البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات د يحيى مصري

 198  199  200  201  202 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
التطليق بسبب العقم ( من فتاوى الأستاذ الدكتور صلاح الصاوي).    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم

التطليق بسبب العقم

متزوجة منذ سبع سنوات ولم أنجب وكان زوجي يعرضني على أطباء على أساس أن العيب عندي ويقدم في كل مره تحليل خاصة به تبين أنه سليم لا يوجد به عيب فكان كل طبيب يصف لي علاج معين من المنشطات وأشياء أخري – وأخيرا ذهبنا إلى طبيب فقال يجب عمل تلقيح صناعي وقبل إجراء عملية التلقيح وإذا الطبيب يقول لزوجي( وأنا في غرفة العمليات ولم أعلم بذلك إلا بعد العملية ) أن العينة التي أخذناها منك لا تفيد ومن أين أتيت بهذه التحاليل السليمة ؟
ولا أعلم بذلك إلا بعد مراجعة للطبيب حيث ذهبت بمفردي للطبيب واكتشفت الخدعة الكبيرة التي عشتها سبع سنوات وأنه هو سبب عدم الإنجاب ؟ ومن يوم تعاملنا مع هذا الطبيب وهو يعاملني معاملة سيئة ويختلق المشاكل ويقول أنه عمل تحاليل بعد تحاليل الدكتور الأخير مباشرة وأنها سليمة ..
أعرف أن الطلاق من حقي وأن غريزة الأمومة تراودني من حين لآخر
فما حقوقي الشرعية إذا طلبت الطلاق منه ؟

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد: فمع تقديرنا لغريزة الأمومة والحاجة الفطرية للمرأة في أن تلبي هذا النداء الفطري، ومع تعاطفنا مع موقفك إن صحت روايتك من أن الزوج ظل يخفى أمره ويخادع طوال هذه الفترة، فإننا نقول: إن العجز الجنسي هو الذي يسوغ طلب التفريق للعيب، وتحتفظ معه المراة بحقوقها المالية، أما إذا كان الزوج صالحا للمعاشرة الجنسية فليس الزوجة أن تطلب التفريق بسبب العقم وحده، لأن هذه مشيئة الله عز وجل، فقد قال تعالى{ يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكورـ أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما} ومادام تحقيق العفاف والإحصان موجودا فقد أدى الزوج مهمته، فإذا لم تطق الزوجة صبرا على ذلك فأمامها الخلع، فيمكنها أن تخالع زوجها وترد إليه ما بذله لها من مهر وتملك بعد ذلك أمرها فترتبط بعد العدة بمن تشاء، والله تعالى أعلى وأعلم.

11 - أبريل - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
اختيار الجنين    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم

11 - أبريل - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
لغويات ليست مني أنا يحيى....    ( من قبل 7 أعضاء )    قيّم

قَوْلُهُمْ: لله دَرُّكَ
قال الأصمعي وغيره: أصل ذلك أنه كان إذا حمد فعل الرجل وما يجىء منه، قيل: لله درك، أي: ما يجىء منك بمنزلة در الناقة والشاة، ثم كثر كلامهم؛ حتى جعلوه لكل ما يتعجب منه.
وأنشد ابن الأحمر:

بان الشباب وأفنى ضعفه العمر ** لله دري فأي العيش أنتظـر

وقال الفراء: وقد تتكلم العرب بها فيقال: در درك عند الشىء الممدوح، وأنشد:

در در الشباب والشعر الأسود *** والضامرات تحت الرجال

قَوْلُهُمْ: مَرْحَبًا وَأَهْلاً
قال الفراء: معناه رحب الله بك وأهلك على الدعاء له، فأخرجه مخرج المصدر فنصبه.
ومعنى رحب: وسع، وقال الأصمعي: أتيت رحبًا: أي: سعة وأهلاً كأهلك فاستأنس، ويقال: الرحب، ومن ذلك الرحبة سميت بذلك؛ لسعتها. وقال طفيل وبالسهب ميمون الخليقة قولـه لملتمس المعروف: أهل ومرحب، وذكر ابن الكلبي وغيره أن أول من قال مرحبًا وأهلاً سيف بن ذي يزن الحميري لعبدالمطلب بن هاشم، لما وفد إليه مع قريش ؛ ليهنئوه برجوع الملك إليه.

قَوْلُهُمْ: لبَّيْكَ وسَعْدَيْك
قال الفراء: معنى لبيك: إجابة لك، أي: جئتك ملبيا بطاعة وحب، قال: ومنه التلبية بالحج، إنما هو إجابة لأمرك بالحج، وثنى: يريد إجابة بعد إجابة، ونصبه على المصدر، وقال الأحمر: معناه الباب بك أي: إقامة ولزوم لك، وهو مأخوذ من قولك: لب بالمكان، وألب: إذا أقام به.
وقد حكى أبو عبيد عن الخليل أنه قال: أصله من البيت بالمكان، فإذا دعا الرجل صاحبه قال: لبيك، فكأنه قال: أنا مقيم عندك، ثم أكد ذلك بلبيك، أي: إقامة بعد إقامة
وسعديك: معناه أسعدك إسعادًا بعد إسعادٍ. قال الفراء ولم نسمع لشىءٍ من هذا بواحدٍ، وهو في الكلام بمعنى قولهم: حنانيك أي: حنانًا بعد حنانٍ ،والحنان: الرحمة.
وقولهم: فلان يتحنن على فلان، أي: يرحمه، وهو في تفسير قول الله جل وعلا: {وَحَنَانًا مِن لَدُنَّا} [مريم13]  أي: رحمة.

قَوْلُهُمْ: حَيَّاكَ الله وَبَيَّاكَ
من عبارات التحية والسلام عند عرب الجاهلية والاسلام، فأما حياك الله فإنه مشتق من التحية، والتحية تنصرف على ثلاثة معان؛
فالتحية: السلام ومنه قول الكميت:

ألا حييت عنـا يا مدينا *** وهل بأس بقول مسلمينا

فيكون معنى (حَيَّاكَ الله): سلم الله عليك..
والتحية أيضًا: الملك، ومنه قول عمرو بن معدي كرب:

أسير به إلى النعمان حتى *** أنيخ على تحيتـه بجندي

فيكون المعنى: ملكك الله.
والتحية: البقاء، ومنه قول زهير بن جناب الكلبي:

ولكن ما نال الفتى *** قد نلته إلا التحية

أي: إلا البقاء فيكون المعنى: أبقاك الله.
فأما (بَيَّاكَ) فإنه في ما زعم الأصمعي: أضحكك.
وقال الأحمر: أراد بوأك منزلاً، كما قالوا: جاء بالعشايا والغدايا للأزواج.
وقال ابن الأعرابي: بَيَّاكَ: قصدك بالتحية، وأنشد:

لما تبينا أخا تميمٍ *** أعطى عطـاء اللحز اللئيم

وقال أبو مال: قربك، وأنشد:

بيا لهم إذا نزلوا الطعاما *** الكبد والملحاء والسناما

أي: قرب لهم.

قَوْلُهُمْ: لا جَرَمَ
قال ابن سِيدَهْ: زعم الخليل أن (جَرَم) إنما تكون جوابًا لما قبلها من الكلام يقول الرجل: كان كذا وكذا وفعلوا كذا فتقول: لا جَرَم أنهم سيندمون، أو أنه سيكون كذا وكذا.
قال ابن الأثير: لاجرم كلمة ترد بمعنى تحقيق الشيء وقد اختلف في تقديرها فقيل: أصلها التبرئة بمعنى لابد وقد اسٌتعملت في معنى حقًا، وقيل: جرم بمعنى كسب وقيل: بمعنى وجب وحق، ولا ردٌّ لما قبلها من الكلام ثم يُبتدَأ بها كقوله تعالى: {لا جَرَم أنّ لهم النارَ} ؛أي ليس الأمر كما قالوا، ثم ابتدأ وقال: وجب لهم النار.

