"وهذه قصة كتبتها في الصف التاسع ولم أغير منها أريد تعليقًا عليها، وهل من الأفضل إعادة كتابتها أم أحتفظ بها بنفس الكيفية؟ :
(قطرة من شاطئ الحياة...)
كان أبي في المرحلة المتوسطة من دراسته عندما حدث ما حدث ؛عندما أصبح أعمى، وهو يرى كل شي، وأطرش وهو يسمع كل شي ،ومسلوب العقل، وعقله يزن الدنيا بما فيها لقد سيطر على أبي أصدقاء السوء فقد بادلوه الاحترام ،والتقدير حتى أصبح لا يطيق الجلوس إلا معهم ؛لأنهم صوروا له أنه شخص لا يستحق إلا معاملتهم ،بعدها بعد أن تمكنوا منه وجعلوه ظل ظليلاً لهم ،صار يقلدهم دون أدنى تفكير ،حتى في هروبهم من المدرسة ،وهكذا تدريجيا ًحتى أصبح أبي في المرحلة الثانوية ،وجدي يظن إنه وضع ثقته في رجل يعتمد عليه هكذا كانت حياة أبي .
في مساء أحد الأيام المشئومة أخذ أبي سيارة جدي بدون علمه لهوا ،ً وطيشا ًمصطحبا ً أصدقائه الذين هم أقرب إلى مسمى الشياطين هكذا كان يطلق عليهم والدي عندما كان يسرد علينا قصته .
أصيبت جدتي في تلك الليلة بسكتة قلبية لم تحتمل التأخير خرج جدي لينقلها للمستشفى ،ولكن لم يجد السيارة ما العمل؟
الجيران لا يملكون سيارات لأنها كانت في بداية ظهورها وليس أيا ً كان يملكها ،والمستشفى على بعد مئات الأمتار من المنزل .
كانت ضحية طيش والدي كبيرة لقد فقد أعز من في وجوده ،فقد من يواسيه في أحزانه ويرسم له بسمة أفراحه ،فقد طعم حياته ،فقد كل حياته فقد أمه.
عاد أبي إلى المنزل في تلك الليلة ما يقارب الفجر ،مختل العقل يتأرجح ذا اليمين وذا اليسار حتى وقع بين يدي جدي الذي كان منفجرا ً حزنا ًعلى جدتي التي كانت بالنسبة له كل شيء كانت ، أقرب إليه من رمش عينيه كانت كل شيء يعنيه ، ضرب جدي أبي ضرباً مبرحاً كانت مع كل ضربه أسفاً ، وحسرةً عليه طرده جدي عقاباً له ، وأبي لم يعرف بعد ما حدث ، بعدها اخبره جدي إنه قتل أمه بيديه !
حزن أبي حزناً لم يسبق له أن عرفه ، وأدرك أن قرار جدي عقاباً يستحقه بل هو قليل عليه ، وأن كان صعباً . بكى أبي دموعا غسلت كل طيشه وسفاهته بكى حتى تورمت عينه وانشرح صدره ، وتفتح عقله أراد أن يثبت لنفسه أنه كان يصاحب شياطين على صورة إنس ، ذهب إليهم طرق أبوابهم جميعاً لم يجيبوا ، الكل لا يعرفه اليوم ، أين السيارة الطويلة العريضة التي ستأخذنا فيها ؟ أين النقود التي ستنزفها علينا؟ نحن علمنا ما حدث معك ولسنا في حاجتك اليوم هكذا كانت إجابتهم . ليس هؤلاء فقط بل الكثير رفضوا مساعدته ومن الذي يساعد قاتل أمه ، أيقن أبي الآن أين الصواب ، ولكن بعد ماذا ؟ بعد أن خسر كل شيء ، وهل سينتظر أن يخسر المزيد ؟ أم يجب أن يصلح كل شيء ؟ في إحدى الطرقات قضى ليلته بعدها في الصباح توجه ليبحث عن عمل ، وأخيراً في نهاية النهار وجد عملاً في ورشة عند شخص ثري سمح له بالإقامة والنوم في الورشة رغم أن فترة ما بعد الظهر هي فترة راحته ، ولكن النظام تغير بقدوم العام الدراسي أصبح وقت العمل هو الليل أي إن أبي أصبح حارس للورشة ، لأنه يتوجه في الصباح إلى المدرسة كان العام الأخير لأبي في الثانوية . أخذ أبي يصلح كل ما فعله أخذ يجد ويجتهد في دراسته وعمله وبعد مرور العام ، كان أبي مرتبكاً ينتظر النتائج هذه هي المرة الأولى التي ينتظر فيها أبي نتائج الامتحان بهذا الشوق ، كان خائفا أن يذهب تعبه بدون نتيجة .
