البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات لمياء بن غربية

 22  23  24  25  26 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
هديتكم أغلى معلمي وأحلى    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

 
الشكر الجزيل لكم شيخي الأستاذ ياسين على الهدية الحلوة، والأحلى من البقلاوة وأخواتها، ومبارك عيدكم وكل عام وأنتم بألــف خير، أعاده الله عليكم أعواما عديدة بالخير والمسرات، وعلى الأمة الإسلامية وهي في نعمة منه ونصر من لدنه عظيم.
ثناؤكم أستاذي يتجاوزني ولا أملك إلا أن أشكركم على ظنكم الحسن وتشجيعكم الغالي، وما أنا إلا ابنتكم وتلميذتكم التي تنهل من وافر علمكم، فالحمد لله على فضله والحمد لله الذي أنعم علينا بمعرفتكم ومعرفة إخواننا الطيبين في الوراق، وعسى الله أن يعود إلينا أساتذتنا الغائبون لكن الحاضرون دوما في قلوبنا....آسفة على التأخر في الرد فلم أكن في البيت، سلامي إلى الجميع وتحياتي الحارة.
                 

12 - سبتمبر - 2010
صحــــــــه عيــــــــــدكم
آخر جولة ....    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

السبت 07/08/2010  
 
سلمنا مفاتيح الغرف على الساعة العاشرة صباحا، وجلسنا في انتظار الباص في صالة مريوط التي لم تتسع لنا ولحقائبنا، بعد فترة قصيرة جاء أحد عمال الاستقبال يطلب منا إخراجها وتخفيض أصواتنا، خرجنا مع الحقائب وجلسنا في الحديقة أمام الفندق، كنت مع قائدنا الجزائري كمال وزوجه وبعض رفاقنا من حفظة القرآن، تلونا بعض الآيات من كتاب الله الكريم منبهين إلى أحكام التجويد ومخارج الحروف حينا، ومتناقشين حول إعراب كلمة أو سبب كتابتها بهذا الشكل في الرسم العثماني آخر، ولم نشعر بمرور الوقت حتى وصل الباص الذي كان متأخرا على غير عادته بسبب مشكل طارئ في التنسيق مع رفاقنا الذين بقوا في الفيا بورت، الساعة كانت الثانية زوالا، فتوجهنا إلى فندق التيتانيك لنصطحب بقية الأصحاب ونتغدى سوية هناك، وهكذا لم نبدأ جولتنا إلا والساعة الثالثة مساءً.
تأملت معالم الطريق لآخر مرة، النباتات التي نسقت على جانبيه بنظام بديع، لتصور العلم التركي في كل شبر، ولترسم لوحات لونية جميلة، أعمدة الكهرباء والمصابيح أيضا وعليها طوق من الأزهار، فكرت في أن هذا المشهد وحده يستحق أن تكتب عنه صفحات كاملة، مشيدة بالرقي الثقافي وعناية الدولة من خلال ما يعكسه من نظافة ونظام، حتى لتحسب نفسك في بلد أوربي حقا. لا داعي لأذكر هنا أحوال الطرق عندنا في بلادنا لأنها في هذه الحالة لم تعد تسمى طرقا، ولا حاجة للقول أن شعبنا يحتاج إلى الكثير من التربية، وإن كنت لا أغفل هنا كوننا في مدينة سياحية بالدرجة الأولى، ولكن ما حال السياحة عندنا أيضا؟
البوسفور كان كما عودنا، غير أن سحره كان هذه المرة مختلفا، ربما لأننا لم نعتد رؤيته في هذا الوقت من النهار، أو ربما لأنها آخر مرة نمتع أعيننا بمنظره، كان شارباه مفتولان وكتفاه عريضان، ووسام التاريخ على صدره يلمع في افتخار، لكنه في نفس الوقت كان رقيقا، يخفي وراء ابتسامته شيئا في قلبه من الفراق، هكذا رأيته، لأني تمنيت لو يحمل عني هذا الفراق الرهيب الذي بدأت أدخنته تخرج من صدري بعد أن حبستها زمنا لأخنق بها العبرات. تركت مقعدي واقتربت من النافذة لأترك له ابتسامة أخيرة، وقبلة وداع وإبرة، ليخيط ما تتركه عليه القوارب من جراح، ثم عدت إلى مكاني محاولة إخفاء دموعي.
