البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات د يحيى مصري

 225  226  227  228  229 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
أقدم المصادر اليونانية والسريانية....    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

                                             مصادر غير عربية

أقدم المصادر اليونانية حول سيرة محمد هو الكاتب ثيوفانس في القرن التاسع الميلادي. وأقدم المصادر السريانية هو كاتب القرن السابع جون بار بينكاي[23] مع وجود خمسة كتبة آخرين لاتزيد فترة ذكرهم للنبي عن ثلاثين عاماً من وفاته[24].

خلفية تاريخية

مواقع أهم القبائل والممالك في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام (حوالي 600 م / 50 ق. هـ)
كانت شبه الجزيرة العربية في تلك الفترة في حال لا مركزية في السلطة؛ فقبيل الإسلام انهارت ثلاث ممالك عربية قديمة هي مملكة حمير (525م) ومملكة الغساسنة (583م) ومملكة المناذرة (609م). وكانت كل واحدة منهم فيما سبق تؤلف دولة تحكم أراضيها وتمد سيطرتها على مناطق أخرى بواسطة قبائل تحكمها بشكل مباشر. ويهدف استتباع هذه القبائل تأمين طرق شبكة التجارة العربية -والتي كانت الشريان الأساسي لاقتصاد الجزيرة العربية- من قطاع الطرق أو إغارة القبائل الأخرى، والتي لم تكن تنظر لهذا للإغارة على غيرها من القبائل والقوافل بأنه جريمة،[25][26] بل فخر لهم حيث يحصل قاطع الطريق على المال لأهله وعشيرته من قوم لاتربطه بهم صلة دم أو دين.[بحاجة لمصدر] وتشترك القبائل المحكومة من قبل تلك الدول مع هذه الدول في حروبها وفي المقابل توفر هذه الدولة الحماية للقبائل. فكان سقوط هذه الدول القوية قبيل قبيل البعثة إيذانا بحالة من عدم الاستقرار والحروب.[27] طبيعة الحكم داخل مجتمعات زمن البعثة كمكة هو النظام العشائري، حيث يتشارك أعيان تلك العشائر القوية في تلك المدينة بالحكم عبر النقاش، وفي حالة مكة فإن هناك مجلس هو دار الندوة يلتقي فيه الأعيان ويناقشون الأمور الداخلية، مثل فض المنازعات بين الأفراد، والأمور الخارجية مثل الحروب، وعقد الأحلاف، وتنظيم التجارة.
كان النسب هو العامل الفصل في مكانة الفرد فمن ولد في عشيرة كثيرة الأنفس، ومنها أعيان المدينة فهو "عزيز" و"منيع" في تعبير ذلك الزمن. أما من كان من عشيرة صغيرة وليس لها أعيان متبعون وفيهم المشورة فهو "حر" ولكنه ليس عزيزا. وهناك الأحلاف وهم بتعبير اليوم "الوافدون"، فكانت مكانتهم أقل من الأحرار؛ فهم إما خلعاء من عشائرهم الأصلية، أو قدموا للإقامة لأسباب أخرى، ويعرفون كذلك بالموالي. أما العبيد فمكانتهم منحطة لا حقوق لهم ويتم استغلالهم للعمل في الأمور التي يأنف منها اصحاب النسب.[28]
اعتمد اقتصاد شبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت على شبكة التجارة العربية القديمة، وبالإضافة لذلك فهناك نشاطات اقتصادية متعددة، منها الزراعة التي ازدهرت في بعض المناطق بالرغم من عدم وجود أنهار دائمة في الجزيرة العربية، فاستعمل العرب قديما أنظمة السدود وقنوات الري خصوصا في اليمن وشرق الجزيرة العربية ووادي القرى شمال الحجاز والطائف. وتلك المناطق انتجت اصنافا من الحبوب والفاكهة. أما الزراعة في الأقسام الأخرى من الجزيرة العربية اعتمدت على زراعة نخيل التمر بشكل أساسي. اقتصاد مكة كان متينا؛ حيث كانت مركزاً تجارياً ودينياً هاماً نظراً لمرور القوافل التجارية القادمة من الشمال والجنوب بها، وترجع أهميتها الدينية لوجود الكعبة المقدسة فيها، والتي يفد إليها الحجاج كل عام مما كان يساعد على الازدهار الاقتصادي كذلك.[29].
ومن الناحية الدينية كانت الوثنية منتشرة في جزيرة العرب، حيث كانوا يعبدون آلهة يمثلونها في أصنام وأحيانا بالأشجار والحجارة والينابيع والآبار.[30] وفضلاً عن كونها مقصد رحلة الحج السنوية، كانت الكعبة في مكة مصفوف حولها 360 من تماثيل الآلهة المعبودة من قبل القبائل العربية المختلفة. وإلى جانب هذة الآلهة، كان العرب يشتركون في الاعتقاد بالألوهية العليا لله،[بحاجة لمصدر] لكنهم لا يتوجهون إليه بالعبادة أو الطقوس الدينية اليومية[بحاجة لمصدر]. ثلاثة آلهة اعتبرها العرب بنات الله وهن: اللات والعزى ومناة، اعتبرها العرب الوثنيون أعظم الآلهة، وتوجهوا إليهم بالصلوات والعبادات والقرابين. تواجدت أيضا الديانات التوحيدية في المجتمعات العربية بما في ذلك المسيحية واليهودية، وتركز تواجدها عند عرب العراق والشام، وتواجدت كذلك أسقفيات في شرق الجزيرة العربية، مع وجود للمسيحية في وسط الجزيرة العربية؛ إلا أنه لم يكن يضاهي الوثنية المتأصلة هناك. أما في غرب الجزيرة العربية فنجران كانت مركزا مشهوراللمسيحية.[31] الحنفية -وهم جماعة من العرب الموحدين قبل الإسلام على ملة إبراهيم- يصنفوا كذلك إلى جانب اليهود والمسيحيين كموحدين في الجزيرة العربية قبل الإسلام، على الرغم من الخلاف حول وجودهم التاريخي بين بعض الباحثين.[32][33] ووفقاً للتراث الإسلامي، محمد نفسه كان حنيفياً ويرجع نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم.[34]
( الموسوعة)

14 - يونيو - 2010
عصر محمد في المصادر غير العربية
د/ وهبة الزحيلي ومصادر التشريع غير المقبولة في الإسلام    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

مصادر التشريع غير المقبولة في الإسلام ـــ د. وهبة الزحيلي

إن مصادر التشريع أو استنباط الأحكام الشرعية من حلال أو حرام بلغت فيما يمكن جمعه من أصول أئمة المذاهب الفقهية نيفاً وأربعين دليلاً أو مصدراً، وما عدا تلك المصادر لا يقر الإسلام أي مصدر لا يستند إلى الشريعة أو إلى الوحي الإلهي بصفة مباشرة أو غير مباشرة، فهي في تقدير الشرع مصادر موهومة غير موثوقة لكثرة الخطأ فيها، أو لعدم صلاحيتها للديمومة والبقاء، أو لعدم شمولها وعمومها، أو لتأثر التشريع بناء عليها بأهواء الواضعين ومصالحهم الخاصة، أو بسبب الإخلال أو العبث أو الغض من جانب المصلحة العامة التي ينبغي أن يقوم عليها كل تشريع، ويمكن الجزم برفض هذه المصادر إجمالاً بما نص عليه القرآن الكريم في آيات كثيرة ذات مدلول واحد، منها:‏

1-(وإذا تتلى عليه آياتنا بيِّنات، قال الذين لا يرجون لقاءنا: ائت بقرآن غير هذا أو بدّله، قل: ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي، إن أتَّبعُ إلا ما يُوحى إليَّ، إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم( (سورة يونس: 15).‏

2-(والنجم إذا هوى، ما ضلَّ صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى( (سورة النجم: 1-4).‏

3-(أفلم يدَّبروا القول، أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين، أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون، أم يقولون به جِنَّة، بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون، ولو اتَّبع الحقُ أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن، بل أتيناهم بذكرهم، فهم عن ذكرهم معرضون( (سورة المؤمنون: 68-71).‏

سلطة التشريع العليا في نظام الإسلام:‏

لا خلاف بين المسلمين في أن مصدر جميع الأحكام التشريعية من أوامر ونواه هو الله تعالى، لا يشاركه فيه أحد من الناس، فيما وضع من مبادئ وأصول وتشريعات مفصلة محددة، وطريق التعرف عليها ما أنزل الله في قرآنه أو أوحى به إلى نبيه محمد (. وفي ذلك ضمان وثيق لحرية الإنسان والحفاظ على كرامته ومصالحه وعدم استبداد أحد من الناس بمقدراته وأحواله. أما إعطاء سلطة التشريع والأمر لأحد من الناس، فهو إشراك في ربوبية الله، ومنازعة في سلطانه المطلق وهيمنته الشاملة، وطريق يؤدي إلى الاستبداد والطغيان والظلم والتعسف، وإهدار حرية الإنسان، والإضرار بمصالحه الخاصة التي لا تصطدم مع المصالح العامة، والعبث بأحوال الناس، والأخذ بهم إلى طريق الهاوية والضلال والضياع والفساد، كما حصل فعلاً في عصر الجاهلية حينما كان يسيطر على الناس في ترتيب أوضاعهم وتنظيم أمورهم وإحداث عقائدهم: الوثنية وعبادة الأصنام، لذا قال النبي (: "رأيت عمرو بن لُحي يجر قصبه- أي أمعاءه- في النار" لأنه أول من بحر البحيرة، وسيب السائبة(1)، وسن للعرب عبادة الأصنام، وغيَّر دين إسماعيل عليه السلام.‏

