البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات أحمد إيبش

 20  21  22  23  24 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
بداية الكلام    كن أول من يقيّم

أخي الكريم زين الدّين حفظه الله ورعاه:
ما برحت تطرح على بساط البحث مسائل شائقة ومفيدة، ومنها هذا المبحث: Les Sarasins
الموضوع طويل وشائك، أحسب أنني سأجيب عليه على مراحل.. وهذا أوان الشروع:
 
بالإجمال: التعبير أوروبي أطلقه الأوروبيون في القرون الوسطى على الفاطميين في بداية الأمر، ثم جرى تعميمه على كل من يدين بالإسلام.
أصل الكلمة من اليونانية: Σαρακηνός (ساراكينوس)، التي يُظن أنها مشتقة من العربية: "الشرقيين"، فانتشر التعبير في أوروبا الغربية من خلال بيزنطة وموجات الحروب الصليبيبة. وبعد انتشار الإسلام واتصال الغرب به في حوض البحر الأبيض المتوسط، خاصة في فترة الحروب الصليبية (القرن العاشر إلى الثالث عشر للميلاد) تمّ تعميم المفهوم ليشمل المسلمين، من العرب وغير العرب على حدّ سواء (أتراك، أمازيغ، وسواهم)، وبخاصّة مسلمي صقلية وجنوبي شبه جزيرة إيطاليا.
كما شاع في النصوص المسيحية مفهوم يشتق التسمية كما أوردت في مدخلك، يعني: القوم الذين تناسلوا من غير "ساره" زوجة النبي إبراهيم (عليه السلام)، لكونهم من أحفاد الجارية المصرية "هاجار" (هاجر في العربية)، وسمّوا لذلك بـ "الهاجريين" نقلاً عن اليونانية: γαρηνοί (أجارينوي).
وأقدم ذكر تاريخ للـ "السّراسنة" (كما قمت أخي زين الدين بتعريب المصطلح، ولم أقرأه بالعربية من قبل) يرد في كتاب "الجغرافيا" لبطليموس السّكندري (في القرن الثاني للميلاد)، حيث يذكر "ساراكينيه" على أنها منطقة في شمال سيناء، سميت بذلك نسبة إلى بلدة "ساراكا" التي يحددها ما بين مصر وفلسطين. كما يذكر بطليموس قوماً يدعوهم "ساراكينوي" (بصيغة جمع المذكر اليونانية) يعيشون في شمال غرب جزيرة العرب. كما يشير أوسيبيوس القيصري مؤرخ الكنيسة المشهور في تاريخه الكنسي إلى "السّراسنة" (ساركينوي) وأنهم أسروا بعض جنود الرومان، وكانوا يتصفون بالوحشية (ويسميهم برابرة).
كما يرد في كتاب "تاريخ آوغسطوس" Historia Augusta المكتوب عام 400 م ذكر لهجوم قام به السّراسنة Saraceni على جيش روماني في مصر Aegyptus جرى في عام 193 للميلاد، دون أن يقدم معلومات عن هذا الشعب.
 
أكتفي اليوم بهذا القدر على أن أتابع غداً.. والموضوع طويل وشائق، لكنه أيضاً شائك!
لكن دعني أوضح لغوياً: اللفظ "سراسنة" مغلوط، حسب اللغة اللاتينية التي يلفظ فيها حرف C المتبوع بحرف العلة e سيناً.. والصواب أنه في اليونانيّة Κ (كاپا)، ويقابله في العربية: كاف أو قاف. كقولهم: توسيديديس (المؤرخ المشهور صاحب الأناباسيس)، والصواب فيه: توكيديديس. على ذلك: العبارة ينبغي أن تكون: السراقنة، أو السراكنة.
في الفرنسية صارت بالسين: سارازان، وأطلقت على القمح الأسمر.. لكن هذا كله غلط.
وللحديث بقيّة.
 
ملحوظة: حرف جاما اليوناني γ استبدلته هنا بجيم عربية، وهذا الصواب، بدلاً من الغين أو الكاف الفارسية. تعقيباً على كلامنا الفائت حول معضلة حرف G..

