البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات د يحيى مصري

 193  194  195  196  197 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
ابن الفارض    ( من قبل 8 أعضاء )    قيّم

قصيدة لابن الفارض
من الطويل (فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن)
اضغط للاستماع

هوالحبُّ فاسْلَمْ بالحَشا ما الهوى سَهْلُ فما اختــــارَهُ مُضنىً بهِ ولـهُ عَقْلُ
وعِــشْ خَـاليـاً فالحُــبُّ راحتــُهُ عَنـَاً وأولـُـــهُ سُقـْــــــمٌ وآخــــرُه قَـتــْـلُ
ولكــن لـــديّ المـوتُ فيـه صبــــابـةً حيــاةٌ لمنْ أهوى عليّ بهــا الفضلُ
نصحــتـُــكَ علماً بالهوى والذي أرى مُخالـَفـَتي فاخــترْ لنفســـك ما يَحلو
فإن شئتَ أن تحيـا سعيــدا فمـُـتْ به شهيــــدا وإلا فالغــــرامُ لـه أَهـــلُ
فمــنْ لم يمـت في حبِّـه لـم يَعِـشْ به ودون اجتناء النَحلِ ما جَنـَتِ النَّحلُ
وقــــل لقتيـلِ الحــبّ وَفـّيْــتَ حقـــَّـه وللمُدعــي هيهــاتَ ما الكَحَلُ الكُحْلُ
تَعــرّضَ قـومٌ للغــرام وأعـــرضـوا بجــانبِهــم عــن صحتي فيه فاعتلـّوا
رضـُـوا بالأماني وابْتُلوا بحظوظِهِمْ وخاضُوا بحارَ الحبّ دَعوىً فما ابْتُلوا
فهم في السُّرى لم يَبرحوا من مَكانِهم ومــا ظعـنوا في السيرِ عنه وقد كَلّوا
وعن مذهبي لما استحبوا العمى على الـ ـهدى حســدا مــن عند أنفسهم ضلوا
أحبـّـــةََ قلبـــي والمحبـّــةُ شـــــــافـعـي لديـكم إذا شئتـمْ بهـا اتّصــل الحَبْــلُ
عســـى عطفــــةٌ منـــكم علـيّ بنظــرةٍ فقـــد تَعبـــتْ بيني وبينـَـكمُ الرُسْــلُ
أحبـــايَ أنتـــمْ أحْسَـــنَ الدهــرُ أم أسا فكونـــوا كمــا شئتــمْ أنا ذلك الخِلُّ
إذا كان حَظــي الهَجْرَ مِنكمْ ولــم يَكنْ بِعادٌ فذاك الهجرُ عندي هو الوَصلُ
وما الصــدّ إلا الوُدُّ مـــا لم يَكـنْ قِلَىً وأصعبُ شيءٍ غيرَ أعراضِكمْ سَهلُ
وتعذيبـــكمْ عَـــذْبٌ لــــدي وجــوركمْ علــيّ بمــا يَقضي الهـوى لكمُ عَدْلُ
وصـبـريَ صــبرٌ عَنكـــــمُ وعليـكــمُ أرى أبـــداً عنــدي مرارتـَــه تَحلو
أخذتمْ فؤادي وهـو بعضي فمــا الذي يَضــــرّكمُ لـو كان عنــــدكمُ الكلُ
نأيتــــم فغـيرَ الدمـــــع لم أرَ وافيــــاً سوى زفرةٍ من حَرّ نارِ الجوى تغلو
فسُهـــــدي حــيّ في جفــوني مخلّــدٌ ونَومـــي بهـا مَيتٌ ودمعي له غُسْلُ
هوى طَلّ ما بين الطلــولِ دمي فمِن جفوني جَرى بالسَّفْحِ من سَفْحِهِ وَبْلُ
تـَبَـــالــَهَ قوْمــي إذ رأوْنـــي مـُتيـّمــا وقالـــوا بمـن هذا الفتى مسّه الخبلُ
ومــاذا عســـى عني يُقـالُ سوى غدا بِنـُعْــمٍ لَهُ شُغـْـلٌ نَعَـمْ لي بها شُغـْـلُ
إذا أنـْعَمـــتْ نـُعـْــمٌ علــيّ بِنـَظـــرةٍ فلا أَسعدتْ سُعدى ولا أَجْملتْ جُمْلٌ
وقــدْ علمـــوا أني قَتيــلُ لِحــــاظـِها فــإن لهــا فــي كل جــارحةٍ نَصْـلُ
حـــديثي قديمٌ فـــي هـــواها ومـا له كمـــا عَلِمـَـتْ بَعـْــدٌ وليـسَ لها قَبْلُ
ومــا لي مِثـْـلٌ في غـَرامي بهـا كما غـَـدَتْ فِتـْنـَةً في حُسْـنها ما لها مِثْلُ
ولــي هِمـّــةٌ تَعلــو إذا ما ذكـرْتـُهــا وروحٌ بذكـراها إذا رَخُصــتْ تـَغلو
جَرى حُبّها مَجرى دمي في مَفاصلي فأصبح لي عــن كل شُغْلٍ بها شُغلُ
وفي حبــِّها بِعْــتُ السعــادةَ بالشـقـا ضـلالا وعقلي عـن هدايَ بهِ عَقلُ
وقلــــت لرُشـدي والتنسـُّـكِ والتـُّقى تَخلُوا ومــا بيني وبين الهوى خَلُّوا
وفرّغت قلبي عن وجوديَ مُخلصا لعلــيَ في شُغـلي بها معهــا أخلــو
ومن أجلِهـا أسعى لمـن بيننا سعى وأعــدو ولا أغــدو لمن دأبُهُ العَذْلُ
فأرتـــاحُ للواشـــينَ بَينـي وبينـهــا لتعلــمَ مــا أَلقــى ومــا عنـدها جَهْلُ
وأصبـُوا إلى العـُـذّالِ حـُبـا لذكرها كأنهــم مـا بيننا فــي الهــوى رُسْـلُ
فإن حدّثـــوا عنهـــا فكُلي مَسامعٌ وكـُـلـّيَ إن حَدّثـتـُهــمْ ألســـنٌ تـَتـلـو
تخــالفـــتِ الأقـــوالُ فينـــا تبايُـنـا بــرَجــمِ ظنــونٍ بيننا مـا لها أصـلُ
فشنـّعَ قــومٌ بالوصـالِ ولــمْ تـَصِلْ وأرْجَــف بالسلــوانِ قـومٌ ولـم أَسْـلُ
فما صَدَقَ التشنيعُ عنهـــا لِشَقوتي وقــد كَذَبَــتْ عـني الأراجيفُ والنُقْلُ
وكيفَ أُرجّي وَصْلَ من لو تَصوّرتْ حِماها المُنى وَهْماً لضاقتْ بها السُبْلُ
وإن وَعَـدَتْ لم يَلحـــقِ الفِعـلُ قَولهــا وإن أوعـــدتْ بالقــولِ يَسبِقـُهُ الفِعْـلُ
عديني بوَصــلٍ وامْطـُـلي بِنَجـــــازه فعندي إذا صحّ الهـوى حَسُنَ المَطْـلُ
وحـرمةِ عهــــد بينَنـَا عنــــهُ لـم أَحُلْ وعـِقـْــدٍ بأيـدٍ بينـَنـا مـــا لــــه حـَـلُّ
لأنْتِ على غَيْظِ النوى ورضى الهوى لـــدي وقلبــي ســاعةً مِنـكِ ما يَخلو
تـُرى مُقلتي يوماً تــَـرى من أُحبــّهــم ويَعـتـبـُـني دَهْـري ويَجتمعُ الشـَّـمْـلُ
ومـــا بَرِحــوا مَعنىً أراهمْ معــي فإن نأوا صورةً فـي الذهنِ قامَ لهم شَكْلُ
فهم نُصْبُ عيني ظاهرا حيثما سَرَوا وهُــمْ فـي فـؤادي باطنـا أينمــا حَلُّوا
لهــم أبــدا منــي حُنـُـوٌّ وإن جـَـفـَوْا ولــي أبــــدا مَيْـلٌ إليهـمْ وإن مَلـُّــوا

30 - مارس - 2010
قصيدة:(صباحك سكر)
أما ترى وجه الهنا قد بدا...    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم

موشحة الشهاب العزازي


يا ليلة الوصل وكاس العقار ... دون استتار ... علّمتماني كيف خلع العذار
اغتنم اللذات قبل الذهاب
وجرّ أذيال الصّبا والشباب
واشرب فقد طابت كؤوس الشراب
على خدودٍ تنبت الجلّنار ... ذات احمرار ... وفاح كالعنبر نشر العرار
الراح لا شك حياة النفوس
فحلّ منها عاطلات الكؤوس
واستجلها بين الندامى عروس
تجلى على خُطّابها في إزار ... من النّضار ... حبابها قام مقام النثار
أما ترى وجه الهنا قد بدا
وطائر الأشجار قد غرّدا
والروض قد وشّاه قَطر النّدى
فكمّل اللهو بكأس تدار ... على افترار ... مباسم النّوّار غِبُّ القطار
اجن من الوصل ثمار المنى
وواصل الكأس بما أمكنا
مع طيّب الريقة حُلو الجنى
بمقلة أفتك من ذي الفقار ... ذات احورار ... منصورة الأجفان بالانكسار
زار وقد حلّ عقود الجفا
وافترّ عن ثغر الرضى والوفا
فقلت والوقت لنا قد صفا
يا ليلةً أنعم فيها وزار ... شمس النهار ... حيّيت من دون الليالي القصار
(التفعيلات: مستفعلن مستفعلن فاعلن "السريع"، مستفعلن)
تصميم: لينة ملكاوي
30 - مارس - 2010
قصيدة:(صباحك سكر)
هل يصاب الإنسان بالمس ؟ المعتزلة ينكرون ، وعلماء النفس أيضاً، فماذا ترون؟    ( من قبل 8 أعضاء )    قيّم

" { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِى يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مِنَ ٱلْمَسِّ }(2/275)
* " أي : لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه،..." ( ابن كثير).
 
* " لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه ويصرعه الشيطان من المس". ( الشعراوي).
 