قَوْلُهُمْ: لَيْتَ شِعرِي
هذا تركيب عربى عريق، كانت العرب تستعمله – منذ العصر الجاهلي – عندما تتمنى العلم بشيء تود أن تعرفه. جاء فى الحديث: " ليت شعري ما صنع فلان"؛ أي ليتني شعرت أو ليت علمي حاضر أو محيط بما صنع،فحذف الخبر، وهو كثير في كلامهم.

قَوْلُهُمْ: سُقِطَ فِي يَدِهِ
من مسكوكات إظهار الندم في العربية قولهم " سُقط فى يده " قال تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [149الأعراف].
وفيالحديث: " فلما رأوا النبى صلى الله عليه وسلم قَدْ دَعَا عَلَيهِ أُسقِطَ فِي أيدِيهِم". وهذه المسكوكة تقال لكل من ندم وعجَز عن شيء ونحو ذلك. وقد سُقط في يده، وأسقط لغتان. قال ابن سيده: سُقط فى يد الرجل: زل وأخطأ، والسقطة: الخطأ والعثرة والزلة يتبعها ندم. ولم تعرف العرب هذا التعبير قبل الإسلام، ولم تجربه ألسنتهم. ونظم لم يسمع قبل القرآن.

قَوْلُهُمْ: هَلُمَّ جَرَّاً
أي
: تعالوا على هينتكم كما يسهل عليكم من غير شدة وصعوبة، وأصل ذلك من الجر في السوت (وهو أن تترك الإبل والغنم ترعى في مسيرها). وقال الراجز:

لطالما جررتكن جراً *** حتى نوى الأعجف واستمرا
           فاليوم لا آلو الوكاب شراً

قَوْلُهُمْ: حتف أنفه
يقال مات فلان حتف أنفه، ويقال أيضًا مات حتف فيه وهو قليل؛ لأن نفسه تخرج بتنفسه منه كما يتنفس من أنفه ويقال أيضًا حتف أنفيه، ومنه قول الشاعر:
إنما المرءُ رهن ميت سَويًّ   حتف أنفيه أو لفلق طحون.
ويحتمل أن يكون المراد منخريه ويحتمل أن يكون المراد أنفه وفمه فغلب الأنف للتجاوز ومنه الحديث (ومن مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله) ؛أي في سبيل الله.
قال أبو عبيد: هو أن يموت على فراشه من غير قتل ولا ضرب ولا غرق ولا حرق ولا سبع ولا غيره وفي رواية (فهو شهيد) قال عبد الله بن عتيك راوي الحديث: والله إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قط قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني (حتف أنفه) وفي حديث عبيد بن عمير أنه قال في السمك:
 (ما مات حتف أنفه فلا تأكله) يعني السمك الطافى.
قال القطرى:
فإن أمت حتف أنفي لا أمت كمدًا  على الطعان وقصر العاجز الكمد
قال أبو أحمد الحسن بن عبد الله العكبري: وإنما خص الأنف ؛لأنه أراد أن روحه تخرج من أنفه بتتابع نفسه لأن الميت على فراشه من غير قتل يتنفس حتى ينقض رمقه فخص الأنف بذلك لأن من جهته ينقض رمقه أو لأنهم كانوا يتخيلون أن المريض تخرج روحه من أنفه وروح الجريح من جراحته قاله ابن الأثير.

قَوْلُهُمْ: لله دَرُّكَ
قال الأصمعي وغيره: أصل ذلك أنه كان إذا حمد فعل الرجل وما يجيء منه، قيل: لله درك؛أي: ما يجيء منك بمنزلة در الناقة والشاة، ثم كثر كلامهم حتى جعلوه لكل ما يتعجب منه.
وأنشد ابن الأحمر:

بان الشباب وأفنى ضعفه العمر ** لله دري فأي العيش أنتظـر

وقال الفراء: وقد تتكلم العرب بها فيقال: در درك عند الشيء الممدوح، وأنشد:

در در الشباب والشعر الأسود *** والضامرات تحت الرجال

قَوْلُهُمْ: جَاءَ بِالقَضِّ وَالقَضِيْضِ
استعمل العرب هذه المسكوكة اللغوية للدلالة على حدوث الفعل بشكل جماعي وشامل. وفي الحديث الشريف: " يؤتى بالدنيا؛ بقضها وقضيضها "؛ أي بكل ما فيها. والقض: الحصى الصغار، والقضيض: الحصى الكبار؛ أي أنهم جاؤوا بالصغير وبالكبير جميعًا.
قال الحُصين بن الحمام المرّي:

وجاء جحاش قضها بقضيضه *** وجمع عوال ما أدق وألأما

قَوْلُهُمْ: تربت يداه
وهو على الدعاء ؛أي لا أصاب خيرًا، وفي الدعاء تُربًا له وجندلًا وهو من الجواهر التي أجريت مُجرى المصادر المنصوبة على إضمار الفعل غير المستغنى إظهاره في الدعاء كأنه بدل من قولهم تربت يداه وجندلت، ومن العرب من يرفعه وفيه مع ذلك معنى النصب وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تنكح المرأة.
قال أبو عبيد: يقال للرجل إذا قلَّ ماله قد ترب؛ أي افتقر حتى لصق بالتراب، قال ويرون –والله أعلم- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعمد الدعاء عليه بالفقر ولكنها كلمة جارية على ألسنة العرب يقولونها وهم يريدون بها الدعاء على المخاطب ولا وقوع الأمر بها وقيل معناها: لله درك وقيل: هو دعاء على الحقيقة والأول أوجه – كما فى اللسان والنهاية - ويعضده في حديث خزيمة (أنعم صباحًا تربت يداك) وفي حديث أنس: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابًا ولا فحاشًا كان يقول لأحدنا عند المعاتبة تربت جبينه) قيل أراد به دعاًء له بكثرة السجود.

قَوْلُهُمْ: حَنَانَيْكَ
مسكوكة لغوية تقال في الاستعطاف الرقيق، عرفها العرب في الجاهلية والإسلام، واستعملوها في شعرهم ونثرهم. قال طرَفة بن العبد الشاعر الجاهلي المعروف، يستعطف أحدهم:
أبا منذر، أفنيت، فاستبق بعضنا** حنانيك، بعض الشرأهون من بعض
أي تحنن علينا واعطف حناناً بعد حنان، ومرة تلو الأخرى . وذكر علماء اللغة أن " حنانيك " مصدر سماعى جاء بصيغة المثنى لفظًا لا معنى، ولكنه أريد به التكثير؛ مثل لبيك، وسعديك ،ودوالَيك.

قَوْلُهُمْ: طُوْبَى لَهُم
مسكوك دالة في معناها – على الاستحسان، وفيها معنى الدعاء للإنسان. قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [29 الرعد ].
وقال صلى الله عليه وسلم: : "طُوبَى لِعبدٍ أشْعَث رَأسه، مُغَبَّرة قَدَمَاهُ فِي سَبيلِ الله، طُوبَى لَهُ ثُمَّ طُوبَى لَهُ".
وفي الحديث أيضًا: "إنَّ الإسلامَ بَدَأ غَريباً، وَسَيَعُودُ غَريبًا كَمَا بَدَأ، فَطُوبَى للغُرَبَاء".
وطوبى لهم تعني: قرة عين لهم، نُعمى لهم،الغبطة والخير والحسنى لهم.. وقال الزجاج: طوبى على وزن فعلى من الطيب، وتأويلها عند ابن الأنبارى: الحال المستطابة، ونقل الآلوسى أن طوبى مصدر من الفعل طاب, مثل بشرى، وقيل: الفعل الطيب.
وأخيرًا أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفع بها كاتبها وقارئها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

12 - أبريل - 2010
العلماء من بين البشر أبعد عن السياسة ومذاهبها
الأستاذ الدكتور صلاح الصاوي ؛ حفظه الله ورعاه وسدد خطاه...    ( من قبل 7 أعضاء )    قيّم

