البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات أحمد إيبش

 23  24  25 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
نص الرحلة - 12    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

واستقبل المملوك بعد ذلك بلاد الشّام، فبئس الحال وبئس الاستقبال، فوالرّحمن ما وصل بها إلى مكان إلاّ وجده قد وقعت فيه الواقعة واشتدّ القتال، وحصدوا سُنبل الرّشاد فدرست فلا أعيد لمعيد حربهم دروس، وأداروا رحى الحرب بقلوب كلأحجار فطحنت عند ذلك الرؤوس، وأنشد لسان الحال:
مـن كـلّ عادٍ كعادٍ في iiتجبّره مـن فوق ذات عمادٍ شادها iiإرَمُ
لا يُجمعون على غير الحرام إذا تجمّعوا كحباب الرّاح iiوانتظموا
 
وانتهت الغاية بالمملوك إلى أنه شلح بقرب (الكسوة)([1]) في الشتاء، وانتظرتُ ملك الموت وقد أمسيتُ:
لـي مُهجة في النازعات iiوعبرةٌ في المرسلاتِ وفكرة في هل أتى
 
هذا، والليلُ قد انطفأت مصابيح أنواره وعَسْعَس، حتى أيقنتُ بموت الصُّبح وقلتُ لو كان في قيد الحياة تنفَّس. فذهب المملوك وقد تزوّد عند قسم الغنيمة بسهم فجرح ولم يجد له تعديلا، ولكنه صبر على الألم بعد ما كاد يدمي من الوهم ولم يلق له مجيرا، لمّا قوي ألمه وضعف منه الحيل، إلاّ أنه دخل تحت ذيل الليل، فوصل إلى البلد وقد ودّ يومه لو تبدّل بالأمس، ولم يَسلم له في رقعة الحرب غير الفرس والنّفس، ولكنه أنشد:
ما تفعلُ الأعداءُ في جاهلٍ ما  يفعلُ الجاهلُ في iiنَفْسِه
 
فأعاذ الله مولانا وبلاده من هذه القيامة القائمة، وبدأ به في الدنيا ببراعة الأمن، وفي الآخرة بحُسن الخاتمة.
(ثمرات الأوراق، 381-395)
 
*  *  *


([1]) قرية معروفة (صارت بلدة)، إلى الجنوب من دمشق على طريق حوران.

9 - نوفمبر - 2008
يوم أحرقت دمشق
ابن صصرى    كن أول من يقيّم

أخي الحبيب زهير:
لك جزيل الشكر والامتنان، وعميق تحياتي وشكري للأستاذ محمّد الشحّي، جعل الله نهاركما مباركاً.
بخصوص نصّ ابن صصرى، سأفعل إن شاء الله غداً.
إنما بصراحة فاجأتني كثيراً بخصوص المواد التي تذكرها عن ابن شدّاد، فهل تعني أنها أشياء غير ما ذكره في كتابه الكبير "الأعلاق الخطيرة"؟ هذه تكون مفاجأة كبيرة جداً!
الواقع أنني ذكرت في مقدّمتي على كتابي "دمشق في مرآة رحلات القرون الوسطى" (قيد النشر في المطبعة الآن) أنني استثنيت من مختارات الرحالين التي جمعتها جميع الأسفار البلدانية المختصة بدمشق، كنصوص ابن عساكر وابن شدّاد وابن زُفر الإربلي وابن طولون الصالحي. اقتصرت في الجمع على نصوص الرحلات والأدب الجغرافي. حتى أنني ذكرت نص ابن شدّاد واستعرضته بسرعه، دون إمكانية تقديمه مع النصوص المجموعة، لأنه يبلغ مجلداً كبيراً.
أجدد شكري وتحياتي، وإلى لقاء قريب.