21 - يوليو - 2008
حول مصطلح " السراسنة " ...
إيضاح حول التسمية اليونانية    كن أول من يقيّم

حول عبارة Σαρακηνός (ساراقينوس) اليونانية، نعم أظنها على الغالب الأصل الاشتقاقي للعبارة اللاتينية. ولكن فاتني أن أنبّه إلى مسألة الإقلاب الشفوي للحرف الأول. فإذا كان حرف C في التسمية اللاتينية مقلوباً عن K (كاپا يونانية)، فإن حرف S الأول في التسمية اللاتينية مقلوب عن Σ (سيجما اليونانية).. هذا أمر واضح، ولكن لنلاحظ أن هذه السيجما اليونانية ليس من الضرورة أن تكون مقلوبة عن (سين) عربية.. لماذا؟ لأنه بكل بساطة ليس في الأبجدية اليونانية حرف الشين على الإطلاق، فلذا كل شين تصبح في اليونانية سيناً على وجه الإطلاق. وكنت أضحك عندما أسمع الناس في جزيرة قبرص يقولون: "تساو" يريدون بها العبارة الإيطالية Ciao..
 
على ذلك.. أرجّح أن تكون العبارة اليونانية مأخوذة عن العربيّة: "الشرقيين" فصارت فيها: "ساراقين"، ثم تم نحت صيغة المفرد منها بإضافة اللاحقة ος (ـوس) التي تدل على المذكر المفرد (ساراقينوس). فكان هذا النحت الغريب كقول اليهود اليوم في تسمية الدروز: דרוזים (دروزيم)، إذ أضافوا أداة الجمع المذكر (ـيم) إلى اسم هو بالأصل بصيغة جمع تكسير. وكان المفترض أن يجمعوا بلغتهم اسماً مفرداً فيقولوا: "درزيم"، وليس "دروزيم".
 
مثال ذلك (إنما بطريقة عكسية):
نقول في العربية: "المَجوس" بصيغة الجمع، ومفردها: "مَجوسي". والعبارة يونانية الأصل:
ο μαγος (أو ماجوس) وقلنا أعلاه إن علامة المذكر الفرد هي لاحقة ος (ـوس). ومعنى العبارة اشتقاقياً (لا اصطلاحياً): ساحر، مشعوذ. طيب فما صيغة الجمع منها؟ إنها: οι μαγοι (أوي ماجوي). فنلاحظ هنا أن اللغة العربية نقلت العبارة بصيغتها الاصطلاحية الجامدة، وأخضعتها لقواعدها الصرفيّة العربيّة (لا اليونانية)، فأضحت فيها العبارة ذات معنى عُرفي، يحتفظ بمعنى قريب من معناها المصدري الأصلي، إنما لا يحتفظ بمبناها الصّرفي. ودوماً علينا أن نتذكر أن لكل مفردة في الفيلولوجيا ثلاثة معانٍ: معنى اشتقاقي، ومعنى اصطلاحي، ومعنى عُرفي.
 
عموماً: صار بوسعنا اطّراح مصطلح "السّراسنة" أو "الخارجين عن ساره". فأصل التسمية: "الشرقيّون" كما هو مرجح. لذا إن ركنا إلى تعريبها مقولبة بالسّراسنة، نكون قد رسّخنا خطا اليونان في رداءة لفظهم للشين، وقولبة اللاتين للكاپا اليونانية إلى سين. كما هو الحال في اسم "سوريا" Συρια الذي ليس سوى قولبة يونانية لاسم "آشور" (في اليونانية: آسّوريا).. ليس لدى اليونان شين.. ونحن إلى اليوم نتبعهم في غلطهم فنقول "سوريا" وصوابها: آشوريا، شوريا.
 
وللحديث صلة.

21 - يوليو - 2008
حول مصطلح " السراسنة " ...
مراجعة حول Sarrasin    كن أول من يقيّم

أخي زين الدين:
تحية طيبة.
 
