البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات منصور مهران أبو البركات

 22  23  24  25  26 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
إذا أعجبنا أعجب غيرنا    كن أول من يقيّم

الشعر الجاهلي ثري بالألفاظ والأساليب التي يبني بها طلاب العربية فكرهم وثقافتهم ، وهو مرآة حياةٍ كاملةٍ لأمة العرب ؛ في كل زمان من أزمنتها : زمن الحنيفية الصافية ، وزمن الحنيفية المختلة ، وزمن الشرك ، وزمن الإيمان ...  فلا يُفهم أدب العرب في زمن منها إلا بفهم الزمن الذي يسبقه ، وهكذا إلى الوراء حتى عصر الجاهلية ، لتكون لغة ذلك العصر المتباعد زمنا المتقارب  ثقافة وفكرا أساسا للتعليم الجاد وأساسا لإدراك معاني الشريعة في كتابها الأول وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من هنا نعرف قيمة هذا الشعر في لغتنا وفي كياننا ، فلما اضمحلت دراسة الشعر الجاهلي في مناهج التعليم العربية بدا واضحا الضعفُ الشديدُ في المستوى الأدبي والحس اللغوي بين أبناء العربية - إلا ما ندر - وإذا كان أبناء العربية لا يفهمون لغة أسلافهم ، ولا ينشطون إلى إحيائها في حديثهم وعلمهم ودراساتهم ؛ بحجة أنها لغة صعبة وغريبة عما يتكلمون به فهي لا تعجبهم  : فإن القارئ الغربي أوْلى بالنفور وبالتباعد عن لغة الشعر الجاهلي .
 أما عن عدم فهم هذه اللغة في شعر الجاهلية فهو نتيجة مؤكدة للنفرة وللبعد ، وترى هذا الواقع المؤلم في دراسات المستشرقين الجُدُد  كما في دراسات أساتذة العربية في الجامعات العربية ، فهما أمران متلازمان  - فيما أرى - فمن أمتنا  تبدأ رحلة الحياة للغتنا متمثلة في شعر العرب فهو ديوانهم  وأصل ثقافتهم  .
   وقد يظن ظانٌّ أن دراسة لغة الشعر الجاهلي مضيعة للوقت وهي من عمل الفارغين  ؛  وهذه هي الغفلة بعينها فبعض الأمم شعرت بفداحة الخسارة من إهمال اللغات القديمة فرصدوا مبالغ ضخمة لإعادة النظر في مناهج الدراسة وإحياء هذه اللغات ولو كانت مندثرة ، وأذكر أن لجنة تشكلت في بريطانية لإحياء اللغة الشكسبيرية وكان من دارسيها أطباء وعِلميون وفنانون  فهل شعروا لحظة بأنهم في فراغ فانغمسوا في هذا الدرس إزجاءً لوقت الفراغ ?  بل هي المسئولية تجاه فكر الأمة  وجبت وصارت دَيْناً في الأعناق  : فهل نعي ذلك ?
 لماذا إذن تريد من القارئ الغربي أن يفهم لغة قوم لا يحترمون لغتهم  ?
 ولماذا يُعْجب بها القارئ الغربي ما دمنا نحن لم نظهر جمالها ولم نبد إعجابنا بها ?   
 فلنبدأ بأنفسنا  ثم نلوم الآخرين . وبالله التوفيق .

20 - يوليو - 2006
لماذا لا يعجب الشعر الجاهلي القارئ الغربي ?
رأي في حديث الجمال    كن أول من يقيّم

