البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات لمياء بن غربية

 21  22  23  24  25 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
من كرمكم وفضلكم معلمي    كن أول من يقيّم

تحية طيبة،
لا أدري ماذا أقول لكم أستاذنا الباحث الأديب والشاعر الأريب أستاذي زهير، قصيدتكم درة غالية لا تشعرني إلا بمزيد من الخجل من فضلكم الذي يغمرنا، وأنتم أستاذي أعلم أني طويلبة العلم التي تتلمذ على أيديكم، ولا أستحق ثناءكم الذي يتجاوزني ويشعرني بضآلتي أيضا، قصيدتكم تختصر كل ما أشعر به في صورة رائعة أعجز عن مجاراتها، ولا أملك أمامها إلا الاكتفاء بالصمت توقيرا للأنامل التي خطتها.

24 - أغسطس - 2010
من المدية إلى إسطنبول
رحلة البوسفور    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :

 

                                                                          الثلاثاء 03/08/2010 
 
في صالة فندقنا الفخم جلسنا نحتسي النكت والطرائف، الأصوات لا تكاد تميز منها شيئا لفرط تداخلها، والصالة لا تكاد تجد فيها مكانا لم يغزه جمع من الطلاب لم تكن حتى الكأس السابعة من التعب كافية لإقناعهم بالخلود إلى النوم، أتساءل أحيانا إن كانت إدارة الفندق تنزعج من اجتياحنا للمكان ومن سهراتنا التي لا تدر عليها ليرة واحدة، وربما من الطبع الجزائري الذي فرضناه عليها أيضا برقم خيالي قدره أربع مئة طالب، ومن الحركة التي لا تتوقف منذ عودتنا مساء حتى صار الفندق كخلية النحل لا ينعم بالهدوء للحظة، فهذي جموع تتجاذب أطراف الحديث وأخرى تصل أصوات ضحكاتها إلى كوكب المريخ، وثالثة تلعب الشطرنج ورابعة تلعب الورق  وخامسة وسادسة عند المصعد وهكذا.
تركت رفيقاتي لأرتاح قليلا فوجدت نفسي على الشرفة دون سابق إنذار، الهواء الحار المشبع بالرطوبة يعيد إلي مشوار الصبيحة بكل تفاصيله، والهدوء الجالس إلى القمر المنتصف مناجيا يغريني بعصيان سلطان النعاس، السماء حالكة السواد كسماء المدية التي أرتاح لها، متشحة بشال من النجوم المتلألئة التي تأبى إلا أن تذكرني بمياه البوسفور المحيرة في بريقها، وأسطورة الإله زيوس اليونانية مع زوجته هيرا وتسمية المضيق بوسفوروس ;ممر البقرة.
 حين تركب مياه هذا المضيق العجيب لأول مرة تحس بجلال كونك بين قارتين وثقافتين وبين روايتين لحكاية واحدة، بثقل التاريخ الذي يلقي على جماله سحرا وعظمة وفتنة، وبروعة المعالم على ضفتيه من قصور عظيمة وفنادق فاخرة وبيوت خشبية وحصون وقلاع متربعة على بساط أخضر. قد لا أستطيع سرد كل ما رأيناه في جولتنا ذهابا وإيابا، بل ولن أستطيع ذلك مطلقا وإن حاولت، كما لن أتمكن من نقل كل ما أخبرنا إياه الدليل السياحي التركي الذي يتكلم بلهجة مصرية، فقد كانت جولتنا أسرع من المتوقع بحيث لم يبق في ذهني  منها إلا أسماء بعض المحطات البارزة، كقصر سرجان وقصر دولمه بهجت وجامع أورتاكوي، جسر البوسفور العظيم، وحصار روملي قلعة محمد الفاتح التي وقع منها فتحه العظيم، إضافة إلى الأماكن التي بقيت في ذاكرتي من دون عنوان إلى رحلة أخرى يمن بها الله علينا.
كان البوسفور هادئا كما عودنا، مستسلما للقوارب التي تشق صفحته وللنوارس الصيادة على ظهره حين غزوناه هو الآخر ومزقنا صمته بشعارات الوان تو ثري، لم يكن الوحيد المتفاجئ بنا، فحتى السياح لم يفهموا شيئا من هذا الصخب المفاجئ، ومن الغناء الذي بدأ يتعالى بمغادرتنا الميناء مالئا أرجاء المركب في صورة احتفال بشيء لا أعرفه ولا أجزم أنه البوسفور. أشك أحيانا أن يكون للوان تو ثري معنى خارج ميدان الكرة، فـ viva l'Algérie صعبة إن لم نقل مستحيلة التحقق في بلادي الموبوءة بكل أنواع المظالم، المطعونة بكل الخيانات الممكنة، والمنتظرة في خضوع لقدرها المحتوم، والحقيقة أني صرت أشعر أن الذين يحيون الوان تو ثري ويوقدونها في الملاعب هم الذين يقتلون الوطن.
 
