البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات د يحيى مصري

 210  211  212  213  214 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
اللهم فقهنا في دينك الحق    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

[ 51 ] ـ س: تكلم عن الإيمان بالملائكة .
 ج: يجب الإيمان بالملائكة أي بوجودهم وأنهم عباد مكرمون، ليسوا ذكوراً ولا إناثاً لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون، قال تعالى: { عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون} سورة التحريم / 6. والذي يقول إن الملائكة إناث حكمه التكفير‘ قال تعالى: { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمّون الملائكة تسمية الأنثى} سورة النجم / 27، وقد يتشكلون بصورة الرجال من غيرءالة الذكورية .
[ 52 ] ـ س: تكلم عن الإيمان بالرسل.
 ج: يجب الإيمان برسل الله أي أنبيائه من كان رسولاً ومن لم يكن رسولاً ، وأولهم ءادم عليه السلام وءاخرهم محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: { لا نفرّق بين أحدٍ من رسُله} سورة البقرة / 285 .
 [ 53 ] ـ س: ما الفرق بين النبي غير الرسول والنبي الرسول؟
 ج: النبي غير الرسول هو إنسان أوحي إليه لا بشرعٍ جديد، بل أوحي إليه باتباع شرع الرسول الذي قبله، والرسول من أوحي إليه بشرعٍ جديد ، وكلاهما مأمور بالتبليغ، قال تعالى: { كان الناس أمةً واحدةً فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين} سورة البقرة / 213 .
 [ 54 ] ـ س: تكلم عن الإيمان بالكتب السماوية.
 ج: يجب الإيمان بالكتب السماوية المنزلة على رسل الله، وهي كثيرة أشهرها: القرءان والتوراة والإنجيل والزبور، وعدد الكتب السماوية مائة وأربعة كما نقل ذلك الشيخ شمس الدين الرملي في كتاب نهاية المحتاج في شرح المنهاج.
 [ 55 ] ـ س: تكلم عن الإيمان بالقدر خيره وشره .
 ج: يجب الإيمان بالقدر خيره وشره، أي أن كل ما دخل في الوجود من خير وشر فهو بتقدير الله الأزلي، فالخير من أعمال العباد بتقدير الله ومحبته ورضاه، والشر من أعمال العباد بتقدير الله لا بمحبته ورضاه، قال صلى الله عليه وسلم: " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره" رواه مسلم .
 [ 56 ] ـ س: تكلم عن بعض ما يتعلق بالإيمان برسالة نبينا صلى الله عليه وسلم.
 ج: يجب الإيمان برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبأنه خاتم النبيين أي ءاخرهم ، قال تعالى:{ وخاتم النبيين} سورة الأحزاب/ 40. وقال صلى الله عليه وسلم: " وخُتم بي النبيون" رواه مسلم. ويجب الإيمان بأن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم سيد ولد ءادم أجمعين، وهذا متفق عليه عند العلماء، وهو مأخوذ من حديث رواه الترمذي: " أنا سيد ولد ءادم يوم القيامة ولا فخر"، أي لا أقول ذلك افتخاراً إنما تحدثاً بنعمة الله.
 [ 57 ] ـ س: تكلم عن بعض الصفات الواجبة لأنبياء الله تعالى.
 الله تعالى أرسل أنبياءه ليبلغوا الناس مصالح دينهم ودنياهم فهم قدوة للناس، ولذلك فإن الله تعالى جملهم بصفات حميدة وأخلاق حسنة منها: الصدق والأمانة والفطانة والشجاعة والعفة، قال تعالى بعد ذكر عدد منهم: {وكلاً فضلنا على العالمين} سورة الأنعام / 86. فالأنبياء هم صفوة الخلق صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " ما بعث الله نبياً إلا حسن الوجه حسن الصوت، وإن نبيكم أحسنهم وجهاً وأحسنهم صوتاً" رواه الترمذي.
 [ 58 ] ـ س: تكلم عن بعض ما لا يجوز على أنبياء الله من الصفات.
 لما كان الأنبياء قدوة للناس وقد جملهم الله بالصفات الحميدة ، فإنه كذلك عصمهم ونزههم عن الصفات الذميمة، فلا يجوز على أنبياء الله الكذب والخيانة والرذالة والسفاهة والبلادة، كما أنهم معصومون من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها، ويمكن أن يرتكب الواحد منهم معصية صغيرة ليس فيها خسة ودنائة، لكن ينبهون فوراً للتوبة قبل أن يقتدي بهم فيها غيرهم.
 [ 59 ] ـ س: قال تعالى حكاية عن نبي الله إبراهيم: { بل فعله كبيرهم هذا فسْألوهم إن كانوا ينطقون } سورة الأنبياء /63 فما معنى ذلك ؟
 ج: لا شك أن الأنبياء منزهون عن الكذب، والوارد في هذه الآية من أمر إبراهيم ليس كذباً حقيقياً بل هو صدق من حيث الباطن والحقيقة، لأن كبيرهم هو الذي حمله على الفتك بالأصنام الأخرى من شدة اغتياظه منه لمبالغتهم في تعظيمه بتجميل صورته وهيئته، فيكون إسناد الفعل إلى الكبير إسناداً مجازياً، فلا كذب في ذلك.
 [ 60 ] ـ س: ما معنى قول إبراهيم عن الكوكب حين رآه { هذا ربي } سورة الأنعام / 78 ؟
 ج: الأنبياء معصومون من الكفر قبل النبوة وبعدها، فقول إبراهيم عن الكوكب حين رآه { هذا ربي } هو على تقدير الإستفهام الإنكاري، فكأنه قال: أهذا ربي كما تزعمون، أما إبراهيم فكان يعلم قبل ذلك أن الربوبية لا تكون إلا لله، قال تعالى: { ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين} سورة ءال عمران / 67 .
 [ 61 ] ـ س: قال تعالى إخباراً عن يوسف: { ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه} سورة يوسف / 24 . ما معنى { وهمّ بها } ؟
 ج: أحسن ما قيل في تفسير { وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه } أن جواب لولا محذوف يدل عليه ما قبله أي لولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها ، فلم يحصل منه همّ للزنى لأن الله أراه برهانه. وقال بعض المفسرين من أهل الحق إن معنى وهمّ بها أي همّ بدفعها. ومعنى { لولا أن رأى برهان ربه } أن الله أعلمه البرهان أنك يا يوسف لو دفعتها لقالت لزوجها دفعني ليجبرني على الفاحشة، فلم يدفعها بل أدار لها ظهره ذاهباً فشقت قميصه من خلف، فكان الدليل عليها. أما ما يروى من أن يوسف همّ بالزنى وأنه حل إزاره وجلس منها مجلس الرجل من زوجته فإن هذا باطل لا يليق بنبي من أنبياء الله تعالى، قال الله تعالى في براءة يوسف: { قالت ِ امرأةُ العزيزِ اْلآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين} سورة يوسف / 51 .
 [ 62 ] ـ س: قال تعالى حكاية عن أحد الخصمين اللذين اختصما إلى داود: { إن هذا أخي له تسعٌ وتسعونَ نعجةً وليَ نعجةٌ واحدةٌ فقال أكْفلنيها وعَزَّنىِ في الخطاب} سورة ص / 23 ، ما المراد بالنعاج في هذه الآية؟
 ج: قد تكني العرب بالنعاج عن النساء، لكن لا يجوز تفسير النعاج في هذه الآية بالنساء كما فعل بعض المفسرين، فقد أساءوا بتفسيرهم لهذه الآية بما هو مشهور من أن داود كان له تسع وتسعون امرأة، وأن قائداً كان له واحدة جميلة فأعجب بها داود، فأرسل هذا القائد إلى المعركة ليموت فيها ويتزوجها هو من بعده، فهذا فاسد لأنه لا يليق ما ذكر فيه بنبي من أنبياء الله، قال الإمام ابن الجوزي في تفسيره بعد ذكر هذه القصة المكذوبة عن سيدنا داود: وهذا لا يصح من طريق النقل ولا يجوز من حيث المعنى، لأن الأنبياء منزهون عنه، وأما استغفار داود ربه ، فهذا لأنه حكم بين الإثنين بسماعه من أحدهما قبل أن يسمع من الآخر.
 
 
باب الردة
 [ 63 ] ـ س: ما هي الردة وإلى كم قسم تقسم ؟
 ج: الردة هي قطع الإسلام، وهي ثلاثة أقسام كما قسمها النووي وغيره من شافعية وحنفية وغيرهم: اعتقادات وأفعال وأقوال.
 [ 64 ] ـ س: اذكر دليلاً من الحديث على أنه لا يُشترط للوقوع في الكفر معرفة الحكم.
 ج: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها في النار سبعين خريفاً"، أي مسافة سبعين عاماً في النزول، وذلك منتهى جهنم، وهو خاص بالكفار، والحديث رواه الترمذي وحسنه، وفي معناه حديث رواه البخاري ومسلم وهو: " إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب "، قال الحافظ ابن حجر في شرحه على البخاري في تفسيره الحديث المذكور: " وذلك ما كان فيه استخفاف بالله أو بشريعته " وهذان الحديثان دليل على أنه لا يشترط للوقوع في الكفر معرفة الحكم ولا انشراح الصدر ولا اعتقاد معنى اللفظ كما يقول صاحب كتاب فقه السنة، فإنه اشترط ذلك وهو شرط فاسد.
 [ 65 ] ـ س: أذكر دليلاً من القرآن على أن الاستخفاف بالله ورسوله كفر.
 ج: قال تعالى: { ولئن سألتهم ليقولُنّ إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون (65 ) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ( 66 ) } سورة التوبة  .

[ 66 ] ـ س: أذكر واحدا ً من العلماء ممن نقلوا الإجماع على تكفير ساب الله.
 ج: قال الإمام القاضي عياض اليحصبي في كتاب الشفا: " لا خلاف أن ساب الله من المسلمين كافر" .
 [ 67 ] ـ س: أذكر واحداً من العلماء ممن نقلوا الإجماع على تكفير من تلفظ بلفظ كفري او فعل فعلاً كفرياً .
 قال تاج الدين السبكي في مقدمة الطبقات: لا خلاف عند الأشعري وأصحابه بل وسائر المسلمين أن من تلفظ بالكفر أو فعل أفعال الكفار أنه كافر بالله العظيم مخلد في النار وإن عرف قلبه، وأنه لا تنفعه المعرفة مع العناد ولا تغني عنه شيئاً، لا يختلف مسلمان في ذلك".
 [ 68 ] ـ س: ما حكم من أنكر ما علم من الدين بالضرورة؟
 ج: من أنكر ما علم علماً ظاهراً يشترك في معرفته العلماء والعامة من المسلمين كفر، إلا أن يكون نحو حديث عهد بإسلام أو نشأ في بادية بعيدة عن العلماء، شرط أن يكون غير عالم بأن هذا من دين الإسلام، وشرط أن يكون هذا الأمر غير نحو تنزيه الله عن الشبيه وعن المكان .
 [ 69 ] ـ س: إلى كم قسم قسّم العلماء اللفظ وبيّن معنى ذلك؟
 قسّم العلماء اللفظ إلى ظاهر وصريح، فالظاهر ما كان له بحسب وضع اللغة وجهان فأكثر ولكنه إلى بعض الوجوه أقرب. فمن تكلم بلفظ ظاهر في الكفر لا يحكم بكفره حتى يتبين مراده. وأما الصريح فهو الذي لا يقبل التأويل. فمن تكلم بلفظ صريح في الكفر كفَر، ولا يُسأل عن مراده ولا يُقبل له تأويل، إلا أن يكون لا يعرف ذلك المعنى الصريح بل يظن أن معناه غير ذلك، فإن هذا اللفظ بالنسبة إليه ليس له حكم الصريح.
 [ 70 ] - س: ماذا يجب على من وقعت منه ردة؟
 ج: يجب على من وقعت منه الردة العود فوراً الى الاسلام بالنطق بالشهادتين والاقلاع عما وقعت به الردة ويجب عليه الندم والعزم على ان لا يعود لمثله.
 [ 71 ] ـ س: المرتد إذا لم يرجع عن كفره، ماذا يفعل به الخليفة ؟
 ج: إن لم يرجع عن كفره بالشهادة وجبت استتابته أي يُطلب منه الرجوع إلى الإسلام لمدة ثلاثة أيام، ويجب ذلك على الخليفة أو من يقوم مقامه، ثم لا يقبل منه إلا الإسلام وإلا قتله وجوباً إن لم يسلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَن بدّل دينه فاقتلوه " رواه البخاري .
 [ 72 ] ـ س: أذكر بعض الأحكام التي تتعلق بالردة ؟
 ج: من الأحكام التي تتعلق بالمرتد أن صيامه يبطل وكذا تيممه ونكاحه قبل الدخول وإن رجع إلى الإسلام، أما بعد الدخول فإن رجع إلى الإسلام قبل انتهاء العدة تعود له زوجته من غير أن يُشترط تجديد عقد النكاح. وكذلك نكاح المرتد لا يصح على مسلمة ولا يهودية ولا نصرانية ولا غيرهنّ، ويحرم أكل ذبيحته، ولا يرث ولا يورث، ولا تجوز الصلاة عليه ، ولا يجب غسله، ولا يجب تكفينه، ولا يجوز دفنه في مقابر المسلمين، ومالُه فيء أي يصرف في مصالح المسلمين.
 
