البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات د يحيى مصري

 185  186  187  188  189 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
الإبل    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

«الابل‌ في‌ القرآن‌ والأدب‌ العربي‌ «العصر الجاهلي‌ نموذجاً»
د. يحيی معروف
(ملخص‌)
بينما كنت‌ُ أتلو هذه‌ الايات‌ من‌ سورة‌ الغاشية‌ «أَفَلا يَنْظُرُون‌َ اِلَي‌ الابل كَيْف‌َ خُلِقَت‌ْ(17) واِلَي‌ السَّمَاءِ كَيْف‌َ رُفِعَت‌ْ(18) واِلَي‌ الْجِبَال‌ِ كَيْف‌َ نُصِبَت‌ْ(19) واِلَى‌ الاَرْض‌ِ كَيْف‌َ سُطِحَت‌ْ(20)....» خطر ببالي‌ ما هو السر الكامِن‌ في‌ هذا المخلوق‌ الذي‌ ذَكَرَه‌ ربنا قبل‌ سماواته‌ اللاّنهائيّة‌؟ علماً بأنه‌ ذهب‌ علماء المعاني‌ في‌ مواضع‌ الوصل‌ الي‌ أن‌ّ «الوصل‌َ عطف‌ُ جملة‌ٍ علي‌ أخري‌ بالواو ويقع‌ عند اتحاد الجملتين‌ في‌ الخبريّة‌ والانشائية‌» لاشك‌َّ أنه ‌جل‌َّ و علا أنزل‌ آياته‌ البينات‌ متناسقة‌ من‌ حيث‌ النسج‌ و البيان‌ فما هو الارتباط‌ بين‌ الابل‌ و السماء والارض‌؟ أجل‌، انه‌ أردف‌ الابل‌ في‌ خلقتها بالسماء في‌ رفعها، وبالجبال‌ في‌ نصبها وبالارض‌ في‌ بسطها، فبدأ بالابل‌ التي‌ تعتبر خلقاً أرضياً ارتفعت‌ عن‌ الارض‌، ثم‌ صعد الي‌ السماء التي‌ تعتبر غاية‌ في‌ الارتفاع ‌والسمك‌، وعاد الي‌ الجبال‌ التي‌ هي‌ دون‌ السماء وفوق‌ الابل‌، ثم‌ نزل‌ الي‌ سطح‌ الارض‌، فهناك‌ صعود وهبوط‌، وفي‌ اختلافها تظهر قدرة‌ اللّه‌ وتتجلي‌ حكمته‌. فالمتأمل‌ للآيات‌ الكريمة‌ يجد عظمة‌ الخالق ‌وابداعه‌ في‌ تكوين‌ جسم‌ الابل‌ واختلافه‌ عن‌ سائر الحيوانات‌ فرغم‌ معرفة‌ الانسان‌ لها بأنها سفينة‌ الصحراء لقوتها الكبيرة‌ وتحملها لظروف‌ الصحراء القاسية‌ الا أنها أثبتت‌ وجودها منذ زمن‌ طويل‌ وفي‌ السفر من‌ مكان‌ الي‌ آخر وللحراثة‌ ولانتاجها الكبير من‌ اللحم‌ والوبر والجلد والحليب‌. و سوف‌ نري‌ أن‌ ما كشفه‌ العلم ‌حديثاً عن‌ بعض‌ الحقائق‌ المذهلة‌ في‌ خلق‌ الابل‌ يفسر لنا بعض‌ السر في‌ أن‌ اللَّه‌ قد خصها، من‌ بين‌ ما لا يُحصي‌ من‌ مخلوقاته‌ بالذكر. فمِن‌ هذا المنطلق‌ أُشيرَ في‌ المقال‌ الي‌ بعض‌ أوجه‌ اعجاز خلق‌ الابل‌ من‌ خلال‌ عرض‌ جهود الباحثين‌ من‌ علماء الاحياء في‌ الكشف‌ عن‌ الكثير من‌ خصائص‌ الابل‌ لاظهار ما فيها من‌ غوامض‌ و أسرار أودعها اللَّه‌. و بما ان‌ّ للابل‌ أثر كبير في‌ الادب‌ العربي‌، خاصة‌ في‌ القصائد الجاهلية ‌كصور شعرية‌ رائعة‌ في‌ معلقات‌ الشعراء الجاهليين‌ فلذلك‌ جئنا بنماذج‌ مختلفة‌ من‌ تصوير الابل‌ في‌ المعلقات‌. بعد ذلك‌ أشيرَ الي‌ الابل‌ في‌ الامثال‌ العربية‌ و دورها في‌ خلق‌ المفردات‌. ختاماً استنتاج‌ للبحث‌ والحمد لله‌ رب‌ العالمين‌.( مركز نور للدراسات).

14 - فبراير - 2010
قصيدة الجدار الفولاذي للشاعر عبدالرحمن العشماوي
الله ، تبارك اسمه....    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

الله جلّ جلالُه:
" " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "{الإخلاص112/1}
" قال الأزهري: لا يوصف شيء بالأحدية غير الله تعالى، لا يقال: رجل أحد ولا درهم أحد، كما
يقال: رجل واحد أي فرد به، بل أحد صفة من صفات الله تعالى استأثر بها فلا يشركه فيها شيء. ثم قال: ذكروا في الفرق بين الواحد والأحد وجوهاً:
أحدهما: أن الواحد يدخل في الأحد، والأحد لا يدخل فيه.
وثانيها: أنك لو قلت: فلان لا يقاومه واحد، جاز أن يقال: لكنه يقاومه اثنان بخلاف الأحد.
فإنك لو قلت: فلان لا يقاومه أحد، لا يجوز أن يقال: لكنه يقاومه اثنان.
وثالثها: أن الواحد، يستعمل في الإثبات، والأحد يستعمل في النفي.
تقول في الإثبات رأيت رجلاً واحداً.
وتقول في النفي: ما رأيت أحداً، فيفيد العموم..." ( الشنقيطي).
" اللَّهُ الصَّمَدُ" {112/2}
" لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ" {112/3}
" وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ" {112/4}
" .. جاء القرآن بتقرير هذا المعنى عقلاً كما قرره نقلاً، وذلك في قوله تعالى:
قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } [الإسراء: 42-43].وقوله:لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا }[الأنبياء: 22]. فدل على عدم فسادهما بعدم تعددهما، وجمع العقل والنقل في قوله:
مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }[المؤمنون: 91]. ( الشنقيطي).

14 - فبراير - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
الله ، سبحانه وتعالى...    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

" وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا {17/111}
" قوله تعالى: { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } هذه الآية رادة على اليهود والنصارى والعرب في قولهم أفذاذاً: عزير وعيسى والملائكة ذرية الله سبحانه؛ تعالى الله عن أقوالهم!
{ وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ } لأنه واحد لا شريك له في ملكه ولا في عبادته. { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مَّنَ ٱلذُّلِّ } قال مجاهد: المعنى لم يحالف أحداً ولا ابتغى نصر أحد؛ أي لم يكن له ناصر يجيره من الذل فيكون مدافعاً. وقال الكلبي: لم يكن له وليّ من اليهود والنصارى؛ لأنهم أذل الناس، رداً لقولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه.وقال الحسن بن الفضل:{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مَّنَ ٱلذُّلِّ } يعني لم يذلّ فيحتاج إلى وليّ ولا ناصر لعزته وكبريائه. { وكبّره تكبيراً } أي عظمة تامة. ويقال: أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال: الله أكبر؛ أي صفه بأنه أكبر من كل شيء. قال الشاعر:
رأيتُ الله أكبر كل شيء
   
محاولة وأكثرهم جنوداً
" وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة قال: «الله أكبر» " وقد تقدّم أوّل الكتاب. وقال عمر بن الخطاب: قول العبد الله أكبر خير من الدنيا وما فيها. وهذه الآية هي خاتمة التوراة. روى مطرِّف عن عبد الله بن كعب قال: افتتحت التوراة بفاتحة سورة الأنعام وختمت بخاتمة هذه السورة. وفي الخبر: " أنها آية العز " ؛ رواه معاذ بن جبل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه «وقل الحمد لله الذي» الآية. وقال عبد الحميد بن واصل: سمعت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من قرأ وقل الحمد لله الآية كتب الله له من الأجر مثل الأرض والجبال لأن الله تعالى يقول في من زعم أن له ولداً تكاد السموات يتفطّرن منه وتنشق الأرض وتَخِرّ الجبال هَدًّا " وجاء في الخبر. " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً شكا إليه بالدَّين بأن يقرأ «قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن» ـ إلى آخر السورة ثم يقول ـ توكلت على الحي الذي لا يموت؛ ثلاث مرات "." ( القرطبي).
" مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ" {19/35}
" نزّه الله سبحانه وتعالى نفسه المقدسة فقال: { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَـٰنَهُ } أي: عما يقول هؤلاء الجاهلون الظالمون المعتدون علواً كبيراً { إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ }؛ أي: إذا أراد شيئاً، فإنما يأمر به، فيصير كما يشاء، كما قال:إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ }
[آل عمران: 59 - 60]." ( ابن كثير).
" " لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ" {21/22}
" هذا تكذيب لهم في أن للّه شريكاً وولداً؛ أي هو المستحق للعبادة في السماء والأرض. وقال عمر رضي الله عنه وغيره: المعنى وهو الذي في السماء إلٰه في الأرض؛ وكذلك قرأ. والمعنى أنه يعبد فيهما. وروي أنه قرأ هو وابن مسعود وغيرهما «وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ اللَّهُ وَفِي اْلأَرْضِ اللَّهُ» وهذا خلاف المصحف. و «إلٰهٌ» رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي وهو الذي في السماء هو إلٰه؛ قاله أبو علي. وحسن حذفه لطول الكلام" ( القرطبي).
" وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ".
 {21/26}
" أراد به قولَهم إنَّ المسيح ابنُ الله، والملائكةَ بناتُ الله. قَوْلُهُ تَعَالَى: { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ }؛ معناهُ: بل هم عبيدٌ أكرمَهم اللهُ بالطاعة واصطفَاهُم." ( الطبراني).
" وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ" {21/29}
" أي مَن يقُلْ مِن الملائكة إنِّي إلهٌ من دون اللهِ فذلك يَجْزِيْهِ جهنَّمَ، قال المفسرون: يعني إبليسَ لأنه أمَرَ بطاعة نفسهِ، ودعا إلى نفسهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ }؛ أي كما جَزَيْنَاهُ جهنمَ، نَجزي الظالمين الْمُشْركينَ." ( الطبراني).

