البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات زهير ظاظا

 223  224  225  226  227 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
حول زوجات محمد أسد    كن أول من يقيّم

يبدو أن هناك خطأ في الترجمة التي نقلتها عن المرعشلي، حول تطليق زوجة محمد أسد أم طلال، لأنني قرأت في الموقع http://www.alsakher.com/vb2/showthread.php?t=86869 نبذة مهمة عن حياة محمد أسد، وفيها ما يفهم منه أنه تزوج أربع مرات وليس ثلاثا، وأنقل هنا ما يتعلق بزوجاته في المقال، ويلاحظ فارق السن بينه وبين زوجته الأولى تماما كفارق السن بين النبي (ص) وأم المؤمنين خديجة (ر):
في برلين قابل إليساElsa ، رسامة أرستوقراطية موهوبة، أرمل في الأربعين، لديها طفل في السادسة، من زواج سابق. لم يوهن غياب محمد أسد عن أوروبا مدة عامين من حبه لهذه السيدة التي تكبره بخمسة عشر عامًا. وكانت كلما ترددت في الزواج منه ازداد هو تشبثًا بها. لم يبالغ حين قال إنه لا يتصور حياته دونها، لقد كانت تشاركه قراءة القرآن، حتى قبل أن يعلن هو نفسه الإسلام، وكانت تبدي خلال مناقشاتها مدى تأثرها بتعاليم القرآن الأخلاقية وتوجيهاته العملية.
راح يستغرق في قراءة القرآن الكريم، ويتأمل التعاسة تعلو وجوه القوم، برغم الرواج الاقتصادي نسبيًا آنذاك.
بعد زواجه منها، وبعد تمتعه بوظيفة مرموقة، ومركز أدبي ومرتب كبير ومستقبل واعد، لم يكن في الظاهر ثمة سبب يدعوه لمغادرة أوروبا. وفي يوم عيد الغطاس كان الشاب وزوجته يستقلان مترو الأنفاق، و ظلا يرقبان الوجوه التي لم يبد عليها البشر قط، برغم أن اليوم عيد، وبرغم مظاهر الأبهة البادية في ملابسهم و هندامهم. رجع إلى البيت، لمح مصحفًا مفتوحًا على سورة فسرت له حالة الشقاء التي ظهرت بوضوح على وجوه القوم، إنها سورة التكاثر. تحدث إلى إليسا فوافقته على ما أبدى من ملاحظات تربط بين السورة القرآنية وبين حال الشقاء التي لمساها في راكبي المترو.
نطق محمد أسد بالشهادتين هناك في أوروبا، أو في برلين تحديدًا في عام 1926م. ولما كانت الكلمة اليونانية «ليو» ـ المقطع الأول من ليوبولد ـ تعني «الأسد»، فقد اختار له أحد المسلمين المهاجرين هنالك اسم «محمد أسد». أسلم الرجل، وبعد أسبوعين أشهرت إليسا إسلامها، وصار طفلها يسمى أحمد.
أرسل محمد إلى والده خطابًا يخبره بإسلامه، فلم يتلق رده. فأتبعه بثان شرح فيه أن الإسلام لا يقطعه عن البر بوالديه، لكن الرد هذه المرة جاء من أخته التي قالت إنهم اعتبروه في عداد الأموات. لكن الله خفف عن الشاب المهتدي كل عناء عندما بادرت إليسا إلى إعلان إسلامها بعد أسبوعين.
بعد عشرين عامًا قضاها في الباكستان ذهب أسد إلى نيويورك سنة 1952م وزيرًا مفوضًا للباكستان في الأمم المتحدة. وهناك التقى السيدة التي تحولت من الكاثوليكية إلى الإسلام والتي صارت زوجة له بقية عمره ، على مدى أربعين عامًا. وعلى ذكر الزواج فقد تزوج الرجل من سيدتين عربيتين، أولاهما من قبيلة مطير تزوجها سنة 1928م، سرعان ما طلقها، ثم تزوج سيدة من شمر سنة 1930م، وهي التي أنجبت له طلالاً. (لو أنها اليوم على قيد الحياة عند أهلها بالمدينة المنورة، فإنها إذًا كنز معلومات عن سيرة محمد أسد).
عندما استقر محمد أسد في نيويورك، كان الله قد هيأ له أمرًا. لقد اهتدت إلى الإسلام دبلوماسية أمريكية تعمل في وزارة الخارجية، ضمن وفد الولايات المتحدة في منظمة الأمم المتحدة . كانت قد قطعت وحدها رحلتها إلى الإسلام، وبعد سنوات من الدرس والبحث تحولت السيدة (بولاPola ) من الكاثوليكية إلى الإسلام. و قبل أشهر من لقائها بمحمد أسد كانت قد أشهرت إسلامها، واتخذت لنفسها اسم حميدة. وبعد زواجها من صاحبنا، صارت تحمل ـ طبقًا للتقليد هناك ـ اسم حميدة أسد.
كان محمد أسد يتحدث عن حميدة بكل التقدير، ويذكر أنه ما كان لينجز ربع ما أنجز لولا دعمها المعنوي. قيل إنه تزوجها دون إذن مسبق من الخارجية الباكستانية وهو ما أثار الاعتراض، فما كان منه إلا أن واجه ذلك بالاستقالة من الخارجية الباكستانية. وكانت هذه الاستقالة خير استقلال، فلولاها ما تفرغ محمد أسد ليخرج إلى الوجود كتابه «الطريق إلى مكة» الذي نشر أول مرة سنة 1954م، وهو الكتاب الذي لم يتفوق عليه كتاب آخر في موضوعه؛ فما زال الكتاب يطبع مرة بعد مرة، فصدرت منه تسع طبعات بالعربية وحدها، أما الطبعات الإنجليزية فأكثر من أن تحصى، لعل من أحدثها طبعة 2001م.

