 | رسالة جميل ........ كن أول من يقيّم
رسالتك من أحلى ما يكون يا جميل ، سألت نفسي لماذا ? هل لأنك تمتدحني فيها وتنصبني سفيرة ? قطعاً لا ، هذا يخيفيني جداً ويجعلني أشعر بأن صورتي أصبحت بعيون البعض أكبر من حجمي الحقيقي بكثير وسيصعب علي اللحاق بها . ما أنا سوى بياعة بطاطا يا عزيزي وليس لي من العمالقة الذين تتحدث عنهم إلا الخيال فلا تحملني ما لا طاقة لي به .
رسالتك من أحلى ما يكون ، سألت نفسي لماذا ? هل لأنني اشتممت في حديثك رائحة الأم والوطن والبحث عن الصحبة المفيدة بين الكتب ، والبحث فيها عن بديل روحي يعوض عن احساسنا بالغربة والانفراد ? ....... أم لأنك تحدثت عن معرفتك بالأستاذ زهير وظننت بأنك تكشف لنا وجهاً لا نعرفه ـ كما ظن الأستاذ أحمد من قبل ـ في هذه لم تحزر ، فالأستاذ زهير الحقيقي هو هذا الذي نراه كل يوم في شعره والذي لا يختلف أبداً عما وصفته لنا ولا يمكن أن يكون شيئاً آخر ، الباقي ، لو وجد ، سنسميه : ظروف حرب . مع ذلك كان وصفك له مشوقاً .
رسالتك من أحلى ما يكون ، لأنك وقبل كل شيء صاحب " ذبابة الماغوط " التي كان لي شأن معها ومنذ البداية ، وهي ( الملعونة ) لا زالت تطن في أذني منذ ذلك الوقت وتوسوس لي بالتخاريف ........ والدمدمة بين ذكر وأنثى ، أذكرها ! وأذكر أنني قرأت فيها في ذلك الحين ليس فقط النص الجميل في تلك المواجهة الطريفة ، بل قرأت فيك للحال الموقف الصحيح الذي ختمت به حوارك الافتراضي والذي إن دل ، فهو يدل على ذوق ونبالة وسريرة نظيفة .
رسالتك من أحلى ما يكون ، لأنك كسرت حواجز الألقاب والمصطلحات ، وهي يا عزيزي من اللعبة الاجتماعية التي يعتمدها البشر في تصنيفاتهم ، وهي لا تعني لي شيئاً سوى أنها مثل : صباح الخير ، أو السلام عليكم ، مقدمة للدخول في علاقة تخاطب مع الآخر . لكن يبدو بأنني لن أحتاجها مع جميل خصوصاً لأنه من عمر ابني .
رسالتك حلوة يا جميل لأنها هذا ، لأنها تفيض بهذا الجو المريح الذي يجعلنا نشعر بأننا في بيتنا وأنه باستطاعتنا أن نتربع ، أو أن نمد أرجلنا ، أو أن نغني مع الراديو بصوت عال لو أردنا . وها نحن قد جلسنا واتكأنا ، فهات وأخبرنا ، ونحن بانتظارك .........
عزيزي عبد الحفيظ : لا تطول بالإجازة لأن الأستاذ زهير منحك قصيدة ولم يمنحك نجمة .
| 3 - سبتمبر - 2006 | أحاديث الوطن والزمن المتحول |
 | اللغة العربية والانتماء كن أول من يقيّم
شاء الله سبحانه وتعالى أن تكون لغة القرآن جزءا من إعجازه . ولو أن أي ضليع في اللغة العربية وآدابها استعرض كل النصوص القديمة التي دونت قبل الإسلام ، وكل النصوص التي جاءت بعده ...... لوجدنا بأن لغة القرآن لا تقلد ، ولم يسبق لها مثيل .
من هنا ، ومن هذا الموقع المتعالي ، لا يستطيع أحد من البشر ادعاء امتلاكه للغة العربية . من هنا ومن نفس الموقع أيضاً ، لا يستطيع أحد اليوم ، بعد عصر النبوة ، ادعاء إدراكه لكل مفاهيم الإسلام ، لأن القرآن بإعجازه اللغوي بقي غاية في تفسير الوجود تجري وراءها الأجيال ، تلازمها الحاجة الملحة والدؤوبة لتعميق معرفتنا باللغة العربية وسبر أغوارها السحيقة .
