البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات أحمد إيبش

 19  20  21  22  23 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
تاريخ دمشق - 4    كن أول من يقيّم

العهد الفاطمي
عرفت دمشق خلال هذا العهد بعض الثورات، وانتشر الخراب في كثير من أحيائها، وقام أهل دمشق بالاستقلال عن الفاطميين عام 363 هـ/973 م،  واستغلّ الرّوم هذه الظروف، واجتاحت قواتهم ثغور بلاد الشام الشمالية ووصلت إلى حمص وبعلبك.
نجح الفاطميّون بالعودة إلى دمشق وسيطروا عليها مدة قرن، وصلت خلاله دمشق إلى حالة سيّئة من التأخر والفوضى بسبب الإهمال، فتدهورت أوضاعها الاقتصادية والعمرانية فضلاً عن أوضاعها السياسية، فقلّ عدد سكانها وانتشر فيها الفقر والغلاء. واستمر العهد الفاطمي في دمشق من 358 هـ/968 م حتى 468 هـ/1075 م.
عهد السلاچقة و الأتابكة
عادت السيادة على دمشق لخلافة بغداد العباسية على أيدي قادة من الأتراك عرفوا باسم السّلاچقة، كان الحكم الفعلي بأيديهم كما وصل الحكم عن طريقهم إلى بعض الأتابكة (وكان الأتابك هو الوصي أو المربي للأمراء من أبناء السّلاچقة) وكان الأتابكة يُعلنون ولاءً إسميا لخلفاء بغداد، بينما يحكمون دمشق حكماً مستقلاً من الناحية الفعلية.
تحمّل أتابكة دمشق مسؤولية الدّفاع ضد الغزاة الصليبيين الذين كانوا قد نجحوا باحتلال السّاحل السّوري ومعظم مناطق فلسطين، وكانت علاقات أتابكة دمشق مع الصّليبيين بين حالة حرب وحالة هدنة، وقد وصلت أعمال القتل والتّخريب والدّمار على أيدي الصليبيين إلى جوار دمشق وضواحيها في بعض الفترات.
ونجحت دمشق بالصّمود ضد هؤلاء الغزاة، ونجت من الوقوع بأيديهم رغم محاولاتهم التي وصلوا في أوّلها إلى مسافة بضعة كيلومترات جنوب دمشق. وتكرّرت محاولة الصليبيين في حملتهم الثانية، وتعرّضت دمشق لحصارهم سنة 543 هـ/1149 م حيث شارك في حصارها ملك الألمان (كونراد الثالث) وملك فرنسا (لويس السابع)، وعسكرت قواتهم في منطقة داريّا وقرب منطقة المزة. وقاومت دمشق ببسالة بفضل أتابكها مُعين الدين أُنُر الذي استعمل وسائل الحرب والسياسة حتى أنقذ دمشق من دخول الصليبيين.
خرجت دمشق من محنتها رافعة الرأس عزيزة الجانب، وازداد تطلّع أبنائها إلى بطل تلك الفترة الذي انتشرت أخبار عدله وبطولاته وإخلاصه: نور الدّين محمود ابن زنگي، الذي دخل دمشق عام 549 هـ/1154 م، مُنهياً حكم البوريين ومصمّماً على توحيد المشرق الإسلامي لطرد الغزاة الصليبيين. ونجح البطل نور الدّين بمدّ نفوذه إلى مصر عبر أحد قادته أسد الدين شيرگوه وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي، لإنقاذ مصر من الخطر الصليبي الذي كان يتهدّدها.
 وانتهت محاولة نور الدّين بقتل الوزير الخائن (شاور) المتعاون مع الصليبيين على يد قائده أسد الدين، وذلك عام 564 هـ/1168 م. وأعقب ذلك وفاة الخليفة الفاطمي العاضد سنة 567 هـ /1171 م، فانتهت بموته فترة الحكم الفاطمي، وغدت مصر والشام دولة واحدة، وارتفعت مكانة دمشق التي غدت المركز الأول للنشاط السياسي والعسكري في المشرق العربي.
 
العهد الأيوبي
توفي نور الدين في دمشق عام 569 هـ/1174 م، ليستقرّ الحكم بعده إلى قائده في مصر صلاح الدين، وذلك لصغر سنّ ابنه وخطورة الظروف المحدقة ببلاد الشام ومصر، من وجود الصليبيين وتدفّق قواتهم من أوروبا. وهذا ما دفع بالعقلاء من أبناء دمشق لاستدعاء صلاح الدين من مصر وبايعوه سلطانا على بلاد الشام.
ويأتي السلطان صلاح الدين إلى دمشق ليجعل منها عاصمة ثانية لسلطنته، متنقّلاً بينها وبين القاهرة، لكنه فضّل الاستقرار في دمشق لقُربها من ميادين عملياته العسكرية، وبخاصة لقُربها من فلسطين التي كان يخطط لتحريرها من الغُزاة الصليبيين. وحقّق صلاح الدين ما أراده، وهزم الصليبيين عام 583 هـ/ 1187 م هزيوةً ساحقة في حطين وحرّر منهم بيت المقدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، التي رزحت تحت الاحتلال الفرنجي منذ وقوعها بأيديهم في عام 492 هـ ، فأعلنوها عاصمةً لمملكتهم الفرنجيّة، بعد أن قاموا بإعدام سكان المدينة المقدّسة بأسرهم، فبلغ عدد شهدائها في عدد من الرّوايات 70 ألفاً.  فكانت هذه الانتصارات ثمرة توحيد بلاد الشام ومصر.
لقد نَذَرَ النّاصر نفسه مُدّة ملكه كلّها بمصر والشام (24 عاماً) لهذه الغاية العظيمة ، فبعد حروب مريرة وفتوحات تمكّن أخيراً من سحق جيوشهم بالكامل وأسر ملكهم وباروناتهم في معركة حطّين عام 583 هـ . 
وتوفي صلاح الدين في دمشق، عام 589 هـ/1193 م، وبوفاته ضعفت الدّولة الأيوبية رغم محاولات أخيه الملك العادل حماية الدّولة من التجزئة على أيدي أبناء صلاح الدين. واستمر الخلاف بين أبناء الملك العادل بعد وفاته، وتصاب دمشق نتيجة لذلك بالبلاء والدّمار والحصار والحريق.
 وينتهي العهد الأيوبي بما يشبه الانقلاب العسكري الذي قام به قادة الجيش في مصر، وهم من المماليك، فقتلوا آخر حكّام الدولة الأيوبية توران شاه عام 648 هـ/1250 م وذلك في مصر، بينما انتهى حكم الأيوبيين في الشام بوصول حملة التّتار التي قادها هولاگو عام 656 هـ/1258 م، وسقطت دمشق بأيديهم بعد أن سبقتهم أخبار تدميرهم لبغداد ومذابحهم في حلب. وصمدت قلعة دمشق شهراً لحصار التّتار ثم سقطت كغيرها، ومن حُسن حظ دمشق وبلاد الشام أن هذه الحملة التّتريّة هُزمت هزيمةً نكراء في معركة عين جالوت على أيدي حكام مصر الجدد من قادة المماليك، وعلى رأسهم السلطان المظفر قُطُز.