11 - نوفمبر - 2007
محمد أسد: يهوديا ومسلما
طلاق رقية صباح عرسها    كن أول من يقيّم

لم أجد بدا من نقل هذه الحكاية على طولها لطرافتها ولندرتها ولما تعنيه للكثيرين في التعرف على أخلاق (محمد أسد) الطيبة والنبيلة. وأعتذر أني نقلت المعلومات السابقة عن مواقع وكتب لم تكلف نفسها التحقق من قصة زواج محمد أسد من رقية المطيرية، وسبب طلاقها، وقد روى محمد أسد ذلك بالتفصيل (ص 255) من كتابه (الطريق إلى مكة).
فأثناء نزوله في "حائل" على صديقه الأمير ابن مساعد، "أمير مدينة حائل وأكبر رجالات عبد العزيز" التقى في مجلسه صديقه غضبان بن رمال الذي سأله فيما سأله عن قصة زواجه الفاشل من رقية بنت مطلق المطيري، فكان هذا الحديث الطريف الذي قصه محمد أسد على الأمير ابن مساعد وصديقه غضبان:
(كنتُ أعيش في المدينة المنورة وحيدا بلا زوجة، واعتاد بدوي من قبيلة مطير اسمه فهد على قضاء عدة ساعات معي يوميا لإعداد القهوة وتسليتي بحكايات طريفة عن رحلاته الاستكشافية مع لورانس أثناء الحرب العظمى.
وذات يوم قال لي: لا يصلح للرجل أن يعيش بمفرده .. دماؤك ستتجمد في عروقك؛ لابد أن تتزوج. وحين سألته مازحا عن العروس التي يرشحها للزواج مني أجاب: هذا أمر سهل: ابنة مطلق زوج أختي، وهي الآن في سن الزواج، وأنا بصفتي خالها أستطيع أن أطمئنك أنها فائقة الجمال.
كنت أمزح حين قلت له: إن عليه أن يعرف أولا هل أبوها موافق أم لا. وهكذا في اليوم التالي أتى أبوها مطلق بنفسه لمقابلتي؛ وكان الحرج باديا عليه.
بعد عدة أقداح من القهوة، وبعض الأحاديث المتفرقة أخبرني في النهاية أن فهدا قد حدثه عن رغبتي في الزواج من ابنته وقال: (يشرفني أن تكون زوج ابنتي، ولكن رقية مازالت طفلة، إنها في الحادية عشرة من عمرها)
استشاط فهد غضبا حين أخبرته بزيارة مطلق وما قاله لي؛ وصاح في غضب: نذل ووغد... الوغد يكذب .. الفتاة في الخامسة عشرة... إنه لا يحبذ تزويجها من غير عربي، ولكنه يعلم صلتك الوثيقة بالملك عبد العزيز ولا يريد أن يضايقك برفضه المباشر، لذلك ادعى أنها طفلة؛ بل هي ناضجة.. وأردف: (مثل ثمر الرمان الذي يطلب من يقطفه)
التمعت عينا الشيخ غضبان عندما أتى ذكر وصف الفتاة وعلق قائلا: خمسة عشر عاما .. جميلة وعذراء ... وبعد ذلك تقول لي: لا شيء ... ماذا تريد أكثر من هذا ؟؟
أكملت قائلا: صبرا لأكمل لك باقي الحكاية... أعترف لكم أن اهتمامي راح يتزايد وربما ازداد بعد معارضة مطلق والد الفتاة.. وهبت فهدا عشر هدايا ذهبية ، وبذل كل جهده لإغراء أبويها أن يزوجاني إياها: وأرسلت بهدية مماثلة لأمها شقيقة فهد... لم أعرف بالضبط ما حدث في منزلهم... كل ما أعرفه أن فهداً وشقيقته بذلا كل ما يمكنهما من ضغوط على مطلق حتى يرضى بتزويجي ابنته.
قال الأمير ابن مساعد: (يبدو أن فهدا كان صديقا ماكرا.. توقع هو وأخته عطاء سخيا منك يا محمد... ماذا حدث بعد ذلك ؟)
رويت لهم كيف حل يوم الزفاف بعد ذلك بعدة أيام في غياب العروس التي طبقا للعادات يمثلها والدها وكيلا شرعيا عنها، ويتم تأكيد موافقة العروس على توكيل أبيها بشهادة اثنين من الشهود.
وتبع عقد القران حفل زفاف سخي مترف وفخم، مع الهدايا المعتادة والهبات للعروس "التي لم أكن قد رأيتها حتى تلك اللحظة" ولأبويها، ولبعض الأقارب المقربين.. من ضمنهم بالطبع فهد الذي حظي بأكثر الهدايا قيمة.
وفي المساء نفسه حضرت العروس إلي بيتي بصحبة أمها وبعض النسوة المحجبات، بينما كانت النساء تغني أغاني الأعراس من فوق أسطح المنازل المجاورة على إيقاع الدفوف والطبول.