في البدء أود الوقوف عند القدر المشترك للدلالة اللغوية للجمال مطلقا حتى نعرف نقطة البدء في المناقشة ، ثم تتوالى تداعيات المناقشة حسب اتساع آفاق المشاركين ؛ وحيث إن الدلالة الأولى للجمال هي ( الحُسْن ) المرئي في كل شيء ، أقول : إن الحُسْن رؤية شخصية معقدة التحديد ؛ لأنها تنبعث عن عوامل كثيرة بعضها فطري - وهو الأهم - وبعضها ينشأ عن الثقافة ومُدرَكات الفكر - وهو من متممات الشخصية - ؛ فمن هنا تختلف مقاييس الجمال تأثرا بثقافة الفرد وثقافة العصر وثقافة المكان ، ولنأخذ مثالا من الحياة اليومية لنظهر المُراد : سِمَن المرأة  - وهو المثال الوارد في كلام الأديبة صبيحة - تغنى بي بعض شعراء العربية في العصر الجاهلي في بعض البيئات ، بينما شعراء آخرون في ذلك الزمان نفسه يذكرون المرأة المهفهفة التي يشبهونها بغصن البان في الاستقامة ، وصفة الاستقامة لا يمكن أن تتوافر في الممتلئة شحما ولحما ، ويقال الشيء نفسه في معيار الجمال في عصرنا فما نراه حُسنا في البدينة يراه غيرنا عيبا والعكس مطرد ، ياتي ذلك تأثرا بما أجرته أقلام فلاسفة علم الجمال  من تحليلات هي أقرب للجدل في مكنونات النفس لا المرئيات ، وبما استحدثه خبراء التجميل الاصطناعي ؛ فالمُحْدَثون يرون للجمال تعريفا آخر وهو ( التناسق )  وهذا التعريف يخضع أيضا للمقاييس الفلسفية  ؛ لأن التناسق في أي عمل هندسي نشأ في رحاب العلم فهو مجلوب لاعتبار معين ، ورحم الله المتنبي القائل :
               حُسْن الحضارة مجلوب بتطرية وفي البداوة حسن غير iiمجلوب
وكأنه يعني بالحسن المجلوب ما تعرفنا عليه اليوم ب (الماكياج ) أو (ميك اب) من تناسب الألوان وسرعان ما يزول ذلك بالغسل وترتد الوجوه إلى حالها قبل الزينة المؤقتة . أما الحُسْن الطبيعي فهو باقٍ من قبل الغسل ومن بعده فهو حسن غير مجلوب .
فالجمال رؤية فردية نابعة من أعماق نفسٍ ذات نقاء كما قال إليا أبو ماضي : كن جميلا تر الوجود جميلا
والنفوس المريضة  بالتشاؤم لا تنعم برؤية الحسن مهما عظم وحيثما كان  .
وكثيرا ما نرى أشياءَ أو وجوها جميلة بمقاييس الجمال والتناسق ولكنها محرومة من الملاحة والرقة ، والقدر المشترك بين العيون في رؤية الجمال هو أعلى قيمة جمالية لأنه إقرار من نفوس جُبلت على الاختلاف فإذا اتفقت فقد أتت بما لا يمكن الاختلاف فيه ولا يمكن إنكاره كالبدهيات  ،  فالجمال في المخلوقات  -  فيما أرى  -  قيمة نسبية  لا تخضع لمقايسس الماديات التي نصنعها بأيدينا ، وأما الصفات الأخلاقية المكتسبة كالصدق والشجاعة ونحو ذلك فهي من الجمال التعويضي والتكميلي الذي يرتضيه الناس للتعامل والتجمل في الحياة الاجتماعية من استقامة الحياة  .

30 - أغسطس - 2006
الجمال ? ما هو ??
الهوى يصنع الجمال    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