من هنا أيضاً ، لا يمكن لأحد بان يدعي بأن اللغة العربية تختص به دون غيره ، فهي تعود لمن اكتسبها من إرثه الثقافي والحضاري دون أن يكون مسلماً ، وهي تعود أيضاً لمن اعتمدها لغته لأنه مسلم ودون أن يكون عربياً ، وكم من أمة استعربت بفضل القرآن .
اللغة العربية لا تختص بالمسلمين وحدهم ، بل هم يختصون بها لو شاؤوا اللحاق بها لما تمثله من وسيلة لا غنى عنها للتواصل مع ما جاء به الوحي الإلهي .
واللغة العربية لا تنتمي إلينا ، بل نحن من ينتمي إليها لو شئنا بأن لا نقطع كل صلة لنا بالماضي ونصبح كاللقيط الذي لا أب له ولا أم .
| 7 - سبتمبر - 2006 | المسيحيُّون والمسلمون، معًا، من أجل اللغة العربيَّة |
 | إلى اليمامة الغالية كن أول من يقيّم
ياه يا يمامة ، وأنا آسفة أيضاً عزيزتي لما يسببه لك الكومبيوتر من معاناة . هو حرمنا من أنس تحنانك كل هذه المدة . ماذا أقول أنا يا يمامة بعد كل الذي قاله لك الأستاذ زهير ? كنت ظننت بأنني قد وقعت على مغارة الكنز ، وها أنا ادخل البورصة دون أن أعلم عنها شيئاً . مع أن حسابي كله أصفار وشيكات النويهي أيضاً كلها أصفار رغم قلبه الكبير ، مع هذا دخلنا بورصة الشعر ، وسنقايض ? أعذريني عزيزتي ، فأنا لم أشعر يوماً بأن هذا الشعر العظيم يعني ضياء التي هي أنا . هو يعني صورة أنثى تشبه تلك المرأة الشفافة التي إذا شربت ، بانت الماء في حلقها ، وهذه اللوحة لا يمكن لرسام بأن يرسمها لأنها بدون ألوان . وحده الشاعر يستطيع إبداعها وبعث الحياة في أعطافها ووضعها في المكان اللائق لكي تنطق بما يهوى قلبه ، وما يعتلج في نفسه من تصورات . فتخيلي قدرة الشعر ، أنا ليس لي منها يا يمامة إلا الأسم ، فكيف أقايض بما لا أملك ? مع هذا ، فسأقول لك عزيزتي استعمريه ، ولما لا تستعمريه كما استعمرت انا من قبلك : | وطـنـي أقـلـني من وقو | | فـي طال يا وطني iiالوقوف | | لـمـا رأيـتـك في iiالهوا | | ن خرجتُ من كل iiالصفوف | كل واحد فينا يجد في شعر الأستاذ زهير ما يعبر عن حاله ، وشعره كماء السبيل ، يشرب منه كل عطشان وهو ليس ملكاً لأحد . لكنك إذا كنت قد عانيت من أشباه الصقور ، وأشباه الأسود والنمور ، فهذه الصفحات كلها لك ، لتكتبي لنا تجربتك ، أو بعضاً منها وبالشكل الذي ترينه مناسباً ........ اتركي القانون والأحكام وشرائع حمورابي وحقوق الإنسان ، واحكي لنا عن الإنسان في عمقه ، كيف يحيا ، وكيف يتنفس ، وكيف تغتاله الأيام . وأنا أقبل منك أي عرض يكون حكمه في يميني وبدون شروط . | 8 - سبتمبر - 2006 | أحاديث الوطن والزمن المتحول |
 | من الدلفة لتحت المزراب كن أول من يقيّم
عزيزي الأستاذ عبد الرؤوف : مساء الخير
لم أستأ من ردة فعلك لأنها ستكون ربما مناسبة لتعميق النقاش بالوجهة التي أتمناها، لأن مقالك الأخير في ملف الحرية لايفعل أكثر من أنه ينقلنا " من الدلفة ، لتحت المزراب " .
لكن ، وقبل البدء بالحديث ، أحب أن أؤكد لك بأنني لم أقصد الإساءة إليك بحديثي ، صدقاً كنت أمزح وأستفزك مرة أخرى بموضوع الأصفار والشيكات . هذا الحديث يستهويني تماماً كذبابة الماغوط لأنه بالنسبة لي ذو دلالة معنوية . أما الإساءة فلا ! وتأكد بأنه مهما أختلفنا بالآراء ، والظاهر أننا سنختلف ، فإن تقديري ومحبتي للنويهي الإنسان الذي صرت أعرفه لا يمكن أن يغيرها شيء ، أما رأيي فمن الممكن أن أغيره من وقت لآخر لو وجدت ما أقتنع به .