صدقت، سقط مني سهواً حرف r الثاني في العبارة الفرنسية Sarrasin. وأحب أن أؤكد ثانية أن العبارة في الفرنسية تطلق على نوع من النبات يسمّونه القمح الأسمر أو الأسود: blé noir وهو على أي حال ليس بقمح، بل نبات ذو حبوب متعددة الفلقة.
إنما هل تظن معي أن الاشتقاق اليوناني المذكور يفي بتفسير المصدر؟
 
مسألة أخرى: دوماً تعجبني أنشودة رولان La Chanson de Roland (ولا أدري لماذا تذكرها بصيغة الجمع)، وأحببت منذ يفاعتي أن أترجمها إلى العربيّة، فهل لك علم إن كان سبق ترجمتها أم لا؟
لك الشكر سلفاً.

22 - يوليو - 2008
حول مصطلح " السراسنة " ...
موضوع شائق وجديد    كن أول من يقيّم

أخي الحبيب زهير، أديبنا وشاعرنا وباحثنا الكبير:
أطيب تحية أوجها إليك على أثير الورّاق.. وأرجو أن تكون بخير وراحة بال.
موضوعك هذا جديد وشائق، لم تُسبق إليه، وطرافته أنه يحمل لنا على أثير الخيال صوراً شخصية لأعلام نعرف عنهم الكثير دون أن نتخيّل أشكالهم الفيزيائية. دوماً كانت لي مخيلة مجنونة أن لو أتيحت لي الفرصة بالسفر إلى الماضي وتكون معي آلة تصوير آخذ بها ملامح مشاهير الأعلام. فها أنا ذا أقرأ ما حلمت بفعله.
ذكرني ذلك بمحاضرة ألقيتها قبل حوالي 20 عاماً بعنوان: "نافذة على دمشق المملوكية"، إذ كنت اشتريت من سوق المسكية القديم (قبل هدمه 1983) مخطوطاً صغيراً في: "علم التعافين والمراقيد والسّرج والنيرنجيات" منسوباً لأبي بكر بن وحشية النبطي..
رحت في بداية المحاضرة أقرأ ما فيه:
"إذا رغبت برؤية الأرواح من الجان، وتحدثهم وتطلب منهم ما تشاء، فاذهب إلى مكان خراب منقطع من العمران، وليكن معك شيء من قصب الذريرة وميعة يابسة و... (لا أذكر البقية).. وبخّر بهم فإن الأرواح تظهر إليك، ولا تخف منهم فإنهم لا يؤذونك بإذن الله"..
تابعت القراءة، والحضور مستغربون، ثم قلت إنني بعد استخارة الله تعالى قمت بماجاء في هذا المخطوط، فإذا بنار ودخان وأصوات تقشعر لها الأبدان تملأ المكان، وعصفت بالمكان ريح وخيّمت ظلمة.. ولم أدر بنفسي إلا فاقداً وعيي.. لأستيقظ بعدها بساعات، أمام دير مرّان على طريق عقبة دمّر.. يا للهول.. أين ذهبت السيّارات والأبنية.. وأين اختفى برج الإذاعة عل قمّة قاسيون؟؟!
دقائق مرّت كالدهور، إلى أن صادفت شيخاً وقوراً أفادني بأنني بدمشق في أيام نائبها الأمير الكبير تنكز الناصري ملك الأمراء!! قلت له: أفي أيام مولانا الملك الناصر محمد بن قلاوون نحن؟ قال: نعم.. أطال الله بقاءه.
طفقت أروي للحضور وصف دمشق في أيام المماليك، كما شاهدتها "بأم العين".. وهم يقلبون شفاههم ويضربون كفاً بكف: "لقد جن الفتى"..
أخيراً: قلت لهم: مهلاً، لا تبرحوا المكان، فأجمل ما في الأمر أن كاميرتي "اللايكا" بمحض المصادفة كانت معي، وها أنا ذا أعرض عليكم صوراً من رحلتي في دمشق بعصر سلاطين المماليك.. وبالطبع، عرضت عليهم شرائح ضوئية عن آثار دمشق المملوكية (كما شاهدتها بالضبط)..
فهكذا، أكون حققت حلمي مرتين..
 