30 - مايو - 2008
حدثني عن الشام واحك لي عن دمشق
تاريخ دمشق - 5    كن أول من يقيّم

عهد المماليك
ابتدأ هذا العهد عام 658 هـ/1259 م، وعادت الوحدة تجمع مصر والشام، ولم يكن انسحاب التّتار من دمشق بعد هزيمتهم في عين جالوت آخر وجود لهم يهدّد بلاد الشام، بل استمرّت غاراتهم، وكان أخرها وأشدّها سوءاً على دمشق حملة تيمورلنك عام 803 هـ/1400 م، فقد نال دمشق وسكّانها من هؤلاء المغول أشدّ الدّمار والهلاك.
ورغم ذلك، فقد استعادت دمشق بعد انسحابهم نشاطها، ولقيت عنايةً كبيرة من سلاطين المماليك، الذين اقتضت ظروف قتالهم لبقايا الصليبيين إقامتهم في عاصمتهم الثانية دمشق، فكانت ولاية دمشق من أكبر وأهم نيابات السّلطنة المملوكية وعُرفت باسم »نيابة الشام«، وتمتد حُدودها إلى الفُرات والرّستن شرقاً وشمالاً، وإلى البحر المتوسط غرباً، وإلى غزّة والكَرَك جنوباً.
وكان يكلَّف نائب دمشق بالإشراف على بقيّة النّيابات وهي: حلب وحَماة وطرابلس وصفد والكَرَك. ولهذا كان نائب دمشق يحمل لقب: نائب السّلطنة أو ملك الأمراء.
وقامت في عهد المماليك أعمال عمرانية وإصلاحات واسعة، منها عدد كبير من المساجد والمد ارس، ونعمت دمشق في عهد بعض السّلاطين والأمراء مثل السّلطان الظاهر بيپرس والسّلطان قلاوون والأمير تنگز بكثير من الاستقرار، فازدهرت الحركة العلمية ومدارسها، والفنون والعمران، كما نشطت الصناعة والتجارة.
وتنتهي هذه الفترة من النهضة والنشاط بالكارثة التي حلّت في دمشق بغزو تيمورلنك، وما رافق ذلك من تدمير ونهب وقتل وسبي وإحراق، وقد عمّها الخراب وأكلتها النيران، فكانت جريمة مروّعة بتدمير أجمل مدن الشرق وأعظمها شُهرة وعراقة. ومع ذلك فقد نهضت دمشق من كبوتها في اقل من ربع قرن، وأخذت تستعيد جمالها بالعمران والنّشاط الصناعي والتجاري، لكن ضعف عهد المماليك وسوء سلاطينهم في المرحلة الأخيرة من هذا العهد أدّى إلى فساد وتخلّف وفقر ومجاعات وأوبئة وقتال بين الفئات المتصارعة حول السّلطة والحكم، إلى أن انتهى عهد المماليك على يد الدّولة العثمانية.
 
العهد العثماني
طويت صفحة المماليك في بلاد الشام بانتصار السلطان العثماني سليم الأول في معركة مرج دابق عام 922 هـ/1516 م، وتبدأ دمشق صفحة جديدة من تاريخها، حيث أصبحت جزءاً من الدولة العثمانية. وكان قبول أبنائها للحكم الجديد يعود إلى ما أصابهم من ظلم ومارأوه من فساد وسوء أوضاع في أخر عهد المماليك، فبنوا آمالاً على سلاطين الدّولة الجديدة، بداعي الرّابطة الدّينية بينهم وبين الأتراك.
وإذا كانت دمشق قد شعرت بالاستقرار والأمن في ظلّ دولة قوية تحميها من خطر الغزاة الأجانب - كالفرنج والمغول - فلقد بقيت على صلة بالعالم الخارجي عن طريق التجارة التي ازدهرت لشهرتها ببعض الصناعات.
ومن أهم أحداث دمشق خلال القرن التاسع عشر، فتح محمد علي پاشا والي مصر لبلاد الشام على يد ابنه إبراهيم پاشا، وامتدّت فترة هذا الحكم من 1831 م حتى عام 1840 م. وكانت دمشق مركزاً أو عاصمةً لبلاد الشام خلال الحكم المصري الذي عُرف بالانفتاح، فنشطت الحركة العلميّة وكثر قدوم الأجانب من تجار وسيّاح، وأنشئت في دمشق بعض القنصليّات، كانت أوّلها القنصلية البريطانية.
ولقد حظيت دمشق أثناء فترة التّنظيمات الخيريّة (1839-1908 م) ببعض الولاة المصلحين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، من أمثال: الوالي ناظم پاشا والوالي مدحت پاشا، وعاشت نشاطاً عُمرانياً مميزاً، وفي عام 1908 م قامت جماعة الإتحاد والترقّي التركيّة التي اتصفت بالعصبيّة والعُنصريّة بانقلاب على السّلطان عبد الحميد الثاني، وتسلّمت الحكم بنفسها واتّبعت سياسة التّتريك والقمع ضد الشعب العربي، فكانت اليقظة العربية وأخذ العرب يسعون إلى حكم لا مركزي في بداية الأمر، ثم تطور الأمل إلى مطالبتهم بالاستقلال الكامل وانفصالهم عن حكم الاتحاديين الأتراك.
وجاءت الحرب العالمية الأولى عام 1914 م لتكون مُنعطفا كبيراً وحاسماً في تاريخ المنطقة، وخلالها شهدت ساحة الشهداء في دمشق إعدام عدد من قادة الحركة القومية العربية في 6/5/1916 م. وفي 10/6/1916 م تفجّرت الثورة العربية الكبرى ودخل جنودها دمشق في مطلع تشرين أول عام 1918 م وارتفع العلم العربي - علم الثورة العربية الكبرى - فوق مدينة دمشق. وكانت أول فرقة عسكرية دخلت دمشق، سريّة الخيّالة الخفيفة الثالثة  3rd Light Horse Regiment التابعة للجيش الأوسترالي، وهذا ممّا يجهله الكثيرون.

30 - مايو - 2008
حدثني عن الشام واحك لي عن دمشق
تاريخ دمشق - 6    كن أول من يقيّم

العهد العربي
أعلن في دمشق ومن قبل المؤتمر السوري - أول مجلس نواب - استقلال سورية (سورية الطبيعية أي بلاد الشام)، وتم تتويج فيصل بن الحُسين ملكاً عليها وذلك في 7 و 8 آذار 1920 م. واستمرّت الدّولة العربية لمدة سنتين، طويت من بعدها صفحة الحرية والاستقلال، وذلك بعد معركة ميسلون 24/7/1920 م مع القوات الفرنسية الغازية.
 