9 - نوفمبر - 2008
يوم أحرقت دمشق
حول ابن شدّاد    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

 
 
عزّ الدّين ابن شَدّاد
(توفي 684 هـ / 1285 م)
 
أبو عبد الله محمد بن علي بن إبراهيم الحلبي، عزّ الدين بن شدّاد، وهو غير كاتب سيرة النّاصر صلاح الدين الأيوبي بهاء الدين ابن شدّاد، الذي سبق مؤلفنا بقرن من الزمان.  وأصل عزّ الدين من حلب، ولد بها عام 613 هـ وشغل منذ مطلع شبابه مناصب إدارية لدى الأيوبيين وكان يُعدّ خبيراً في شؤون الميزانية والمالية، الأمر الذي ينعكس بجلاء في كتابه. وعاش الرّجل في أزمنة خطيرة، وشارك في أحداث عصره فأسهم في الجهاد ضد زحف المغول، ثم في عام 658 هـ عندما استولت جحافل المغول على حلب هاجر عزّ الدين إلى القاهرة حيث عاش في كنف السّلطان الظاهر بَيْيَرس والسّلطان قلاوون. وفي عام 676 هـ تمكّن من زيارة دمشق، لكنه لم يلبث أن عاد إلى القاهرة وتوفي بها عام 684 هـ.
وترجع شهرة ابن شدَّاد كمؤرّخ إلى مصنَّفه الأكبر الذي يحمل اسم »الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة«، وهذه التسمية لا تعبّر بدقّة عن فحوى الكتاب، فهو لا يقتصر على تاريخ هاتين المنطقتين، بل يُمثّل في الواقع دراسات مستقلّة ذات طابع تاريخي جغرافي لمقاطعات ومدن مختلفة، الأمر الذي يُذكّرنا بنمط الخطط المصريّة. وفي الجزء الأول بسط منهجه في كتابه مفصّلاً، وصرّح حيناً بمصادره وأغفل ذكرها أحياناً، فمنها مؤلّفات ابن الأثير وابن العديم وابن أبي طيّ وابن الأزرق وابن عبد الرّحيم وابن القلانسي والعظيمي وأسامة ابن مُنقذ وابن زُرَيْق وابن عساكر، وغيرهم.
هذا وقد بدأ ابن شدَّاد بتأليف الكتاب وهو بمصر، وهو أشبه بخلاصة للوضع في العالم العربي شرقي البحر الأبيض المتوسط قبل تحرّكات المغول التي تكاثفت في خاتمة القرن السابع الهجري بقيادة قازان. وقد أتم ابن شدّاد الجزء الأول الذي أفرده لشمالي الشام في عام 673 هـ، أما الثاني المفرد لجنوبي الشام فقد أتمّه عام 674 هـ، بينما أنهى الجزء الثالث الخاص بالجزيرة في عام 675 هـ، وبشكل عام تمت مسوّدات الكتاب النهائية عام 679 هـ، وأمضى في تأليفه عشرة أعوام بين 671-680 هـ.
ويشتمل الجزء الأول من الكتاب على ثلاثة أقسام، يتناول الأول منها الكلام على منطقة حلب، بينما يختصّ الثاني بقنّسرين والثّغور وحمص، أما القسم الثالث الخاص بأمراء حلب فهو مفقود. وينقسم الجزء الثاني من الكتاب إلى عدد مماثل من الأقسام، فالقسم الأول منه مخصّص لدمشق، والثاني لمدن الشام الجنوبية وفلسطين، أما الثالث المفرد لأمراء دمشق فهو أيضاً مفقود. والجزء الثالث المكرّس للجزيرة ينقسم بدوره أيضاً إلى ثلاثة أقسام، وفقاً لمناطق ديار مضر وديار ربيعة وديار بكر، مع وصف لأهم المدن التابعة لكل منطقة.
ومُطالعة الكتاب تفي بإعطاء صورة واضحة تماماً حول حياة مُدن هذه الأقاليم، وتفصيل منشآتها المدنية والعمرانية، مع أوصاف معمارية وافية.
هذا التقسيم المذكور، وإن كان في جوهره متعدّد الجوانب، يغلب عليه الطابع التاريخي الجغرافي. ومن مزاياه أن مصادره متنوّعه وقيّمة للغاية، وهو يفيدنا بالتعرّف على مؤلفات كثيرة لم تصلنا، غير أن الغريب أنه لم يُشر أبداً إلى مُعجم البلدان لياقوت الشهير والمتداول في عصره، ويرى المستشرق الرّوسي كراتشكوڤسكي أن مردّ ذلك فيما يبدو كان عدم معرفته بالكتاب. لكنّني أرى أن ذلك من غير المحتمل، ولعل سبباً آخر ثناه عن النقل منه أو الإشارة إليه. وتجدر الملاحظة أن ابن شدّاد كان حتى عام 629 هـ يعتمد اعتماداً كليّاً على رواية الغير، ولكن ابتداءً من ذلك التاريخ أخذ يبدو على عرضه طابع الأصالة التامّة الذي يعكس بجدارة اتساع تجريته وملاحظته الشخصية.