حين وصلنا إلى "تقسيم" تركت الجماعة وتسوقهم وقصدت جامع مراد باشا القريب لأداء صلاة الظهر، كلمة آبتيست كانت كافية ليدلني رجل تركي عجوز على مكان الوضوء، فالمساجد التي مررنا بها في كل رحلتنا -ما عدى جامع السلطان أحمد- لا تحتوي مكانا مخصصا لوضوء النساء، وهكذا نضطر في كل مرة إلى دخول الحمامات العمومية بمقابل لنتوضأ.
في المصلى كانت امرأة تركية وحيدة في مقتبل العمر تصلي، أتمنى فقط لو أعلم سر حفاوة ترحيبها بي حين علمت أني من الجزائر وكذلك هو شأن كل الأتراك الذين قابلناهم، سر هذه المحبة الكبيرة التي يكنونها لنا والتي تجعلني فضولية لأعلم ما يعرفونه عن وطني وشعبي، وفي نفس الوقت معجبة بمشاعر المودة التي يكنونها للمسلمين عامة، والتي تجعلنا نفهم بعضنا دون حاجة لمعرفة كلمة من حديثهم.
حين عدت إلى المجموعة، كان الوقت الحر قد انقضى فركبنا الباص لنتجه نحو شارع الاستقلال أين كان لا يزال بانتظارنا المزيد من التسوق، نزلنا ليكون أول ما يقابلنا نصب تذكاري للرئيس مصطفى كمال أتاتورك الذي أعفتنا إيميت من الحديث عن إنجازاته هذه المرة لضيق الوقت. تبعنا إيميت التي راحت تمشي بسرعة وهي تخبرنا عن الأماكن التي نشاهدها في الشارع بعد أن طلبت منا الحذر والانتباه لأغراضنا بسبب الازدحام، تجاوزنا فندق مرمرة ومحلات الزهور لندخل الشارع الذي تتوسطه سكتا ميترو، مررنا بالمحلات التجارية والمطاعم والمقاهي والمكتبات التي  على جانبي الشارع بسرعة وبثانوية لا أذكر اسمها، لنتفاجأ بحشد من المتظاهرين المنادين بسقوط حزب العدالة والتنمية ورئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان.  أخبرتنا إيميت أن المظاهرات بسبب استفتاء سيقام في الثاني عشر من سبتمبر لتعديل الدستور،  وأن الشعب ساخط لأن أردوغان يريد لنفسه ولحزبه السلطة المطلقة، وأضافت إن أردوغان ليس الشخصية التي كسبت تقديرنا بتأييد القضية الفلسطينية ولكن هو أيضا الشخص الذي باع  مؤسسات الدولة للخواص ولا يزال يعقد الصفقات مع الجانب الإسرائيلي. أبدى قائدنا شكوكه حول ما أخبرتنا به مرشدتنا بسبب الميول التي تظهرها للعلمانية وتقديرها لشخص أتاتورك، وتابعنا سيرنا لنصل إلى مكان التسوق بعد مرورنا بفرقة موسيقية غجرية وقد التف حولها جمع من الناس بجوار أحد المطاعم، هناك أعطتنا إيميت نصف ساعة من الوقت الحر وعادت هي إلى مكان التجمع المتفق عليه. فضلت أنا وبعض الفتيات الرجوع معها، ليس خوفا من الضياع فقط ولكن لأننا لم نجد ما يجذب اهتمامنا في السوق، وطلبنا منها ترجمة ما كتب باللغة التركية على المطويات التي كان يوزعها المتظاهرون. في أحدها رسم كاريكاتوري يصور رمز العدالة المرأة المعصوبة العينين حاملة بيدها اليمنى سيفا وباليسرى الميزان، وبجوارها أردوغان وهو يضع لها في شرابها منوما ويقول أنا صاحبك، وصور أخرى ساخرة وتعليقات سياسية وشعارات ضد الحزب.