وقد أورد القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على استقلال الله تعالى بسلطة التشريع وإنشاء الأحكام الشرعية، مثل قوله تعالى: (إن الحكم إلا لله(( الأنعام: 57) (إن الأمر كله لله( (آل عمران: 154) (فالحكم لله العلي الكبير( (غافر: 12) (وهو خير الحاكمين( (يونس: 109) (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه، فاحكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق( (المائدة: 48) كل هذه النصوص ونحوها تدل على أن السيادة أو الحاكمية لله، بمعنى إنشاء أو وضع الأحكام، وليس للبشر سلطة التشريع بالمعنى الحقيقي، وإنما يقتصر دور المجتهدين أو المشرعين بالمعنى المجازي على التنظيم والترتيب والتفصيل في إطار التشريع الإلهي، ويكون لهم الحق في الكشف عن أحكام الله وإبانتها للناس، وتعريفهم بضوابطها وقيودها وتوضيح غاياتها، وافتائهم بما يستجد من القضايا والمسائل في ضوء الروح العامة للشريعة، بالاهتداء بمقاصد الشريعة ومنهجها في رعاية المصالح العامة، ودرء المفاسد والمضار وأنواع الأذى عن الناس، والحرص على تحقيق أصول خمسة وإيجادها وبقائها، والمحافظة عليها من الاعتداء والأضرار، وتلك الأصول: هي الدين، والنفس، والعقل، والنسب أو العرض، والمال.‏

استخلاف الأمة في تنفيذ الشريعة:‏

ينحصر دور الناس في تنفيذ أحكام الشريعة والإذعان لها واحترامها وتطبيقها، فالبشر وكلاء عن الله في تبليغ أحكامه وتعليمها وتقريرها، ورعاية تطبيقها، وفهم مدلولاتها، والسير في فلكها، والتزام منهجها، والتجديد محصور بمراعاة الأعراف والمصالح الطارئة عن طريق الاجتهاد فيما تدل عليه النصوص، أو تهدف إليه من تحقيق غايات، أو تحد من حدود يلزم السير في نطاقها، وتنظم الحياة في محورها. والأحكام تفهم بمعنى أوسع من حرفية النص، وفهمها بعللها ومعانيها، كما فهمها الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم.‏

والأدلة كثيرة على أن الناس وكلاء أو خلفاء عن الله تعالى في الأرض، منها قوله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة( (البقرة: 30) وإذ ورد النص القرآني دالاً على استخلاف بعض الرسل والأنبياء كأحسن مثال، فإن البشر أيضاً من بعدهم هم خلفاء الأرض، قال تعالى: (وإذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح( (الأعراف: 69) (ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون( (يونس: 14) ( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض، ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم( (الأنعام: 165).‏

وما على الخليفة أو الوكيل إلا أن ينفذ أوامر المستخلف له: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل( (النساء: 58) (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم( (النساء: 59).‏

وقد حددت هذه الآية الأخيرة مصادر التشريع في الإسلام، التي تستقي في النهاية من مصدر واحد: وهو الوحي الإلهي، وهذه المصادر هي:‏

أولاً: القرآن الكريم، وتطبيق ما جاء فيه محقق لطاعة الله تعالى.‏

ثانياً: السنة النبوية الصحيحة المبينة لما جاء من عند الله تعالى، والعمل بها محقق طاعة الرسول (.‏

ثالثاً: الاجتهاد الجماعي أو إجماع ذوي الفكر المختصين في النظر في شؤون الناس ومصالحهم العامة، وإدراك قضاياهم الدينية أو الدنيوية، من الحكام والأمراء والعلماء ورؤساء الجند، وخبراء السياسة والاقتصاد، والإجماع لا بد له من مستند شرعي نصي أو مصلحي يمثل إرادة الأمة العامة.‏

رابعاً: الاجتهاد الفردي من قبل العلماء المجتهدين: وهم المؤمنون بالله ورسوله، العارفون بمدارك الأحكام الشرعية وأقسامها وطرق إثباتها، ووجوه دلالتها على مدلولاتها، وتشمل طرق استنباط القواعد والأحكام والأنظمة لديهم عدة أصول، كالقياس والاستحسان والاستصلاح، والعرف والعادة، وسد الذرائع، وقول الصحابي، والاستصحاب.‏

فإن برز اختلاف بين الناس أو بين المجتهدين المتخصصين، عرض الأمر على القواعد العامة والمبادئ التشريعية وروح التشريع المعلومة من القرآن والسنة، على ألا يتعارض الرأي المقول به مع النصوص المحكمة أو الأدلة القطعية، وهذا تطبيق لقوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلاً( (النساء: 59).‏

ويتحدد الذين يفصلون في النزاع في صورة هيئة تحكيم أو محكمة دستورية عليا، يختارهم أولو الأمر، بالنيابة عن الأمة من العلماء المختصين في موضوع النزاع، ممن اشتهروا بالعلم والمعرفة ورجاحة العقل والعدالة والتقوى والمروءة، كما حصل في تحكيم بعض أهل الشورى الذين اختارهم بعض الخلفاء الراشدين وهو عمر بن الخطاب للترشح لمنصب الخلافة، وإتمام البيعة للمرشح من سائر الناس.‏

ويؤخذ في التصويت برأي الأكثرية أو الأغلبية، عملاً برأي جماعة من الفقهاء القائلين بأن اتفاق أكثر المجتهدين حجة، وإن لم يكن إجماعاً؛ لقول النبي (: "يد الله مع الجماعة" "عليكم بالجماعة" "عليكم بالسواد الأعظم". هذا ما لم يتبين للإمام الأعظم رجحان رأي الأقلية بدليل أوضح أو لمصلحة أنسب، وإلا اتبع رأي أهل الشورى وهو معنى "العزم" في آية (وشاورهم في الأمر( (آل عمران: 159) أي مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم، كما قال النبي (: وقال لأبي بكر وعمر: "لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما".‏

صاحب الحق في التشريع:‏

اتضح لنا فيما بيناه أن لا حقَّ لأحد سوى الله في التشريع بالمعنى الحقيقي، سواء أكان حاكماً، أو طائفة معينة، أو الأمة نفسها؛ لأن إعطاء أحدهم صلاحية التشريع يجعله متأثراً بالمصالح والأهواء الخاصة وترك مصلحة الأمة العليا، بدليل ما أكده القرآن الكريم على ترك الاختصاص التشريعي الأصلي لله ولرسوله، قال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيرَة من أمرهم((الأحزاب: 36) "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلِّمواً تسليماً"(النساء: 65) "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم"(النور: 63).‏

والتزم الصحابة المهديون هذا الهدي بعد وفاة الرسول الأعظم (، فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا ورد عليه الخصوم، أو عرض له قضاء عام أو خاص، نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي به قضى به، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من سنة رسول الله في ذلك الأمر سنة قضى بها، فإن أعياه أن يجد في سنة رسول الله، جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإن أجمع رأيهم على أمر قضى به.‏

وكذلك كان يفعل عمر رضي الله عنه وبقية الصحابة، وأقرهم على هذه الخطة المسلمون. وقد وضع النبي ( لأمته هذه الخطة، حينما بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه قاضياً بالإٍسلام إلى اليمن، فقال له الرسول: كيف تقضي يا معاذ إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد برأيي ولا آلو- أي لا أقصر في الاجتهاد- فضرب رسول الله ( على صدره، وقال: الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضي الله ورسوله. وروى الإمام مالك عن علي، قال: قلت: "يا رسول الله، الأمر ينزل بنا لم ينزل فيه القرآن، ولم تمض فيه منك سنة؟ فقال: اجمعوا العالِمين- أو العابدين- فاجعلوه شورى بينكم، ولا تقضوا فيه برأي واحد".‏

لكن الأمة بما لديها من خبرة واحتكاك بالمجتهدين فيها، هي التي تختار أولي "الحل والعقد" حسبما تقتضي تطورات الظروف الاجتماعية والاقتصادية، فتكون إرادتها ممثلة، بواسطة هؤلاء العلماء المتخصصين الذين اختارتهم، وقيدتهم بمبادئ الإسلام وأحكامه، وبالمصالح العامة فيما لا نص ولا إجماع فيه من الأمور الدنيوية والقضايا الاجتماعية المتجددة أو المتطورة.‏

وهذا يعني أن السيادة الأصلية لله تعالى، فيجب الرجوع إلى تشريعه أمراً ونهياً، وأما السيادة العملية فهي للأمة باعتبارها التي تعين أهل الحل والعقد، وحينئذ يجتمع هؤلاء في مكان مخصص لهم، بدلاً من الاجتماع في المسجد، كما يجتمع أعضاء مجلس الشعب أو مجلس الأمة في الأنظمة الحديثة لمناقشة شؤون المواطنين، بشرط مراعاة أحكام التشريع الإسلامي وأسسه فيما يصدرون من قوانين.‏