بعد جولتنا الرائعة في مضيقنا الأسطوري، توجهنا إلى تربة السلطان محمد الفاتح رحمه الله. تلك كانت ثاني مرة أدخل فيها ضريحا، لكنها المرة الأولى التي أذكر فيها أنني أزور قبرا رغم فخامة الضريح الذي يتوسطه قير السلطان محاطا بصندوق زجاجي لحمايته ومغطى بقماش أخضر داكن طرزت عليه بخيط ذهبي الآية الكريمة المكتوبة بخط الثلث بعد بسم الله الرحمان الرحيم: (وَجَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا). الجدران كانت مكسوة بزخارف هندسية يغلب عليها اللون الأحمر، والستائر كأختها في تربة أبي أيوب حمراء وكذلك السجاد، لكن عون الأمن كان غائبا هذه المرة على عكس تربة أبي أيوب رضي الله عنه، على الرغم من كون قبر هذا الأخير بمعزل عن الناس في غرفة منفصلة، ربما لأن لضريحنا هذا مخرجا واحدا ولأنه أقل ازدحاما من سابقه.
عند الخروج من الضريح تقابلك لوحة فوق الباب مكتوب عليها بالخط الفارسي المعلق قوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ)، ثم قاعة صغيرة يجلس على مكتب صغير بها عونا أمن، وفي جانبها خزانة لوضع الأحذية، ثم الساحة الداخلية لمسجد السلطان محمد الفاتح التي  تشبه إلى حد كبير ساحة مسجد السلطان أحمد، يتوسطها مكان الوضوء.
بمغادرتنا الجامع وجدنا أنفسنا في سوق شعبي لم نتأخر فيه كثيرا حتى غادرناه لنتناول الغداء في مطعم مطل على البوسفور، كانت وجبتنا سمكا مشويا إلا أن المهم في الأمر ليس هذا وإنما كون الماء لا يدخل مع ثمن الوجبة، قالت إيميت إن سعر قارورة الماء خمس ليرات، لن أصور لكم تعجبنا الكبير من هذا فلابد أن عين الجنون شراء لتر ماء بخمس ليرات، هكذا استعنا على عطشنا بما تبقى لدينا من الماء آملين أن نصادف الصبية الذين اعتدنا شراء الماء منهم يائسين من إمكان وجود عين عذبة في مكاننا هذا.
مر المساء سريعا على ساحل البوسفور الذي لا أستطيع التوقف عن التفكير به، بين زرقة مياهه الصافية وخضرة ردائه، إلى أن ودعناه وعدنا إلى الفندق والظمأ أكبر همنا، لن أخبركم كم كأس ماء شربت، هل كانت سبع كؤوس؟ لست أدري، كل ما أعلمه أني سأترككم لأنام، وسأترك للهدوء خلوته مع النجوم، إلى يوم آخر، سلامي إليكم من إسطنبول.

26 - أغسطس - 2010
من المدية إلى إسطنبول
تشكردريم    كن أول من يقيّم

أسعد الله أوقاتكم،
شكرا لكم أستاذ تركي مروركم بملفنا المتواضع، عسى الله أن يوفقنا لنكون عند حسن ظنكم، وشكـرا مجددا لكم أستاذي زهير على ما تتحفوننا به من درر، أكرمكم الله وبارك لنا فيكم وفي علمكم.
وصوما خفيفا متقبلا إن شاء الله وإلى اللقاء.

27 - أغسطس - 2010
من المدية إلى إسطنبول
بين خير البقاع وشرها    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