 أخبرْنا إيميت عما نعرفه عن الحكومة التركية وحدثناها عن الأوضاع السياسية عندنا وعن مظاهراتنا السلمية كيف تتحول إلى (حُڤْرَة) وقمع ونحن نرى أعوان الأمن واقفين بجوار المتظاهرين من غير محاولة إسكاتهم أو تفريقهم، إلى أن مررنا بكنيسة حسبناها من بعيد مسجدا بسبب قبتها وسألناها إن كان بإمكاننا دخولها، طلبت منا إيميت الانتظار قليلا وهي تدخن سيجارتها الرقيقة، ثم قالت لنا بعد أن استنكرت إحدى رفيقاتنا طلبنا إنها مسلمة وإنها تدخل أحيانا إلى الكنيسة وتقرأ الفاتحة. وقفنا تتأمل اللوحة المرسومة فوق الباب وفيها قد وقفت مريم العذراء باسطة كفيها وعند قدميها رجلان، أحدهما يحمل زنبقة والآخر مطرقة، ثم دخلنا بعد أن طلبت منا مرشدتنا التزام الصمت ونحن نعلق على لافتة تشير إلى منع ارتداء قبعة، متجاهلات الأنظار التي وجهت نحونا فور دخولنا بسبب الحجاب الذي نرتديه.
 الإضاءة في الداخل كانت خافتة والشموع متفرقة في أنحاء المكان، جعلتني الشموع الكثيرة المشتعلة يمينا أتجه إليها مباشرة لأتأمل ما بجانبها من لوحات وتماثيل. في الزاوية عند المدخل مكان لبيع كتب الدين، ثم ثقوب مستطيلة في الحائط بعرض أربعين سنتمترا تقريبا وطول ثمانين وسمك عشرين، وقد وضعت فيها شموع بيضاء طويلة مثبتة على حصى صغيرة وقد غمر أسفلها الماء، ثم تمثال راهب يحمل المسيح الرضيع بين يديه، ولوحة في الجدار المقابل بجوار مصطبة ومنبر، وقد جلس فيها المسيح عليه السلام مع اثنين من أصحابه على مائدة الطعام، إضافة إلى لوحات أخرى للعذراء وعيسى عليه السلام. اختفت إيميت لحظة لتعود ومعها كتاب صغير وشمعة أشعلتها ووضعتها وهي تقرأ الفاتحة، ثم قالت لنا: (ادعين الله إن شئتن، النصارى يتجهون في دعائهم إلى النور، والنور هو واحد وهو الله)، ذكرني قولها بأن الله نور السماوات والأرض، مع هذا لم أستطع أن أفعل مثلها، واتجهت مع رفيقاتي إلى الباب أين نبهنا عون أمن أن نلتزم الصمت ونحن مغادرات بسبب استفسار رفيقتي عن شيء. فكرت في أني دخلت ضريحا لأول مرة في إسطنبول ودعوت الله وحده، فما يضيرني أن أدعو الله وأنا أدخل كنسية لأول مرة أيضا في حياتي، هممت بالدعاء لما شاهدت تمثال المسيح مصلوبا أمامي، شعرت بالاشمئزاز، وسرت رعشة في كل جسدي، استدرت إلى المخرج لكي لا أرى الصليب، ودعوت الله أن يهدي عباده إلى سواء السبيل.
بعد خروجنا تمشينا مع إيميت إلى أن وصلنا إلى مدخل الشارع مقابل نصب أتاتورك، تحدثنا مع رفاقنا حول مواضيع شتى ووصفنا لبقية أصحابنا الكنيسة التي زرناها، وروينا النكت والتقطنا الصور مع مرشدتنا ومظلتها المميزة، ثم غادرنا بعد أن قضينا لحظات لا تنسى لنكتشف مكان آخر سهرة لنا.
لا تنتظروا مني أن أخبركم الآن عن سهرتنا الأخيرة في إسطنبول ولا عما همسته آخر مرة في أذني، فأنا لن أخبركم الآن في أي صورة رأيتها، لن أخبركم عن صوتها الذي سمعتها، ولن أخبركم كم دمعة ذرفت حين تركتها... سيكون عليكم الانتظار لأني لست مستعدة بعد للمغادرة، لا تستعجلوا إتمام الحكاية، لأني أشك أن تكون لها نهاية أبدا...
 