14 - فبراير - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
الله ، عزّوجلّ... له الخَلْق ، وله الأمر....    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

" ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ" {31/30}
" أي: إنما يظهر لكم آياته؛ لتستدلوا بها على أنه الحق، أي: الموجود الحق الإله الحق، وأن كل ما سواه، باطل، فإنه الغني عما سواه وكل شيء فقير إليه؛ لأن كل ما في السموات والأرض الجميع خلقه وعبيده، لا يقدر أحد منهم على تحريك ذرة إلا بإذنه، ولو اجتمع كل أهل الأرض على أن يخلقوا ذباباً، لعجزوا عن ذلك، ولهذا قال تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَـٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْكَبِيرُ } أي: العلي الذي لا أعلى منه، الكبير الذي هو أكبر من كل شيء، فكل خاضع حقير بالنسبة إليه." ( ابن كثير).
" وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ" .
{51/51}
" ... هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ" {المدثر/56}
" ... في الترمذيّ وسنن ٱبن ماجه عن أنس بن مالك. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية: { هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } قال: " قال الله تبارك وتعالى أنا أهل أن أُتَّقى فمن ٱتقاني فلم يجعل معي إلٰهاً فأنا أهلٌ أن أغفر له " لفظ الترمذي، وقال فيه: حديث حسن غريب. وفي بعض التفسير: هو أهل المغفرة لمن تاب إليه من الذنوب الكبار، وأهل المغفرة أيضاً للذنوب الصغار، باجتناب الذنوب الكبار. وقال محمد بن نصر: أنا أهلٌ أن يتقيني عبدي، فإن لم يفعل كنت أهلاً أن أغفر له وأرحمه، وأنا الغفور الرحيم." ( القرطبي).
" يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ" {40/19}
" فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" {42/11}
" احتج علماء التوحيد قديماً وحديثاً بهذه الآية في نفي كونه تعالى جسماً مركباً من الأعضاء والأجزاء وحاصلاً في المكان والجهة، وقالوا لو كان جسماً لكان مثلاً لسائر الأجسام، فيلزم حصول الأمثال والأشباه له، وذلك باطل بصريح قوله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } ويمكن إيراد هذه الحجة على وجه آخر، فيقال إما أن يكون المراد { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } في ماهيات الذات، أو أن يكون المراد ليس كمثله في الصفات شيء، والثاني باطل، لأن العباد يوصفون بكونهم عالمين قادرين، كما أن الله تعالى يوصف بذلك، وكذلك يوصفون بكونهم معلومين مذكورين، مع أن الله تعالى يوصف بذلك، فثبت أن المراد بالمماثلة المساواة في حقيقة الذات، فيكون المعنى أن شيئاً من الذوات لا يساوي الله تعالى في الذاتية، فلو كان الله تعالى جسماً، لكان كونه جسماً ذاتاً لا صفة، فإذا كان سائر الأجسام مساوية له في الجسمية، أعني في كونها متحيزة طويلة عريضة عميقة، فحينئذ تكون سائر الأجسام مماثلة لذات الله تعالى في كونه ذاتاً، والنص ينفي ذلك فوجب أن لا يكون جسماً." ( الرازي).
" لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" {42/12}
" قوله تعالى: { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِر }.
مقاليد السموات والأرض هي مفاتيحهما. وهو جمع لا واحد له من لفظه، فمفردها إقليد، وجمعها مقاليد على غير قياس. والإقليد المفتاح. وقيل: واحدها مقليد، وهو قول غير معروف في اللغة. وكونه جل وعلا { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْض } أي مفاتيحهما كناية عن كونه جل وعلا هو وحده المالك لخزائن السماوات والأرض لأن ملك مفاتيحها يستلزم ملكها.وقد ذكر جل وعلا مثل هذا في سورة الزمر في قوله تعالى:
اللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }[الزمر: 62-63] الآية.وما دلت عليه آية الشورى هذه وآية الزمر المذكورتان من أنه جل وعلا هو مالك خزائن السماوات والأرض، جاء موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى:وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ }[المنافقون: 7] وقوله تعالى:وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ }[الحجر: 21]. وبين في مواضع أخر أن خزائن رحمته لا يمكن أن تكون لغيره، كقوله تعالى:أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ }[ص: 9] وقوله تعالىأَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ
ٱلْمُسَيْطِرُونَ }[الطور: 37] وقوله تعالىقُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُورا }[الإسراء: 100]. وقوله في هذه الآية الكريمة { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِر } جاء معناه موضحاً في آيات أخر كقوله تعالىقُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ }[سبأ: 39] الآية. وقوله تعالىقُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }[سبأ: 36] وقوله تعالىٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا }[الرعد: 26] الآية. وقوله تعالى:وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ }[النحل: 71] الآية. وقوله تعالى:
نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا }[الزخرف: 32] الآية. وقوله تعالىإِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا }[النساء: 135] الآية. وقوله تعالىلِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّه }[الطلاق: 7] الآية. وقوله تعالى: { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُه } أي ضيق عليه رزقه لقلته. وكذلك قوله { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِر } في الآيات المذكورة.
أي يبسط الرزق لمن يشاء بسطه له ويقدر، أي يضيق الرزق على من يشاء تضييقه عليه كما أوضحناه في سورة الأنبياء في الكلام على قوله تعالى
فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْه }[الأنبياء: 87].
وقد بين جل وعلا في بعض الآيات حكمة تضييقه للرزق على من ضيقه عليه.
وذكر أن من حكم ذلك أن بسط الرزق للإنسان، قد يحمله على البغي والطغيان كقوله تعالى

وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ }[الشورى: 27]، وقوله تعالى:كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ }[العلق: 6-7]. " ( الشنقيطي).

14 - فبراير - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
لوحة نباتية لأخي الحبيب حسن بنلفقيه    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم

يا الله...... ماهذا ؟ رحم الله الإمام القرطبي.....
" قوله تعالى: { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً فإذا أنتم منه توقدون } ( ياسين36/80)
نبّه تعالى على وحدانيته، ودل على كمال قدرته في إحياء الموتى بما يشاهدونه من إخراج المحرِق اليابس من العود النديّ الرطب. وذلك أن الكافر قال: النطفة حارة رطبة بطبع الحياة فخرج منها الحياة، والعظم بارد يابس بطبع الموت فكيف تخرج منه الحياةٰ فأنزل الله تعالى: { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً } أي إن الشجر الأخضر من الماء والماء بارد رطب ضد النار وهما لا يجتمعان، فأخرج الله منه النار؛ فهو القادر على إخراج الضد من الضد، وهو على كل شيء قدير. ويعني بالآية ما في المَرْخ والعَفَار، وهي زنادة العرب؛ ومنه قولهم: في كل شجر نار وٱسْتَمجَد المَرْخُ والعَفَار؛ فالعَفَار الزَّنْد وهو الأعلى، والمَرْخ الزَّنْدة وهي الأسفل؛ يؤخذ منهما غصنان مثل المسواكين يقطران ماء فيحك بعضهما إلى بعض فتخرج منهما النار. وقال: { مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ } ولم يقل الخضراء وهو جمع، لأنه رده إلى اللفظ. ومن العرب من يقول: الشجر الخضراء؛ كما قال عز وجل:مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ }
[الواقعة: 52 ـ 53].
( القرطبي).
 

