المرايا في الشعر العربي كن أول من يقيّم
سلمك الله يا ابن الأكوح وسلمت يداك، وأعتقد أن تحديك هذا مستفاد من تعليق لي في نوادر النصوص حول قصيدة عبد الغني النابلسي (حاولت في المرآة أنظر من أنا) كنت أتمنى لو كتبت لنا أبيات الأغنية بالكامل.
وقد جمعت لك هذه الباقة من شعر المرايا عن العرب، ولا أعرف كتابا جمع ما تفرق من ذلك في الدواوين وكتب الأدب،وأما كتاب (المرقاة لما يقول من ينظر في المرآة) لابن طولون، فهو كتاب لم اطلع عليه، وأعتقد أنه في الأحاديث والأخبار والأدعية التي أثرت عن النبي (ص) في ذلك.
وأنا أذكر هنا ما عثرت عليه من شعر المرآة بعد جولة قضيتها في الموسوعة. فأول من ذكر المرآة في شعره من شعراء العرب ابن العجلان النهدي (ت 50 ق هـ) وهو قوله من قصيدة:
أَتَتَ بَينَ أَترَابٍ تمايَسُ إِذ مَشَت |
|
دَبِيبَ القَطَا أَوهُنَّ مِنهُنَّ iiأَقطَفُ |
يَـبَـاكِـرنَ مِـرآةً جَلِيًّا iiوَفَارَةً |
|
ذَكِـيًّا وبالأَيدِي مَدَاكٌ iiوَمِسوَفُ |
ويذكر هنا أيضا بيت للأعرج المري (جاهلي: مجهول الوفاة) ورد فيه ذكر المرآة وهو قوله:
فَـإِن أَنـتُـمُ لَـم تَفعَلوا فَتَبَدَّلوا |
|
بِـكُلِّ سِنانٍ مَعشَرَ الغَوثِ iiمِغزَلا |
وَبِالدِرعِ ذاتِ السَرد دَرجاً وَعَيبَةً |
|
وَبِالسَيفِ مِرآةً وَبِالقَوسِ iiمَكحَلا |
ولكن كل ذلك دون قول حميد بن ثور الهلالي (ت 30 هـ) في داليته التي أولها:
لَـقَـد ظَـلَمت مِرآتَها أُمُّ iiمالكٍ |
|
بِـمـا لاقتِ المرآةُ كانَ iiمُحَرَّدا |
أَرَتـهـا بِـخدَّيها غُضوناً iiكأَنّها |
|
مَجَرُّ غُصونِ الطلحِ ما ذُقنَ فَدفَدا |
وتلاه سويد اليشكري (ت 60هـ) في قصيدته المطولة والتي تجاوزت المائة بيت، ولم يصلنا من شعره قصيدة كاملة سواها، وفيها قوله:
تَـمـنَـحُ الـمَرآةَ وَجهاً iiواضِحاً |
|
مِثلَ قَرنِ الشَمسِ في الصَحوِ اِرتَفَع |
صـافـي الـلَـونِ وَطَرفاً iiساجِياً |
|
أَكـحَـلَ الـعَـيـنينِ ما فيهِ iiقَمَع |
وأترك مراعاة التاريخ في سرد هذه المختارات التي اخترتها فيما يجري مجرى أغنية يونس مكري، وما قارب ذلك من معاني الغزل والاتجاه المعاكس. فمن ذلك قول ابن حمديس (ت 527هـ):
قال الكواعبُ قد سعدتَ iiبوصلنا |
|
فَـأَجـبـتها وبِهَجركنّ iiشقيتُ |
كـنْتُ المُحبّ كرامَةً iiلشَبيبَتي |
|
حـتى إذا وَخَطَ المَشِيبُ iiقُلِيتُ |
مَن أَستَعينُ بِهِ على فرط الأسَى |
|
فـأنـا الذي بجنايَتي iiعوديتُ |
كـنـتُ امرَأً لم أَلقَ فيه iiرزيّةً |
|
حـتـى سُلِبْتُ شبيبَتي iiفرُزِيتُ |
تهدي ليَ المرآةُ سُخْطَ iiجنايَتي |
|
فَـاللَّه يعلمُ كيف عنه iiرضيتُ |
وقول ابن زهر الحفيد (ت 595هـ):
إِنّي نَظَرتُ إِلى المِرآةِ إِذ جليت |
|
فَـأَنـكَرَت مُقلَتايَ كُلَّ ما رَأَتا |
رَأَيتُ فيها شُيَيخاً لَستُ iiأَعرِفُهُ |
|