يهمني أن نتحدث في القانون ، كل من وجهة نظره . صحيح بأنني لم أدرس القانون ، ولكنني أعرف ما هو . فالقانون منذ شرائع حمورابي وحتى اليوم ، لم يكف عن التغير والتبدل . ستقول لي تطور ? سأقول لا ! هو تغير ويتغير ، هو يتبدل بتبدل السلطة التي يمثلها لأن كل سلطة هي بحاجة إلى قانون لكي تحمي مصالحها ، ولكي تضفي على نفسها صفة الشرعية .
القانون هو ما تفرزه علاقات القوة السائدة في المجتمع ، وأنا هنا لا أتكلم عن القانون المكتوب ، بل عن القانون الحقيقي الذي يحكم وينظم علاقات البشر فيما بينهم . فهل القانون الفرنسي المترجم حرفياً هو ما يطبق عندنا في لبنان ? وهل الشرع الإسلامي هو نفسه ما يطبق في مصر والسودان ? أو في مصر وأفغانستان ? قطعاً لا ! وهل هذا القانون ، الذي هو نفسه ما كان سائداً أيام نابليون ، هو ما يطبق اليوم في فرنسا ?
كل هذه القوانين والتشريعات تتغير بحسب الزمان وحسب المكان ولكن بالأخص بحسب السلطة التي تمثلها : والسلطة هي آلية عمل تفرزها المجتمعات وهي تعبر في سلوكها عما تختزنه هذه المجتمعات من قوة مادية ، ومن مفاهيم تؤطر طاقاتها وقدراتها سواء كانت إقتصادية مادية ، أو عسكرية ، أو تقنية ، أو ثقافية . القانون هو أداة وذريعة السلطة القائمة ، أي سلطة ، وهي بمؤسساتها ورجالاتها ، حتى أصغر شرطي فيهم ، دائماً فوق القانون ، حتى في أحسن بلدان العالم .
والبشر تخضع للسلطة القائمة ليس بدافع الخوف فقط ، بل بدافع الانتهازية أيضاً والرغبة في الحماية . وعلاقات القوة، هذه تدفع القوي إلى التسلط على الضعيف بحجة حمايته ، والضعيف يرضخ للقوي بحجة أنه يمثل له قيمة ما : وطنية ، دينية ، عائلية ......... هي علاقة مزورة ، وهذا التزوير لا يأتي من القوي المتسلط لوحده ، بل يأتي من الطرفين .
لذلك ، فإن هذه العلاقة لن تتغير إلا ربما لو تغير الإنسان ، لأن الظلم الأول الذي يقع ، هو من الإنسان نحو نفسه عندما يقبل بالظلم ويقرر الخضوع لأجل غاية ما ، ومن ثم في كل بيت ، وفي كل حي ، وفي كل مركز عمل ، حتى نصل به إلى أعلى هرم السلطة ، أي سلطة ، إلا إذا كان لديها رادع ديني أو أخلاقي ما ، وهذا ما لن تفعله طواعية ، بل سيحصل ربما في حال أصبح هذا الإنسان ، الذي هو في قاعدة المجتمع ، قادرا على حماية نفسه ، وقادرا على مواجهة الظلم ، بمعنى أن يصبح وعيه قادراً على إنتاج آليات عمل مختلفة تحدد علاقته بالآخر غير التي نعرفها ، وقد قال أبو الطيب :
| والظلم من شيم النفوس فإن |
|
تـجد ذا عفة فلعلة لا iiيظلم |
وقد قال قبله أرسطو بما معناه ، بأن الظلم هو من طبع النفس البشرية يردعها عن ذلك علتان : سياسية أو أخلاقية .
فهل الظلم الذي حصل في التاريخ والذي تكلمت عنه في المقالة السابقة هو الأساس ? أنا أقول بأنه حصل ولكنه ليس الأساس ، الأساس هو الضعف البشري الذي يشطر النفس الإنسانية إلى قسمين ، ويشطر من بعدها العائلة ، ثم الوطن ، ثم الأمة ، ثم العالم بحاله ، ولا يمكننا نحن اليوم السقوط في فخ مناصرة فريق ضد فريق بذريعة أننا اكتشفنا حقائق تاريخية لا تقبل الجدل . هذه متاهات عمرها أكثر من ألف وأربعمائة عام استنفدت طاقاتنا ومجهوداتنا بدون طائل . علينا تجاوز هذا الموضوع إلى رؤية مختلفة تضع وعينا بمستوى ما يحيط بنا من أخطار ، ولو عرفنا كيف نقف في الموقع الصحيح ، فسيتبدى لنا هذا الموضوع فخاً أكيداً بالنسبة لما يهيء لنا من مصير .