وإذا أصبح المجتهد الذي هو أحد هيئة أهل الحل والعقد خليفة أو وزيراً أو قاضياً، فله الأخذ باجتهاده فيما لم يصادم إجماع المجتهدين، ويكون رأيه حينئذ ملزماً بصفته صاحب سلطة.‏

ويمكن لكل إنسان بلوغ درجة الاجتهاد باستجماع شرائطه المقررة أصولياً، وأهمها معرفة اللغة العربية- لغة القرآن والسنة، وكيفية استنباط الحكم من مصادره التشريعية، وفهم مقاصد الشريعة، ويتوصل إلى ذلك بالبحث والنظر والتحصيل والممارسة الفعلية للاجتهاد، حتى تعرفه الأمة وترشحه لتمثيلها.‏

ومجال الاجتهاد محصور فيما ليس فيه نص قطعي الثبوت والدلالة، أو الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة أي البداهة كوجوب الصلوات الخمس، والصيام، والزكاة، والحج، وتحريم جرائم الزنا والسرقة والتلصص (المحاربة أو قطع الطرق)، وشرب المسكرات، والقتل، وتوقيع العقوبات المقررة لها من جلد وقطع وقصاص ونحوها، وتحريم الزواج بالمحارم.‏

وأما ما يصح فيه الاجتهاد فهو الأحكام التي ورد فيها نص ظني الثبوت والدلالة أو ظني أحدهما، والأحكام التي لم يرد فيها نص ولا إجماع. وبه يتبين أن التشريعات الصادرة بمقتضى الأنظمة الحديثة التي لا تخالف الإسلام من قبل اللجان المشرعة، لا تخالف قواعد الاجتهاد في الفقه الإسلامي، مثل إصدار قوانين تنظيم أجور العمال، والنقابات، وعقود التنقيب عن النفط والمعادن، وقوانين التأمينات الاجتماعية، وتنظيم استثمارات الأراضي الموات الزراعية، والصيد، والثروة الشجرية الحراجية، وتنظيم عقود التعهدات والمقاولات العامة، ونظام المزاد العلني للمناقصات ونحوها.‏

والخلاصة: أن الاجتهاد في الشريعة الإسلامية مقصور على استمداد الأحكام الشرعية من مصدرها الإلهي، فهو دستور الأمة، والحاكم المجتهد هو الذي يجعل اجتهاد الفرد ملزماً باعتماده، لا الأغلبية، على عكس حال السلطة التشريعية في الدول الحاضرة، فإن لها إصدار ما تشاء من التشريعات من دون أي قيد، وتأخذ في ذلك بمبدأ الأغلبية.‏

المصادر غير الشرعية:‏

بناء على ما تقدم لا يقر الإسلام الأخذ بأي مصدر لا يستند إلى الشريعة، أو إلى الوحي بصفة مباشرة أو غير مباشرة. وأهم المصادر غير المعترف بها شرعاً هي ما يأتي:‏

1-التشريع أو العقل: يطلق التشريع عند فقهاء القانون الوضعي على معنيين: أحدهما عام والآخر خاص. أما التشريع بالمعنى العام: فهو وضع القواعد القانونية اللازمة لحكم العلاقات الاجتماعية بين الناس، بصرف النظر عن كون تلك القواعد قد نتجت عن مصدر من مصادر القاعدة القانونية، أو عن تفسير للقواعد القائمة.‏

أما التشريع بالمعنى الخاص: فهو تعبير عن إرادة السلطة العامة، قصد به وضع القواعد القانونية، وإلزام الناس باحترامها، وهذا المعنى الخاص بكل دولة أكثر شيوعاً من المعنى العام؛ إذ هو المقصود من لفظ التشريع عند إطلاقه، والسلطة العامة التي تمارس التشريع قد تكون أفراداً كما في الملكيات المطلقة، وقد تكون مجلساً أو مجالس نيابة تنوب عن الشعب في وضع التشريع، كما في أغلب نظم الحكومات، وقد تكون أوسع من ذلك، بل قد تكون الشعب نفسه عند وضع القانون الأساسي للدولة، وهو الدستور.‏

وأياً ما كان الأمر، فإن هذه السلطة تعتمد في وضع القانون على نتاج العقل البشري وتفكيره، كما هو واضح من التعريف، إذ ينص على أن التشريع تعبير عن إرادة السلطة العامة التي هي فرد أو أفراد من الناس، وإذاً فإن التشريع قائم على نتاج العقل، بل هو مرادف له.‏

والعقل المجرد عن الاعتماد على الشرع الإلهي لا يعتبر مصدراً من مصادر الفقه الإسلامي عند فقهاء الشريعة الإسلامية؛ لأنه لا يحقق العدالة والمثالية المطلوبتين في القانون، إذ أن العقول البشرية تتفاوت في إدراكها للأمور، وتختلف مقاييس الخير والشر في نظرها، ويقصر إدراكها لحقائق الأشياء الغامضة، ولا تستطيع كشف ما يجيء به المستقبل من أحداث، كما أنها ليست معصومة من الاندفاع وراء الشهوات والثروات.‏

ثم إن نتاج العقول لا يقوم على أساس الدين والأخلاق، فأضحت القوانين التي هي من صنع البشر قاصرة دائماً عن تحقيق العدالة والمصلحة والاستقرار، وآية ذلك كثرة تغييرها وتبديلها أو تعديلها وإصلاح الناقص فيها، بعد زمن قصير من سنِّها أو إنشائها.‏

وعدم اعتبار العقل (المحض، بدون الهداية الإلهية) مصدراً من مصادر الأحكام في الفقه الإسلامي أمر أجمع عليه فقهاء الشريعة الإسلامية، فتراهم يقررون –كما بينا- أنه "لا حاكم إلا الله رب العالمين" ولم يشذ منهم أحد، حتى فقهاء المعتزلة الذين يقولون: إن العقل يدرك في بعض الأفعال حسناً يجعلها مأموراً بها، ويترتب على فعلها الثواب، كالصدق والمروءة والعفو والعدل، ويدرك في بعض الأفعال قبحاً يجعلها منهياً عنها، ويترتب على فعلها العقاب، كالكذب والقتل والظلم وغيرها.‏

ذلك أن المعتزلة يقولون: إن العقل لا ينشئ هذه الأحكام، ولا يضعها، وإنما المنشئ لها هو الله رب العالمين. وعمل العقل مقصور على معرفة حكم الله تعالى في هذه الأشياء بواسطة إدراك صفات الحسن والقبح الذاتية. فإذا أدرك ما فيها من حسن، أدرك حكم الله فيها، فيتعين عليه فعلها. وإذا أدرك ما فيها من قبح أدرك حكم الله فيها، فيتعين عليه تركها. ولا يتعدى عمل العقل معرفة الحكم وإدراكه. أما واضع الحكم ذاته ومنشئه فهو الله رب العالمين.‏

ومع هذا، فإن أهل السنة قد أبطلوا رأي المعتزلة هذا؛ لأن التجربة الجاهلية بين العرب التي سبقت الإسلام والتي اعتمدوا فيها على وحي عقولهم تعطي الدليل القاطع على خطأ الاعتماد على العقل وحده.‏

وأما الشيعة الذين اعتمدوا العقل مصدراً رابعاً للاجتهاد، فإنهم حصروه عندهم بامتثال التكليف الشرعي.‏

ولم يكن للاعتماد على العقل بصفة كونه مصدراً للأحكام من حلال وحرام أي وجود في عصر الرسول عليه الصلاة والسلام ولا في العصور التالية. أما في عصر الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن ما جاء في الكتاب الكريم من تشريعات وأحكام تفصيلية أو مجملية، كان وحياً صرفاً من الله تعالى: بدليل قوله تعالى: (وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين( (الشعراء: 192-195) وكذلك ما جاء في السنة من أحكام، فإنه وحي أيضاً، كما ترشد إليه الآية القرآنية: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين( (الحاقة: 44-47) والذي كان للفكر والعقل في إبان تنزل الوحي هو مجرد تطلع وتأمل وترقب وانتظار لنزول الوحي من الرسول نفسه أو من بعد الصحابة، مثل نزول آيات كفارة الظهار لمعالجة أمل خولة بنت ثعلبة التي ظاهر منها زوجها أي حرمها بتشبيهها بإحدى محارمه كأمه وأخته: "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله، والله يسمع تحاوركما، إن الله سميع بصير"(الآيات: 1-4 من سورة المجادلة) ومثل نزول آيات اللعان (الأيمان الخمسة بين الزوجين عند اتهام الزوج امرأته بالزنا، أو لنفي نسب ولد): (والذي يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم، فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله، إنه لمن الصادقين( (سورة النور: 6-10) نزلت حينما قذف هلال بن أمية امرأته عند النبي ( بشَرِيك بن سحماء. ومثل نزول آية تحريم الخمر تحريماً قاطعاً وهي: "إنما الخمر والميسر.." (المائدة: 90-91) في المرحلة الرابعة من مراحل التدرج في تحريم الخمر، نزلت لقول عمر الذي نزل القرآن مؤيداً لرأيه في بضع وثلاثين مسألة: "اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً".‏