بقي أن أذكر أن الرسّام المصري الشهير "جمال قطب" كانت له محاولات في تخيّل صور وجوه أعلام تاريخنا الإسلامي، لكن هذه تبقى محاولات، لا تستند إلى واقع. بعض شخصياتنا الكبيرة في القرون الوسطى حظيت برسوم، وضعها مصورو اللاتين إبّان فترة الحروب الصليبية، وعلى رأسهم السّلطان الناصر بطل الأبطال وسيّد الرّجال، قاهر
ملوك أوروبا ومحرّر القدس الشريف، الناصر صلاح الدين بن أيّوب. ولقد جمعت له أكثر من 6 صور شخصية، لكنها الآن مع جميع مكتبتي ليست بمتناول يدي مع الأسف.
أرجو أن أتمكن من إرسالها قريباً، وربما المشاركة بهذا المجلس اللطيف.
أطيب تحية.

27 - يوليو - 2008
حلية الأعلام
الحمد لله على أي حال    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

أخي وصديقي الحبيب الأستاذ زهير ظاظا:
أشكر لك كلماتك الأخوية الصادقة، وأقدّر لك شعورك النبيل في التخفيف عن مصابي، لا سيما أن مكتبتي كنت تعرف بعضها بدمشق في الدار السابقة. إنما لا سبيل إلى العزاء بتعويضها أبداً مع الأسف، العزاء الوحيد هو أن الأهل والأولاد بخير والحمد لله. يقولون: كل ما يعوّضه المال يهون فقده! نعم، لكن مثل هذه المكتبة لا يعوّضها مال. المشكلة أنني ما برحت أجمعها من أقطار الشرق والغرب منذ 31 عاماً، وتضمّ نفائس لا يمكن شراؤها بمال إلا بأسفار عديدة وأعوام مديدة، فالقاموس اليوناني من قبرص، والتلمود البابلي من نيويورك، والتوراة بالعبرية من لندن، والقاموس الكلداني السرياني نسخة نادرة جداً عليها تصويبات بخط علامة حلب خير الدين الأسدي، وأمالي القالي موشحة بتعليقات العلامة محمد سليم الجندي.. وهلمّ جرّا. ذلك كله وأمثاله رأيته سابحاً في الماء!
إنما هذا ما جرى، ولا ريب أن في الحياة مصائب أفدح.. دوماً كانت تؤلمني عبارة ابن طولون الصالحي: "فُقد في الفتنة الغزالية"، أي بعض مؤلفاته التي بادت إبان ثورة الوالي جان بردي الغزالي على العثمانيين. ولكن مع ذلك، عندما أذكر دخول جيش الاحتلال الصهيوني بيروت في عام 1982، وانتحار أستاذي شاعر الوجدان خليل حاوي استنكاراً لذلك، فهذا يجعلني أقول: وما مكتبتي تلقاء ذلك؟ أو ضياع كنوز المتحف العراقي ومكتبته العظيمة، ساعتها لا أرى في مكتبتي إلا مجموعة تافهة من الوريقات (ويعلم الله أنها ليست تافهة).
على أي حال، هذا ما جرى، ولا سبيل إلى إعادة الزمن إلى الوراء.. رأيت بأم عيني في هذه الدنيا مصاعب أفدح وكوارث أقسى، فهذه من جملتها ولا جديد في الموضوع.
إنما الشكر والعرفان موصول إليك أخي زهير، وكلماتك الطيبة الصادقة تريح قلبي بعض الشيء.
سوف أعود من اليوم فصاعداً إلى مكتبة الجامعة في بيروت للاستقاء من فرائدها، ولله الأمر.

25 - أغسطس - 2008
مكتبة د. أحمد إيبش
لك الفضل يا أستاذ منصور    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

حضرة الأخ الأستاذ الفاضل منصور مهران المحترم:
لك وافر الشكر والامتنان أخي الكريم، أدري أنك جاد تماماً فيما تعرض بصدق ونبل، وأشكر لك هذا الفضل في مواساتك لي وفي عرض الاستقاء من مكتبتك، زادها الله وزادك فضلاً وكرماً.
لا يمكن لي أن أنسى تلك اللحظة عندما نزلت إلى القبو، والباب مغلق، فوجدت الماء ارتفع إلى 60 سنتمتراً، علمت وقتها بفداحة الكارثة، وكنت من النوع الذي يمسك الكتاب بأطراف أنامله لئلا يؤذيه، فانظر ما حصل!
الحمد لله على أي حال، لي عودة إلى مكتبة الجامعة التي كنت لاصقاً بها كل يوم.
في الدنيا هذه علينا أن نتعامل مع الواقع، لا مكان لـ "لو" أو "يا ليت"..
الحمد لله على أي حال.
أجدد لك شكري وامتناني، ولك أطيب تحية.