* " ....وكان مما يسترزقون به قبل الإسلام الربا، وهو أخذ مجاناً، وهو في الصورة زيادة وفي الحقيقة نقص وعيب، ضد ما تقدم الحث عليه من الإعطاء مجاناً، وهو في الظاهر نقص وفي الباطن زيادة وخير؛ نهاهم عن تعاطيه ونفرهم منه، وبين لهم حكمه وأنه خبيث لا يصلح لأكل ولا صدقة، وجعل ذلك في أسلوب الجواب لمن قال هل يكون النفقة المحبوبة المحثوث عليها من كل مال؟ فأجاب بقوله:- وقال الحرالي: ولما كان حال المنفق لا سيما المبتغي وجه الله سبحانه وتعالى أفضل الأحوال، وهو الحال الذي دعوا إليه؛ نظم به أدنى الأحوال، وهو الذي يتوسل به إلى الأموال بالربا، فأفضل الناس المنفق، وشر الناس المربي؛ فنظم به خطاب الربا فقال:- { الذين } ولما كان من الصحابة من أكل الربا عبر بالمضارع إشارة إلى أن هذا الجزاء يخص المصر فقال: { يأكلون الربا } وهو الزيادة من جنس المزيد عليه المحدود بوجه ما - انتهى. فجرى على عادة هذا الذكر الحكيم في ذكر أحد الضدين بعد الآخر، وعبر بالأكل عن التناول، لأنه أكبر المقاصد وأضرها ويجري من الإنسان مجرى الدم كالشيطان { لا يقومون } أي عند البعث يظهر ثقله في بطونهم فيمنعهم النشاط ويكون ذلك سيماهم يعرفون به بين أهل الموقف هتكاً لهم وفضيحة. وقال الحرالي: في إطلاقه إشعار بحالهم في الدنيا والبرزخ والآخرة، ففي إعلامه إيذان بأن آكله يسلب عقله ويكون بقاؤه في الدنيا بخرق لا بعقل، يقبل في محل الإدبار ويدبر في محل الإقبال انتهى. وهو مؤيد بالمشاهدة فإنا لم نر ولم نسمع قط بآكل ربا ينطق بالحكمة ولا يشهر بفضيلة بل هم أدنى الناس وأدنسهم { إلا كما يقوم } المصروع { الذي يتخبطه } أي يتكلف خبطه ويكلفه إياه ويشق به عليه { الشيطان } ولما كان ذلك قد يظن أنه يخبط الفكر بالوسوسة مثلاً قال: { من } أي تخبطاً مبتدئاً من { المس } أي الجنون، فأشار سبحانه وتعالى بذلك إلى المنع من أن تكون النفقة من حرام ولا سيما الربا، وإلى أن الخبيث المنهي عن تيمم إنفاقه قسمان: حسي ومعنوي، والنهي في المعنوي أشد. وقال البيضاوي تبعاً للزمخشري: وهو أي التخبط والمس وارد على ما يزعمون أي العرب أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع وأن الجني يمسه فيختلط عقله - انتهى. وظاهره إنكار ذلك وليس بمنكر بل هو الحق الذي لا مرية فيه، قال المهدوي في تفسيره: وهذا دليل على من أنكر أن الصرع من جهة الجن وزعم أنه فعل الطبائع. وقال الشيخ سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد: وبالجملة فالقول بوجود الملائكة والجن والشياطين مما انعقد عليه إجماع الآراء ونطق به كلام الله سبحانه وتعالى وكلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وحكي مشاهدة الجن عن كثير من العقلاء وأرباب المكاشفات من الأولياء، فلا وجه لنفيها؛ وقال: الجن أجسام لطيفة هوائية تتشكل بأشكال مختلفة ويظهر منها أحوال عجيبة، والشياطين أجسام نارية شأنها إلقاء الناس في الفساد والغواية؛ ولكون الهواء والنار في غاية اللطافة والتشفيف كانت الملائكة والجن والشياطين يدخلون المنافذ الضيقة حتى أجواف الناس ولا يرون بحس البصر إلا إذا اكتسبوا من الممتزجات - انتهى. وقد ورد في كثير من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن " الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " وورد " أنه صلى الله عليه وسلم أخرج الصارع من الجن من جوف المصروع في صورة كلب " ونحو ذلك؛ وفي كتب الله سبحانه وتعالى المتقدمة ما لا يحصى من مثل ذلك، فأما مشاهدة المصروع يخبر بالمغيبات وهو مصروع غائب الحس، وربما كان يلقى في النار وهو لا يحترق، وربما ارتفع في الهواء من غير رافع، فكثير جداً لا يحصى مشاهدوه - إلى غير ذلك من الأمور الموجبة للقطع أن ذلك من الجن أو الشياطين؛ وها أنا أذكر لك من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ثم من كتب الله القديمة ما فيه مقنع لمن تدبره - والله سبحانه وتعالى الموفق: روى الدارمي في أوائل مسنده بسند حسن عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: " أن امرأة جاءت بابن لها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن ابني به جنون وإنه يأخذه عند أغدائنا وعشائنا فيخبث علينا، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا فثعّ ثعة وخرج من صدره مثل الجرو الأسود " فثعّ ثعة بمثلثة ومهملة أي قاء وللدارمي أيضاً وعبد بن حميد بسند صحيح حسن أيضاً عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: " خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فركبنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا كأنما على رؤوسنا الطير تظلنا، فعرضت له امرأة معها صبي لها فقالت: يا رسول الله! إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرار، فتناول الصبي فجعله بينه وبين مقدم الرحل ثم قال: اخسأ عدو الله أنا رسول الله ثلاثاً! ثم دفعه إليها " وأخرجه الطبراني من وجه آخر وبين أن السفر غزوة ذات الرقاع وأن ذلك في حرة واقم، قال جابر: " فلما قضينا سفرنا مررنا بذلك المكان فعرضت لنا المرأة ومعها صبيها ومعها كبشان تسوقهما فقالت: يا رسول الله! اقبل مني هديتي، فوالذي بعثك بالحق ما عاد إليه بعد ذلك! فقال: خذوا منها واحداً وردوا عليها الآخروروى البغوي في شرح السنة عن يعلى بن مرة رضي الله تعالى عنه. وفي الإنجيل من ذلك كثير جداً، قال في إنجيل متى ولوقا ومُرقُس يزيد أحدهم على الآخر وقد جمعت بين ألفاظهم: وجاء يعني عيسى عليه الصلاة والسلام إلى عبر البحر إلى كورة الجرجسيين، وقال في إنجيل لوقا: التي هي مقابل عبر الجليل، فلما خرج من السفينة استقبله مجنون، قال لوقا: من المدينة معه شياطين، وقال متى مجنونان جائيان من المقابر رديئان جداً حتى أنه لم يقدر أحد أن يجتاز من تلك الطريق فصاحا قائلين: ما لنا ولك يا يسوع! جئت لتعذبنا قبل الزمان؛ قال لوقا: وكان يربط بالسلاسل والقيود ويحبس، وكان يقطع الرباط ويقوده الشيطان إلى البراري، فسأله يسوع: ما اسمك؟ فقال: لاجاون، لأنه دخل فيه شياطين كثيرة؛ وقال مرقس: فقال له: اخرج أيها الروح النجس! اخرج من الإنسان، ثم قال له: ما اسمك؟ فقال: لاجاون اسمي لأنا كثير، وطلب إليه أن يرسلهم خارجاً من الكورة؛ وكان هناك نحو الجبل قطيع خنازير كثيرة يرعى بعيداً منهم، فطلب إليه الشياطين قائلين: إن كنت تخرجنا فأرسلنا إلى قطيع الخنازير فقال لهم: اذهبوا، وقال مرقس: فأذن لهم يسوع، فللوقت خرجت الأرواح النجسة ودخلت في الخنازير وقال: متى: فلما خرجوا ومضوا في الخنازير وإذا بقطيع خنازير قد وثب على جرف وتواقع في البحر ومات جميعه في المياه، وأن الرعاة هربوا ومضوا إلى المدينة وأخبروهم بكل شيء وبالمجنونين، فخرج كل من في المدينة للقاء يسوع؛ قال مرقس: وأبصروا ذلك المجنون جالساً لابساً عفيفاً فخافوا، فلما أبصروه - يعني عيسى عليه الصلاة والسلام - طلبوا إليه أن يتحول عن تخومهم؛ قال لوقا: لأنهم خافوا عظيماً، وقال مرقس: فلما صعد السفينة طلب إليه المجنون أن يكون معه فلم يدعه يسوع لكن قال له امض إلى بيتك وعرفهم صنع الرب بك ورحمته إياك، فذهب وكرز في العشرة مدن، وقال كل ما صنع به يسوع فتعجب جميعهم؛ وفي إنجيل لوقا معناه، وفي آخره: فذهب وكان ينادي في المدينة كلها بكل ما صنعه معه يسوع؛ وفي إنجيل متى: فلما خرج يسوع من هناك قدموا إليه أخرس به شيطان، فلما خرج الشيطان تكلم الأخرس، فتعجب الجميع قائلين: لم يظهر قط هكذا في بني إسرائيل، فقال الفريسيون: إنه باركون الشياطين يخرج الشياطين.
ثم قال: حينئذ أتى إليه بأعمى به شيطان أخرس، فأبرأه حتى أن الأخرس تكلم وأبصر، فبهت الجمع كلهم وقالوا: لعل هذا هو ابن داود، فتسمع الفريسيون فقالوا: هذا لا يخرج الشياطين إلا بباعل زبول رئيس الشياطين.
وفيه بعد ذلك: فلما جاء إلى الجمع جاء إليه إنسان ساجداً له قائلاً: يا رب! وفي إنجيل لوقا: يا معلم! ارحم ابني، فإنه يعذب في رؤوس الأهلة، ومراراً كثيرة يريد أن ينطلق في النار، ومراراً كثيرة في الماء؛ وفي إنجيل مرقس: قد أتيتك يا بني! وبه روح نجس وحيث ما أدركه صرعه وأزبده وضرر أسنانه فتركه يابساً، وفي إنجيل لوقا: أضرع إليك أن تنظر إلى ابني، لأنه وحيدي، وروح يأخذه فيصرخ بغتة ويلبطه بجهل، ويزيد عند انفصاله عنه ويرضضه، وضرعت لتلاميذك أن يخرجوه فلم يقدروا؛ وفي إنجيل متى: وقدمته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يبرئوه، أجاب يسوع: أيها الجيل الأعوج الغير مؤمن! إلى متى أكون معكم! وحتى متى أحتملكم! قدمه إلى هنا؛ وفي إنجيل لوقا: وفيما هو جاء به طرحه الشيطان ولبطه؛ وفي إنجيل مرقس: فلما رأته الروح النجسة من ساعته صرعته وسقط على الأرض مضطرباً مزبداً؛ ثم قال لأبيه: من كم أصابه هذا؟ فقال: منذ صباه، ثم قال ما معناه: افعل معه ما استطعت وتحنن علينا، فقال له يسوع: كل شيء مستطاع للمؤمن، فصاح أبو الصبي وقال: أنا أومن فأعن ضعف إيماني، فلما رأى يسوع تكاثر الجمع انتهر الروح النجس وقال: يا أيها الروح الأصم الغير ناطق! أنا آمرك أن تخرج منه ولا تدخل فيه، فصرخ ولبطه كثيراً وخرج منه وصار كالميت، وقال كثير: إنه مات، فأمسك يسوع بيده وأقامه فوقف؛ وفي إنجيل متى: فانتهره يسوع فخرج منه الشيطان وبرىء الفتى في تلك الساعة، حينئذ أتى التلامذة إلى يسوع منفردين وقالوا له: لماذا لم نقدر نحن نخرجه؟ فقال لهم يسوع: من أجل قلة إيمانكم، الحق أقول لكم أن لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لقلتم لهذا الجبل: انتقل من هاهنا إلى هناك، فينتقل ولا يعسر عليكم شيء، وهذا الجنس لا يخرج إلا بالصوم والصلاة؛ وقال مرقس: لا يستطاع أن يخرج بشيء إلا بصلاة وصوم؛ وقال في إنجيل مرقس: إنه كان يعلم في كفرناحوم مدينة في الجليل، قال: وكان في مجمعهم رجل فيه روح شيطان نجس فصاح بصوت عظيم قائلاً: ما لنا ولك يا يسوع الناصري! أتيت لتهلكنا! قد عرفنا من أنت يا قدوس الله! فنهره يسوع قائلاً: اسدد فاك واخرج منه! فأقلقته الروح النجسة وصاح بصوت عظيم وخرج منه؛ وفي إنجيل لوقا: فطرحه الشيطان في وسطهم وخرج منه ولم يؤلمه وخاف الجمع مخاطبين بعضهم بعضاً قائلين: ما هو هذا العلم الجديد الذي سلطانه يأمر الأرواح النجسة فتطيعه! وخرج خبره في كل كورة الجليل؛ وفيه: ثم قام من هناك وذهب إلى تخوم صور وصَيْدا ودخل إلى بيت فأراد أن لا يعلم أحد به، فلم يقدر أن يختفي، فلما سمعت امرأة كانت بابنة لها روح نجس جاءت إليه وسجدت قدام قدميه، وكانت يونانية صورية، وسألته أن يخرج الشيطان من ابنتها، فقال لها: دعي البنين حتى يشبعوا أولاً، لا تحسبنّ أن يؤخذ خبز البنين يدفع للكلاب، وأجابت بنعم يا رب! والكلاب أيضاً تأخذ مما يسقط من المائدة من فتات الأطفال، فقال لها من أجل هذه الكلمة: اذهبي قد خرج الشيطان من ابنتك، فذهبت إلى بنتها فوجدت الصبية على السرير والشيطان قد خرج منها؛ وفي آخر إنجيل مرقس: إنه أخرج من مريم المجدلانية سبعة شياطين؛ وفي إنجيل لوقا: وكان بعد ذلك يسير إلى كل مدينة وقرية ويكرز ويكبر بملكوت الله ومعه الاثنا عشر ونسوة كن أبرأهن من الأمراض والأرواح الخبيثة: مريم التي تدعى المجدلانية التي أخرج منها سبعة شياطين ومرثا امراة خوزي خازن هين ودس وسوسنة وأخوات كثيرات؛ وفي إنجيل لوقا: وفيما هو يعلم في أحد المجامع في السبت فإذا امرأة معها روح مزمن منذ ثمان عشرة سنة وكانت منحنية لا تقدر أن تستوي البتة، فنظر إليها يسوع وقال: يا امرأة! أنت محلولة من مرضك ووضع يده عليها، فاستقامت للوقت ومجدت الله، فأجاب رئيس الجماعة وهو مغضب وقال للجميع: لكم ستة أيام ينبغي العمل فيها وفيها تأتون وتستشفعون إلا في السبت! فقال: يا مراؤون! واحد منكم يحل ثوره أو حماره من المدود في السبت ويذهب فيسقيه وهذه ابنة إبراهيم كان الشيطان قد ربطها منذ ثمان عشرة سنة! أما كان يحل أن تطلق من هذا الرباط في يوم السبت؟ فلما قال هذا الكلام أخزى كل من كان يقاومه. وكل الشعب كانوا يفرحون بالأعمال الحسنة التي كانت منه - انتهى.