وللحد من دور العقل وتساؤل الناس أسئلة ضارة بمصلحة الجماعة في عصر الوحي والرسالة، نهى القرآن الكريم عن السؤال عن أشياء، هل هي حرام أم مباحة: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم، وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبدَ لكم، عفا الله عنها، والله غفور حليم، قد سألها قوم من قبلكم، ثم أصبحوا بها كافرين( (المائدة: 101-102) أي أن الأصل في الأشياء غير المنصوص عليها هو الإباحة، حماية للمصلحة العامة، ومنعاً من الأثقال والتشديد على الناس، و أخذاً بيسر الإسلام وسماحته، ويكون دور العقل البشري فيما سكت عنه الشرع أو عفا الله عنه، فهو مجال تحريك العقل وإعمال الفكر، خصوصاً في أمور الدنيا وتنظيم أوضاعها، لقوله ( -فيما رواه مسلم عن عائشة- "أنتم أعلم بأمر دنياكم" والقاعدة العامة في المعفو عنه هو الإباحة حتى يكون المنع أو الحظر.‏

وأما بعد عصر الرسول ( فإن عمل المجتهدين لا يعدو أن يكون كشفاً للأحكام وإظهاراً لها، بتفهم النصوص وتطبيقها، والقياس عليها، والاجتهاد في استخراج الأحكام الشرعية منها، وليس فيه وضع وأحداث، أو ابتكار واختراع للأحكام من عند أنفسهم، أو إنشاء لها بواسطة عقولهم وأفكارهم؛ لأنهم يستندون إلى الكتاب والسنة في كشف هذه الأحكام وبيانها، ولا يعتمدون على غيرهما بتاتاً، سواء أكان الاجتهاد جماعياً أم فردياً. غاية الأمر أن الحكم إذا أجمع عليه المجتهدون كان ملزماً للأمة، ولا يسوغ الاجتهاد فيه بعدئذ. وإن كان الحكم قد ثبت باجتهاد فردي، فليس ملزماً لسائر المجتهدين، وإنما هو ملزم للمجتهد الذي رآه، ولكل من استفتاه من المقلدين. لكن لم يهمل الله عقول هذه الأمة، فترك لها حرية الاجتهاد، والبحث عن الحكم الأصلح فيما لا نص عليه، عن طريق القياس والاستحسان والمصالح المرسلة، ومراعاة الأعراف والعادات، في ضوء هدي الشريعة، وانطلاقاً من مبادئها، وتحركاً في أفق ومدار غاياتها الكبرى، وإطار مقاصدها التشريعية العامة لتنظيم حياة الفرد والجماعة، أي أن الدين لا يكون إلا من عند الله إما بنص قرآني أو حديث نبوي، وأما الاجتهاد فيما لا نص فيه فهو وضع بشري يسير في فلك الهداية الإلهية. وبه يظهر أن سلطة التشريع الأولى في الإسلام هي لله رب العالمين، وللرسول عليه السلام، باعتبار أنه رسول ومبلِّغ وحي الله إلى سائر الناس وليست هناك سلطة تشريعية في الإسلام لأحد من الناس فرداً كان أو جماعة، لما بيناه سابقاً، ويكون إطلاق اسم التشريع على عمل المجتهدين، وإطلاق اسم المشرِّع على المجتهد أو ولي الأمر إطلاقاً مجازياً، لا حقيقياً. ويمكن أن يقوم مقام سلطة التشريع في الإسلام مجلس تخطيط أعلى يعتمد على الشورى.‏

2-التفويض أو العصمة:‏

التفويض: إحالة الحكم إلى النبي أو العالم في المسائل والوقائع بما يشاء من غير دليل يستند إليه، ويكون حكمه صواباً موافقاً حكم الله تعالى، لإلهامه الله له ولم يقل بهذا المصدر إلا طائفة من الشيعة الأمامية، ولذلك يدّعون العصمة لأئمتهم؛ لأنهم مفوضون بالحكم من قبل الله تعالى، وهو قد ألهمهم إياه، فيكون قولهم صواباً موافقاً لحكم الله تعالى.‏

لكن أهل السنة على اختلاف مذاهبهم ينكرون هذا التفويض، ولا يعدونه حجة ومصدراً للأحكام؛ لأن الأحكام إنما تتلقى من الله تعالى بواسطة أمين وحيه: جبريل عليه السلام. فهناك تلازم بين النبوة والعصمة، ولا عصمة لغير نبي بالدليل النقلي والعقلي.‏

أما الإلهام: فيحتمل أن يكون من الله تعالى، ويحتمل أن يكون من الشيطان، كما يدل لذلك قوله تعالى: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم( (الأنعام: 121) ويحتمل أن يكون من وسوسة النفس وتحديثها، كما يرشد إليه قول الله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان، ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد( (سورة ق: 16) ومع هذه الاحتمالات لا يكون الإلهام حجة.‏

ومن هذا القبيل ما يراه بعض الصوفية من أن الإلهام أو المكاشفة حجة يجب العمل به للمعنى الذي قدمناه، وهذا باطل كسابقه؛ إذ لا حجة في الإلهام أو المكاشفة؛ لأن صاحب الرسالة (النبي محمد () نفسه لا يقول إلا عن وحي: "وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى" (النجم:3-4) فالأمة أولى بألا تقول إلا عن دليل وبرهان شرعي، وأما الحكم جزافاً أو بالهوى والطبيعة، فهو عمل أهل البدعة والضلال.‏

وربما كان التنديد في القرآن بشعر الشعراء المغالين، وكراهية إنشاد الشعر الفاسد إنما هو بسبب الاعتماد على مجرد الإلهام الشيطاني الخالي عن القيود والضوابط الشرعية أو العقلية السليمة، فقال تعالى: ( هل أنبئكم على من تنزَّل الشياطين، تنزل على كل أفَّاك أثيم، يلقون السمع وأكثرهم كاذبون. والشعراء يتَّبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذكروا الله كثيراً، وانتصروا من بعدما ظُلِمُوا، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون( (الشعراء: 221-227).‏

14 - يونيو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
التكملة في الموقع التالي:    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

http://www.dahsha.com/viewarticle.php?id=26451

14 - يونيو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
تصريحات الصحفية الإسرائيلية ضد إسرائيل    ( من قبل 7 أعضاء )    قيّم