25 - أغسطس - 2008
مكتبة د. أحمد إيبش
الموضوع حسم    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

سادتي وإخوتي الكرام:
 
أشكر لكم من أعماق قلبي هذه الكلمات الأخوية الطيبة، أشعر فعلاً وكأن لي أقارب حقيقيين على أديم الورّاق.
وكما تصف أستاذتنا الكريمة ضياء، كانت هذه المكتبة حملاً ثقيلاً على ظهري، ورغم أن فترة طفولتي أمضيتها بأسرها في لبنان، بلدي ومهوى فؤادي وقرّة عيني، فقد كنت أضطر دوماً للتنقل بشكل مكوكي إلى دمشق (التي لي بها إخوان وأحباب، وعلى رأسهم أديبنا الباحث الكبير الأستاذ زهير ظاظا).. فالآن زال عني قيد السلحفاة، هذه نقطة إيجابية على الأقل.. والساعة أكتب هذه الكلمات ومكتبتي الثمينة جداً باتت في حاويات القمامة! أقدّر آراءكم أيها الأحبة في موضوع الترميم، الذي لدي عنه فكرة واسعة، إنما حديثنا هنا عن 4 أطنان من الورق التي غمرت بأكملها في الماء، ثم لم أتمكن من الوصول إليها إلا بعد 48 ساعة لغلبة الطين والخبث. الترميم ينفع في وريقات مخطوطة تعدّ بالعشرات لا أكثر.
وكما يعلم أستاذنا زهير كانت هذه المكتبة تلجئني إلى استئجار بيوت في دمشق التي باتت أسعارها فلكية. فالآن: غيّرت حياتي، وداعاً يا دمشق والكتابة عن دمشق!
 
تعود بي الذاكرة الآن إلى تموز 2006 وكنت أطبع كتابي "التلمود" في الضاحية.. كانت القنابل تنهال حول المنطقة التي أسكنها فجراً بمعدل 12 صاروخاً من 3 جهات: الضاحية، والشويفات، ومحيط جسر المطار مبدأ طريق صيدا، والمطار ذاته.. أذكر أن صديقي الحبيب "أبا علي حسن" طلب مني أن أذهب به بسيارتي إلى حيّ السلّم لجلب أولاده عصر أحد أيام الحرب، ذهبنا على طريق المطار ولمحتنا 3 حوّامات أباتشي انعطفت خلفنا رأساً، ربما لتطلق علينا صواريخها، لأن طريق المطار كان خاوياً تماماً إلا من سيارتي ذات اللون الزيتي والدفع الرباعي (لعلهم ظنوها عسكرية). كانت البوارج الحربية الإسرائيلية قبالة شواطئ خلدة، وكانوا وقتها آخذين في قصف العربات لمنع تنقل المقاتلين.. دلفت بسرعة هائلة تحت نفق المدرّج الغربي وتوارينا عن الأنظار.. ثم وصلنا حيّ السلّم، وما كدنا نتوقف وننزل من السيارة حتى ارتج الهواء بصوت انقضاض طائرة F 15 عدوّة، ولمحت بأم عيني قنبلة الـ 500 رطل وهي تهوي كالصاعقة وزعانفها بادية بوضوح.. ارتج الكون حولنا بانفجار مروّع لا يوصف، ولايفصل بينه وبيننا أكثر من 250 متراً.. القيامة قامت ومحي حيّ بأكمله من ورائنا وشاهدنا مبنى كبيراً ينهار، حتى أن اللهيب وصل إلينا وأصيب ظهري وظهر صديقي بحروق.. تمكنا من إنقاذ أبناء أبي علي ولله الحمد.. لكن الذي أريد قوله أننا عندما غامرنا بالاقتراب من موقع القصف رأينا مناظر لا توصف ويا ليتني لم أر ذلك، ولا أريد أن أصفه (طبعاً أتحدث عن الشهداء من الأطفال الأبرياء الذين يمزق منظرهم المفجع الأليم أقسى القلوب!).. وأرجو الله لكم ألا تروا في عمركم كله مثل ذلك ولا بعضه.
فبعد هذا كله، كنت البارحة واليوم أثناء انتشال ما لا يزيد عن 10% من مكتبتي كأنني في نزهة، وتمنيت لو أنني أفقد كتبي وجميع ما أملك لو كان ذلك ينفع في إنقاذ طفل واحد.. وغلب على البارحة الشعور بالتقزز من أنني إنسان يعيش بكامل حريته وأمنه، فهل يتباكى على فقد متاع مادي من بعد الذي رأى؟ فدتك روحي يا لبنان الحبيب، وسلّم الله كل طفل بريء فيه من أي مكروه.
أنا لم أفقد وجودي ولا حتى طاقتي، كل الذي يلزمني الآن العودة إلى مكتبة AUB أتابع من خلالها أبحاثي. ووداعاً يا كتبي الغالية، رفيقة عمري.. جئتِ من جذور الأرض وأخشابها، وتعودين الآن إليها، لا لوم ولا تثريب. بل الحمد كل الحمد لله تعالى، في السرّاء والضرّاء.
 
