حول ابن شداد - 2 كن أول من يقيّم
رأي الوراق :     
هذا ولم يفُد المؤرّخون المتأخّرون كثيراً من كتاب ابن شدَّاد، باستثناء الأقسام المتعلّقة بالشام وبدمشق بصفة خاصّة، والتي اجتذبت اهتمام جميع من عالجوا الكتابة في أمثال هذه الموضوعات. وتُعدّ مادّة ابن شدَّاد في تاريخ دمشق وخططها من أكمل ما قدَّمه عصره، وقد تردّد صدى ذلك عند جميع المؤلفين الذين كتبوا عن فضائل دمشق في العصور التالية له. وتنبغي الإشارة هنا إلى أن ابن شدّاد اعتمد عند تفصيله لخطط دمشق (طبوغرافيتها) وفضائلها على كتاب مؤرّخ دمشق الكبير الحافظ ابن عساكر، رائد هذا الأسلوب التاريخي في القرن السادس الهجري، وزاد عليه ما استجدّ في عصره. ومما يزيد في أهمية ابن شدّاد أنه يكاد يكون الممثّل الأخير للجغرافية التاريخيّة على الأساس الإقليمي الذي درس الشام في وحدة عضويّة مع أرض الجزيرة. وأما القسم المتعلّق بدمشق من كتاب »الأعلاق الخطيرة« فقد أدرجه ابن شدّاد على عشرة أبواب هي: 1- في ذكر اشتقاق اسمها. 2- في ذكر من بناها وعدّة أبوابها وقلعتها. 3- في ذكر مسجدها الجامع. 4- في ذكر مساجد دمشق وعدّتها. 5- في ذكر المزارات بها بباطنها وظاهرها. 6- في ذكر الخوانق والرُّبُط بباطنها وظاهرها. 7- في ذكر المدارس. 8- في ذكر ما بدمشق وظاهرها من الكنائس والأعمار. 9- في ذكر الحمّامات بباطن دمشق وظاهرها. 10- في ذكر فضلها وما مُدحت به نثراً ونظماً. * * * هذا وقد لفت كتاب الأعلاق انتباه كثير من البحّاثين المستشرقين والعرب، فأشاروا إليه في أبحاثهم ونوّهوا به ونشروا منه قطعاً غير كاملة، ومنهم المستشرق السويسري أمدروز H. F. Amedroz، والباحث الدمشقي حبيب الزيّات، والأب شارل لُدِي Ch. Ledit، والمستشرق الفرنسي كلود كاهن C. Cahen، والمستشرق الفرنسي الشهير جان سوڤاجيه J. Sauvaget. غير أن أول من بدأ بنشر الكتاب بشكل منهجي ومحقَّق كان المستشرق الفرنسي دومينيك سُورديل D. Sourdel الذي نشر القسم الأول من الجزء الأول من الأعلاق، وهو المخصَّص لتاريخ مدينة حلب، وصدر عن منشورات المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق عام 1953. ثم تلاه الدكتور سامي الدهّان بتحقيق الجزء الثاني من الكتاب، المختص بتاريخ مدينة دمشق، ونشره المعهد الفرنسي بدمشق في قسمين، الأول منهما عام 1956 والثاني عام 1964. ثم قام بتحقيق الجزء الثالث منه، وهو الخاص بتاريخ الجزيرة والموصل، الأستاذ يحيى عبّارة، وصدر بقسمين عن مطبوعات وزارة الثقافة بدمشق عام 1978. وأخيراً أعاد الأستاذ عبّارة نشر الجزء الأول من الكتاب بقسميه، ضمن منشورات الوزارة عام 1991. وختاماً، لا نرى من ضرورة لإعادة التأكيد على أهميّة »الأعلاق الخطيرة« كواحد من أهم مصادر التأريخ العمراني لمدينة دمشق في العصور الإسلاميّة الوسيطة. وجُلّ ما يتبقّى الإشارة إليه أن القسم المختص بخطط مدينة دمشق، وهو القسم الأول من الجزء الثاني من الأعلاق، يمثّل كتاباً مستقلاً كبير الحجم، فقد بلغت نشرة سامي الدهّان له 473 صفحة من القطع المتوسط، بما في ذلك مقدّمة التحقيق والفهارس العلمية. ونظراً لذلك، فقد اكتفيتُ هنا بمجرّد الإشارة إلى ابن شدّاد وكتابه، من غير أن أعمد إلى النقل منه لضخامة مادته، وهو أصلاً من المؤلّفات البلدانية لا الجغرافية العامّة. وأُحيل القارئ إلى نصّه الكامل في الكتاب المذكور. المصــادر: الأعلاق الخطيرة لابن شدّاد، جزء 1، مقدّمة سُورديل بالفرنسية. الأعلاق الخطيرة لابن شدّاد، جزء 2، مقدّمة سامي الدهّان. الأعلاق الخطيرة لابن شدّاد، جزء 3، مقدّمة يحيى عبّارة. البداية والنهاية لابن كثير، 13: 305. مرآة الجنان لليافعي، 4: 201. تاريخ الأدب الجغرافي العربي لكراتشكوڤسكي، 1: 369. دائرة المعارف، بإدارة فؤاد أفرام البستاني، 3: 255. |