ابن حجّة الحموي - 2 كن أول من يقيّم
الذي يعنينا هنا من الكتاب هو نصّ الرّحلة الشهيرة التي قام بها ابن حجّة من مصر إلى الشّام عام 791 هـ، وكان عمره 24 عاماً، فرأى بها رأي العين الأحداث الدّامية التي رافقت حصار قوات السُّلطان الظاهر برقوق لمدينة دمشق، إبّان عصيانها وخروجها عن طاعة القاهرة، عاصمة السّلطنة المملوكية. هذه الواقعة عُرفت لدى مؤرّخي ذلك العصر باسم »وقعة مِنْطاش«، وقد شهدت فيها دمشق خراباً ودماراً كبيرين وعدّة حرائق، كما ذكر المؤرّخ الدمشقي محمد ابن صَصْرَى في كتابه النّفيس »الدُّرّة المُضيّة في الدّولة الظاهريّة«، وهو أهمّ من أرّخ لهذه الوقعة مع التفاصيل الحيّة الوافية. وكذلك وردت أخبارها في كتاب »إنباء الغُمر بأنباء العُمر« لابن حجر العسقلاني، بالجزء الثاني من طبعة حيدر أباد القديمة بالهند، وفي تاريخ ابن قاضي شُهبة. تؤلّف هذه الواقعة نقطة انعطاف في تاريخ الدّولة المملوكية، ما بين مرحلتي حكم المماليك البحرية من الأتراك، وحكم المماليك البُرجية من الجراكسة. حيث أن أول سلاطين الجراكسة، الظاهر برقوق، قُوبل بالرّفض من قِبَل طبقة الأمراء المماليك في دمشق، إبّان عهد نائبها بَيْدَمِر وخَلَفه بزلار. ورام هؤلاء الأمراء خلع السُّلطان الجديد، وألّبوا عليه بلاد الشّام بأسرها، وكان المحرّك الأكبر لجبهة المعارضة الأمير المملوكي منطاش نائب مَلَطيَة. ثم انتهت أحداث وقعة منطاش، بانتصار قوّات السُّلطان القوي برقوق عليه عام 792 هـ، وإعدامه بحلب عام 795 هـ، بعد إخماد ثورته بكل قسوة وعنف، لقيت منهما المدينة المقهورة كل عسف وتخريب، على اعتبارها كانت مركز النشاط السّياسي المُعادي لبرقوق. ويظهر لنا جليّاً مدى ما عانته دمشق إبّان ذاك، من خلال وصف ابن حجّة في رحلته، وإن كانت تغلب على نصّه أساليب التكلّف والسّجع الأدبي المملّ، وما يلحق بذلك من أبواب الجناس والاقتباس والتضمين. هذا فضلاً عن أن الضرورة الأدبيّة ذاتها قد كانت دعته إلى المبالغة الزائدة في وصفه. غير أن المؤلف في غمرة تباكيه على دمشق يومذاك واستفظاعه لما أصابها من جور وإذلال، لم يكن يعرف أن الدّهر كان يبيّت لها كارثة أشدّ ومُصيبة أدهى، بعد اثني عشر عاماً فقط، وهي كارثة وقوعها بيد الطاغية المغولي تيمورلنك، ودمارها بالكامل على يديه عام 803 هـ. وسيمرّ بنا في كتابنا هذا بعض الجوانب من تاريخ هذه الكارثة والحوادث السّابقة لها، في نصّ ابن خلدون. وفي نصّ الحموي نلمح كثيراً من أسماء الأماكن بدمشق المملوكية، ما برح بعضها معروفاً إلى أيامنا وزال بعضها الآخر. وفي وجه العموم لا يخلو هذا النصّ من فائدة، مما أدّى إلى انتشاره في عصره بنسخ مخطوطة كثيرة عثرتُ على بعضها، منها نسخة في المكتبة الظاهريّة بدمشق، وأخرى في مكتبة الدّولة في برلين بألمانيا. وكذلك نقلتُ من كتاب ثمرات الأوراق أخباراً أدبية أخرى ذات صلة بدمشق، رأيت فيها طرافة وفائدة. ولقد رجعتُ في ذلك إلى طبعة الكتاب القديمة التي نشرتها المطبعة العثمانية بالقاهرة عام 1300 هـ، وإلى طبعة الخانجي بمصر بتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم عام 1971. وبعد ذلك، راجعتُ مخطوطة الرّحلة في مجموعة المكتبة الظاهرية بدمشق والمحفوظة اليوم بمكتبة الأسد برقم: 10226، في 13 ورقة مخرومة الأول والآخر ولا تاريخ لنسخها، وفُهرست بالغلط أنها لابن حَجَر العسقلاني. كما راجعنا نسخة برلين في مكتبة الدّولة Staatsbibliothek، رقم: 9784. وكان الأستاذ أحمد طربين نشر نصّ الرّحلة في مجلة المجمع العلمي العربي العدد 31 (1956)، ص 611-630، عن نسخة مخطوطة بمكتبة خُدابَخش في پاتنا بالهند. والفارق بها عمّا في كتاب »ثمرات الأوراق« ورود عنوان للرّحلة هو: »ياقوت الكلام في ما نابَ الشام«، وعدا ذلك فالنّص واحد، فيما خلا افتتاحه بعبارة: بسم الله الرّحمن الرّحيم، {كانَ ذلكَ في الكتابِ مَسْطورا}. المصــادر: رحلة ابن حجّة إلى الشّام، مخطوطة الظاهرية. رحلة ابن حجّة إلى الشّام، مخطوطة برلين. ثمرات الأوراق لابن حجّة، مقدمة إبراهيم، جـ - و. الضوء اللامع للسّخاوي، 11: 53. شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي، 7: 219. دائرة المعارف الإسلامية، مادة ابن حجّة لبروكلمان، 1: 135. دائرة المعارف، بإدارة فؤاد أفرام البستاني، 2: 436. الأعلام للزركلي، ط 2، 2: 43. |