12 - نوفمبر - 2008
يوم أحرقت دمشق
حول ابن شداد - 2    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

هذا ولم يفُد المؤرّخون المتأخّرون كثيراً من كتاب ابن شدَّاد، باستثناء الأقسام المتعلّقة بالشام وبدمشق بصفة خاصّة، والتي اجتذبت اهتمام جميع من عالجوا الكتابة في أمثال هذه الموضوعات. وتُعدّ مادّة ابن شدَّاد في تاريخ دمشق وخططها من أكمل ما قدَّمه عصره، وقد تردّد صدى ذلك عند جميع المؤلفين الذين كتبوا عن فضائل دمشق في العصور التالية له.
وتنبغي الإشارة هنا إلى أن ابن شدّاد اعتمد عند تفصيله لخطط دمشق (طبوغرافيتها) وفضائلها على كتاب مؤرّخ دمشق الكبير الحافظ ابن عساكر، رائد هذا الأسلوب التاريخي في القرن السادس الهجري، وزاد عليه ما استجدّ في عصره. ومما يزيد في أهمية ابن شدّاد أنه يكاد يكون الممثّل الأخير للجغرافية التاريخيّة على الأساس الإقليمي الذي درس الشام في وحدة عضويّة مع أرض الجزيرة.
وأما القسم المتعلّق بدمشق من كتاب »الأعلاق الخطيرة« فقد أدرجه ابن شدّاد على عشرة أبواب هي:
 
1- في ذكر اشتقاق اسمها.
2- في ذكر من بناها وعدّة أبوابها وقلعتها.
3- في ذكر مسجدها الجامع.
4- في ذكر مساجد دمشق وعدّتها.
5- في ذكر المزارات بها بباطنها وظاهرها.
6- في ذكر الخوانق والرُّبُط بباطنها وظاهرها.
7- في ذكر المدارس.
8- في ذكر ما بدمشق وظاهرها من الكنائس والأعمار.
9- في ذكر الحمّامات بباطن دمشق وظاهرها.
10- في ذكر فضلها وما مُدحت به نثراً ونظماً.
*  *  *
هذا وقد لفت كتاب الأعلاق انتباه كثير من البحّاثين المستشرقين والعرب، فأشاروا إليه في أبحاثهم ونوّهوا به ونشروا منه قطعاً غير كاملة، ومنهم المستشرق السويسري أمدروز  H. F. Amedroz، والباحث الدمشقي حبيب الزيّات، والأب شارل لُدِي  Ch. Ledit، والمستشرق الفرنسي كلود كاهن  C. Cahen، والمستشرق الفرنسي الشهير جان سوڤاجيه  J. Sauvaget.
غير أن أول من بدأ بنشر الكتاب بشكل منهجي ومحقَّق كان المستشرق الفرنسي دومينيك سُورديل  D. Sourdel  الذي نشر القسم الأول من الجزء الأول من الأعلاق، وهو المخصَّص لتاريخ مدينة حلب، وصدر عن منشورات المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق عام 1953. ثم تلاه الدكتور سامي الدهّان بتحقيق الجزء الثاني من الكتاب، المختص بتاريخ مدينة دمشق، ونشره المعهد الفرنسي بدمشق في قسمين، الأول منهما عام 1956 والثاني عام 1964. ثم قام بتحقيق الجزء الثالث منه، وهو الخاص بتاريخ الجزيرة والموصل، الأستاذ يحيى عبّارة، وصدر بقسمين عن مطبوعات وزارة الثقافة بدمشق عام 1978. وأخيراً أعاد الأستاذ عبّارة نشر الجزء الأول من الكتاب بقسميه، ضمن منشورات الوزارة عام 1991.
وختاماً، لا نرى من ضرورة لإعادة التأكيد على أهميّة »الأعلاق الخطيرة« كواحد من أهم مصادر التأريخ العمراني لمدينة دمشق في العصور الإسلاميّة الوسيطة. وجُلّ ما يتبقّى الإشارة إليه أن القسم المختص بخطط مدينة دمشق، وهو القسم الأول من الجزء الثاني من الأعلاق، يمثّل كتاباً مستقلاً كبير الحجم، فقد بلغت نشرة سامي الدهّان له 473 صفحة من القطع المتوسط، بما في ذلك مقدّمة التحقيق والفهارس العلمية.
ونظراً لذلك، فقد اكتفيتُ هنا بمجرّد الإشارة إلى ابن شدّاد وكتابه، من غير أن أعمد إلى النقل منه لضخامة مادته، وهو أصلاً من المؤلّفات البلدانية لا الجغرافية العامّة. وأُحيل القارئ إلى نصّه الكامل في الكتاب المذكور.
 