15 - فبراير - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
المتقون والطاغون    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

 المتقون والطاغون:
"وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ {39/17}
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ {39/18}
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ {39/19}
" لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ"  {39/20}
" اعلم أن الله تعالى لما ذكر وعيد عبدة الأصنام والأوثان ذكر وعد من اجتنب عبادتها واحترز عن الشرك، ليكون الوعد مقروناً بالوعيد أبداً فيحصل كمال الترغيب والترهيب، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب «الكشاف»: الطاغوت فعلوت من الطغيان كالملكوت والرحموت إلا أن فيها قلباً بتقديم اللام على العين، وفي هذا اللفظ أنواع من المبالغة أحدها: التسمية بالمصدر كأن عين ذلك الشيء الطغيان وثانيها: أن البناء بناء المبالغة فإن الرحموت الرحمة الواسعة والملكوت الملك المبسوط وثالثها: ما ذكرنا من تقديم اللام على العين ومثل هذا إنما يصار إليه عند المبالغة.
المسألة الثانية: اختلفوا في أن المراد من الطاغوت ههنا الشيطان أم الأوثان، فقيل إنه الشيطان فإن قيل إنهم ما عبدوا الشيطان وإنما عبدوا الصنم، قلنا الداعي إلى عبادة الصنم لما كان هو الشيطان كان الإقدام على عبادة الصنم عبادة للشيطان، وقيل المراد بالطاغوت الصنم وسميت طواغيت على سبيل المجاز لأنه لا فعل لها، والطغاة هم الذين يعبدونها إلا أنه لما حصل الطغيان عند مشاهدتها والقرب منها، وصفت بهذه الصفة إطلاقاً لاسم المسبب على السبب بحسب الظاهر، وقيل كل ما يعبد ويطاع من دون الله فهو طاغوت، ويقال في التواريخ إن الأصل في عبادة الأصنام، أن القوم كانوا مشبهة اعتقدوا في الإله أنه نور عظيم، وفي الملائكة أنها أنوار مختلفة في الصغر والكبر، فوضعوا تماثيل وصوراً على وفق تلك الخيالات فكانوا يعبدون تلك التماثيل على أعتقاد أنهم يعبدون الله والملائكة، وأقول حاصل الكلام في قوله: { وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَ } أي أعرضوا عن عبودية كل ما سوى الله. قوله تعالى: { وَأَنَابُواْ إِلَى ٱللَّهِ } أي رجعوا بالكلية إلى الله. ورأيت في السفر الخامس من التوراة، أن الله تعالى قال لموسى:
 يا موسى أجب إلهك بكل قلبك. وأقول ما دام يبقى في القلب التفات إلى غير الله فهو ما أجاب إلهه بكل قلبه، وإنما تحصل الإجابة بكل القلب إذا أعرض القلب عن كل ما سوى الله من باب الطاعات فكيف يعرض عنها مع أنه بالحس يشاهد الأسباب المفضية إلى المسببات في هذا العالم، قلنا ليس المراد من إعراض القلب عنها أن يقضي عليها بالعدم فإن ذلك دخول في السفسطة وهو باطل، بل المراد أن يعرف أن واجب الوجود لذاته واحد، وأن كل ما سواه فإنه ممكن الوجود لذاته وكل ما كان ممكناً لذاته فإنه لا يوجد إلا بتكوين الواجب وإيجاده، ثم إنه سبحانه وتعالى جعل تكوينه للأشياء على قسمين منها ما يكون بغير واسطة وهي عالم السموات والروحانيات، ومنها ما يكون بواسطة وهو عالم العناصر والعالم الأسفل، فإذا عرفت الأشياء على هذا الوجه عرفت أن الكل لله ومن الله وبالله، وأنه لا مدبر إلا هو ولا مؤثر غيره، وحينئذٍ ينقطع نظره عن هذه الممكنات ويبقى مشغول القلب بالمؤثر الأول والموجد الأول، فإنه إن كان قد وضع الأسباب الروحانية والجسمانية بحيث يتأذى إلى هذا المطلوب، فهذا الشيء يحصل وإن كان قد وضع بحيث لا يفضي إلى حصول هذا الشيء لم يحصل، وبهذا الطريق ينقطع نظره عن الكل ولا يبقى في قلبه التفات إلى شيء إلا إلى الموجود الأول، وقد اتفق أني كنت أنصح بعض الصبيان في حفظ العرض والمال فعارضني وقالا يجوز الاعتماد على الجد والجهد بل يجب الاعتماد على قضاء الله وقدره، فقلت هذه كلمة حق سمعتها ولكنك ما عرفت معناها، وذلك لأنه لا شبهة أن الكل من الله تعالى إلا أنه سبحانه دبر الأشياء على قسمين منها ما جعل حدوثه وحصوله معلقاً بأسباب معلومة ومنها ما يحدثه من غير واسطة هذه الأسباب. أما القسم الأول: فهو حوادث هذا العالم الأسفل.
وأما القسم الثاني: فهو حوادث هذا العالم الأعلى، وإذا ثبت هذا فنقول من طلب حوادث هذا العالم الأسفل لا من الأسباب التي عينها الله تعالى كان هذا الشخص منازعاً لله في حكمته مخالفاً في تدبيره، فإن الله تعالى حكم بحدوث هذه الأشياء بناءً على تلك الأسباب المعينة المعلومة وأنت تريد تحصيلها لا من تلك الأسباب، فهذا هو الكلام في تحقيق الإعراض عن غير الله والإقبال بالكلية على الله تعالى فقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَ } إشارة إلى الإعراض عن غير الله وقوله تعالى: { وَأَنَابُواْ إِلَى ٱللَّهِ } إشارة إلى الإقبال بالكلية على عبادة الله، ثم إنه تعالى وعد هؤلاء بأشياء أحدها: قوله تعالى: { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } واعلم أن هذه الكلمة تتعلق بجهات أحدها: أن هذه البشارة متى تحصل؟ فنقول إنها تحصل عند القرب من الموت وعند الوضع في القبر وعند الوقوف في عرصة القيامة وعندما يصير فريق في الجنة وفريق في السعير وعندما يدخل المؤمنون الجنة، ففي كل موقف من هذه المواقف تحصل البشارة بنوع من الخير والروح والراحة والريحان وثانيها: أن هذه البشارة فبماذا تحصل؟ فنقول إن هذه البشارة تحصل بزوال المكروهات وبحصول المرادات، أما زوال المكروهات فقوله تعالى:

أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ }[فصلت: 30] والخوف إنما يكون من المستقبل والحزن إنما يكون بسبب الأحوال الماضية فقوله: { أَن لا تَخَافُواْ } يعني لا تخافوا فيما تستقبلونه من أحوال القيامة ولا تحزنوا بسبب ما فاتكم من خيرات الدنيا، ولما أزال الله عنهم هذه المكروهات بشرهم بحصول الخيرات والسعادات فقال:وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ }[فصلت: 30] وقال أيضاً في آية أخرى:
يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـٰنِهِمْ بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّـٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } [الحديد: 12] وقال أيضاً:وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ }[الزخرف: 71] والثالث: أن المبشر من هو؟ فنقول يحتمل أن يكون هم الملائكة، إما عند الموت فقوله:ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ طَيّبِينَ يَقُولُونَ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ }
[النحل: 32] وإما بعد دخول الجنة فقوله:ٱلْمَلَـٰئِكَةَ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ * سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ }[الرعد: 23، 24] ويحتمل أن يكون هو الله سبحانه كما قال:
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَـٰمٌ }[الأحزاب: 44].
واعلم أن قوله: { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } فيه أنواع من التأكيدات أحدها: أنه يفيد الحصر فقوله:
{ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } أي لهم لا لغيرهم، وهذا يفيد أنه لا بشارة لأحد إلا إذا اجتنب عبادة غير الله تعالى وأقبل بالكلية على الله تعالى وثانيها: أن الألف واللام في لفظ البشرى مفيد للماهية فيفيد أن هذه الماهية بتمامها لهؤلاء، ولم يبق منها نصيب لغيرهم وثالثها: أن لا فرق بين الإخبار وبين البشارة فالبشارة هو الخبر الأول بحصول الخيرات، إذا عرفت هذا فنقول كل ما سمعوه في الدنيا من أنواع الثواب والخير إذا سمعوه عند الموت أو في القبر فذاك لا يكون إلا إخباراً، فثبت أن هذه البشارة لا تتحقق إلا إذا حصل الإخبار بحصول أنواع أخر من السعادات فوق ما عرفوها وسمعوها في الدنيا نسأل الله تعالى الفوز بها، قال تعالى:فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ }[السجدة: 17] ورابعها: أن المخبر بقوله: { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } هو الله تعالى وهو أعظم العظماء وأكمل الموجودات والشرط المعتبر في حصول هذه البشارة شرط عظيم وهو الاجتناب عما سوى الله تعالى والإقبال بالكلية على الله والسلطان العظيم إذا ذكر شرطاً عظيماً. ثم قال لمن أتى بذلك الشرط العظيم أبشر فهذه البشارة الصادرة من السلطان العظيم المرتبة على حصول ذلك الشرط العظيم تدل على أن الذي وقعت البشارة به قد بلغ في الكمال والرفعة إلى حيث لا يصل إلى شرحها العقول والأفكار، فثبت أن قوله: { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } يدل على نهاية الكمال والسعادة من هذه الوجوه، والله أعلم.
واعلم أنه تعالى: لما قال: { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ } وكان هذا كالمجمل أردفه بكلام يجري مجرى التفسير والشرح له فقال تعالى: { فَبَشّرْ عِبَادِ ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } وأراد بعباده الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، الذين اجتنبوا وأنابوا لا غيرهم وهذا يدل على أن رأس السعادات ومركز الخيرات ومعدن الكرامات هو الإعراض عن غير الله تعالى، والإقبال بالكلية على طاعة الله، والمقصود من هذا اللفظ التنبيه على أن الذين اجتنبوا الطاغوت وأنابوا، هم الموصوفون بأنهم هم الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، فوضع الظاهر موضع المضمر تنبيهاً على هذا الحرف، ومنهم من قال إنه تعالى لما بين أن الذين اجتنبوا وأنابوا لهم البشرى وكان ذلك درجة عالية لا يصل إليها إلا الأولون، وقصر السعادة عليهم يقتضي الحرمان للأكثرين، وذلك لا يليق بالرحمة التامة، لا جرم جعل الحكم أعم فقال كل من اختار الأحسن في كل باب كان في زمرة السعداء، واعلم أن هذه الآية تدل على فوائد:
الفائدة الأولى: وجوب النظر والاستدلال، وذلك لأنه تعالى بين أن الهداية والفلاح مرتبطان بما إذا سمع الإنسان أشياء كثيرة، فإنه يختار منها ما هو الأحسن الأصوب، ومن المعلوم أن تمييز الأحسن الأصوب عما سواه لا يحصل بالسماع، لأن السماع صار قدراً مشتركاً بين الكل، لأن قوله: { الذين يستمعون القول } يدل على أن السماع قدر مشترك فيه، فثبت أن تمييز الأحسن عما سواه لا يتأتى بالسماع وإنما يتأتى بحجة العقل، وهذا يدل على أن الموجب لاستحقاق المدح والثناء متابعة حجة العقل وبناء الأمر على النظر والاستدلال. الفائدة الثانية: أن الطريق إلى تصحيح المذاهب والأديان قسمان: أحدهما: إقامة الحجة والبينة على صحته على سبيل التحصيل، وذلك أمر لا يمكن تحصيله إلا بالخوض في كل واحد من المسائل على التفصيل والثاني: أنا قبل البحث عن الدلائل وتقريرها والشبهات وتزييفها نعرض تلك المذاهب وأضدادها على عقولنا، فكل ما حكم أول العقل بأنه أفضل وأكمل كائن أولى بالقبول. مثاله أن صريح العقل شاهد بأن الإقرار بأن إله العالم حي عالم قادر حليم حكيم رحيم، أولى من إنكار ذلك، فكان ذلك المذهب أولى، والإقرار بأن الله تعالى لا يجري في ملكه وسلطانه إلا ما كان على وفق مشيئته أولى من القول بأن أكثر ما يجرى في سلطان الله على خلاف إرادته، وأيضاً الإقرار بأن الله فرد أحد صمد منزه عن التركيب والأعضاء أولى من القول بكونه متبعضاً مؤلفاً، وأيضاً القول باستغنائه عن الزمان والمكان أولى من القول باحتياجه اليهما، وأيضاً القول بأن الله رحيم كريم قد يعفو عن العقاب أولى من القول بأنه لا يعفو عنه ألبتة، وكل هذه الأبواب تدخل تحت قوله:
 { الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } فهذا ما يتعلق باختيار الأحسن في أبواب الاعتقادات.
وأما ما يتعلق بأبواب التكاليف فهو على قسمين: منها ما يكون من أبواب العبادات، ومنها ما يكون من أبواب المعاملات، فأما العبادات فمثل قولنا الصلاة التي يذكر في تحريمها الله أكبر وتكون النية فيها مقارنة للتكبير، ويقرأ فيها سورة الفاتحة، ويؤتى فيها بالطمأنينة في المواقف الخمسة، ويقرأ فيها التشهد، ويخرج منها بقوله السلام عليكم، فلا شك أنها أحسن من الصلاة التي لا يراعى فيها شيء من هذه الأحوال، وتوجب على العاقل أن يختار هذه الصلاة، وأن يترك ما سواها، وكذلك القول في جميع أبواب العبادات. وأما المعاملات فكذلك مثل أنه تعالى شرع القصاص والدية والعفو، ولكنه ندب إلى العفو فقال: { وأن تعفو أقرب للتقوى } وعن ابن عباس أن المراد منه الرجل يجلس مع القوم ويسمع الحديث فيه محاسن ومساوىء، فيحدث بأحسن ما سمع ويترك ما سواه. واعلم أنه تعالى حكم على الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه بأن قال: { أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب } وفي ذلك دقيقة عجيبة، وهي أن حصول الهداية في العقل والروح أمر حادث، ولا بد له من فاعل وقابل: أما الفاعل فهو الله سبحانه وهو المراد من قوله: { أولئك الذين هداهم الله } وأما القابل فإليه الإشارة بقوله:
 { وأولئك هم أولوا الألباب } فإن الإنسان ما لم يكن عاقلاً كامل الفهم امتنع حصول هذه المعارف الحقية في قلبه. وإنما قلنا إن الفاعل لهذه الهداية هو الله، وذلك لأن جوهر النفس مع ما فيها من نور العقل قابل للاعتقاد الحق والاعتقاد الباطل، وإذا كان الشيء قابلا للضدين كانت نسبة ذلك القابل إليهما على السوية، ومتى كان الأمر كذلك امتنع كون ذلك القابل سبباً لرجحان أحد الطرفين، ألا ترى أن الجسم لما كان قابلا للحركة والسكون على السوية، امتنع أن تصير ذات الجسم سبباً لرجحان أحد الطرفين على الآخر، فإن قالوا لا نقول إن ذات النفس والعقل يوجب هذا الرجحان، بل نقول إنه يريد تحصيل أحد الطرفين، فتصير تلك الإرادة سبباً لذلك الرجحان، فنقول هذا باطل، لأن ذات النفس كما أنها قابلة لهذه الإرادة، فكذلك ذات العقل قابلة لإرادة مضادة لتلك الإرادة، فيمتنع كون جوهر النفس سبباً لتلك الإرادة، فثبت أن حصول الهداية لا بد لها من فاعل ومن قابل أما الفاعل: فيمتنع أن يكون هو النفس، بل الفاعل هو الله تعالى وأما القابل: فهو جوهر النفس، فلهذا السبب قال: { أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب } ثم قال { أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار } وفيه مسائل:

المسألة الأولى: في لفظ الآية سؤال وهو أنه يقال إنه قال: { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ } ولا يصح في الكلام العربـي أن يدخل حرف الاستفهام على الاسم وعلى الخبر معاً، فلا يقال أزيد أتقتله، بل ههنا شيء آخر، وهو أنه كما دخل حرف الاستفهام على الشرط وعلى الجزاء، فكذلك دخل حرف الفاء عليهما معاً وهو قوله: { أَفَمَنْ حَقَّ } ، { أَفَأَنتَ تُنقِذُ } ولأجل هذا السؤال اختلف النحويون وذكروا فيه وجوهاً الأول: قال الكسائي: الآية جملتنا والتقدير أفمن حق عليه كلمة العذاب، أفأنت تحميه، أفأنت تنقذ من في النار الثاني: قال صاحب «الكشاف»: أصل الكلام أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه، وهي جملة شرطية دخل عليها همزة الإنكار والفاء فاء الجزاء، ثم دخلت الفاء التي في أولها للعطف على محذوف يدل عليه الخطاب والتقدير أأنت مالك أمرهم، فمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه، والهمزة الثانية هي الأولى كررت لتوكيد معنى الإنكار والاستبعاد، ووضع من في النار موضع الضمير، والآية على هذا جملة واحدة الثالث: لا يبعد أن يقال إن حرف الاستفهام إنما ورد ههنا لإفادة معنى الإنكار، ولما كان استنكاره هذا المعنى كاملاً تاماً. لا جرم ذكر هذا الحرف في الشرط وأعاده في الجزاء تنبيهاً على المبالغة التامة في ذلك الإنكار.
المسألة الثانية: احتج الأصحاب بهذه الآية في مسألة الهدى والضلال، وذلك لأنه تعالى قال:
{ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ } فإذا حقت كلمة العذاب عليه امتنع منه فعل الإيمان والطاعة، وإلا لزم انقلاب خبر الله الصدق كذباً، وانقلاب علمه جهلاً وهو محال والوجه الثاني: في الاستدلال بالآية أنه تعالى حكم بأن حقية كلمة العذاب توجب الاستنكار التام من صدور الإيمان والطاعة عنه، ولو كان ذلك ممكناً ولم تكن حقيقة كلمة العذاب مانعة منه لم يبق لهذا الاستنكار والاستبعاد معنى.
المسألة الثالثة: احتج القاضي بهذه الآية على أن النبـي صلى الله عليه وسلم لا يشفع لأهل الكبائر، قال لأنه حق عليهم العذاب فتلك الشفاعة تكون جارية مجرى إنقاذهم من النار، وأن الله تعالى حكم عليهم بالإنكار والاستبعاد، فيقال له لا نسلم أن أهل الكبائر قد حق عليهم العذاب وكيف يحق العذاب عليهم مع أن الله تعالى قال:
إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء }[النساء: 48] ومع قوله:إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً }[الزمر: 53]، والله أعلم.
النوع الثاني: من الأشياء التي وعدها الله هؤلاء الذين اجتنبوا وأنابوا قوله تعالى:
{ لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ } وهذا كالمقابل لما ذكر في وصف الكفارلَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ }[الزمر: 16] فإن قيل ما معنى قوله
{ مَّبْنِيَّةٌ }؟ قلنا لأن المنزل إذا بنى على منزل آخر تحته كان الفوقاني أضعف بناء من التحتاني فقوله: { مَّبْنِيَّةٌ } معناه أنه وإن كان فوق غيره لكنه في القوة والشدة مساو للمنزل الأسفل، والحاصل أن المنزل الفوقاني والتحتاني حصل في كل واحد منهما فضيلة ومنقصة، أما الفوقاني ففضيلته العلو والارتفاع ونقصانه الرخاوة والسخافة، وأما التحتاني فبالضد منه، أما منازل الجنة فإنها تكون مستجمعة لكل الفضائل وهي عالية مرتفعة وتكون في غاية القوة والشدة، وقال حكماء الإسلام هذه الغرف المبنية بعضها فوق البعض، مثاله من الأحوال النفسانية العلوم الكسبية فإن بعضها يكون مبنياً على البعض والنتائج الآخرة التي هي عبارة عن معرفة ذات الله وصفاته تكون في غاية القوة بل تكون في القوة والشدة كالعلوم الأصلية البديهية.
ثم قال: { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } وذلك معلوم، ثم ختم الكلام فقال: { وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ } فقوله: { وَعَدَ ٱللَّهُ } مصدر مؤكد لأن قوله { لَهُمْ غُرَفٌ } في معنى وعدهم الله ذلك وفي الآية دقيقة شريفة، وهي أنه تعالى في كثير من آيات الوعد صرح بأن هذا وعد الله وأنه لا يخلف وعده ولم يذكر في آيات الوعيد ألبتة مثل هذا التأكيد والتقوية، وذلك يدل على أن جانب الوعد أرجح من جانب الوعيد بخلاف ما يقوله المعتزلة، فإن قالوا أليس أنه قال في جانب الوعيد
مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَىَّ وَمَا أَنَاْ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ }[ق:29] قلنا قوله ما يبدل القول لدي ليس تصريحاً بجانب الوعيد بل هو كلام عام يتناول القسمين أعني الوعد والوعيد، فثبت أن الترجيح الذي ذكرناه حق، والله أعلم." ( الرازي).
 