12 - سبتمبر - 2010
من المدية إلى إسطنبول
لَعْقُوبة لْكُل عامْ إن شاء الله    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

صحّـه عيدكم أستاذ عبد الحفيظ وكل عام وأنتم بألف خير، وشكرا جزيلا على القطعة المغربية الجميلة، ولأني بدأت هذه المرة بالحلويات فلن أهديكم أغنية ولن أخرج من إطار المأكولات، بل سأهديكم طبق الرّشْتَـة  الجزائري الذي نعده في العيد بلحم الدجاج، وأتمنى أن يبقى حارا إلى وقت العشاء، سلامي...
 
 

13 - سبتمبر - 2010
صحــــــــه عيــــــــــدكم
مقروط العيد ...    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

وشكرا لكم معلمي الأستاذ زهير على ما تفيدوننا به من درر، جعل الله أيامكم بحلاوة المقروط، ومبارك عيدكم وكل عام وأنتم بخير وسط الأهل والأحباب.
ما يميز المقروط المعسل عندنا في المدية هو أنه لا يقلى كالذي يظهر في الصورة التي نشرتها سابقا، وإنما يطبخ في الفرن، وقد بحثت عن صورة له في النت فلم أجد، وهكذا فقد التقطت لكم صورة المقروط الذي أعدته أمي في هذا العيد، أما الياسمين فهو للأستاذة الغالية ضياء التي أنقل إليها تحيات والدتي...
 
لَعْقُوبَة لْكُلْ عَامْ... في حْيَاتْكُمْ وَحْيَاةْ كُلْ عْزِيزْ عْلَى قَلْبْكُمْ...
 

13 - سبتمبر - 2010
صحــــــــه عيــــــــــدكم
شكرا لكم جميعا    كن أول من يقيّم

 
شكرا للأخ صفي الدين وشكرا لكل من تفضل بقراءة كلماتي على بساطتها، أتمنى أن تنال رضاكم، وأترككم مع الفصل الأخير من الرحلة، إلى حين اللقاء، سلامي إلى الجميع وامتناني. 
 

14 - سبتمبر - 2010
من المدية إلى إسطنبول
من إسطنبول إلى المدية ...هدية للأستاذ عبد الحفيظ والأخت ندى...    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