   أخونا زهير الشاعر الرقيق الذواقة جاد علينا بأبيات فتقت الخاطر عن فكرة بديعة : أن ( الهوى يصنع الجمال ) وهي من متممات قضية الجمال التي نقشت فيها رسما سابقا في سياق هذه التعليقات ؛ ذلك أن مكنونات النفس تجاه شيء ما تتدخل في رسم صورة الجمال كما يهواه ويتمناه المتأمل في شيء ما  - امرأة  أو  صورة  أو  منظر من مناظر الطبيعة  أو  صفة معنوية .... أو أي شيء  -  فإن لمحة الجمال التي أسرته قد تكون ضئيلة جدا وقد تكون كبيرة عند حد ما بعده كِبَرٌ في بعض النفوس ، فتتولى النفس تجميل هذه اللمحة وتكبيرها وتعليلها والارتقاء بها وإضفاء أوجه الإعجاب التي تبدعها النفس وتسوغ بها هذا الإعجاب حتى تصل إلى حد القناعة بأنها اللوحة التامة التي كان يتمناها القلب ويرجو أن يجدها يوما ما ، وهذا سر الشغف بالحياة وعمارة الأرض ، ولولا أن من الله علينا بهذا في نفوسنا لخمدت حركة الحياة وتعطل الإبداع .
    ثم إن نِسَب الجمال في كل نفس هي التي تغري بالتكامل بين أجزاء الكائنات الحية ولو سار الجمال عل وتيرة واحدة في النفوس لتزاحمت الأهواء على شيء واحد أو أشياء محدودة العدد وبارت سوق الأشياء التي تفتقر إلى جمال ذي وضح وظهور ؛  فاقتضت إرادة الله أن يغرز في كل نفس منفوسة ما يجذبها إلى الأشياء من حولها حسب الميل والحاجة فيحدث التكامل وتتم المزاوجة بين راغب ومرغوب فيه ، وبين عاشق ومعشوق . وكم ترى من العجائب في مسرح الحياة ما يؤكد لك ذلك ، وأذكر لك طرفة في ذلك أني عرفت رجلا أميا لا يعرف من القراءة والكتابة شيئا ألبتة ولكن الله عوضه بحدة في الذكاء وقوة في الذاكرة لا تضاهي بها أحدا في مثل حاله وكان يبيع ملازم شتى من الكتب يجمعها من سقط متاع المطابع وورش التجليد ومن باعة الكتب القديمة ، فإذا جئته في حاجة لك إلى ملزمة ما من أي كتاب استخرجها وكأنه جهزها لك من قبل ؛ فكم من مرة نشتري كتابا ثم نفاجأ بنقص في بعض صفحاته ؛ وما أحسب أحدا من عشاق الكتب نجا من هذه الآفة  ،  فكنا نجد عند ذلك الرجل حاجتنا دائما أو غالبا . فانظر إلى حب النفس لشيء يراه الآخرون تافها وربما ينفرون من جمع هذا الورق الدشت : كم يولد من المنافع التي هي جزء من تكامل عناصر البقاء وجوامع الحياة .
   ومما تلقيناه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ) ومعنى (تناكر) : تنافر - كما جاء في رواية أخرى -  فالائتلاف هنا تحقق بعد إعجاب ثم هوى يصنع في النفس ميلا يزينه ويحسنه ويصنع منه جمالا على نحو ما فتتولد الرغبة في التكامل والائتلاف ، على أن هذا الهوى لا يصنع صورة متكررة للجمال المتصور في النفس فقد تجد لمحة الجمال في وجه ثم تأتي غدا فترى اللمحة تزيد  أو تنقص ، وتتغير أيضا إلى أفضل أو إلى أدنى ؛ لأن الصورة التامة لا تكتمل إلا بالتأمل وعندئذ تتحرك عوامل الانفعال نحو التنفيذ . وبالله التوفيق .

6 - سبتمبر - 2006
الجمال ? ما هو ??
وكأننا في كل لقاء فكري نجدد التعارف    كن أول من يقيّم

   أمتع الله بك يا عزيزي زهير ومتعك بكل فضيلة وجليلة ، فقد أذهبت كلماتك عني شيئا ثقيلا تنوء به العصبة أولو القوة فأحمد الله إليك أن جعلت التوافق بيننا مما هبط إلينا من المحل الأرفع أو هبط معنا يوم جئنا من عالم الذر ، وهذه تحيتي أزجيها إلى شخصكم المحبوب وإلى أهلي وذويّ في نادي الوراق ، وبعد ،
   فقد تذكرت بتذكرتك الطيبة بائع الملازم وعلى طول عهدي به لم أعرف إلا اسمه الأول ( محمد ) وقد نسبوه إلى محبوبته ( الملازم ) فكان يقال له ( محمد ملازم ) ومن غرائب الرجل أنه لم يضق ذرعا بهذه التسمية بل أحبها حب العاشق قيس لليلى - كما أبدعت في سؤالك عنه - ، وكان قنوعا زادُهُ لقيمات يقمن صلبه حتى كان يضرب به المثل في القناعة  ودكانه لا يتسع لواقف واحد من زحام الملازم لذلك يفترش حصيرا أمام الدكان ويرحب بكل مار ويعرف أسماء كل سكان الحارة كبارا وصغارا ، هكذا عرفناه ومنذ فقد زوجته انقطع لخدمة طلاب العلم يعرفه شيخ الأزهر الدكتور محمد الفحام - رحمه الله - كما يعرفه التلميذ المجهول في المرحلة الابتدائية ، ويخدمهم جميعا على قدم المساواة بروح حانية وبكلمات رقيقة لا يكاد يغيرها يقول : ( ازيك ياحبيبي . ايه اللي مزعلك ) سمعتها منه لخمس وعشرين سنة ، عرفته وعرفه صديقي الراحل الأستاذ أحمد حمدي إمام وصديقي الدكتور محمود محمد الطناحي وشيخ الوراقين محمد رشاد عبد المطلب وغيرهم كثير   - رحمة الله عليم أجمعين - وكانت وفاته مأساة لطلاب العلم وكأنه أديب كبير فقدوه ، وبلغني أن الدكتور محمد الفحام  رحمه الله - هو الذي صلى عليه في المسجد الكائن في شارع الشيخ علي يوسف بالمنيرة بحي قصر العيني بالقاهرة - رحمهم الله جميعا - .
   قلت : وهذه الكلمات مني عن مساعد العلماء لهي أقرب دليل على أن الهوى يصنع الجمال في النفس يا عشاق الجمال .