وإنما كتبت هذا مع كون ما نقل عن نبينا صلى الله عليه وسلم كافياً لأنه لا يدفع أن يكون فيه إيناس له ومصادقة تزيد في الإيمان مع أن فيه دلائل رادة على النصارى في ادعائهم التثليث والاتحاد وأحسن ما ردّ على الإنسان من كلامه وبما يعتقده، وسيأتي إن شاء الله سبحانه وتعالى في المائدة عند قوله سبحانه وتعالى: { وما من إله إلا الله } ما يلتفت إلى بعض هذا ويشرحه شرحاً جيداً نافعاً وكذا في جميع ما أنقله من الإنجيل كما ستراه إن شاء الله تعالى في مواضعه، وكل ما فيه من متشابه لم تألفه مما يوهم اتحاداً أو تثليثاً فلا تزدد نفرتك منه وراجع ما سيقرر في آل عمران وغيرها يرجع معك إلى المحكم رجوعاً جلياً، على أن أكثره إذا تؤملت أطرافه وجدته لا شبهة فيه أصلاً، وإن لم تكن أهلاً للجري في مضمار ما ينسب إلى أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه: كن ممن يعرف الرجال بالحق ولا تكن ممن يعرف الحق بالرجال، فانظر كتاب الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي رحمه الله تعالى تجده أوّل كثيراً مما ذكرته بمثل تأويلي أو قريب منه، ولم أر كتابه إلا بعد كتابتي لذلك - والله سبحانه وتعالى الموفق.
وفي الآية إشارة إلى أنه سبحانه وتعالى قضى بنزع نور العقل من المرابي ودل على ذلك بقوله: { ذلك } أي الأمر البعيد من الصواب { بأنهم } أي المربون { قالوا } جدالاً لأهل الله { إنما البيع } أي الذي تحصرون الحل فيه يا أهل الإسلام { مثل الربا } في أن كلاًّ منهما معاوضة، فنحن نتعاطى الربا كما تتعاطون أنتم البيع، فما لكم تنكرونه علينا؟ فَجعْلهُم الربا أصلاً انسلاخ مما أودعه الله في نور العقل وحكم الشرع وسلامة الطبع من الحكمة؛ والبيع كما عرفه الفقهاء نقل ملك بثمن. وقال الحرالي: هو رغبة المالك عما في يده إلى ما في يد غيره، والشراء رغبة المستملك فيما في يد غيره بمعاوضة بما في يده مما رغب عنه، فلذلك كل شار بائع { وأحل } أي والحال أنه أحل { الله } الذي له تمام العظمة المقتضية للعدل { البيع } أي لما فيه من عدل الانتفاع، لأنه معاوضة على سبيل النصفة للتراضي من الجانبين، لأن الغبن فيه غير محقق على واحد منهما، لأن من اشترى ما يساوي درهماً بدرهمين يمكن أن يبيعه بعد ذلك لرواجه أو وجود راغب فيه لأمر دعاه إليه بثلاثة { وحرم الربا } لما فيه من اختصاص أحد المتعاملين بالضرر والغبن والآخر بالاستئثار على وجه التحقيق، فإن من أخذ درهماً بدرهمين لا يرجى خير ما فاته من ذلك الوجه أصلاً، وكذلك ربا المضاعفة وهو ما إذا طلب دينه فكان الغريم معسراً فألزمه بالدفع أو الزيادة في الدين فإنه ليس في مقابلة هذا الزائد شيء ينتفع به المدين. قال الحرالي: فيقع الإيثار قهراً وذلك الجور الذي يقابله العدل الذي غايته الفضل، فأجور الجور في الأموال الربا، وأجور الجور في الربا الربا كالذي يقتل بقتيل قتيلين، وكل من طفف في ميزان فتطفيفه ربا بوجه ما؛ ولذلك تعددت أبواب الربا وتكثرت؛ قال قال صلى الله عليه وسلم: " الربا بضع وسبعون باباً، والشرك مثل ذلك وهذا رأسه " وهو ما كانت تتعامل به أهل الجاهلية، من قولهم: إما أن تربي وإما أن تقضي، ثم لحق به سائر أبوابه، فهو انتفاع للمربي وتضرر للذي يعطي الربا، وهذا أشد الجور بين العبيد الذين حظهم التساوي في أمر بلغة الدنيا؛ فكما أعلمهم سبحانه وتعالى أثر حكمة الخير في الإنفاق أعلمهم أثر حكمة الشر في الربا في دار الآخرة وفي غيب أمر الدنيا وكما أنه يعجل للمنفق خلفاً في الدنيا كذلك يعجل للمرابي محقاً في الدنيا حسب ما صرح به الخطاب بعد هذا الإشعار - انتهى.(البقاعي).

31 - مارس - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
هل يدخل الجنيُّ الإنسيَّ؟    ( من قبل 6 أعضاء )    قيّم

" الذين يتعاملون بالربا لا يكونون فى سعيهم وتصرفهم وسائر أحوالهم إلا فى اضطراب وخلل، كالذي أفسد الشيطان عقله فصار يتعثر من الجنون الذي أصابه،" ( لجنة القرآن والسنة).
 
"يقول الحقّ جلّ جلاله: { الذين يأكلون الربا } أي: يأخذونه، وإنما خص الأكل لأنه أعظم منافع المال،
{ لا يقومون } من قبورهم يوم البعث { إلا كما يقوم } المجنون { الذي يتخبطه الشيطان من } أجل
{ المس } الذي يمسه يقوم ويسقط. رُوِيَ أن بطونهم تكون أمامهم كالبيت الضخم، يقوم أحدهم فتميل به بطنه فيصرع، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما أُسْرِيَ بِي إلى السماء رأيتُ رِجالاً بُطُونُهُمْ كَالبُيوتِ، فيهَا حَيَّاتٌ تُرى مِنْ خِارِجِ بُطُونِهمْ، فقلت مَنْ هؤلاءِ يا جِبْرِيل؟ فقال: أكَلَةُ الرِّبا" ( ابن عجيبة)."
 
" قوله: { الَّذِينَ يأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ }. ذكروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حدّث عن ليلةِ أسرِيَ به فكان في حديثه أنه أتى على سابلة آل فرعون حيث ينطلق بهم إلى النار، يعرضون عليها غدواً وعشياً؛ فإذا رأوها قالوا: ربنا لا تقومن الساعة، مما يرون من عذاب الله. قال: فإذا أنا برجال بطونهم كالبيوت، يقومون فيقعون لظهورهم ولبطونهم، فيأتي عليهم آل فرعون فيثردونهم بأرجلهم ثرداً. قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا، ثم تلا هذه الآية:
{ الَّذِينَ يأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ }.
وقال الحسن: إن لأَِكَلَةِ الربا عَلَماً يعرفون به يوم القيامة أنهم أكلة الربا، يأخذهم خبل؛ فشبه الخبل الذي يأخذهم في الآخرة بالجنون الذي يكون في الدنيا." ( الهواري/ من الإباضية).
 
" { الذين يأكلون الربا لا يقومون } الآية أي إذا بعثوا من قبورهم لا يقومون { إلاَّ كما يقوم الَّذي يتخبطه الشيطان } يعني المصروع، قوله تعالى: { من المس } أي من الجنون، وقيل: مسه الشيطان بالإيذاءِ والوسوسة لأن العرب يزعمون ان الشيطان يتخبط الإنسان وإن الجني يمسه فيختلط عقله ولو كان يقدر على ذلك لكان يتخبط جميع المؤمنين مع شدة عداوته لهم { ذلك } العقاب سبب قولهم { إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا } إنكارٌ لتسويتهم بينهما عفى الله عما سلف أي لا يؤاخذ بما مضى منه لانه اخذه قبل نزول التحريم { ومن عاد } يعني إلى الربا { فأولئك } الآية، قوله تعالى:{ يمحق الله الربا} يعني يهلك المال الذي يدخل فيه الربا، وعن ابن مسعود: الربا وان كثر الى قلٍ { ويربي الصدقات } يعني ما يتصدق به بمعنى يضاعف عليه الثواب ويزيد في المال الذي اخرجت منه الصدقة وبارك فيه، وفي الحديث: " ما نقص مال من زكاة قط " { والله لا يحب كل كفار اثيم } تغليظاً في امر الربا { يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا } الآية نزلت في ثقيف وكان لهم على قوم من قريش دين فطالبوا بالمال والربا، وقيل: نزلت في العباس وعثمان، وقيل: في العباس وخالد بن الوليد وكانا مشركين في الجاهلية
{ فأذنوا بحرب } الاذن الاعلام وقرأ الحسن فأيقنوا من الله ورسوله واعلموا من فعل ذلك { بحرب من الله ورسوله } ، قوله: { وإن تبتم } من الربا واخذ ما بقي لكم { فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون } المديونين بطلب الزيادة { ولا تظلمون } بالنقصان منها، قوله تعالى: { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } العسر والاعسار ضيق ذات اليد، والمناظرة الامهال، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " من انظر معسراً او وضع له اظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله " وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم):
 " من أحب ان تجاب دعوته وتكشف كربته فلييسر على المعسر " وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم):
" ارفقوا وترافقوا ولييسر بعضكم على بعض " { وأن تصدقوا خير لكم } قيل: تصدقوا برؤوس أموالكم على من أعسر أو بعضها، وقيل: أراد بالتصدق الإنظار { إن كنتم تعلمون } إن ثواب الله خير من أخذها والآية تدل على وجوب إنظار المعسر" ( الأعقم/ من الزيدية).
 
" حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرّبَوٰاْ لاَ يَقُومُونَ } الآية، وتلك علامة أهل الربـا يوم القـيامة، بعثوا بهم خبل من الشيطان.
حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله:
{ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِى يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مِنَ ٱلْمَسّ } قال: هو التـخبّل الذي يتـخبّله الشيطان من الـجنون.
حدثت عن عمار، قال: ثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع فـي قوله: { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرّبَوٰاْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِى يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مِنَ ٱلْمَسّ } قال: يبعثون يوم القـيامة وبهم خبل من الشيطان. وهي فـي بعض القراءة: «لا يقومون يوم القـيامة».
حدثنا الـمثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك فـي قوله: { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرّبَوٰاْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِى يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مِنَ ٱلْمَسّ } قال: من مات وهو يأكل الربـا بعث يوم القـيامة متـخبطاً كالذي يتـخبطه الشيطان من الـمسّ" ( الطبري).
 
" { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرّبَوٰاْ } أي الآخذون له، وإنما ذكر الأكل لأنه أعظم منافع المال، ولأن الربا شائع في المطعومات وهو زيادة في الأجل، بأن يباع مطعوم بمطعوم، أو نقد بنقد إلى أجل، أو في العوض بأن يباع أحدهما بأكثر منه من جنسه، وإنما كتب بالواو كالصلاة للتفخيم على لغة وزيدت الألف بعدها تشبيهاً بواو الجمع. { لاَ يَقُومُونَ } إذا بعثوا من قبورهم. { إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } إلا قياماً كقيام المصروع، وهو وارد على ما يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع، والخبط ضرب على غير اتساق كخبط العشواء. { مِنَ ٱلْمَسّ } أي الجنون، وهذا أيضاً من زعماتهم أن الجني يمسه فيختلط عقله ولذلك قيل: جَنَّ الرجلُ. وهو متعلق بـ { لاَ يَقُومُونَ } أي لا يقومون من المس الذي بهم بسبب أكل الربا، أو بيقوم أو بيتخبط فيكون نهوضهم وسقوطهم كالمصروعين لا لاختلال عقولهم ولكن لأن الله أربى في بطونهم ما أكلوه من الربا فأثقلهم. { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرّبَوٰاْ } أي ذلك العقاب بسبب أنهم نظموا الربا والبيع في سلك واحد لإفضائهما إلى الربح فاستحلوه استحلاله." ( الرازي).

31 - مارس - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
مشارب في التخبط والصرع والمس ! ما رأيكم دام عزكم؟    ( من قبل 7 أعضاء )    قيّم

" نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب ثم ذكر عقوبة آكل الربا فقال { ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَا } استحلالاً
 { لاَ يَقُومُونَ } من قبورهم يوم القيامة { إِلاَّ كَمَا يَقُومُ } في الدنيا { ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ } يتخبله { ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ } من الجنون { ذَلِكَ } التخبل علامة آكل الربا في الآخرة" (الفيروزآبادي).
 
" قوله عز وجل: { الذين يأكلون الربا } أي يعاملون به وإنما خص الأكل لأنه معظم الأمر المقصود من المال لأن المال لا يؤكل إنما يصرف في المأكول ثم يؤكل فمنع الله التصرف في الربا بما ذكر فيه من الوعيد (م) عن جابر قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء " وأصل الربا في اللغة الزيادة يقال ربا الشيء يربو إذا زاد وكثر فالربا الزيادة في المال
{ لا يقومون } يعني من قبورهم يوم القيامة { إلاّ كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان }؛ أي يصرعه، وأصل الخبط الضرب والوطء وهو ضرب على غيراستواء يقال ناقة خبوط للتي تضرب الأرض بقوائمها وتطأ الناس بأخفافها ومنه قولهم: يخبط خبط عشواء للرجل الذي يتصرف في الأمور على غير اهتداء وتمييز وتدبر، وتخبطه الشيطان إذا مسه بخبل وجنون { من المس } يعني من الجنون يقال: مس الرجل فهو ممسوس إذا كان به جنون، ومعنى الآية أن آكل الربا يبعث يوم القيامة مثل المصروع الذي لا يستطيع الحركة الصحيحة لأن الربا ربا في بطونهم حتى أثقلهم فلا يقدرون على الإسراع. قال سعيد بن جبير تلك علامة آكل الربا إذا استحله يوم القيامة وروى البغوي بسند الثعلبي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة الإسراء قال: " فانطلق بي جبريل إلى رجال كثير كل رجل بطنه مثل البيت الضخم منضدين على سابلة آل فرعون وآل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً قال فيقبلون مثل الإبل المنهومة يخبطون الحجارة والشجر لا يسمعون ولا يعقلون فإذا أحس بهم أصحاب تلك البطون قاموا فتميل بهم بطونهم فيصرعون ثم يقوم أحدهم فيميل به بطنه فيصرع فلا يستطيعون أن يبرحوا حتى يغشاهم آل فرعون فيردوهم مقبلين ومدبرين فذلك عذابهم في البرزخ بين الدنيا والآخرة، قال: وآل فرعون يقولون: اللهم لا تقم الساعة أبداً. قال: ويوم القيامة يقول أدخلوا آل فرعون أشد العذاب قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس "( الخازن).
 
" الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } مناسبة هذه الآية لما قبلها أن ما قبلها وارد في تفضيل الإنفاق والصدقة في سبيل الله، وأنه يكون ذلك من طيب ما كسب، ولا يكون من الخبيث. فذُكر نوع غالب عليهم في الجاهلية، وهو: خبيث، وهو: الربا، حتى يمتنع من الصدقة بما كان من ربا، وأيضاً فتظهر مناسبة أخرى، وذلك أن الصدقات فيها نقصان مال، والربا فيه زيادة مال، فاستطرد من المأمور به إلى ذكر المنهي عنه لما بينهما من مناسبة ذكر التضاد، وأبدى لأكل الربا صورة تستبشعها العرب على عادتها في ذكر ما استغربته واستوحشت منه، كقوله:{ طلعها كأنه رؤوس الشياطين }[الصافات: 65] وقول الشاعر:
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
   
 
وقول الآخر:
خيلاً كأمثال السعالي شرّباً
   
 
وقول الآخر:
بخيل عليها جنّة عبقريّة
   
 
والأكل هنا قيل على ظاهره من خصوص الأكل، وأن الخبر: عنهم، مختص بالآكل الربا، وقيل: عبر عن معاملة الربا وأخذه بالأكل، لأن الأكل غالب ما ينتفع به فيه، كما قال تعالى:{ وأخذهم الربا }
[النساء: 161] وقيل: الربا هنا كناية عن الحرام، لا يخص الربا الذي في الجاهلية، ولا الربا الشرعي. وقرأ العدوي: الربو، بالواو وقيل: وهي لغة الحيرة، ولذلك كتبها أهل الحجاز بالواو لأنهم تعلموا الخط من أهل الحيرة، وهذه القراءة على لغة من وقف على أفعى بالواو، فقال: هذه أفعو، فأجرى القارىء الوصل إجراء الوقف." ( أبوحيان).

31 - مارس - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
هدية يحيى    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم

http://www.khayma.com/syadie/oulama.htm

1 - أبريل - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
هذه المقالة ليست لي ، واللهِ.....    ( من قبل 10 أعضاء )    قيّم

استشارة الزوجة والاستبصار برأيها 
اقتضت حكمة الله البالغة أن يكون المجتمع الإنساني مؤلفا من عنصرين هامّين ـ لا غنى لأحدهما عن الآخر ـ هما جنس الرجال وجنس النساء .
وركّب في كل منهما ميلا ورغبة في الآخر ليكمل بهم النظام الاجتماعي . وشرع لتحقيق هذا الميل وهذه الرغبة رابطا مقدسا يحقق هدفا نبيلا ، ويجعل العلاقة بين الرجل والمرأة محفوفة بالطهر والعفة ، والرحمة والمودة ، والعناية والرعاية ، والتعاون والمسؤولية .... وهذا الرابط هو الزواج .
هذا الرابط المتين هو الذي ينشئ الأسرة الفاضلة .
وأنت تعلمين ـ أيتها الأخت الفاضلة الكريمة ـ أن المجتمع مؤلف في كليّته من مجموع أُسَرٍ فبقدْر تماسكها وترابطها ؛ تكون قُوّتُه ومتانَتُهُ ، وبقَدْر ضعفها وتفككها ؛ يكون تفلُّتُه وانحلاله .
وكلنا يعلم أن نظم الإسلام الاقتصادية والسياسية ... معطلة في أرض الإسلام من قبل خصومه ، مع تمالؤ الكثيرين من أبناء المسلمين ، حتى أن الروابط الاجتماعية كذلك أصبحت مهلهلة ضعيفة ، ورغم هذا التكالب على إلغاء أحكام الإسلام أو تهميشها ـ { والله غالب على أمره } ـ حفظ الله لنا نظام الأسرة التي هي المعقل الأخير الذي يروم الحاقدون تفتيته وتوهينه وتمزيقه ، رغبة منهم في حَلِّ عُرَى المجتمع الإسلامي وتعطيل قيمه ومبادئه .
فنراهم تارةً يرفعون شعار " تحرير المرأة " ، وطوراً " العنف ضد المرأة " وتارة أخرى " العنف في العائلة "، وهم يتناسون ـ جهلا منهم ، أو تجاهلا ـ التكريم الرائع ، والتوقير البالغ ، والحفاوة الشديدة ، والعناية الفائقة ، التي حظيت بها المرأة في ظل الإسلام أُمًّا وأُخْتًا وبنتا وزوجة ...
وأَجِدُك أختي الفاضلة توافقينني الرأي أن تكريم الإسلام للمرأة واضح وضوح الشمس للعيان ، فلا يحتاج منا سعيا في إظهاره ، ولا نصبا لمزيد البيان .
وحيث كانت تعاليم الإسلام تحظى بالعناية ، وأحكامه تحظى بالرعاية ، وكانت مبادئه محظية ، وحدوده مرعية ؛ كان تكريم المرأة أظهر ، وتقديرها أكبر .
وإذا ما كانت الحِظْوة للموروث من العادات الجامدة ، أو التقاليد المنحرفة الآثمة ، أو كان الافتتان ببريق المدنيّة الزائفة ؛ كانت المرأة بين تفريط وإفراط . تفريط يُضِيع حقوقها، ويُذِيب شخصيتها .
أو إفراط يؤدي إلى إهدار كرامتها ، وإرخاص قيمتها ، حتى أنهم لا يتورعون في جعلها آلة لإشباع نَزَواتهم الحيوانية الثائرة ، وغرائزهم البهيمية المُسْتعِرة ، أو اتخاذها أداة لتسويق سلعٍ  كاسدة ، أو التوصل بها إلى تحقيق مطامِعَ وأغراضٍ فاسدة .
وأرى من المفيد ـ في هذه العُجالة ـ أن أُتْبِعَ ما أسْلفتُ بيانا لحقٍ واحد من حقوق المرأة الوافرة الكاثرة ، والتي حاطها الإسلام بالصِّيانة والحماية ، وكللها بالرعاية والعِناية . هذا الحق هو حقُّ الرجوع إليها بالتشاور المفيد والاستبصار برأيها السديد . هذا الحق الذي إذا كان في رمال التفريط ضاع ، وإذا كان في أَوْحَال الإفراط إنْمَاع ، وإذا كان في الماء العذب الزلال أضاء واستنار كالشعاع .
لقد كانت المرأة تستشارُ ويُرْجعُ إلى رأيها في أكرم العصور وأفضلها وخيرها وأجلها ، وهو عصر النبي صلى الله عليه وسلّم . ففي كتاب " عُيون الأخبار " لابن قتيبة 1/82 بإسناده إلى الحسن رحمه الله تعالى : قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير حتى المرأة فتشير عليه بالشيء ؛ فيأخذ به . وقد ثبت من هديه صلى الله عليه وسلّم أنّه استشار أم سلمة رضي الله تعالى عنها ، وقد كانت راجحة العقل نافذة البصر ففي الجامع الصحيح للإمام البخاري برقم (1566) من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه في قصة الحديبية وفيها: قال فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه :" قوموا فانحروا ثم احلقوا "، قال فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك ؟ اخرج لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحَرَ بُدْنَك وتدعو حالِقَك فيحلِقَك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً" .
وقد أوضح الحسن البصري ما يؤخذ من هذه الواقعة‏،‏ من شرعية استشارة النساء‏،‏ فقال‏:‏ إنْ كان رسول الله لفي غنى عن مشورة أم سلمة‏،‏ ولكنه أحب أن يقتدي الناس في ذلك‏،‏ وأن لا يشعر الرجل بأي معرّة في مشاورة النساء‏.‏
قال د. البوطي :" وقد كان الخلفاء الراشدون يستشيرون النساء‏،‏ وكان في مقدمتهم عمر رضي الله عنه‏،‏ وكان أبو بكر وعثمان وعلي يستشيرون النساء ، ولم نجد في شيء من بطون السيرة والتاريخ أن أحداً من الخلفاء الراشدين حجب عن المرأة حق استشارتها والنظر في رأيها ‏".‏
ومما يدل على ثبوت حقّها في الاستشارة ما روى عبدُالله بنُ عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر تُستأمر وإذنها سكوتها " مسلم (1421). وعن أمِّ المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : جاءت فتاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أبي زوجني ابن أخيه يرفع بي خسيسته ، فجعل الأمر إليها ، قالت : فإني قد أجزت ما صنع أبي ، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء " أخرجه الإمام أحمد في المسند (24522) . وأخرج الإمام البخاري في صحيحه : في الأدب : باب لا يجاهد إلا بإذن الأبوين برقم (5972)  عن عبد الله بن عمرو قال : قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أجاهد ؟ قال : لك أبوان ؟ قال : نعم ، قال : ففيهما فجاهد ". وهذا فيه لزوم استشارة الأمّ قبل الخروج ، إذ كيف يحصل على موافقتها ـ إن لم ترض ابتداءً ـ من غير الرجوع إليها واستشارتها . واستشار عمر رضي الله عنه حفصة في المدة التي تحدد لابتعاد الزوج عن زوجته وأمضى كلامها وأصدر مرسوماً بذلك . وذكر ابن حجر في الإصابة عن أبي بردة عن أبيه قال: ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة رضي الله عنها، إلا وجدنا عندها فيه علماً . وقال عطاء: كانت عائشة أفقه الناس وأحسن رأياً في العامة .
إن المرأة مخلوق كريم ، ولها شخصيتها ، لذا كان من حقها أن يُرْجَعَ إليها في الاستشارة وإسداء الرأي والنصح ، فيما تطيقه ، وفي حدود خبرتها واختصاصها ، من غير إفراط أهل المجون والجهالة الذين يخرجونها عن أنوثتها وحُنُوِّها ورِقَّتِها ، حتى يجعلونها تزاحم الرجال في أمور الإمامة العظمى ، ولربما تسيير الجحافل والجيوش . ومن غير تفريط ذوي الجهل والجمود ؛ الذين ينظرون إلى المرأة كمخلوق مهين ، لا شخصية لها ولا اعتبار ، فيمنعونها حقها في الاستشارة ـ وغيرها من الحقوق . ولعلك أختي الكريمة الفاضلة لا تعجبين ـ لعموم البلوى ـ من أقوالهم الجائرة ودعاويهم الكاذبة والتي تنهى عن مشاورة النساء وتحذر منها، كقولهم :" شورة المرأة إن نفعت بخراب سنة، وإن ما نفعت بخراب العمر "، وكقولهم " شاوروهن وخالفوهن " وينسبونه إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم . وليس هو بحديث ، وإنما هو كلام مختلق ، ولعله تسرّب إلى العامة من الرافضة المبتدعة ، فقد قرأت في بعض كتبهم في أحد مواقعهم (رافد) على شبكة الإنترنت:" باب كراهية مشاورة النساء إلا بقصد المخالفة " وساق صاحبُه خبرا فيه مجاهيل ، وفيه " يا علي إن كان الشؤم في شيء ففي لسان المرأة ".
فالحمد لله الذي جعل الدين قواما ، وجعل حفظ الحقوق ، وإقامة الحدود أمراً لِزاما .
 