[ 73 ] ـ س: تكلم عن أداء الفرائض وعلى من يجب ؟
 ج: يجب على كل مكلف أداء جميع ما أوجبه الله عليه من صلاة وصيام وزكاة وحج وغير ذلك، ويجب عليه أن يؤديه على ما أمره الله به من الإتيان بأركانه وشروطه، ويجتنب مبطلاته، فلا يكفي مجرد القيام بصور الأعمال، قال صلى الله عليه وسلم: " رُبّ قائم ليس له من قيامه إلا السهر، ورُبّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش" رواه ابن حبان.
 [ 74 ] ـ س: من كان تاركاً لشيء من الفرائض ماذا يجب تجاهه؟
 ج: يجب على من رأى تارك شيء مما افترض الله أو يأتي به على غير وجهه، أن يأمره بالإتيان به على الوجه الذي يصح به، ويجب عليه قهره على ذلك إن قدر عليه، وإلا وجب عليه الإنكار بقلبه إن عجز عن القهر والأمر، وذلك أضعف الإيمان، أي أقل ما يلزم الإنسان عند العجز.
 
 

15 - مايو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم

[ 75 ] ـ س : تكلم عن اجتناب المحرمات ؟
 ج: يجب على كل مكلف ترك جميع المحرمات ونهي مرتكبها ومنعه قهراً منها إن قدر عليه وإلا وجب عليه أن ينكر ذلك بقلبه .
ويشترط في النهي عن الحرام أن لا يؤدي إلى منكر أعظم من ذلك المنكر ، وإلا فلا يجوز لأنه يكون عدولاً عن الفساد إلى الأفسد.
قال عليه الصلاة والسلام: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم
 [ 76 ] ـ س : ما هو الحرام وما هو الواجب ؟
 ج : الحرام الذي فرض الله على عباده أن يجتنبوه وهو ما في ارتكابه عقاب وفي تركه ثواب، وعكسه الواجب .
 [ 77 ] ـ س: أعط بعض الأمثلة عن اعتقادات كفرية.
 ج: من دان بدين غير دين الإسلام، أو لم يصدق بآية في القرآن، أو لم يؤمن بنبي من الأنبياء المعلوم من الدين بالضرورة نبوته، أو اعتقد حلّ أمر حُرمتُه معلومة من الدين بالضرورة، أو اعتقد حرمة أمر حلُّه معلوم من الدين بالضرورة، أو شبّه الله بالمخلوقين كأن اعتقد المكان أو الجهة في الله، كفر كفراً اعتقادياً.
 [ 78 ] ـ س: أعط بعض الأمثلة عن أفعال كفرية.
 ج: الذي يرمي المصحف في القاذورات، أو يسجد لصنم أو لشمس، أو يفعل أي فعل أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر، فهو كافر كفراً فعلياً.
 [ 79 ] ـ س: أعط بعض الأمثلة عن أقوال كفرية.
 ج: الذي يشتم الله أو الرسول أو الدين الإسلامي أو الكعبة، أو يستخف بالجنة أو بوعيد الله الذي لا يخفى عليه نسبة ذلك إليه سبحانه، أو يستهزىء بالصلاة أو بالحج فهو كافر كفراً قولياً.

والقاعدة: أن كل عقد ٍ أو فعلٍ أو قولٍ فيه استخفاف بالله أو ملائكته أو أنبيائه أو وعده أو وعيده أو شعائر دينه فهو كفر، فليحذر الإنسان من ذلك جهده على أي حال.
 [ 80 ] ـ س: اذكر قول عالم من العلماء المعتبرين بيّن أن الردة تنقسم إلى ثلاثة أقسام اعتقادات وأفعال وأقوال.
 ج: ذكر ذلك النووي في المنهاج وغيره كروضة الطالبين، قال في المنهاج: " الردة هي قطع الإسلام بنية أو قول كفر أو فعل سواء قاله استهزاء أو أو عناداً أو اعتقاداً". ا  هـ
 
( جزى الله خير الجزاء سادتنا العلماء العاملين الذين تفضلوا علينا بهذه الأسئلة وأجوبتها).
 

15 - مايو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
صفات حروف اللسان العربي    ( من قبل 6 أعضاء )    قيّم

صفات الحروف العربية
اعلم أن للحروف صفاتٍ تمتاز بها الحروف المشتَرَكةُ بعضها عن بعض، وهي سبع عشرة صفة على المشهور، قسم منها له ضد، وقسم منها لا ضد له.
وذوات الضد هي: الجهر وضده الهمس، والشِّدّة وضدها الرخاوة وما بينهما، والاستعلاءُ وضده الاستفال، والإطباق وضده الانفتاح، والإذلاق وضده الإصمات؛ وجملتها عشرة.
أما التي لا ضدّ لها فهي: الصفير، والقلقلة، واللين، والانحراف، والتكرير، والتفشي، والاستطالة؛ وجملتها سبعة.
1 ـ حروف الهمس:
الهمس لغة: الخفاء، وسميت حروفه مهموسة لضعفها وجريان النفس عند النطق بها لضعف الاعتماد عليها في مخارجها.
وهي عشرة يجمعها قولك: "فحثّه شخص سكت". وبعض الحروف المهموسة أضعف من بعض، فالصاد والخاء أقوى من غيرهما.
2 ـ حروف الجهر:
وهو لغة: الإعلان، وسميت حروفه مجهورةً لقوتها ومنع النفس أن يجري معها عند النطق لقوة الاعتماد عليها في مخارجها؛ وهي أقوى من المهموسة، وبعضها أقوى من بعض. وهي تسعة عشر حرفًا ما عدا حروف الهمس.
3 ـ الحروف الشديدة:
الشِدّة لغة: القوة، وسميت شديدة لمنعها الصوت أن يجري معها عند النطق بها لقوتها في مخارجها. وهي ثمانية أحرف يجمعها قولك: "أجدْ قَطٍ بَكَتْ".
4 ـ الحروف الرخوة:
الرخاوة لغة: اللين، وسميت رخوة لجريان الصوت معها وضعف الاعتماد عليها عند النطق بها فلانت. وهي ما عدا الحروف الشديدة، ولكن حروف الرخو منها ستة عشر حرفًا، والمتوسط بينه وبين الشديد خمسة يجمعها قولك: "لِنْ عُمَرْ".
5 ـ حروف الاستعلاء:
الاستعلاء لغة: الارتفاع، وسميت حروفه مستعلية لأن اللسان يعلو عند النطق بها إلى الحنك وهي سبعة أحرف يجمعها قولك: "خُصَّ ضَغطٍ قِظ".
وهي أقوى الحروف، وأقواها: الصاد والضاد والطاء والظاء، ومن ثَم منعت الإمالة لاستحقاقها التفخيم المنافي الإمالة.
6 ـ حروف الاستفال:
الاستفال لغة: الانخفاض، وسميت حروفه مستفلة لأن اللسان ينخفض بها عن الحنك عند النطق بها. وهي: اثنان وعشرون حرفًا ما عدا حروف الاستعلاء.
7 ـ حروف الإطباق:
الإطباق لغة: الالتصاق، وسمّيت حروفه مطبقة لانطباق طائفة من اللسان على الحَنَك عند النطق بها، وهي أربعة أحرف: الطاء والظاء والصاد والضاد، وبعضها أقوى من بعض، فالطاء أقواها في الإطباق، والظاء أضعفها، والصاد والضاد متوسطتان.
8 ـ حروف الانفتاح:
الانفتاح لغة: الافتراق، وسميت حروفه منفتحة لأن اللسان لا ينطبق إلى الحنك عند النطق بها، وهي ما عدا حروف الإطباق.
9 ـ الحروف المذلَقة:
الذَّلَق لغة: الطَّرَفُ، وسميت حروفه مذلقة لخروج بعضها من طرف اللسان وبعضها من طرف الشفة. وهي ستة يجمعها قولك: "فرَّ مِن لُبّ"، فالفاء والباء والميم تخرج من طرف الشفة، والراء والنون واللام تخرج من طرف اللسان.
10ـ الحروف المصمتة:
الإصمات من الصمت وهو لغة: المنع. وسميت حروفه مصمتة لأنها منعت من أن تختص ببناء كلمة أكثر من ثلاثة أحرف، أي أن كل كلمة على أربعة أحرف أو خمسة لا بد أن يكون فيها مع الحروف المصمتة حرف من الحروف المذلقة.
وهي اثنان وعشرون حرفًا ما عدا الحروف المذلقة.
11 ـ حروف الصفير:
وهي ثلاثة: الزاي والسين والصاد. سميت بذلك لأن الصوت يخرج معها عند النطق بها بصفير يشبه صفير الطائر. وأقواها الصاد للإطباق والاستعلاء، ثم الزاي للجهر، ثم السين لهمس فيها.
12ـ حروف القلقلة:
ويقال اللقلقة، وهي خمسة أحرف يجمعها قولك: "قطب جد". سميت بذلك لظهور صوت يشبه النبرة عند سكونها. وهي أميل للكسر في الباء والجيم والدال وهو المعتمد، والضم في القاف والطاء.
وذلك الصوت في الوقف عليهن أبين منه في الوصل بهن، ولذلك عند الوقف سميت قلقلة كبرى، وفي وسط الكلمة صغرى، نحو:{الفلق}، و:{ادخلوا مصر}.
13ـ حرفا اللين:
وهما الياء الساكنة التي قبلها فتحة، والواو الساكنة التي قبلها فتحة؛ وقد تقدم الكلام عليهما.
14 ـ حرفا الانحراف:
الانحراف لغة: الميل، وسمي حرفاه منحرفين لأنهما انحرفا عن مخرجهما إلى طرف اللسان، وهما اللام والراء.
15ـ حرف التكرير:
وهو الراء، وسمي بذلك لأنه يتكرر على اللسان عند النطق به. وأظهر ما يكون إذا اشتدّ، ولا بدّ من إخفاء تكريره.
فائدة: ينبغي للقارئ إخفاء تكرير الراء، فمتى أظهره فقد حصل من الحرف المشدّد حروف ومن المخفف حرفان؛ نص على ذلك علماء القراءة كمكي بن أبي طالب القيسي وغيره.
16ـ حرف التفشي:
وهو الشين، والتفشي لغة: الاتساع، وسمي بذلك لأن الصوت يتفشى وينتشر في مخرجه عند النطق بها حتى اتصلت بمخرج الظاء. وعد بعضهم حروف التفشي ثمانية: الميم، والشين، والفاء، والراء، والثاء، والصاد، والسين، والضاد.
17ـ حرف الاستطالة:
وهو الضاد المعجمة، والاستطالة لغة: الامتداد، وسميت بذلك لأنها استطالت عند النطق بها حتى اتصلت بمخرج اللام وذلك لما فيها من القوة بالجهر والاستعلاء والإطباق

15 - مايو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
الكيِّس الفَطِن يعمل للحياتين.    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