أخيرا ظهرت النتائج كان أبي منذ الفجر عند بوابة المدرسة وأخيراً وجد اسمه بين أسماء طلبه البعثات لم تسعه الفرحة ، وعاد مسرعاً إلى صاحب الورشة الذي كان بالنسبة له عائلته الجديدة . ولكن بعد هذه الفرحة أدرك أبي أن فرحته ناقصة ؛ فكيف يستطيع السفر دون المال ؟ صاحب الورشة كان صعباً عليه أن يترك أبي هكذا حائراً فتبرع له المال . سافر بعدها أبي ودرس وعمل طبيباً جراحاً كبيراً وامتد اسمه على نطاق كبير وكون اكبر مجموعة خيول عربية على مستوى الشرق الأوسط ؛ فقد كان أبي منذ الصغر يحلم أن يمتطي حصاناً وعندما رزق بالمال لم ينسى صديقه الحصان , لم ينسى تجميعه صور الخيول من المجالات والجرائد وتجميعها على صدره قبل النوم . كما تعرف أبي على أمي وتزوجها منها , كانت أمي ابنة أحد العائلات العربية المهاجرة ، أنجبت أمي أختي التي كنا نطلق عليها " الحسناء الجميلة " .
وأنجبتني من بعدها كانت أختي في منتهى الجمال كانت جميله جداً , كنت أحبها جداً ولم أعترض على اعترافات أمي وأبي مراراً على حبهم الشديد لها بالفعل هي تستحق كل هذا الحب , بل وأكثر , وأكثر . عاد أبي بنا إلى وطنه توجه مباشرة إلى صاحب الورشة الذي كان يعمل معه لقد دارت عليه الأيام فأصبح فقيراً في أزمة ماليه كبيره جاء أبي في وقت مناسب , ساعد أبي صاحب الورشة , وأرجعه منتصباً ثانية , وشكره على مساعدته له في الصغر, وتعرفنا عليه أنا وأمي وأختي ثم توجهنا إلى جدي الذي لم يغير من مكان إقامته أو مجرى حياته كان يسيطر على جدي الحزن على فراق أبي لقد كانت لحظات مابين الفرح والحزن لحظات عناق أبي وجدي. فرح جدي كثيراً بنا , وكان طوال الوقت يداعبنا ويقبلنا. بعدها سافرنا واصطحبنا جدي إلى مقرنا في لندن كانت أختي دائماً تقضي وقتها مصطحبتاً جدي مع حصانها المفضل كانت علاقة أختي بذلك الحصان ، والعكس علاقة غربيةً كانت ، إذا مرضت مرض ذلك الحصان إذا حزنت أو فرحت إذا جاعت أو عطشت شبعت أو ارتوت كان في نفس هيئتها لم نشعر يوما أن علاقتهما علاقة حيواناً و إنسان .
كانت أختي ترى منا ما جعلها لا تفارق ذلك الحصان كما طلبت من أبي أن يجعلها تقوم بفريضة الحج .