المصــادر:
الأعلاق الخطيرة لابن شدّاد، جزء 1، مقدّمة سُورديل بالفرنسية.
الأعلاق الخطيرة لابن شدّاد، جزء 2، مقدّمة سامي الدهّان.
الأعلاق الخطيرة لابن شدّاد، جزء 3، مقدّمة يحيى عبّارة.
البداية والنهاية لابن كثير، 13: 305.
مرآة الجنان لليافعي، 4: 201.
تاريخ الأدب الجغرافي العربي لكراتشكوڤسكي، 1: 369.
دائرة المعارف، بإدارة فؤاد أفرام البستاني، 3: 255.

12 - نوفمبر - 2008
يوم أحرقت دمشق
المرج الأخضر - مرج ابن أتابك - المرجة    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

الأخ العزيز بسّام ديّوب:
أين أنت يا رجل؟
لقد بقيت أنتظر من يحمل الأمانة بالاهتمام بتاريخ دمشق 20 عاماً، ولم يأتِ سوى الآن؟
لقد كنتُ الأخير في أبناء جيلي ممّن اهتموا بتاريخ هذه المدينة العريقة، وكنت أخشى ألا يأتي في الجيل التالي من له هذا الهوى والعشق، إلى أن سمعت عنك منذ 9 أشهر. أرجو أن نرى لك أبحاثاً منشورة قريباً، وأن نراك مديراً للآثار والمتاحف، قريباً أيضاً.
 
أما عن عشقك لدمشق، فلا يُستغرب ذلك، لأنها حاضرة أزلية عظيمة وموئل للحضارة والتراث والفنون، ولها تاريخ عظيم جداً. هذا أمر بديهي. ولكن لا أظنك تكون غافلاً عما يربطك شخصياً بهذه المدينة: أعني الأصل الكنعاني المشترك بينك وبينها، هل توسعت في بحث ذلك؟ أرجو أن تكون واعياً تماماً لهذه النقطة، ودمشق ذات جذور كنعانيّة وإن كان ذلك مع الأسف لم يتم درسته.
وأحب هنا أن أنبهك إلى أن اشتقاق اسم المدينة إنما لم يكن أبداً من اللغة الآراميّة في القرن الحادي عشر قبل الميلاد كما يزعمون (دار ميسق) بمعنى الأرض المرويّة.. فعمر دمشق أقدم من ذلك بكثير، فهل كانت بغير اسم إلى أن أطلّ الآراميون فمنحوها هذه التسمية؟ بالطبع لا، واسم المدينة آرامي قح: "تيما - شقي".  على أي حال، هذا موضوع أكتب لك تفاصيله فيما بعد.
 