                       العناية بالشَّعر

 
لا شك أن من الأمور التي تضفي الجمال والحسن على المرأة هو مدى جمال وترتيب شعر الرأس ، وقد تقضي المرأة الأوقات الطويلة في ترتيبه ورعايته ، وتقلق عندما تلاحظ زيادة في تساقطه أو تغيرا في مظهره ، وقد تنبهت الشركات الطبية والتجميلية لهذا الأمر ، فبذلت الأموال والأوقات لإيجاد أحسن المواد التي تساعد المرأة على رعايته .
ومن أهم العوامل التي تؤثر علي جمال شعرك :
طريقتك لغسيل شعرك ، لأن لغسله قواعد أساسية تحافظ عليه وتحميه ، والغسيل الخاطئ والمتكرر ضار جدا بصحة شعرك وجماله .
وهذه بعض أهم نصائح تغذية شعرك والمحافظة عليه :
1- انهي حمامك دائما بماء بارد ، خاصة على شعرك .
2- تاكدي دائما من ازاله بقايا الشامبو والبلسم من شعرك .
3- قد تحتاجين الى تغيير مستحضرات الصيف في الشتاء .
4- لاتقتربي من الحرارة ومصادرها ، فالحرارة تجعل شعرك يتأكسد ، ويخف لمعانه ، ويبدو متعبا وجافا .
5- لا تبقي شعرك ملفوفا بالمنشفة ، بعد الحمام لفترة طويلة .
6- لاتمشطي شعرك وهو مبلول .
7- لاتضعي البلسم على الجذور بل اكتفي بوضعه على الأطراف .
8- لاتفركي جلدة رأسك بأظافرك ، بل افعلي ذلك بأطراف الأصابع .
9- عند تجفيفه بالمنشفة لا تفركيه بقوة .
10- عند غسل الشعر انحني الى الأمام ، لأن هذا الوضع يساعد فروه الرأس على تجديد دورتها الدموية.
غسل الشعر يوميا :
يمكنك أختي غسل الشعر يوميا إذا كان من النوع القصير أو الخفيف ، حيث يكون عرضة إلى الدهون والأوساخ بشكل أسرع من العادي ، وذلك لأن فروة الرأس تقوم بإفراز دهون بشكل أسرع مع الشعر القصير والخفيف .
غسل الشعر مرة إلى مرتين في الأسبوع :
للشعر الجاف والمصبوغ : يفضل التقليل من عدد مرات غسل الشعر ، حتي لا يكون عرضة للجفاف بشكل أكبر.
غسل الشعر مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع :
إذا كان شعرك طويلا، كثيفا أو مموجا يمكنك أن تغسليه من مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع حسب الحاجة ، فهذه النوعية من الشعور تكون عرضة للجفاف بشكل أكبر ، لان فروة الرأس تحتاج إلى مجهود أكبر لتوصيل الزيوت إلى أطراف الشعر.
وقد نقوم بغسله قبل أن تصل الزيوت إلى الأطراف ، لذلك يفضل تركه بعض الوقت حتي تمنحي شعرك الفرصة لليونة الطبيعية .
حمام الزيت هو عملية لتعويض الشعر الذي فقد الحيوية واللمعان .
كذلك هو مفيد جدا لفروة الرأس ، ويساعد على زيادة نمو الشعر ، وخصوصا إذا إستخدمتيه عزيزتي الجميلة بالطرق الصحيحة .
الطريقة :
أولا : تقسيم الشعر الى أربعة اقسام .
ثانيا : وضع الكريم أو الزيت على فروة الرأس ، وصولا الى أطراف الشعر ، كل قسم على حدة حتى نهاية الرأس ، واحرصي على ذلك .
ثالثا : عمل المساج الخفيف لفروة الرأس للتأكد من وصول الكريم أو الزيت الى جميع أقسام الشعر.
رابعا : تغطية الشعر في غطاء بلاستيك واستخدام السشوار لمدة 20 الى 30 دقيقة .
ومن ثم شطف الشعر بالماء الفاتر جيدا إن كان حمام زيت ( أي كريم ) أما اذا كان زيت مثل زيت الزيتون أو ما شابه ذلك ، فيجب ان تغسليه بشامبو خفيف وبشكل جيد ، حتى لا يبقى الزيت عالقا في الشعر .
الزيوت الطبيعية :
زيت الصبار _ زيت الأفوكادو _ زيت الخروع _ زيت الزيتون
طريقة عمل حمام الزيت :
أولا : يعمل مساج للشعر - أي تفرك فروة الرأس بالأصابع قبل بداية الحمام ، وذلك لتنشيط فروة الرأس وتنشيط الدورة الدموية .
ثانيا : يلف حول الرأس فوطة يجب ان تكون مبلله بالماء بعد عصرها
ثالثا : يجب ان تسخني مجموعة الزيوت المستخدمة قليلا
رابعا : يوضع الزيت على الرأس ثم افركيه جيدا بأصابعك حتى تتأكدي من أن الزيت وصل لجميع أطراف الشعر ، من الفروة الى أطراف الشعر .
خامسا : يجب ان يترك الزيت على الشعر لمدة أربع ساعات متواصلة .
سادسا : يغسل الشعر بالشامبو ، ومن ثم ينشف ، وانصحك عزيزتي بأن تخففي من السشوار ، لأنه هو السبب بتقصيف الشعر وحرقه ، إذا كان يسشور بطريقة غير صحيحة .
منقول بتصرف

15 - مايو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
التصوف (1)    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم

التَّصَوُّفُ ( التُّراثُ الصُّوفيُّ ) مِنَ العَرْضِ إِلَى النَّقْدِ
أَوَّلاً: المُقدِّمةُ: تَمهيدٌ، وفَاتِحَةٌ، وخُطَّة
* أ. التَّمهيدُ:
لَمْ نَبْغِ هَاهُنا مُعالجةَ مُصطلَحِ (التُّراثِ)، فذَاكَ أَمرٌ أُفرِدَ بالبَحثِ، وإِنَّما الَّذي يَعنِينَا هُو التَّصوُّفُ أو الصُّوفيَّة، وأَعِدُ القَارِئَ أَلَّا آتِيَ بعدَ الآنَ علَى ذِكْرِ المُصْطلَحَيْنِ مَعاً (التَّصوُّف-الصُّوفيَّة) وبَينَهُما (أَو) العَاطِفةُ ذاتُ التَّخْيير، بَلْ سَأَحْسِمُ الأَمرَ لِصَالحِ التَّصوُّفِ مُصْطلَحاً أَعْتَمِدُهُ في ذَا البَحْثِ، مُهْمِلاً الآخرَ (الصُّوفيَّةَ)، لِأَنَّ كلمةَ (التَّصوُّفِ) تَدُلُّ علَى النِّسْبةِ والتَّحقُّقِ، فَفِيهَا مَا في (الصُّوفيَّةِ) وزِيادَة، والزِّيادَةُ هيَ (التَّفعُّلُ) التي يَدلُّكَ ميزانُها الصَّرفيُّ علَى جُهدٍ يُبْذَلُ لِلتَّحَقُّق، وهَل تَقومُ الصُّوفيَّةُ إلَّا علَى المُجاهَدَةِ والتَّكلُّف لتَحقيقِ المُرادِ.
وأمَّا مَا يَخصُّ البَحثَ ذاتَه، فقَد تَوجَّهَتْ عِنايَتُنا إلَى دِراسَةِ التَّصوُّفِ نَشْأَةً وتَكويناً، ثمَّ إلَى الأُصُولِ والمَناهجِ والمَدارِسِ والطَّرائقِ، فَالمُؤسِّسِينَ والمُؤصِّلينَ، ولَنا - بعدَ هذَا - وقفةُ تَقويمٍ (تَقييمٍ) لِما عرَضْنا؛ وتَقديمِ رُؤيةٍ لِلتَّصوُّفِ خاصَّةٍ بِنا، مِن حَيْثُ التَّأطيرُ والتَّنسيقُ والتَّقسيمُ، عبرَ مُعادَلاتٍ مَعرفيَّةٍ اسْتَخْلَصْناها منَ الإنتاجِ الدَّائرِ علَى أَلْسُنِ النَّاسِ وفي أَسْطُرِ القِرطَاس.
وسَنَحُطُّ الرَّحْلَ أَخِيراً في مَبحَثٍ ذي عُنوانٍ هُو: (هَلْ يُمكِنُ أَن يَكونَ التَّصوُّفُ حَلَّاً مَطروحَاً من قِبَلِ المُصلِحينَ ؟)، معَ مُلْحَقٍ نَتبيَّنُ فيهِ سِمَاتِ مُجتمَعٍ مَنشُودٍ في ظِلالِ التَّصوُّفِ، وقَبْلَ هذَا كلِّه، ثمَّةَ فَاتِحةٌ تُجلِّي أَهمِّيةَ الموضُوعِ، فَإِلَيْكَها:
 
* ب. فَاتِحَة: (أَهمِّيةُ المَوضُوع)
المَقطَعُ الأَوَّلُ مِن ذِي الفَاتِحة: التَّصوُّفُ وتُراثُه يَعدِلُ الإِسْلامَ وتُراثَهُ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ طَوْلاً في الفَهمِ استِيعابَ ذلكَ فَلْيَقْرَأ المَسيرَةَ بأَكمَلِها، فَسَيَجِدُ صِحَّةً مَقبُولةً لِما ذَكَرْنا، بَلْ سيَرى وُضُوحَ (التَّماهي) بينَ التَّصوُّفِ والإِسْلامِ، فَهَذا ذَاكَ، وذَاكَ هَذا، ولهذَا قالَ شيخُ التَّصوُّفِ الجُنَيْدُ بنُ محمَّد البَغداديُّ (ت:297هـ): "مَذْهَبُنا هذَا مُقيَّدٌ بِالكِتابِ والسُّنَّة"(1)، وهَل الإِسلامُ أَيْضاً إلَّا الكِتابُ والسُّنَّة ؟!.
وأمَّا المَقطَعُ الثَّاني: فلَقَد شَكَّلَ التَّصوُّفُ أَحدَ تَجلِّيَي الإِسلامِ في مُقابِلِ السَّلَفيَّة، وقَد ادَّعَى كلُّ اتِّجاهٍ مِنهُما تَمثيلَ كلِّ الإِسْلامِ، ولَا يزالُون كذَلِك، وعلَى هذَا فَلا يُمكِنُ اعتبارُ السَّلفيَّةِ مَرحلةً عابرَةً أو غَابِرةً كما يقُولُ بعضُهم، كمَا لَا يُمكِنُ اعتبارُ التَّصوُّفِ كذَلِك، بَلْ هُما خَطَّان مُستَمِرَّانِ واتِّجاهَانِ بَاقِيانِ، وقَد كادَا يَصيرَان دِينَيْنِ؛ إِنْ لَمْ نَقُلْ: لَقَد هَمَّا، وهَذا مَلحُوظٌ مِن رَفْضِ كلٍّ مِنهُما الآخرَ، وعَدِّهِ مَارِقاً، أَو شَبيهَاً بِمَن مَرَقَ.
والمَقطَعُ الثَّالِثُ والأَخيرُ: ثمَّةَ تَغايُرٌ يَبلُغُ - أَحْياناً - حَدَّ التَّبايُنِ الكُلِّيِّ بَينَ تَصوُّفٍ وتَصوُّف!، فَهَلْ هذَا اخْتِراقٌ أَو انْشِقَاقٌ كذَاكَ الَّذي بينَ السَّلفيَّةِ والتَّصوُّفِ ؟
والجوابُ: أنَّ لِلتَّصوُّفِ أَركاناً ومُصْطَلَحاتٍ لَا يَنبغِي لأَيِّ مُتصوِّفٍ التَّخلِّي عَنها إذَا مَا شَاءَ الإِبقاءَ علَى اتِّصافهِ بالتَّصوُّف، في حِين أنَّ السَّلفيَّ ليسَتْ تَعنيهِ تلكَ الأَركانُ أَو المُصْطَلَحاتُ، فَهوَلَا يَلْتَفِتُ إلَيها، وليسَ يُقيمُ لها رَصيداً أَو اعتباراً في نَهْجِه، وهَلْ رَأَيْتَ يَوماً كلمةَ (الوِرْدِ) أَو (المُريدِ) أَو (الشَّيخِ) أَو (الوَجْدِ) أَو نَحْوهَا في قَامُوسِ السَّلَفيَّة ؟!، إنَّ أَمثالَ هَذِه الكَلِماتِ لَتُشَكِّلُ سَدَى التَّصوُّفِ ولُحمتَهُ، فَلْيُنظَر.. !
وفي النِّهايةِ، فَها نَحْنُ أُولَاءِ نَعرِضُ خُطَّةَ البَحثِ آمِلينَ منَ اللِه جلَّ جلالُهُ التَّوفيقَ، ومِن أَهلِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهمُ الدُّعاءَ بالسَّدادِ والصَّواب، واللهُ مِن وَراءِ القَصد.
 