فترة الاستعمار الفرنسي
في نهاية الحرب العالمية الأولى تمكنت قوات الثورة العربية الكبرى من تحرير دمشق بمساعدة الإنكليز. وقامت أول حكومة سورية مستقلة فيها عام 1919 تحت قيادة الملك فيصل الأول، إلا أن بريطانيا وفرنسا اللتين كانتا تخططان لاقتسام بلاد الشام بينهما، اتّفقتا على وضع سوريا تحت الانتداب الفرنسي، لكن الشعب السّوري اختار المقاومة.
ففي عام 1925 انطلقت الثورة السّورية الكبرى من جبل العرب في جنوب سوريا، وجرت العديد من المعارك بين الثوار والقوات الفرنسية في بساتين الغوطة المحيطة بدمشق. قصف الفرنسيون العاصمة دمشق بوحشية في 18 تشرين الأول 1925، مما سبّب الكثير من الدّمار في المدينة.
ارتفع اسم دمشق في مقاومة الاحتلال الفرنسي، وكان لأبنائها الدور الكبير في الثورة السّورية الكبرى 1925-1927 م. كما ارتفع اسمها وعظمت شهرتها في حوادث الإضراب الستيني عام 1936م. واستمرّت حركات النضال الوطني والمقاومة البطولية حتى قيام الحرب العالمية الثانية. وفي أعقاب هذه الحرب وقفت دمشق بشموخ تدافع عن كرامتها وحريتها بدماء أبنائها، في حوادث عدوان 29 أيار 1945 م.
 وخرجت دمشق أخيراً ناصعة الجبين رافعة الرأس، تتحدّث عنها صحف العالم في صمودها وبطولاتها، إلى أن كان جلاء القوات ا لأجنبية عنها وعن الأرض العربية السّورية، واحتفلت رسمياً بذلك في يوم خالد لاتنساه الأجيال العربية في سورية وذلك في 17 نيسان 1946 م. كان عام 1946 بداية لعهد جديد، فقد أصبحت سوريا جمهورية مستقلة، وطردت جميع الجيوش الأجنبية عن أراضيها، وابتدأ فيها عهد وطني واعد بالخير لأبنائها.
شهدت العاصمة السورية تطوّرات كبيرة في السّنوات الخمسين الأخيرة، وتضاعف سكان المدينة عدّة مرات، وهو يُقدر اليوم بحوالي ثمانية ملايين نسمة. إن زائر دمشق سوف يشاهد فيها امتزاجاً عجيباً بين العراقة والحداثة: فالأحياء الجديدة من المدينة تتميّز بالمباني ذات الطراز المعماري الحديث، بينما في المدينة القديمة تتعانق مآذن دمشق وقباب مساجدها، التي يربو عددها على المئتين مع البيوت الدّمشقية الشهيرة ذات الطراز المعماري العربي.
تشتهر دمشق أيضاً بأسواقها ودكاكينها ومقاهيها. وأحد هذه الأسواق هو »الشارع المستقيم« الذي ورد ذكره في أعمال الرّسل الملحقة بالأناجيل. وفي الجامع الأموي الكبير يوجد ضريح يوحنا المعمدان (النبي يحيى عليه السّلام). ويُعتبر الجامع، الواقع في قلب دمشق القديمة، أشهر معالم المدينة على الإطلاق. فهذا المسجد الذي بناه الخليفة الوليد بن عبد الملك في القرن الثامن للميلاد، لا يزال مثالاً حيّاً رائعاً لفن العمارة العربية الإسلامية. ومن أشهر المعالم التاريخية الأخرى في دمشق: قصر العظم، وقلعة دمشق، وتكيّة السلطان سليمان، والمدارس، والحمامات القديمة.
تستمرّ دمشق هذه المدينة العربية الخالدة تخطو نحو غد أكثر إشراقاً متمسّكة بأصالتها وعراقتها وتقاليدها، محافظة على أوابدها وآثارها متابعة لمسيرة التطور. إنها المدينة التي تمثّل الشرق العربي بقديمه وحديثه، وتنعم بحُبّ كل عربي بل بحبّ كل زائر لها. إنها المدينة التي تمثّل حضارة الإنسان عبر عصور التاريخ، إنها مدينة السّحر والحضارة والجمال.

30 - مايو - 2008
حدثني عن الشام واحك لي عن دمشق
أسرار دمشق    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

حضرة الأستاذة الفاضلة ضياء خانم:
لدمشق أسرارها التي لا تمنحها أبداً في الوهلة الأولى، بل تطلب من عشاقها أن يذوبوا في حبّها والحنين إليها سنوات طوالاً.. لكن من المفاتيح الضائعة التي عثرتُ عليها ما يلي: بعد أن يزور الإنسان أهم معالم المدينة القديمة، من أبنية أثرية: مساجد، مدارس، تكايا، زوايا، خوانق، طواحين، معاصر، قياسر.. إلخ. وبعد أن يزور معالمها العامة: أسواق، أسوار، أبواب قديمة، أحياء وحارات. وبعد أن يزور عدداً من دورها العتيقة الجميلة. يبقى أن يلتقي بدمشق الأنثى الجميلة الخجولة المختفية!!
أين هي هذه الأنثى Juno بذاتها التي تمّ تكريس المعبد لها وللإله Jupiter؟
على الإنسان أن يذهب إلى المعبد (الجامع الأموي اليوم) قبيل الفجر، يمضي فيه ساعة ونصف بالضبط.. وينتظر تباشير خيوط الصباح الزرق الداكنة.. ثم عليه أن يدور حول أسوار المعبد القديم وجواره، ثم يزور أبوابها الشمالية: باب الفرج، باب الفراديس، باب السلامة. هناك بالضبط تطوف جونو الأسطورة، دمشق الأنثى.. صوب محلّتها القديمة (الجينيق) التي ليست سوى تحريف لفظي عن طريق اليونانية والسريانية لاسمها (جونو).
ها هي ذي تبدأ بالهمس مع نسمات الصباح الأولى، وتحوم حول ضيفها وتشعره بوجودها بلغة لا كلمات فيها ولا حروف، بل تحلّ الأطياف والإيماءات محل التعابير المحكية .. ثم متى دبّت الحركة في المدينة المكتظة، تصعد جونو إلى ذرى قاسيون وتختفي في النهار في بقايا معبد قديم زالت آثاره منذ أزمنة غابرة.
 
وبعد.. فأقرب المدن إلى دمشق لا ريب إشبيلية، نقلت عنها في القرن الثاني الهجري.
ودمشق القرن التاسع عشر أكثر ما تكون حياً مصغراً من إستانبول القديمة، العمارة ذاتها وأساليب الحياة والألفظ والأسماء، لا يلزم سوى ترجمة ذلك كله من التركية، فإذا بدمشق تطفو بكل وضوح.
 
لك يا أستاذتنا أطيب تحية، والسّلام. 