أما عن المرج الأخضر (مرج ابن أتابك) فأنا مثلك كنت في البداية أظن تسمية المرجة التي ترد في بعض المصادر المملوكية تنطبق عليه (أي كلّه غربي القصر الأبلق)، إلى أن انتبهت في بعض النصوص (ابن فضل الله، البدري) إلى أن ثمة فارقاً بينهما.. وهذا ما دعمته أقوال أستاذي محمد دهمان (أدركته في أواخر أيامه).
فالموضوع كما يلي:
- المرج الأخضر: إلى الغرب من الأبلق. وهو ذاته مرج ابن أتابك، وحتى منتصف القرن العشرين: مرجة الحشيش.
- المرجة: إلى الشرق من الأبلق كان هناك مرج صغير، تقع بقلبه ساحة المرجة الحالية وحملت اسمه.
- المرج الشمالي: شمالي النهر، يضم موقع جسر فيكتوريا وحديقة المنشيّة اليوم والميريديان حتى ساحة الأمويين، كان هذا يعرف بالمرج الشالي، وبأعلاه: خانقاه الطواويس وقصر شمس الملوك دُقاق (موقع مقهى الهافانا والنادي العربي اليوم) والخانقاه الكججانيّة والمدرسة العزيّة (موجودة قائمة) والمدرسة الفرّوخشاهيّة وتربة الملك الأمجد بهرام شاه (كلاهما ضمن بناء الفور سيزنز اليوم، فيما كان يُعرف بزقاق الصخر).
 
أخيراً، هذا فيما يلي نصّ ثمين يعود إلى القرن السادس الهجري، يذكر للمرّة الأولى: المرج الكبير والمرج الصغير. وهو من كتابي "دمشق في مرآة رحلات القرون الوسطى" (قيد النشر قريباً).

12 - نوفمبر - 2008
يوم أحرقت دمشق
نص القرن السادس 1    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

»كاتب ديوان مجهول«
مساحة بعض البلاد الجارية في مُلك الملك العادل
نور الدّين أبي القسم محمود بن زنكي بن آقسُنقُر
رحمه الله تعالى ونوّر ضريحه
في سنة أربع وستين وخمسمائة
(نصّه عام 564 هـ / 1168 م)
 