6 - سبتمبر - 2006
الجمال ? ما هو ??
وهذا عاشق جديد    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

   الأستاذ الأديب / طه أحمد ، أطل علينا إطلالة العاشقين لدفاتر العلم أو قل : هي الكتب ، وتسللت في كلماته مشاعر غرام نعهدها دائما في عشاق الكتب ، وهنا أذكر أنني تناولت كتابا ذات مرة وأطلت النظر فيه حتى غلبني النوم فالتوت يدي ومال الكتاب على صدرى فبدا كأني أحتضنه ، ودخلت علي زوجتي ورأتني على حال تتمناها المرأة من زوجها فاغتاظت وسحبت الكتاب بهدوء فانتبهت بعض انتباهة فسمعتها تتمتم وتقول : ليتك تحبني كحبك للكتب ، ففاجأني الضحك ، وقلت بصوت عال : بل حبك أكبر إذا كنا في مجال الموازنة بين محبوبين من جنس واحد فإما أن تكوني كتابا ، وإما أن يكون الكتاب امرأة وانظري حينئذ لمن يكون النصيب الأكبر من الحب ?
   فالكتاب محبوب للنفس التواقة إلى المعرفة لا يدعه في سفر ولا إقامة لأن القراءة شعاع الحياة فإذا انقطع ذاك  الشعاع فلا حياة ولا يحزنون ، وتعظم قيمة الكتاب كلما عظمت فائدته لا فرق بين جديد قشيب وقديم تفوح منه رائحة الورق المحترق ؛ فالعبرة بمقدار الانتفاع منه وإذا كان العقل قوي الإدراك أمكنه أن يلتهم المعرفة التهاما كالمعدة القوية التي تهضم أي طعام يمر بها ، فيتساوى في هذا العقل كتاب قديم وكتاب جديد ، وربما يكون المحك الرئيس هو جودة العلم الذي يحويه الكتاب وصحة الضبط لما فيه ، ولقد وجدتني أقرأ في الكتب الصفراء زمنا طويلا بلا تلعثم أو تردد لأني كنت أقرأ يومئذ بعقلي ، فلما ركنت إلى الكتب الحديثة المملوءة بالتشكيل أصابني داء التلعثم لاني صرت أقرأ بعيني فكسل عقلي فلا حول ولا قوة إلا بالله .