31 - مايو - 2008
حدثني عن الشام واحك لي عن دمشق
رد موجز    كن أول من يقيّم

أخي الكريم محمد:
أشكرك على إثارة هذا الموضوع.
إحدى كبريات الإشكاليّات التي تواجه أي باحث في تصدّيه للدراسات التاريخيّة القديمة للشرق الأدنى القديم هي الاستناد إلى نصوص أسفار التوراة والتلمود والمدراش وما يتبعها من أنطولوجيا الهَجداه والهَلخاه والأپوكريفا (المنحول) على اعتبارها وقائع تاريخيّة ثابتة قديمة ومتفرّدة في عصرها.
يا للهول.. ليس في ذلك ذرة واحدة من المصداقيّة.. أبداً!
رغم أنني الآن لست في وضع يسمح لي بالرّد بصورة كاملة، أحب أن أوجز الجواب، على أن أتوسّع به في مجلس مستقلّ عن أدبيّات «التلمود» كتاب اليهود المقدّس.
فأقول: التوراة تنقسم إلى ثلاث مجموعات من الأسفار:
أسـفار »توراه« תורה (أي الشريعة)، 5 أسفار: التّكوين، الخـُروج، اللّيويين، العَدَد، التّثنية - وجميعها يُنسب إلى موسى النّبي عليه السلام).  وأسفار »نبيئيم« נביאים أي الأنبياء (ومنها أسفار ذات محتوى تاريخي)، وهي 21: يشوع، القضاة، صموئيل الأول والثاني، سفرا الملوك الأول والثاني، يَشَعياه، يِرمياه، يْحَزَقئيل، هُوشَع، يُوئيل، عاموس، عُوبَدياه، يُوناه، ميخايا، ناحوم، حَبَقّوق، صَفَنياه، حَجّاي، زكريّا، مَلاخيا.  ثم الأسفار التاريخية والأدبية »كتوبيم« כתובים (المدوّنات) 13 سفراً: أخبار الأيام الأول والثاني، المزامير، أيّوب، الأمثال، راعوت، نشيد الأنشاد، الجامعة، مراثي يِرمْياه، سفر إستير، دانيئيل، عِزرا، نِحِمْياه.
 
فأمّا سفر أستير، فهو أحد أسفار المجموعة الثالثة »كتوبيم« כתובים (المدوّنات التاريخية)، وتدوينه متأخر جداً عن المجموعتين الأوليين، ورغم أنه يضع الإطار التاريخي للحدث في بلا فارس ومادي بأيام الملك أحشويروش الأول (خسرويه الأول بالفارسية الأخمينية القديمة)، فهذا لا يعدو أمر التدليس وكون الرّواية برمّتها مختلقة، تهدف لإثارة عاطفة اليهود على النكبات الممضة التي لحقت بهم، لشدّ أزرهم ودفعهم إلى التكاتف.
الأمر شبيه تماماً بإعادة جمع التّوراة الأولى على يد عزرا الكاتب (عزرا هسّوفير) في القرن الخامس قبل الميلاد. وحول ذلك نقرأ أساطير مغرقة في الخيال، نقل بعضها علاّمة بلاد الشام الأمير أبو الفداء في رائعته »المختصر في أخبار البشر«. لقد أدخل عزرا على نصوص التوراة القديمة مقاطع أدبيّة عجيبة غريبة لا تمتّ بصلة إلى أصولها القديمة.. كيف؟ كان الرجل يعيش في بلاط الأخمينيين العظماء في عاصمتهم »پرسيپوليس» Persipolis (تسمى اليوم بالفارسية: تخت جمشيد، أي كرسي الملك)، وكانت في هذه المدينة الباذخة مكتبة ملكيّة رائعة تضم تراث الشعوب جميعها، من بابليين وآشوريين وسومريين وأكاديين وكلدان وكنعانيين ويونان ومصريين، وتراث جزيرة العرب القديمة (وخاصة تراثها الجنوبي السبئي والحميري). على ذلك وجد هذا الكاتب أمامه معيناً مذهلاً للجمع والتأليف، ولا ريب أنه كان ذا مقدرة أدبية رفيعة ومخيّلة خصبة، مكنتاه من جمع مواد بقيت في وعاء ما نُسب إلى التّوراة الأولى، وكأنها جزء أصيل منها.. وعلى شاكلتها ما حصل فيما بعد بأمر سفر أستير (المجلاّه מגלה).
فأين ذهب هذا التراث كله، الذي كان في مكتبة »پرسيپوليس» العظيمة؟ دمّره الغازي الغبي الإسكندر المقدوني (333 ق.م) وهو يحسب أنه يحسن صنعاً.. وفقدت البشرية تراث الشرق الأدنى القديم المجموع كله في مكان واحد، مع ترجمات كاملة كانت له بلغة الفرس القديمة (الپهلويّة). أمّا ما تمكن بطليموس من جمعه فيما بعد في مكتبة الإسكندرية فكان شيئاً لا يقاس بذاك، وعلى أي حال فالأخرى احترقت وباد بها ما تبقى من هذا التراث القديم. التوراة الحالية إذاً نسخة مشوّهة عن مجاميع لعبت فيها يد النقل والقص واللصق والتحريف والقولبة بشكل هائل.
ومنها بالطبع قصة إستير وابن عمّها مُردخاي في بلاط الملك، وحادثة مؤامرة الوزير هامان الأجاجي (الذي تجعله القصة عماليقياً عربياً). هذه كلها رواية مختلقة وبها من الافتراء والوضع ما يجعلها أسطورة تاريخية بامتياز.. لم يجر من وقائعها شيء. فحول أي هامان نناقش ونثبت؟؟ نص التوراة مزيف ولا مصداقية له. الأنكى من ذلك هي قصتها الموسعة على أديم الهجداه في التلمود (وهناك يصبح اسمها: الأجداه تمييزاً عن هجداه التوراه والمدراش).. ففيها نقرأ تفاصيل مسرحية وخطابات ومشاهد دراميّة لا ندري من الذي يمكن أن ينقلها في حومة تلك المأساة (إن وقعت فعلاً)؟؟
تختتم القصة بأن اليهود نجوا من الموت، وبحبكة درامية شكسپيريّة يتزوج الملك من الفاتنة إستير (هداسّا بالعبريّة)، ويقوم بشنق هامان (الشخصية المغرقة في الخيال)، وينجو اليهود من الذبح، ومنذ ذيّاك اليوم يحتفلون بنجاتهم بعيد كبير يسمّى في العبريّة: «يوم پوريم» יום פורים (أي عيد القرعة، بضم القاف) ويأكلون فيه الفطير (همتسوت)، ويتذكرون كيف نجوا من كيد هامان وخطر أحشويروش.
هذه الرواية لا تزيد مصداقيتها على ما نقرأه في سيرة الملك الظاهر الشعبيّة للديناري!
 