هيلين توماس.. رمز فقد بريقه
أنهت مسيرتها مع العمل الصحافي في البيت الأبيض بتصريحات ضد إسرائيل
واشنطن: هوارد كيرتز*
أنهت هيلين توماس يوم الاثنين الماضي مسيرتها الشهيرة مع العمل الصحافي في البيت الأبيض، التي بدأتها في عصر الرئيس الراحل كيندي، بعد أيام من التصريحات التي أدلت بها بشأن إسرائيل إلى حاخام يحمل كاميرا فيديو.
«بكل صراحة، لقد شعرت بالصدمة»، هكذا قال الحاخام ديفيد نيزينوف، الذي كان موجودا في البيت الأبيض لحضور احتفالية بالتراث اليهودي في 27 مايو (أيار)، وبكل بساطة سأل الكاتبة بصحف مؤسسة «هيرست»: «هل من تعليقات لديك بشأن إسرائيل؟»، وأثار جوابها (بأنه ينبغي لليهود الإسرائيليين «الخروج سريعا من فلسطين» و«العودة إلى أوطانهم» ألمانيا وبولندا وأميركا) موجة من الشجب لم يكن اعتذار مقتضب كافيا لإخمادها.
وقال نيزينوف، الذي كان بصحبته نجله الذي يبلغ من العمر 17 عاما وصديق له «كان ذلك نموذجا حقيرا من حديث الكراهية. لقد شعرَت بارتياح لقولها ذلك أمام اثنين من الصبية يرتديان الطاقية (اليهودية)».
وفي حين تشتهر توماس، التي تبلغ من العمر 89 عاما، بأنها صحافية رائدة وجهت أسئلة قوية لـ10 رؤساء، بمن فيهم الرئيس الحالي باراك أوباما الذي ضغطت عليه الشهر الماضي بشأن أفغانستان، فإن عداوتها تجاه إسرائيل لم تكن أمرا خفيا في واشنطن. وعلى الرغم من أنها تخلت عن وظيفتها كمراسلة قبل عقد من الزمان، فإنها حافظت على مقعدها في الصف الأمامي في غرفة الأخبار، في الوقت الذي أعلن فيه الزملاء في بعض الأوقات عن مفاجأتهم من تحيزها الواضح.
وقال مراسل «سي بي إس» مارك نولر «لقد سألت أسئلة لا يقدر أي صحافي من صحافيي الأخبار المهمة على توجيهها، حيث إنها تنطوي على أجندة خاصة وتعكس وجهة نظرها الشخصية، وكان هناك بعض الصحافيين الذين شعروا بأن ذلك كان غير مناسب. وبصفتها كاتبة، شعرت بأنها ليست مقيدة تماما بالسياسات الطبيعية للموضوعية التي يشعر أي صحافي آخر في غرفة تحرير الأخبار بأنه مجبر على الالتزام بها، وكانت الأسئلة التي توجهها في بعض الأحيان محرجة لصحافيين آخرين».
لكن عددا قليلا من الأفراد طالبوا بفصلها من العمل بشأن هذه السلوك، حتى نشر نيزينوف، الذي يرأس معبد لونغ آيلاند اليهودي، مقطع الفيديو على الموقع الخاص به «RabbiLIVE.com». وسرعان ما هاجم معلقون من اليمين واليسار توماس.
وقال الكاتب جونا غولدبيرغ بـ«ناشيونال ريفيو أون لاين»: «يقال عنها دوما إنها حمقاء. وأحد الأسباب في أنها تحصل على مساحة للحديث هو أن هناك نظاما راسخا من مراعاة الأقدمية في المؤسسات الصحافية في البيت الأبيض.. وهذا الاشمئزاز والاستياء المكتشف حديثا الذي يعرب عنه الناس بشأن هيلين توماس أبعد من أن يكون متأخرا ومن دون استعداد».
وقال جيفري غولدبيرغ، الصحافي بصحيفة «أتلانتيك» والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط «لا أرى إلا أن هيلين توماس قدمت الموقف الرسمي لحركة حماس. هناك مستوى من انعدام الحساسية يعد تقريبا مضحكا فيما قالت، لأنها أخبرت اليهود بأن يعودوا إلى ألمانيا، حيث سارت الأمور بصورة غير جيدة بالنسبة إليهم».
وصرحت توماس إلى أحد صحافيي «واشنطن بوست» ليلة الجمعة الماضية بأنها «آسفة للغاية»، وأنها «أخطأت»، لكنها لم تتطرق إلى مضمون تصريحاتها. وفي صباح يوم الاثنين (بعدما أوقفها موكلها، وأعربت مؤسسة «هيرست» عن أسفها العميق بشأن تصريحاتها التي وصفها المتحدث الإعلامي باسم البيت الأبيض بأنها «مسيئة وتستحق الشجب») قررت توماس أن تتوقف عن العمل. وقالت توماس، وهي ابنة لزوجين من المهاجرين اللبنانيين، في بيان إن تصريحاتها «لا تعكس إيماني العميق بأن السلام سيحل في الشرق الأوسط فقط عندما يدرك جميع الأطراف الحاجة إلى الاحترام المتبادل والتسامح».
إنها أشهر سيدة على الإطلاق في تغطية أخبار البيت الأبيض، وعملت كأول رئيسة لرابطة مراسلي البيت الأبيض، التي وصفت تصريحاتها يوم الاثنين الماضي بأنها «لا يمكن تبريرها». وكتبت توماس عدة كتب حول البيت الأبيض وقامت بتمثيل شخصيتها في أفلام «ديف» (1993) و«ذا أميركان بريزيدنت» (1995).
وفي عام 2000، عندما استقالت توماس من وكالة «يونايتد برس إنترناشيونال»، بعدما تم بيع الوكالة إلى شركة «نيوز وورلد كوميونيكيشنز»، وهي شركة يسيطر عليها مسؤولو كنيسة التوحيد، وصفها دان رازر بأنها «بطلة الصحافة».
وأثناء إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، أصبحت توماس شخصية بارزة بالنسبة إلى بعض الليبراليين الذين أشادوا بمعارضتها الصريحة لغزو العراق ووصفوها بأنها أكثر صرامة من الصحافيين الذين أخفقوا في التشكيك في الحرب. وقاد آري فليشر، الذي كان المتحدث الإعلامي باسم البيت الأبيض أثناء إدارة بوش، حملة الإطاحة بها في نهاية الأسبوع، وأرسل رسائل إلكترونية إلى الصحافيين الذين قد تكون تصريحاتها غابت عنهم.
وقال فليشر يوم الاثنين «إنها لنهاية مأساوية، لكنها فعلت الصواب بإعلانها استقالتها». وانضم إليه في هذه الحملة لاني ديفيس، المستشار بالبيت الأبيض أثناء إدارة الرئيس الأسبق كلينتون.
وفي عام 2002، سألت توماس فليشر «هل يفكر الرئيس في أن الفلسطينيين لديهم الحق في مقاومة 35 عاما من الاحتلال العسكري الوحشي والقمع؟».
وبعد ذلك بأربعة أعوام، أخبرت توماس خليفة فليشر، توني سنو، بأن الولايات المتحدة «كان من الممكن أن توقف قصف لبنان» من جانب إسرائيل، لكنها بدلا من ذلك «أيدت العقاب الجماعي ضد الجميع في لبنان وفلسطين». وشكرها سنو بصورة لاذعة على «وجهة نظر حزب الله».
وقال مارك رابين، المصور الحر السابق بشبكة «سي إن إن»، إن توماس قالت في محادثة عام 2002 بالبيت الأبيض «أشكر الله لقيام حزب الله بطرد إسرائيل من لبنان»، مضيفة أن «إسرائيل هي السبب في 99 في المائة من كل هذا الإرهاب».
وأشار الموقع الإلكتروني «ديلي كولر» إلى أنه أثناء خطاب عام 2004 لقناة «الحوار»، وهي قناة فضائية عربية مقرها واشنطن، شبهت توماس المتظاهرين الفلسطينيين الذين يقاومون «الاحتلال المستبد» الذي تمارسه إسرائيل «بأولئك الذين قاوموا الاحتلال النازي».
وقد شكك عدد من الصحافيين في دورها على مدار الأعوام. وفي مجلة «نيو ريبابليك» عام 2006، اتهم جوناثان تشايت توماس بالتلفظ بـ«كلام لا معنى له»، مشيرا إلى أنها طرحت تساؤلات مثل «لماذا يُقتل أناس داخل العراق؟ الرجال والنساء والأطفال يقتلون هناك.. إنه أمر شائن».
وانهالت رسائل عبر البريد الإلكتروني وطلبات إجراء مقابلات مع الحاخام الذي أثار هذا الجدل. وبعد أن قيل له يوم الاثنين إن توماس تقاعدت، دعاها نيزينوف إلى الدخول في نقاش أوسع عن منطقة الشرق الأوسط. وقال «لا يمكنها أن تتقاعد من العرق الإنساني». «ربما تعيش لأعوام عديدة، وتستخدم ذلك الوقت لتجعل هذه اللحظة لحظة مهمة»، (وأوضح الحاخام سبب تأخره عن نشر مقطع الفيديو على هذا النحو «كان أمام ابني امتحانات نهاية العام، وهو من يعرفني استخدام الإنترنت»).
وقال سام دونالدسون، مراسل «إيه بي سي» السابق لدى البيت الأبيض، إن توماس «رائدة» بالنسبة إلى المرأة «ولا يمكن لأحد أن يسلبها ذلك». وعلى الرغم من أنه لم يدافع عن تعليقاتها حول إسرائيل، فإنه قال إن هذه التعليقات ربما تعكس نظرة الكثير من الناس ذوي الأصول العربية.
ويشار إلى أن دونالدسون (76 عاما) تقاعد العام الماضي. وسأل دونالدسون هل بقيت صديقته، التي بدأت عملها عام 1960، لفترة طويلة جدا. وقال «كان عملها هو حياتها، فلم تكن لها اهتمامات أخرى. ولم تتخيل يوما أنها ستترك ذلك».
ويقول جاي نوردلينغر، من «ناشيونال ريفيو» إن آراء توماس راديكالية «ندين لها بشيء: قالت بصوت عال، وبطريقتها اللاذعة، ما يؤمن به آخرون وهو أنه يجب على إسرائيل الخروج من فلسطين (ليس إسرائيل ولكن فلسطين) وأنه يجب على اليهود العودة إلى (أوطانهم) في ألمانيا وبولندا والأماكن الأخرى التي جاءوا منها أو نزحوا منها. هل قال أحد لتوماس إنه يجب عليها العودة إلى (وطنها).. إلى لبنان؟ وأنا متأكد من أن حزب الله سيرحب بها كبطلة».. «بالنسبة لجل المعادين لإسرائيل، فإن المشكلة ليست في (الاحتلال) ولا في إضافة مجمعات داخل القدس، بل المشكل في إسرائيل نفسها، وفي حق تلك الدولة في الوجود. وأمثال هيلين توماس يقعون في (اليسار) إذا كان ذلك الموقف الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية. إنهم يتفقون مع حماس وحزب الله ومع راعيتهم إيران».
وفي «ديلي كولر» تقول أماندا كاري إن التصريحات «لا يجب أن تدهش أحدا، فتوماس تفعل ذلك منذ أعوام».. «توماس كارهة لإسرائيل، ولم يكن ذلك معروفا بهذا القدر للناس حتى وقت قريب. وكان سمها في قضية الصهيونية والدولة اليهودية يظهر على السطح بصورة متكررة تنذر بالخطر. انظروا إلى تصريحاتها في المؤتمر الصحافي داخل البيت الأبيض قبل أيام قليلة، عندما وصفت الهجوم على أسطول غزة أخيرا بأنه (مذبحة متعمدة وجريمة دولية)».
ويقول جونا غولدبيرغ السالف الذكر إن «الكثير من الناس في واشنطن في حاجة إلى ضبط سلوكهم».. «بالنسبة إلى المبتدئين، فهذه زلة كلاسيكية حيث تقول هيلين توماس الحقيقة من غير قصد. ومن الواضح أنها مخطئة في الجوهر. لكنها تعتقد بالطبع أنه يجب على الإسرائيليين الرحيل. وأشك في أنه يوجد أحد يعرف توماس يشكك للحظة في أنها غير صريحة بصورة كاملة عندما أدلت بتعليقاتها (عن العودة إلى بولندا) أو أنها تكذب حاليا عندما تقول إنها لم تقصد ذلك».. «يعرف الجميع أنها مؤذية وأنها كذلك منذ عقود.. ولنبعد التحيز الليبرالي.. إنها ليست متحيزة، فهي تسأل أوباما وكلينتون أسئلة صعبة أيضا! من اليمين المتشدد الأحمق».
وتقول جنيفر روبين من مجلة «كومينتري» إن توماس مشهورة في كل مكان. «الآن يوجد مكان واحد يرحب بها فيه بدرجة كبيرة: تثني حماس عليها. (لا شك في أن توماس هيلين ذكرت الحقيقة التي يعرفها كل شخص في العالم، ولكن كأميركية في موقع مهم للغاية، هاجمها صهاينة أصابهم الجنون من الحقيقة التي ذكرتها أمام جميع الناس)».. «وعليه، ما الذي سيقوم به البيت الأبيض: يظهر أن له إدراكا مثل مسؤولي مدارس محلية، أم يسمح لحماس وكارهي اليهود برؤية صديقتهم تعامل باحترام داخل غرفة التقارير الصحافية بالبيت الأبيض؟».
وفي «نيو ريبابليك»، قال جوناثان تشايت إن «الحل المفضّل لتوماس هو تحويل الجزء الأكبر من اليهود في العالم إلى لاجئين. أجد ذلك شيئا يثير الاشمئزاز من الناحية الأخلاقية، ولكني لا أعتقد أن العداء للصهيونية يرفع الأهلية عن شخص يمارس العمل الصحافي».
* خدمة «واشنطن بوست»..
خاص بـ«الشرق الأوسط»