وَكُنتُ أَعرِفُ فيها قَبلَ ذاكَ فَتى |
وقول ابن الأبار (ت 658هـ)
تَـنَـاوَلَـتِ المَرْأَةَ وَهيَ iiصَقِيلَةٌ |
|
تَـأَمَّـلُ وَجْـهاً دُونَه ذلِكَ الصَّقْلُ |
فَـلَـمَّـا تَنَاهَتْ أوْدَعَتْها iiغِشَاءَها |
|
وَقَدْ حَدَّثَ القُرْطانِ واسْتَمَعَ الحِجْلُ |
فَـشَـبَّـهْـتُهَا بَدْراً عَلاهُ iiخُسُوفُهُ |
|
فَـأَظْـلَـمَ مـنْهُ ما أنارَ لَهُ iiقَبْلُ |
وقول أبي بكر الخالدي (ت380هـ)
وتَمايُلُ الجَوْزاءِ يَحْكي في الدُّجَى |
|
مَـيَـلانَ شَارِبِ قَهْوَةٍ لَمْ iiتُمْزَجِ |
كَـتَـنَفُّسِ الحَسْناءِ في المِرْآَةِ iiإِذْ |
|
كَـمُـلَـتْ مَحاسِنُها وَلَمْ iiتَتَزَوَّجِ |
وقول السراج الوراق (ت 691هـ):
حَوْراءُ تَنظُرُ في المِرآةِ طَلْعَتَها |
|
يَا هذهِ ليسَ هذا الجِنْسُ iiلِلبَشَرِ |
وقول الصنوبري (ت 334هـ) :
يـا لـمةً أخْلَقَتْ من بعدِ iiجدَّتِها |
|
فـلـلـمشيبِ على حافاتها iiرُقَع |
أُقطِّعُ الطَّرْفَ في المرآةِ منْ فرَقٍ |
|
إذا تـراءَتْ له في مَفْرِقي iiقِطَع |
وقول الطغرائي (ت 513هـ)
لـقد بغَّضَ المرآةَ عنديَ iiأنَّها |
|
تطالعُني بالشيبِ من كل جانبِ |
وقول فتيان الشاغوري (ت 615هـ):
قَـد كـانَتِ المِرآةُ فيما iiمَضى |
|
تُهدي إِلى عَيني الشَبابَ الحَسَن |
وَالآنَ قَـد صِـرتُ أَراها iiوَقَد |
|
كَـحَّـلَـتِ الطَّرفَ بِشَيخٍ iiيَفَن |
قُـلـتُ لَها أَينَ الَّذي كانَ iiمِن |
|
قَـبـلُ فَقالَت لي مَحاهُ iiالزَمَن |
ومن شعر المعاصرين:
قصيدة جميل صدقي الزهاوي (ت 1936م) وربما نشرتها في تعليق لاحق، وتقع في (25) بيتاً، وأولها:
بان لي في المرآة شيخ كبير |
|
عاش حتى تعرف iiالأحوالا |
كـلل الشيب رأسه iiببياض |
|
زاده في عيني هناك iiجلالا |
شاهد ما بوجهه من iiغضونٍ |
|
أنـه صارع السنين iiالطوالا | وقصيدة إلياس أبو شبكة (ت 1947م) التي يقول فيها:
لا أَرى في المِرآةِ وَجهِيَ حَتّى |
|
يَعتَريني خَوفٌ لِفَرطِ iiاِعتِلالي | وقصيدة علي الجارم (ت 1949م) وتقع في (78) بيتا
أَيْـنَ لَوْنُ الْحَيَاةِ والقَهْرِ iiوالقُوَّةِ |
|
مِـنْ لَـوْنِ نـاصِل iiالأعْشاب |
كُـلَّما رُمْتُ خَدْعَ نَفْسِي iiبنفْسِي |
|
كَشَفَتْ لي المِرْآةُ وَجْهَ الصَّوَابِ |
رُبَّ صِـدْقٍ تَـوَدُّ لو كَانَ كِذْباً |
|
وكِـذَابٍ لـو كانَ غَيْرَ iiكِذَاب | وقصيدة الدكاترة زكي مبارك التي أولها:
مليحٌ له المرآة أختٌ حبيبةٌ |
|
يقول لها ما يشتهى iiوتقولُ | وأما البيتان المنسوبان لأبي العلاء فالأرجح أنهما مما نحلته إياه الزنادقة، والظاهر أن المراد بالمرآة في البيتين مرآة المرصد:
خُذِ المِرآةَ وَاِستَخبِر iiنُجوماً |
|
تُمِرُّ بِمَطعَمِ الأَريِ iiالمَشورِ |
تَدُلُّ عَلى الحِمامِ بِلا اِرتِيابٍ |
|
وَلَـكِن لا تَدُلُّ عَلى iiالنُشورِ |
|