7 - سبتمبر - 2006
الكتب الصفراء
تحية وتقدير    كن أول من يقيّم

إلى الأخوين : زهير ظاظا  و لحسن بنلفقيه
 
 
ياملهم السحر سقيا عذب أشجاني ومبدع الشعر في عهدي iiوتبياني
 
مازلت  تنثر في أفق الوفا غررا      تـرعى  بها  ذمة  تمشي iiبعرفان
 
تكاد  مِالحسن تحكي غنج iiفاتنة      سُوق  العروس  لها  أجلى لبرهان
 
لله   رقتك   النشوى i  iملاحتها       تعتز    منك    بتذكار  و شكران
 
فحدث  القلب عما  كان   يضمره من   المحامد  أو   فيض  iiبتحناني

7 - سبتمبر - 2006
الجمال ? ما هو ??
كتاب قرأته    كن أول من يقيّم

   قرأت كثيرا وليس لدي شك في فائدة أي كتاب وقع عليه نظري ، ولكن الفائدة قد تعظم وقد يقل نفعها غير أنها تظل تحت مسمى الفائدة ؛ لذلك لا أستحقرها ولا أستعظمها وإنما أدع لها قدرها تقدره حين تأتي الحاجة إليها والنفع منها  .
   ومن الكتب التراثية في اللغة والأدب طائفة بَنَتْ عقلي وبقيت منارا لكل قراءة أستزيد بها علما ، فهكذا حال الكتب البنائية ( وأعني بالبنائية : التي تبني الثقافة الفردية ، والتي لا يستغني عنها أي متخصص في علم ما ، أما الكتب التي تغير منهج القارئ  وتؤثر في مسيرته الفكرية أو الأخلاقية أو السلوكية فأسميها الكتب التوجيهية ) فالكتب البنائية أقرب إلى العلم ، والكتب التوجيهية أقرب إلى الفلسفة الارتقائية .
   ولعل أول كتاب حفر في نفسي أثره وعمقه هو كتاب ( قصة نفس ) للدكتور زكي نجيب محمود - رحمه الله - فقد عرفت ذلك المفكر في ندوات أستاذنا عباس محمود العقاد  - رحمه الله - ثم حرصت على حضور بعض محاضراته وبعض الندوات واللقاءات التي يكون له نصيب من الحديث فيها ، وقرأت جميع كتبه فيما بعد . أما كتاب  قصة نفس ، فقد جعله الرجل ترجمة ذاتية لنفس ما وهذه أغرب ترجمة نفسية عرفتها المكتبة العربية ، ثم كتب بعدها ( قصة عقل ) ، وجعل كتاب ( حصاد السنين ) ثالثا لسابقيه لتكتمل بذلك سيرة مفكر يسطرها قلمه لأنه أيقن أن لا أحد  سيذكره بعد غيابه عن الدار الفانية ، وشبه عمله هذا بآخر صوت تطلقه البجعة قبل موتها وهو أجمل صوت يُسْمع منها وقد كان صوتها طوال حياتها بغيضا إلى سامعيها  .
   كانت ثلاثية زكي نجيب محمود قريبة إلى نفسي وقد يعجب قارئ هذه السطور إذا قلت  : إني قرأتها نحو عشرين مرة ، وفي كل مرة كانت نفسي تتزحزح شيئا قليلا عما ينتابها أحيانا من ضجر أو تفلت من مخالطة المجتمع الذي أعيش فيه ، فتتنبه دواعي التغيير والتمييز لأجدني شخصا آخر وعقلا آخر ونفسا آخرى ، فتتغير نظرتي حالا في مشكلات الحياة وتتحدد لي درجات الهمة ، ويتجدد إيماني بخالقي فيستنير أمامي سبيل الفكر فيما أقرأ من آيات القرآن الكريم  ، ولا يحسبن أحد أن كتابات هذا شأنها تعين على تفسير القرآن مثلا ... كلا . كلا ؛ بل أعني ما قلته فقط من أنها تفتح للعقل مجالات للتفكير والفهم فمن سلك بالتفكير والفهم سبيل القراة والتدبر للقرآن وجد مجال المعرفة ذا سعة على مناحٍ شتى .
   ليست ( قصة نفس ) و( قصة عقل ) مما يألفه قراء الترجمة الذاتية من سرد للحوادث وانطباعات عنها  ،  ولكنها تأملات في تدرج النفس والعقل عبر مسيرة الحياة وكيف يكون الانتقال من حال إلى حال للنفس والعقل ، وما يعتريهما من علل وآفات وسبيل العلاج منها ، والنفس من أعقد المخلوقات تركيبا ومحاولات الغوص فيه بدأ مع بدء الخليقة ولن تنتهي من غوصها إلا مع انتهاء الخليقة ، فكان كل غواص يمسك بطرف من صيده ولما يبلغ منتهاه ، وهكذا كان نصيب زكي نجيب من غوصه ، فهو لا يدعي بلوغ المنتهى ولكنه يدعي فهم الطريق ومعرفة علاماتها ، وهذا من تواضعه لقارئه ولسائله ، فإذا عن للقارئ سؤال فلربما وجد الجواب بعد سطور أو صفحات وهذا بسبب نظام الفكرة وعمل الفكر ، ذلك جيل الرواد الذين عرفناهم ورحم الله من غاب عنا وأطال عمر الأحياء منهم ونفع بهم .