 
مساء السبت-الأحد 07-08/08/2010  
 
غادرنا شارع الاستقلال ولما تغرب الشمس بعد وتوجهنا إلى مكان سهرتنا التركية الأخيرة، حين وصلنا كان الظلام قد غطى كل شيء تقريبا، كل شيء إلا عينيها البارقتين اللتين ظلتا ترقباننا... نزلنا لنكتشف أول مطعم تغدينا فيه في إسطنبول، المطعم الذي فاتني حفظ اسمه، وكل ما أعلم عنه الآن هو كونه مطعما ومقهى وبارا في نفس الوقت...
صعدنا السلالم إلى مكان مخصص للسهرات الموسيقية، جلست مع بعض رفيقاتنا بالقرب من المنصة، ورحنا نسترجع ما حدث في يومنا هذا إلى أن وضع الطعام ودخل العازفون. كان بطني يؤلمني بفعل القلق الذي لا أعلم سببه، وهكذالم أستطع أكل شيء ولم يدخل جوفي غير الماء ولقيمات معدودة بعد أخذ الدواء، تأملت العازفين وهم يداعبون آلاتهم ببراعة، ضارب الطبل بجانبنا تجلس بجواره مغنية تضرب على الدف وقد وقف إلى يمينها عازف قانون تكاد تحسبه واسيني الأعرج لشدة الشبه بينهما، ثم عازف آلة نفخية بالقرب من عازف الكمان، وفي الكواليس، كان يجلس تقني الصوت، الشاب الوحيد في الفرقة.
كنت أحدث صاحبتي لما لمحت خيالا أسود بارقا يمر بسرعة في الكواليس، أطلت النظر لعلي أستبين حقيقة الأمر لكني لم أستطع إلا معرفة كونها امرأة، نظرت إلى زوجة القائد التي كانت جالسة معنا وأخبرتها ما رأيت، صمتت للحظة ثم جالت ببصرها في المكان وعادت إلي لتقول مترددة: أتظنين أنها .....؟ قلت: نعم. قالت: هذا ما كان ينقصنا!  
بقيت أنظر إلى تقني الصوت والرجل الذي كان يحدثه ويطلب منه نقل تعليمات للعازفين، أرقب أي شيء من شأنه أن يبدد شكوكي، أفكر في ما سأفعله إن كان ما أظن صحيحا، إلى أن قطعت رفيقتي أفكاري وأعادتني إلى طاولة العشاء، لم نكن نفهم شيئا من الغناء التركي ولا نتفاعل معه مطلقا، وتمنينا لو تتوقف الموسيقى لنصنع سهرتنا الأخيرة كما نشاء... بعد وضع التحلية تفاجأنا بدخول مغنية تركية شقراء في ثوب أسود طويل ضيق، غادرت القاعة فور دخولها ولم أعد إلا بعد مرور حوالي نصف ساعة لأجدها لم يبق فيها إلا بعض الطلبة لا أعرفهم، كان أصحابنا قد اجتمعوا خارج المطعم، استفسرت عن السبب فأخبرتني رفيقتي أن مغنية أخرى انضمت إلى صاحبتها بلباس أسوء من الأول، وقالت وهي تخفي ابتسامة ماكرة: أتعلمين ماذا قال لنا العمال؟ قلت: لا. قالت: كانوا سيدخلون راقصة. لم أتعجب من ذلك كثيرا وأخبرتها بما رأيت فأضافت: كان هذا قبل دخول المغنية الأولى، قالوا إنهم سيدخلون راقصة، لم نسكت على ذلك طبعا، قال لهم المسؤول الذي كان معنا أننا لا نريدها...وماذا قالوا؟ ...تعجبوا من طلبنا وقالوا إننا مسلمون متعصبون حين قلنا أن ديننا يرفض شيئا مماثلا، قالوا إنهم أيضا مسلمون ولا يجدون في ذلك حرجا...ثم استبدلوا الراقصة بالمغنية التي رأيت أو ربما كانت هي نفسها.... حمدت الله أني لم أحضر شيئا من هذا، وبقيت مع بعض رفاقنا نتحدث إلى أن ركبنا الباص لنتوجه نحو مطار مصطفى كمال أتاتورك والساعة الحادية عشرة ليلا.