* ج. الخُطَّة:
- أَوَّلاً: المقدِّمةُ، وفيها:
أ. التَّمهيد.   
ب. فَاتِحة.      
ج. الخُطَّة.
- ثانياً: التَّصوُّفُ (العَرضُ والتَّقديمُ)، وفيه:
أ. النَّشْأَةُ.
ب. التَّعريفُ.
ج. المَصدَر.
د. المَراحِلُ والمشَارِبُ والرِّجالُ.
- ثالثاً: التَّصوُّف: التَّقويمُ أَو النَّقدُ بعدَ العَرض، وفيه:
أ. التَّصوُّفُ في مُعادَلاتٍ (رُؤيَتي).
ب. التَّصوُّفُ والغَربُ (قَبْلاً وبَعدَاً).
ج. التَّصوُّفُ ؛ هَل هُو الحلُّ للأَزَماتِ (العَوْلَمةِ) الإِنْسَانيَّة.
 
ثانياً: التَّصوُّفُ ( العَرضُ والتَّقديمُ )، وفيه:
النَّشأةُ والتَّعريفُ والمصدَرُ:
* أ. النَّشْأَةُ:
لم نُسَطِّرهُ كتاباً أو مَوسُوعةً، بلْ هو بَحثٌ مَعدودةٌ صفحاتُه، مَحدودةٌ كلماتُه، مِن أَجلِ ذلكَ اختَصرنا وأَوجَزنا، لكنَّنا - أبداً - لم نُخِلّ ولم نُسِئْ، قَرأنا كثيراً، وأَخذنا ممَّا ذَرَّفَ على مئةِ مَصدَرٍ ذي شَأنٍ، ثمَّ عُدنا بما عُدنا بهِ من بِطاقاتِ بَحثٍ أَنافَتْ في تَعدادِها على المئةِ والخَمسينَ، فلِلَّهِ الحمدُ والمنَّةُ على ما وفَّق، ولِمجمَعِ اللُّغةِ العربيَّةِ في دمشق الشُّكرُ على ما تفضَّلَ وكلَّف. وها نَحنُ أُولاءِ نَبتدئُ الكتابةَ في الميلادِ والتَّحديد:

15 - مايو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
التصوف (2)    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

يَجتهِدُ بعضُهم في إِرجَاعِ تاريخِ مُصطلَحِ (التَّصوُّف) إلى ما قبلَ الإسلامِ استِناداً إلى محمَّدِ بنِ إسحاقَ بنِ يَسار، صَاحبِ المَغازِي (ت:150هـ) في كتابهِ الذي جمعَ فيهِ أخبارَ مكَّةَ، قال: "إنَّه قبلَ الإسلامِ قَد خَلَتْ مكَّةُ في وَقتٍ منَ الأَوقاتِ، حتَّى لا يَطوف بالبَيتِ أحدٌ، وكانَ يجيءُ من بلدٍ بَعيدٍ رجلٌ صُوفيٌّ، فيَطوفُ بالبَيتِ ويَنصرِف"(2)، على أنَّ هذا الخبرَ لا يُعوَّلُ عليهِ كثيراً في البَحثِ الموضوعيِّ، بلْ إنَّ السِّراجَ الطُّوسيَّ (ت:378هـ) نفسَهُ يُلْمِحُ إلى الشكِّ فيه، وهو إذْ يُورِدُهُ فلِلاستِئناسِ لا لِليَقين، يقولُ: "فإِنْ صحَّ ذلكَ فإنَّهُ يَدُلُّ على أنَّهُ قبلَ الإسلامِ كانَ يُعرَفُ هذا الاسمُ، وكانَ يُنسَبُ إليهِ أهلُ الفَضلِ والصَّلاح"(3).
وهاهُنا نتَساءلُ: هلْ يُمكنُ أن يكونَ ذلكَ الرَّجلُ الصُّوفيُّ مُتحدِّراً من سُلالةِ بَني صُوفَة أو ممَّن يُنسَبُون إلَيهم؟، ولا سيَّما إن علِمنا أنَّ (الصُّوفةَ) وظيفةٌ دينيَّةٌ(4) تخصَّصَ بِها فريقٌ مِن عرَبِ الجاهليَّة، فجَعلَتْهُم طبقةً ذاتَ شعائرَ وامتيازٍ في مذاهبِ حَياتِها على شكْلِ المتصوِّفةِ.
 ثمَّ يَروي الطُّوسيُّ صاحبُ الكلامِ المَسُوقِ آنِفاً عَن الحسنِ البَصريِّ (ت:110هـ) أنَّه قالَ: "رأيتُ صُوفيّاً في الطَّوافِ فأَعطَيتُه شَيئاً فلَمْ يأخُذْ، وقال: مَعي أَربعةُ دَوانيقَ فَيكفيني مَا مَعي"(5)، ويَستدِلُّ كذلكَ بقَولِ سُفيانَ الثَّوريِّ (ت:161هـ): "لَولا أَبو هاشمٍ الصُّوفيُّ(6) ما عَرفتُ دَقيقَ الرِّبا"(7).
وبناءً علَى هذَينِ الخبرَين يكونُ مُصطلحُ التَّصوُّفِ قَد عُرِفَ في النِّصفِ الأوَّلِ منَ القَرنِ الهجريِّ الثَّاني، لا كما يذهبُ ماسينيُون (ت:1962م) إلى أَنَّه عُرِفَ لأوَّلِ مرَّةٍ لقَباً مُفرَداً في النِّصفِ الثَّاني منَ القَرنِ نَفسِه(8)، وممَّا يؤكِّدُ صحَّةَ شاهدَي الطُّوسيِّ المَذكورَين آنِفاً قولُ مُساوِرٍ الورَّاق(9) المتوفَّى حَوالَي (150هـ)، في بَيتين منَ الشِّعرِ يَعيبُ فيهما علَى رَجُلٍ رياءَهُ وتَظاهُرَهُ بالصَّلاح ويَذكرُ فيهما لفظَ التَّصوُّف:
 تصوَّفَ كَي يُقالَ لهُ أمينٌ
 
ومَا يَعني التَّصوُّفَ والأمانَة
 ولَم يُرِد الإلـهَ بـهِ ولَـكِنْ
 
أرادَ بـهِ الطَّـريقَ إلى الخِيـانَة
وعلَى هذَا، فلَا ارْتيابَ إذاً في أنَّ استِعمالَ هذَا المُصطَلحَ قَد شاعَ قبلَ الخمسينَ وبعدَ المئةِ، ذلكَ أنَّ صُورةَ الصُّوفيِّ في البَيتَين تكشِفُ عَن عَهدِ النَّاسِ بالتَّصوُّفِ ومُمارستِهِم إيَّاهُ منذُ زَمنٍ لا نَدري مُبتَدأَهُ علَى التَّعيين، ولكنَّهُ يُورِثُ الحَدْسَ بِمُدَّةٍ طَويلةٍ نَسبيّاً، كيْما يَصيرَ للتَّصوفِ أَدعياءُ، الأمرُ الذي يُؤكِّد صِحَّةَ الرِّوايةِ التي نقلَها الطُّوسيُّ عَن الحسَنِ البَصريِّ.
ولعلَّنا هاهُنا نَستَدرِكُ أَمراً يجبُ تَوضيحُه وهُو: أنَّ ما ذكرناهُ عَن وِلادةِ التَّصوُّفِ إنَّما قصَدْنا بهِ المُصطلَحَ والدِّلالةَ والمَضمُونَ معاً، أي التَّصوُّفَ مِن حيثُ كونُه لَقباً، وأمَّا الدِّلالةُ والمَضمُونُ بمَعزِلٍ عَن المُصطلَحِ فهُما في القِدَمِ أَبعدُ منَ التَّاريخ الذي حَدَدْنا، لأنَّهما يُمثِّلانِ حقيقةَ الإسلامِ، بلْ حقيقةَ الأديانِ، عندَما يَعنِيانِ مَا يَعنيانِ مِن إخلاصٍ لله ومحبَّةٍ لجنَابهِ وتَفَانٍ في مُراداتِه، وسنَرى لاحِقاً مَزيداً مِن هذِه المعَاني السَّاميَةِ السَّامِقَة، وتَأسِيساً علَى هذَا، يكونُ الميلادُ الحقيقيُّ للتَّصوفِ هُو ميلادَ الإسلامِ ذاتِه، ولَسنَا نَعنِي بالإسلامِ هاهُنا الدِّينَ المُنزَلَ علَى محمِّدٍ ص فحَسْب، بلْ الإسلامَ الجامعَ لسَائرِ الأَديانِ المُنزَلةِ علَى جُملةِ الأنبياءِ؛ مِن لَدُن آدمَ إلى محمَّدٍ صلَّى اللهُ علَيهِم جَميعاً، إذْ كلُّ هذِه الدِّياناتِ والرِّسالاتِ تَصدُرُ عَن نَبْعةٍ واحدَةٍ دعَاها القُرآنُ الكريمُ إِسلاماً، ونَحنُ -لا شكَّ- معَ القُرآنِ في هذَا الإطلاقِ مُتَّفِقُونَ.
* ب. التَّعريفُ:
لَن نَعرِضَ هاهُنا لِلمَعنَى اللُّغويِّ والاشتِقَاقيِّ للتَّصوُّف ومَا حامَ حَولهُ مِن اختلافاتٍ، وإنَّما الذي يَعنينا بَسْطُه هُو الدِّلالةُ الاصطِلاحيَّةُ والاعتِباريَّةُ لهذِه الكلِمة، أَو بالأَحرى، لهذا العِلمِ أَو هذَا التيَّار، علَى أنَّنا نُسلِّمُ - ابتِداءً - بعَجْزِنا عَن الإحاطةِ بمَجمُوعِ الدِّلالاتِ والتَّعريفاتِ التي قالَ العادُّونَ بأنَّها نَيَّفَتْ علَى الأَلفِ. وهَا نحنُ أُولاءِ نَقِفُ علَى أَهمِّها وأَشهَرِها، مُعتَقدينَ أنَّ مَا لَم يُذكَرْ هاهُنا ليسَ يَخرُجُ عَن مَدارِ ما ذُكِرَ في الفَحْوى والمقَاصِد.
فإليكَ -أَخي القَارِئ- هذا الذي قصَدنا إلَيهِ، مُستفتِحينَ بتَعريفِ مَعروفٍ الكَرْخيِّ (ت:200هـ) القائلِ: "التَّصوُّفُ هُو الأخذُ بالحقَائقِ واليَأْسُ ممَّا في أَيدِي الخلائِق"(10)، وهُو في هذَا التَّعريفِ يُشيرُ في جُزئهِ الأوَّلِ إلى طبيعةِ الجانبِ المَعرفيِّ للتَّصوُّفِ، وفي جُزئهِ الثَّاني يُبِينُ الجانبَ السُّلوكيَّ المَنشودَ الذي يُمثِّلهُ الزُّهدُ خيرَ تَمثيلٍ.
ويُعرِّفُ أَبو الفَيضِ ذُو النُّونِ المِصريُّ (ت:245هـ) تَعريفاً يُحاكي فيهِ تَعريفَ الكَرْخيِّ فيَقولُ: "الصُّوفيُّ مَن إِذا نطقَ أبانَ نُطقُهُ عَن الحقائقِ، وإِنْ سَكتَ نَطَقَتْ عَنهُ الجوارحُ بِقَطعِ العَلائِق"(11)، ويُظاهِرُ أَبو الحسَنِ الحُصريُّ البغداديُّ (ت:371هـ) كِلا التَّعريفَينِ السَّابقَين، مُدلِياً ببَعضِ التَّفاصيلِ فيَقولُ: "الصُّوفيُّ مَن كانَ وَجدُهُ وُجودَهُ وصِفاتُهُ حِجَابَهُ"(12)، والقَصدُ مِن كلامهِ أنَّ حالَ الوَجْدِ يُطلِعُكَ علَى حَقيقةِ أنَّ الوُجودَ الحقيقيَّ إنْ هُوَ إلَّا وُجُودُ الحقِّ تَعالَى لا غير، وأنَّ صِفَاتِ العَبدِ في حالِ عَدمِ الوَجْدِ حائِلةٌ بَينهُ وبينَ الفناءِ عَن نَفْسهِ وعَن السِّوى.
وثَمَّ تَعريفٌ ذُو مَنْحًى آخرَ يَقولُهُ سُمْنونُ بنُ حمزةَ المِصريِّ (ت:290هـ) وهُو: "أَن لا تَملِكَ شَيئاً وَلا يَمْلِككَ شَيءٌ"(13)، والمَنحَى هاهُنا مَنْحى الحرِّيةِ والانْعِتاقِ إلَّا عَن أَن تكونَ عَبداً لمن يَملِكُ كلَّ شَيءٍ ولَيسَ يَملِكُهُ شيءٌ، فهُو - إذاً - مَنْحَى كمالِ التَّحقُّقُ بالغايةِ التي خُلِقْتَ مِن أَجلِها، وتَمامِ العُبوديَّةِ المُفضِيةِ إلى الفَناءِ والبَقاءِ.
وحينَ نذكرُ تعريفَ عَمرِو بنِ عُثمانَ المكِّيِّ (ت:291هـ) فإنَّنا نَراهُ يُؤكِّدُ بقُوَّةٍ علَى ضَرُورةِ أَن يَشْتَغِلَ الإنسانُ بالأَهمِّ وبالأَوْلَى، في حدُودِ آنِهِ ولَحظَتهِ الحاضِرَة، واسْمَعهُ يقولُ: "التَّصوُّفُ أَن يَكُونَ العَبدُ في كلِّ وَقتٍ مَشغُولاً بِما هُو أَوْلَى في الوَقْتِ"(14)، وفي المَصَبِّ عَينِه يَصُبُّ تَعريفُ أَبي محمَّد أَحمدَ الجَرِيرِيِّ (ت:300هـ): "التَّصوُّفُ مُراقَبةُ الأَحوالِ ولُزُومُ الأَدبِ"(15)، ويُتابِعُه أَبو بكرٍ الشِّبْليُّ (ت:334هـ) قائلاً: "التَّصوُّفُ ضَبطُ حَواسِّكَ ومُراعاةُ أَنفاسِك"(16)، ويَصِحُّ لَنا أَن نُعَنْوِنَ هذِه التَّعريفاتِ الثَّلاثةَ بالمُراقَبة.