9 - سبتمبر - 2006
كتاب قراته
آية الدين آية    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

  عندما تتعلق المعاملات بين الناس بالمال تبرز مشكلة ( الحماية ) كأهم مشكلات التعامل ، فادعاء الملكية أنبت أول جريمة على الأرض - وهي الحسد - والحسد أفضى إلى جريمة أشنع وأقبح ألا وهي القتل ، وإلى اليوم جدَّت مليارات الجرائم بسبب الملكية بعامة والمال بخاصة ، واتخذ المجرمون كل وسائل التقنية ( التكنولوجا ) في التزوير والتضليل والناس يستحدثون كل يوم وسائل جديدة لحماية الملكية والمال الذي هو عصب الملكية وقد جعله الله قياما لعمارة الأرض وضمان العدالة فيها ، كما اصطنعوا وسائل لكشف التزوير . كل هذا يعين على فهم سر عناية الشرائع بالمال وسر ورود أطول آية في القرآن لحماية ( الدَّين وهو جزء أساس ورئيس في التعاملات ) .
  وإذا لم يرد في شأن عقود النكاح آية بذات الطول فليس معنى ذلك إهمال هذا الجانب الحيوي في حياتنا  ؛  لأن التوجيه الإلهي توجيه كلي يكفي إيراده في مفردة واحدة من مفردات الحياة ليسلكها الناس في سائر المفردات سواء بسواء في الأهمية والاختيار ، والأنكحة جزء من الملكية فتأخذ حظها من آية الدين بلا عجب ولا استغراب ، ثم إن رابطة النكاح تقتضي وعيا ذاتيا لحماية العرض فبقدر الحرص تأتي النتائج إيجابية وبقدر التهاون تأتي النتائج السلبية ، وفي السنن النبوية تشريع كاف لحماية الأعراض ، وما استحدث الناس نظما وقوانين صارمة إلا عندما خربت الذمم وتهاوى الناس في الأنكحة المستترة تحت تسميات غريبة الوجه واليد واللسان بقصد المتعة العاجلة التي تفتقر إلى أقل احترازات الأمان فصارت إلى الزنا أقرب وألصق .
   فلا يظنن ظان أن في التشريع ثغرة ينفذ منها ذوو الأهواء والأغراض الهاوية ، وبالله التوفيق .

10 - سبتمبر - 2006
عقد النكاح وعقد التداين
أصبت خيرا بإيضاحك    كن أول من يقيّم

 نعم ما قلته يا أخا المكارم ، فهذا شاعر مغمور وله أبيات قلائل منثورة في الحماسة البصرية ، والتذكرة الحمدونية ، والأصنام ، والوساطة  . والوهم الوارد في تعليق الأستاذ عبد السلام هارون منقول بلا روية في تعليقات مَن بعده ؛ فجزاك الله خيرا كِفاء ما دبجته يراعتك والله يرعاك .

10 - سبتمبر - 2006
عنترة الطائي
فرقٌ بين أعراف الناس ومقاصد الشريعة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

   لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم
 كيف يبيح القاضي لنفسه هدم كيان قام أساسا على الإيجاب والقبول ? وأعطى ولي المرأة كلمة الرضا أمام الشهود وكاتب العدل  ?  وكيف يُقبَل من الولي مثل هذا التراجع ? أهكذا يفسرون حق الولاية بأنه حق العبث بالأعراض إذ يزوجونها اليوم ويفرقون بينها وبين زوجها من غد ? وما معنى الكفاءة اليوم  ، وتحديد حدودها ? لا بد من وضع ضوابط تراعي المصلحة ولو كانت قليلة وتصلح المفسدة قدر الإمكان لتصبح فردا من أفراد المصلحة  .
  روت كتب الأمة أن بلال بن رباح خطب لأخيه امرأة قرشية ووافق أهلها ، وكانت الكفاءة تدين الرجل ورضا المرأة ، فإذا قبل وليها التزويج فليس له بعد النكاح حق التفريق بينهما بدعوى عدم الكفاءة ، فقد كان الرفض في البدء أكرم لها وله من التفريق بعدما أفضى بعضهما إلى بعض . لو أن الرجال يتخذون مواقفهم من الحق الشرعي ما غلبوا يوما أعرافهم على الشريعة ومقاصدها . والله الموفق للخير والرشاد .

18 - سبتمبر - 2006
عقد النكاح وعقد التداين
 22  23  24  25  26