في الساعة المعينة دخلتُ الغرفة التي كانت بها العروس تنتظر هي وأمها... لم أميز الأم من الابنة.. كلتاهما كانت مغطاة تماما بملابس سوداء؛ من الرأس حتى الأرض... ولكي أعرف العروس من أمها قلت: يمكنك أن تنصرفي الآن... فنهضت واحدة منهما وخرجت في صمت... وهكذا عرفت أن التي بقيت هي زوجتي.
قال غضبان عندما توقفت عن الحديث عند هذا الموضع... بينما تطلع إلي الأمير ابن مساعد: وبعد يا ابني ماذا حدث وماذا فعلت ؟
أكملت: (ثم ظلت البنت في موضعها .. تلك الفتاة المسكينة، من الواضح أنها كانت تشعر بخوف شديد من تسليمها إلى رجل لا تعرفه .. وعندما طلبت منها بأرق صوت استطعته أن تميط لثامها لم تفعل إلا أن تحكم وضع عباءتها حول جسدها في خوف)
هتف الشيخ غضبان في حماس : (يفعلن ذلك دائما ... يظهرن الخوف في البداية في ليلة الزفاف، إلا أنهن بعد ذلك يصبحن مسرورات .. أليس كذلك ؟)
أكملت: (حسنا، ليس تماما ... كان علي أن أزيح عن وجهها اللثام بنفسي، وعندما فعلت ذلك أذهلني أن أرى وجهها الجميل، وجه بيضاوي ، قمحي اللون، وعيون واسعة، وضفائر شعر طويلة تدلت حتى الوسائد التي كانت تجلس عليها.
إلا أن وجهها كان بالفعل وجه طفلة... لم يكن عمرها يزيد على أحد عشر عاما تماما كما ذكر والدها... وقد دفع الجشع خالها فهدا وأخته إلى تصوير الأمر لي على أنها في سن الزواج ... بينما كان المسكين مطلق بريئا من أي كذب أو ادعاء)
سأل الشيخ غضبان وعلى وجهه علامات عدم فهم ما كنت أرمي إليه: (وبعد ؟ ما مشكلة أحد عشر ربيعا ؟ البنات يكبرن .. أليس كذلك .. بل إنهن يكبرن أسرع في بيت الزوجية)
تحت إلحاحهم رحت أكمل الحكاية: أخبرتهم أنه مهما تكن وجهات نظر الشيخ غضبان فإن صغر سن العروس لم يكن ميزة كبيرة لي. فلم أشعر نحوها إلا بالشفقة، فقد كانت ضحية خداع خالها الوضيع.... عاملتها كما يعامل الأطفال...طمأنتها أنه لا يوجد ما تخشاه مني .. إلا أنها لم تنطق بكلمة، وفضح ارتعاشها خوفها وجزعها.
وجدت على أحد الأرفف قطعة شيكولاتة ... قدمتها إليها إلا أنها لم تكن رأت الشيكولاتة في حياتها، فرفضتها بهزة عنيفة من رأسها.
حاولت أن أطمئنها بأن أقص عليها قصة مسلية من "ألف ليلة وليلة" ولكن لم يبد عليها أنها فهمت أي شيء مما كنت أقصه عليها.
أخيرا تمتمت بأول كلمات لها: "رأسي يوجعني" أحضرت بعض أقراص الإسبرين ووضعتها في كفها ومعها كوب ماء. إلا أن ذلك تسبب في مزيد من خوفها (علمت بعد ذلك أن بعض السيدات من معارفها أخبروها أن الرجال الغرباء القادمين من بلاد أجنبية يخدرون زوجاتهم ليلة الزفاف حتى يغتصبوهن بسهولة).
بعد ساعتين أو نحو ذلك نجحت في إقناعها أنني لن أؤذيها... وفي النهاية سقطت في نوم عميق مثل أي طفلة في سنها. وأعددتُ فراشا لي على البساط في ركن الغرفة. وفي الصباح أرسلت من يستدعي أمها، وطلبت منها أن تصطحب ابنتها معها... بدا على المرأة الغباء وعدم الفهم، فهي لم تسمع في حياتها عن رجل يرفض لقمة فتاة عذراء في الحادية عشرة، وظنت أن هناك خللا في عقلي.
وسأل الشيخ غضبان: "وماذا بعد ذلك" ؟
أجبته: لا شيء، طلقت الطفلة وتركتها على حالها الذي أتتني به.
لم تكن الصفقة سيئة لأسرتها، فقد احتفظوا بالفتاة والمهر الذي دفعته، والهدايا التي أهديتها إليهم ولأقاربهم. أما أنا فلم أنل إلا شائعة انتشرت وذاعت أنني لا أملك من الرجولة ما يكفي. وحاول بعض ذوي النيات الطيبة أن يقنعوني أن هناك من عمل لي عملا من أعمال السحر ليعوقني عن ممارسة رجولتي، وأنني لن أستعيد رجولتي إلا إذا قمت بعمل سحري مضاد يبطل السحر الأول الذي أصابني باللعنة.
قال الأمير وهو يضحك: (عندما أتذكر زواجك بعد ذلك في المدينة المنورة وإنجابك طفلا أتأكد أنك قمت بعمل سحري مضاد أقوى من الذي كان يؤثر فيك)