15 - مايو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
التصوف (3)    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

ولا غُنيةَ لنا، ونَحنُ نعرِضُ لما قالَهُ المؤسِّسُونَ الأُوَلُ، عَن الوقُوفِ علَى ما أَجابَ بهِ الجُنَيدُ البَغداديُّ شَيخُ الطَّائفَة (ت:297هـ) حينَ سُئِلَ عَن التَّصوُّف: "هُو أَن يُميتَكَ الحقُّ عَنْكَ ويُحييكَ بهِ"(17)، وهُنا نَحُطُّ الرَّحْلَ قليلاً عندَ الفَناء، ومَعناهُ أَن يَفنَى العبدُ عَن رُؤيةِ نَفْسهِ وَسِواهَا بنَفْسِه لِيَراها برُؤيةِ اللهِ لهُ، وكذَلِكَ فالصُّوفيُّ - حَسبَ هذَا التَّعريفِ - هُو مَن يَتصرَّفُ بقوَّةِ اللهِ لا بِقُوَّتهِ، فَقَد أَضْحَى اللهُ سَمْعَهُ وبَصَرَهُ ويدَهُ ورِجْلَهُ، وكأَنِّي بهِ قَد تحقَّقَ بالآيةِ الكريمَةِ: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى﴾ [الأَنفَال:17]، ويَطلُعُ تَعريفُ الطُّوسيِّ أَبي نَصرٍ (ت:278هـ) منَ الأُفْقِ ذاتِهِ ناقلاً عَن عليِّ بنِ بُندار الصُّوفيِّ (ت:357هـ): "التَّصوُّفُ إِسْقاطُ رُؤيةِ الخَلْقِ ظَاهِراً وبَاطِناً"(18).
وثمَّةَ رُؤيةٌ أُخرَى تَنحُو مَنْحَى إظْهارِ الرِّضا عُنصُراً أَساسَاً ورُكناً رَكيناً في التَّصوُّف، عبَّر عَن ذلِكَ رُوَيْمُ بنُ أَحمدٍ البغداديُّ (ت:303هـ) وقَد سُئلَ عَن التَّصوُّفِ فأَجابَ: "التَّصوُّفُ اسْتِرسالُ النَّفسِ معَ اللهِ تَعالَى علَى مَا يُريدُ"(19)، ناظِراً إلى التَّصوُّفِ من مَقامِ الرَّضَا، والمعنَى نَفْسُهُ نَقْرَؤُه عندَ أَبي سَهْلٍ محمَّد بنِ سُليمانَ الصُّعلُوكيِّ (ت:387هـ) في قَولِه: "التَّصوُّفُ الإِعراضُ عَن الاعتِراض"(20).
ونَمضِي بذِكرِ التَّعاريفِ لنَشْهدَ الآنَ تَعريفاً للتَّصوُّفِ يَصدُرُ فيهِ صاحبُهُ عَن مَقامَي الفَقرِ والتَّوكُّل، يَقولُ رُويمُ (ت:303هـ): "التَّصوُّف مَبنيٌّ علَى ثلاثِ خِصَالٍ: التَّمسُّكِ بالفَقرِ والافتقارِ، والتَّحقُّقِ بالبَذلِ والإيثارِ، وتَركِ التَّصرُّفِ والاختِيار"(21).
وخَلِيقٌ بِنا أَن نُضيفَ فيما هاهُنا تَعريفاً آخرَ للتَّصوُّفِ يتَمَحْوَرُ حولَ المَحْوِ ركيزةً راسِخةً من رَكائِزِ التَّصوُّف، فالصُّوفيُّ حَسبَ رَأْيِ أَبي الحسَنِ عليِّ بنِ إبراهيمَ الحُصريِّ (ت:371هـ): "هو الَّذي لا تُقِلُّهُ الأَرضُ ولا تُظِلُّهُ السَّماءُ"(22)، لأنَّه انمَّحى عَن ذاتهِ وثبَتَ باللهِ الوَاسعِ الأوَّلِ الآخرِ والظَّاهرِ الباطِن.
وبَعدُ، فالتَّصوُّفُ في خُلاصَتِه أَخلاقٌ وحُسنُ تعامُلٍ، فقَد قالَ أَبو حَفْصٍ النَّيسابُوريُّ (ت:270هـ): "التَّصوُّفُ كلُّه أَدَبٌ، لِكلِّ وَقتٍ أَدَبٌ، ولِكلِّ مَقامٍ أَدَبٌ، مَنْ لَزِمَ آدابَ الأَوقاتِ بلَغَ مَبْلَغَ الرِّجال"(23).
وذهبَتْ هذِه المَقُولَةُ مَذهبَ المثَلِ السَّائِر، وظلَّتْ قاعدةً كُبرَى امتدَّ الإجماعُ علَيها إلَى عَصرِ ذِرْوَةِ التَّصوُّفِ، عَصرِ الشَّيخِ الأَكبرِ مُحيي الدِّينِ بنِ عَرَبيِّ (ت:638هـ) الذي تبنَّى مَقُولةَ أَسلافهِ فرأَى أنَّ "التَّصوُّفَ خُلُقٌ، فمَن زادَ علَيكَ في الخلُقِ زادَ علَيكَ في التَّصوُّف"(24).
وإذا مَا رُمْنا رسْمَ مَعالمِ الهيكلِ الصُّوفيِّ المُتكاملِ بناءً علَى ما مرَّ مِن تَعريفاتٍ قُلنا وبكلِّ وُضُوحٍ إنَّه: التَّرقِّي الأَخلاقيُّ في مَعارِجِ الحقيقةِ المُطلَقةِ، والعِرفانُ الذَّوقيُّ المُباشِر، والطُّمأنينَةُ والرِّضا، والتَّوكُّلُ المُفضِي إلى سَعَادة، والرَّمزيَّةُ في التَّعبير، ولعلَّ في هذَا البيانِ ما يتَّفِقُ وتَعريفَ التَّصوُّفِ المُقرَّرَ في المَوسُوعةِ الفَلسفيَّةِ العَربيَّة حيثُ قالَتْ: "التَّصوُّفُ فَلسَفةُ حياةٍ تَهدِفُ إلَى التَّرقِّي بالنَّفسِ أَخلاقيّاً، وتتَحقَّقُ بوَاسطةِ ريَاضَاتٍ عمَليَّةٍ مُعيَّنةٍ وتأَمُّلاتٍ تُؤدِّي إلى الشُّعُورِ أَحْياناً بالفَناءِ في الحقيقَةِ المُطلَقةِ، وعِرفَانِها ذَوْقاً لا عَقْلاً وتَفكِيراً، وثَمَرةُ هذِه الفَلسَفةِ السَّعادةُ الرُّوحيَّةُ، ولَطَالما عُبِّرَ عَن حقَائِقها - أي عَن حقائِقِ فَلسَفةِ التَّصوُّف - بالرَّمز، لأنَّ التَّعبيرَ عَنها بالأَلفاظِ العاديَّةِ صَعبٌ جِدَّاً، وتكادُ تكونُ مُستَحيلَةً"(25).
وابْتِغاءَ تَمامِ حَلْقةِ التَّحديدِ التي نَحنُ بصَدَدِها فإنَّنا نذكرُ تعريفَ الجُنيدِ (ت:297هـ)  للتَّصوُّف، فَفيهِ مَا يُلِمُّ بجُمْلَةِ المعالمِ التي نَثرناها آنِفاً، يَقولُ: "التَّصوُّفُ تَصفيةُ القَلْبِ عَن مُوافَقةِ البريَّةِ، ومُفارَقَةُ الأَخلاقِ الطَّبيعيَّة، وإِخمادُ الصِّفاتِ البشَريَّة، ومُجانَبةُ الدَّعاوَى النَّفسَانيَّة، ومُنازَلةُ الصِّفاتِ الرُّوحانيَّةِ، والتَّعلُّقُ بالعلُومِ الحقيقيَّة، واستِعمالُ ما هُو أَوْلَى علَى الأَبديَّة، والنُّصحُ لجميعِ الأُمَّة، والوَفاءُ للهِ علَى الحقيقةِ، واتِّباعُ الرَّسولِ ص في الشَّريعَة"(26).
* ج. المَصدَر(27):
تَشعَّبَ الاختِلافُ في مَصدَرِ التَّصوُّف، لكنَّه -في النَّهاية- لَم يكُن مِن جِنسِ الاختِلافِ الذي لا يُحسَمُ، بل قَدْ حُسِمَ الأمرُ فِعلاً لصَالحِ انتماءِ التَّصوُّفِ الأَصيلِ للإسلامِ، وهاهُو ذا الطُّوسيُّ (ت: 278هـ) يَذهَبُ إلَى تَقييدِ التَّصوُّفِ بأَربعةِ أُصُولٍ إسلاميَّةٍ هيَ(28):
1- مُتابعةُ كتابِ اللهِ عزَّ وجَلَّ.
2- الاقتداءُ بالرَّسُولِ ص.
3- التَّخلُّقُ بأَخلاقِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ.
4- التَّأدُّبُ بآدابِ عبادِ اللهِ الصَّالحينَ.
وقَد عَاضَدَ هذِه الأُصولَ كلُّ مَن كتَبَ منَ الصُّوفيةِ عَن التَّصوُّفِ بعدَ الطُّوسيِّ، حتَّى إنَّ ابنَ خلدُون (ت:808هـ) -وهُو مِن غَيرِ الصُّوفيَّة(29)- يُدرِكُ تلكَ الآصِرَةَ الأكيدَةَ بينَ التَّصوُّفِ وبينَ مَصدَرِه الإسلاميِّ فيَقولُ: "هذَا العِلمُ منَ العُلومِ الشَّرعيَّةِ الحادِثَةِ في المِلَّة، وأَصلُهُ أنَّ طريقَ هَؤلاءِ القَومِ لَم تَزَلْ عندَ سلَفِ الأُمَّةِ وكِبارِها منَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ ومَن بَعدَهُم طريقَ الحقِّ والهِدايَة، وأَصلُها العُكوفُ علَى العِبادَةِ، والانقِطاعُ إلى اللهِ تعالَى، والإِعراضُ عَن زُخْرُفِ الدُّنيا وزِينَتِها، والزُّهدُ فيما يُقْبِلُ علَيهِ الجُمهورُ مِن لذَّةٍ ومالٍ وجَاهٍ، والانفِرادُ عَن الخَلْقِ في الخَلْوةِ لِلعِبادَة، وكانَ ذلكَ عامَّاً في الصَّحابةِ والسَّلَفِ، فلمَّا فشَا الإقبالُ علَى الدُّنيا في القَرنِ الثَّاني ومَا بَعدَهُ وجَنَحَ النَّاسُ إلى مُخالَطةِ الدُّنيا اختَصَّ المُقبِلُونَ علَى العِبادَةِ باسمِ الصُّوفيَّةِ والمُتصَوِّفَة"(30).