14 - يونيو - 2010
الدم الغالي
هيلين توماس هي الإسرائيلية التي صرّحت ضد إسرائيل    ( من قبل 7 أعضاء )    قيّم

http://rabbilive.com/RabbiLIVE/Helen.html

14 - يونيو - 2010
الدم الغالي
ترويحة تسبيح وتمجيد وتعظيم وتحميد لله رب العالمين    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

 
 

14 - يونيو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
أوربة والإسلام    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

أوروبا والإسلام في العصور الوسطى: قضايا المجابهة والعلاقات السياسية والإنسانية

حاتم الطحاوي     الحياة     2004/07/3

 

بعد نجاح الامبراطور البيزنطي هرقل (610 - 641م) في هزيمة الفرس, ودخول عاصمتهم المدائن عام 628م, جرى الاعتقاد بأن المواجهة الثنائية الكبرى, التي امتدت لعدة قرون خلت, بين الروم المسيحيين, والفرس الوثنيين قد انتهت لمصلحة المسيحية.
غير أن أخبار وكتابات المسيحيين الشرقيين, التابعين للنفوذ السياسي البيزنطي, كانت أول من رصدت بزوغ دين جديد في جزيرة العرب. ولم تكتف بهذا, بل سوقت لفكرة مؤداها ان هذا الدين الجديد, ما هو إلا دين مزيف, تم انتحال شعائره من كتابات العهدين القديم والجديد. ويعبر عن هرطقة مسيحية جديدة.
وتشير أقدم إشارة بيزنطية الى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في العام 634م, بوصفه نبياً مزيفاً, تدعو تعاليمه الى إراقة دماء البشر, ومهاجمة المسيحيين, ملمحةً إلى أنه لم يسبق أن أُرسل نبي من قبل "... في يده سيف, ويعتلي عجلة حربية".
وعندما قام المسلمون بفتح بلاد الشام في الأعوام (636 - 637م), بدأ رجال الدين والمؤرخون البيزنطيون بصياغة فكرة سلبية عن الإسلام, وصورة ذهنية وحشية عن المسلمين. فزعم المؤرخ ثيوفانس (760م - 817م) بأن "المسلم هو شخص يمجد عمليات القتل التي أمر بها نبيه المزيف, الذي سوغ فكرة أن من يقتل عدوه المسيحي أو الوثني يدخل الجنة".
وهكذا, فبعد الفشل العسكري أمام زحف المسلمين على بلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا, ساهم رجال الفكر في بيزنطة وأوروبا في تشويه صورة الإسلام والمسلمين. وصمهم بالبربرية والوحشية. بل زعموا أن نجاح المسلمين ما هو إلا تعبير عن غضب الرب, وهو ما يظهر في كتابات البطريرك صفرونيوس, وثيوفانس, والمؤرخ الغالي الكاثوليكي فريديجاريوس. وعلى أية حال, نجح الخطاب السياسي والديني البيزنطي في انتاج صورة سلبية عن عدو وثني وبربري, ذو قسمات صارمة وحادة ومدببة, لرجال شعثُ غُبر, يمتهنون إراقة الدماء. كما نجح أيضاً في تصدير هذه الصورة الى الغرب, لتسكن في الوعي والوجدان الأوروبي.
وجاء الفتح الإسلامي للأندلس 711م, ليزيد من عمق الأخدود بين أوروبا المسيحية والإسلام. ودُبجت كتابات عدة في الغرب عن أولئك الأعداء المتصفين بالقسوة المفرطة. ومن أهم تلك الكتابات, ما سطره المؤرخ الانكليزي بيديه (673 - 735م) إذ ساهم في تكريس وصف المسلمين بالأعداء الوثنيين, الذين يجب محاربتهم لأنهم يكنون كراهية عميقة للرب المسيحي.
على أنه من اللافت للنظر أن القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين, قد شهدا تنامي النظرة العدائية للمسلمين في أوروبا. بفضل ما اصطلح على تسميته بالحركة الصليبية التي دعا اليها البابا أربان الثاني في مجمع كليرمونت بفرنسا 1095م, إذ امتلأت خطبه ورسائلة بالحض على كراهية المسلمين, ذلك "الجنس الوثني الشرير", "ذرية قابيل, أبناء العاهرات" الذي يتمتع بقسوة وبربرية لا مثيل لها, ويقوم بتدنيس مدينة الرب (القدس). ومن الواجب قتلهم والنيل منهم, واغتصاب أرضهم مقابل الحصول على مكافأة سماوية من الرب.
وعلى رغم استقرار المسلمين بالشام لقرنين من الزمان, مع ما تبع ذلك من اتصال اجتماعي بالسكان المسلمين, والمحيط الإسلامي, فإن كتابات الحجاج المسيحيين ورجال الكنيسة الذين زاروا المناطق الصليبية, ساهمت في تكريس نفس النظرة العدائية للإسلام, ونقلها لأوروبا, بحيث ازدهرت ثقافة عدوانية تجاه المسلمين المتوحشين والبرابرة الوثنيين.
وكان من الطبيعي أن يعيد الرهبان الأوروبيون ورجال الكنيسة الكاثوليكية انتاج فكرة "الخوف من المسلمين", وخير من فعل ذلك هو الراهب الشهير يواقيم الفلوري (1145 - 1202م), الذي كان يكثر من التأمل في الكتاب المقدس, ليخرج بنتيجة مؤداها أن "المسلمين الهراطقة", قد ورد ذكرهم في الإصحاح الثالث لرؤيا يوحنا, حول طلوع وحش من البحر له سبعة رؤوس تشير إلى أعداء المسيحية, حيث يشير الرأس الرابع الى الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعد زعم اضطهاده للمسيحيين, على حين يشير الرأسين الخامس والسادس الى السلاطين المسلمين عبدالمؤمن الموحدي في المغرب, وصلاح الدين الأيوبي في مصر والشام.
حدث هذا قبل أن يقوم دانتي في الكوميديا الإلهية بوضع نبي المسلمين في الدرك الأسفل من الجحيم, مفضلاً عليه فروسية صلاح الدين.
ولا غرو أن تكريس تلك الأفكار التي تدعو الى كراهية المسلمين, فضلاً عن الخوف منهم, دفعت العديد من الرهبان والمفكرين العلمانيين الأوروبيين الى انتهاج سياسة هجومية ضد الإسلام.
وعلى رغم الاعتراف الأوروبي على المستويين الفكري والكنسي, بالمنتج الثقافي والعلمي للحضارة الإسلامية, إلا أن النظرة الأوروبية للمسلم امتلأت بالخوف والتوجس إزاء ذلك المجهول, الذي يرفع سيفه بغية قتل المسيحي.
واستعرت الكراهية العميقة للإسلام والمسلمين في أوروبا في القرون من 14- 16م, على أثر المد الإسلامي الجديد تحت راية العثمانيين, الذين زحفوا نحو البلقان, قبل أن تستدير آلتهم العسكرية لتطبق بعنف على عاصمة المسيحية الشرقية الأرثوذكسية, وينجح السلطان محمد الفاتح في فتح القسطنطينية العام 1453م.
وهو ما أحدث صدمة كبرى لدى أوروبا المسيحية, فضلاً عن إحداث حالة من الذعر لدى البابوية وحكام أوروبا بعد سماعهم عن رغبة السلطان فاتح الذي تم وصفه "بالشيطان, الثعبان, الوثني, الشبقي... في الهجوم على ايطاليا حيث الكرسي البابوي في روما.
وربما ساهمت قسوة الأتراك العثمانيين, فضلاً عن استخدامهم نظام الدوشرمة بالبلقان في تعميق الجرح المسيحي. ولا بد من أن المؤرخين البيزنطيين المتأخرين قد شحذوا الذاكرة الأوروبية من أجل تكريس نظرية الخوف من المسلمين, فضلاً عن كراهيتهم العميقة. إذ تحدث المؤرخون المسيحيون المعاصرون لسقوط القسطنطينية, عما أسموه قسوة العثمانيين ووحشيتهم, فضلاً عن عمليات اغتصاب الراهبات وسبي الرهبان والسكان وبيعهم في أسواق الرقيق. بحيث كتب الأب ليونارد الخيوسي رسالة الى البابا نيقولا الخامس (1447 - 1455م) يصف فيها أولاً ما أحدثه العثمانيون من دمار ووحشية, ثم يحثه على ضرورة استعادة تلك العاصمة/ الرمز المسيحي, قبل أن يقوم العثمانيون بمهاجمة أوروبا الكاثوليكية.
وعلى رغم سقوط غرناطة 1491م, فإن ذلك لم يسهم في كسر حدة الخوف من المسلمين وكراهيهم, حتى اننا لنجد الملاح الشهير كريستوفر كولمبس يرسل الى الملكين فرديناند وايزابيلا في العام 1501م رسالة يحضهم فيها على مهاجمة المسلمين في عقر دارهم, واحتلال القدس, معتمداً في ذلك على التنبؤات المزعومة للأب يواقيم الفلوري, وتابعه الراهب أرنو الفيلانوفي
(1250 - 1312م) اللذان ذكرا بأن هناك بطلاً مسيحياً سوف يخرج من اسبانيا ليقوم بهزيمة المسلمين, ثم إعادة بناء قبر الرب في جبل صهيون بالقدس.
* كلية الآداب - جامعة الزقازيق - مصر