12 - نوفمبر - 2007
محمد أسد: يهوديا ومسلما
إليزا...المسلمة الضائعة    كن أول من يقيّم

قمت بزيارات كثيرة إلى برلين حيث كان يقيم أغلب أصدقائي في الوقت الذي كنت أعمل فيه مع هيئة التحرير لصحيفة "فرانكفوتر ذيتونج" وفي واحدة من تلك الزيارات التقيت السيدة التي ستصبح زوجة لي بعد ذلك:
انجذبت إليها بشدة من اللحظة التي قدموني فيها إلى (إلزا) بمقهى "رومانسكي" لا بسبب جمالها الرقيق "كانت ذات وجه دقيق، رقيقة الملامح، وعيناها حادتان ذات لون أزرق عميق الزرقة وفم رقيق عطوف" بل لما يزيد على ذلك من حدس داخلي صادق وحسن تخمين وتوقع للأمور والناس والمواقف.
كانت رسامة ... لم تكن أعمالها من بين ذوي الأعمال الفنية، إلا أن تلك الأعمال كانت تحمل صفاء شديدا مثل ما كانت تعبر به بفكرها وحديثها.
على الرغم من أنها كانت تكبرني بخمسة عشر عاما، "كانت في أواخر الثلاثينيات من عمرها " إلا أن وجهها الرقيق وبدنها النحيف في مرونة كانا يعطيان انطباعا لمن يراها أنها أصغر عمرا.
كانت خير تمثيل للجنس الاسكندنافي: كان لديها كل صفاتهم، فهي سليلة إحدى أسر هولشتاين العريقة، وهي من أسر شمال ألمانيا العريقة، وتوازي في نبل المحتد الأسر البريطانية العريقة التي خدمت التاج البريطاني، إلا أن نمط حياتها الحر جعلها متحررة من تقاليد تلك الأسر: كانت أرملة وكان لها ابن يبلغ السادسة من عمره، قصرت كل حياتها عليه.
ويبدو ان الإعجاب كان متبادلا من أول لقاء: فبعد تعارفنا الأول أصبحنا نلتقي بعد ذلك كثيرا. ولأنني كنت متخما بانطباعاتي عن العالم العربي فقد نقلت إليها تلك الانطباعات؛ وبعكس أغلب أصدقائي أظهرت تفهما غير عادي وتعاطفا، حتى إنني عندما كتبت مقدمة لكتابي الذي أصف فيه رحلاتي إلى الشرق الأوسط أحسست وأنا أكتب تلك المقدمة أنني أقدم نفسي إليها... كتبت في تلك المقدمة: (عندما يرحل أوروبي إلى دولة أوربية أخرى لم يرها من قبل فإنه يمضي في بلد مختلف، وقد يلاحظ بعض الاختلافات والفروق في بعض الجوانب، وبغض النظر إن كنا ألمانا أو إنجليزا... وبغض النظر إن كنا نزور فرنسا أو إيطاليا أو المجر إلا أن الروح الأوربية روح الحضارة الغربية توحدنا جميعا، فنحن نحيا داخل إطار محدد تماما، من التماثل، ويمكن أن يفهم بعضنا بعضا كما لو كنا نتحدث لغة واحدة، ونطلق على تلك الظاهرة "البيئة الثقافية الواحدة" وهي ميزة بالطبع ، إلا أنها تعد عيبا في الوقت نفسه، لأننا نجد أنفسنا أحيانا مغمورين في تلك الروح المشتركة كما لو كنا ملفوفين في ضمادات من القطن، وأن تلك الروح تهدهدنا كما يهدهد الطفل قبل نومه مما يبعث على خمول القلب ويدفعنا إلى نسيان المسيرة التي خضناها في العصور الغابرة... تلك الأزمنة الخلاقة القديمة التي بزغت على أوربا بعد واقع لم تكن فيه أوروبا شيئا. اما الرجال الذين أخذوا على عاتقهم تلك المهمة الصعبة، سواء المكتشفون والمغامرون والفنانون المبدعون فإنهم كانوا يبحثون جميعا عن الينابيع الداخلية الدفينة في اعماقهم... ونحن سلالتهم المعاصرة... ونبحث أيضا عن حياتنا؛ إلا أننا مليؤون بالمخاوف التي تدفعنا إلى تأمين حياتنا من دون أن نصل إلى أغوارها وأعماقها، ونشعر أن هناك خطيئة تكمن في مثل تلك الدوافع والمقاصد.
لقد بدأ بعض الاوروبيين يشعرون الآن بالخطر العظيم المترتب على تجنب الخطر:
في هذا الكتاب أصف رحلة إلى منطقة اختلافها عن أوروبا كبير، حتى إنه لا يمكن تجاوزه ولا اجتيازه، وهو اختلاف يقترب بشكل ما من حد الخطر، والخطر ناجم عن تركنا أمان بيئتنا الموحدة التي لا نجد فيها ما يثير ولا ما يدهش، ونخوض غرابة أخرى لعالم "آخر" مختلف... دعونا لا نخدع أنفسنا: ففي ذلك العالم "الآخر" قد نظهر بعض التفهم لهذا أو ذاك من الانطباعات عن أمور نراها أو تصادفنا هناك، إلا أنه لا يمكننا بعكس ما يحدث في دولة غربية أن نتفهم بوعي الصورة الكلية.
ما يفصلنا عن ذلك العالم "الآخر" ليست المسافة الجغرافية وحدها... كيف نتواصل معهم ؟ لا يكفي أن نتحدث لغتهم، وحتى نتفهم ما يشعرون به تجاه الحياة لابد للمرء أن يدخل بيئتهم بكامل وعيه وإرادته ويحيا في تجمعاتهم ... هل هذا ممكن ؟
بل: هل هو مرغوب  فيه ؟ قد تكون صفقة سيئة أن نستبدل بعاداتنا التي اعتدناها من أنساق فكرية فكرا غريبا غير معروف لنا.
ولكن: هل نحن مستثنون من هذا العالم ؟ لا اعتقد ذلك.
إن إحساسنا أننا مستثنون يرتكز أساسا على خطأ يكمن في طريقتنا الغربية في التفكير، فنحن نميل إلى التقليل من أهمية القيم الخلاقة لمن لا نعرفهم، كما نميل إلى السلوك العدواني تجاههم... بدأ الكثيرون منا يدركون أن المسافة الثقافية والفروق الحضارية يمكن التغلب عليها بوسائل أخرى غير الاغتصاب الفكري: وربما يمكن التغلب على ذلك التغاير الثقافي بتسليم حواسنا إليه.
ولأن "إليزا" قد فهمت ببداهتها المعهودة ما حاولت قوله، وإن لم يكن بوضوح كامل مثل من يحاول تبين معالم شيء في الظلام، وإن لم أتمكن من إيضاح ما يعتمل في ذهني في تلك المقدمة المتلعثمة، إلا أنه كان لدي إحساس قوي أنها هي وحدها تستطيع أن تتفهم ما أسعى إليه، وأن تساعدني على البحث عنه. (الطريق إلى مكة: ص 210 ـ 213)

12 - نوفمبر - 2007
محمد أسد: يهوديا ومسلما
وفقك الله وشكر سعيك    كن أول من يقيّم

كل الشكر لشاعرتنا النجيبة لمياء على هذه المشاركات الثمينة وعلى ما اقتطعته من عزيز أوقاتها في تنسيقها وطباعتها، وتحية إكبار للوالد الكريم الذي تضيء لمياء في صحيفته مفخرة من مفاخر الجزائر، وإنه لمن دواعي اعتزازي أن أرى مشاركاتك يا لمياء في هذا الملف الذي لم أعطه ما يستحق من الجهد والمثابرة، فحق هذا الرجل علينا كبير، وواجب إكرامه دين في عنق العرب والمسلمين، وصراحة فإنني لم يسبق لي أن قرأت كتابا  يضارع في سموه ورصانته كتاب (الطريق إلى مكة) وكم تمنيت لو قدر لي أن ألتقي مؤلفه وأنهل من خبرته العميقة وتجربته الواسعة وعقله النير وإيمانه الصلب. وقد بحثت عن كتابه الأخير (عودة القلب إلى وطنه) فلم أعثر على ترجمة له متمنيا ممن يعرف خبرا حول هذا الكتاب أن يتكرم علي به مكررا شكري وامتناني لشاعرتنا وأديبتنا لمياء وكل من ساهم ويساهم في إثراء هذا الملف 