 
 
 
 
نشر في : مجلة إشراقة ؛ ( مجلة أسرية اجتماعية ثقافية ، ودعوية ) – أم الفحم .
العدد العاشر ، صفر 1423 هـ = أيار 2002 م

2 - أبريل - 2010
التربية الخاصة
الفريق سعد الدين الشاذلي والحرب الأمريكية القادمة ضد إيران.    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

 

الحرب الأمريكية القادمة ضد إيران شكلها وتداعياتها
قراءة فى الحرب الأمريكية
بعد تفكك الاتحاد السوفيتى، وبعد أن أصبحت الولايات المتحدة هى القطب الأوحد فى النظام العالمى الجديد، شنت الولايات المتحدة خمسة حروب ضد عدد من دول العالم الثالث التى أسمتها بالدول الهادفة لمجرد أن تلك الدول رفضت الهيمنة التى كانت أمريكا تريد فرضها على تلك الدول. وتلك الحروب هى ما يلى:
  • حرب الخليج الثانية من 17/1/91 حتى 28/2/91.
  • عملية ثعلب الصحراء ضد العراف من 15/12/98 حتى 18/12/98
  • الحرب ضد يوغوسلافيا من 24/10/2001 حتى 14/11/2001
  • الحرب ضد العراق من 19/3/2003 حتى 9/4/2003
ورغم الاختلاف الظاهرى فى طبيعة العمليات فى كل من تلك الحروب، إلا أنها كانت تتفق فى أسلوب التخطيط وإدارة الحرب من الوجهة السياسية والحربية. ومن هذه الخطط يمكننا أن نكتشف نقاط القوة التى تتمتع بها أمريكا، وكذلك نقاط الضعف التى يمكن للدول والشعوب التى ترفض الهيمنة الأمريكية أن تلجأ إليها.
وإذا كانت الإستراتيجية الأمريكية قبل تفكك الاتحاد السوفيتى مبنية على أساس قدرة الولايات المتحدة أن تقاتل فى جبهتين ضد دولتين من دول العالم الثالث، دون أن يتأثر التوازن العسكرى بينها وبين الاتحاد السوفيتى فى الجبهة الأوروبية، فقد أثبتت حرب الخليج الثانية خطأ هذه النظرية فمن أجل حشد القوات الكافية لضرب العراق، اضطرت أمريكا إلى سحب معظم قواتها التى كانت تتمركز فى الجبهة الأوروبية. وبالرغم من كل ذلك فقد كانت أمريكا فى حاجة إلى دعم عسكرى إضافى من الدول الصديقة المتحالفة معها. وعندما بدأت هجومها ضد العراق، كانت القوات الأمريكية تمثل فقط 50% من حجم قوات التحالف. وهذا يعنى أن أمريكا لا تستطيع وحدها أن تشن حرباً ضد دولة من دول العالم الثالث المتوسطة الحجم، إلا إذا ضمنت مقدماً تأييد جميع أو غالبية دول العالم لها فى هذه الحرب سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
نقاط الضعف الأمريكية
رغم أن أمريكا تتمتع بتفوق ساحق فى مجال القتال عن بعد بواسطة الطائرات والصواريخ، إلا أن هذه القوة الساحقة تحمل فى طياتها نقاط ضعف خطيرة إلا تحولت الحرب إلى قتال عن قرب. ويمكن تلخيص نقاط الضعف الأمريكية فيما يلى:
- تحرص أمريكا قبل أن تقوم بحرب ضد أى دولة من دول العالم الثالث المتوسطة الحجم، على أن تحصل على تأييد دولى على المستوى السياسى والعسكرى والاقتصادى.
- لا تميل إلى استخدام قواتها البرية إلا فى حالات الضرورة القصوى، لأن استخدامها يؤدى إلى خسائر بشرية كبيرة. وبالتالى فإن أكثر ما يزعج أمريكا فى الحروب هو حرف العصابات. وحربها الأخيرة فى العراق هو خير شاهد على ذلك. فطبقاً للأرقام المعلنة بواسطة السلطات الأمريكية، فإن خسائرها فى الحرب النظامية التى استمرت ثلاثة أسابيع 751 قتيل. أما خسائرها نتيجة حرب العصابات ضد قوات الاحتلال الأمريكى من10/4/2003 وحتى 20/2/2006 بلغ 2278 قتيل وأكثر من 8000 جريح. ولا يدخل ضمن هذه الأرقام القتلى من غير الأمريكيين الذين يتعاونون مع سلطات الاحتلال، حيث أنهم أهداف قوات المقاومة ضد الاحتلال.
- لا تستطيع أمريكا أن يتحمل وحدها تكاليف الحرب. وعلى سبيل المثال، فإن تكاليف الاحتلال الأمريكى لأفغانستان والعراق يبلغ 80 مليار دولار سنوياً ويتحمل حلفاؤها 40 مليار دولار أخرى.
- أمريكا لا تتبع نظام التجنيد الإجبارى. فجميع جنودها من المتطوعين، وبالتالى فإن الجنود الذى يتطوعون للخدمة بالقوات المسلحة الأمريكية هم أكثر الفئات الأمريكية فقراً، وأقلهم حظاً فى الحصول على قدر من التعليم. وهم ينضمون إلى القوات المسلحة الأمريكية، لأن البديل المتاح إليهم هم البطالة. ولكن لا أحد يريد أن يتطوع لكى يموت أو يصاب بعاهة مستديمة من أجل حرب غير عادلة. ونظراً لازدياد عدد القتلى والجرحى فى العراق نتيجة عمليات المقاومة، فهم يهربون من الخدمة أو لا يقومون بتجديد تطوعهم عندما يحل موعد انتهاء عقودهم. وقد خلق هذا الموقف صعوبات كبيرة أمام القيادة الأمريكية لكى تستكمل حاجتها من الجنود.
- رغم أن الألغام البحرية هى أرخص الأسلحة، إلا أن استخدامها بكثافة فى الممرات البحرية تسبب إزعاجاً كبيراً للقوات البحرية الأمريكية.
وأن استغلال الدول التى ترفض الهيمنة الأمريكية لنقاط الضعف المذكورة، لا تعنى أنها قادرة على تحقيق نصر حاسم ضد الولايات المتحدة، ولكنها تعنى أنها ترفع ثمن انتصار الولايات المتحدة على تلك الدول، مما قد يردع الولايات المتحدة ويدفعها إلى الإقلاع عن التفكير فى غزو تلك الدول وإخضاعها بالقوة إلى الهيمنة الأمريكية. وهذا هو ما تفعله حالياً كل من إيران وكوريا الشمالية. وهو أيضاً ما تحاول قوات المقاومة العراقية القيام به ضد الاحتلال الأمريكى للعراق.
السلاح النووى وقيود استخدامه
لم يعد إنتاج القنبلة النووية سراً منذ زمن بعيد. ففى عام 1977 تمكن طالب من جامعة بريستون ، يدعى جون فيليبس ، وكان عمره أقل من عشرين سنة، أن يقدم لأستاذه نموذجاً لقنبلة نووية معتمداً على المعلومات الغير محظورة. كانت القنبلة فى حجم الكرة التى يلعب بها المصطافون على الشواطئ. كانت قوتها التدميرية عشرة آلاف طن من المفرقعات التقليدية،وكان تكاليف تصنيعها ألفين فقط من الدولارات (جاء ذلك فى التقرير السنوى المقدم لمجلس الشيوخ الأمريكى عام 2002) ويعتبر هذا النموذج الذى صممه فيليبس , هو النموذج المثالى لم يمكن أن تنتجه الجماعات الإرهابية، أو الدول الغير نووية. وإذا كان الأمر كذلك، فما الذى يمنعهم من إنتاج هذه القنبلة؟ هناك مشكلتان.
المشكلة الأولى هى أن الدول المالكة للأسلحة النووية، تفرض حصاراً شديداً على انتقال المكونات لتلك القنابل إلى الدول الغير نووية. بل أن بعضها يلجأ إلى التدخل العسكرى لإجهاض أى محاولة لتصنيع تلك القنابل النووية. فقد قامت المخابرات الإسرائيلية بعملية تخريب معدات المفاعل النووى العراقى عندما كانت فى المخازن فى فرنسا فى انتظار شحنها إلى العراق فى إبريل 1979. كما قامت الطائرات الإسرائيلية فى 7 يونيو 1981 بتدمير المنشآت النووية العراقية للمرة الثانية فى بغداد. وأنه لمن المؤسف حقاً أن فرنسا التى أنتجت المفاعلين النووين لحساب العراق، هى نفسها التى ساعدت إسرائيل لكى تدمرهما!!
والمشكلة الثانية هى أن من يمتلك السادح النووى يجب أن يكون لديه القدرة على امتصاص الضربة الأولى، وأن يكون قادراً على توجيه الضربة الثانية إلى الخصم. وهذا يكاد يكون مستحيلاً بالنسبة للدولة، حيث أن المنشآت النووية كبيرة ولا يمكن إخفاؤها، وتعتمد على الخبرات الأجنبية التى لا يمكن أن نضمن ولاءها. ولكن ذلك لا ينطبق على القنبلة النووية البدائية التى يمكن تصنيعها فى غرفة واحدة كما فعل فيليبس عام 1977.