15 - مايو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
التصوف (4)    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

ولَم يَستَطِع المُستَشْرِقُونَ أَنفسُهُم، علَى كثافةِ دراسَاتِهم للتَّصوُّفِ وسَعَتِها، وعلَى تَنوُّعِ أَهدافِهم أَيضاً، إلَّا أَن يُقرِّوا بالإسلامِ مَصدَراً للتَّصوُّف، ولعلَّ تَجرِبةَ البريطانيِّ رينولد نيكلسون (ت:1945م) في هذا المقامِ تكونُ مثالاً جيِّداً علَى ذلكَ، حينَ عدَلَ عَن آرائهِ السَّابقَةِ التي أَعلَنَها عامَ (1906م) وذكرَ فيها أنَّ التَّصوُّفَ وَليدُ الأَفلاطونيَّةِ المُحدَثَةَِ والمَسيحيَّةِ والغنوصيَّة، فقَد كتَب سنةَ (1922م) مقَالاً يُؤكِّدُ فيه عُدولَهُ، ويَنفي أَن يكونَ التَّصوُّفُ سَليلَ الثَّقافاتِ الأَجنبيَّة، ويُصرِّحُ بأنَّ ظاهِرتَي الزُّهدِ والتَّصوُّفِ اللَّتَين نشَأَتا في الإسلامِ كانَتا إِسلاميَّتَين في الصَّميم(31).
أمَّا لويس ماسينيون (ت:1962م)  فيَرى إثْرَ دراسَتهِ لمُصطلَحاتِ التَّصوُّفِ أنَّ مصادرَها أَربعةٌ:
1- القرآنُ الكريمُ، وهُو المصدَرُ الرَّئيسُ للمُصطَلحاتِ الصُّوفيَّة.
2- العلُومُ العربيَّةُ الإسلاميَّةُ، كالحديثِ والفِقْهِ.
3- مُصطَلحَاتُ المتكلِّمينَ الأَوائلِ.
4- اللُّغةُ العِلميَّةُ التي تكوَّنَتْ في الشَّرقِ خلالَ القُرونِ الستَّةِ المَسيحيَّةِ الأُولى مِن لُغاتٍ أُخرَى؛ كاليونانيَّةِ والفارسيَّةِ وغيرِهما، وأَصبَحَتْ لُغةَ العِلمِ والفَلسَفةِ، ثُمَّ يُشيرُ في خاتمةِ الأَمر إلَى أنَّ التَّصوُّفَ قَد نشأَ مِن صَميمِ الإسلامِ نَفْسِه، علَى الأَقلِّ في القُرونِ الثَّلاثةِ الأُولَى(32).
ولَعلَّ منَ المُستَحْسَنِ هاهُنا حكايةُ بعضِ أَقوالِ المُتصوِّفةِ أَنفسِهم، التي تُواشِجُ بينَ طَريقِهم وعلُومهِم وبينَ القُرآنِ والسُّنَّةِ المُشرَّفةِ وأَخلاقِ الإسلامِ الرَّفيعَةِ علَى نَحوٍ بيِّن:
فقَد قالَ ذُو النُّون المِصريُّ (ت:245هـ): "مِن عَلاماتِ المحبَّةِ للهِ مُتابَعةُ حبيبِ الله ص في أَخلاقهِ وأَفعالهِ وأَوامرِهِ وسُنَّتهِ"(33).
 وقالَ الجُنَيدُ (ت:297هـ): "الطُّرُقُ كلُّها مَسدُودَةٌ علَى الخَلْقِ إلَّا مَن اقْتَفى أثَرَ الرَّسولِ ص"(34)، وقالَ: (مَن لَم يَحفَظِ القُرآنَ ولَم يَكتُبِ الحديثَ لا يُقتدَى بهِ في هذَا الأَمر، لأنَّ عِلْمَنا هذَا مُقيَّدٌ بالكِتابِ والسُّنَّة"(35).
وقالَ أَبو الفَوارسِ شَاهُ بنُ شُجاعٍ الكَرمانيُّ (ت:300هـ): "مَن غضَّ بصرَهُ عَن المَحارِمِ وأَمْسَكَ نَفْسَهُ عَن الشَّهواتِ وعمَّرَ باطنَهُ بدَوامِ المُراقَبةِ وظاهرَهُ باتِّباع السُّنَّةِ وعوَّدَ نَفْسَهُ أكْلَ الحلالِ لَم تُخطِئ لهُ فِراسَة"(36).
ويَقولُ أَبو الحسَنِ السَّريُّ بنُ مُغلِّسٍ السَّقَطِيُّ (ت:257هـ): "(مَن ادَّعى بَاطِنَ عِلمٍ يَنقُضُ ظَاهِرَ حُكْمٍ فهُو غَالِطٌ"(37).
 
* د. المَراحِلُ والمشَارِبُ والرِّجالُ:
تَقلَّبَ التَّصوُّفُ في مراحِلَ مُتعدِّدة، وتَوارَدَتْ علَيهِ ظُروفٌ مُختَلِفَة، فكانَ لهُ في كلِّ طَورٍ ومرحلَةٍ مفاهيمُ متولِّدةٌ، وعلَيهِ، كثُرَتْ تَعريفاتُه بنَحوِ ما رأَيْنا في مبحَثِ التَّعريفِ السَّالف، علَى أَنَّ الأَساسَ الثَّابتَ والمُجمَعَ علَيهِ بينَ مفاهيمِ التَّصوُّفِ هُو الأَخلاقُ، وأَخلاقُ الإسلامِ - أَصْلاً - هيَ أَساسُ شَريعَتِه، فإذا ما افْتَقَدَتْ اُصولُ الإيمانِ أَو أَحكامُ الفِقهِ الأَساسَ الخُلُقيَّ كانَتْ صُورةً لا رُوحَ فيها، أو هَيْكلاً خَاوِياً مُفرَّغَ المَضمُون، فالدِّينُ - في جَوهَرِه - أَخلاقٌ بينَ العَبدِ وربِّه، وبينَ العَبدِ ونَفْسِه، وبينَ العَبدِ وسَائرِ مَنْ ومَا لهُ علاقةٌ معهُ أَو اتِّصالٌ بهِ، وقَد وَعَى صُوفيَّةُ الإسلامِ أهمِّيةَ هذَا الأَساسِ الخُلُقيِّ للدِّين، فعُنُوا بهِ وتَوجَّهُوا نَحوَهُ بالرِّعايَةِ والاهتمامِ، وأَعلَنُوا أنَّ أيَّ عِلمٍ لا تُقارِنُهُ الخَشْيةُ منَ اللهِ فَلا جَدْوى منهُ، ومِن ثَمَّ رأَيْتَهُم قَد أَنْشَؤُوا مِن ذلكَ عِلْماً مُستَقِلَّاً مُكمِّلاً لعِلْمَي الكلامِ (العقيدَةِ) والفِقْه، وعُدَّ التَّصوُّفُ بعدَ ذلكَ عِلْماً قائماً برَأسِهِ بينَ العلُومِ الشَّرعيَّة، علَى مَا نوَّهَ بهِ ابنُ خلدُون (ت:808هـ) في مُقدِّمتِه، حيثُ قالَ: (عِلمُ التَّصوُّفِ منَ العُلومِ الشَّرعيَّةِ الحادِثَةِ في المِلَّةِ الإسلاميَّةِ، وأَصلُهُ عندَ سَلَفِ الأُمَّة"(38).
ونَشْرَعُ الآنَ بذكرِ المراحلِ مَشفُوعةً بذكرِ المشارِب، فنُؤكِّدُ - بادئَ الأَمرِ - علَى المَرحلةِ الأُولَى في نَشأَةِ التَّصوُّفِ، وهيَ التي تُسمَى (مَرحلةَ الزُّهْدِ)، وقَد بدَتْ تلكَ المَرحلةُ وقامَتْ في القَرنَين الهِجريَّيْن الأَوَّلَيْن، وأَعانَ علَى ظُهورِ الزُّهدِ فيهما حركَةً ونَهْجاً عَامِلانِ رئيسَانِ هُما:
1- القرآنُ الكريمُ: بما ضُمِّنَتْ آياتُه من مَعانِي فَناءِ الدُّنيا وزَوالِها، والحثِّ علَى الزُّهدِ فيهَا، والتَّرفُّعِ عَن الانغماسِ في مَلاذِّها وشَهَواتِها الزَّائلَة.
2- الأَحوالُ السِّياسيَّةُ والاجتماعيَّةُ واضطِّرابُها: ولا سيَّما بعدَ مَقْتَلِ عُثمانَ بنِ عفَّانَ رضيَ اللهُ عنهُ، ممَّا حدَا بكثيرٍ مِن أَتقياءِ المُسلِمين إلَى إيثارِ العُزلَةِ ولزُومِ العبادَةِ.
وهكَذا، بدأَتْ تَظهرُ مَدارسُ للزُّهدِ في المَدينةِ وفي البَصرةِ وفي الكُوفةِ وفي مِصرَ وفي خُراسَان(39)، وتطوَّرَتْ حالةُ الزُّهدِ مِن بعدُ علَى يدِ رابعةَ العدَويَّة (ت:185هـ) تطوُّراً نَوعيَّاً، فقَد أَمْسَى ناهِضاً علَى فكرةِ الحبِّ الإلهيِّ بعدَ أن كانَ قَبْلاً يقومُ علَى فكرَةِ الخوفِ منَ الله.
ثمَّ عرَضَ لِمَسيرَةِ الزُّهدِ هذِهِ تحوُّلٌ مَلْحوظٌ طوالِعَ القَرنِ الهِجريِّ الثَّالِث، فلَم يَعُدْ للسَّالكينَ هذَا المسلكَ اسمُ (الزُّهَّادِ)، وإنَّما عُرِفوا بِـ(الصُّوفيَّة)، وتكلَّموا في مُصطلَحاتٍ لم تَكُن مَعروفةً مِن ذِي قَبلُ، فكانَ منهَا -علَى سبيلِ التَّمثيلِ-: (السُّلوكُ إلى اللهِ)، و(الُمجاهدَةُ) عبرَ مدارجَ متنوِّعَةٍ عُرِفَتْ بِـ(المقاماتِ والأَحوالِ)، وظهرَتْ كذلكَ (المَعرِفةُ الشُّهوديَّةُ) و(الفَناءُ) و(الاتِّحادُ) و(الحلُولُ) ونَحوُ ذلكَ، وأَصبَحَتْ للمُتصوِّفَةِ لُغةٌ اصطِلاحيَّةٌ خاصَّة، وظهرَ التَّدوينُ في التَّصوُّفِ كذلكَ، ولعلَّ أَقدمَ المُصنِّفينَ فيهِ الحارثُ ابنُ أسَدٍ المُحاسِبيُّ (ت:243هـ)، وأَبو سَعيدٍ أَحمدُ بنُ عيسَى الخرَّاز (ت:237هـ)، وأَبو عَبدِ اللهِ الحكيمُ التِّرمذيُّ (ت:285هـ)، والجُنيدُ البغداديُّ (ت:297هـ)، وهُم جَميعاً مِن القَرنِ الثَّالِث.