تحياتي مجدداً، إلى الأستاذ زهير، والأستاذة ضياء، والأستاذ منصور، والأستاذ محمّد. كلماتكم وقعت في قلبي أطيب موقع، ولها فيه ما حييت أكرم مكان.
ودمتم بكل خير.

27 - أغسطس - 2008
مكتبة د. أحمد إيبش
أهم المصادر عن البخراء    كن أول من يقيّم

أخي الحبيب زهير:
للأسف، كانت جولات المسح الأثري التي قمت بها ما بين 1996-2001 قد اقتصرت على محافظة ريف دمشق، من حسية شمالاً إلى جبل الشيخ جنوباً، ومن بادية الشام وحدود العراق شرقاً إلى سلسلة جبال لبنان الشرقية غرباً، بما يعادل مساحة الكويت أو ضعفي مساحة لبنان (بحدود 22 ألف كم مربع)، فعلى ذلك لم تكن بادية حمص من ضمن هذه الدراسة، ولو أنني جلت تكراراً في بادية تدمر والقريتين وجبل العمور والحماد بأسره والصفا وجبل سيس ووادي الشام، وهذه كلها مناطق غير بعيدة أبداً عن موقع البخراء. 
 
لكن دعني من خلال معلوماتي أعدد لك أهم المراجع الأجنبية التي ذكرته:
 
أولاً: الرحالة والطبوغرافي النمسوي ألفريد فرايهر فون كريمر Alfred Freiherr von Kremer في كتابه: "سورية الوسطى ودمشق" Mittelsyrien und Damaskus في أواخر القرن التاسع عشر.
 
ثانياً: المسح الجوي الذي أجراه الآثاري الفرنسي الأب بوادبار Poidebar حول "أثر روما في بادية الشام":
 Les Traces de Rome dans le Desert Syrien في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين.
 
ثالثاً: نتائج البعثة الأثرية الألمانية في عام 1963 التي أدارها الآثاري هاينتس غاوبه Heinz  Gaube في المنطقة وجوارها. وكان سبقه كذلك الآثاري الفرنسي جان سوفاجيه Jean Sauvaget.
 
رابعاً: أعظم مرجع عن البادية التدمرية ومواقعها الأثرية هو كتاب الرحالة التشيكي ألويس موسيل Alois Musil بعنوان: Palmyrena نشر 1927 أو 1928، لا أذكر بالضبط.
 
خامسا: بحث الآثاري الفرنسي رنيه دوسّو R. Dussaud المعنون:
Topographie Historique de la Syrie Antique et Medievale نشر عام 1927.
 