يبقى أن نقول إننا عندما نتعامل مع تاريخ اليهود لا نرى أمامنا إلا هذه النصوص، أمّا عندما نتعامل مع تراث الشعوب الحقيقية التي أقامت على هذه الأرض، فلدينا تراث أدبي وتاريخ مخطوط ومنقوش هائل، وآثار على الأرض في مواقعها ما تزال، وأخرى تغصّ بها أروقة المتاحف شرقاً وغرباً.. نقرأ عن الفينيقيين ونلمس بيدنا ناووس الملك أحيرام أو أشمنعزر في متاحف بيروت وصيدا وجبيل، ونقرأ عن الآراميين فتطالعنا نقوش بارركب ونقوش حداتو (ارسلان طاش)، ونقرأ عن المؤابيين فيطالعنا نقش الملك ميشع.. وهلمّ جرّا. أما تراث العربيّة القديم فمنه ملايين النقوش من حضرموت جنوباً إلى بادية تدمر في الشام شمالاً..
هذه آثارنا تدلّ علينا     فانظروا بعدنا إلى الآثار
 
فليت شعري، أين هو تراث اليهود، وآثارهم، ونقوشهم، وهياكلهم؟؟؟
كذب في خيال في تنطّح في وهم..
أشبعنا رحبعام زئيڤي وأتباعه في الثمانينيات والتسعينيات كلاماً، ولكن علم الآثار والإپيغرافيا والتاريخ لا يعنيها الكلام، بل الوقائع والبراهين، أو حتى القرائن في أضعف الإيمان. لم نر أثراً واحداً لسليمان أو داود أو شاؤول.. أو أي ملك آخر سواهم. أين هو الهيكل المزعوم، وأين جرت كل تلك الوقائع؟؟؟
رحم الله الدّيناري.. لم يكن عزرا إلا كاتباً أديباً على منواله!
 
يبقى أن أقدّم على صفحات الورّاق مجلساً عن التلمود وعن قصّة إستير المزعومة (المجلاّه).
تحياتي القلبية لك أخي محمد.

8 - يونيو - 2008
هامان وزير فرعون في القرآن
العربيزي والترانسلتريشن    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

تحية طيبة للأخوة سراة الورّاق:
 
موضوع طريف هذا "العربيزي"، ويذكرني دوماً باللغة العربية الشائعة لدينا هنا في بيروت.. فهي خليط عجيب ما بين العربية والإنكليزية والفرنسية وبعض الإيطاية. هاكم مثالاً:
-         بونجور.. كيفك؟ ça va ؟
-         ميشي الحال (بإمالة الألف على الطريقة الكنعانية الفينيقية).
-         شو قال رايحين عالـ prom  تاعون علي؟ (حفل التخرج أو الترفع في الجامعة).
-         والله mostly  بنا نروح، بس presumably منتأخر شوي.
-         طب أوكيه، بس please  يعني in case رايحين خبروني.
-         Bon ميشي الحال.. أورڤوار au revoir
-          تشاو. Ciao
 
ومن إحدى أطرف "نهفات" الموضوع أن سجالاً حاداً كان منقولاً على التلفزيون من مجلس النواب، وكان المرحوم الشيخ پيار الجميّل (لاحظ الألف الكنعانية الممالة لرسم Pierre)، كان محتدماً في نقاش حاد للغاية مع رئيس المجلس كامل الأسعد، فما كان منه عندما نفد صبره إلا أن ضرب بيده على الطاولة وقال: "يا خيي هيك ما بيصير.. يعني بالعربي الفصيح بالعربي الفصيح: c’est trop !".
"سيه ترو" ومعناها بالفرنسية: "هذا شيء فاق الحدّ".. ولكن بالعربي الفصيح؟؟؟
 
وكذلك أوجّه تحيّة خاصة إلى الأخ الكريم الأستاذ زين الدّين..
هذه الاختلاطات في موضوع نقل التسميات، أو ما يعرف بالإنكليزية بـ transliteration أمر نعاني جداً منه عند قراءة الأسماء الأجنبيّة المعرّبة، ودوماً نسمع من مذيعي التلفزيون أغلاطاً شنيعة للغاية، سببها عدم كتابة الاسم الأصلي باللاتينية أمام المقابل العربي. هذا هو الحل الأمثل ولا حلّ سواه برأيي. مرة أذكر أنني حضرت برنامجاً وثائقياً عن برنامج التنمية الاجتماعية التابع للأمم المتحدة، وكان مترجماً إلى العربية، وطفق المذيع يحكي عن امرأة في القرية فيقول: ذهبت هاتيجي وجاءت هاتيجي، التي هي محور الحلقة. بمجرد أن قرأت الاسم في الـ subtitles : Hatice فهمت: المرأة تدعى خديجة، واللسان التركي يعجز عن نطق الخاء فيلفظونه: هاتيدجه. ولكن، ألم يلحظ المترجم العربي أن هذا الاسم ما هو إلا خديجة بالعربية وليس هاتيجي؟
كذلك بعض تراجمتنا الذين لا يجيدون إلا الإنكليزية، عندما يتصدون لترجمة تاريخ الحروب الصليبية يطرقون أسماعنا بأسماء عجيبة: وليام أوف تاير، بدلاً من Guillaume de Tyre (گيّوم أو غليوم الصّوري) والرجل فرنسي ابن فرنسي وكان من أشهر مؤرخي اللاتين آنذاك. لكن الأنكى هو اسم ملك القدس الذي أسره بطلنا السلطان الناصر، يكتبونه: جاي أوف لوزجنان.. لوزجنان؟؟ آه والله ده لوز جنان ياخويا، ده يجنّن..
فأين هذا الاسم المشوه من اسمه الفرنسي الحقيقي: Guy de Lusignan گي دى لوزينيان؟
 
هذه المسألة من أهم النقاط التي لا يعيرها مترجمونا ومثقفونا الأهمية الكافية، وأؤكد أن الحل الأمثل لها هو إرفاق الاسم بصيغتيه العربية واللاتينية درءاً للاشتباه، وهذا ما أفعله دوماً في جميع مؤلفاتي. إلا أن الطامّة الكبرى في الواقع هي حرف: G فهو من جهة يقابل حرف الجيم العربي، ولكنه في لغات أوروبا يقرأ بحسب موقعه من الكلمة والحرف الذي يليه، أهو صوتي أم ساكن؟ بالفرنسية مثلاً: إن تبعه حرف العلة e يقرأ كالجيم العربية، مثال: George ولكن دون حرف e أو i يصبح حرفاً مكبوتاً معطشاً: gant گان أو grand گران. ومثل ذلك في الإيطالية تماماً: Gianni جانّي، أو Gio دجو، أما Gabrielli أو Gondolfi فتلفظان گ.
 
في العربية عندما يتم نقل الكلمات الأوروبيّة التي تضم حرف G بغير حرف علة تقع المصائب: في مصر هكذا يلفظ الجيم بشكل دائم (ما عدا في الصعيد أو لفظ الأسماء الغربية)، فتقول: گمال وگمل وگريدة (وهذه لهجة القبط الساميّة على طريقة اللغات السامية الغربية كالعبرية والسريانية التي ليس فيها جيم عربية مُشبعة). فإن أحبوا كتابة الاسم الأوروبي جورج كتبوا: چورچ، وهذا عين البلاء والغلط، لأن حرف چ حرف شائع في اللغتين الفارسية والتركية القديمة، ولذا له وجود وما زال يستعمل في العراق بلفظه الأصلي: ch بالإنكليزية (مثال church) كقولك في العراق: پارچه، أو في التركية القديمة: چارچى (سوق)، چوق (كثير) ويعبّر عنه في التركية بحرف ç (مثال: çevi).
 