الأربعاء 04/ 08/ 2010 
 
ثالث يوم في إسطنبول، لا تقولوا إنه اليوم السادس فليس كذلك، أنا أعرف العد جيدا وأعرف أمورا أخرى لا تعرفونها، وأعلم تماما كيف فارقنا الفندق صباحا وقد تجاوزت الساعة التاسعة، بعد أن استلمنا خمسين يورو من مسؤول المجموعة الجزائري، متجهين نحو البازار المصري الذي حدثتكم عنه من قبل.
ڤـــونايدن كانت دوما حاضرة، فقد كانت تحيتنا المميزة لإسطنبول الأوربية الجالسة على الضفة الأخرى، وكانت كلمتنا العجيبة التي تدخلنا إلى عوالم خيالية. إسطنبول على الرغم من كونها اليوم محمومة لم تتخلف عن استقبالنا على ضفة البوسفور كعادتها، العرق المتصبب من وجهها لا يزيدها إلا فتنة، وشعرها نصف المغطى مبتل، لابد أنها كانت تسبح قبل وصولنا لتطفئ النار المشتعلة داخلها، قدماها لا تزالان في الماء، أتصور لها زعنفة كزعانف الحوريات، زعنفة زرقاء لامعة.
من على الجسر أشعر بمزيج من الضآلة والنشوة، الزرقة تغزو ذهني والأمواج تتابع بانتظام إلى حدقة عيني، والقوارب أتصور أني أخيط الفتق الذي تفتحه على صفحة المياه، أتصور أن مدينتنا تنظر إليها كما ننظر، لكن بدفء وحنان.
قبل نزولنا من الباص، أعادت إيميت على مسامعنا برنامج اليوم، كانت الصبيحة مخصصة للتسوق في البازار المصري وسوق محمود باشا المجاور له، وكان علينا الالتقاء عند مخرج البازار قبل الساعة الثانية عشرة لزيارة قصر دولمه بهجت الذي مررنا عليه منذ قليل، قالت إن الموعد لا يمكن أن يؤجل كما لا يمكن للباص انتظار المتأخرين، هكذا فإن على المتأخر الانتظار إلى الرابعة والنصف مساء عند المكان المذكور ليمر عليه ليصطحبه.
كنت أعلم تماما ما أريد شراءه ولم أكن بحاجة للتجول طويلا في البازار، بمجرد نزولنا طلبت من رفيقتي لطيفة أن تدلني على محل كانت حدثتني عنه، ولم تمض نصف ساعة حتى فرغت من التسوق، لم أر مانعا من مرافقة لطيفة فقد كان لا يزال لدينا ساعة ونصف من الوقت الحر، تجولنا طويلا في البازار المصري الذي يمثل متاهة بامتياز، لا شيء جذب انتباهي من المعروضات، كل شيء مألوف، وأجمل ما في الأمر أن السقف يقينا أشعة الشمس القوية، صرنا ماهرتين في تجنب الباعة الذين لم نقابل في حياتنا من هو في مثل إزعاجهم، خاصة ممن يتحدثون اللغة العربية ويصرون على إدخالك محلاتهم حتى وإن كنت لا تريد شراء شيء. حين تتجول في البازار عليك أن تتخلى عن لباقتك قليلا وأن لا تلقي بالا للأصوات التي تدعوك من كل اتجاه وتحاول إغراءك برخيص وببلاش، وعليك أيضا أن تتذكر جيدا من أي باب دخلت وهذا ما لم يوصنا أحد بفعله. أكملنا سيرنا إلى أن وصلنا إلى سوق محمود باشا، كنت أشعر بالضجر من السير دون هدف لكن رفيقتي أصرت على التجول قليلا بعد، وهكذا رافقتها إلى أن انتهى بنا المطاف في مكان مجهول، المحلات كلها متشابهة، والصوامع عند خروجك إلى الطريق في كل مكان، أيقنت حينها أننا قد ضعنا لكن زميلتي كانت لا تزال مصرة على كونها تعرف الطريق، حاولت تصديقها، تركت لها توجيه دفتنا، لكنها كانت لا تحاول إلا خداع نفسها، أميل كثيرا لإلقاء اللوم عليها، للحديث عن غرورها وأنانيتها وطيشها متجاهلة كل ما يمكن أن أتصف به أنا أيضا من  غرور وطيش وأنانية، أميل لتحميلها ذنب ضلالنا لأنها أضاعت الورقة التي عليها اسم البازار، ولأنها ظلت مصرة على عدم سؤال أحد وعلى كونها تحفظ الطريق الذي سلكنا، وأنسى أنني أتحمل أيضا جزءا كبيرا من المسؤولية، ليس فقط لأني نسيت ورقتي في الباص وإنما لأني تركت لها الحرية كل هذا الوقت لتتسبب بضياعنا، سألومها على كل ما سيلحقني من ألم وحسرة فقط لأرتاح من الشعور بالذنب.
في ذروة الغضب الذي رافق إصرار لطيفة على معرفتها الطريق افترقنا، لم يتبق سوى نصف ساعة على موعدنا، وكان علينا إيجاد الطريق، سألت المارة عن موقع البازار بالإنجليزية فلم يفهمني أحد، سألت أصحاب بعض المحلات أيضا، لا أحد يتكلم غير  التركية، ولا أحد بإمكانه مساعدتي. كانت الشمس فوقي تجعلني أشتعل، أشعر بالحمى كإسطنبول الجالسة على الضفة، أشعر بأني ضائعة ووحيدة بعيدا عن أهلي وعن وطني، أحس برغبة شديدة في الصراخ.
بعد دقائق من المحاولات اليائسة التقيت عائلة خليجية، سعدت لأني أسمع العربية مجددا، وسألت إحدى النساء فأخبرتني أن أمشي في طريق مستقيم في اتجاه أشارت إليه، عملت بما قالت لكني انتبهت إلى أني أسير في المكان لأول مرة ومنّ الله علي بأن وجدت بائعا يتحدث اللغة الإنجليزية، سألته المساعدة فأعلمني أني أبعد عن وجهتي مسافة نصف ساعة مشيا وأني بجانب الـ Gran bazaarنظرت إلى ساعتي فعلمت أني لن أصل في الموعد أبدا، وركضت في الاتجاه الذي أشار إليه لأجدني في بازار آخر أذكر أننا مررنا به، عند المدخل وجدت سائحة بريطانية محجبة رفقة ابنتها، أخبرتها أني ضائعة وسألتها إن كانت تعرف المخرج، وسرعان ما جاء زوجها الذي أراني موقعي على الخريطة، لم أستطع حبس دموعي، وأيقنت أني لن أتمكن أبدا من العودة وحدي، رأفت السيدة لحالي وضمتني إليها، ووعدتني بعدم تركي وحيدة، ظل الزوج يقلب الخريطة بين يديه دون جدوى، وقرر أخيرا طلب المساعدة، لم أنتظر مع السيدة طويلا حتى لحقت بي رفيقتي لطيفة، الضحكات المرتسمة على وجهها كانت تشعرني بالغباء وبالمزيد من الاستياء، وكانت تقنعني بإيقاع كل اللوم عليها. عاد الزوج ومعه صائغ تركي في الخمسينيات من العمر سألني أن أعطيه بطاقة معلوماتي التي كان عليها أرقام الهواتف، كما استعلم مني عن اسم القائد وما  أعطانا من تعليمات، شعرت بالراحة أخيرا، وانتظرت السيد الذي اتصل بالفندق وبالدليل التركي وبأحد مسؤولي المجموعات جزائري، تحدثنا إلى هذا الأخير فقال إن آخر الباصات ستنطلق على الثانية عشرة والنصف وإنه لا يستطيع إعانتنا بشيء، وما علينا إلا إيجاد الطريق بأنفسنا وانتظار الحافلة إلى غاية المساء، لن أستطيع التعليق على هذا مهما حاولت، لهذا سأترك لكم إن شئتم أن تعلقوا بدلا مني سطرين...
 