17 - نوفمبر - 2007
محمد أسد: يهوديا ومسلما
شكر وتحية    كن أول من يقيّم

الشكر موصول في البداية للأستاذة ضياء خانم على كلماتها في التقديم لموضوع هذا الاسبوع، ولما اختصتني به من الاستشهاد بكلمة قلتها وعبرت فيها عن رأيي في ما يسمى بالشعر الحر. وأحيي أستاذنا الشاعر العروضي الكبير عمر خلوف، صاحب الحس المرهف، والذوق الأصيل، فالذين قرأوا كتاب منهاج البلغاء لحازم القرطاجني لا يحصي عددهم إلا الله، ولكن كان الأستاذ عمر من القلائل الذين  أحسوا بقيمة هذا الوزن وندرته وكونه جديرا بأن يلحق بأوزان الخليل، وزاد عليهم فاختار له اسم (اللاحق) نازعا بذلك هذه الصفة التي أطلقها حازم على المخلع، والحق كل الحق ما فعل الأستاذ عمر، فهذا الوزن الرقيق والذي فات فحول الشعراء وكبارهم قديما وحديثا أن يكتبوا عليه لجدير بأن يضاف وزنا جديدا إلى بحور الشعر العربي. وكان ابن الحناط أول من اكتشفه وكتب على وزنه ميميته الرائعة التي نقلها الأستاذ عمر عن الذخيرة، وذكر حازم قصتها في منهاج البلغاء (نشرة الوراق: ص 77) فكان أول من كسر قيود عروض الخليل وأتباعه في منعهم (تقديم المفرد وتأخير المزدوجين) وقد نوه الأستاذ عمر إلى ذلك مشكورا في تعليق له سابق.
ويبدو أن واضع برنامج العروض في الموسوعة الشعرية  لم يلم بهذه المسائل فلما استخدمتُ برنامج التقطيع العروضي في الموسوعة لرؤية النتيجة التي تعطيها لقصيدة ابن الحناط، كانت كل النتائج فاشلة باستثناء نتيجة (من لم يزل وهو لي ظالم) التي كانت نصف فاشلة، لأن الوزن فيها صحيح، بينما النتيجة خطأ، فليس في أوزان السريع (مستفعلن فاعلن فاعلن)
وإليكم التجارب التي أجريتها:
الشطر: أقصر عن لومي اللائمُ
التقطيع العروضي في الموسوعة
أَقصَرَعَن لَومِيَل لائِمو
الوزن: فاعِلاتُن فاعِلُن فاعِلُن
النتيجة: مديد
الشطر: لما درى أنني هائمُ
التقطيع العروضي في الموسوعة
لَمّادَرا أَنَّني هائِمو
الوزن: فاعِلاتُن فاعِلُن فاعِلُن
النتيجة: مديد
الشطر: مازلت في حبه منصفا
التقطيع العروضي في الموسوعة
مازِل تُفيحُب بِهِمون صِفَن
الوزن: فَعلُن فَعولُن فَعولُن فَعَل
النتيجة: متقارب
الشطر: من لم يزل وهو لي ظالمُ
التقطيع العروضي في الموسوعة
مَنلَميَزَل وَهوَلي ظالِمو
الوزن: مُستَفعِلُن فاعِلُن فاعِلُن
النتيجة: السريع
الشطر: أسهر ليلي غراما به
التقطيع العروضي في الموسوعة
أَسهارُلَي ليغَرا مَنبِهي
الوزن: فاعِلاتُن فاعِلُن فاعِلُن
النتيجة: مديد
الشطر: وهو أخو سلوة نائمُ
التقطيع العروضي في الموسوعة
وَهوَأَخو سَلوَتِن نائِمو
الوزن: فاعِلاتُن فاعِلُن فاعِلُن
النتيجة: مديد
وهذه النتائج كلها وإن كانت فاشلة فهي تدل على تداخل هذا الوزن مع كل هذه البحور، وهذه وحدها كافية لكي يطلق على هذا البحر اسم اللاحق كما ارتأى الأستاذ عمر.
وأقول بهذه المناسبة هذه القطعة التي صنعتها لمجرد المسامرة
:
دخـلتَ في الفلك الدائر مـا  أنا باللاحق iiالقادر
بحر  على طيب iiإيقاعه وحـسنه  ليس iiبالسائر
نظرت في فجر أشعارنا فـلـم أجده لدى iiشاعر
يـكـاد  مـن رقة iiأنه يخفى  على مقلة الناظر
وربـمـا  لـيـلة iiليلة يخرج  من طوقه الآسر
فـهل عميق افتتاني iiبه يشف عن ذوقي القاصر
لـو أنـني شاعر iiملهم لكان قد مر في iiخاطري

17 - نوفمبر - 2007
بحور لم يؤصّلها الخليل / البحر اللاحق
كل الشكر لكم أستاذ زياد    كن أول من يقيّم

كل الشكر لكم أستاذنا زياد على هذه الهدية وأهديكم بالمقابل هذا البيت: لم أكن أعرفه قبل قراءتي لديوان أحمد محرم (رحمه الله) حيث ذكره (ص 77) في هامش قصيدته (يوم أحد) ثم عثرت الآن عليه في كتاب السيرة الحلبية (نشرة الوراق ص 582) وكان كما في الخبر مكتوبا على سيف النبي (ص) الذي أعطاه لأبي دجانة (ر) يوم أحد:
في الجبن عار وفي الإقبال مكرمة والمرء  بالجبن لا ينجو من iiالقدر
فكأن الناس اقتدوا بذلك فصاروا يكتبونه على خناجرهم وسيوفهم، كما يفهم من خبر ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق، ولو تم توثيق ما هو مكتوب على السيوف والخناجر الأثرية فلا بد أن نعثر على هذا البيت مكتوبا على الكثير منها.

