آمين.

14 - أغسطس - 2010
بارك الله لكم في رمضان
 242  243  244  245  246