 
حين سمعت السيدة البريطانية وزوجها ما حدث معنا عرضا علينا البقاء برفقتنا حتى الرابعة مساء، شكرتهما كثيرا محاولة وقف دموعي التي لم ترد أن تجف وأخبرتهما أننا بخير وأن بإمكانهما تركنا، وودعناهما لنبقى قليلا مع الصائغ الذي عرض علينا إيصالنا إلى الميتروباص لعلنا نصل قبل مغادرة آخر الحافلات التي كانت تفصلنا عنها عشر دقائق، خشينا أن نتيه هذه المرة ونصل إلى منطقة أخرى وفضلنا أن لا نغامر بركوب الميترو، وجلسنا في المحل إلى أن ارتحنا قليلا ثم طلبنا من السيد أن يرسم لنا الطريق على ورقة وأن يكتب لنا كلا من اسم البازار المصري وسوق محمود باشا باللغة التركية، لم يقصر الرجل معنا أبدا ورسم لنا طريقنا وشرحه لنا باللغة الإنجليزية ثم بالفرنسية لما علم أننا نتكلمها، وودعنا بعد أن أعطانا بطاقته، وشكرناه كثيرا على مساعدته الثمينة.
مشينا في الطريق الذي أرشدنا إليه السيد Garbis مستعينتين برسمه إلى أن وصلنا أخيرا إلى مقصدنا، لم نجد لا حافلة ولا شخصا نعرفه، وجلسنا على مقاعد بجانب مجسم للفن الحديث عليه عون أمن ننتظر المساء، طلبت مني لطيفة أن أقرأ لها شيئا من القرآن نستعين به على غربتنا، الشمس فوقنا كانت حارقة وما كدت أتلو ثمنين من سورة البقرة حتى شعرت برأسي يكاد ينفجر. انتبهت إلى المسجد المقابل، المسجد الجديد (جامع يني) الذي توجهنا إليه لنصلي الظهر جماعة ولنمضي ما تبقى من الوقت.
قبل إقامة الصلاة تلا أحدهم المعوذتين وسورة الإخلاص إن لم تخني ذاكرتي تلاوة حسنة وأذكارا لا أذكرها، ثم قال: سورة الفاتحة، وسمعنا تكبيرة الإحرام من دون إقامة!؟ وبعد أن قضيت الصلاة سمعنا نفس الصوت يسبح الله تعالى بصيغة جميلة ثم يختم بـ (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى المـُرْسَلِينَ وَالحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ) (الآية)، لا أدري إن كان هذا الإمام أم المؤذن فأنا لأول مرة أسمع شيئا مشابها، ولا أدري إن كان هذا يحصل عند كل صلاة.
مر الوقت في الجامع بسرعة، فقد تعرفنا على سيدة مغربية رفقة ابنتها التي تكبرني بعام من كازابلانكا الدار البيضاء، وعلى سيدة بريطانية لطيفة رفقة عائلتها، والتقينا أخيرا بعائلة جزائرية معنا في الرحلة استأنسنا برفقتهم جميعا. كان قد بقي ساعة من الوقت حين قررت لطيفة تركي لتعود إلى البازار بعد أن ملت الجلوس، لم أرافقها هذه المرة، الجلوس في بيت الله يشعرني براحة أكبر، كما أني لا أحب الأسواق ولم أعد أطيق المشي فيها بعد ما حصل. عندما أذكر ذلك الشعور بالضياع أفكر في اللحظات التي نعيشها في حياتنا بعيدا عن الله وبعيدا عن الحق، أفكر أن ضياعنا هذا لا شيء مقارنة بذلك الضلال ومع هذا يفعل فينا ما يفعل، وأدعو الله أن يهدينا إلى ما يحب ويرضى، وأن يهدينا الصراط المستقيم.
في ساحة الجامع رأيت إسطنبول أخرى لم أعرفها من قبل، إسطنبول يتقاطر منها ماء الوضوء لتتقاطر معه سيئاتها، مدينة لا تفرغ مساجدها ولا يتوقف مرتادوها عن ذكر الله.
بعد عودة الباص على الخامسة مساء وبضع دقائق توجهنا إلى الفندق لنرتاح، حدثتني بعض الفتيات عن القصر الذي تخلفت عن زيارته، منهن من قالت إنه كان رائعا، ومنهن من أبدت انزعاجا من فخامته المبالغ فيها، شكت فتاة أخرى من الحرارة بالداخل، ولما سألتها إن لم يكن هنالك مكيفات التفت إلينا أحد الفتية وقال إنها كانت موجودة، كان الأغلبية مجمعين على جمال القصر، وكنت أميل لتصديق أنه ليس كذلك لأعزي نفسي بأنه لم يفتني شيء مهم.
في المساء خرجنا مع قائدنا إلى مركز تجاري بجوار الفندق، لن أحدثكم عنه الآن، ويكفيني من هذا اليوم أني رأيت إسطنبول في غير رداء فتنتها مؤمنة قانتة، مطمئنة باسمة لا تكاد تظهر عليها آثار الحمى.
 

27 - أغسطس - 2010
من المدية إلى إسطنبول
في تل العرائس ...    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