20 - نوفمبر - 2007
محمد أسد: يهوديا ومسلما
وسلاما على أبي البركات    كن أول من يقيّم

تحية طيبة أستاذنا أبا البركات: الكتاب منشور في الوراق بعنوان التبصرة بالتجارة، فهل فاتكم البحث في الوراق قبل السؤال، أم أنكم حتى الآن لم تتعرفوا على الطريقة الصحيحة لاستخدام مستكشف النصوص

24 - نوفمبر - 2007
الجاحظ يضع اسس المضاربة في الأسواق
سيدي يا سيد ساداتي    كن أول من يقيّم

سـيـدي يـا سـيد iiساداتي سـيـد  الـخـود iiالمزايني
راعـنـي وارفـق iiبحالاتي دامـنـي  في حبك iiارهيني
لا  اتْـغَـفِلْ تترك iiمواساتي بـيـن نـاسٍ مـا iiتواسيني
هـوب  كـل الذوق iiغاياتي ولا  بـكـل الشرب iiيهنيني
أنـت ذوقـي وانـشراحاتي وأنـت شـربي لي iiبيحييني
وأنـت  مقصودي iiوإراداتي ويـن مـا تـبـغى iiتودّيني
مـا يـطـفـي نار iiحرّاتي غـيـر  شوفك يوم iiبتجيني
واسـعـد أيّـامي iiوساعاتي يـوم فـيـها تنظرك iiعيني
فـي  هـواك اتعبت iiنُوقاتي كـم  لافـن مـن فـراقيني
وكـم  خـبّـنْ في المتامات فـي  الـعـلاوه iiوالملاييني
وانـتـهيت  ابنيل iiحسراتي فات شربي في صحن صيني

هذه الأغنية أجمل أغاني الإمارت وأحلاها على قلبي، وهي من كلمات الشاعر المرحوم أحمد الكندي المرر الذي مات في قمة عطائه وهو في الخامسة والأربعين من العمر يوم 26/12/1985م ويمكن الاستماع إلى الأغنية بصوت الفنانة عزيزة جلال، على هذا الرابط http://www.youtube.com/watch?v=xCawRqztZX4
 وهي في الأصل من أغاني الفنان جابر الجاسم. واستوقفتني الأبيات الأخيرة وما اشتملت عليه من ألفاظ بدوية، سألت عنها أستاذنا مدير المكتبة الوطنية الأستاذ جمعة القبيسي فشرحها لي مشكورا، قال: كم لافن، وتروى (كم لاقن) والمعنى تقريبا واحد. من فراقيني: يعني من آلام فراقي. وكم خبّنْ، يعني كم أسرعن، وأما المتامات، فعزيزة جلال جعلتها المتاهات، قال: والمتامات لفظة بدوية كانت تستعمل قديما ويراد بها الفيافي الجرداء. والعلاوة أي المرتفعات من الكثبان، والملايين أي السفوح اللينة. وأما بيت القصيد وهو الخاتمة فالمقصود به أن العاشق كان إذا بلغ به العشق ما يخشى منه عليه حمله أهله إلى من يزاولون مهنة الطب الروحاني فيكتبون له بالزعفران كتابة على صحن صيني ويصبون عليها قليلا من الماء ليشربها، والشاعر يقول: لقد فعلت ذلك فلم ينفعني وانتهيت بالحسرة. وأما (هوب) في البيت الرابع فهي أداة نفي بمعنى (لا) و(ما). و(دامني) في البيت الثاني تعني (ما دام أني)

26 - نوفمبر - 2007
أغانٍ لها ذكرى في حياتي
المرايا في الشعر العربي    كن أول من يقيّم