كل شيء بالنسبة إلي انتهى، لا شيء كان بإمكانه أن يجمعنا لنعيش هذه اللحظات السعيدة مجددا، كنت أعلم هذا جيدا، كل شخص سيذهب في سبيله، سيكون الهاتف والشبكة العنكبوتية كذبة جميلة لندعي أننا لا نزال عائلة لا يفرق شملها، الجميع سيرحلون، كإسطنبول التي رحلت قبل أن أودعها، لم أستطع رؤيتها في الظلام حين تركتني، عيناها فقط كانتا حاضرتين، تختفيان وتظهران حين أيأس من عودتهما، تختفيان وتظهران، إسطنبول انسحبت بلا مقدمات، صمتت فجأة ولم أعد أسمع صوتها، تركتني وحيدة أنادي عليها ليرتد إلي صدى صوتي، تركتني أتخيل ثوبها الأسود، أتخيلها ترفل في ذيولها، أتخيلها تعود إلى مرمرة، تبتعد لتغوص في الماء أكثر فأكثر، شال مسدل على كتفيها، شعرها تتلاعب به نسائم عليلة، لم تلتفت أبدا، لم تتراجع، لم تفكر في التراجع، لم تفكر في وداعي، وتركتني وحيدة كما جئت إليها وحيدة.
المصابيح كانت ترسم مدينة أخرى غير التي أعرف، مدينة لا تختلف في نظري عن أي مدينة كبيرة لا تنام محلاتها، مطاعمها ومقاهيها، مدينة غريبة عني. تركتنا إيميت بعد أن أحببناها وألفناها ونحن نهتف باسمها، تركنا بيلات سائق الباص في المطار ليكون آخر ما يجمعنا هتاف باسمه ممتزج بصوت بوق الحافلة، وجلسنا ننتظر موعد إقلاعنا بعد تسجيل حقائبنا ومرورنا بمراقة الجوازات. كان الإرهاق والفراق قد نالا من الجميع، وكان علينا الانتظار حتى الساعة الثالثة وعشرين دقيقة لنغادر تراب تركيا في جو كئيب هادئ.
لم أذرف دمعة واحدة، تماسكت ولم ألتفت للوراء لأول مرة في حياتي، استسلمت للوداع، فارقت الكثيرين ممن أعرف دون كلمة أخيرة، وركبت الطائرة التي أعادتني إلى وطني، ركبت الليل البهيم وغفوت قليلا لأجدني بعد تناول فطور الصباح في مطار هواري بو مدين والساعة الخامسة إلا دقائق صباحا.
لم يكن والدي قد وصل بعد لاصطحابي، ودعت بعض رفاقنا وأنا بالكاد أستطيع حبس دموعي، ودعت قائدنا كمال وزوجه، وعدت إلى قاعة الانتظار متعجبة من كوني لا أزال مستيقظة ولم أنم إلا ساعة أو ربما أقل في الطائرة، بعد مجيء والدي مر كل شيء بسرعة كما لو أني لم أفارق المدية مطلقا، وصلت إلى البيت على التاسعة صباحا لأجد إخوتي لا يزالون نياما وأمي مستعدة للذهاب إلى العمل، شعرت بخيبة أمل كبيرة وأنا أرى حيّنا، البيوت الفوضوية، الشارع الذي يملؤه ألف حفرة وحفرة، وفهمت أن علي التعود هذه المرة على فراق إسطنبول.
أمضيت النهار كله نائمة، نمت من الساعة العاشرة صباحا حتى أيقظتني والدتي وقت صلاة العصر، ثم من العاشرة مساء حتى العاشرة من الصباح الموالي، ثم أمضيت الظهيرة أيضا نائمة، ولم أتناول أول وجبة لي إلا مساء اليوم الثاني من عودتي إلى البيت، كانت إسطنبول تأبى مفارقتي للحظة، أحييها ڤونايدن في كل صباح، أنظر من النافذة لعلي أرها، أستعيد صوتها الدافئ، أتذكر أوقاتنا الغالية فيها مع رفاقنا، أحاول نسيانها وترفض هي ذلك، أزورها في كل ليلة، وأستيقظ لأعلم أنه كان حلما جميلا، حلما كما كانت أيامي الحلوة فيها.
هكذا، لم أجد لحكاية حبها نهاية، وهكذا لم أستطع أن أضع في نهاية السطر نقطة لأودعها...
 