الخميس 05/08/2010 
 
في الباص الذي لم أحدثكم عنه من قبل أجلس مع إحدى رفيقاتي، أربعون طالبا فيه من مناطق مختلفة من وطننا الشاسع، من الجزائر العاصمة، سكيكدة في أقصى الشرق، سيدي بلعباس في أقصى الغرب و المدية في الوسط، أربعون ليس فيهم إلا عشرة من الذكور، أربعون إخوة يؤطرهم القائد كمال رفقة أساتذة معه ومرشدة تركية اسمها إيميت (أمل)،،، فوج واحد، فوج ليس ككل الأفواج.
في طريقنا إلى تل العرائس يجمعنا حديث لا ينتهي، مواضيع شتى، لهجات مختلفة مجتمعة في لسان الجزائر، وضحك وسرور لا ينقطع، أغبط نفسي على هذه اللحظات بقدر ما أخشى الإدمان عليها والتعلق المفرط بها، أحتفظ بها في ذاكرتي وفي قلبي، وأحتفظ بصورة رفاقنا وقد ارتسمت على وجوههم ضحكات إسطنبول الفتية، إسطنبول النضرة التي لم يستطع الزمن أن ينقص شيئا من ألقها، إسطنبول في أعين جيل يخطو أولى خطواته في الحياة.
السماء لا تزال تغشيها الغمامات الحمراء، والأرض الحجرية لا أستطيع تصديق كون المطر ما يبللها، لا شك في أنها أمطرت في الصباح الباكر قبل استيقاظنا، ولولا أن الحرارة لم تشتد بعد لكانت الأرض جفت تماما. من على التل تتجلى إسطنبول مرة واحدة، تتجلى في صورة كلية ساحرة، عروسا يزفها إلينا موكب الأمواج، جوهرة بل زهرة قوية الأريج... لا عجب أن يحتار فيك الجميع يا إسطنبول، فلولا ريشك رأيته لجزمت أنك حورية، تتمثل كل يوم في صورة مختلفة عند خروجها من الماء.
اللون الأخضر حولنا يشعرني بالانصهار في روح المكان، يشعرني بأنني الورقة تتدحرج عليها قطرات الندى، بأنني الأزهار الحمراء مجتمعة لترسم علم تركيا على بساط الأعشاب، وبأني نسمة طليقة ألثم كل برعم، كل جذع، وكل نسمة من نسمات الهواء... حين أتيت إلى تركيا لم أكن أعلم أني سأغرم باللون الأخضر والأزرق معا، ولم أكن أعلم أنهما لغة الحياة حين تتكلم، اليوم في جولتنا التي أتمنى أن لا تنتهي، أحمد الله أني لم أتخلف عن موعدي معها، ومع إسطنبول التي تشرب من نبعها الذي لا ينضب ماؤه.
كان أول ما فعلناه قبل افتراقنا في مدخل التل أخذ صورة جماعية، بعدها سرنا مجموعات بين الحدائق، نلتقط الصور تارة ونتأمل روعة المناظر أخرى إلى أن وصلنا إلى مكان ثبتت فيه أدوات رياضية، لم ننصرف حتى عرفنا وظيفة كل أداة و جربناها، وحتى شعرنا بأشعة الشمس التي ألقت عنها ثوب الغمام حارقة، لنجد أنفسنا بالجوار من ألعاب الأطفال. فوقنا كان الفتية جالسين على الحشيش، مع هذا لم نهتم أنا وإيمان رفيقتي إن كانوا سيسخرون منا ورحنا نجرب الأراجيح الصغيرة، وسرعان ما لحقت بنا فتيات من فوجنا ومن أفواج أخرى. إسطنبول كانت أمامنا في مشهد لا يمكن وصفه، وليس يفصلنا عنها إلا المياه التي تبدو إلى الأسفل هادئة، يخيل إلي أنها أم تنام إلى جوار صغيرها، على فراش من المياه تنام، قريرة العين، نوقظها بتحيتنا المعتادة، بصوت أعلى لعله يصلها، ڤــونــايدن إسطنبــول.
لم نترك مكانا في التل لم تطأه أقدامنا، مشينا في كل الممرات صعودا وهبوطا، وألقينا السلام على كل زهرة وكل شجرة وكل نبتة حية، لم نضع ولا دقيقة في المقاهي أو المطاعم مع هذا لم يكن الوقت كافيا وتمنينا لو أن الزمن يتوقف لنبقى وقتا أطول، الزمن مع ذلك لم يتوقف، كان أنانيا أو لعله كان يؤدي عمله فقط ولم يتوقف، ونحن مع استمتاعنا غادرنا التل، وودعناه لنركب القارب ومياه مرمرة إلى جزر الأميرات.
جزر الأميرات كما تقول إيميت هي الجزر التي كن يقضين فيها العطل، وكما يقول أحد المؤطرين الجزر التي كن ينفين إليها، أما بالنسبة لنا فهي الجزر التي لن نزور منها إلا جزيرة واحدة (نطْلَعْ فِيها على جولة بالـحَنطور)، لم نتساءل عن (الحنطور) طويلا حتى أضافت أنه ما نسميه في الجزائر (الكَالِيش)، بترقيق كل الحروف على خلاف نطق إيميت المضحك للكلمة بالتفخيم، ولمن لا يعرف اللفظين فهي العربة التي يجرها حصانان، والتي وقفنا في انتظار دورنا لركوبها  لكثرة عددنا ساعة كاملة. عند صعودنا إلى العربة كان أول ما لاحظناه الرائحة المنبعثة من الخيول، أسوء رائحة شممناها في كل الرحلة بحيث يصعب علي المرور عليها دون ذكرها، خاصة حين أذكر تعليقات لطيفة عنها وأميرة التي كانت الوحيدة التي تشكو من لسعات الذباب؟!
كانت جولتنا سريعة ورائعة، استمتعنا فيها بمشاهدة المناظر الطبيعية الخلابة بعيدا عن التلوث وأدخنة السيارات التي يمنع قيادتها في الجزيرة، إلا ما كان منها حكوميا كسيارة الإسعاف والإطفاء، وبالهندسة المعمارية الأوربية التي تميزها البيوت الخشبية الجميلة، إلى أن وصلنا أخيرا إلى مطعم ميلانو المطل على البحر لنتناول الغداء رفقة النوارس، وما كدنا ننتهي حتى أسرعنا لنلحق بمركبنا الذي ينطلق على الرابعة والنصف مساء ولا ينتظر أحدا كما أخبرتنا إيميت مرات عديدة.
في طريق عودتنا رافقنا رذاذ المطر إلى أن ركبنا الباص متجهين نحو الفندق، لم أكن متعبة فشرعت بتوضيب أغراضي لنغادر في اليوم الموالي، وسهرت مساء في غرفة بشرى التبسية (نسبة إلى ولاية التبسة) التي تعرفت عليها منذ يومين، نتلو القرآن حتى الساعة الواحدة والربع ليلا، هنا أستسمحكم عذرا لأتوقف عن الكتابة، ولأعود إليكم مجددا لأعطي لليلتنا الأخيرة في via port حقها، إلى لقاء قريب، تحياتي...