في العراق، يستعمل للتعبير عن G الحرف الفارسي گ، وأيضاً هذا أمر غير دقيق، فالجيم في اللغات السامية (ومنها العربية) لا علاقة له بالكاف أبداً، إلا أنه في اليونانية Γ (جامّا) يلفظ دوماً كالجيم المصرية، فمثلاً اسم جورج اليوناني الأصل ينطق: گاورگيوس أو گيورگيوس.
بعض الكتاب الآخرين لدينا يجعلون حرف G اللاتيني غيناً، فيقولون: دهانات سيغما، ومنهم من يسم الغين بثلاث نقط: سيڠما.

16 - يوليو - 2008
عربيزي
فما الصحيح إذن؟    كن أول من يقيّم

فليت شعري ما الصحيح؟
Sigma = سيجما ، أم سيچما ، أم سيغما ، أم سيڠما ، أم سيكما ، أم سيگما ، أم سيقما؟؟؟؟؟
نعم ترد أحياناً بكاف مجرّدة، كقولنا في لبنان والشام: اللغة الإنكليزية (في مصر والخليج: الإنجليزية).
هذا كله ناهيك عن استبدال G في الخليج مراراً بالقاف (حسب النطق المحلي هناك) فتقرأ: سيارة لقزس، منتجات كيلوقز، محلات قوديز.
والمصيبة أنه ليس هناك حتى في البلد الواحد طريقة واحدة للكتابة. ففي مصر التي تعتمد الجيم نرى كلمات لا يمكن كتابتها إلا بالغين (مثال: أغسطس، البرتغال، بلغاريا)، ولا يمكن أن نراها: أجسطس، البرتجال، بلجاريا.
فهل نعد G اللاتينية مقابلاً للجيم العربية والسامية، أم جامّا اليونانيّة؟ أم القاف العربية؟
وكيف نكتبها: بمشتقات الجيم، أم بمشتقات الكاف؟
وفي هذه الحالة، كيف نعالج العبارات التي نقلها لنا إخوتنا المغاربة عن الأندلس بالغين: مثل آراغون Aragon وبرتغال Portugal وغرناطة Granada؟؟
الذي تبيّن لي أن الأسماء القادمة من اللغات اللاتينية ينبغي كتابتها بغين بدلاً من جيم، وهذه لهجة قشتالية إسپانية (يقولون: آراگون أو آراغون، كما سمعت بأذني في قرطبة).
 
رأيي الشخصي:
هذه دوامة بحاجة إلى حل، مراراً ما سمعت إخوتنا في السعودية يقولون: كتالوج Cataloj وهذا غلط شنيع جداً، مردّه الفوضى التي ذكرتها في عدم وجود قاعدة مطلقة.
فطالما أنه لا مجال للاكتفاء بالجيم وحدها أو الغين وحدها أو الكاف الموسومة بخط (الفارسية) وحدها، فأرى أن الواجب ابتداع حرف جديد لأطقم الكتابة في الكمبيوتر: جيم موسومة بإشارة خاصة، ولتكن مثلاً بإضافة حرف جامّا اليوناني فوقها: γ أو تحتها، ولو بشكل رمزي مبسط، لكي يتم التمييز بينها وبين الجيم المشبعة، أما الكلمات التي اعتادتها العين مثل (بلغاريا، أغسطس، البرتغال) فتبقى على حالها.
أم هل نخترع جيماً جديدة بنقطتين؟
 
المسألة بحاجة إلى حلّ..
أين أنت يا مجامعنا اللغوية؟ النجدة يا أهل النجدة.
 
دعوني أختم بنكتة:
كان أحد أبناء دمشق على أهبة السفر في أيام الوحدة إلى مصر، فقال لزوجته: والله يا مرا مالي عرفان شوبدّي ساوي، كيف بدّي اتفاهم مع هدوله المصاروة؟؟
قالت المرأة: لك بسيطة يا رجال، بس اقلب حرف الجيم لگيم بتطلع خالص!
قولتك؟ والله معقوله، إيه هي سهلة لكان!
سافر الرجل، وفي بعض الأيام اشترى من السوق دجاجة (في الشام جاجه، وفي مصر فرخة).. لكنه لزمه قدر (بكسر القاف) لطبخ الدجاجة، فقال: والله مالي غير جارتنا المصرية، بستعير منها.
دق الباب: مين عالباب؟ مين بيخبط؟
أنا يا گارتنا، گاركم الشامي.
أهلاً وسهلاً يا خويا، اتفضل عايز إيه؟
قال لها: لو سمحتِ يا گارتنا، عايزين نستلف منكم الطنگرة!
(في دمشق يسمى قدر الطبخ طنجرة – بجيم عربية – نقلاً عن التركية tencere)..
لكن الجارة لم تفهم، ففي مصر يسمّونها: حلّة، بفتح الحاء
 
قالت المرأة: طنگرة؟ إيه دي كمان طنگرة؟
فأردف الرجل موضحاً وهو يرسم بيديه شكل دائرة: طنگرة، طنگرة.. عشان نطبخ الگاگة!! .
!!

16 - يوليو - 2008
عربيزي
لا بد من تعلّم اللغات الأجنبية    كن أول من يقيّم

الأخت الكريمة خولة:
لا ريب أن معرفة بعض اللغات الأوروبية (أو إحداها على الأقل) بات من أبجديات المعرفة العصرية، طبعاً بالإضافة إلى إجادة استعمال الكمبيوتر والتعامل مع شبكة الإنترنت. هذا فيما يخص الإنسان العادي، فما بالك بالدارس أو الباحث؟ لا شك أن معرفة اللغات تعطي أبعاداً كبيرة للغاية واتساعاً مضاعفاً في أدوات البحث. أذكر مثلاً عندما تصديت للبحث في إنجيل بارنبا الذي هو موضع خلاف ديني كبير بين الأديان، أنني اضطررت للتعامل مع 13 لغة، سواء في ترجمتي للنص عن الإيطالية والإسبانية القديمتين، أو في مقارنة النص بعلم (النقد النصّي) على المواد القديمة المتصلة بهذا الإنجيل في اليونانية والعبرية والآرامية والسريانية واللاتينية. أما بقية المراجع فبالطبع لم يمكن المتابعة بغير متابعة المراجع المكتوبة بالإنكليزية والألمانية والفرنسية والتركية، ومقارنة بعض المقاطع وأسماء المواقع على الكنعانية الفينيقية. هذه طبعاً دوامة، ولكننا عندما نستطلع ما يقوم به باحثو الغرب في مؤتمراتهم نجد وبكل وضوح أن هذه الحلبة بتنا فيها نحن العرب - شئنا أم أبينا - متخلفين وراء الركب.
الحل يكمن في أن يصرّ الإنسان منا على تعلّم ما أمكنه من اللغات، وأن يحرص كل الحرص على تعليم أولاده بعضاً منها. كم من الوقت والجهد والمال نبذله في مواضيع غير ذات جدوى، فلماذا لا نصرف بعض ذلك في تعليم الجيل الطالع ما أمكننا من لغات؟
نحن أمة مع الأسف فاقدة للتركيز على ما يهم وما يفيد.. كم يؤلمني عندما أقرأ إحصائيات معدّل القراءة لدى الفرد العربي، ومقدار ما ينفقه عالمنا العربي على شراء الكتب، مع ما ننفقه على الدخان أو الإعلانات أو مستحضرات التجميل!!! علينا أن نستيقظ، لأن ركب الحضارة لن ينتظرنا. رحلة صغيرة إلى أوروبا تجعلنا نشعر بمدى الفارق. ولكن لا بد لنا أن نعتز بأن أخلاقنا ما زال فيها بقية جيدة من الطيب والأصالة.. أرجو ألا نفقدها هي الأخرى. في جولاتي في أرياف بلاد الشام (لبنان وسورية والأردن) وفي بعض بلدان الخليج (السعودية والإمارات) لمست حقاً مدى روعة الأصالة العربية في طيبها وعفويتها وكرمها ونجدتها وإنسانيتها. في أوروبا عندما يصادف موعد الإفطار في رمضان لن تجدي أحداً يقدم كأس ماء. يا ليتنا نحتفظ دوماً بالغالي والثمين من قيمنا، ونرفده على الجانب العلمي والثقافي.
بارك الله بك يا خولة.