15 - مايو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
التصوف (5)    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

ومنذُ ذلكَ القَرنِ يَستقيمُ لَنا القَولُ بأَنَّ التَّصوُّفَ غَدا مُستَمِيزاً عَن الفِقهِ، وصارَ للشَّريعةِ جانبانِ:
1- أحدُهُما عِلمُ الظَّاهرِ مِن عباداتٍ ومُعاملاتٍ.
2- والآخرُ عِلمُ الباطنِ، أَو عِلمُ القَلْب، وقَد أُطلِقتْ علَيهِ تَسمِياتٌ منهَا: عِلمُ الحقيقةِ في مُقابَلةِ عِلمِ الشَّريعَةِ، وعِلمُ الوِراثَةِ في مُقابلِ عِلمِ الدِّراسَة.
ويَلْحَظُ الدَّارسُ للتَّصوُّفِ في القَرنَينِ الهجريَّين؛ الثَّالثِ والرَّابع، أنَّهُ باتَ ذا اتِّجاهَين اثْنَين:
1- يُمثِّلُ الأَوَّلَ مِنهُما: صُوفيُّونَ مُعتَدِلُون في آرائِهم، يَربِطونَ تصوُّفهَم بالكتابِ والسُّنَّة، وإنْ شئتَ قُل: يَزِنُونَ تصوُّفَهم دَوماً بمِيزانِ الشَّريعَة، ومِن هؤلاءِ: معروفٌ الكَرْخيُّ (ت:200هـ)، وأَبو سُلَيمانَ الدَّاراني (ت:215هـ)، وذُو النُّونِ المِصريُّ (ت:245هـ)، والحارثُ بنُ أَسدٍ المُحاسِبيُّ (ت:243هـ)، والسَّريُّ السَّقَطيُّ (ت:250هـ)، وسَهْلُ بنُ عبدِ اللهِ التُّستُريُّ (ت:283هـ)، والجُنيدُ البَغداديُّ المُلَقَّبُ بشَيخِ الطَّائفَة (ت:297هـ).
2- أمَّا الاتِّجاهُ الثَّاني: فيُمثِّلهُ صُوفيُّونَ أقلُّ عدَداً من ذَوي الاتِّجاهِ الأَوَّل، انطلَقُوا مِن حالِ الفَناء إلى القَولِ - علَى سَبيلِ الشَّطْح - بالاتِّحادِ والحلُولِ، ويُمثِّل هذا الاتِّجاهَ نفَرٌ منهُم: البَسطاميُّ أَبو يَزيدَ (ت:261هـ)، واسمُهُ طَيفورُ بنُ عيسَى بنِ شَروشَان، فقَد غلَبَتْ عليهِ حالُ الفَناءِ عَن ذاتهِ فأَسفَرَ عَن عباراتٍ تَحكي الحلُولَ والاتِّحادَ، ومِن ذلِكَ قولُهُ - مثَلاً-: (سُبْحاني مَا أَعظمَ شَاني)، وقولُهُ: (إنِّي أَنا اللهُ)(40). وعلَى غِرارِ البَسطاميِّ ذاتِه يَطلُعُ علَينا الحُسَينُ بنُ مَنصورٍِ الحلَّاج (ت:309هـ)، الذي أَفضَى بهِ شعُورُهُ بالفَناءِ أَيضَاً إلَى القَولِ بالحلُول(41)، ويَعني حلُولَ الطَّبيعةِالإلهيَّةِ في الطَّبيعةِ الإنسانيَّةِ إذا مَا تهيَّأَ لهذِه الطَّبيعةِ الإنسانيَّةِ أَو النَّاسُوتيَّةِ الصَّفاءُ الكافي، علَى أَنَّهُ - معَ إعلانهِ الحلُولَ - يَعودُ فيُثبِتُ التَّنزيهَ لله تعالَى، ويَذهبُ في بابٍ آخرَ إلَى القَولِ بِقِدَمِ النُّورِ المُحمَّديِّ، حتَّى أَمسَى قولُهُ هذَا أَساساً مُعتَبراً لما قالَهُ مُتفَلسِفَةُ الصُّوفيَّةِ عَن الحقيقةِ المُحمَّديَّة التي هيَ أَوَّلُ تَعيُّنٍ فاضَ عَن اللهِ، ومنهُ استَمدَّ الأنبياءُ وانْتهَلَ الأَولياءُ منذُ القِدَم، ويَبدُو جليَّاً هاهُنا أَثرُ الأَفلاطُونيَّةِ المُحدَثةِ ونظَريَّتُها الذَّائعةُ في قضيَّةِ (الفَيْض).
وقَد شَهِدَ القَرنانِ المُشارُ إلَيهما ظُهورَ الطُّرقِ الصُّوفيَّةِ في صُوَرٍ أَوَّليَّةٍ، فكانَ منهَا: (المَلامَتيَّةُ) المَنسُوبةُ إلى حَمدُون القصَّارِ النَّيسابُوريِّ (ت:271هـ)، والطَّيفوريَّةُ المَنسُوبةُ إلى أبي يَزيدَ البَسطاميِّ (ت:261هـ)، وأَضْحَتْ كلمةُ (طَريقَة) إشارةً إلى مَجمُوعةِ الآدابِ والأَخلاقِ والأَفكارِ التي تتَحلَّى بهَا طَائفةُ الصُّوفيَّة، حتَّى إنَّ أَبا القاسمِ القُشَيريَّ (ت:465هـ) يجعَلُها قَسيماً لِطَريقةِ أَربابِ العَقلِ والفِكْر.
ومِن بَينِ المواضِيعِ المُدارَةِ أَيضَاً في أَحاديثِ صُوفيَّةُ القَرنَينِ؛ الثَّالثِ والرَّابع، قضيَّةُ الطُّمَأْنينةِ والسَّعادَةِ، فقَد وَضَعُوا لأَنفُسِهم في هذَا البابِ لُغةً اصطِلاحيَّةً رَمزيَّةً، قصَدُوا بهَا الكَشْفَ عَن معانيهِم لأَنفُسِهم، غِيرةً منهُم علَى أَسرارِهِم أَن تَشيعَ في غَيرِ أَهلِها، إِذْ لَيسَتْ حقائقهُم مَجمُوعةً بنَوعِ تكلُّفٍ أَو مَجلُوبةً بضَرْبِ تَصرُّفٍ، بلْ هيَ معانٍ أَوْدعَها اللهُ قلوبَ قومٍ، واسْتَخْلصَ لحقائِقها أَسرارَ قومٍ، علَى تَعبيرِ القُشَيريِّ في رِسالَتهِ(42).
وعلَى امتدادِ القَرنِ الخامسِ الهجريِّ استمرَّ الاتِّجاهُ الأوَّلُ بوضُوحٍ، وأُطلِقَ علَيهِ الاتِّجاهُ السُّنِّيُّ، في حِين ذَوَى الاتِّجاهُ الثَّاني أَو كادَ، ثمَّ عاودَ الظُّهورَ تارةً أُخرَى في صُورٍ متنوِّعَةٍ علَى أَيدي أَفرادٍ مِن مُتفَلسِفَةِ الصُّوفيَّة ابتِداءً منَ القَرنِ السَّادسِ الهجريِّ، أمَّا ذُوِيُّ الاتِّجاهِ الثَّاني في القَرنِ الخامسِ فرَاجِعٌ إلى غلَبةِ مَذهَبِ أَهلِ السُّنَّةِ والجماعَةِ الذي انتَصرَ لهُ أَبو الحسَنِ الأَشعريِّ (ت:324هـ) مطالِعَ القَرنِ الرَّابعِ، وإلَى مُحارَبةِ الغُلوِّ الذي فشَا في التَّصوُّف.
ولعل أَظْهرَ صُوفيَّةِ القَرنِ الخامسِ أَبو حَامدٍ الغزاليُّ الطُّوسيُّ (ت:505هـ)، وأَبو القَاسمِ عبدُ الكريمِ بنُ هَوازِن القُشَيْريُّ (ت:465هـ)، وأَبو إِسماعيلَ عبدُ اللهِ بنُ محمَّدٍ الهرَويُّ الأَنصاريُّ (ت:481هـ)، وقَد جَهِدَ الغزاليُّ في الدِّفاعِ عَن التَّصوُّفِ السُّنِّيِّ القائمِ علَى عَقيدَةِ أَهلِ السُّنَّةِ والجماعَةِ وعلَى سُلوكِ مَسلَكِ الزُّهدِ وتَربيةِ النَّفسِ وإصلاحِها، ويَرى الغزاليُّ أنَّ طريقةَ الصُّوفيَّةِ لا تَسْتَتِمُّ إلَّا بعِلْمٍ وعمَلٍ معاً، وحَاصِلُها التَّخلُّق.
ومنذُ القَرنَيْنِ الهجريَّين؛ السَّادسِ والسَّابع، انكشَفَ التَّصوُّفُ مِن جَديدٍ عَن تيَّارَينِ متقابِلَين؛ أَحدُهُما فلسَفيٌّ، والثَّاني عمَليٌّ سُلُوكيٌّ، تمثَّلَ الأَوَّلَ مُتفَلْسِفَةُ الصُّوفيَّة، وانْتَهجَ الآخرَ أَصحَابُ الطُّرُق.
والمَقصُودُ بالتَّصوُّفِ الفلسَفيِّ أَن يَعمِدَ ذَووهُ إلى تَخميرِ أَذواقِهم بأَنظارِهمُ العقليَّةِ، وهذَا اللَّونُ منَ التَّصوُّفِ دُونَ غيرِه هُو الذي نُسلِّمُ بتأثُّرِه بمَصادرَ أَجنبيَّةٍ؛ يُونانيَّةٍ أَو فارِسيَّةٍ أَو هِنديَّة، بقَصدٍ أَو دُونَ قصدٍ، علَى أَن هذَا ليسَ يَنفِي عنهُ بحالٍ جانبَ الأَصالَةِ والابتكارِ، في نِسَبٍ واسِعةٍ أَو ضيِّقَة. وثمَّةَ طابعٌ آخرُ يَميزُ هذَا التَّصوُّفَ الفَلْسَفيَّ، ونَعنِي بهِ طابعَ الإبهامِ والغُموضِ والمَجازِ في مواطنَ كثيرَةٍ، ولذَلِكَ لا يُمكِنُ عَدُّهُ فلْسَفةً مَحضةً مِن جَانبٍ، لكونِه قائِماً علَى الذَّوْقِ، كما لا يُمكِنُ عَدُّهُ تَصوُّفاً خَالِصاً مِن جانبٍ آخرَ لأَنَّ التَّعبيرَ عنهُ يجيءُ غالِباً بلُغةٍ فَلسَفيَّةٍ رامِزَةٍ، وقَد استُهدِفَ مُتصوِّفُو هذَا الطِّرازِ مِن قِبَلِ الفُقهاءِ، جرَّاءَ ما أَعلَنُوهُ أَو دوَّنوهُ مِن مَقالاتٍ في نظريَّةِ وَحدةِ الوُجودِ، ونظريَّةِ القُطبيَّةِ أَو الحقيقَةِ المُحمَّديَّة، ونظريَّةِ وَحدةِ الأَديانِ.