31 - أغسطس - 2010
من المدية إلى إسطنبول
في وداع الـvia port ....    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

ليلة الخميس 05/08/2010  
 
تمنيت لو أن بإمكاني التوقف عند هذا القدر من الكتابة ونسيان كل ما عشناه معا في إسطنبول، تمنيت لو يفارق طيفها خيالي لأرتاح منها قليلا، لكن الوقت بات متأخرا كثيرا للتراجع. تحاصرني الذكرى من كل مكان، بالرغم من احتراسي وحذري، هاهي تطبق علي فكيها كما تفعل في كل مرة، لتمنعني من نسيان كون هذه آخر ليلة لنا في via port معا، آخر ليلة نسهر فيها إلى أن يأمرنا المؤطرون بالصعود إلى غرفنا وقد قاربت الساعة منتصف الليل، آخر ليلة لأنظر في وجه كل طالب أملي الكبير وخيالي الذي رسم لكل شخص حكاية...
بعد تناول العشاء جلست في الصالة مع بعض رفيقاتي، كنا اتفقنا على قراءة القرآن معا لكن الكثيرات تخلفن عن الموعد وخرجن إلى المركز التجاري المجاور للفندق. يجعلني هوسهن بالتسوق في حيرة من أمري، فلا شيء مما وجدنا في الأسواق تقريبا لا يوجد عندنا في الجزائر وبأسعار أقل أيضا، ولو كان الأمر بيدي لما زرت في كل الرحلة السوق إلا مرة وحيدة لاقتناء بعض التذكارات.
كنا ننتظر المتأخرات لما بدأ جمع من الطلاب يغنون ويهتفون بحياة الرئيس أمام عدسة المصور الذي رافقنا، ألحانهم كانت تصر على تذكيري بالعد التنازلي الذي صار قلبي ينبض على إيقاعه، يومان وليلة غير هذه في فندق آخر ثم السلام على إسطنبول وعلى أيامنا الجميلة فيها، وساعات قليلة لن تكون كافية لأشبع من via port ولأشفى منه تماما ومن كل وجه و شبح وكل شخص سأدخله حكايتي من دون إذنه فقط لأن الذكرى لم تستشرني حين قررتْ أن تجعله جزءا من إسطنبول التي أحب.
بعد ساعتين من الانتظار قررت الصعود إلى غرفتي لأنام، الصخب في الأسفل كان يجعل مخططنا مستحيلا، كما لم يكن بإمكاننا الشروع في التلاوة دون بشرى هدية تْبَسَّة التي لن أنساها ما حييت. حين لقيتها لأول مرة لم أكن أعلم إلى أي مدى سأصير متعلقة بصالة الفندق التي لم أجلس فيها إلا بعد مرور يومين من وصولنا، ولم أكن أظن أبدا أني سأتخلى عن هدوء غرفتي وعن قلمي ودفتري لأكون قطعة من لوحة الفسيفساء التي نصنعها. بشرى فعلت كل هذا بلمسة سحرية من كلامها الحلو ولهجتها التي جعلتني أظنها تونسية، فعلت هذا وأكثر بقصصها الطريفة وروحها الشفافة وشخصيتها الفريدة، وجعلتني  أترك هدوئي وجديتي لأمزح وأضحك في أغلب الأوقات.
لم أجلس في غرفتي طويلا حتى سمعت جرس الباب، لا داعي لأخبركم أنها بشرى التي جعلتني أعود على الرغم من النعاس الذي يثقل جفني لنتلو القرآن في الشرفة، لم تجلس معنا إلا فتاتان بعد انسحاب البقية، ولم أكد أفرغ من القراءة حتى جاء أحد المسؤولين يطلب منا العودة إلى غرفنا، صعدت مع رفيقتي إلى غرفتها للمرة الثانية لنسهر مع كلام الله تعالى، وهكذا لم أتركها إلا والساعة الواحدة والربع ليلا، ولا يزال لدينا من المواضيع التي نتمنى طرقها الكثير. شعرت بأني سندريلا تتسلل ليلا لتركب المصعد مع أني لم أكن من فقد حذاءه مسرعا بل صاحبتي التي أوصلتني إليه، ودخلت بهدوء إلى الغرفة لأجد التلفاز مشتعلا وأسماء نائمة كحمل وديع، قاومت التعب قليلا لأكتب لكم بعض الكلمات، كتبت أن المرء إما أن يكون نفسه وإما أن يكون لا شيء، أنه لا يعرف ذاته إلا من خلال المحيطين به، ولا يعرفها تمام المعرفة أحيانا إلا حين يبتعد عن كل من يعرف وكل ما يعرف، وكتبت أن الإنسان حين يتعود رؤية الشيء كثيرا يصير لا يراه ولا يرى قيمته، العادة عدوة الإنسان، ولذلك كان عليه عيش كل تجربة كأنه يعيشها لأول مرة، ولذلك كنت سعيدة لأني أجدد علاقتي بالأشياء من حولي وأشعر أني أكتشفها لأول مرة.
لن أطيل عليكم كثيرا، إلى يوم آخر، سلاما من الـvia port  ، وسلاما على تراب إسطنبول.
 