18 - يوليو - 2008
عربيزي
الشيء بالشيء يُذكر    كن أول من يقيّم

أخي زين الدين رعاه الله وطيّب أوقاته بالرضا والعافية:
أولاً أحب أن أذكّرك أن لي قرابة سبقت مع إخوتنا الأمازيغ في شمال أفريقيا، ولعلك تذكر ذلك.
إنما هنا ذكرتني بموقف لا أنساه ما حييت:
في معرض للطباعة Drupa بمدينة دوسلدورف بألمانيا جمعتني الأقدار برجل تونسي فاضل، كان في الخمسينات من عمره، وكان كما فهمت معاون وزير في تونس. لمّا التقينا كان الحديث يجري مع بعض الأصدقاء السويسريين باللغة الفرنسية، إذ كانوا من لوزان. قال لي الرجل بالفرنسية: إني ذاهب إلى موقف السيارات لأجلب بعض الأوراق، فهل لك أن ترافقني لأحكي لك أمراً فيه تعقيب على الموضوع؟ حباً وكرامة، ولم لا؟ المهم.. لم أكن أتوقع أن نتابع الحديث بالفرنسية، طالما لم يعد ثمة حاجة لذلك.. حسن، راح الرجل يتحدث بالعربية (إنما باللهجة التونسية)، وكان محتدماً بعض الشيء ويسرع في حديثه.. مضت دقيقة، دقيقتان.. والله العظيم لم أفهم كلمة واحدة مما يقول!! بذلت غاية الجهد، ولكن عبثاً.. فهمت فقط ما يلي: في، لكن، و، بالإضافة إلى كلمة: غدوة (عندنا نقول: بكرة). خجلت أن أطلب إليه الحديث بالفصحى أو بالفرنسية، لكن المعضلة كانت: بماذا أجيبه؟ ليست لدي أية فكرة عما يقول.. فرحت أكتفي بالقول: mais c'est vrai? أو: Ah, c'est triste أو: c'est incroyable، أو عبارات مشابهة. لكنني حقاً تألمت: كيف نستطيع أن نتفاهم مع الإنكليز أو الفرنسيين والألمان والطليان، ثم نعجز عن التفاهم فيما بيننا بسبب اللهجات؟
 
لكن القصة الأغرب كانت في مؤتمر جرى بإستانبول حول فترة التنظيمات الخيرية.. كانت هناك باحثة أميركية تتحدث أمام الجميع وهي تستعمل التعبير الأميركي المألوف للاستطراد: am, am, am .. هنا بدأت الابتسامات على أوجه الحضور الأتراك، فالكلمة في التركية بذيئة جداً جداً.. لم تلاحظ السيدة وتابعت، حتى اضطررتُ لكتابة وريقة دفعتها لها، فراحت تقرأها وسط القهقهات التي بدأت تتعالى.. خاصة أن الأميركيين عندما يتحدثون فهم يفخمون مخارج الأحرف تماماً. لكنها لم تدر مدى غلطها الشنيع لمّا حاولت أن تعبّر عن امتعاضها ممّا جرى بأن قالت ضاحكة في محاولة لتدارك الموقف: Wow.. I’m sick  فثارت عندها عاصفة عارمة من الضحك المتواصل أمام دهشة السيدة المسكينة.. سألتني: وما الذي جرى الآن؟ قلت لها: بكل بساطة حاولتِ التملّص فأوغلتِ في المشكلة، فالعبارة الأخرى التي قلتيها تعني في التركية كلمة أشدّ وقعاً وبذاءة من الأولى، فانطبق عليك المثل العربي: الذي جاء شرّ من الذي ذهب!
 
ممّا أحب إضافته أن ثمة مشكلة كبرى لدينا في العربية بالتعبير عن الحرفين الصوتيين: e و o ، وغالباً ما يتم لفظ الأسماء الأجنبية بطريقة بعيدة جداً عن حقيقتها.. لكن هذه على نقيض معضلة حرف G لا يمكن تداركها إلا بكتابة الاسم باللاتينية كاملاً.. كان القائمون على المطبعة الكاثوليكية في لبنان حاولوا في معاجمهم قديماً رسم بعض الحروف الصوتية الفرنسية (خاصة é أو u أو eu أو ou) فوق حروف العلّة العربيّة في محاولة لضبط نطق الكلمات الأجنبية، لكن هذه المحاولة فشلت ولم تلق نجاحاً أو تقبلاً على الإطلاق.
وكما ذكرت مسبقاً، الأتراك استفادوا من الأبجدية اللاتينية (برسمها الألماني تحديداً) في ضبط الأسماء والكلمات لديهم بصورة أدق بكثير من الحرف العربي، هذا رغم أن اللغة التركية لا تمت بصلة إلى اللاتينية بل هي دخيلة عنها قلباً وقالباً. الأمر ذاته يذكرني باللغات السلافية، بعضها اتبع الأبجدية التي وضعها الراهبان كيريل وميتودي (الروسية والبلغارية والصربية)، وهي تعتمد إجمالا الأبجدية اليونانية (ما خلا الحروف الخاصة: يا Я ، يو Ю ، الجيم المرققة Ж ، الشين Ш ، تش Ч ، تس Ц .  ومن اللغات السلافية ما اتبع اللاتينية: البولونية والتشيكية والكرواتية. لكن هل هناك قاعدة مطلقة؟ أبداً.. فقط نجح علماؤهم في ضبط لفظ لغاتهم بهذه الحروف، ولكن مع ذلك تجد في الروسية أغلاطاً في اللفظ الأجنبي بشكل يدعو إلى الاندهاش.. أعجب حرف لديهم هو حرف الواو O السهل فرغم أن بوسعه نطقه بكل وضوح ومبالغة: آلووو، شتووو، خراشووو.. فهم في كثير من الكلمات ينطقونه (دونما داعٍ) ألفاً صريحة: فكلمة Loto اللاتينية ينطقونها: لاتو. واسم الرئيس الفرنسي يقولون فيه: فرانسوسكي بريزيدنت نيكالا ساركازي. لماذا؟ العلم عند الله وحده.
 
