رحلة الأدب المقارن في أوربا كن أول من يقيّم
نشأة الأدب المقارن وتطوره ونقصد بذلك: نشأة الأدب المقارن في أوروبا؛إذ اكتمل مفهومه وتشعبت أنواع البحث وميادينه فيه، وصارت له أهمية بين عموم الأدب لا تقل عن أهمية النقد الحديث بل أصبحت نتائج عماد الأدب والنقد الحديث معًا. فالأدب المقارن منذ نشوئه لم يأتِ دفعةً واحدة، أوتطور في سرعة متناهية، وإنما أتى على مراحل تبعًا للعصور و الأزمنة. ويمكن أن نجملها في الآتي: المرحلة الأولى: الصورة البدائية للأدب المقارن: نلاحظ على هذه المرحلة كيف أن الأدب اليوناني أثر في الأدب الروماني الذي ليس له من أصالة تذكر، وذلك عندما انهزمت اليونان أمام الرومان، ومع ذلك أثرت اليونان في روما ثقافيًّا وأدبيًّا. وكانت نظرية المحاكاة ثمرة الدراسات الأدبية في العصر القديم؛ فالناقد اليوناني أرسطو نادى الأدباء بمحاكاة الطبيعة، وذهب هوراس الروماني إلى أن الأديب الحق هو من يحاكي الأدباء اليونانيين. ثم أتى بعد ذلك "كانتليان"، وخطى في ذلك خطوات واسعة وجعل للمحاكاة قواعد، هي : 1- أن محاكاة الكتاب والشعراء مبدأ من مبادئ الفن لا يُستَغنى عنه . 2- أن المحاكاة ليست سهلة وإنما تتطلب مواهب خاصة في الكاتب . 3- أن المحاكاة تكون في جوهر موضوع الأدب ومنهجه، وليست في شكله الخارجي . 4- اختيار النماذج التي تُحاكَى، ومحاكاة الجيد منها . 5- أن تتوافر في المُحاكي صفة النقد ليميز الجيد من الرديء. 6- أن المحاكاة غير كافية فلا بد للمحاكي من إبداع يُذكر له؛ ليعلن عن أصالته، وإلا صار سارقًا. وكانت ثمرة هذه النظرية ازدهار الأدب الروماني وظهور دراسات مقارنة ساذجة . المرحلة الثانية : الدراسات المقارنة في العصر الوسيط : في هذه المرحلة اصطبغ الأدب بصبغة دينية جامدة، وذلك عن طريق تأثير المسيحية، كذلك شاعت النزعة الفروسية، عن طريق التعرف الأوربي على الأدب العربي، و كان من شأن هذه الصبغة أن تمهد لوجود درس أدبي مقارن، لكن لم تكن هناك أي دراسة أدبية مقارنة. المرحلة الثالثة: الدراسات المقارنة في عصر النهضة ( ق 15 و ق 16 م ) في هذه المرحلة نلاحظ أن الآداب الأوروبية اتجهت وجهة الآداب القديمة من يونانية ولاتينية، وكان الفضل في ذلك يعود للعرب فقد استطاعوا أن يوجهوا الأنظار إلى قيمة النصوص اليونانية، وذلك عندما نفر الأوروبيون من الطابع المسيحي الجامد المتحجِّر في العصور الوسطى . وعاد الأدباء في هذا العصر إلى نظرية المحاكاة: محاكاة الأقدمين من اليونان، والرومان والإيطاليين . وقد تمثلت الدراسات المقارنة في جماعة أدبية تسمى الثريا، وهي جماعة من الشعراء الفرنسيين في عهد هنري الثاني . ومن أبرز أعلامها الناشطين في ميدان الدرس الأدبي المقارن: دورا صاحب أقدم دراسة أدبية تطبيقية مقارنة. وقد توصل إلى أن اللغة الفقيرة يمكن أن تتطور عن طريق محاكاتها للغة سابقة عريقة، ودلل على ذلك بتطور اللاتينية عندما حاكت اليونانية، والإيطالية عندما حاكت اليونانية واللاتينية. وأتى بعد دورا الناقد دي بلي ودعا إلى أن اللغة الفرنسية لابد لها من محاكاة اللغات السابقة ( اليونانية و اللاتينية و الإيطالية ) حتى تتطور. وكما دعا إلى أنه ينبغي للشعراء الرجوع بأنفسهم إلى النصوص القديمة وهضمها، فالترجمة للأدب لا تكفي وحدها، ولا تعين على محاكاة فاعلة، فعنده أن كل ترجمة تعد خيانة للأصل. وفي القرنين 16 و 17 كان اكتمال نظرية أرسطو في محاكاة الطبيعة على يد الشراح الإيطاليين؛ فقد وضعوا لها مبادئ، منها: 1- اختيار نماذج جيدة صحيحة وغير زائفة، ويتطلب ذلك حنكة عقلية وقراءة فنية 2- محاكاة النموذج الذي يتفق والعصر المعايش كما كان يكتب الأقدمون لعصرهم . 3- أن تكون المحاكاة في مختلف اللغات . ورغم هذا لم تكن هناك دارسات أدبية مقارنة. المرحلة الرابعة: الدراسات المقارنة في العصر الكلاسيكي ( ق 17 و 18 ) اهتم النقاد في هذا العصر بالتقنين للأدب أي استنباط قواعد كعقائد تطبق في الأدب ويُحكم بها عليه. من يخرج عليها يكون كافرًا أدبيًّا. ورغم وجود اتصال بين الآداب الأوروبية وتعدد لرحلاتهم وكثرة الترجمات إلا أنه لم توجد دراسة مقارنة، وكانت الدراسات الموجودة تاريخية جافة. المرحلة الخامسة: الدراسات المقارنة في العصر الحديث: شهد هذا العصر ظهور اتجاهين، هما : الحركة الرومانسية والنهضة العلمية، فقد أثَّرا في الأدب المقارن، وساعدا على تطوره ونموه؛ إذ ذاغت بسببهما فكرة الأدب المقارن ورُوِّج لها في أوروبا، وظهرت في ذلك بحوث كثيرة، اكتملت منهجيًّا على يد البحَّاثة الفرنسي "جوزيف تكست" الذي يعد أبا الأدب المقارن الحديث، وتبعه في ذلك أساتذه كثيرو منهم "ديدييه" الذي يحمل الآن لواء الأدب المقارن في جامعة السربون . وفي النهاية نقول: أبحرنا في محيط الأدب المقارن فكاد يعوق سفينتنا المضيق، فلاح في الأفق نور ساطع فسايرت سفينتنا خطاه حتى وصلنا درب النجاة ... هكذا كانت قصة الأدب المقارن وهكذا استمرت ... ولمًَّا تنتهي بعدُ باستقرار مفهوم الأدب المقارن وكانت له نظرياته وأسسه العامة صاغ هذا العمل كلا من: 1- يحيى بن عبدالله البوصافي 2- محمد بن هلال السيابي كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي مراجعة الدكتور : صبري أبو حسين . |