31 - أغسطس - 2010
من المدية إلى إسطنبول
آه ما أصعب وداعك ...    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

الجمعة 06/08/2010 
 
حين يقترب موعد الفراق، يصير كل شيء في عينك مختلفا، وديعا، ومألوفا حتى لتشعر بارتباط لا تفسير له به، بتعلق بكل من حولك وما حولك، بالمكان الذي يحتويك، وبكل ما عشته من لحظات، الحلو منها والمر على حد سواء. هكذا فتحت عيني هذا اليوم على غرفة مليئة بالحب والألفة، على أشعة الشمس لأراها تلثم لآخر مرة اللوحات الخمسة المعلقة على الحائط، على يميني لوحة الياسمين الأبيض وقد عكست كل الأشعة الآتية من النافذة المقابلة، تحييني بابتسامة عريضة، وتذكرني بياسمينتي التي تركتها في البيت، أسماء لا تزال في سريرها يساري، لا أدري إن كانت تقاسمني ما أشعر به، أتخيلها زهرة قرنفل حمراء، هكذا قررت أن أراها في هذا اليوم.
ربما يحسن بي أن أحدثكم عن السلالم أيضا، لا يمكنني القول إني وجدتها كما لا يمكن أن أقول إني لم أفعل، كانت تلك سلالم النجدة، لم أدر حين نزلت فيها أين المخرج، نزلت إلى طابق أو طابقين تحت الأرض، وصلت إلى باب نصف مقفل، من مكاني كنت أسمع بوضوح أصوات العمال ورنين أدواتهم المعدنية، خشيت أن يراني أحدهم، وعدت أدراجي لأستقل المصعد. بعد تناول فطور الصباح وتسليم مفاتيح الغرف اجتمعنا في صالة الفندق، أشعرني هذا الفراق المصغر باقتراب وداع إسطنبول، مع هذا تناسيت كل شيء، وتأملت مرة أخرى الـvia port متسائلة إن كان سيشتاق إلينا مثلما سنفعل. في الحافلة تبادلنا عناوين البريد وأرقام الهواتف، كل شيء كان يوحي إلى  أننا سنفترق، وكل شيء كان يوحي أيضا إلى أننا صرنا عائلة واحدة.
 وصلنا إلى متحف توب كابي، القصر المقابل لأيا صوفيا، والساعة حوالي الحادية عشرة صباحا، حدثتنا إيميت عن تاريخ بنائه وعن هندسته غير المتكلفة مقارنة بهندسة قصر ضلمة بهجت الفاخر، فالسلاطين العثمانيون لم يكونوا بحاجة إلى إظهار شأنهم من خلال الترف والزخارف في فترة قوتهم، على عكس الرجل المريض الذي كان بأمس الحاجة لإظهار قوته الضائعة للشعب وللعدو من خلال العمران والمقتنيات الثمينة، وحدثتنا كذلك عن أبواب القصر وعن أقسامه ووظائفها المختلفة، إلى أن دخلنا أخيرا من الباب الرئيسي لتقابلنا حدائق القصر المطلة على بحر مرمرة يمينا. كان أول ما اطلعنا عليه قسم الأمانات المقدسة، بعد تجاوز باب السعادة، وقفنا عندها في حيرة، بين تصديق نسبتها إلى أصحابها وعدم ذلك، وبين محاولة التصوير وأخذ الحيطة من عون الأمن المراقب، ثم خرجنا لنجد أنفسنا في قاعة يجلس فيها قارئ القرآن الذي تملأ تلاوته المكان، كنت أظن أن خللا بالتسجيل هو ما يمنعني من فهم ما يقوله لكني حين وقفت بين يديه أيقنت أني لا أفهم فعلا شيئا مما يقول، إلا بعض الكلمات التي جعلتني أجزم أنه يقرأ بالعربية، أما سوى ذلك فلم أكن لأعرفه لولا الشاشة التي بجانبه، وقد كتبت عليها ترجمة ما يقرأ من آيات إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية، مشيرة إلى أنه يتلو سورة يوسف، وأما صوته فكان حسنا وكانت صيغته جميلة، مما جعلني أرتاب إن كنت لا أعرف لغتي أم أنه هو الذي لا يقرأ بها. اتجهنا بعد ذلك إلى قسم المجوهرات والسيوف ثم ألبسة السلاطين العثمانيين التي لفت انتباهنا حجمها الكبير جدا، والذي يبدو من خلاله أن حجم العثمانيين ضعف حجمنا تقريبا، ثم جلسنا في حديقة القصر قليلا إلى أن اجتمعنا كلنا واتجهنا نحو جامع السلطان أحمد لأداء صلاة الجمعة. حين دخلت المسجد كان ممتلئا عن آخره، صعدت الأدراج إلى الطابق الأعلى الذي كان هو الآخر ممتلئا وبالكاد وجدت مكانا لأصلي، جلست أستمع الخطبة التركية التي لم أفهم منها إلا آيات الصيام والأدعية بالعربية، ثم قمنا نصلي، لم يرتج الجامع إثر تكبير المصلين كما اعتاد أن يفعل، وكان الإمام الوحيد الذي سمعنا تكبيره!
بعد صلاة الجمعة تناولنا الغداء في مطعم لا أذكر اسمه، ثم اتجهنا إلى السوق الكبير gran bazaar الذي سبق وأن تهت فيه، كنا قد استلمنا صباحا آخر مصروف لنا، ثلاثين يورو، وكانت لا تزال لدي بعض الليرات التي أردت التخلص منها قبل مغادرتنا، لم أتأخر كثيرا في البازار، اشتريت ما أنا بحاجة إليه وخرجت لأجد إيميت تدخن بجوار الباب السابع; باب بايزيد، كان موعد مغادرتنا بعد ساعة كاملة فآثرت العودة إلى الباص الذي أرشدتني إلى مكانه، بعد زمن لحقني بعض رفقتنا، كان الوقت لا يزال مبكرا، اتجهنا إلى مسجد مجاور جلسنا في حديقة عند مدخله، إلى أن حان موعد الإنطلاق واكتشفنا ضياع أحد الفتيان، انتظرنا عودته ساعة أخرى لم تترك إيميت فيها الهاتف للحظة، حتى علمت مكانه من رجل شرطة كان قد ترك رسالة في الفندق وذهبت لإحضاره. حين ذهبنا إلى الفندق الجديد كان الليل قد أسدل ستائره، كنا موزعين على ثلاثة فنادق، via port, titanicو mariott، تعشينا كلنا في التيتانيك ثم تركنا رفاقنا لنحل ضيوفا على فندق ماريوط، الإرهاق كان قد نال مني تماما، ولم أكد أستحم حتى استسلمت للنعاس.
لا أدري كيف صار ذكر إسطنبول في حلقي غصة، يخنقني كلما اقترب موعد الفراق، أتصور أن طعمه سيكون شيئا لم أتذوق مرارته من قبل، ربما حامضا أيضا، وربما لن أستطيع وصفه لكم أبدا، سأترككم اليوم إلى يوم آخر أتمنى أن لا يأتي أو أن لا ينقضي أبدا، إلى حين اللقاء، سلامي....
 