14 - سبتمبر - 2010
من المدية إلى إسطنبول
الفصل الأخير ....هدية لأستاذتي الغالية ضياء    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

أتساءل أحيانا إن كانت إسطنبول ما يشغل بالي حقا، إن كانت هي ما يملك قلبي وجوارحي، إن كنت حقا مفتونة بها، أو أنها ليست إلا مسرحا للذكريات التي لم أشف منها وعنوانا لكل ما أحببت ومن أحببت في رحلتي. أتساءل إن كانت فعلا بذلك السحر الذي أتصور أنها تملك، ما يهمس في قلبي كل صباح ليجعلني صبية حالمة، صبية تفتح عينيها لترى كل شيء كما لو أنها تراه لأول مرة...
 
أتصور إسطنبول من دون إيميت، من دون صوتها القوي، لهجتها الحلوة، والسيجارة التي تدخنها في انتظار عودتنا. أتصورها من غير كمال قائدنا وهو ينادي: فوج أربعة ... فوج أربعة...من دون بيلات سائق الباص الذي اصطلح الفتية على تسميته مهنّد، كمهند المسلسل الذي لم أتابعه يوما، إسطنبول لم تعرف رفاقنا، نكتهم، طرائفهم، شخصياتهم المختلفة. لم تعرف بقية الطلاب الذين لم أحتك بهم يوما، وأولئك الذين كتب لنا القدر أن نعيش ذكرى عابرة معا، والذين كنت أراهم وأتخيل لهم قصصا من حيث لا يرونني ولا يشعرون بوجودي. هل كانت إسطنبول ستكون بهذه الفتنة لو لم أرها بعيونهم؟ وهل كنت سأراها لولاهم؟
 
لابد أن كثيرين ممن عرفت نسوني الآن، بيلات، هل تراه يذكر أني سألته يوما إن كان يتحدث الإنجليزية، كنت أريد سؤاله حينها كيف يمكنني الوصول إلى المسجد الذي مررنا به، أجابني بكلمة واحدة: إيتلْيانو، وفهم رفيقه قصدي فسألني إن كنت أريد الصلاة وقد أشار بيديه محاكيا التكبير ثم دلني على طريق الجامع، أعلم أنه لم يعد يذكر من ذلك شيئا، وأتساءل لماذا لا أزال أذكره. لا أزال أذكر الفتاة السكيكدية التي كانت تردد حين يطلب القائد منا شيئا: واه الهوّاري واه، كنت أتساءل من الهواري هذا، لم يكن الهواري الذي عرفني عليه جواد، الفتى الذي عرض أن يبيعني خمسة كيلوغرامات من النعاس حين كنا ننتظر موعد انطلاقنا بمطار تركيا، الهواري الذي قال إنه سيفارق فندق الخمس نجوم ليعود إلى بيته الذي وصفه بنجمة وهلال، هذا كان هواري مختلفا، كانت لديه لحية، لكنه لم يكن الفتى ذا اللحية الذي كان يزغرد كالنساء، الهواري كان كمال قائدنا كما أرادته السكيكدية أن يكون، هي وصاحبتها القبائلية التي لن تذكرني هي الأخرى على الأرجح...
 
أتذكر الأستاذين الجامعيين من باتنة حين طلبا مني التقاط صورة لهما في يالووا، طلبت منهما أن يقولا (بغريـر) بدل (شيز)، وأخبراني أنهم يسمون البغرير (فطائر جزائرية) عندهم (الغْرايف) لكنها كلمة لا يتطلب نطقها الابتسام، أتذكر المرتين الوحيدتين التي تحدثت فيهما الفرنسية أثناء تواجدي بتركيا، في إحداهما سألت صائغا تركيا إن كان يعرف مكان مكتب البريد لأني كنت بحاجة إلى طوابع وأظرفة، تعجب من طلاقة لساني وراح يسألني عن وطني وأين تعلمت الفرنسية، ثم سألني عن مدة تواجدنا بإسطنبول وإن كنت لا أشعر بالحرارة بسبب الخمار الذي أضعه، كنت أشعر بالحر طبعا وكان العرق يتصبب من وجهي، لكني قلت أن الأمر عادي جدا وهي مسألة تعود لا أكثر، أخبري أنه مسلم وأن اسمه فاروق، رجل في الخمسين من العمر، لم يرشدني إلى مكتب البريد الذي قال إنه بعيد جدا، وكذلك لم تفعل إيميت حين سألتها، وقالت إن التكنولوجيا الرقمية جعلتها تنسى البريد العادي تماما، فاحتفظت ببطاقات البريد لنفسي، لأهديها حين أعود إلى الوطن.
 