بالفعل ذهبت إلى الحج ولكن المنام ما زال يراودها ويعلن لها إن الحدث مقترب كانت ترى حصانها يجري بسرعة وتجري خلفه نافلة شعرها الطويل المبتل على ظهرها مرتديه ملابس بيضاء تجري خلف حصانها مراراً بسهول وجبال برمال وصخور بمناطق وعره قاسيه تعثرها تلك الصخور ولكنها تركض رغم الأشواك التي تؤلمها كان الطقس متقلباً قصفواً ورعوداً ,وشمساً , ومطراً طوال الطريق الشاق . كان شعرها يجف قليلاً قليلاً حتى وصلت إلى مقبرة . أوت فيها إلى حفره لترتاح من عناء الجريء خلف ذلك الحصان فلم تكن بمثابة حفرة ؛ رأت فيها مختلف الفواكه والبساتين . كان المكان مظلماً ولكن الحفرة مضيئة " هكذا
كانت ترى كل يوم فتنهض تصرخ آتوني بمصحف وتظل تقرأ القرآن إلى الصباح جميعاً كنا مرتبكون لابد أن يكون تفسير لهذا المنام , وفي إحدى الأيام استيقظت أختي " الحسناء الجميلة " وكانت تشكوا من بعض الآلام في الرأس كانت دائما تردد هذه الشكوى لكن لم تهتم ونحن أيضا . لم يكن يظهر علينا إلا بريق الجمال الساطع , ولكن تلك الآلام زادت مع الأيام بعدها أخذها أبي إلى المستشفى . كنت أتظاهر بالنوم أضع رأسي على السرير أتقلب هنا وأتقلب هناك , أتجول في الغرفة , ألقي نظرة من النافذة . لماذا هذا صوت أختي وهي تشرح لنا ذلك المنام يراودني ؟ لا أعلم ! ولكن لم اشعر إلا وأنا أرتدي ملابسي وأقف معهم في ذلك المكان ما يسمى العناية المركزة , ذلك المكان الذي تعلو فيه صرخات من مختلف الأعمار صرخات تنادي الموت اقترب ؛ جسمي لا يحتمل أكثر من هذا . عقلي مشوش , أمي وأبي مندهشون , جميعنا مرتبكون وغير مدركون , ولكنها وحدها " الحسناء الجميلة " كانت متقبلة ذلك الموقف قالت ووجهها يسطع نوراً وكان ذلك المرض مجرد خرافة رددها الأطباء :" هذا هو منامي وهذا هو شعري يجف من قطرات الماء " تحمل في يدها شعرات متساقطة من رأسها فتنزل دمعاً من عينيها كنت أفضل لو أن هذا المرض الخبيث أصابني وترككي لنا يا درة الدنيا وضياءها نعم إنه السرطان خطف أروع ما في حياتنا كان في الرأس (المخ) لا علاج ولا مفر إلا الموت مرت الأيام وهي منطوية على سريرها تردد آيات القرآن انتظاراً لحظات الرحيل , تصرخ بأنين من شدة الألم يدي في يدها احتضنتها وودعتها زهرة حياتي أختي العزيزة كيف الحياة بدونك ؟ أين العلماء عنك ؟ أين هم ؟ في مختبرات لاختراع السلاح , لتدمير العالم أين هم ؟ يا أختي يا حبيبتي , وخلال حواري معها وهي في حضني إذا بالهاتف احد العاملين في مزرعة أبي يخبرنا بأن حصان أختي فارق الحياة ولم ينته أبي من المكالمة ليخبرنا بهذا الخبر حتى سقطت أختي بين يدي ! ذهبت ولم نعرف بعد سر علاقتها بحصانها . ذهبت على حين كنا نرى نفحات صباها في بداية ظهوره , ذهبت و أخلفت في القلب حرقًا وحزناً وحسره موشوماً لن يستطيع الدهر محيها هذه قطرة من شاطئ الحياة في منتهى الملوحة والمرارة ماذا عن شاطئ ممتلئ بالقطرات ؟! "
سلمى العمراني