أما سجادتي يا أستاذ عبد الرؤوف فلقد عدت وفردتها الأسبوع الماضي وقبل أن يعود الأولاد إلى المدارس ، ولأن فصل الخريف هنا قد بدأ . هي سجادة حقيقية صدقني وليست " بساطاً للريح " ، وهي كما أراها جداً مفيدة .
* الدلفة : هي المكان الذي تدلف إليه الماء
| 9 - سبتمبر - 2006 | أحاديث الوطن والزمن المتحول |
 | تتمة الفقرة السابقة من النص بالفرنسية كن أول من يقيّم
Où l'on dance pour se faire comprendre (suite) Dans les conditions normales, la dance s'exécute dans l'obscurité de la ruche close. Les autres abeilles ne peuvent donc voir la danseuse, et si elles remarquent son agitation et la suivent de prés dans toutes ses évolutions, c'est exclusivement gràce à leurs perceptions tactiles et olfactives. Que signifie cette ronde maintenant? Il est manifeste qu'elle porte les abeilles voisines au comble de l'émoi. Si l'on regarde attentivement une des ouvrières qui escortent la danseuse, on peut observer qu'elle se prépare à l'envol, fait un brin de toilette se faufile vers le trou de vol et quitte la ruche. Dès lors, il ne faut pas longtemps pour que d'autres abeilles viennent s'associer, sur notre table d'expérience, à la premire qui l'a découverte. Les nouvelles venues dansent aussi, lorsqu'elles renrent chargées à la ruche, et plus les danseuses sont nombreuses, plus il y a d'abeilles qui se pressent vers la table. La relation ne peut être mise en doute : la danse annonce dans la ruche la découverte d'une riche récolte. Mais comment les abeilles qui en sont averties trouvent-elles l'endroit où il faut aller la chercher? L'hypothèse la plus vraissemblable serait qu'une fois la ronde finie elles courent avec la danseuse vers la sortie de la ruche, et la suivent lorsqu'elle s'envole pour retrouver l'endroit intéressant. Une observation attentive enseigne qu'il n'en est certainement pas ainsi. Les nouvelles venues ne savent pas où le but se trouve. Le geste symbolique de la danse en rond ne leur donne qu'une indication, c'est qu'il faut chercher dans les alentours de la ruche, et c'est d'ailleurs ce qu'elles font. On peut s'en convaincre à une expérience simple. Sur une table située à quelques 10 mètres au sud de la ruche, donnons quelque provende à un petit groupe d'abeilles marquées. Puis mettons dans l'herbe, à quelque distance, au sud , à l'ouest, au nord et à l'est, quatre petites vasques également garnies. Quelques minutes après que les récolteuses rentrées avec le butin de la tablette auront commencé leur danse, les recrues arrivent de notre ruche à tous Les récipients. Cependant, si nous privions alors la première troupe de nourriture, elle ne se comporte pas autrement que s'il arrive, par temps défavorable, que le but floral naturel s'épuise et que, temporairement les fleurs habituelles ne donnent plus de miel : les récolteuses restent à leur ruche et les danses cessent. Dès ce moment, les vasques à miel placées alentour pourront rester dans l'herbe, des heures et des jours durant, sans qu'aucune abeille vienne les visiter. On pourra peut-être s'étonner de cet état de choses. En effet,les quelques abeilles marquées près de l'appât sont loin d'être les seules pourvoyeuses de la colonie : tandis qu'elles viennent vers notre eau sucrée, des centaines et même des milliers d'autres volent vers des fleurs diverses, pour y récolter du pollen et du miel. Si nous cessons de mettre quelque chose à manger là où nous en avions l'habitude, les autres ouvrières n'en continuent pas moins à aller butiner. Pourquoi alors celles qui reviennent bien chargées ne se mettent pas à danser pour envoyer leurs congénères chercher de tous les cÔtés, donc aussi là où sont les récipients? La réponse, c'est qu'elles les envoient bien chercher, lorsqu'elles ont découvert une récolte abondante, mais vers les éspèces de fleurs d' où provient leur riche butin, et non pas vers des récipients à eau sucrée! Vie et mœurs des abeilles : (pp.153-155) Karl Von FRISCH | 11 - سبتمبر - 2006 | دراسة في هندسة الدائرة |
 | ترجمة الفقرة السابقة من النص إلى العربية كن أول من يقيّم
حيث الرقص وسيلة التعبير ( تابع )
في الظروف العادية يتم الرقص في ظلام الخلية المغلقة . لا يمكن لبقية النحل إذاً رؤية النحلة الراقصة ، وكونها تتمكن من ملاحظة اضطرابها وتتبعها عن قرب في تبدلات حركاتها المضطردة عائد حصرياً لما تدركه بحواسها من شم ولمس .