15 - فبراير - 2010
تفاسير القرآن وإعراب أشباه الجمل.
الحُداء هو الإنشاد من غير موسيقا    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

من الموسوعة العربية


الإنشاد الديني
 
الأنشودة الدينية ترنيمة أو تسبيحة مخصصة أصلاً لذكر الخالق أو مديح الأنبياء والأولياء والقديسين.
الأنشودة الدينية المسيحية
تعد سورية مهد الألحان الدينية - السريانية منذ القرون الأولى للمسيحية، ويعد القديس أفرايم السوري Ephreim (مار أفرام النصيبيني 306 - 373م) من أقدم كتّاب التراتيل الدينية زمن البيزنطيين، إذ كانت مدينتا أنطاكية والقسطنطينية في مقدمة مراكز انتشار التراتيل الدينية المسيحية. أما أقدم الأناشيد الدينية اللاتينية فكتبت محاكاة لتلك الأمثلة السورية واليونانية. وقد عمّت العالم المسيحي أناشيد القديس أمبروزو Ambroso (ت397م) مؤسس الغناء الأمبروزي، إذ كانت ملخصاً للكتابة المقدسة، وكان يستخدم فيها ألحاناً شائعة ويستند إلى قاعدة من حرية الإبداع. وقد احتفظ بعض الأناشيد الدينية بطابعه التقليدي فدخل الكنيسة، في حين استخدم بعضها الآخر نصوصاً جديدة وألحاناً أكثر حيوية من تلك التقليدية. وكان معظم الأغاني الدينية يغنى بصوت واحد في تقاليد الغناء الغريغوري [ر.الموسيقى]. ومع ظهور تعدد الأصوات polyphony، كتبت أناشيد ذات طابع غير ديني. وهكذا ولدت الأنشودة المتعددة الأصوات (البوليفونية) التي أبدع فيها كبار الموسيقيين الغربيين من القرن الخامس عشر حتى القرن السابع عشر، مثل: دوفيه Dufay، وديبريه Des Prés، وبالسترينا Palestrina. ومع الأنشودة البوليفونية، تطورت الأنشودة الدينية المرافقة للأرغن وأسهم في هذا التطور العازفون على هذه الآلة والمؤلفون لها مثل فريسكوبالدي Frescobaldi وغيره. وفي القرن السادس عشر، اهتم قادة الإصلاح الديني البروتستنتي في ألمانية بالطقوس الدينية، فاستخدموا اللغة الجرمانية بدلاً من اللاتينية. وكان الكورال اللوثري Lutheran choral من أهم نماذج الأناشيد الدينية التي وضعت توافقات (اتفاقات) chords انسجامية بسيطة. وفي إنكلترة، أخذ تطور مماثل مكانته عندما انفصلت الكنيسة الأنغليكانية عن اللاتينية في رومة، فصيغت الأناشيد الدينية باللغة الإنكليزية في موضوعات إنجيلية وألحان متحررة. ومع قدوم القرن التاسع عشر لم يعد مفهوم الأنشودة دينياً بل أصبحت الأنشودة صيغة موسيقية غنائية احتفالية ذات موضوع دنيوي وطني وقومي أو يتصل بالطبيعة.
ومن أهم صيغ الغناء الديني: الأوراتوريو oratorio، والقداس mass، والموتيت motet.
والأوراتوريو مسرحية إلقائية غنائية دينية، وهي نوع من الإلقاء والحوار الغنائي الإفرادي والجماعي المصاحب بالآلات الموسيقية، وموضوعه ديني ودرامي. وهو شبيه بالأوبرا opera ولكن من دون أداء تمثيلي على المسرح وما يتبعه من ملابس وتزيينات مسرحية. والأصل اللاتيني لكلمة أوراتوريو هو «أوراتوريوم» oratorium وهو المكان الذي كانت تلقى فيه العظات والخطب الدينية الكنسية. وتعود بدايات الأوراتوريو إلى منتصف القرن السادس عشر في رومة وترتبط بالقديس فيليبّو نيري (1515-1595) S.Filippo Neri، ثم رافق ظهور الأوراتوريو بزوغ الأوبرا في بدايات القرن السابع عشر، إلا أنه لم يتميز من الصيغ الموسيقية الأخرى إلا في بداية الربع الثاني من القرن ذاته.
ومن أشهر نماذج الأوراتوريو:«الميلاد» لباخ J.S.Bach، و«الخليقة» و«الفصول» لهايدن Haydn، و«طفولة السيد المسيح» لبرليوز Berlioz.
ويعد القدّاس من أهم الصيغ الموسيقية الدينية للكنيسة الكاثوليكية اللاتينية، وهو يتألف من قسمين رئيسين: الخاص، والعادي. أما الخاص فيتألف من أقسام تختلف تبعاً للأعياد أو المناسبات الدينية التي تحددها الكنيسة. أما العادي فيتألف من الأقسام الغنائية الثابتة والرئيسة التي لا تتغير مناسباتها الدينية في العام (عدا الأسبوع المقدس). وهذه الأقسام تشمل: «يا رب ارحمنا» Kyrie ، و«المجد لله» Gloria، و«الإيمان» Credo، و«التقديس» Sanctus، و«التبريك أو المباركة» Benedictus، و«حمل الرب» Agnus Dei. وهذه الأناشيد ذات نص لاتيني وتتبع طريقة الغناء ذي الصوت الواحد أو الغناء الغريغوري. وقد قررت الكنيسة الكاثوليكية مؤخراً، أن يترجم النص اللاتيني إلى اللغة المحلية للبلد الذي يتلى فيه القداس. وأول مثال للقداس كان قداس «نوتردام» Mass of Notre-Dame للموسيقي غيّوم دوماشو (1300 - 1377) Guillaume de Machaut، وكان هذا القداس مؤلفاً من سلسلة من الموتيت بأسلوب تعدد الأصوات. ومنذ القرن الثامن عشر، تطور بعض أجزاء القداس مثل «الإيمان» الذي أصبح شبيهاً بـ «المغناة» (الكانتاتا) cantata المكونة من أغان إفرادية وثنائية وجماعية. ومثال ذلك: القداس من مقام «سي» si لباخ. وعندما يؤلف القداس من أجل الميت يدعى «قداس الموتى أو القداس الجنائزي» requiem. ومن أمثلته: القداس الجنائزي لموتسارت Motzart ومثيله لفيردي Verdi.
أما الموتيت فغناء ديني متعدد الأصوات تنشده الجوقة الغنائية من دون مصاحبة الآلات الموسيقية، ويعد واحداً من نماذج «التسلل» fugue. ويزدحم عصر النهضة بمؤلفي الموتيت الذين كتبوا عدداً لا يحصى من هذه الصيغ الموسيقية مثل جوفاني بالِسترينا، ودي لاسّو (1532-1594) O.di.Lasso.
الإنشاد الديني الإسلامي
يهدف الإنشاد الديني الإسلامي إلى إظهار مواطن الجمال والتناسق الكامل وراء التعبير الأدبي أو الفني أو الموسيقي بإيقاع مؤثر مع نسيج من ألحان ترهف الحس وتسمو بالروح نحو الخالق، ولذلك استخدم الصوفيون هذا اللون الرفيع من الألحان في الإنشاد الديني في حلقات الذكر لتأثيره المباشر في العاطفة والنفس البشرية. وقد تأثر الإنشاد الديني الإسلامي بمؤثرات متنوعة في البلاد العربية وطرأ عليه قدر من التطور. وتنوعت الأناشيد الدينية عبر العصور وصبغت بلون البلد الذي نمت فيه، وألبست كلماتها الثوب اللحني اللائق بها، فكانت أنشودة روحية تمثل المعاني التي حملتها تلك الكلمات السامية.
بدأ ترتيل القرآن الكريم منذ فجر الإسلام. وكان الأذان بداية للألحان الدينية الإسلامية، وقد ظهر بلحن بدائي بسيط ثم تدرّج إلى ما هو عليه اليوم. وكان بلال بن رباح، مؤذن الرسول r، أول منشدي الأذان. واعتمد الأذان على السجع والتنغيم والأداء في مقام الرصد (الراست) أو الحجاز [ر.الموسيقى العربية] في أغلب الأحيان، إلا أن ألحان الأذان ليست وقفاً على هذين المقامين.
ويمكن القول إن أول أنشودة دينية إسلامية كان مطلعها:
طلع البدر علينا
من ثنيّات الوداع