4 - سبتمبر - 2010
من المدية إلى إسطنبول
ألم على ألم    كن أول من يقيّم

تحية طيبة لكم أساتذتي، أستاذي ياسين،
 
الحمد لله بداية على سلامتكم أستاذنا، جعل الله كل آلامكم في ميزان الحسنات، وطهور إن شاء الله، وشكرا لكم على كلماتكم التي أعادتني إلى فلسطين وإلى القدس الشريف وكنت أظن أني نسيتهما في محاولة لنسيان حسرتي عليهما، لكني اليوم أدرك أن فلسطين تبقى دوما في القلب والذاكرة مهما حاول طمس نورها الطامسون، ومهما حاولوا استبدالها بمشاعر زائفة ومشاغل تافهة، حتى صرنا نرى جيلا لا يكاد يعرف من هي.
 
قبل حوالي عشر سنوات، كنا في المدارس الابتدائية نتعلم حب القدس وندعو الله أن يكرمنا بزيارته ونحن صغار لا هم لنا في الحياة ولا مذهب، حينها كنا نحب فلسطين فعلا، وكنا نتألم لألم أهلها ونتابع أخبارهم في كل حين، وكانت نشاطاتنا لا تخلو من مسرحية تقف فيها فلسطين شاكية أو والدة شهيد باكية، من الأناشيد التي نرددها والدموع لا تفارق أعيننا، نغني على صوت الحجر، ونصرخ: ينادي وين عمر وين صلاح الدين؟ ينادي يا عرب أنجدوا فلسطين! ونردد مع فيروز لأجلك يا مدينة الصلاة ونصلي لينقذها الله من أيدي الصهاينة. اليوم، قطعنا صلتنا بالتاريخ وبالقضية الإسلامية وتبرأنا منها، استبدلنا حب فلسطين بحب اللاعب فلان والفريق الفلاني، وصارت المدارس تخرج أجيالا مهووسة بالملاعب، والصحف تغذي عقولا مخدرة بوطنية زائفة محبوكة بخيوط الأحقاد والضغائن. فقد جيلنا هويته وذاب في العولمة تماما أو يكاد يفعل إلا القليلون ممن رحم ربي، وصرنا نتفرج على  معاناة إخواننا المسلمين كأنما نتفرج على فلم من أفلام هوليوود لا يعنينا في شيء، أسأل الله السلامة من هذه المصيبة العظيمة، وأن يهدي قلوبنا ويجلي غمام الغفلة عن أبصارنا، وأن ينصر دينه ولا يشمت الأعداء بنا.
 
هذا وأتمنى أن تستمروا أستاذي في نقل أحوال فلسطين التي تجعلنا نشعر مجددا بأننا جزء منها، هي معاناة تعتصر القلوب وتدمي الأعين، لكنها تحيي فينا فلسطين مجددا.
 
في الأخير، صياما خفيفا متقبلا إن شاء الله وإلى اللقاء.   

6 - سبتمبر - 2010
صدق الوداد وطول البعاد
بطاقة تهنئة    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

 
أحببت من خلال هذه البطاقة أن أهدي بعض الحلوى كما جرت العادة -وإن كان هذا افتراضيا- لأستاذتي الغالية الحاضرة دوما بيننا الأستاذة ضياء خانم، ولأستاذنا وشاعرنا الكبير أمير البيان الأستاذ زهير، شيخي الأستاذ ياسين، والأستاذ عبد الحفيظ والغالية ندى وأحبتنا في المغرب الشقيق، أستاذنا الدكتور يحيى، الأستاذ عبد الرؤوف، الأستاذ فراس، الأستاذ محمد جميل والأستاذ جميل، الأستاذ سليم إسحق، الأستاذ السعدي، وأستاذي الغائب الحاضر عزو والأستاذ هشام والأستاذ زين الدين والأستاذ عمر خلوف والأستاذة خولة، ولكل أساتذتنا سراة الوراق وزواره، صَحَّــــه عِيــدْكُمْ وْ كُلْ عَامْ وْ نْتُومَا بْأَلْـــفْ خِيــرْ، لَعْقُوبَة لْعَامْ لْجَــايْ انْ شَاء الله....
 
الشّاراك المسكَّر
 
الَـعْرايَشْ
 
المَقْرُوطْ
 
مَقْرُوطْ اللُّوزْ
 
 

10 - سبتمبر - 2010
صحــــــــه عيــــــــــدكم
عيدان    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

 
وفيكم بارك الله شيخنا الدكتور يحيى، وجعل في أهلكم قرة عين لكم، ووفقكم إلى ما يحب ويرضى وزادكم من وافر فضله.
 
وأهلا بغاليتي الأستاذة ضياء، وعيد فطر مبارك لك أستاذتي وللعائلة الكريمة، أعاده الله عليكم باليمن والبركات، ومتعنا بقراءة كلماتك العذبة على الوراق مجددا، وكل عام وأنت بألف خير.
 

10 - سبتمبر - 2010
صحــــــــه عيــــــــــدكم
 21  22  23  24  25