لم يبق لي من ذلك كله إلا الذكرى، ذكرى جعلتني أعيش منذ عودتي في عالم آخر، أسترجع منظر البوسفور من الجسر الذي كنا نعبره كل يوم، القبب والصوامع التي تقابلنا، خليج القرن الذهبي ومرمرة، تل العرائس، يالووا، أستعيد كل خطوة خطوتها وكل كلمة نطقتها وكل ابتسامة تركتها لإسطنبول لعلها تتذكرني... اليوم، أطوي صفحة هذه الرحلة الخيالية لأعود إلى حياتي، أتركها ترتاح في صندوق الذكريات الذي يحمله قلبي، أتركها لأرتاح منها قليلا، ولأقول لها مرة أخيرة  ڤونــــايدن إسطنــبول، ڤونــــايدن يا حورية مرمرة...
 
في الأخير تحياتي إلى الجميع، وسلاما على ترابك إسطنبول...
 
-تمت-
 
المدية في 14/09/2010  

14 - سبتمبر - 2010
من المدية إلى إسطنبول
ربي يداوم الفرحة !    كن أول من يقيّم

أهلا بالجميع في بيتكم، وعلى مائدتكم !       
 
يْسَلْمَكْ أختي نادية وَنْتِيَّ زَادَا كُلْ عَامْ وْ نْتُومَا بْخيِرْ، وأهلا بك في مجالس الوراق الطيبة.
 
وشكرا للأستاذ عبد الحفيظ ولأختي ندى على الهدية الحلوة، وعلى الأغنية الطريفة، والتي تجعل عصافير بطني تزقزق وتذكرني بأغنية أخرى لصالح أوقروت (كَرْشي رَاهِي تْقَرْقَرْ) لم أجدها على الشبكة، يتفق فيها مع محمد برقام في حبه للمأكولات الشهية، وشغفه بها.
 
وكل المقروط لك أستاذتي ضياء الغالية، ولو كان بإمكاني لأرسلت إليك صينية من المقروط معسل، وإنما كان الحديث عن الياسمين فقط. الحقيقة أني صرت كسولة قليلا في الأيام الأخيرة، وأمي تلومني الآن لأن طبق المقروط كان صغيرا، وسأحاول استرجاع رغبتي في التصوير التي فقدتها لآتيك بطبق أكبر في التعليق القادم إن شاء الله.
 
وشكرا لكم كثيرا أستاذي زهير على الفائدة الثمينة، والتي لم تخطر أبدا على بالي، ومنكم نستفيد، أكرمكم الله وبارك لنا فيكم وفي علمكم معلمي.
 

14 - سبتمبر - 2010
صحــــــــه عيــــــــــدكم
مقروط الأستـــاذة    كن أول من يقيّم

 
 

18 - سبتمبر - 2010
صحــــــــه عيــــــــــدكم
عيد أضحى مبارك    كن أول من يقيّم

 
تحية عطرة،
عيدا مباركا لكم أساتذتي، وكل عام وأنتم بألف خير، تْعَيْدُو وَ تْزِيدو انْ شاء الله، في حْيَاتْكُمْ وَحْيَاةْ حْبَابْكُمْ، وْلَعْقُوبَة لْكُلْ عَامْ.
وتحية طيبة لكل من سأل عني أو ذكرني، ولكل أحبتنا في الوراق، وشكرا مباركتكم أستاذنا زهير، وسلام والدي إليكم وتهنئته بالعيد.
وقبل أن أنسى، شكري للأستاذ محمود على مقترحاته القيمة وصوتي أضمه إلى صوته، وإلى لقاء قريب، تحياتي للجميع.
 

16 - نوفمبر - 2010
اقتراح
 22  23  24  25  26