ومن هنا ظهرت مدرستان حول أسلوب استخدام الأسلحة النووية. تقول المدرسة الأولى أنه لا الدول الغير نووية، ولا الجماعات الإرهابية، ولا الجماعات التى تقاوم الاحتلال الأجنبى بقادرة على تحمل الضربة الأولى ثم تكون قادرة على توجيه الضربة الثانية للدولة التى اعتدت عليها. أما المدرسة الثانية فهى تعارض هذا الرأى. وتقول أنه فى الإمكان تصنيع عشرات القنابل النووية البدائية التى لا يزيد وزن الواحدة منها بجميع مكوناتها عن 25كجم، بطريقة سرية. ثم تهريبها إلى خارج البلاد فى حيازة خلايا نائمة يتم إيقاظها فى الوقت المناسب. فإذا تم ذلك فإن الدول أو الجماعات الجائزة لتلك القنابل المنتشرة فى أماكن كثيرة قادرة على امتصاص الضربة الأولى، وأن توجه ضربات انتقامية مؤلمة للطرف الذى اعتدت عليها.
معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية
فى مايو 1995، أصدر مؤتمر نيويورك الذى شاركت فيه 168 دولة من بينها مصر قرارا بحظر انتشار الأسلحة النووية. وفيما عدا إسرائيل والهند والباكستان التى أعلنت رفضها، فقد أصبحت جميع الدول التى حضرت هذا المؤتمر ملتزمة أبدياً بهذه المعاهدة. ورغم أن إسرائيل كانت تمتلك أسلحة نووية منذ عام 1975، ورغم أن المجتمع الدولى كان يعلم ذلك، فإن أمريكا أرادت لإسرائيل أن تستمتع بموقف قانونى يحرم على الوكالة الدولية للطاقة النووية التفتيشات التى تفرضها معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. والآن وطوال العشر سنوات الماضية، وعشرات من السنين القادمة، فإنه كلما تحتج دولة عربية أو إسلامية لدى الأمم المتحدة أو لدى الوكالة الدولية للطاقة النووية، وتتساءل لماذا تفتشون علينا ولا تفتشون على إسرائيل، فإن الإجابة جاهزة: لأنها ليست موقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
التحالف الأمريكى الصهيونى ضد إيران
فى خلال عام 1993، حصلت إيران على موافقة الصين على تقديم المساعدة الفنية لبناء محطة كهربائية قوتها 300 ميجاوات على أن تعمل بالوقود النووى. ورغم أن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التى صدرت فى مايو 1995 لا تحرم استخدام الذرة فى الأغراض السلمية، إلا أن الرئيس الأمريكى Bill Clinton فرض المقاطعة التجارية على إيران فى إبريل 1995. وكان تبريره لهذا القرار ما يلى:
  • إن إيران نسعى لأن نتخذ من وراء اتفاقها مع الصين إلى التوصل إلى التقنيات التى تمكنها من إنتاج الأسلحة النووية.
  • وأنها تقوم بتشجيع عمليات الإرهاب الدولى.
  • وأنها تعرقل التوصل إلى السلام فى منطقة الشرق الأوسط.
  • وأنها تمارس ضغوطاً على أنظمة الدول المجاورة لها.
  • وأنها كانت تقوم بتحديث أسلحتها التقليدية.
وازداد الموقف تدهوراً بين إيران من جانب وبين أمريكا وإسرائيل من جانب آخر بعد أن تولى أحمدى نجاد منصب الرئاسة فى إيران. ففى 26/10/2005 قال الرئيس الإيرانى فى خطاب له "إن إسرائيل يجب شطبها من الخريطة. وأن إيجاد عالم خال من أمريكا وإسرائيل يمكن تحقيقه. ومنذ هذا التاريخ بدأ العد التنازلى لقيام كل من أمريكا وإسرائيل – وبدعم أوروبى – بتوجيه ضربة قوية ضد إيران. والصراع الذى يدور الآن هو: كيف ستكون هذه الضربة. هل تكون على شكل غزو إيران كما كانت الحالة بالنسبة لأفغانستان وبالنسبة للعراق. أم يكون على شكل قصفات جوية وصاروخية، يتم خلالها تدمير جميع المنشآت النووية الإيرانية، بالإضافة إلى تدمير البنية النحتية وفى اعتقادى فإن الحل الثانى هو الحل المتاح.
الخطة الإيرانية للتصدى
إذا افتراضنا أن الخطة الأمريكية ضد إيران ستكون على شكل ضربات جوية وقصفات صاروخية يوجه إلى أهداف من بعد. وان هذه الهجمات قد تستمر إلى أسبوعين تقريباً .. فإن عناصر الخطة الإيرانية سوف تعتمد على ما يلى:
  • تعزيز الدفاع الجوى لإسقاط أكبر عدد ممكن من الطائرات والصواريخ.
  • توجيه ضربات انتقامية ضد إسرائيل.
وإذا استعرضنا الإمكانيات الدفاعية المعروفة لدى إيران، فإننا نجد أنه ليس لديها دفاع جوى قوى يمكن أن يتصدى للطائرات والصواريخ التى تهاجمها. أما بخصوص الضربات الانتقامية ضد إسرائيل فنحن نعلم أن إيران تمتلك صواريخ أرض ذات مدى يمكن أن تصل إلى إسرائيل. ولكن هذه الصواريخ لا تحمل رؤوسا نووية، وأقصى ما يحمله كل صاروخ هو طن واحد من المفرقعات التقليدية، وهى كمية محدودة لا يمكن أن تشكل قوة درع بالنسبة لإسرائيل.
وهذا ما يثير حيرة المحلل السياسى والمحلل العسكرى عندما يسمع التصريحات النارية التى تصدر من الزعماء السياسيين والقادة العسكريين الإيرانيين، والتى تندر كلا من أمريكا وإسرائيل بعظائم الأمور إذا ما فكروا فى الهجوم على إيران.
  • هل توصلوا إلى إنتاج أسلحة دفاع جوى فعال يمكن أن يسقط الطائرات والصواريخ التى ستهاجمهم.
  • هل سيقومون بعمليات استشهادية ضد الأهداف البحرية والبرية.
  • هل سيقومون بعمليات استشهادية ضد أهداف أمريكية وإسرائيلية خارج إيران.
  • هل سيشعلون النيران فى حقول البترول.
  • ما هو مدى استجابة الشعب العربى والأمة الإسلامية إلى النداءات التى سوف تنطلق من طهران لضرب المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وإسقاط الأنظمة الصديقة لهما.
كل هذه الأسئلة لا يستطيع أن يتنبأ بها أحد.

3 - أبريل - 2010
هنا أرض الكنانة
د/ محمود عكام الحلبي، وعولمة الغرب وعولمة الإسلام    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

بين عولمتين ، عولمة الغرب وعولمة الإسلام ، وعلى العاقل أن يختار
القسم الأول : عولمة الغرب :

أولاً : تعريف العولمة :
العولمة : من العالم ، على وزن " فوعلة " أو " فعللة " وهو رباعي مخترع . وتعولمنا : أي صرنا عالميين . والعالمية : اتحاد شعوب العالم في جميع أمورها على نحو واحد وهيئة واحدة بالجملة . ويغدو الانتماء للعالم كله بدلاً من الانتماء لدولة ، فهي باختصار : إعطاء الشيء صفة العالمية من حيث النطاق والتطبيق .
وقد عرفت العولمة بأنها : الحركة الاجتماعية التي تتضمن انكماش البعدين الزماني والمكاني مما يجعل العالم يبدو صغيراً يحتم على البشر التقارب بعضهم من بعض .
وهناك تعريف يقول : هي التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك ، دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة ، أو انتماء إلى وطن محدد لدولة معينة ، ودون حاجة إلى إجراءات حكومية . وهي باختصار : هيمنة نمط الإنتاج الرأسمالي وانتشاره في الصميم ، مضافاً إلى انتشاره في الظاهر .
وبعبارة أخرى : هيمنة النمط الرأسمالي الأمريكي ، ليتلازم معنى العولمة في مضمار الإنتاج والتبادل المادي ، مع معنى الانتقال من المجال الوطني أو القومي إلى المجال العالمي وذلك ضمن مفهوم تعيين مكاني جغرافي وهو الفضاء الكوني برمَّته ، وتعيين زماني تاريخي وهو حقبة ما بعد الدولة القومية .
وإن هذا المعنى يصب في عودة الهيمنة الغربية من جديد ، ولكنها تحمله على أجنحة المعلوماتية والعالم المفتوح ومدججة بالعلم والثقافة ، حتى وإن كانت غير إنسانية ، وهكذا خرج النظام الرأسمالي من واجهة المزاحمة والمنافسة الحرة إلى واجهة الاحتكار والهيمنة والاستعمار .
ونؤكد هنا أمراً نستعجل ذكره فنقول : إن الرأسمالية والعولمة مخالفة للفطرة والعقلانية ، وسيكون مصيرها نتيجة لهذا نفس مصير الشيوعية والاشتراكية سقوطاً وزوالاً ، ولعل " عولمة الإسلام " الجادة الصحيحة هي المرشح البديل .