وجب الشكر علينا
ما دعا لله داع
وذلك إثر وصول النبي r المدينة مهاجراً من مكة واستقبال أهل المدينة له احتفالاً بنجاته وقدومه إليها. واستمرت الأناشيد الدينية، في التاريخ العربي الإسلامي، تتنوع مع واقع كل موطن وترتدي حلته الخاصة به.
وقد عُني المسلمون بالغناء الديني الإسلامي وإن لم يتبع هذا الغناء صيغة موسيقية معينة كالغناء الكنسي الأوربي، وكان الارتجال في أدائه هو الصفة الأولى في كثير من الأحيان. ومع ذلك، فقد شاع هذا الغناء على هيئة أناشيد دينية في المناسبات والأعياد الدينية، واتخذ أهمية كبيرة في كثير من الأقطار العربية الإسلامية، ولاسيما في المغرب العربي: تونس والجزائر والمغرب. وكانت قصائد المديح النبوية تنشد أحياناً وفق ألحان شائعة بسيطة جميلة السير اللحني. وكان لتوسع الاحتفالات في مولد الرسول r أن ظهرت المدائح النبوية بملامح موسيقية بسيطة بمرافقة الدفوف الإيقاعية وتطورت فيما بعد إلى موشحات دينية مغناة في إنشاد جماعي وإفرادي، إذ يقوم من بين الجماعة منشد يملك صوتاً جميلاً وقوياً يترأس فرقة المنشدين، ليؤدي منفرداً بعضاً من قصة المولد فالموشحات والمدائح النبوية، ثم تقوم فرقة المنشدين بترديد «المذهب» (ويكون عادة البيت الأول من الموشح أو القصيدة) مرات ليتاح لرئيسها الاستراحة والاستعداد من جديد لمتابعة الإنشاد. وهذه الظاهرة المرتبطة بمناسبات دينية شائعة في بلاد الشام وغيرها من البلاد العربية. ولا تقتصر هذه العادة على تلاوة «وصلة» من المدائح النبوية في ذكرى المولد، بل يحتفى بها أيضاً في مناسبات الأعراس وحفلات الختان وفي شهر رمضان المبارك والاحتفالات الشعبية الأخرى.
وكان لنزوح اللاجئين الأندلسيين إلى أقطار المغرب العربي، في القرن السادس عشر، أثر كبير في تطور موسيقاها. ففي الجزائر، أدخلت بعض القصائد المؤلفة في مدح الرسول الكريم r على ألحان من الغناء الأندلسي القديم والشهير مثل: «سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» التي تنشد في رمضان قبل صلاة التراويح، وهي على لحن قطعة من الغناء الأندلسي «خدمني سعدي بالأنس والعيش الخصيب»، أو على ألحان شبيهة بالألحان التركية مثل لحن «الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد». وقد شجعت هذه التجربة الفنية الدينية عدداً من المشايخ ورجال الدين على تطبيق ألحان التراث على قصائد المتصوفين مثل: جلال الدين الرومي، وأقبل عليها الكثيرون.
وفي المغرب، كما في تونس، تحولت بعض ألحان «النوبات» الأندلسية إلى إحلال الكلمات الصوفية محل المدائح النبوية كما في قصيدة «البُردة» للبوصيري وعززتها الفرق المدائحية في المغرب المسماة بـ«المُسمعين»، وفي تونس بـ«أصحاب الطريقة القادرية». وكانت الأعياد الدينية من أغنى المناسبات التي تصدح فيها الموسيقى بحضرة ملوك الدولة ورجال السلطة في القرن السابع عشر الميلادي. وكان المنشدون يتوافدون على مكان الاحتفال من سائر المدن المغربية ويبدؤون بإنشاد البُردة والهمزية وغيرهما من المدائح النبوية في ليلتين متعاقبتين حتى الفجر، ثم يرتلون «بانت سعاد» ويسردون بمناسبة تلك الليلة ما تيسر من مختارات القصائد المولدية التي قدمت من فحول الشعراء لمن يحتل المكانة العليا في السلطة. وكان الشيخ أبو المحاسن الفاسي يحيي ليلة المولد النبوي في داره، فيحضر عنده المنشدون يؤدون أشعار الشيخ الششتري ملحنة دون آلات موسيقية وعلى عادة أهل فاس. وكان أبو المحاسن يرى أن المولد أعظم أفراح المسلمين وأعيادهم التي لا يخالف السماع فيها أصل الشرع الديني.
وفي عهد المماليك في مصر، كانت الاحتفالات الدينية في شهر رمضان المبارك جزءاً مهماً من الاحتفالات بالشهر العظيم. فكانت تلاوة القرآن الكريم والمولد النبوي وابتهالات المؤذنين في المساء ووقت السحور، وكذلك مناداة المسحرين وتنغيماتهم موقعة على الطبل أو الدفوف لإيقاظ النائمين تخلق جواً احتفالياً دينياً كبيراً. ولم يقتصر الاحتفال بمولد الرسول الكريم r على ليلة واحدة، بل كان يستمر أيام شهر ربيع الأول بأكمله. وكان القراء المجودون والوشاحون ذوو الأداء الجيد يحتشدون لإقامة هذا الاحتفال لدى سلاطين المماليك. كما كان الأهالي يشاركون الحكام فيقيمون، في أحيائهم، السرادقات ويتنافس القراء والمنشدون في الإبداع في أداء الأناشيد الدينية المناسبة. وقد شملت الاحتفالات الدينية أيضاً، خروج المحمل إلى الحج، فكان يتلى القرآن الكريم في أثنائه وتنشد المدائح والتواشيح الدينية والأناشيد المولدية، وسمح للطبل وبعض آلات الإيقاع الأخرى بمرافقة الحجيج. وفي أناشيد الذكر، يلتزم المنشدون الإنشاد في طبقة القرار (الخفيض من الأصوات) من دون توقف حتى النهاية. غير أن المنشد المنفرد يصدح من جواب (ثمانية صوتية أعلى) التلحين، ويردد لفظ الجلالة «الله» أو جملة «لاإله إلا الله» أو كلمة «مَدَد» في طلب المعونة. وقد يرافق المنشد أو جماعة المنشدين عازف ناي بمصاحبة بعض الآلات الإيقاعية. وهكذا، أسهمت الموسيقى إسهاماً فعلياً في الطقوس الصوفية. وكذلك فإن التكايا والزوايا الصوفية المختلفة احتفظت بطابع الموسيقى العربية مع غزو الفنون الأجنبية لها.
وتبنى بعض أصحاب الطرق نوعاً آخر من الغناء الديني المرافق بضاربي بعض الآلات الإيقاعية كالدف والطبل والدرابكة تصاحبهم جماعة ممن برعوا في أداء حركات إيقاعية خاصة سميت بـ «الفتلة» أو «الزار». وفي «حمّى» الإنشاد الجماعي والضرب على الآلات الإيقاعية يبرز من الجوقة الغنائية منشد ليؤدي أبياتاً من شعر أحد الشعراء الصوفيين كالشيخ البوصيري، وابن الفارض، وجلال الدين الرومي وذلك على أنغام ألحان شعبية شائعة.
وتطور الغناء الديني، ولاسيما في مصر، منذ الربع الثاني من القرن العشرين، بتشجيع من الملحن محمد القصبجي لأم كلثوم، وذلك بأداء بعض الأغاني الدينية مصاحبة بالتخت الشرقي [ر.الفرقة الموسيقية] بدلاً من الاعتماد على الجوقة الغنائية أوالآلات الإيقاعية فحسب. وتلا ذلك ملحنون آخرون مثل: فريد الأطرش في أنشودة «عليك صلاة الله وسلامه» وهي من غناء أسمهان، وزكريا أحمد في أغنية «القلب يعشق كل جميل» من غناء أم كلثوم، وأغنية «الله أحد» من غناء ليلى مراد. وقد صيغت هذه الأغاني وفق الزجل والأغنية الشعبية. ثم بدأ الملحنون يتناولون بالتلحين قصائد الشعر الدينية، بدلاً من الأزجال، لكبار الشعراء مثل: أحمد شوقي في قصائده: «سلوا قلبي»، و«نهج البُردة»، و«وُلد الهدى»، وغيرها، وقد لحن السنباطي هذه القصائد وغنتها أم كلثوم.