15 - يونيو - 2010
عصر محمد في المصادر غير العربية
بلالة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

http://ejabat.google.com/ejabat/thread?tid=39d36013a9a908c6&table=%2Fejabat%2Fuser%3Fuserid%3D01994645577179789363&clk=wttpcts

15 - يونيو - 2010
عصر محمد في المصادر غير العربية
أسلوب ( شتان ما)    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

 لشتان ما بين اليزيدين في الندى        يزيد سليم والأغر ابن حاتم
البيت لربيعة الرقي من قصيدة مدح بها يزيد بن حاتم المهلبي.
الخزانة: 6/275، 287 هارون، والمفصل: 163، وابن يعيش: 4/37 ،68.
وفي التخمير: 2/280 "قال الأصمعي: لا يقال: شتان ما بينهما؛ لأنك إذا جعلت "ما" مزيدة، لم يبق في الكلام ل(شتان) فاعل، وإن جعلته بمعنى "الذي" كنت قد جعلت كما (علم) يقتضي شيئين. ولم يستبعده بعض العلماء عن القياس؛ لأن الفاعل من حيث المعنى شيئان...".
وفي المسائل العسكريات:28:
" فأما قولك " شتان ما بينهما" فالقياس لا يمنعه إذا جعلت "ما" بمنزلة الذي، وجعلت "بين" صلة ؛ لأن "ما" لإبهامها قد تقع على الكثرة ...".
وانظر شذور الذهب: 404 وتعليق المرحوم محيي الدين عبد الحميد.
وقال الفارسي في المسائل العسكريات: 29:
" إلا أن الأصمعي طعن في فصاحة هذا الشاعر، وذهب إلى أنه محتج بقوله، ورأيت أبا عمر قد أنشد هذا البيت على وجه القبول له، والاستشهاد به، وقد طعن الأصمعي على غير شاعرقد احتج بهم كذي الرمة، والكميت فيكون هذا أيضاً مثلهم ".
وانظر كتاب "فعل، وأفعل" للأصمعي: 507، وهو منشور ضمن العدد الرابع لسنة 1401هـ من مجلة البحث العلمي في كلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
هذا،'' ويستشهد بشعرالمولدين في المعاني، كما يستشهد بشعر العرب في الألفاظ" المزهر: 1/59.
 واعلم أن استشهاد ابن جني بشعر المولدين واضح في الخصائص والمنصف.
انظر الخصائص:1/24، 25، 26، 30، 40، والمنصف: 2/198.

17 - يونيو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
وصية الله عز وجل    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

وصية الله – سبحانه – للإنسان:
" وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" {46/15}
" أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ"
 {46/16}
" يقول الحق جلّ جلاله: { ووصينا الإِنسانَ } بأن يُحسن { بوالديه حُسناً } وقرأ أهل الكوفة
{ إحساناً } وهما مصدران، وقرئ: " حَسَناً " بفتح الحاء والسين، أي: يفعل بهما فعلاً حَسَناً، أو: وصينا إيصاءً حَسَاناً، { حملته أُمه كُرْهاً ووضعته كُرهاً } أي: حملته بكُرْهٍ ومشقة، ووضعته كذلك، وذكره للحث على الإحسان والبرور بها، فإن الإحسان إليها أوجب، وأحق من الأب، ونصبهما على الحال، أي: حملته كارهة، أو: ذات كُره، وفيه لغتان؛ الفتح والضم، وقيل: بالفتح مصدر، وبالضم اسمه. { وحَمْلُه وفِصَالُه } أي: ومدةُ حمله وفصاله، وهو الفطام. وقرأ يعقوبُ: " وفصله " وهما لغتان كالفَطْم والفطام، { ثلاثون شهراً } لأن في هذه المدة عُظَّم مشقة التربية، وفيه دليل على أن أقل مدة ستةُ أشهر؛ لأنه إذ حُط منه لفطام حولان، لقوله تعالى:حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ }[البقرة: 233] يبقى للحمل ستة، قيل: ولعل تعيين أقل مدة الحمل، وأكثر مدة الرضاع لانضباطهما، وارتباطِ النسب والرضاع بهما.
{ حتى إِذا بلغ أشُدَّه } أي: اكتهل، واستحكم عقله وقوته، وانتهت قامته وشبابه، وهي ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين، وقال زيد بن أسلم: الحلم، وقال قتادة: ستة وثلاثون سنة، وهو الراجح، وقال الحسن: قيام الحجة عليه. { وبلغ أربعين سنة } وهو نهاية الأشدّ، وتمام العقل، وكمال الاستواء.
قيل: لم يُبعث نبيّ إلا بعد الأربعين، قال ابن عطية: وإنما ذكر تعالى الأربعين، لأنها حدّ الإنسان في فلاحه ونجاته، وفي الحديث
" إن الشيطان يمدّ يده على وجه مَن زاد على الأربعين ولم يتب، فيقول: بأبي وَجْهٌ لايُفلح " هـ. ومن حديث أنس قال صلى الله عليه وسلم: " مَن بلغ أربعين سنة أمّنه الله من البلايا لثالث: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ الخمسين خفّف الله عنه الحساب، فإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الإنابة كما يُحب، فإذا بلغ سبعين سنة غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وشفع في أهل بيته، وناداه منادٍ من السماء: هذا أسير الله في أرضه " وهذا في العبد المقبل على الله. والله تعالى أعلم. وقُرئ: " حتى إذا استوى وبلغ أشُدَّه ".
{ قال ربِّ أوزعني } أي: ألهمني { أن أشكر نعمتك التي أنعمتَ عليَّ } من الهداية والتوحيد، والاستقامة على الدين، { وعلى والديَّ } كذلك، وجمع بين شكر النعمة عليه وعلى والديه؛ لأن النعمة عليهما نعمةٌ عليه، { وأنْ أعمل صالحاً ترضاه } التنكير للتفخيم والتكثير، قيل: هو الصلوات الخمس، والعموم أحسن، { وأَصْلِحْ لي في ذُريتي } أي: واجعل الصلاة سارياً في ذريتي راسخاً فيهم، أو: اجعل ذريتي مَوقعاً للصلاح دائماً فيهم، { إِني تُبتُ إِليك } من كل ذنب، { وإِني من المسلمين } الذين أخلصوا لك أنفسهم، وانقادوا إليك بكليتهم. قال عليّ رضي الله عنه: نزلت في أبي بكر رضي الله عنه، ولم تجتمع لأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين مَن أسلم أبواه غيره، وأوصاه الله بهما. هـ. فاجتمع لأبي بكر إسلام أبي قحافة وأمه " أم الخير " وأولاده: عبد الرحمن، وابنه عتيق، فاستجاب الله دعاءه في نفسه وفي ذريته، فإنه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان وثلاثين سنة، ودعا لهم وهو ابن أربعين سنة. قال ابن عباس: أعتق أبو بكر تسعةً من المؤمنين، منهم: بلال، وعامر بن فهيرة، ولم يُرد شيئاً من الخير إلا أعانه الله عليه. هـ.
قال ابن عطية: معنى الآية: هكذا ينبغي للإنسان أن يكون، فهي وصية الله تعالى للإنسان في كل الشرائع، وقول مَن قال: إنها في أبي بكر وأبويه ضعيف، لأن هذه نزلت في مكة بلا خلاف، وأبو قُحافة أسلم يوم الفتح. هـ. قلت: كثيراً ما يقع في التنزيل تنزيل المستقبل منزلة الماضي، فيُخبر عنه كأنه واقع، ومنه:
وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِى إِسْرَآءِيلَ }[الأحقاف: 10] ووَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ }[فصلت:6، 7] وهذه الآية في إسلام إبي قحافة. والله تعالى أعلم.
{ أولئك الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا } من الطاعات، فإن المباح لا يُثاب عليه إلا بنية صالحة، فإن يَنقلِب حينئذ طاعة، وضمّن " يتقبل " معنى يتجاوز، فعدّاه بعَن؛ إذ لا عمَلَ يستوجبُ القبول، لولا عفوُ الله وتجاوزه عن عامله، إذ لا يخلو عمل من خلل أو نقص، فإذا تجاوز الحق عن عبده قَبِلَه منه على نقصه، فلولا حلمه تعالى ورأفته ما كان عملٌ أهلاً للقبول. { ويتجاوز عن سيائتهم } فيغفر لهم، { في } جملة { أصحاب الجنة } كقولك: أكرمني الأمير في نار من أصحابه، أي: أكرمني في جملة مَن أكرمهم، ونظمني في سِلكِهمْ ومحله: نصب على الحال، أي: كائنين في أصحاب الجنة، ومعدودين فيهم، { وَعْدَ الصِّدق } أي: وعدهم وعداً صدقاً، فهو مصدر مؤكد، لأن قوله: { يتقبل ويتجاوز } وعد من الله تعالى لهم بالتقبُّل والتجاوز، { الذي كانوا يُوعدون } في الدنيا على ألسنة الرسل عليهم السلام.
الإشارة: لمَّا كانت تربية الأبوين مظهراً لنعمة الإمداد بعد ظهور نعمة الإيجاد وصّى الله تعالى بالإحسان إليهما، وفي الحقيقة: ما ثمَّ إلا تربيةُ الحق، ظهرت في تجلِّي الوالدين، قذف الرأفة في قلوبهما، حتى قاما بتربية الولد، فالإحسان إليها إحسان إلى الله تعالى في الحقيقة. وقال الورتجبي: وصى الإنسانَ بالإحسان إلى أبويه، لأنهما أسباب وجوده، ومصادر أفعال الحق بَدَا منهما بدائعُ قدرته، وأنوارُ ربوبيته، فحُرمتهما حرمة الأصل، ومَن صبرَ في طاعتهما رزقه الله حُسنَ المعاشرة على بساط حُرمته وقُربته.
قال بعضهم: أوصى اللّهُ العوام ببر الوالدين لِما لهما عليه من نعمة التربية والحِفظ، فمَن حفظ وصية الله في الأبوين، وفّقه بركةُ ذلك، لحِفظِ حرمات الله، وكذلك رعاية الأوامر والمحافظةُ عليها تُوصل بركتُها بصاحبها إلى محل الرضا والأنس. قال القشيري: وشر خصال الولد: التبرُّم بطول حياتهما، والتأذي بما يجب من حقهما، وعن قريب يموت الأصل، وقد يبقى النسل، ولا بد ان يتبعَ الأصل. هـ. أي: فيعق إن عقّ أصله، ويبر إن بر، وفي الحديث:
" برُّوا آباءَكُمء تبركمْ أبناؤكم " ثم قال: ولقد قالوا في هذا المعنى وأنشدوا:
رُوَيْدَكَ إنَّ الدَّهْرَ فيه كفاية
   