ثانياً : جذور العولمة الغربية :
ظهرت الليبرالية الجديدة بعد انتهاء الحرب الباردة وبعد سقوط الشيوعية وتفكك الاشتراكية وتفسخ اليمين التقليدي ، وكان ظهورها بثوب العولمة لتغزو كل الدول وتدعو إلى حرية انتقال رأس المال ، وإلغاء الحواجز الجمركية ، والإطاحة بالأنظمة لتعزيز حرية المبادلات التجارية ، بحيث أفرز نوعاً من التباعد بين النشاط المالي والنشاط الاقتصادي ، فمن أصل رأسمال قدره ألف وخمسمائة مليار دولار تدور في دوامة العمليات اليومية على الصعيد العالمي نجد أن هناك واحداً بالمائة فقط يخصص للبحث عن ثروات جديدة ، بينما يدوَّر الباقي في إطار المضاربات . ومعه تحول النظام الرأسمالي إلى نظام عالمي بقيادة أمريكا ، والسبب هو أن أمريكا واسعة من حيث الثروات وديموقراطية ولو بنسبة من حيث النظام ، وممتدة من حيث الجغرافية ، ووفيرة من حيث السكان ، وقد ابتدأت أمريكا بسلوك اتجاه فرض هيمنتها على العالم ، مع تعاظم القوة الاقتصادية للشركات المتعددة القوميات ، والتي مثلت سلطة هذه العولمة دون أن تعلن عن هويتها أو ولاءاتها .
وكلنا يعلم ويذكر المظاهرات الاحتجاجية التي نظمت في " سياتل " عام ألفين ، بمناسبة اجتماع وزراء الدول الأعضاء في منظمة التجارة الدولية , وقد استطاع المتظاهرون احتجاز الرئيس الأمريكي " بيل كلينتون " في الفندق أربع ساعات ونصف , وبعد أن وصل إلى المؤتمر أشار في خطابه إلى أن الدول يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الشعارات التي نادى بها المتظاهرون , وقد سمعها بنفسه وكان منها :
- " الرأسمالية وحش قاتل " .
- " نطالب بقيم الإنسان , وليس بقيم ملاَّك الشركات الكبرى " .
- " النظام الرأسمالي يدفع المواطنين إلى الانتحار " .
وكذلك جرى في " ما لبورن " باستراليا , إذ قامت مظاهرة مناهضة ومنددة إبان افتتاح " قمة آسيا المحيط الهادي للمنتدى الاقتصادي العالمي " , وكان من جملة ما رفعه المتظاهرون من شعارات :
- " ناهضوا العولمة قبل أن يملكنا رجال الأعمال والمال " .
وفي بيان وقعته / 1200/ منظمة من سبع وثمانين دولة جاء فيها : " إن منظمة التجارة العالمية في السنوات الخمس الأخيرة قد أسهمت بدور بارز في تركيز الثروة في أيدي أقلية من الأثرياء , جنباً إلى جنب مع تفشي الفقر لأغلبية سكان الأرض , ... إن الاتفاقات التي أبرمت في الأرغواي للتجارة قد استهدفت فتح أسواق جديدة لصالح المؤسسات متعددة الجنسيات , وعلى حساب الاقتصاد الوطني والعاملين الزراعيين " .

ثالثاً – أهداف العولمة الغربية :
إن أهم أهداف العولمة الغربية : سيادة النظام الغربي , وهيمنة الأفكار الغربية وثقافتها , إذ أن جوهر وكُنه عملية العولمة يتمثل - وبصورة خاصة – في تسهيل حركة الناس وانتقال المعلومات والسلع والخدمات على النطاق العالمي .
وتشمل الحركة والانتقال , إذاً , أموراً ستة :
أ – رأس المال .
ب – السلع .
ج – الأفكار .
د – الأفراد .
هـ -الخدمات .
و – المعلومات والمؤسسات الاقتصادية .
وعلى هذا : فالعولمة الغربية تتجلى أكثر ما تتجلى في مجالين أساسيين هما : المجال الاقتصادي والمجال السياسي . وقد تداخل المجالان وتبدًّيا من خلال :
أ – الإقبال المتنامي على التكتل الاقتصادي .
ب – تعاظم دور الشركات متعددة الجنسيات وتنامي أرباحها .
ج – إثارة المشكلات الاقتصادية وتدويلها : كالفقر والأمية والتلوث .
د – تزايد دور التقنيات والتغييرات السريعة في أسلوب الإنتاج ونوعيته .
هـ - شيوع ظاهرة القرية العالمية والأسرة الواحدة , وكثرة الاحتكاك بين الشعوب .
و – تقدم وسائل الإعلام وتطورها , وتأثيرها الكبير على حياة الإنسان , وتشابك الثقافات وتداخلها .
ولا يخفى بعد هذا : أن العولمة أضحت تعني " الأمركة " والأمركة تعني السيطرة والهيمنة والتحكم والتلاعب بالسياسة والاقتصاد في مختلف البلاد والعباد , بل قد أخذت تمتد وتمتد لتطال ثقافات الشعوب , وتنال من الهويات الوطنية والقومية , وطفقت تسعى جادة لتعميم نمط من السلوك والأخلاق والآداب وأساليب العيش والتدبير , والأمر في حقيقته احتلال للعقل وللتفكير , وتسييرهما بعد الاحتلال وفق أهداف المحتل ومصالحه الشخصية , وقد أشار الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب إلى ذلك وأكد عليه حين قال في أجواء الاحتفال بالنصر في حرب الخليج الثانية : " إن القرن القادم سيشهد انتصار القيم الأمريكية وأنماط العيش والسلوك الأمريكي " .

رابعاً : أدوات العولمة الغربية :
1- الشركات متعددة الجنسيات : إن الشركات تعد اليوم من أهم الأدوات التي تستخدمها الرأسمالية الغربية ، ولا سيما الأمريكية ، وذلك للعوامل التالية :
أ – الشيوع الواسع والانتشار السريع ، ولقد بلغ عدد الشركات متعددة الجنسيات ما يقرب من أربعين ألف شركة ، يطال نشاطها القارات الخمس والمحيطات الست .
ب- نهوض تلك الشركات بمهمة تدويل المنتجات والخدمات والتجارة والاستثمارات ، مما أدى إلى سيادة أنماط عالمية في ميدان الاستثمار والاستهلاك والتصدير والتسويق .
جـ - انسلاخ النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي عن المواقف المشرفة وعن المشاعر والعواطف الإنسانية كلما تصادم حق الإنسانية مع حيوية الاقتصاد ، وقد فصل عن العمل في المؤسسات الأمريكية ما يقارب خمسين مليون عامل ، في مدة لا تتجاوز العشرين عاماً الماضية .
2- إسرائيل إحدى أدوات العولمة : لأنها تفتت الوحدة المنشودة لمنطقة الشرق الأوسط ، أو للأمة العربية ، في رأس حربة تغرز في جسم من يمكن أن يحمل لواء عولمة مقابلة ، بل محبطة لعولمة الغرب .
وقد سعت أمريكا منذ فترة ليست وجيزة إلى دعم إسرائيل مادياً وعسكرياً واقتصادياً ، وقد صرَّح أحد الرؤساء الأمريكيين قائلاً : " إن لأمريكا مصلحة خاصة ليس في إسرائيل فقط ، بل في التعاون المشترك بين بلدينا في المنطقة ، ونحن نتفهم ونؤيد بحزم حاجة إسرائيل إلى الاحتفاظ بالتفوق العسكري النوعي على خصومها العرب ، ويلزم إقامة لجنة أمريكية إسرائيلية مشتركة في ميدان التقنيات وصنائع القرن الحادي والعشرين " .
3- الفساد الجنسي : لأنه يجلب اقتصاداً للشركات الكبرى ، وهذه الشركات لا يهمها إلا الربح ، ولم يعد الأمر بالنسبة لها فضيلة أو سواها ، بل القضية احتكار ربح . وتفيد أرقام منظمة الصحة العالمية أن خمسمائة ألف امرأة وصلن إلى دول الاتحاد الأوروبي في نهاية 1995 عبر المتاجرة بهم ، وقدر المسؤولون الأمريكيون في مؤتمر بكين الخامس عدد تلك النساء اللواتي دخلن إلى الولايات المتحدة الأمريكية بخمسين ألف امرأة .

خامساً : سلبيات أخرى في العولمة الغربية :
1- يحكم هذا النظام قانون تضخيم الأرباح ولو على حساب أرواح جياع ملايين من الناس.
2- يحكم هذا النظام العلمانية " التي ترفض كل الشرائع الإلهية ، ومرجعية النظام العلماني : المنفعة الخاصة المادية " .
3- أشاعت الفساد الأخلاقي ، فقد انتشرت المخدرات ، وجرائم القتل ، وسقطت كرامة الإنسان ، وبُدِّل أمنه خوفاً ، وهبطت المثل ، وتفوقت الماديات على المعنويات في كل شيء .
4- انتشر الفقر وازداد سطحاً وعمقاً ، فقد دلت الدراسات على أن ثلاثة مليارات ونصف المليار من سكان العالم لا يحصل إلا على 6% فقط من الدخل العالمي ، فيما يحصل الملياران ونصف المليار الأخرى على 94% من الدخل العالمي ، وفي تقرير رسمي نشر فيه : " إن أربعين ألفاً يموتون يومياً جوعاً ، وإن ما يقرب من مليار إنسان يعانون من سوء التغذية ، وإن حوالي مليار ونصف المليار من دون مياه صالحة للشرب ، وإن مليار إنسان عاطل عن العمل ، وإن ثلاثمائة وخمسين ألف طفل يموت يومياً في أنحاء العالم ، بينما يقدر ما تسيطر عليه شركات السلاح وأسواق المخدرات من المال بـ 90% من الاقتصاد العالمي .
5- إن العولمة الغربية قضت على حقوق الإنسان الثقافية : فالعولمة الغربية كالوحش الكاسر ، التي تأتي على الأخضر واليابس الذي نبت خارج إطارها ، لتمحوه وبدون هوادة ، ومن المعلوم أن لكل مجتمع قيمه المتجذرة فيه ومُثله الراسخة في ضميره ، وهذه القيم وتلك المثل هي التي تشكل نظرته ، لكن العولمة تقضي عليها وتُحلّ محلها قيمها ومثلها المادية ، ولا يخفى أن المعاهدات الدولية تؤكد على أن للإنسان الحق في التمسك بثقافته الخاصة ، والتكلم بلغته الخاصة ، والتجاهر بدينه الخاص والإعلان عن مذهبه الخاص ، ولكن العولمة تبغي تعميم ثقافة واحدة على سائر أركان المعمورة ، وهل هذا إلا افتراء ؟! وقد عرف عن أمريكا تفوقها على بقية الدول في نسبة ما تصدر من مواد ثقافة فكرية وترفيهية ، تنشيطية ، ومسرحيات وأفلام وبرامج ، إلى حد أن صادراتها في هذا الشأن تفوق صادراتها في المجالات الأخرى .
6- بلاء التلوث الذي سببته الصادرات الصناعية الأكثر تلويثاً للبيئة ، وقد تكون المجتمعات المستوردة ليست ذات حاجة ، لكنها وبفعل ضغط الدعاية العولمية والتسهيلات المادية ظاهراً تغدو في حالة شعور بحاجة إلى ذلك .