تعرّفتُ إليه سنة أربع وتسعين وتِسع مئةٍ وألف بمعهد العلوم الإسلامية والعربية في ( فرجينيا) واشنطن ، وعمِلنا معاً ، وكان مدير المعهد آنذاك صديقي الحميم الأستاذ الدكتور صالح حسين العايد : الأمين العام  للمجلس الإسلامي الأعلى في السعودية حالياً...
أما أخونا العالم صلاح الصاوي ، فإنه حفظ كتاب الله وهو ابن سبع سنين ، ...فإذا تكلم اللغة العربية ذكّرك بالجاحظ وابن العميد ، وإذا أفتى وجدتَ أمامك ابن غزة العزة : الإمام الشافعي.... وإذا استمعتَ إلى تفسيرآي الذكر الحكيم رأيتَ نفسك في رياض المحققين؛ من مثل القرطبي والطبراني.... وفي زمرة السالكين كسيد قطب وابن عجيبة..... أما شعره فقلبه وعاطفته وعقله ، فهو عين ترى، وأذن تسمع ، وتجربة...... له أكثر من ثلاثين مؤلفاً منوعاً.... إذا ذُكرت الجامعة المفتوحة في ( فرجينيا) ذُكر العالم المتواضع صلاح الصاوي ، وإذا ذُكرتْ الجامعة الدّوْلية في أميركة اللاتينية ، جاءك الخبر اليقين : إنّ مؤسسها الأستاذ الدكتور صلاح الصاوي، وهو الآن يشغل منصب الأمين العام لمجلس الفقهاء في أميركة وكندا..... جزاك الله خيراً يا دكتور صلاح، وأكثر من أمثالك..... وفي ذلك فليتنافس المتنافسون في خدمة هذا الدين العظيم.....:

12 - أبريل - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
الغيب المطلق ، والغيب النسبي.    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

 غيب مطلق
" تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ" {المسد111/1}
" مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ {111/2}
" في هذه الآية سؤالان هما:
أولاً: لقد كان صلى الله عليه وسلم مع قومه في مكة ملاطفاً حليماً، فكيف جاء به عمه بهذا الدعاء: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ }؟ والجواب: أنه كان يلاطفهم ما دام يطمع في إسلامهم، فلما يئس من ذلك، كان هذا الدعاء في محله، كما وقع من إبراهيم عليه السلام، كان يلاطف أباه
يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ }[مريم: 44]،يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِيۤ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً }[مريم: 43]، فلما يئس منه تبرأ منه كما قال تعالى:فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ }[التوبة: 114].
والسؤال الثاني: وهو مجيء قوله تعالى: { وَتَبَّ } ، بعد قوله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } ، مع أنها كافية سواء كانت إنشاء للدعاء عليه أو إخباراً بوقوع ذلك منه.
والجواب، والله تعالى أعلم، أن الأول لما كان محتملاً الخبر، وقد يمحو الله ما يشاء ويثبت، أو إنشاء وقد لا ينفذ كقوله:
قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ }[عبس: 17]، أو يحمل على الذم فقط، والتقبيح فجاء " وتب " لبيان أنه واقع به لا محالة، وأنه ممن حقت عليهم كلمات ربك لييأس صلى الله عليه وسلم، والمسلمون من إسلامه. وتنقطع الملاطفة معه، والله تعالى أعلم.
وقد وقع ما أخبر الله به، فهو إعجاز القرآن أن وقع ما أخبر به، كما أخبر ولم يتخلف.
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً }[الأنعام: 115]، وقوله:كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }[يونس: 33]. نسأل الله العافية، إنه سميع مجيب." ( الشنقيطي).
" سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ" {111/3}
" وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ" {111/4}
" أي سيدخلُ أبو لَهب ناراً لا يسكنُ لَهبُها ولا يطفأُ جَمرُها، قرأ أبو رجاء (سَيُصَلَّى) بالتشديد وضمِّ الياء" .( الطبراني).
" فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ" {111/5}
" أي مِمَّا مُسِّدَ أي فَتِلَ، ومنه رجل ممسود الخلق أي مجدوله، وهو ترشيح للمجاز أو تصوير لها بصورة الخطابة التي تحمل الحزمة وتربطها في جيدها تحقيراً لشأنها، أو بياناً لحالها في نار جهنم حيث يكون على ظهرها حزمة من حطب جهنم كالزقوم، والضريع وفي جيدها سلسلة من النار، والظرف في موضع الحال أو الخبر وحبل مرتفع به."
عن النبي صلى الله عليه وسلم
" من قرأ سورة تبت رجوت أن لا يجمع الله بينه وبين أبي لهب في دار واحدة ".( البيضاوي).
 
غيب نسبي
" وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ" {الانفطار82/10}
" كِرَامًا كَاتِبِينَ" {82/11}
" معناهُ: وإنَّ عليكم رُقباءَ يحفَظون أعمالَكم وأفعالكم وهم الملائكةُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:
{ كِرَاماً كَاتِبِينَ }؛ أي كِرَاماً على اللهِ كاتِبين يكتُبون أقوالَكم وأفعالَكم، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ أحَدٍ يَأْوي إلَى مَضْجَعِهِ إلاَّ شَكَتْ أعْضَاؤُهُ إلَى اللهِ تَعَالَى مِمَّا يَجْنِي عَلَيْهَا الإنْسَانُ " ، وإنما قالَ كِرَاماً على اللهِ ليكون أدعَى إلى احترامِهم وإلى الامتناعِ عن فعلِ ما يُؤذيهم." ( الطبراني).
" يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ" {82/12}
" في الظاهرِ دون الباطنِ، يعني يعلَمون ما تفعلون دون ما تعتقِدون، قال ابنُ مسعود: ((يَكْتُبُونَ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الأَنِينَ)) ونظيرهُ قولهُ:وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ }[القمر: 53].( الطبراني).
" وأكد الكلام بحرف { إنَّ } ولام الابتداء، لأنهم ينكرون ذلك إنكاراً قويّاً.
و { لحافظين } صفة لمحذوف تقديره: لملائكة حافظين، أي مُحْصين غير مضيعين لشيء من أعمالكم.
وجمع الملائكة باعتبار التوزيع على الناس: وإنما لكل أحد ملكان قال تعالى:

إذ يتلقى المتَلَقِّيانِ عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }[ق: 17، 18]، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن لكل أحد ملكين يحفظان أعماله " وهذا بصريح معناه يفيد أيضاً كفاية عن وقوع الجزاء إذ لولا الجزاء على الأعمال لكان الاعتناء بإحصائها عبثاً.
وأجري على الملائكة الموكّلين بإحصاء أعمالهم أربعةُ أوصاف هي: الحفظ، والكرم، والكتابة، والعلم بما يعلمه الناس.
وابتدىء منها بوصف الحفظ لأنه الغرض الذي سبق لأجله الكلام الذي هو إثبات الجزاء على جميع الأعمال، ثم ذكرت بعده صفات ثلاث بها كمال الحفظ والإِحصاء وفيها تنويهٌ بشأن الملائكة الحافظين. فأما الحفظ: فهو هنا بمعنى الرعاية والمراقبة، وهو بهذا المعنى يتعدى إلى المعمول بحرف الجر، وهو (على) لتضمنه معنى المراقبة. والحفيظ: الرقيب، قال تعالى:
اللَّه حفيظ عليهم }[الشورى: 6]. وهذا الاستعمال هو غير استعمال الحفظ المعدّى إلى المفعول بنفسه فإنه بمعنى الحراسة نحو قوله:يحفظونه من أمر اللَّه }[الرعد: 11]. فالحفظ بهذا الإِطلاق يجمع معنى الرعاية والقيام على ما يوكل إلى الحفيظ، والأمانة على ما يوكل إليه.
وحرف (على) فيه للاستعلاء لتضمنه معنى الرقابة والسلطة.
وأما وصف الكرم فهو النفاسة في النوع كما تقدم في قوله تعالى:
قالت يا أيها الملأ إني ألقيّ إلي كتاب كريم }في سورة النمل (29).
فالكرم صفتهم النفسية الجامعة للكمال في المعاملة وما يصدر عنهم من الأعمال، وأما صفة الكتابة فمراد بها ضبط ما وكّلوا على حفظه ضبطاً لا يتعرض للنسيان ولا للإِجحاف ولا للزيادة، فالكتابة مستعارة لهذا المعنى، على أن حقيقة الكتابة بمعنى الخط غير ممكنة بكيفية مناسبة لأمور الغيب.
وأما صفة العلم بما يفعله الناس فهو الإِحاطة بما يصدر عن الناس من أعمال وما يخطر ببالهم من تفكير مما يراد به عمل خير أو شر وهو الهَم.
و { ما تفعلون } يعم كل شيء يفعله الناس وطريق علم الملائكة بأعمال الناس مما فطر الله عليه الملائكة الموكّلين بذلك.
ودخل في { ما تفعلون }: الخواطر القلبية لأنها من عمل القلب؛ أي العقل فإن الإِنسان يُعمل عقله ويعزم ويتردد، وإن لم يشع في عرف اللغة إطلاق مادة الفعل على الأعمال القلبية.
واعلم أنه ينتزع من هذه الآية أن هذه الصفات الأربع هي عماد الصفات المشروطة في كل من يقوم بعمل للأمة في الإِسلام من الولاة وغيرهم فإنهم حافظون لمصالح ما استحفظوا عليه وأول الحفظ الأمانة وعدم التفريط. فلا بد فيهم من الكرم وهو زكاء الفطرة، أي طهارة النفس.
ومن الضبط فيما يجري على يديه بحيث لا تضيع المصالح العامة ولا الخاصة بأن يكون ما يصدره مكتوباً، أو كالمكتوب مضبوطاً لا يستطاع تغييره، ويمكن لكل من يقوم بذلك العمل بعد القائم به، أو في مغيبه أن يعرف ماذا أجري فيه من الأعمال، وهذا أصل عظيم في وضع الملفات للنوازل والتراتيب، ومنه نشأت دواوين القضاة، ودفاتر الشُّهود، والخِطاب على الرسومِ، وإخراج نسخ الأحْكام والأحباس وعقود النكاح.
ومن إحاطة العلم بما يَتعلق بالأحوال التي تسند إلى المؤتمن عليها بحيث لا يستطيع أحد من المخالطين لوظيفه أن يموّه عليه شيئاً، أو أن يلبس عليه حقيقة بحيث ينتفي عنه الغلط والخطأ في تمييز الأمور بأقصى ما يمكن، ويختلف العلم المطلوب باختلاف الأعمال فيقدم في كل ولاية من هو أعلم بما تقتضيه ولايته من الأعمال وما تتوقف عليه من المواهب والدراية، فليس ما يشترط في القاضي يشترط في أمير الجيش مثلاً، وبمقدار التفاوت في الخصال التي تقتضيها إحدى الولايات يكون ترجيح من تسند إليه الولاية على غيره حرصاً على حفظ مصالح الأمة، فيقدم في كل ولاية من هو أقوى كفاءة لإِتقان أعمالها وأشدّ اضطلاعاً بممارستها.".
( ابن عاشور).

13 - أبريل - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
لآلىء من كتاب الله.....    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

 
"فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ" {40/55}
" قوله: { فاصْبرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقّ } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاصبر يا محمد لأمر ربك، وانفذ لما أرسلك به من الرسالة، وبلِّغ قومك ومن أُمرت بإبلاغه ما أنزل إليك، وأيقن بحقيقة وعد الله الذي وعدك من نصرتك، ونصرة من صدّقك وآمن بك، على من كذّبك، وأنكر ما جئته به من عند ربك، وإن وعد الله حقّ لا خلف له وهو منجز له
{ واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } يقول: وسله غفران ذنوبك وعفوه لك عنه { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } يقول: وصلّ بالشكر منك لربك { بِالْعَشِيِّ } وذلك من زوال الشمس إلى الليل { وَالإبْكَارِ } وذلك من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس. وقد وجه قوم الإبكار إلى أنه من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى، وخروج وقت الضحى، والمعروف عند العرب القول الأوّل.
واختلف أهل العربية في وجه عطف الإبكار والباء غير حسن دخولها فيه على العشيّ، والباء تحسن فيه، فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: وسبح بحمد ربك بالعشيّ وفي الإبكار. وقال: قد يقال: بالدار زيد، يراد: في الدار زيد، وقال غيره: إنما قيل ذلك كذلك، لأن معنى الكلام: صل بالحمد بهذين الوقتين وفي هذين الوقتين، فإدخال الباء في واحد فيهما" ( الطبري).
 
" فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا" {76/24}
" وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا" {76/25}
" وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً" {76/26}
" يقول تعالى ممتناً على رسوله صلى الله عليه وسلم بما أنزله عليه من القرآن العظيم تنزيلاً:
{ فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } أي: كما أكرمتك بما أنزلت عليك، فاصبر على قضائه وقدره، واعلم أنه سيدبرك بحسن تدبيره، { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً } أي: لا تطع الكافرين والمنافقين إن أرادوا صدك عما أنزل إليك، بل بلغ ما أنزل إليك من ربك، وتوكل على الله؛ فإن الله يعصمك من الناس، فالآثم هو الفاجر في أفعاله، والكفور هو الكافر قلبه { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي: أول النهار وآخره { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } كقوله تعالى:وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا }[الإسراء: 79]" ( ابن كثير).
 
" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا {الإنسان76/23}
" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" {الأنبياء21/107}"
"...قال ابن عباس: هذا عامّ للبَرِّ والفاجر، فمن آمن به تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن كفر به صُرفت عنه العقوبة إِلى الموت والقيامة. وقال ابن زيد: هو رحمة لمن آمن به خاصة." (زاد المسير/ابن الجوزي).
" ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه ما أر سل هذا النَّبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه إلى الخلائق إلا رحمة لهم. لأنه جاءهم بما يسعدهم وينالون به كل خير من خير الدنيا والآخرة إن اتبعوه. ومن خالف ولم يتبع فهو الذي ضيع على نفسه نصيبه من تلك الرحمة العظمى. وضرب بعض أهل العلم لهذا مثلاً قال: لو فجر الله عيناً للخلق غزيرة الماء، سهلة التناول. فسقى الناس زروعهم ومواشيهم بمائها. فتتابعت عليهم النعم بذلك، وبقي أناس مفرطون كسالى عن العمل. فضيعوا نصيبهم من تلك العين، فالعين المفجرة في نفسها رحمة من الله، ونعمة للفريقين. ولكن الكسلان محنة على نفسه حيث حرمها ما ينفعها. ويوضح ذلك قوله تعالى:
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ }
[إبراهيم: 28]. وقيل: كونه رحمة للكفار من حيث إن عقوبتهم أخرت بسببه، وأمنوا به عذاب الاستئصال. والأول أظهر.
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من أنه ما أرسله إلا رحمة للعالمين ـ يدل على أنه جاء بالرحمة للخلق فيما تضمنه هذا القرآن العظيم. وهذا المعنى جاء موضحاً في مواضع من كتاب الله، كقوله تعالى:
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }[العنكبوت: 51]، وقوله:وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ }[القصص: 86] الآية.
وقد قدمنا الآيات الدالة على ذلك في سورة " الكهف " في موضعين منها. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله قال: قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين. قال:
" إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة ".( الشنقيطي).
 هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" {الجمعة62/2}
" ... قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ } الأميون: هم العرب، كما قال تعالى:وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلأُمِّيِّينَ ءَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ }[آل عمران: 20] وتخصيص الأميين بالذكر لا ينفي من عداهم، ولكن المنة عليهم أبلغ وأكثر؛ كما قال تعالى في قوله:وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ }[الزخرف: 44] وهو ذكر لغيرهم يتذكرون به، وكذا قال تعالى:وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ }[الشعراء: 214] وهذا وأمثاله لا ينافي قوله تعالى:قُلْ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا }[الأعراف: 158] وقوله:لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ }[الأنعام: 19] وقوله تعالى إخباراً عن القرآن:وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ }[هود: 17] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عموم بعثته، صلوات الله وسلامه عليه، إلى جميع الخلق أحمرهم وأسودهم، وقد قدمنا تفسير ذلك في سورة الأنعام بالآيات والأحاديث الصحيحة، ولله الحمد والمنة. وهذه الآية هي مصداق إجابة الله لخليله إبراهيم، حين دعا لأهل مكة أن يبعث الله فيهم رسولاً منهم، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، فبعثه الله سبحانه وتعالى، وله الحمد والمنة، على حين فترة من الرسل، وطموس من السبل، وقد اشتدت الحاجة إليه، وقد مقت الله أهل الأرض عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، أي: نزراً يسيراً ممن تمسك بما بعث الله به عيسى ابن مريم عليه السلام، ولهذا قال تعالى: { هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَلٍ مُّبِينٍ } وذلك أن العرب كانوا قديماً متمسكين بدين إبراهيم الخليل عليه السلام، فبدلوه وغيروه وقلبوه وخالفوه واستبدلوا بالتوحيد شركاً، وباليقين شكاً، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله، وكذلك أهل الكتاب قد بدلوا كتبهم وحرفوها وغيروها وأولوها، فبعث الله محمداً صلوات الله وسلامه عليه بشرع عظيم، كامل شامل لجميع الخلق، فيه هدايتهم، والبيان لجميع ما يحتاجون إليه من أمر معاشهم ومعادهم، والدعوة لهم إلى ما يقربهم إلى الجنة ورضا الله عنهم، والنهي عما يقربهم إلى النار وسخط الله تعالى، حاكم فاصل لجميع الشبهات والشكوك والريب في الأصول والفروع، وجمع له تعالى، وله الحمد والمنة، جميع المحاسن ممن كان قبله، وأعطاه ما لم يعط أحداً من الأولين، ولا يعطيه أحداً من الآخرين، فصلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين" ( ابن كثير).
الحديث : " آتي باب الجنة يوم القيامة ، فأستفتح ، فيقول الخازن : مَن أنت ؟ فأقول : محمد ، فيقول : بك أمرتُ أن لا أفتح لأحد قبلك " ( أخرجه مسلم في صحيحه1/130 ، وأحمد 3/136).
" قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ" {21/108}
" أي قُل لَهم يا مُحَمَّدُ: إنَّما يُوحَى إلَيَّ في القُرْآنِ؛ { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } وهو اللهُ لا شريكَ له؛
 { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } يا أهلَ مكَّة مُسلمونَ مُخلصون لهُ بالعبادة والتوحيدِ."
( الطبراني).

13 - أبريل - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
..." قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى..." [ تفسير بين الأخذ والرد].    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

" ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ" {42/23}
" الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا هاشم بن القاسم بن يزيد الطبراني وجعفر القلانسي قالا: حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا شريك عن خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تودوني في نفسي؛ لقرابتي منكم، وتحفظوا القرابة التي بيني وبينكم " وروى الإمام أحمد عن حسن بن موسى، حدثنا قزعة، يعني ابن سويد، وابن أبي حاتم عن أبيه عن مسلم بن إبراهيم عن قزعة ابن سويد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا أسألكم على ما آتيتكم من البينات والهدى أجراً، إلا أن توادوا الله تعالى، وأن تقربوا إليه بطاعته " وهكذا روى قتادة عن الحسن البصري مثله، وهذا كأنه تفسير بقول ثان كأنه يقول: إلا المودة في القربى، أي: إلا أن تعملوا بالطاعة التي تقربكم عند الله زلفى. وقول ثالث، وهو ما حكاه البخاري وغيره رواية عن سعيد بن جبير ما معناه: أنه قال: معنى ذلك: أن تودوني في قرابتي، أي: تحسنوا إليهم وتبروهم..... وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا رجل سماه، حدثنا حسين الأشقر عن قيس عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما نزلت هذه الآية: { قُل لاَّ أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ } قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم؟ قال: " فاطمة وولدها رضي الله عنهما " وهذا إسناد ضعيف، فيه مبهم لا يعرف، عن شيخ شيعي مخترق، وهو حسين الأشقر، ولا يقبل خبره في هذا المحل، وذكر نزول الآية في المدينة بعيد؛ فإنها مكية، ولم يكن إذ ذاك لفاطمة رضي الله عنها أولاد بالكلية؛ فإنها لم تتزوج بعلي رضي الله عنه إلا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة.( ابن كثير).
 
حرث الآخرة أم حرث الدنيا:
" مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ" {42/20}
" يقول تعالى مخبراً عن لطفه بخلقه؛ في رزقه إياهم عن آخرهم، لا ينسى أحداً منهم، سواء في رزقه البر والفاجر؛ كقوله عز وجل:
وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ }[هود: 6] ولها نظائر كثيرة، وقوله جل وعلا: { يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ } أي: يوسع على من يشاء، { وَهُوَ ٱلْقَوِىُّ ٱلْعَزِيزُ } أي: لا يعجزه شيء، ثم قال عز وجل: { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلأَخِرَةِ } أي: عمل الآخرة، { نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ } أي نقويه ونعينه على ما هو بصدده، ونكثر نماءه، ونجزيه بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف إلى ما يشاء الله، { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِى ٱلأَخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } أي: ومن كان إنما سعيه ليحصل له شيء من الدنيا، وليس له إلى الآخرة هم ألبتة بالكلية، حرمه الله الآخرة والدنيا، إن شاء أعطاه منها، وإن لم يشأ لم يحصل لا هذه ولا هذه، وفاز الساعي بهذه النية بالصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة، والدليل على هذا أن هذه الآية ههنا مقيدة بالآية التي في سبحان، وهي قوله تبارك وتعالى:
مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَـٰجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَـٰهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ ٱلأَخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلأَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَـٰتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً }[الإسراء: 18/ 21].
وقال الثوري: عن مغيرة عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة من نصيب " ( تفسير ابن كثير).
 
الكَفّار العنيد:
" أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ" {ق50/24}
" { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ } خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد بناء على أنهما اثنان لا واحد جامع للوصفين أو للملكين من خزنة النار أو لواحد على أن الألف بدل من نون التوكيد على إجراء الوصل مجرى الوقف، وأيد بقراءة الحسن { ألقين } بنون التوكيد الخفيفة، وقيل: إن العرب كثيراً ما يرافق الرجل منهم اثنين فكثر على ألسنتهم أن يقولوا خليلي وصاحبـي وقفا واسعدا حتى خاطبوا الواحد خطاب الإثنين، وما في الآية محمول على ذلك كما حكي عن الفراء أو على تنزيل تثنية الفاعل منزلة تثنية الفعل بأن يكون أصله ألق ألق ثم حذف الفعل الثاني وأبقي ضميره مع الفعل الأول فثني الضمير للدلالة على ما ذكر كما في قوله:
فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر
   