لِتَفْرِيق ذات البَيْنِ فارتقِبِ الدَّهرا
 " وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ" {46/17}
"ثم ذكر وبال عقوقهما، فقال: { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ }.قلت: { والذي قال } مبتدأ، وخبره: { أولئك الذين حقَّ عليهم القول } ، والمراد بـ " الذي قال " الجنس، ولذلك جمع الخبر.
يقول الحق جلّ جلاله: { والذي قال لوالديه } عند دعوتهما إلى الإيمان: { أُفًّ لكما } وهو صوت يصدر عن المرء عند تضجُّره، وقَنَطِه، واللام لبيان المؤفّف، كما في " هيتَ لك " وفيه أربعون لغة، مبسوطة في محلها، أي: هذا التأفيف لكما خاصة، أو لأجلكما دون غيركما.
وعن الحسن: نزلت في الكافر العاقّ لوالديه، المكذِّب بالبعث، وقيل: نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه، قبل إسلامه. وأنكرت عائشة رضي الله عنها ذلك، وقالت: والله ما نزل في آل أبي بكر شيئاً من القرآن، سوى براءتي، ويُبطل ذلك قطعاً: قوله تعالى: { أولئك الذين حق عليهم القول } لأنَّ عبد الرحمن بن أبي بكر أسلم، وكان من فضلاء الصحابة، وحضر فتوحَ الشام، وكان له هناك غناء عظيم، وكان يسرد الصيامَ. قال السدي: ما رأيت أعبد منه.هـ. وقال ابن عباس: نزلت في ابنٍ لأبي بكر، ولم يسمه، ويرده ما تقدّم عن عائشة، ويدل على العموم: قوله تعالى: { أولئك الذين حقّ عليهم القول } ، ولو أراد واحداً لقال: حق عليه القول.
ثم قال لهما: { أَتعدانِني أن أُخْرَج } أي: أُبعث وأُخرج من الأرض، { وقد خَلَت القرونُ من قبلي } ولم يُبعث أحد منهم، { وهما يستغيثانِ اللّهَ } يسألانه أن يُغيثه ويُوقفه للإيمان، أو يقولان: الغِياث بالله منك، ومن قولك، وهو استعظام لقوله، ويقولان له: { وَيْلكَ } دعاء عليه بالثبور والهلاك، والمراد به: الحث والتحريضُ على الإيمان، لا حقيقة الهلاك، { آمِنْ } بالله وبالبعث.
 { إِنَّ وعدَ الله } بالبعث والحساب { حَقٌّ } لا مرية فيه، وأضاف الوعد إليه - تعالى - تحقيقاً للحق، وتنبيهاً على خطئه، { فيقول } مكذّباً لهما: { ما هذا } الذي تسميانه وعْد اللّهِ { إلا أساطيرُ الأولين } أباطيلهم التي سطروها في كتبهم، من غير أن يكون له حقيقة.
{ أولئك الذين حقَّ عليهم القولُ } وهو قوله تعالى لإبليس:
لأَمَّلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ }[الأعراف: 18] كما يُنبئ عنه قوله تعالى: { في أمم قد خلت مِن قبلهم من الجن والإنس } أي: في جملة أمم قد مضت، { إِنهم كانوا خاسرين } حيث ضيّعوا فطرتهم الأصلية، الجارية مجرى رؤوس أموالهم، باتباعهم الشيطان، وتقليداً بآبائهم الضالين.
{ ولكلٍّ } من الفريقين المذكورين، الأبرار والفجار، { درجاتٌ مما عملوا } أي: منازل ومراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر، ويقال في جانب الجنة: درجات، وفي جانب النار: دركات، فغلب هنا جانب الخير.
قال الطيبي: ولكلٍّ من الجنسين المذكورين درجاتٌ، والظاهر أن أحد الجنسين ما دلّ عليه قوله:

إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ }[الأحقاف: 13]، والآخر قوله: { والذي قال لوالديه أُف لكما } ثم غلب الدرجات على الدركات، لأنه لمّا ذكر الفريق الأول، ووصفَهم بثباتٍ في القول، واستقامةٍ في الفعْل، وعقَّب ذلك بذكر فريقِ الكافرين، ووصفهم بعقوق الوالدين، وبإنكارهم البعثَ، وجعل العقوقَ أصلاً في الاعتبار، وكرر في القِسم الأول الجزاء، وهو ذكر الجنة مراراً ثلاثاً، وأفْردَ ذكر النار، وأخّره، وذكرَ ما يجمعُهما، وهو قوله: { ولكلٍّ درجات } غلّب الدرجات على الدركات لذلك، وفيه ألا شيء أعظم من التوحيد والثبات عليه، وبر الوالدين والإحسان إليهما، ولا شيء أفحش من عقوق الوالدين، وإنكار الحشر، وفي إيقاع إنكار الحشر مقابلاً لإثبات التوحيد الدلالة على أن المنكر معطل مبطل لحكمة الله في إيجاد العالم.
{ ولنُوفيهم أعمالهم } وقرأ المكي والبصري بالغيب، أي: وليوفيهم الله جزاء أعمالهم، { وهم لا يُظلمون } بنقص ثواب الأولين، وزيادة عقاب الآخرين، واللام متعلقة بمحذوف، أي: وليوفيهم أعمالهم، ولا يظلمهم حقوقهم، فعل ما فعل من ترتيب الدرجات أو الدركات.
الإشارة: عقوق الأساتيذ أقبح من عقوق الوالدين، كما أن برهما أوكد؛ لأن الشيخ أخرجك من ظلمة الجهل إلى نور المعرفة بالله، والوالدان أخرجاك إلى دار التعب، مُعرض لأمرين، إما السلامة أو العطب، والمراد بالشيخ هنا شيخ التربية، لا شيخ التعليم، فلا يقدّم حقه على حق الوالدين، هذا ومَن يَسّر اللّهُ عليه الجمع بين بِر الوالدين والشيخ فهو كمال الكمال. وبالله التوفيق.
ثم ذكر جزاء العاق المنكر للبعث، فقال: { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ }."
 ( ابن عجيبة).

17 - يونيو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
 225  226  227  228  229