سلمك الله يا ابن الأكوح وسلمت يداك، وأعتقد أن تحديك هذا مستفاد من تعليق لي في نوادر النصوص حول قصيدة عبد الغني النابلسي (حاولت في المرآة أنظر من أنا) كنت أتمنى لو كتبت لنا أبيات الأغنية بالكامل.
وقد جمعت لك هذه الباقة من شعر المرايا عن العرب، ولا أعرف كتابا جمع ما تفرق من ذلك في الدواوين وكتب الأدب،وأما كتاب (المرقاة لما يقول من ينظر في المرآة) لابن طولون، فهو كتاب لم اطلع عليه، وأعتقد أنه في الأحاديث والأخبار والأدعية التي أثرت عن النبي (ص) في ذلك.
وأنا أذكر هنا ما عثرت عليه من شعر المرآة بعد جولة قضيتها في الموسوعة.
فأول من ذكر المرآة في شعره من شعراء العرب ابن العجلان النهدي (ت 50 ق هـ) وهو قوله من قصيدة:
أَتَتَ بَينَ أَترَابٍ تمايَسُ إِذ مَشَت دَبِيبَ  القَطَا أَوهُنَّ مِنهُنَّ iiأَقطَفُ
يَـبَـاكِـرنَ مِـرآةً جَلِيًّا iiوَفَارَةً ذَكِـيًّا  وبالأَيدِي مَدَاكٌ iiوَمِسوَفُ
ويذكر هنا أيضا بيت للأعرج المري (جاهلي: مجهول الوفاة)  ورد فيه ذكر المرآة وهو قوله:
فَـإِن أَنـتُـمُ لَـم تَفعَلوا فَتَبَدَّلوا بِـكُلِّ سِنانٍ مَعشَرَ الغَوثِ iiمِغزَلا
وَبِالدِرعِ ذاتِ السَرد دَرجاً وَعَيبَةً وَبِالسَيفِ  مِرآةً وَبِالقَوسِ iiمَكحَلا
ولكن كل ذلك دون قول حميد بن ثور الهلالي (ت 30 هـ) في داليته التي أولها:
لَـقَـد  ظَـلَمت مِرآتَها أُمُّ iiمالكٍ بِـمـا  لاقتِ المرآةُ كانَ iiمُحَرَّدا
أَرَتـهـا بِـخدَّيها غُضوناً iiكأَنّها مَجَرُّ غُصونِ الطلحِ ما ذُقنَ فَدفَدا
وتلاه سويد اليشكري (ت 60هـ) في قصيدته المطولة والتي تجاوزت المائة بيت، ولم يصلنا من شعره قصيدة كاملة سواها، وفيها قوله:
تَـمـنَـحُ  الـمَرآةَ وَجهاً iiواضِحاً مِثلَ قَرنِ الشَمسِ في الصَحوِ اِرتَفَع
صـافـي الـلَـونِ وَطَرفاً iiساجِياً أَكـحَـلَ الـعَـيـنينِ ما فيهِ iiقَمَع
وأترك مراعاة التاريخ في سرد هذه المختارات التي اخترتها فيما يجري مجرى أغنية يونس مكري، وما قارب ذلك من معاني الغزل والاتجاه المعاكس.
فمن ذلك قول ابن حمديس (ت 527هـ):
قال الكواعبُ قد سعدتَ iiبوصلنا فَـأَجـبـتها  وبِهَجركنّ iiشقيتُ
كـنْتُ  المُحبّ كرامَةً iiلشَبيبَتي حـتى  إذا وَخَطَ المَشِيبُ iiقُلِيتُ
مَن أَستَعينُ بِهِ على فرط الأسَى فـأنـا  الذي بجنايَتي iiعوديتُ
كـنـتُ امرَأً لم أَلقَ فيه iiرزيّةً حـتـى سُلِبْتُ شبيبَتي iiفرُزِيتُ
تهدي  ليَ المرآةُ سُخْطَ iiجنايَتي فَـاللَّه  يعلمُ كيف عنه iiرضيتُ
وقول ابن زهر الحفيد (ت 595هـ):
إِنّي نَظَرتُ إِلى المِرآةِ إِذ جليت فَـأَنـكَرَت  مُقلَتايَ كُلَّ ما رَأَتا
رَأَيتُ  فيها شُيَيخاً لَستُ iiأَعرِفُهُ وَكُنتُ أَعرِفُ فيها قَبلَ ذاكَ فَتى
وقول ابن الأبار (ت 658هـ)
تَـنَـاوَلَـتِ  المَرْأَةَ وَهيَ iiصَقِيلَةٌ تَـأَمَّـلُ وَجْـهاً دُونَه ذلِكَ الصَّقْلُ
فَـلَـمَّـا تَنَاهَتْ أوْدَعَتْها iiغِشَاءَها وَقَدْ حَدَّثَ القُرْطانِ واسْتَمَعَ الحِجْلُ
فَـشَـبَّـهْـتُهَا بَدْراً عَلاهُ iiخُسُوفُهُ فَـأَظْـلَـمَ  مـنْهُ ما أنارَ لَهُ iiقَبْلُ
وقول أبي بكر الخالدي (ت380هـ)
وتَمايُلُ الجَوْزاءِ يَحْكي في الدُّجَى مَـيَـلانَ  شَارِبِ قَهْوَةٍ لَمْ iiتُمْزَجِ
كَـتَـنَفُّسِ الحَسْناءِ في المِرْآَةِ iiإِذْ كَـمُـلَـتْ مَحاسِنُها وَلَمْ iiتَتَزَوَّجِ
وقول السراج الوراق (ت 691هـ):
حَوْراءُ تَنظُرُ في المِرآةِ طَلْعَتَها يَا  هذهِ ليسَ هذا الجِنْسُ iiلِلبَشَرِ
وقول الصنوبري (ت 334هـ) :
يـا  لـمةً أخْلَقَتْ من بعدِ iiجدَّتِها فـلـلـمشيبِ على حافاتها iiرُقَع
أُقطِّعُ الطَّرْفَ في المرآةِ منْ فرَقٍ إذا  تـراءَتْ له في مَفْرِقي iiقِطَع
وقول الطغرائي (ت 513هـ)
لـقد  بغَّضَ المرآةَ عنديَ iiأنَّها تطالعُني بالشيبِ من كل جانبِ
وقول فتيان الشاغوري (ت 615هـ):
قَـد كـانَتِ المِرآةُ فيما iiمَضى تُهدي إِلى عَيني الشَبابَ الحَسَن
وَالآنَ قَـد صِـرتُ أَراها iiوَقَد كَـحَّـلَـتِ الطَّرفَ بِشَيخٍ iiيَفَن
قُـلـتُ  لَها أَينَ الَّذي كانَ iiمِن قَـبـلُ  فَقالَت لي مَحاهُ iiالزَمَن
ومن شعر المعاصرين:
قصيدة جميل صدقي الزهاوي (ت 1936م) وربما نشرتها في تعليق لاحق، وتقع في (25) بيتاً، وأولها:
بان لي في المرآة شيخ كبير عاش  حتى تعرف iiالأحوالا
كـلل  الشيب رأسه iiببياض زاده  في عيني هناك iiجلالا
شاهد ما بوجهه من iiغضونٍ أنـه صارع السنين iiالطوالا
وقصيدة إلياس أبو شبكة (ت 1947م) التي يقول فيها:
 
لا أَرى في المِرآةِ وَجهِيَ حَتّى يَعتَريني خَوفٌ لِفَرطِ iiاِعتِلالي
وقصيدة علي الجارم (ت 1949م) وتقع في (78) بيتا
أَيْـنَ لَوْنُ الْحَيَاةِ والقَهْرِ iiوالقُوَّةِ مِـنْ لَـوْنِ نـاصِل iiالأعْشاب
كُـلَّما رُمْتُ خَدْعَ نَفْسِي iiبنفْسِي كَشَفَتْ لي المِرْآةُ وَجْهَ الصَّوَابِ
رُبَّ صِـدْقٍ تَـوَدُّ لو كَانَ كِذْباً وكِـذَابٍ  لـو كانَ غَيْرَ iiكِذَاب
وقصيدة الدكاترة زكي مبارك التي أولها:
مليحٌ له المرآة أختٌ حبيبةٌ يقول لها ما يشتهى iiوتقولُ
وأما البيتان المنسوبان لأبي العلاء فالأرجح أنهما مما نحلته إياه الزنادقة، والظاهر أن المراد بالمرآة في البيتين مرآة المرصد:
خُذِ  المِرآةَ وَاِستَخبِر iiنُجوماً تُمِرُّ  بِمَطعَمِ الأَريِ iiالمَشورِ
تَدُلُّ عَلى الحِمامِ بِلا اِرتِيابٍ وَلَـكِن لا تَدُلُّ عَلى iiالنُشورِ

 

27 - نوفمبر - 2007
أغانٍ لها ذكرى في حياتي
حلب: شتاء 1835/ 1836م    كن أول من يقيّم