وإن تدعاني أحم عرضاً ممنعا
وحكي ذلك عن المازني والمبرد ولا يخفى بعده. ولينظر هل هو حقيقة أو مجاز؟ والأظهر أنه خطاب لإثنين وهو المروي عن مجاهد وجماعة، وأياً ما كان فالكلام على تقدير القول كما مر. والإلقاء طرح الشيء حيث تلقاه أي تراه ثم صار في التعارف اسماً لكل طرح أي اطرحا في جهنم كل مبالغ في الكفر للمنعم والنعمة { عَنِيدٍ } مبالغ في العناد وترك الانقياد للحق، وقريب منه قول الحسن: جاحد متمرد، وقال قتادة: أي منحرف عن الطاعة يقال: عند عن الطريق عدل عنه، وقال السدي: المساق من العند وهو عظم يعرض في الحلق، وقال ابن بحر: المعجب بما عنده." ( الآلوسي).
" مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ" {50/25}
" منَّاعٍ للزكاة المفروضة. ويقال: يمنع فَضْلَ مائِه وفَضْلَ كَلَئِه عن المسلمين.
 ويقال: يمنع الناسَ من الخيرِ والإحسان،ويسيءُ القول فيهما حتى يُزَهّدُ الناسَ فيهما.
ويقال: المناعُ للخير هو المِعْوانُ على الشَّرِّ. ويقال: هو الذي قيل فيه:
وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ }[الماعون: 7].{ مُرِيبٍ }: أي يُشَكِّكُ الناسَ في أمره لأنه غير مخلص، ويُلَبِّسُ على الناس حالَه لأنه منافق" . (لطائف الإشارات/ القشيري).
" الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ" {50/26}
" أي شَريكاً، { فَأَلْقِيَاهُ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ }؛ أي اطرحاهُ في النار" ( الطبراني).
" مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ" {50/29}
" أي لا خَلَفَ لوَعدِي ووعيدي، وقد قَضيتُ ما أنَا قاضٍ عليكم من العذاب، لا تبديلَ له. وَقِيْلَ: معناهُ: لا يُكذبُ عندي ولا يغيَّرُ القولُ من جُملتهِ؛ لأنِّي أعلمُ الغيبَ وأعلمُ كيف ضَلُّوا وكيف أضْلَلتُموهم، ولا يقدرُ أحدٌ أن يُشقِي أحداً مِمَّن أسعَدتُّهُ، ولا يُسعِدُ أحدٌ ممن أشقَيتهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ }؛ أي لا أعاقِبُ أحداً من غيرِ جُرمٍ، ولا أخذُل أحداً من غيرِ ذنبٍ، ومَن عَمِلَ سيِّئةً فلا يُجزَى إلاَّ مِثلَها" ( الطبراني).

13 - أبريل - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
شذور من ذهب.    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

القرآن الكريم:
 
" بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ" {البروج85/21}
" فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ "{85/22}
" أي متناهٍ في الشرف والكرم والبركة، وهو بيان ما بالناس الحاجة إليه من أحكام الدين والدنيا، لا كما زعم المشركون. وقيل «مجيد»: أي غير مخلوق. { فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } أي مكتوب في لوح. وهو محفوظ عند الله تعالى من وصول الشياطين إليه. وقيل: هو أمّ الكتاب؛ ومنه انتُسخ القرآن والكتب. وروى الضحاك عن ابن عباس قال: اللوح من ياقوته حمراء، أعلاه معقود بالعرش وأسفله في حجر مَلَك يقال له ما طِرْيون، كتابه نور، وقلمه نور، ينظر الله عزّ وجلّ فيه كل يوم ثلثمائة وستين نظرة؛ ليس منها نظرة إلا وهو يفعل ما يشاء؛ يرفع وضيعا، ويضع رفيعاً، ويغنى فقيراً، ويفقر غنياً؛ يحيى ويميت، ويفعل ما يشاء؛ لا إله إلا هو. وقال أنس بن مالك ومجاهد: إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله تعالى في جبهة إسرافيل. وقال مقاتل: اللوح المحفوظ عن يمين العرش. وقيل: اللوح المحفوظ الذي فيه أصناف الخلق والخليقة، وبيان أمورهم، وذكر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم، والأقضية النافذة فيهم، ومآل عواقب أمورهم؛ وهو أم الكتاب. وقال ابن عباس: " أوّل شيء كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ «إني أنا الله لا إله إلا أنا، محمد رسولي، مِن استسلم لقضائي، وصبر على بلائي، وشكر نعمائي، كتبته صدِّيقاً وبعثته مع الصدّيقين، ومن لم يستسلم لقضائي ولم يصبِر على بلائي، ولم يشكر نعمائي، فليتخذ إلهاً سواي» " وكتب الحجاج إلى محمد ابن الحنفية رضي الله عنه يتوعده؛ فكتب إليه ابن الحنفية: «بلغني أن لله تعالى في كل يوم ثلثمائة وستين نظرة في اللوح المحفوظ، يُعِز ويذلّ، ويبتلي ويُفْرح، ويفعل ما يريد؛ فلعل نظرة منها تشغلك بنفسك، فتشتغل بها ولا تتفرغ». وقال بعض المفسرين: اللوح شيء يلوح للملائكة فيقرأونه. وقرأ ابن السَّمَيْقع وأبو حَيْوة «قرآن مجيد» على الإضافة؛ أي قرآن ربٍّ مجيد. وقرأ نافع «في لوحٍ محفوظ» بالرفع نعتاً للقرآن؛ أي بل هو قرآن مجيد محفوظ في لوح. الباقون (بالجر) نعتاً للوح. والقرّاء متفقون على فتح اللام من «لوح» إلا ما روي عن يحيى بن يعمَر؛ فإنه قرآن «لُوحٍ» بضم اللام؛ أي إنه يلوح، وهو ذو نور وعلو وشرف. قال الزمخشريّ: واللُّوح الهواء؛ يعني اللوح فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح. وفي الصحاح: لاح الشيء يلوح لَوْحاً أي لَمَحَ. ولاحهُ السفر: غيره. ولاح لوحاً ولواحاً: عطِش، والتاح مثله. واللَّوح: الكتِف، وكل عظم عريض. واللوح: الذي يكتب فيه. واللُّوح (بالضم): الهواء بين السماء والأرض. والحمد لله" . (القرطبي).
" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر15/9}
"القرآن قد جاء بعد كُتب متعددة، وكان كل كتاب منها يحمل منهج الله؛ إلا أن أيَّ كتاب منها لم يَكُنْ معجزة؛ بل كانت المُعْجزة تنزل مع أيِّ رسول سبق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعادة ما تكون المعجزة من صنف ما نبغ فيه القوم الذين نزل فيهم.
وما دام المنهج مفصولاً عن المعجزة؛ فقد طلب الحق سبحانه من الحاملين لكتب المنهج تلك أنْ يحافظوا عليها، وكان هذا تكليفاً من الحق سبحانه لهم. والتكليف ـ كما نعلم ـ عُرْضة أنْ يُطَاع، وعُرْضة أنْ يُعصى، ولم يلتزم أحد من الأقوام السابقة بحفظ الكُتب المنزّلة إليهم.
ونجد الحق ـ سبحانه وتعالى ـ يقول:

إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ... }[المائدة: 44]
أي: أن الحق ـ سبحانه وتعالى ـ قد كلّفهم وطلب منهم أنْ يحفظوا كتبهم التي تحمل منهجه؛ وهذا التكليف عُرْضة أنْ يطاع، وعُرْضة أنْ يُعصى؛ وهم قد عَصَوا أمر الحق سبحانه وتكليفه بالحفظ؛ ذلك أنهم حرّفوا وبدلوا وحذفوا من تلك الكتب الكثير.
وقال الحق سبحانه عنهم:
...وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }
[البقرة: 146]
بل أضافوا من عندهم كلاماً وقالوا: هو من عند الله؛ لذلك قال فيهم الحق سبحانه:

فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }[البقرة: 79]
وهكذا ارتكبوا ذنوب الكذب وعدم الأمانة، ولم يحفظوا الكتب الحاملة لمنهج الله كما أنزلها الله على أنبيائه ورُسله السابقين على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولذلك لم يَشَأ الحق سبحانه أن يترك مهمة حفظ القرآن كتكليف منه للبشر؛ لأن التكليف عُرْضة أن يطاع وعُرْضة أنْ يُعصى، فضلاً عن أن القرآن يتميز عن الكتب السابقة في أنه يحمل المنهج، وهو المعجزة الدالة على صِدْق بلاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس الوقت.
ولذلك قال الحق سبحانه: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9]
والذِّكْر إذا أُطلِق انصرف المعنى إلى القرآن؛ وهو الكتاب الذي يحمل المنهج؛ وسبحانه قد شاء حِفْظه؛ لأنه المعجزة الدائمة الدالة على صدق بلاغ رسوله صلى الله عليه وسلم.
وكان الصحابة يكتبون القرآن فَوْرَ أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجدنا
في عصرنا من هم غير مؤمنين بالقرآن؛ ولكنهم يتفنّنون في وسائل حفْظه؛ فهناك مَنْ طبع المصحف في صفحة واحدة؛ وسخَّر لذلك مواهب أُناسٍ غير مؤمنين بالقرآن.
وحدث مثل ذلك حين تَمّ تسجيل المصحف بوسائل التسجيل المعاصرة. وفي ألمانيا ـ على سبيل المثال ـ توجد مكتبة يتم حِفْظ كل ما يتعلق بكل آية من القرآن في مكان مُعيّن مُحدّد."
( متولي الشعراوي).
"  قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }؛ الذي جعلنَاهُ مُعجِزاً لا يقدرُ على الإتيان بمثلهِ، فهو محفوظٌ من الزِّيادة والنقصان، ويقال: هو محفوظٌ من كَيْدِ المشركين بالإبطال." . (الطبراني)
" أي: نزلنا القرآن وإنا له لحافظون أن يزاد فيه باطل وما ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه. قال مجاهد وقتادة. وقد قيل: أن الهاء [التي] في " له " لمحمد صلى الله عليه وسلم" ( مكي القيسي).
" حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { إنَّا نَـحْنُ نَزَّلْنا الذّكْرَ وإنَّا لَهُ لـحَافِظُونَ } قال فـي آية أخرى:لا يَأْتِـيهِ البـاطِلُ }.والبـاطل: إبلـيس،
مِنْ بـينِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَـلْفِهِ }
فأنزله الله ثم حفظه، فلا يستطيع إبلـيس أن يزيد فـيه بـاطلاً ولا ينتقص منه حقًّا، حفظه الله من ذلك.
حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: { وإنَّا لَهُ لـحَافِظُونَ } قال: حفظه الله من أن يزيد فـيه الشيطان بـاطلاً أو ينقص منه حقًّا.
وقيل: الهاء فـي قوله: { وإنَّا لَهُ لـحَافِظُونَ } من ذكر مـحمد صلى الله عليه وسلم بـمعنى: وإنا لـمـحمد حافظون مـمن أراده بسوء من أعدائه." ( الطبري).

13 - أبريل - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
لقد تكفل الله الحفيظ بحفظ كتابه ، فأنى له التبديل والتغيير؟ كبرتْ كلمةً تخرج من أفواههم.    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

13 - أبريل - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
شرف ليلة النصف من شعبان: ثلاثة أحاديث شريفة في سلسلة الأحاديث الصحيحة.    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

"إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ" {الدخان44/3}
" فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ" {44/4}
" أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ" {44/5}
" رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" {44/6}
" إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" {القدر97/1}
" لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ" {97/3}
"تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ" {97/4}
" سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ" {97/5}
" اختلفوا في هذه الليلة المباركة، فقال الأكثرون: إنها ليلة القدر، وقال عكرمة وطائفة آخرون: إنها ليلة البراءة، وهي ليلة النصف من شعبان أما الأولون فقد احتجوا على صحة قولهم بوجوه أولها: أنه تعالى قال: إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ }[القدر: 1] وهٰهنا قال: { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } فوجب أن تكون هذه الليلة المباركة هي تلك المسماة بليلة القدر، لئلا يلزم التناقض وثانيها: أنه تعالى قال:شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِي أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ }[البقرة: 185] فبيّن أن إنزال القرآن إنما وقع في شهر رمضان، وقال هٰهنا { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } فوجب بأن تكون هذه الليلة واقعة في شهر رمضان، وكل من قال إن هذه الليلة المباركة واقعة في شهر رمضان، قال إنها ليلة القدر، فثبت أنها ليلة القدر وثالثها: أنه تعالى قال في صفة ليلة القدرتَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ * سَلَـٰمٌ هِيَ }[القدر: 4، 5] وقال أيضاً ههنا
{ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } وهذا مناسب لقوله { تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا } وههنا قال:
 { أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا } وقال في تلك الآية { بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ } وقال ههنا { رَحْمَةً مّن رَّبّكَ } وقال في تلك الآية { سَلَـٰمٌ هِيَ } وإذا تقاربت الأوصاف وجب القول بأن إحدى الليلتين هي الأخرى ورابعها: نقل محمد بن جرير الطبري في «تفسيره»: عن قتادة أنه قال: نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، والتوراة لست ليال منه، والزبور لاثنتي عشرة ليلة مضت منه، والإنجيل لثمان عشرة ليلة مضت منه، والقرآن لأربع وعشرين ليلة مضت من رمضان، والليلة المباركة هي ليلة القدر وخامسها: أن ليلة القدر إنما سميت بهذا الاسم، لأن قدرها وشرفها عند الله عظيم، ومعلوم أنه ليس قدرها وشرفها لسبب ذلك الزمان، لأن الزمان شيء واحد في الذات والصفات، فيمتنع كون بعضه أشرف من بعض لذاته، فثبت أن شرفه وقدره بسبب أنه حصل فيه أمور شريفة عالية لها قدر عظيم ومرتبة رفيعة، ومعلوم أن منصب الدين أعلى وأعظم من منصب الدنيا، وأعلى الأشياء وأشرفها منصباً في الدين هو القرآن، لأجل أن به ثبتت نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، وبه ظهر الفرق بين الحق والباطل في سائر كتب الله المنزّلة، كما قال في صفتهوَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ }[المائدة: 48] وبه ظهرت درجات أرباب السعادات، ودركات أرباب الشقاوات، فعلى هذا لا شيء إلا والقرآن أعظم قدراً وأعلى ذكراً وأعظم منصباً منه فلو كان نزوله إنما وقع في ليلة أخرى سوى ليلة القدر، لكانت ليلة القدر هي هذه الثانية لا الأولى، وحيث أطبقوا على أن ليلة القدر التي وقعت في رمضان، علمنا أن القرآن إنما أنزل في تلك الليلة، وأما القائلون بأن المراد من الليلة المباركة المذكورة في هذه الآية، هي ليلة النصف من شعبان، فما رأيت لهم فيه دليلاً يعول عليه، وإنما قنعوا فيه بأن نقلوه عن بعض الناس، فإن صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه كلام فلا مزيد عليه، وإلا فالحق هو الأول، ثم إن هؤلاء القائلين بهذا القول زعموا أن ليلة النصف من شعبان لها أربعة أسماء: الليلة المباركة، وليلة البراءة، وليلة الصك، وليلة الرحمة، وقيل إنما سميت بليلة البراءة، وليلة الصك، لأن البندار إذا استوفى الخراج من أهله كتب لهم البراءة، كذلك الله عزّ وجلّ يكتب لعباده المؤمنين البراءة في هذه الليلة، وقيل هذه الليلة مختصة بخمس خصال الأول: تفريق كل أمر حكيم فيها، قال تعالى: { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } والثانية: فضيلة العبادة فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صلّى في هذه الليلة مائة ركعة أرسل الله إليه مائة ملك ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنونه من عذاب النار، وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا، وعشرة يدفعون عنه مكايد الشيطان " الخصلة الثالثة: نزول الرحمة، قال عليه السلام: " إن الله يرحم أمتي في هذه الليلة بعدد شعر أغنام بني كلب " والخصلة الرابعة: حصول المغفرة، قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة، إلا لكاهن، أو مشاحن، أو مدمن خمر، أو عاق للوالدين، أو مصر على الزنا " والخصلة الخامسة: أنه تعالى أعطى رسوله في هذه الليلة تمام الشفاعة، وذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان في أمته فأعطي الثلث منها، ثم سأل ليلة الرابع عشر، فأعطي الثلثين، ثم سأل ليلة الخامس عشر، فأعطي الجميع إلا من شرد على الله شراد البعير، هذا الفصل نقلته من «الكشاف»، فإن قيل لا شك أن الزمان عبارة عن المدة الممتدة التي تقديرها حركات الأفلاك والكواكب، وأنه في ذاته أمر متشابه الأجزاء فيمتنع كون بعضها أفضل من بعض، والمكان عبارة عن الفضاء الممتد والخلاء الخالي فيمتنع كون بعض أجزائه أشرف من البعض، وإذا كان كذلك كان تخصيص بعض أجزائه بمزيد الشرف دون الباقي ترجيحاً لأحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح وإنه محال، قلنا القول بإثبات حدوث العالم وإثبات أن فاعله فاعل مختار بناء على هذا الحرف وهو أنه لا يبعد من الفاعل المختار تخصيص وقت معين بإحداث العالم فيه دون ما قبله وما بعده، فإن بطل هذا الأصل فقد بطل حدوث العالم وبطل الفاعل المختار وحينئذ لا يكون الخوض في تفسير القرآن فائدة، وإن صح هذا الأصل فقد زال ما ذكرتم من السؤال، فهذا هو الجواب المعتمد، والناس قالوا لا يبعد أن يخص الله تعالى بعض الأوقات بمزيد تشريف حتى يصير ذلك داعياً للمكلف إلى الإقدام على الطاعات في ذلك الوقت، ولهذا السبب بيّن أنه تعالى أخفاه في الأوقات وماعيته لأنه لم يكن معيناً جوز المكلف في كل وقت معين أن يكون هو ذلك الوقت الشريف فيصير ذلك حاملاً له على المواظبة على الطاعات في كل الأوقات، وإذا وقعت على هذا الحرف ظهر عندك أن الزمان والمكان إنما فازا بالتشريفات الزائدة تبعاً لشرف الإنسان فهو الأصل وكل ما سواه فهو تبع له، والله أعلم.
روي أن عطية الحروري سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن قولهإِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ }[القدر: 1] وقوله { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } كيف يصح ذلك مع أن الله تعالى أنزل القرآن في جميع الشهور؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: يا ابن الأسود لو هلكت أنا ووقع هذا في نفسك ولم تجد جوابه هلكت، نزل القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور، وهو في السماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك في أنواع الوقائع حالاً فحالا، والله أعلم.
بيان نظم هذه الآيات:
 اعلم أن المقصود منها تعظيم القرآن من ثلاثة أوجه:
 أحدها: بيان تعظيم القرآن بحسب ذاته .
الثاني: بيان تعظيمه بسبب شرف الوقت الذي نزل فيه.
 الثالث: بيان تعظيمه بحسب شرف منزلته.
 * أما النوع الأول: وهو بيان تعظيمه بحسب ذاته فمن ثلاثة أوجه:
 أحدها: أنه تعالى أقسم به وذلك يدل على شرفه .
وثانيها: أنه تعالى أقسم به على كونه نازلاً في ليلة مباركة، وقد ذكرنا أن القسم بالشيء على حالة من أحوال نفسه يدل على كونه في غاية الشرف.
 وثالثها: أنه تعالى وصفه بكونه مبيناً وذلك يدل أيضاً على شرفه في ذاته.
*
وأما النوع الثاني: وهو بيان شرفه لأجل شرف الوقت الذي أنزل فيه فهو قوله { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } وهذا تنبيه على أن نزوله في ليلة مباركة يقتضي شرفه وجلالته، ثم نقول إن قوله { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } يقتضي أمرين: أحدها: أنه تعالى أنزله والثاني: كون تلك الليلة مباركة فذكر تعالى عقيب هذه الكلمة ما يجرى مجرى البيان لكل واحد منهما، أما بيان أنه تعالى لم أنزله فهو قوله { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } يعني الحكمة في إنزال هذه السورة أن إنذار الخلق لا يتم إلا به، وأما بيان أن هذه الليلة ليلة مباركة فهو أمران: أحدهما: أنه تعالى يفرق فيها كل أمر حكيم، والثاني: أن ذلك الأمر الحكيم مخصوصاً بشرف أنه إنما يظهر من عنده، وإليه الإشارة بقوله { أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا }.
*
وأما النوع الثالث: فهو بيان شرف القرآن لشرف منزله وذلك هو قوله { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } فبيّن أن ذلك الإنذار والإرسال إنما حصل من الله تعالى، ثم بيّن أن ذلك الإرسال إنما كان لأجل تكميل الرحمة وهو قوله { رَحْمَةً مّن رَّبّكَ } وكان الواجب أن يقال رحمة منا إلا أنه وضع الظاهر موضع المضمر إيذاناً بأن الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين، ثم بيّن أن تلك الرحمة وقعت على وفق حاجات المحتاجين لأنه تعالى يسمع تضرعاتهم، ويعلم أنواع حاجاتهم، فلهذا قال: { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } فهذا ما خطر بالبال في كيفية تعلق بعض هذه الآيات ببعض.
أما قوله تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } فقد قيل فيه إنه تعالى أنزل كلية القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في هذه الليلة، ثم أنزل في كل وقت ما يحتاج إليه المكلف، وقيل يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة ويقع الفراغ في ليلة القدر فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل، ونسخة الحروب إلى جبرائيل وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت.
أما قوله تعالى: { فِيهَا يُفْرَقُ } أي في تلك الليلة المباركة يفرق أي يفصل ويبين من قوله فرقت الشيء أفرقه فرقاً وفرقاناً، قال صاحب «الكشاف» وقرىء يفرق بالتشديد ويفرق على إسناد الفعل إلى الفاعل ونصب كل والفارق هو الله عز وجل، وقرأ زيد ابن علي نفرق بالنون.
أما قوله { كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } فالحكيم معناه ذو الحكمة، وذلك لأن تخصيص الله تعالى كل أحد بحالة معينة من العمر والرزق والأجل والسعادة والشقاوة يدل على حكمة بالغة لله تعالى، فلما كانت تلك الأفعال والأقضية دالة على حكمة فاعلها وصفت بكونها حكيمة، وهذا من الإسناد بالمجازي، لأن الحكيم صفة صاحب الأمر على الحقيقة ووصف الأمر به مجاز، ثم قال:
 { أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا } وفي انتصاب قوله { أمْراً } وجهان: الأول: أنه نصب على الاختصاص، وذلك لأنه تعالى بيّـن شرف تلك الأقضية والأحكام بسبب أن وصفها بكونها حكيمة، ثم زاد في بيان شرفها بأن قال أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا كائناً من لدنا، وكما اقتضاه علمنا وتدبيرنا والثاني: أنه نصب على الحال وفيه ثلاثة أوجه: الأول: أن يكون حال من أحد الضميرين في { أَنزَلْنَـٰهُ } ، إما من ضمير الفاعل أي: إنا أنزلناه آمرين أمراً أو من ضمير المفعول أي: إنا أنزلناه في حال كونه أمراً من عندنا بما يجب أن يفعل والثالث: ما حكاه أبوعلي الفارسي عن أبي الحسن رحمهما الله أنه حمل قوله { أمْراً } على الحال، وذو الحال قوله :
{ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ }. ثم قال: { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } يعني أنا إنما فعلنا ذلك الإنذار لأجل إنا كنا مرسلين يعني الأنبياء. ثم قال: { رَحْمَةً مّن رَّبّكَ } أي للرحمة فهي نصب على أن يكون مفعولاً له. ثم قال: { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } يعني أن تلك الرحمة كانت رحمة في الحقيقة لأن المحتاجين، إما أن يذكروا بألسنتهم حاجاتهم، وإما أن لا يذكروها فإن ذكروها فهو تعالى يسمع كلامهم فيعرف حاجاتهم، وإن لم يذكروها فهو تعالى عالم بها فثبت أن كونه سميعاً عليماً يقتضي أن ينزل رحمته عليهم" .(الرازي).

13 - أبريل - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
 198  199  200  201  202