18 - فبراير - 2010
قراءة القرآن الكريم بين الترتيل والغناء.
الحداء هو الإنشاد من غير الموسيقا (2)    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

وقد أعطت الأناشيد الدينية الإسلامية مفعولها النفسي في المناسبات المختلفة بما تحتويه من معانٍ سامية وعبارات راقية وأسلوب أدبي رفيع، وبثّت روح الشجاعة وعرض البطولات التاريخية والدينية عبر العصور.
وبتنوع الألحان الدينية الإسلامية في شتى الأعياد والأفراح والأتراح والمناسبات الدينية المختلفة أصبح لهذه الألحان أشكال متعددة، من أهمها (عدا ما ذكر سابقاً):
ـ القدود والموشحات [ر. الأغنية] الدينية: القدود الدينية هي أغان قديمة أو شائعة استبدل بنصها الأصلي نص ديني، على قد الوزن تماماً، فيه تضرع إلى الله أو مديح للرسول مع بقاء اللحن الأصلي على ما هو عليه. وتُعد القدود، والموشحات الدينية (وأغلبها على شاكلة القدود) الزاد الفني للسماع عند السادة الصوفيين.
ـ رقص السماح: هو رقص الحشمة والأدب المتوارث في سورية. وهو رقص جماعي للرجال ذو حركات إيقاعية بطيئة ومتوسطة السرعة. وقد تنوعت الآراء حول نشأة رقص السماح، فمن قائل إنه فارسي الأصل أو أندلسيّه أو وثني أو ديني صوفي. ويقول بعضهم إنه عرف أيام الجاهلية. لكن من المؤكد أن هذا الرقص قد ظهر في مدينة منبج (من محافظة حلب) مع فاصل دعاء الاستغاثة «اسقِ العطاش» لكاتبه الصوفي السوري عبد الغني النابلسي، وألحان محمد العبداوي، وتصميم أصول سيره وإيقاعاته بالأرجل لمحمد المنبجي، وذلك في القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر من الهجرة. كما يذهب بعضهم إلى أن مبتكر رقص السماح هو الشيخ عقيل المنبجي (ت550هـ).
ولعل كلمة «سماح» قد جاءت من أن هذا اللون من الرقص هو الذي سمح بمزاولته في التقاليد المتوارثة في المجتمعات العربية الإسلامية مقابل اللهو والخلاعة في الأنواع الأخرى من الرقص الدنيوي. ويبدأ رقص السماح عادة بالاستئذان من صاحب السجادة (رئيس الفرقة) أو من صاحب الدار للبدء بالرقص مع الإنشاد فيتصايحون: السماح، السماح، حتى يشير إليهم شيخهم بالإذن بالرقص. وهذا التقليد متبع في عدد من الطرق الصوفية والدينية في حلقات الذكر مثل المولوية والرفاعية وغيرهما.
ويتلازم الإنشاد الجماعي مع رقص السماح، مع تناوب في التهليل والإنشاد والذكر على وقع دبكات إفرادية خفيفة مع انحناء وتمايل حتى يصبح الراقصون في حالة «التنوير» وهي المرحلة الصاخبة في الذكر، فيأخذون بالشهيق والزفير وهم يتصايحون «حي، حي، الله، الله"، ويتمايلون ذات اليمين وذات الشمال أو ينحنون إلى الأمام بعنف. وتتخلل حركات الرقص خطوات نحو اليمين واليسار وإلى الأمام والوراء مع نقرات برأس القدم أو بالكاحل، ونهز الجسم للأعلى ثم للأسفل. وترافق اليدان، في حركات متنوعة، خطوات جسم الراقص.
ويعود الفضل في انتشار رقص السماح مجدداً، للفنان الشيخ عمر البطش الذي أدخل عليه العنصر النسائي فجمّله في تشكيلات فنية مبتكرة وحركات انسيابية جعلت منه رقصاً دنيوياً شعبياً.
ـ المولوية: ظهرت الطريقة المولوية وأناشيدها الصوفية على يدي مؤسسها جلال الدين الرومي الذي كان مشغوفاً بالرياضة وسماع الموسيقى ونظم الشعر وإنشاده. وقد ألّف كتاب «المثنوي» ضمّنه فلسفة طريقته وأصولها وتقاليدها، وجعل من كتابه هذا مرجع جماعة هذه الطريقة. وكان يعد آلة الناي الوسيلة المعبرة في تحري الحكمة والفلسفة في الطريق الإلهي، فرافق الناي مراسم المولوية في أدائها. وقد نظم الرومي في الناي يقول:
استمع للناي غنى وحكى
شفّه البين طويلاً فبكى
مذ رأى الغاب وكان الوطنا
ملأ الناي أنيني شجنا
ويتسم رجال المولوية بوحدة اللباس والمراسم في الطريقة والتقاليد في الأذكار بما يختلف عن سواها من الطرق الصوفية الأخرى. ولعل كلمة «مولوية» جاءت من لقب جلال الدين الرومي بـ «مولانا» الذي لازم اسمه. وقد أسس الرومي هذه الطريقة الصوفية الجديدة في مدينة قونية (تركية) وأصبح لها مكانتها في المحافل الإسلامية وعند سلاطين بني عثمان، حيث كان الرومي وخلفاؤه من بعده يقلدون السلاطين سيوفهم عند تنصيبهم على سدة الحكم.
وقد صار للطريقة المولوية تكايا وزوايا في معظم البلاد الإسلامية حتى عهد أتاتورك الذي أمر بإلغائها. إلا أنه مازال لهذه الطريقة أنصار في البلاد العربية الإسلامية وما زالوا يقومون بشعائرها وطقوسها وأذكارها للتقرب من الذات الإلهية.
وتعتمد مراسم رقص المولوية على الفَتْلة والدوران، إذ يبدأ الدراويش (الراقصون) أولاً بالسماح والاستئذان من شيخ الطريقة بالانحناء أمامه احتراماً وأيديهم مكتوفة على صدورهم ويصرخون بلفظة «هُوُ»، وتعني لفظ الجلالة، ويلثم الراقصون الأرض تواضعاً لله أمام الشيخ، ثم تبدأ الحركة بالدوران المستمر حول أنفسهم مع حركات الأيدي إلى العلاء تارة طالبين المدد والمغفرة من الله، ومرة على صدورهم رمزاً للخضوع والخشوع لله.
وتدور هذه المراسم عادة على نغمات الناي المرافق بنقرات الدفوف وتلاوة أشعارٍ من كتاب المثنوي.
وتستهل نوبة الرقص، وهي عمل فني روحي، بتمهيد من تقاسيم على الناي في نغمات شجية، فمقطوعة موسيقية تقليدية خاصة. ويفتتح الشيخ الفتلة الأولى ثم يرتاح في مكانه، ويحتدم  دوران الدراويش على إيقاعات سريعة وقد انتشرت تنانيرهم البيضاء على شكل مظلة تشدها زنانير محكمة على خصورهم. وتختتم النوبة بأوزان خفيفة ونغمات مفرحة يعودون بعدها إلى الشيخ لأداء الاحترام.
 
حسني الحريري، محمد الشيخاني

18 - فبراير - 2010
قراءة القرآن الكريم بين الترتيل والغناء.
الأغنية (1)    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