بين كنوز المكتبة الوطنيّة  La Bibliothèque Nationale  في باريس مخطوطة فريدة من نوعها للرّحلات المنسوبة لأبي زيد حسن السّيرافي، الرّحّالة العربي الشهير من أهل البَصرة، الذي عاش في القرن الثالث الهجري، و لا نعرف عن تاريخ حياته شيئاً سوى ما ذكره المؤرّخ الكبير أبو الحسن المسعودي بأنّه التقى به في سنة 303 هـ، إنّما ليس لدينا أيّ دليل على تاريخ ولادته أو وفاته. والذي يعنينا هنا من المخطوطة المذكورة تحديداً، مُلحقٌ أضيف إليها كتبه كاتب ديوان مجهول مجهول في عام 564 هـ حول: »مساحة بعض البلاد الجارية في مُلك الملك العادل نور الدّين أبي القـ]ا[سم محمود بن زنكي بن آقسُنقُر«.
ولأبي زيد السّيرافي يعود الفضل الأكبر في حفظ نصوص رحلات ثمينة باكرة قام بها كلّ من سُليمان التّاجر وابن وَهَب القُرَشي.لكنّ السّيرافي في الواقع لم يكن رحّالة ولا عالماً، بل كان كما يبدو من جمهور المُغرمين بأمثال هذه القصص التي كان من السّهل جمع روايات كثيرة منها، سواء في مسقط رأسه سيراف على البرّ الفارسي، أو في موطنه اللاحق بالبصرة. وكان المسعودي لمّا التقاه استفاد منه بنقل رواية ابن وَهَب.
أمّا عن سُليمان التّاجر العراقي، فهو من قُدامى الرّحّالين الذين اشتهرت رحلاتهم الغريبة ورواياتهم الطريفة في القرن الثالث الهجري. وهو يمثّل خير مثال للتجّار العرب والفُرس الذين توجّهوا إلى الصّين، فلقد أبحر من سيراف إلى مسقط على الخليج العربي، ومن هناك إلى كلم على ساحل مُليبار، ومرّ بمضيق بالك شمالي جزيرة سيلان، وعَبَر خليج البنغال فوصل جزيرة لنجبالوس إحدى جزر نيكوبار، ثمّ تابع إلى كله بره على ساحل الملايو الغربي، ثمّ إلى جزيرة تيومن الواقعة إلى الجنوب الغربي من ملقا، ومنها إلى رأس القديس يعقوب قرب سايجون، فجزيرة هاينان، فعبر المضيق الذي يفصلها عن برّ الصّين ليصل إلى ميناء خانفو، أي كانتون الحاليّة بالصّين.
كانت الرّحلة البحريّة من مسقط إلى الصّين تستغرق أكثر من أربعة أشهر، ولم يقتصر سليمان في وصفه على ذكر المراحل وتقدير المسافات بالأيّام وأحياناً بالفراسخ، بل ترك أيضاً وصفاً حيّاً للسّواحل والجزر الموانئ المختلفة والمدن وسكّانها والمحاصيل والمنتجات وسلع التجارة. كما ثبت أنّ المعلومات التي أوردها عن كانتون (خانفو) تتميّز بالتّفصيل والدّقة. ومن المهمّ ذكره هنا أنّ المُستعمرة العربيّة الفارسيّة بميناء كانتون كانت قد بلغت حدّا من القوّة أصبحت معه في سنة 758 م (141 هـ) تضع يدها على المدينة وتتحكّم فيها.
وإلى رواية رحلة سليمان التّاجر، أضاف أبو زيد السّيرافي أخبار رحلة مهمّة لرحّالة آخر تلا سلفه بعشرين عاماً، هو ابن وَهَب الذي يرجع نسبه إلى قُريش، وكان من الأعيان الأثرياء. غادر ابن وهب بلده البصرة عندما سقطت بأيدي ثوّار الزُّنج سنة 257 هـ، واستقرّ رأيه على القيام برحلة طويلة من سيراف إلى الصّين، وحالفه التّوفيق فوصل إلى عاصمة الصّين، وكان في ذلك الحين مدينة خمدان. ولوصفه أهميّة خاصّة، إذ بعد ذلك في عام 264 هـ يتمّ القضاء على المستعمرة العربيّة في كانتون نتيجةً للحروب الدّاخليّة، فانقطعت بذلك الصّلات المباشرة بين العرب والصّين، وأصبح آخر ميناء تصله السّفن العربيّة: »مينا كله« و»كله بره« بشبه جزيرة الملايو، ولم يتجدّد الاتصال بالصّين إلاّ في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي.
أثارت المخطوطة اهتمام المستشرقين الفرنسيين، وأوّل طبعة للكتاب ظهرت في باريس عام 1718 م مترجمة إلى الفرنسيّة، لكنها تعرّضت للتّحريف وإضافة أشياء مُقحمة عليها من قبل بعض الخرّاصين الذين نسبوها لأنفسهم. وأوّل من نشر مخطوطة باريس برحلتيها وملاحقها المتأخرة باللغة العربيّة كان المستشرق الفرنسي رينُو Reinaud في سنة 1811 م، تحت عنوان: »سلسلة التّواريخ«، كما جاء عليها بالأصل. وقدّمنا القول بأنّ في المخطوطة ملاحق ومقدّمة لا تمتّ إلى فحواها الأصلي بصلة. وبعد رينو، أعاد تحقيق النصّ المستشرق الفرنسي فيرّان Gabriel Ferrand مع ترجمة فرنسيّة جديدة.
وفي خاتمة الرّحلة في المخطوطة يرد ما يلي: »والله الموفّق للصّواب، والحمد لله ربّ العالمين، وصلواته على خيرته من خلقه محمّد وآله أجمعين، وهو حسبُنا ونعم النّاصر والمُعين. قوبل بالمُنتسخ منه في صفر سنة 594 والله الموفّق، تم«. ثمّ يلي ذلك مُلحق بعنوان: »مساحة بعض البلاد الجارية في مُلك الملك العادل نور الدّين أبي القسم محمود بن زنكي بن آقسُنقُر، رحمه الله تعالى ونوّر ضريحه، في سنة أربع وستّين وخمسمائة«.
هذا يعني بوضوح أنّ المخطوط قد تمّ نسخه بكامله في عام 594 هـ، وليس يعود تاريخ نسخ الملحق إلى سنة 564 هـ، بدلالة ترحّمه على السّلطان نور الدّين الذي كان سلطاناً لحلب والموصل ودمشق، دخل دمشق في سنة 549 هـ وجعلها قاعدة مُلكه حتى توفي بها سنة 549 هـ.معني ذلك أنّ كاتب النصّ الأصلي (وهو موظف رسمي دون ريب) كتبه سنة 546 هـ بأواخر أيّام نور الدّين، وعاد ناسخ مخطوطة أبي زيد السّيرافي لنقله عنه بعد 48 سنة.
النصّ فريد في بابه، ويضيف إلى الطبوغرافيا التاريخيّة لدمشق فوائد جمّة بأيّام نور الدّين ومؤرّخ دمشق الكبير ابن عساكر (توفي 571 هـ)، ولم يسبق في تواريخ دمشق ورود قياسات دقيقة مماثلة. ويُلاحظ به عدم ذكره لباب كيسان، الذي كان مسدوداً في زمن نور الدّين. رجعتُ في النّص إلى طبعة الأستاذ عبد الله الحبشي، التي أصدرها المجمّع الثقافي في أبو ظبي عام 1999.
 