أخيراً: أحب أن أتساءل: لماذا ليس بين كل هذه المراجع كلها بحث لابن المنطقة أو أبناء هذا الوطن؟؟؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

27 - أغسطس - 2008
حصن البخراء
الأستاذ زهير عنوان الوفاء    كن أول من يقيّم

أخي وصديقي وأستاذي الكبير زهير ظاظا:
أشكر لك كلماتك الطيبة ومديحك اللطيف الذي لا أستحقه. ليت تركيزي كان في مكانه لكنت تابعت لك في موضوع البخراء أو في ترجمة بعض النصوص المتعلقة به، ولكنني الآن في شيء من الضياع. حول خسارة دمشق، نعم بالضبط خسارتها جسيمة، كانت مكتبتي تضم أضخم وأوسع مجموعة من المراجع عن دمشق، مما لا يوجد قطعاً لا في الظاهرية ولا مكتبة في الشرق ولا الغرب، لا الكونغرس ولا بيبليوتيك ناسيونال ولا المعهد الفرنسي، ولا في أي مكان في الأرض. كله تلف عن بكرة أبيه. حاولت تجفيف بعض الكتب المبتلة أقل من سواها، فإذا بها تبدو بشكل بشع مؤلم يورث في القلب حسرة بالغة.
المهم: كنت على مدى سنوات عديدة قد جمعت عشرات من نصوص الرحالين العرب والأجانب، الذين زاروا دمشق في القرون الوسطى، وسبب بقاء هذا العمل سليماً أنني قد نضدته على كمبيوتري، فنجا. قبلة الحب الأخيرة التي سأطبعها على خد الحسناء الساحرة ذات العينين الكبيرتين والشعر الأسود المنسدل على الجيد العاجي (دمشق)، ستكون هذا الكتاب: "دمشق في مرآة رحلات القرون الوسطى"، مع الأسف جميع الصور النادرة التي أمتلكها عن دمشق تلفت، إلا ما نجا مما كنت وضعته على الكمبيوتر كصور رقمية. هذا كله سأجمعه في الكتاب، وأنشره (إن تمت الموافقة عليه) في سلسلة "روّاد المشرق العربي"..
وبعد ذلك، أودّع دمشق إلى الأبد، ولن أكتب عنها بعد اليوم! لم يعد لي القوة على ذلك.
 
أجدّد شكري إليك، وإلى الأصدقاء الكرام من سراة الورّاق وزوّاره.

30 - أغسطس - 2008
حصن البخراء
مزيد الشكر وعميق الامتنان    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :

إخوتي وأحبتي وأهلي: ولاّدة، سلمى، عبد الحفيظ، خالد صابر
لكم مني أعمق شكر وأطيب تحيّة. الكارثة حقاً لا توصف.. بدأت بجمع هذه المكتبة بشغف غامر منذ كنت في سن الرابعة عشرة، وأول كتاب نشرته كنت في سن التاسعة عشرة، وما برحت أروّي روحي من مناهل العلم والجامعات، حتى بلغت سن الرابعة والأربعين ولي 53 كتاباً وبحثاً منشوراً.. كانت في غضون ذلك مكتبتي أعزّ ما أملك، كل كتاب فيها لا أنسى من أين اقتنيته، ولا كم مرة رجعت إليه، وكم مرة قرأته واحتضنته. مكتبتي كانت ذاتي وهويتي ومربع شبابي ومهوى فؤادي ومرآة روحي. كل ذلك راح وانتهى بأربعين دقيقة. حتى صوري القديمة ومذكراتي وأوراقي الخاصة محيت محواً، واجتثتها يد الإعصار بقسوة بالغة.
الحمد لله، لا أقول غير ذلك..
سأتابع البحث، فهو حياتي ومهنتي وسعادتي وعنوان ذاتي، وإن كنت دارياً أنني حتى أموت كلّما سأمسك بكتاب ستنال القلب غصّة لا توصف. إنما لا شيء يردّ القدر ولا ينجي منه حذر.
وكذلك أظن أنني سأترك الكتابة بالعربية إلى لغات أخرى، لأنني لن يكون بين يدي من مراجع نفيسة عن تراثنا العربي المجيد، هذا شيء لن تعوّضه ولا 30 سنة أخرى من الجمع، لأن المكتبة التي بادت فيها مراجع شتى من أقطار الشرق والغرب، مما لا يستقيم جمعه مجدداً بحال من الأحوال!
هذا ما جرى، وما زالت لي متابعات في أعمال علمية جديدة. في بقية هذا العام ستصدر لي إن شاء الله 5 كتب جديدة عملت عليها طوال العام. والله تعالى الموفق إلى كل خير.

31 - أغسطس - 2008
مكتبة د. أحمد إيبش
 20  21  22  23  24