ماذا تعني هذه الرقصة في هذا الوقت بالذات ? من الواضح هو أنها تضع النحل القريب منها في حالة قصوى من الانفعال ، ولو نظرنا للعاملات التي ترافق الراقصة ، للاحظنا بأنها تتهيأ للطيران : تقوم بلمسة خفيفة من النظافة ، تنزلق بعدها نحو فتحة الخروج ، لتغادر الخلية . حينها ، لن نحتاج للكثير من الوقت لكي نرى بأنها قد جاءت إلى طاولة الاختبار ، لتشارك النحلة الأولى التي قامت باكتشافها غنيمتها . عند عودتها بحمولتها إلى الخلية ، تقوم الزائرات الجدد برقصتها أيضاً ، وكلما ازداد عدد الراقصات ، كلما ازدادت أعداد وفود النحل المسرعة إلى الطاولة . هي معادلة لا تقبلا الشك : الرقص في الخلية ، هو إعلان عن وجود مصدر وفير للرزق . لكن السؤال هو كيف يتمكن النحل ، بعد تلقيه النبأ ، من إيجاد المكان المتوجب عليه البحث عنه ?
الاحتمال الأكثر واقعية ، هو أن نفترض بأنه ، وبعد الانتهاء من الرقص ، تسارع العاملات بمرافقة الراقصة نحو فتحة الخلية ، وأنها تتبعها في طيرانها عند عودتها إلى المكان المنشود .
ستثبت لنا الملاحظة الدقيقة ، بشكل قاطع ، بأن الأمر ليس كذلك . فالقادمات الجدد لا تعلم أبداً أين يوجد العسل . الدلالة الرمزية للرقص الدائري لا تعطيهم سوى إشارة واحدة : وهي أنه يتوجب عليهم البحث في محيط الخلية ، وهو ما تفعله . تجربة بسيطة ستكون كافية لإقناعنا بهذا : لنضع على طاولة موجودة على بعد عشرة أمتار من جنوب الخلية ، وليمة لمجموعة صغيرة من النحل الذي وضعنا عليه علامات . ثم لنضع بين العشب ، لناحية الشمال ، ثم الجنوب ، ثم الشرق ، ثم الغرب ، أربعة صحون فيها غذاء للنحل أيضاً . بعد بضع دقائق من عودة النحل القادم من على الطاولة الأولى بحمولته إلى الخلية ، وقيامه بالرقص ، تبدأ العاملات الجدد بالتوافد إلى جميع الأوعية . إنما ، لو حرمنا الفريق الأول من النحل من تناول الغذاء ، فإن سلوكه لن يكون مغايراً إلا كما لو أنه ، وبسبب سوء الأحوال الجوية ، قد نضب محصول الحقل الطبيعي للزهور ، وأنه لم يعد يوجد فيها عسل حالياً : تبقى الجانيات في القفير ، ويتوقف فيه الرقص . حينها ، ستبقى أوعية العسل الموضوعة بين العشب في محيط الخلية ساعات طويلة ، دون أن تحظى بزيارة نحلة واحدة .
يتسبب لنا هذا الوضع بشيء من المفاجأة . في الواقع ، فإن هذه العاملات التي تحمل العلامات منذ كانت بقرب الطعوم ، لا تشكل العدد الأهم من العاملات في القفير : وفي الوقت الذي تتردد فيه على ماء محلى وضعناه ، فإن المئات ، بل الآلاف غيرها تتابع طيرانها نحو الزهور المختلفة لتجني منها العسل وغبار الطلع . ولو توقفنا عن وضع ما يؤكل في المكان المعتاد ، فلن يمنع ذلك باقي النحل من الاستمرار في جني الرحيق . لماذا إذاً ، لا تقوم العاملات العائدة بمحصولها بالرقص وإرسال مثيلاتها للبحث في كل ناحية ، ومن ضمنها أيضاً ، حيث توجد الصحون ? الجواب هو ، أنها ترسلها للبحث عندما تقع على مصدر وفير للرزق ، ونحو صنف الزهور الذي أتى منه هذا الرزق الوفير وليس نحو الصحون التي تحتوي على الماء المحلى .
| 11 - سبتمبر - 2006 | دراسة في هندسة الدائرة |