12 - نوفمبر - 2008
يوم أحرقت دمشق
نص القرن السادس -2    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

 
 
 
مدينة دمشق
 
دَور القلعة: تسعمائة ذراع قاسميّة.
دَور المدينة: خمسة آلاف وسبعمائة ذراع قاسميّة. تفصيله: من قُرنة القلعة من الجانب القبلي إلى باب الجابية سبعمائة ذراع، وإلى باب الصّغير ألف وخمسين ذراعاً، وإلى باب شرقي ألفان وأربعمائة وخمسين ذراعاً، وإلى باب توما ألف ومائة ذراع، وإلى باب السّلامة ألف ومائة وخمسين ذراعاً، وإلى باب الفراديس أربعمائة وخمسين ذراعاً، وإلى باب الفرج سبعمائة ذراع.
الجامع: الطول مائتان وثمانية وثمانون ذراعاً، العرض مائة وثمانون ذراعاً، ارتفاع النّسر تسعون ذراعاً.
ميدان الحصى: الطول ستمائة وثلاث وخمسون ذراعاً ونصف وثُمن قاسميّة، العرض مائتان وأربعة عشر ذراعاً ونصف وربع وثُمن قاسميّة.
الميدان الأخضر الكبير: الطول ثمانمائة وتسعة وستّون ذراعاً ونصف وربع قاسميّة، العرض مائتان وأربعون ذراعاً ونصف قاسميّة.
الميدان الأخضر الصّغير([1]): طوله ستمائة وثمانون ذراعاً ونصف وثُمن قاسميّة، عرضه مائتان وثلاث وخمسـ]ـو[ن ذراعاً ونصف وثُمن قاسميّة.
ارتفاع قبّة النّسر: ثلاثة وتسعون ذراعاً قاسمي([2]).
بُعد ما بين داريّا ودمشق: عشرة آلاف وخمسمائة ذراع قاسميّة.
بُعد ما بين دمشق وحمص: أربعة وعشرين فرسخاً وثُلث. تفصيله: من باب توما إلى مُحاذى حرستا ستة ألف وثمانمائة ذراع قاسميّة، وإلى فندُق القصَير ستة عشر ألفاً ومائتي ذراع فرسخ وثُلث وسُدس عُشر، وإلى جُبّ القصطل أربعة فراسخ تقريباً، وإلى نهر النَّبك فرسخ ونصف وثُلث، وإلى الخان بقارا فرسخان وثُمن عُشر، وإلى بُرج الغسّولة أربعة فراسخ ونصف وربع، وإلى خربة القبلي فرسخان تقريباً، وإلى شمسين... ألفاً وثلثمائة ذراعاً قاسميّة، وإلى كفريّا فرسخان وثُلث، وإلى حمص فرسخ وسُدس.
*  *  *
بُعد ما بين بانياس ودمشق: عشرة فراسخ ونصف وعُشر.
بُعد ما بين دمشق وصَرخَت([3]): عشرون فرسخاً ورُبع وسُدس عُشر، على طريق الهيت. وعلى زرا اثنان وعشرون فرسخاً وعشرين ذراعاً.
بُعد ما بين دمشق وبُصرى: إلى الكسوة أربعة وثلاثون ألفاً وستمائة وثمانية أذرع فرسخان وثلث ونصف عشر، وإلى الجبّ([4]) فرسخ وثلاث عشر، وإلى الصّنمين فرسخان ونصف وربع، وإلى القعع([5]) فرسخان وثلث وربع، وإلى الفوّار أربعة فراسخ وسُدس، وإلى بُصرى ثمانية فراسخ وخمس وسُدس عشر.
بُعد ما بين بعلبك ودمشق: اثني عشر فرسخاً ورُبع وسُدس عُشر. من دمشق إلى الزّبداني ستة فراسخ وسُدس وسُدس عُشر، وإلى بعلبك ستّة فراسخ ورُبع.
رحلة السّيرافي، 100-104
 