على ذلك: الحل الوحيد يبقى في كتابة الاسم الأجنبي بالعربية وباللاتينية معاً.
ولك أطيب سلام وتحية أخي الكريم.

18 - يوليو - 2008
عربيزي
فضيحة القراءة في العالم العربي    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

أتاني من بعض الأصدقاء هذه الرسالة الإلكترونية
أقدّمها على فداحة ما بها من معلومات.. ولا أدري مدى صحتها ولا أتبنى ما جاء فيها:
 
تكشف أحدث الاحصاءات... أن الأوربي يقرأ بمعدل 35 كتاباً في السنة، والإسرائيلي 40 كتاباً في السنة، أما العربي فإنّ 80 شخصاً يقرؤون كتاباً [واحداً] في السنة».

بعبارة أخرى، وحسب لغة الأرقام:

ـ 80 عربياً يقرؤون كتاباً واحداً
ـ أوربي واحد يقرأ 35 كتاباً
ـ إسرائيلي واحد يقرأ 40 كتاباً

إذاً، لكي يتم قراءة 35 كتاباً باللغة العربية، فإننا نحتاج (2800 عربي) وهو رقم 80 عربي × 35 كتاباً.
ولكي يتم قراءة 40 كتاباً، فإننا نحتاج إلى (3200 عربي) وهو رقم 80 عربي × 40 كتاباً

الحصيلة:

ـ ثقافة أوروبي واحد = ثقافة 2800 عربي
ـ ثقافة إسرائيلي واحد = ثقافة 3200 عربي

على أي حال، لو كانت هذه الإحصائية صحيحة، لكنا بخير، لا بل بألف خير، لأن الأرقام التي تصدر عن دور النشر تشير إلى واقع أسوأ من ذلك بكثير. وحسب إحصائية اليونسكو فإن الدول العربية أنتجت 6.500 كتاب عام 1991، بالمقارنة مع 102.000 كتاب في أمريكا الشمالية، و42.000 كتاب في أمريكا اللاتينية والكاريبي (تقرير التنمية البشرية لعام 2003، النسخة الإنجليزية، ص 77).

وإذا كانت بيانات اتجاهات القراءة غير متوفرة في العالم العربي لغياب الإحصائيات الدقيقة، فإن الكتب الأكثر مبيعاً حسب معرض القاهرة الدولي للكتاب هي الكتب الدينية، تليها الكتب المصنفة بأنها تعليمية. ومن خلال متابعتنا لأخبار معارض الكتاب في الدول العربية، فإن ترتيب الكتب الأكثر مبيعاً هي التالي: الكتب الدينية، كتب الطبخ، كتب الأبراج.

الترجمة:

        وعندما نعود إلى التقرير التنمية المذكور، فإن المعطيات التي يوردها حول الترجمة إلى اللغة العربية تبين بأن الدول العربية ككل هي أدنى القائمة، إذْ قال التقرير إن اليابان تترجم حوالي 30 مليون صفحة سنوياً. في حين أن ما يُترجم سنوياً في العالم العربي، هو حوالي خُمس ما يترجم في اليونان. والحصيلة الكلية لما ترجم إلى العربية منذ عصر المأمون إلى العصر الحال ي 10.000 كتاب؛ وهي تساوي ما تترجمه أسبانيا في سنة واحدة.

       وتبين مقارنة أعداد الكتب المترجمة إلى اللغة العربية مع لغات أخرى سِعةَ الهوة بين العالم والعربي بمجمله وبين أية دولة في العالم، ففي النصف الأول من ثمانينات القرن العشرين، كان متوسط الكتب المترجمة لكل مليون، على مدى خمس سنوات هو 4.4 كتاب (أقل من كتاب لكل مليون عربي في السنة) بينما في هنغاريا كان الرقم 519، وفي أسبانيا 920.

      إضافة لذلك، فحتى المقارنة العددية بين العناوين لا توضح بشكل كافٍ مدى بؤس الثقافة في العالم العربي، فعدد النسخ المطبوعة للعنوان هي ألف نسخة، وفي حالات خاصة، وعندما يكون المؤلف ذائع الصيت، فقد يبلغ عدد النسخ رقم 5.000؛ وبالتالي، فإن المقارنة لا تكون صحيحة على أساس عدد العناوين التي تصدر بالعربية، طالما طبعة الكتاب في الغرب تتجاوز الخمسين ألف نسخة. ولهذا فنسبة كتاب واحد لكل ثمانين عربياً رقم يتجاوز الواقع، ونجد أنفسنا مرغمين على قبول ما جاء في المعطى التالي:

«إن كل 300 ألف عربي يقرءون كتاباً واحداً، ونصي ب كل مليون عربي هو 30 كتاباً».

هذا الرقم الأدق يترجم إلى المعادلة التالية:

ثقافة غربي واحد أو إسرائيلي واحد = ثقافة مليون عربي.

 ظلام الجهل الذي يعم العالم العربي لا يشمل ميدان عالم الكتاب فحسب (تأليفاً وترجمةً وقراءةً)، بل يشمل حتى القدرة على القراءة والكتابة، ففي الوقت الذي صار فيه تعلم اللغات الأجنبية واتقان التعامل مع الحواسيب معياراً جديــداً للتعليم، فإن عدد الأميين في العالــم العربي، وحسب ما صدر عن اليونسكو يبلغ (60) مليون من أصل
(300) مليون. وقد لاحظ هذا الإعلان عن الأمية في العالم العربي أن التعليم الأساسي يحتاج إلى ست مليارات سنوياً، وهذا رقم صغير بالمقارنة مع 1.100 مليار تذهب إلى الإنفاق العسكري، و300 مليار إلى الإعلانات، و500 مليار ينفقها العرب على التبغ كل عامٍ.

هذه الأرقام، تُظهِرُ وضعاً مؤلماً تعاني منه الشعوب العربية، لا نفيه حقّه حتى إن وصفناه بالتخلّف الحضاري، والسؤال الذي ينتظر الإجابة:

هذه الشعوب التي لا تقرأ ـ وحتى لا تعرف القراءة ـ، هل تستحق فعلاً أن تحلم بأن يكون لها دور في المستقبل، بينما لم تبلغ سن الطفولة الح ضارية بعد؟

هل تحتاج هذه الشعوب حقاً إلى مؤامرة لتكون متخلفةً؟ وأي تخلف أكثر من أن تعادلَ ثقافةُ مليون فردٍ في أمّةٍ ثقافةَ فردٍ واحدٍ في أمةٍ أخرى؟

بعد كل هذا، ألا يجدرُ بأولئك الذين لا يفتأون يتحدثون عن الأخطار والمؤامرات التي تهدد كيان «الأمة»، أن يتساءلوا: مَنْ يُشَكِّلُ خطراً على مَنْ؟
 
والسؤال مفتوح للجميع .... بل للأمة ككل.

18 - يوليو - 2008
عربيزي
 19  20  21  22  23