هذه مقتطفات اخترتها من كتاب (أخبار حلب)  للمعلم نعوم بخاش (ت 1875م) وهو كتاب مكتوب باللهجة العامية لنصارى حلب، اهتم فيه أساسا بذكر ما يتعلق بحضور وغياب تلاميذه في مكتبه الذي افتتحه يوم 9/ 10/ 1827 في مدينة حلب، وكان في تلاميذه نصارى ومسلمون ويهود، وكانت بعض الإناث من المواظبات على حضور المكتب من أمثال بكتورين ومدام بنص وزيزف ولوسيا وصوفيا وبنت كبة. وفي النص التالي خبر طريف حول الطريقة التي كان يتم بها تجنيد الناس في الجيش، حيث يقرر حسب ما تقتضيه ظروف الدولة، ويصدر الأمر بالتمسيك، فيقتحم المكلفون بذلك بيوت الناس وهم في فراشهم ويلقون القبض على من يرونه صالحا للخدمة العسكرية. وكان أحمد النبال المذكور في الخبر من تلاميذ مكتب نعوم بخاش.
 قال: (من 13 إلى 19 كانون الأول 1835(عدد الأولاد 64) (وهذه الجمعة يوم الأربعاء صار تمسيك للإسلام مقدار 5000 من فرشاتهم باكر كثير. وابن السيد أحمد النيال تخبّا عندي أربعة أيام، وبعده طلع دلال أمن وأمان، وطلعوا الخلق، والذين انكمشوا مقدار 316 ربطوهم وأرسلوهم إلى أنطاكية، والذين هم أولاد صغار أرسلوهم إلى الكتاب 100 وصيروا لهم علافة =راتب ومعاش=)
قارن المحقق الأب يوسف قوشاقجي هذا الخبر بما ورد في كتاب الشيخ كامل الغزي: (نهر الذهب في تاريخ حلب) الجزء 3 ص 362 وفيه: (وفي سنة 1249هـ رأى الحلبيون صرامته =أي صرامة عبد الله بك بابنسي= في حكمه وشدته في انتقامه وعقوبته، وشاهدوا ما يعمل به العسكر من الإهانة والشتم واللعن فعزموا على مناضلته ..... فاتصل الخبر بإبراهيم باشا فقتل بعضهم ونفى الباقين وأمر بجمع السلاح من البلد، فجمع منه ما لا يحصى ... وفي هذه السنة أيضا أمر بجمع العسكر فثقل هذا الأمر على الناس لعدم اعتيادهم عليه، وهرب منهم خلق كثير، وتشتتوا في البراري، ومنهم من مات تحت المطر والجليد، وأكلتهم الوحوش، وكانت تكبس البيوت ويؤخذ منها العسكر دون مراعاة شريف أو وضيع، حتى إن الأولاد الصغار كانوا يؤخذون ويدخلون المكتب ويكسون بملابس الجندية)
والمقصود بإبراهيم باشا في كلام الشيخ كامل الغزي: إبراهيم باشا ابن محمد علي والي مصر، وكانت حلب واقعة في تلك المدة في قبضة إبراهيم باشا أثناء تمرده على السلطنة العثمانية، وقد ذكر نعوم بخاش خبر دخول موكب إبراهيم باشا إلى حلب عائدا من أنطاكية بعد شهر من ذكره لحادثة التمسيك ، قال: (الأربعا 27/ كانون الثاني/ 1836 كان عيد العذرا، ونهارها إجا إبراهيم باشا من أنطاكية، ولاقوا له جميع العسكر النظام، من حد قبة الوقاف إلى السبيل، الطواب صفين، ومن عند السبيل إلى أبواب الصرايه =السرايا= نظام، الواحد بكتف الواحد، ونهارها صار متفرج عظيم)
وقال في أخبار الجمعة الثانية من شباط 1836:
(وفي هذه الجمعة يوم الخميس انعزم إبراهيم باشا وسماعيل بك =حاكم حلب وابن أخت إبراهيم = في بيت الياهو =الياهو بجوتو: قنصل النمسا والدنيمارك في حلب، وكان يهوديا= القنصل وعزم الافرنج ولاقى له شكر الله جنه لباب خان الكمرك، والياهو للدرج ومدامته لرأس الدرج رفعته من باطه لفوق، وصار رقص قدامه، وما شرب توتون إلا داخل أوضه لاجل الدخنه.
(6 – 12 آذار 1836 : هذه الجمعة، الخميس ابتدت الزينة، وصاروا كل ليلة يضربوا فتاش في القلعة، وشبابيك حديد، ومشاعل ضوّار القلعة من الداير كله الذي على الخندق. وصاروا كل الخلق يطلعوا إلى القلعة ليتفرجوا، وبالليل يصير نوبات =المقصود بنوبات هنا: برامج = وبلهوان يلعب، ومقدار 500 طوب يضرب، كل حصة وحصة طلق على مرتين، مرتين ثلاثة، وبعده تنتهي، ويبدوا اللعب بالصرايا، وكسيرين =كثيرين= يتضايقوا من الازدحام الزايد من عسكر وهنادي =الهنادي: قوم من بدو مصر خدموا إبراهيم باشا في حملته على حلب= إلى هذه الخميس سبعة أيام. وكان الزينة لأجل عرس الحاكم ابن أخت إبراهيم باشا المصري بن محمد علي، واسم المذكور سماعيل بك إلى بنت شريف بك. ويتفننوا أشكال وألوان بالزينة، من حناش وحيات وباب عكه وصور عكه، يطلع نار الدايمه من طواب وفراقيع وما أشبههم، وآخر الزينة صار تعليم النظام بنار الدائمه =نار الدائمه: إطلاق القذائف والرصاص على نحو متواصل= بالتفنك، وشحت البلد من كثرة لوازم الصماط =السماط= لأنه غدّى العسكر جميعه يومين: غدا وعشا، وكان عدده مقدار (20000) ومن الخضر والجاج والصيد شي لا يعد ولا يحصى، وأتوا من جميع ملكه المتسلمين =أي نواب إبراهيم باشا= وابن الأمير بشير إلى العرس. وبالصرايا أوضة نوبة عاقيل، وبالأخرى نوبة آجق باش =المقصود بالنوبات هنا برامج الحفلة= وبالأخرى دالي دومان: أعني رقص. وبالأخرى نوبة الخيالاتي =أي صاحب خيال الظل= وبالأخرى البيكوات إلى منتهى السبعة أيام في 22 ذو القعدة 1251هـ ونتفرج كل ليلة من الأسطحة على الزينة، أعني الحرّاقة، والوقت العشا، وتستقيم ساعة 2 أم أكثر أم أقل. يكون معلوم)
(20 – 26/ آذار 1836م: وهذه الجمعة يوم الأربعا انضرب طواب بكره وسافر إبراهيم باشا إلى "عين تاب" وهي جمعة الشعانين عند الموارنة)

28 - نوفمبر - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
 223  224  225  226  227