([1]) أي ما عُرف لاحقاً في عهد المماليك والعثمانيين بالمرجة (وقديماً وادي الشّقرا) وكانت شرقي الميدان الأخضر والقصر الأبلق (أي من التكيّة حتى ساحة المرجة مع جسر ڤيكتوريا والسّرايا اليوم). حدّها شمالاً نهر بردى وجنوباً نهر بانياس والشَّرَف الأدنى. أما شمال بردى بباطن الشرف الأعلى فكان المرج الشمالي.
([2]) ذكر أعلاه ارتفاع النّسر (أي المُسنّم) وهنا يذكر قبّته. وطريقة قياس ذلك بإدلاء حبل من رأس القبّة ثمّ تذريعه، لم تكن ثمّة بوصلة زوايا رأسيّة وحساب مثلثات. 
([3]) كذا بالأصل، يريد صَرخَد البلدة المعروفة إلى الجنوب الشرقي من السّويداء، تُعرف اليوم بصلخد. وهي تقع في أكناف حرّة اللّجاة.
([4]) بلدة بها مياه كبريتيّة جنوب غربي غباغب على طريق حوران، تُدعى اليوم: جْباب.
([5]) ترد بالأصل مهملة، ربما تصحيف: إزرع، بلدة معروفة بشرقي الشيخ مسكين.

12 - نوفمبر - 2008
يوم أحرقت دمشق
مرجع عن حي بين السورين    كن أول من يقيّم

أخي الحبيب أديبنا وباحثنا الكبير زهير ظاظا:
أطيب تحية أوجهها إليك من بعد طول غياب عن الورّاق، حيث أنني غارق تماماً في أبحاثي حول الرحّالين الأوروبيين الذين جالو بجزيرة العرب في القرن التاسع عشر. وحتى الآن أنهيت طائفة جيدة، منها: البريطاني دافيد جورج هوجرث، الإيطالي كارلو جوارماني، الإسباني دون دومينجو باديا.
 
وتحياتي القلبية إلى الأستاذ الباحث بسّام ديّوب، الذي أشكره على هذا البحث الثمين عن حيّ بين السورين.
 
ليس بين يدي هنا مراجع لزيادة المعلومات عن الموضوع، ولكنني أحب الإشارة إلى أنني كنت نشرت في عام 1982 بحثاً موسعاً حول بين السّورين في كتابي "وصف دمشق في القرن السّابع عشر" وهو يضم ترجمة لرحلة الشفالييه لوران دارفيو Laurent d'Arvieux الذي زار المدينة في عام 1660 م، كما أوردت ما ذكره قبله في القرن الرابع عشر الرحالة البندقي دجورجو غوتشي Giorgio Gucci، وفي القرن السادس عشر الرحالة الفرنسي بيير بولون دى مان Pierre Belon du Mans، مع نصوص أخرى عديدة تلقي أضواء جيدة على هذا الموضوع.
 
وشكراً جزيلاً لكما.

27 - ديسمبر - 2008
بين السورين بدمشق
 23  24  25