15 - مايو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
التصوف (6)    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

ولعلَّ مِن أَوائلِ الرُّوَّادِ في هذَا القَبيلِ شِهابُ الدِّين يَحيَى بنُ حبَشٍ بنِ أَميرك السَّهرَوَرْدِيُّ المَقتولُ عامَ (587هـ)(43)، بأَمرٍ مِن صَلاحِ الدِّين الأيُّوبيِّ، وهُو صَاحبُ كتابِ (حِكْمةِ الإشْراقِ)، وكانَ السَّهرَوَرْديُّ ضَالِعاً في الفلسَفةِ اليونانيَّةِ والفارسيَّةِ القَديمَةِ والهُرمُسيَّةِ، وعالماً بمَذاهبِ فلاسِفَةِ الإسلامِ، وحِكمتُهُ الإشراقيَّةُ مؤسَّسةٌ علَى الذَّوقِ لا الفِكر، ولهُ كذلكَ نظريَّةٌ في الوجُودِ عبَّر عنها بلُغةٍ رَمزيَّةٍ فيها انْبِعاثٌ مِن نظريَّةِ الفَيْض، ويرَى فيهَا أنَّ العوالِمَ الفائضةَ عَن مبدَأ الوجُودِ ثلاثةُ عَوالم؛ عالمُ العُقولِ، وعالَمُ النُّفوسِ، وعالمُ الأَجْسَام.
وتُوقِفُنا مَسيرةُ التَّصوُّفِ الفلسَفيِّ علَى عَلَمِها العِملاقِ، وشَيْخِها الأكبَرِ مُحيي الدِّينِ ابنِ عَربيٍّ (ت:638هـ)، وهُو أَوَّلُ واضعٍ لمذهَبِ وَحدَةِ الوجُودِ في صُورتهِ الكامِلَةِ، وقَد عبَّر عَن ذلكَ المَذهَبِ في إيجازٍ بعبارتِهِ الشَّهيرَة: (سُبْحانَ مَن خَلَقَ الأَشياءَ وهُو عَينُها)، ولا يُؤمنُ ابنُ عربيٍّ بالخَلْقِ مِن عَدَمٍ، وإنَّما يتَّخِذُ نظريَّةَ الفَيضِ مُنطلَقاً لمَذهبِه، فَوجُودُ المُمكِناتِ هُو عينُ وجُودِ اللهِ، فإذا نظَرْتَ إلى الذَّاتِ الإلهيَّةِ مِن حيثُ ذاتُها قُلْتَ: هيَ الحقُّ، وإذا مَا نَظرْتَ إلَيها مِن حيثُ صفاتُها قُلْتَ: هيَ الخَلْقُ.
وكانَ مِن أَشهَرِ تَلاميذِه الصَّدرُ القُونَويُّ محمَّدُ بنُ إسحاقَ (ت:672هـ)، وعَفيفُ الدِّينِ سُلَيمانُ بنُ عليٍّ التِّلمِسانيُّ (ت:690هـ)، وغيرُهُم، وامتدَّتْ آثارُ ابنِ عربيٍّ في وَحدةِ الوجُودِ إلَى عُصورٍ تاليَةٍ، لِتَجِدَ لهاَ تُبَّاعاً وأَنصاراً كُثُر، منهُم: عَبدُ الكريمِ الجِيلي (ت:832هـ)، صَاحبُ نظريَّةِ الإنسانِ الكاملِ، والكَرْمانيُّ (ت:697هـ)، وعَبدُ الرَّحمن ابنُ أحمدَ الجامِي (ت:898هـ)، والنَّابلسيُّ عبدُ الغنيِّ (ت:1143هـ).
وثمَّةَ صُوفيَّةٌ مُتَفلسِفُونَ عاصَرُوا ابنَ عربيٍّ، بيدَ أنَّ لهُم مذاهبَ مُختلِفةً عَن مَذهَبهِ، كشرَفِ الدِّينِ عُمرَ بنِ الفَارِض (ت:632هـ)، الذي يَصدقُ تَفسيرُ مذهبِهِ بوَحدةِ الشُّهود لا بوَحدةِ الوجُود، وكذلكَ ابنُ سَبعينَ؛ قطبُ الدِّينِ عبدُ الحقِّ بنُ إبراهيمَ (ت:668هـ)، الذي أَمْعنَ في إنكارِ وجُودِ المُمكِناتِ ولَم يُثبِتْ غيرَ وجُودٍ واحدٍ هُو اللهُ.
وظهرَ في فارسٍ شعراءُ منَ الصُّوفيَّةِ طبَعُوا شَاعريَّتَهُم بطابعٍ فلسَفيٍّ أَيضاً، منهُم: جلالُ الدِّين الرُّوميُّ (ت:672هـ)، صَاحبُ المَثْنَويِّ الشَّهير، وحافِظُ الشِّيرازيُّ (ت:791هـ).
وأَخيراً، هانَحنُ أُولاءِ نَحُطُّ الرَّحْلَ عندَ التيَّارِ العمَليِّ في القَرنَيْنِ الهِجريَّين؛ السَّادسِ والسَّابع، وقَصْدُنا بهِ أَصحابَ الطُّرق، هذَا التيَّارُ لا جرَمَ أنَّ لهُ اتِّصالاً وَثيقاً بالغزاليِّ وتُراثِهِ الصُّوفيِّ، إذْ كانَ تصوُّرُهُ للطَّريقِ ولقَواعدِ السُّلوكِ ذا أَثرٍ بالغٍ على رجالاتِ القَرنِ السَّادسِ، وكانَ أَشهرَهُم: السيِّدُ عَبدُ القادرِ الجَيلانيِّ (ت:561هـ)، مُؤسِّسُ الطَّريقَةِ القادريَّة، والسيِّدُ أَحمدُ الرِّفاعيُّ (ت:578هـ)، مؤسِّسُ الطَّريقةِ الرِّفاعيَّة، وأَبو الحسَنِ الشَّاذِليِّ (ت:656هـ)، مُؤسِّسُ الطَّريقةِ الشَّاذِليَّةِ، وتلميذُه المُرسيُّ أَبو العبَّاس (ت:686هـ)، وتلميذُهما ابنُ عطاءِ الله السَّكَندريِّ (ت:709هـ)، ويُساقُ في هذَا التيَّارِ العمَليِّ أَيضاً السيِّدُ أَحمدُ البَدَوِيُّ (ت:675هـ)، مُؤسِّسُ الطَّريقةِ الأَحمديَّةِ، والسيِّدُ إِبراهيمُ الدُّسُوقيُّ (ت:676هـ)، مُؤسِّسُ الطَّريقةِ البُرهانيَّة، وعَن هذِه الطُّرُقِ تَفرَّعَتْ طرُقٌ أُخرى كثيرةٌ، وغَدَتْ لَفظةُ (الطَّريقَة) عندَ مُتأَخِّري الصُّوفيَّةِ اسماً علَى طائفةٍ منَ النَّاسِ يَنتَسِبُونَ إلى شَيخٍ مُعيَّن، ويَخضَعُونَ لنِظامٍ دقيقٍ في السُّلوكِ، ويَحْيَوْنَ حياةً جماعيَّةً في الزَّوايا، أَو يَجتمِعونَ اجتماعاتٍ دَوريَّةً في مُناسَباتٍ مُعيَّنةٍ، ويَعقِدُونَ مَجالِسَ الذِّكرِ.
واختلَفَتْ أَسماءُ الطُّرُقِ في العالمَيْن؛ العربيِّ والإسلاميِّ، باختلافِ أَسماءِ مُؤسِّسِيها، واستمرَّتْ في الظُّهورِ والانتشَارِ والافْتِراعِ إِبَّانَ القُرونِ اللَّاحقَة، فَفي القَرنِ الثَّامنِ ظهَرَتْ -مثَلاً- الطَّريقةُ النَّقْشَبَنديَّةُ، علَى يدِ مُؤسِّسِها بَهاءِ الدِّين نَقشْبَند البُخاريِّ (ت:791هـ)، وانتَشرَتْ في بُلدانٍ إسلاميَّةٍ عديدَةٍ، وظهَرَتْ كذلِكَ الطَّريقةُ الخَلْوَتيَّةُ، وهيَ طَريقةٌ فارسيَّةٌ، نشَرَها في مصرَ مُصطفَى كمالُ الدِّين البكريِّ (ت:1162هـ). وفي تُركيَّا رَاجَت الطَّريقةُ البكتاشيَّةُ التي أَسَّسَها حاج بكتاش (ت:738هـ)، إلَى جَانبِ الطَّريقةِ المَوْلَوِيَّةِ المَنسُوبةِ لمولانا جلالِ الدِّين الرُّوميِّ..، وهكذا، فالطُّرقُ الصُّوفيَّةُ في تَزايدٍ وشُيوعٍ إلى أيَّامِنا هَذِه.
علَى أنَّ ثمَّةَ نشَاطاً مُهمَّاً ورائداً مِن نَوعٍ آخرَ لِلطُّرقِ القادريَّةِ والشَّاذِليَّةِ والتِّيجانيَّةِ والسَّنوسيَّةِ والمَرغينيَّة بدَا في العصرِ الحديثِ بحيثُ لا يُنكَرُ، وهُوَ أنَّ مُريدِي هذِه الطُّرقِ ورِجالاتِها كانَتْ لهُم سِهامٌ وافرةٌ في نَشرِ الإسلامِ في إِفريقيَة الوثنيَّةِ، وزادَتْ بعضُ الطُّرُقِ علَى هذَا، كالسَّنوسيَّةِ، بأَن كانَ لها حضُورٌ بالغٌ ودَورٌ حيٌّ في مُقاوَمةِ الاستِعمَار.
 
ثالثاً: التَّصوُّف: التَّقويمُ أَو النَّقدُ بعدَ العَرض:
* أ. التَّصوُّفُ في مُعادَلاتٍ ( رُؤيَتي ):
جَهِدتُّ كثيراً في إِحكامِ التَّصوُّفِ في قواعدَ، مُستثنِياً مِن ذلكَ (التَّصوُّفَ الفَلسَفيَّ)، مُقتَصِراً علَى التَّصوُّفِ السُّلوكيِّ المَعرِفيِّ السُّنِّيِّ، فهوَ الذي يُشكِّلُ الجُزءَ الأعظمَ في جسمِ التَّصوُّفِ، ويَشغَلُ القِسْمَ الأكبرَ مِن مِسَاحةِ التَّصوُّفِ العامِّ، علَى أَنَّني في هذَا لَسْتُ أَسلُبُ التَّصوُّفَ الفلسَفيَّ معنَى التَّصوُّفِ، رُغمَ ما يُبديهِ كثيرونَ إزاءَهُ مِن رَفْضٍ أَو امْتِعاضٍ أَو نَكيرٍ، وحَسْبي أَن أَقولَ حِيالَه: إنَّ أُولئكَ الصُّوفيِّينَ المُتَفَلسِفينَ مَا نَقَمَ منهُمُ المُناوِئونَ إلَّا أَنَّهم قالُوا بالحلُولِ والاتِّحادِ وقِدَمِ الحقيقةِ المُحمَّديَّةِ والفَناء، فَهذِه أَكبرُ المآخذِ علَيهِم من منظُورِ الخُصومِ، وتلكَ هيَ جملةُ شُذُوذاتِهم كما يُقالَ، لكنَّني في مَقامي هذَا أَستَميحُ المُخاصِمينَ والمُهاجِمينَ عُذْراً لأَقول:
إنَّ مَنْ قالَ بما قالَ مِن حُلُولٍ واتِّحادٍ وما أَشبَهَ لَم يكُنْ يَقُولُ ذلكَ إلَّا وهُو راكنٌ إلى حقيقةِ الإيمانِ باللهِ ورُسُلهِ وكتُبهِ واليَوِم الآخِرِ والقَدَر، وهذِه - كما هُو مَعلُومٌ - أَركانُ الإيمانِ، فإِنْ هُو أَخطأَ - في نظَرِكَ - فإنَّما خطَؤهُ في التَّعبيرِ والبَيانِ لا يُجاوِزُهُما، وما كانَ التَّعبيرُ والبيانُ بِانْفرادِهِما عَن المعنَى والإيمانِ في يَومٍ منَ الأيَّامِ مِعيارَ الكُفْرِ وعدَمهِ، اللَّهُمَّ إلَّا إِنْ سَلَّمَ مُسلِمٌ بِتَكفيرِ عمَّارِ بنِ ياسرٍ يومَ فاهَ بكلِمةِ الكُفرِ اضطِّراراً(44)، ومثلُهُ الَّذي قالَ مِن شدَّةِ الفَرَح: (اللَّهُمَّ أَنتَ عَبدِي وأَنا ربُّك)(45)، أَوَ يَصحُّ رَميُهُ بتُهمَةِ التَّجسيمِ أَو التَّعطيلِ، ومَعهُ الكَثرةُ الكاثرَةُ من أُمَّتِنا، إنَّ مثلَ هذَا الاتِّهامِ رَميٌ في عَمايَة، فَيا أَيُّها المارُّونَ قَهْراً عبرَ القُلُوبِ الرَّقيقةِ الأَسيرَةِ رُويدَكُمْ لا تَعجَلُوا.

15 - مايو - 2010
اخترتُ لك ، وأنتظرُ اختيارك.
 210  211  212  213  214