القسم الثاني : عولمة الإسلام :

أولاً : تمهيد :
خلق الله الإنسان على فطرة اجتماعية ، فهو أبداً يهوى العالمية " العولمة " والتعولم ، فقد قال تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات : 13 . والإنسان أينما كان وحيثما كان موطنه فهو إنسان ، له ذات المشاعر والأحاسيس التي يحملها الآخر بشكل عام ، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : " المؤمن آلف مألوف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلف " . ولهذا فالعولمة الصحيحة غاية إنسانية لا بد منها ، ولعل أهم الهواجس الإنسانية لدى الإنسان البحث عنها والدخول فيها فرداً ذو مستوى معين يرتقي ويرتقي حتى يصل إلى سدة الخواص ، فخواص الخواص ، وذلك بالسعي النافع والعمل الناجع والعطاء المفيد ، فخير الناس – على سبيل العموم – عند الله أنفعهم لعياله ، كما ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

ثانياً : الإسلام نادى بالعولمة ودعا إليها :
وها نحن نستعرض نداءات القرآن للناس كافة من أجل أن ينضووا تحت لواء الإسلام , دين الإنسان العالمي منذ بدء الخليقة وإلى قيام الساعة .
قال تعالى : ( إن الدين عند الله الإسلام ) . آل عمران : 19 . ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) . آل عمران : 58 . وقال أيضاً مخاطباً رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) . سبأ : 28 . وقال تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) . الأنبياء : 107 . وقال تعالى : ( يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ) الأعراف : 158 .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل نذكر منه موطن الشاهد ، أخرجه مسلم : " وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " . وقال صلى الله عليه وآله وسلم : " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " .
أجل ، لقد نادى الإسلام بالعولمة وفق أسس لا مناص من قبولها إذا أعمل الإنسان عقله وفكره فيها وأخلص للخير والنفع العام ، لكن الحكام غير الشرعيين الذين تعاقبوا على حكم قسم أو أقسام من عالم الإسلام غيَّروا وبدلوا وحرفوا وألحقوا بالإسلام ما ليس منه ، نقصوا منه ما هو من صميمه ، فحرموا العالم أو بعضه أو ربما جله رحمة العولمة الخيرة .
وتقدم الزمان وتوالت أجيال محرومة من عولمة الإسلام ، وتململ الغرب من جهته ، وتحرك من تحت سياط الاستبداد ونير الاستعباد باحثاً عن النور فلم يبصر من جهة بلاد الإسلام إلا مظالم صادرة عن حكام ، وأخرى مثلها أنتجها تجار لبسوا لَبُوس الإسلام في ادِّعائهم ، لكنهم كانوا أُسارى منافعهم وأهوائهم وأغراضهم ، لذلك حنقوا على الإسلام ، وجهدوا باتهامه بعدم الصلاحية ، وجدوا في القضاء على الخلافة العثمانية التي ساهمت بنصيب غير قليل في تغيير صورة الإسلام النقية ، وقسموا العالم كتلتين ، إحداهما غربية والأخرى شرقية ، ولما ذاقوا وبال هذا التقسيم عملوا على توحيد العالم فحذفوا الكتلة الشرقية من الخارطة ، وقرروا توحيد العالم تحت عولمة غربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية .

ثالثاً : مقومات العولمة الإسلامية :
إن الواجب علينا نحن الذين أسلمنا لربنا تحقيق العولمة الصحيحة ، وذلك بإعادة الاعتبار للإنسان وفق ما أمر الإسلام ، وإحياء الخلق الإسلامي ، ومفاهيم الحوار الحر ، كما كان الأمر جارياً مع كل الأديان والمذاهب على طول التاريخ الإسلامي ، انطلاقاً من مبدأ الأخوة الإنسانية والإسلامية غير المنحصرة في ضيق القوميات والعرقيات وغير المحدودة في الجغرافية المصطنعة والإقليمية ، وذلك على غرار ما أسسه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة بعد الهجرة إليها . وعلى ضوء هذه التقدمة نذكر المقومات التي هي :
1- الشرعة الإلهية ، أو الدستور الرباني : فالله هو الخالق والمنشئ والمبدع والعليم والحكيم ، وهو بالتالي المفوّض وحده بالتشريع وإرساء أسس التعامل وقوانين العلاقات المختلفة بين الإنسان والإنسان ، وبين الإنسان وربه ، وبين الإنسان والكون ، ومن أَولى بالإنسان منَ الله بذلك ؟! لا سيما وأنه طرح ذاته لهذه القضية فقال : ( ألا له الخلق والأمر ) الأعراف : 54 . أي له وحده خلق الخلق والتشريع ، وقال تعالى : ( ومن أصدق من الله قيلاً ) النساء : 122 . وقال تعالى : ( إنِ الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين ) الأنعام : 57 . ( ثم رُدُّوا إلى الله مولاهم الحقِّ ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين ) الأنعام : 172 . ( إنِ الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ) يوسف : 40 . ( وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون ) القصص : 70 . ( ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم ) الممتحنة : 10 . ( واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ) يونس : 109 .
2- شخصية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن قبله سائر الأنبياء عليهم السلام : والأنبياء يقومون بتجسيد الشرعة والتشريع , و تجلية الدستور في سلوك وسيرة , والإنسان عامة ً بحاجة ماسة بعد المبدأ المنطقي المناسب بحد ذاته إلى رؤيته مطبًّقاً منفذاً , وقد قلت في أكثر من مناسبة : " منطقية الفكرة تورث القناعة , ورؤيتها من خلال أنموذج عملي واقعي تخلِّف في القلب – مركز الإنسان – الاستقرار والاطمئنان " .
وقد قال تعالى عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وينسحب هذا على سائر إخوانه الأنبياء : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) آل عمران : 31 . وقال أيضاً : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) الأحزاب : 21 . وها هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذاته يخاطب العالم كله عبر رسائل وجهها إلى الملوك والرؤساء الذين كانوا في عهده ، ويبقى خطابه موجهاً إلى كل من جاء بعدهم فملكَ أو رأسَ أو حكم ، وحسبي هنا أن أشير إلى بعض ما ورد في هاتيك الرسالات على سبيل المثال وليس الحصر ، فقد جاء في الرسالة التي وجهها إلى هرقل عظيم الروم : " من محمد عبد الله ورسوله ، إلى هرقل عظيم الروم ، أسلم تسلم ، يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين : ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) آل عمران : 64 . وجاء في رسالته صلى الله عليه وآله وسلم إلى كسرى : " أدعوك بدعاية الله عز وجل ، فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين " وقال في رسالته إلى ملك البحرين : " فإنه من صلّى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم ، له ذمة الله وذمة رسوله ، فمن أحب ذلك من المجوس فإنه آمن ومن أبى فعليه الجزية " .

4- الاعتراف بالإنسان الآخر والإقرار بحقوقه كاملة :
جعل الإسلام الإنسان وحقوقه محور عولمته ، فالإنسان مكرّم أيَّما تكريم ، وحقوقه جدُّ مصونة ، وينبغي الأخذ بعين الاعتبار اتساع دائرة حقوق الإنسان اليوم اتساعاً كبيراً ، بحيث أصبحت تتناول قضايا لا يمكن معالجتها في نطاق إقليمي محدود ، بل تجب معالجتها على مستوى العالم ، كالحق في تحقيق السلام الذي غدا بحاجة إلى تصميمات أوسع نطاقاً من الدول المتنازعة والأطراف المتخاصمة ، وكذلك الحق في تحقيق التنمية الذي غدا بحاجة إلى تصميمات أوسع نطاقاً من الدول المتنازعة والأطراف المتخاصمة ، وكذلك الحق في تحقيق التنمية الذي أضحت فيه مسؤولية الدول القادرة متجلية واضحة تجاه الدول التي تنعدم فيها إمكانات التنمية ، لنقص الموارد وفقد المواد الخام ، وكذلك يكون الحق في امتلاك بيئة نظيفة عديمة التلوث . وعلى هذا فالحقوق الإنسانية كلها ما قَدُم منها وما جدّ ، ما ضاق وما اتسع ، مرعية ومحفوظة ومعتبرة ، بدءاً من حق الحياة ، ومروراً بحق الكرامة ، وانتهاءً بحق التعبير عن الرأي والفكرة .
ولا نريد هنا سرد الآيات والأحاديث التي فصَّلت هذا الشأن ، لكننا نكتفي بالتقرير فقط ، لنحيل راغب الإطلاع على المستندات والأدلة الشرعية ، إلى محالِّها من المصحف الشريف وكتب الحديث وكتب السيرة النبوية ، ومؤلفات الوقائع الاجتماعية لمراحل إسلامية ، وهكذا .

خامساً : وفي النهاية أمران :
1- تحذير : إذا لم ينتبه المسلمون لأنفسهم ويُعنَوا بأحوالهم ، فستكون خاتمتهم استعماراً جديداً تلفهم به العولمة ، وإذا ما وَعوا فإنهم قادرون على مواجهة العولمة الغربية الجانحة بعولمة إسلامية عادلة ، وهم يمتلكون مقوماتها ، وقد ذكر العالم الألماني " بول اشميد " في كتاب له كتبه قبل نصف قرن ، يحذر الغربيين من المسلمين ، ويحرِّضهم على إشعال الحروب الصليبية ورعادتها ضدهم ، ويعلل ذلك بأن المسلمين سيتغلبون عليهم إذا لم يتدارك الغرب الأمر ، وذلك لنقاط قوة المسلمين ، وهي :
1- قوة الثروات الطبيعية .
2- كثرة النسل .
3- الموقع الجغرافي ، فهو في منطقة حساسة هامة .
4- وثَّابية الدين الإسلامي ، وانتشاره السريع ، واستقطابه للجماهير ، بما يحمله من سهولة ومرونة وانفتاح وحرية ومنطق وعقلانية وحركة ونشاط .

2- مصير العولمة الغربية : إن العولمة الغربية في نظر ذوي العقول السليمة لم تؤسس على أسس عقلية ومنطقية ، ولا على قواعد أخلاقية ولا إنسانية .
وعولمةٌ هذه ملامحها السقوط مآلها ، كما حدث للعولمة الشرقية الشيوعية التي قامت يوم قامت على ذات المعايير المتخلية عن العدالة والفضيلة ، التي تقوم عليها عولمة الغرب اليوم .
وعلى الجميع أن يعلم :
إن عولمة الإسلام هي التي ستبقى ، لأنها تجمع بين ضرورة الازدهار المادي والعدالة والفضيلة والإحسان ، وليحذر المسلمون الذين يخالفون في دعوتهم للعولمة هذه الأسس أن يصيبهم ما أصاب أصحاب الشرق وما سيصيب أهل الغرب ، لأن لله سنناً عادلة تطال الناس بالسواء دون تمييز ، قال تعالى : ( كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء
 ربك وما كان عطاء ربك محظوراً ) .

- ألقيت في قاعة المركز الثقافي في مدينة إدلب / سوريا ، تاريخ: 25/2/2003
- وألقيت في  مجلس كنائس الشرق الأوسط في دير القديس يوحنا - مطرانية الروم الأرثوذكس -
   الجديدة - جسر الشغور بتاريخ : 21/10/2002

3 - أبريل - 2010
هنا أرض الكنانة
إذا كنت مهموماً مكروباً مديناً فخذ هذه الوصفة الناجعة.    ( من قبل 8 أعضاء )    قيّم

" وقل اعملوا" ...اسعَ ، ثم اسعَ ، ثم اسع....... ثم عجل بالتوبة إن كنت لا تصلي ، فصلِّ......ثم استغفر الله الغفور التواب الرحيم... ثم توجّه إلى الله ، وادعُه.......
أجاب الله دعاءك ، وفرّج عنك وعنا أجمعين.... آمين:


أدعية لتفريج الكرب، ونسأل الله جل وعلا، أن ينفعكم بها:

 
قوله صلى الله عليه وسلم: ما أصاب عبداُ همٌ و لا حزن فقال:" اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضِ في حكمك ، عدل في قضاؤك، أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي ، . إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحاً". رواه أحمد وصححه الألباني.(الكلم الطيب ص74).

• 
قوله صلى الله عليه وسلم: " لاإله إلا الله العظيم الحليم ، لاإله إلا الله رب العرش العظيم ، لاإله إلا الله رب السموات ورب الأرض و رب العرش الكريم". (البخاري ومسلم).

 • قوله صلى الله عليه وسلم دعاء المكروب : اللهم رحمتَك أرجو فلا تكِلني إلى نفسي طرفة عين ، وأصلح لي شأني كله لاإله إلا أنت الله ، الله ربي لاأشرك به شيئاً" ( صحيح سنن ابن ماجه،959/3).

• 
قوله صلى الله عليه وسلم :(" دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت :" لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" لم يدع بها رجل مسلم في شئ قط إلا استجاب الله له).

• 
وصيته صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه، وفيها :"ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دَيناً لأداه الله عنك ؟ قل يا معاذ : اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ، وتَنْزِع الملك ممن تشاء ، وتُعِزّ من تشاء ، وتُذِلّ من تشاء ، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير . رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، تعطيهما من تشاء ، وتمنع منهما من تشاء ، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك "..( رواه الطبراني ، وإسناده حسن).
 

3 - أبريل - 2010
التربية الخاصة
 193  194  195  196  197