الأغنية
يطلق مصطلح «الأغنية» song على كل قطعة غنائية تؤدّى بصوت بشري بمرافقة الآلات أو من دونها. فإذا تطلب غناؤها عدداً قليلاً من المغنين فإن الأغنية تسمى عندئذ بعددهم، كأن تقول :الفردية solo والثنائية duet والثلاثية trio. أما إذا كانت لمجموعة ويتطلب غناؤها مجموعة غنائية فإنها تُسمى «أغنية جماعية» أو «لحناً جماعياً» تؤديه الجوقة (الكورس) choir. والغناء لغة: ما طُرب به، وتحسين القراءة وترقيقها.
يستخدم الإنسان حنجرته التي هي جزء من جهازه الصوتي، في إخراج الأصوات والأنغام. ويفوق تحكم الإنسان بصوته ومخارجه وأنماط تعبيره تحكمه بأي أداة أو آلة موسيقية. يُضاف إلى ذلك أن صوت الإنسان ينقل مع اللحن نصاً مفهوماً مشبعاً بالمعاني والعواطف، وبذلك تأتي الأغاني معبرة عن أحوال الإنسان ومشاعره وعواطفه وأفكاره على تنوعها واختلافها. ومن نصوص الأغاني ما يكون بالفصحى ومنها ما يكون بالعامية. وهي تتنوع بتنوع موضوعاتها.
ولأن الأغنية تتألف من كلمات وأصوات موسيقية كان لا بد للملحن أو المؤلف الموسيقي من أن يراعي، عند قيامه بتلحين نص الأغنية، توافق اللحن مع موضوع الأغنية العام، وانسجامه مع معاني كلماتها، وتطابقه مع الإيقاع الشعري فيها، وأن يختار الصوت المناسب لأداء الأغنية سواء كان صوت رجل أو امرأة أو طفل، أو كان المؤدي منفرداً أو ضمن مجموعة، على أن يكون صوت المغني أو المغنين متفقاً مع لحن الأغنية في طبقة الصوت وأسلوب الأداء. كذلك عليه أن يدقق في اختيار أنواع الآلات المرافقة وعددها، لتساعد في التعبير عن المعنى العام للأغنية. ولهذا، يفترض في الملحن أن يكون ملماً إلماماً وافياً بالنواحي الأدبية للغة التي تكتب فيها الأغنية، ولاسيما أوزانها الشعرية.
لمحة تاريخية
عرف البشر الغناء منذ أقدم العصور، والمقدّر أن الإنسان بدأ يغني منذ أن بدأ الكلام مستخدماً حنجرته استخداماً واعياً، واستمر بصقل صوته معبراً به عن عواطفه وحاجاته. ومع تنامي خبراته ومعارفه تنامت قدرته المتصلة بسيطرته على صوته ورافق ذلك تطور لغته. ولكن الإنسان احتاج إلى آلاف السنين حتى توضحت لديه العناصر المكونة للأغنية بالصورة المعروفة اليوم. وقد ارتبطت الموسيقى في الحضارات القديمة بالشعر والأدب والخطابة. كما كانت الفنون تجتمع في عمل فني واحد عند الشعوب البدائية كالرقص والغناء والرسم والنحت، وكانت تؤدى في مناسبة ذات غرض محدد. وقد كُشِفت أغنية نَصْرٍ فرعونية تتألف من عدة جمل بسيطة تتخللها جملة أو شطر يعاد أو يتكرر باستمرار، كبعض الأغاني الإفريقية والعربية الشعبية المعاصرة.
حظي الغناء في المعابد القديمة برعاية الكهنة، الذين كانوا يعدون علماء عصرهم، فطوروه وجعلوه من أسرارهم. وفي المعابد كانت الأناشيد تنشد في مدح الآلهة واستعطافها واسترضائها. كما كانت تقام طقوس الحب المقدس، وتمثل مسرحيات تتحدث عن الخلق والنزول إلى العالم السفلي، وكان الغناء جزءاً رئيساً من هذه الطقوس والمسرحيات، واستمر الغناء الديني بصوره المختلفة حتى العصر الحالي.
وقد نافس البلاط الملكي المعبد في العناية بالموسيقى ولكن في اتجاه مغاير. فنشأت في البلاط أنواع من الأغاني الدنيوية والترفيهية، منها ما كان يؤدى في الولائم والمناسبات ويرافقه للتسلية الرقص، بعد أن كان الرقص طقساً دينياً. وكان الغناء الشعبي وغناء المسيرات يمارس في العصر الآشوري وغيره. وهكذا أخذت الأغنية تواكب جميع مناحي الحياة. وبدأ التخصص بالغناء، وظهر من اشتغل به فزاد من رفعة هذا الفن وتعقيده، وارتقت الأغنية وتنوعت أشكالها البنائية مع مرور الزمن، وصار للأداء أهمية كبيرة من حيث نوعية الصوت البشري ومستوى تدريبه.
مراحل تطور الغناء العربي
مرت الأغنية العربية بمراحل تاريخية كان لكل منها أثره في الأغنية من ناحية الشعر والشكل البنائي واللحن والإيقاع والآلات المرافقة. ومن الممكن الوقوف عند المراحل التالية:
العصر الجاهلي: كان الشعر والغناء فناً واحداً في حضارات الشعوب القديمة، ولم ينفصل الشعر عن الغناء إلا بمرور وقت طويل. وكان أسلوب الغناء في العصر الجاهلي يعتمد على ترداد وزن معين يناسب الشطر من بيت الشعر وقد يعاد حرفياً في الشطر الثاني أو يدخل عليه بعض التغيير. وكان الغناء متفقاً مع وزن الشعر، ويتناسق النغم مع أطوال المقاطع اللفظية. ولم يعرف العرب قبل الإسلام فناً غنائياً يقوم على قواعد موضوعة، وكان الغناء مرتجلاً يتسم بالبساطة. ويقول المؤرخون العرب إن أول الغناء كان «الحُداء» وهو من بحر الرجز الذي يلائم سير الإبل. وكان العامة يسمون الحداء «الركباني» وهو الغناء الشعبي الأكثر شيوعاً. وكان غناء العرب على أنواع إلى جانب الحداء ومنها: النصب، والسِّناد، والنواح أو النوح، وغناء الحرب، وغناء القيان. ويُعدّ غناء القيان أرفع الأنواع فنياً، إذ كانت القيان على ثقافة موسيقية جيدة نسبياً، ولديهن معرفة بأصول الغناء وبالشعر العربي. فكن يغيّرن بعض الألفاظ، أو يُعدن ترتيب الأبيات، ويلفتن نظر الشعراء إلى أخطائهم في شعرهم أحياناً. وكان للغناء أثر في تنسيق قوافي القصائد، فالقافية والقفلة الموسيقية يقنعان المستمع بانتهاء البيت أو اللحن. ولعل في ذلك ما يفسر لماذا يستدعي تغيّر القافية تغيّراً في اللحن.
الأغنية العربية بعد الإسلام: لا يعرف على وجه التحديد متى انفصل الشعر عن الغناء ولكن، بعد الفتوح الإسلامية، ظهر في المدينة ومكة نمط جديد من الغناء أطلق عليه اسم «الغناء المتقن»، ونسب فضل إدخاله إلى طويس وسائب خاثر وعزّة الميلاء. ولربما انفصل الضرب الموسيقي عن وزن الشعر في هذه المرحلة. ويقصد من ذلك أن الضرب الذي توقعه الآلة الموسيقية الإيقاعية، يختلف عن وزن الشعر بما يكتنفه من أزمنة ونبر. وقد تمكّن هذا الأسلوب الجديد في عهد الفارابي [ر]، وغدا مسيطراً في الغناء في حين حافظ العَروض على وزن الشعر والغناء القديمين. وكانت المدينة ومكة قد بلغتا بعد الفتوح الإسلامية من الثراء والاستقرار ما أدى إلى نشاط ملحوظ في حياتهما الموسيقية، وظهرت فيهما حركة تجديد جعلتهما في أواخر القرن الأول وبداية القرن الثاني للهجرة من أهم مراكز تدريب المحترفين على أسلوب الغناء المتقن الذي نال استحساناً في قصور بني أمية. وبعد ذلك النجاح الذي حققه مغنو العصر الأموي، ظهرت أنواع جديدة من الإيقاعات هي: الثقيل الأول وخفيفه، والثقيل الثاني وخفيفه، والرَمَل وخفيفه، والهزج. وأطلق العرب اسم «الصوت» على أغانيهم، وهو غناء البيت أو البيتين أو الثلاثة في مقام معيّن وعلى ضرب مفروض. واشتهر كل من طويس بضرب الهزج، وسائب خاثر بضرب الثقيل، وابن محرز بضرب الرَمَل. وتجدر الإشارة إلى أن فن الأداء تطور في العصر الأموي حتى بلغ أوجَه في عصر الوليد ابن يزيد في شخص معبد [ر]، كبير مؤدّي المدينة.
وفي العصر العباسي تطور فن الغناء تطوراً ملحوظاً، وظهر فيه نوع من غناء التناوب. فقد أدى اجتماع عدد من المغنين في بلاط الخليفة إلى نوع من التنافس يحاول فيه كل مغنٍّ أن يبزّ أنداده، وأدى ذلك إلى ارتقاء فن الغناء وتناوب المغنين أمام الخلفاء. وفي هذه الحقبة كان العود الآلة الأساس التي ترافق الغناء فساعد ذلك على تطوره وإتقانه، كما كانت له أهمية في تطوير النظريات الموسيقية. وإلى جانب الغناء المتقن، ظهر نوع آخر من الغناء الشعبي تنامى حتى كثرت أصنافه في العصر العباسي، ومنها الزجل والموال والقوما والكان وكان. وحين كانت بغداد في أوج ازدهارها الحضاري، كانت الأندلس تشهد أيضاً حركة فنية وأدبية غنية. فبعد أن ترك زرياب[ر] البلاط العباسي، الذي كان يعج بالموسيقيين والمغنين الذين اشتهروا في تطوير الغناء العربي ومصطلحاته، من أمثال إبراهيم الموصلي وابنه إسحق [ر]، وإبراهيم بن المهدي [ر]، وابن جامع، ذهب زرياب إلى الأندلس حيث لقي العناية والرعاية من البلاط الأموي هناك، وشجعه ذلك على تأسيس مدرسة موسيقية على غرار التقليد المتبع في المشرق (كمدرسة أستاذه إسحق الموصلي صاحب الدور الكبير في وضع أصول الغناء العربي). ولكنه أضفى عليها طابعه الخاص، ووضع الأسس الأولى لتعليم الغناء في العالم.
مثّل زرياب في الأندلس المدرسة العربية التقليدية الموروثة عن عزة الميلاء، وابن مسجح، وابن محرز وغيرهم. ولكن هذه المدرسة الأندلسية لم تتأثر، بسبب بعدها عن المشرق وهو أصلها، بالتطور الذي حدث في بغداد في القرن الثالث عشر الميلادي على يد صفي الدين عبد المؤمن الأرموي [ر]، وكان تهجيناً للمدرستين القديمة والجديدة، ولكنها امتازت على كل حال بإدخال وُسْطى زلزل [ر. العود] في نظرياتها، والتخلي نهائياً عن تناسق الوزن الشعري والوزن الموسيقي.
ومنذ القرن الخامس عشر الميلادي، ولاسيما بعد استقرار الحكم العثماني، عم الظلام المنطقة العربية، ودخلت الموسيقى زوايا المتصوفة الذين حافظوا على المتوارث منها، ولم يبدعوا جديداً. وبقيت هذه الحال سائدة حتى أواخر القرن التاسع عشر عندما ظهر مع بدء النهضة العربية الحديثة عدد من المغنين العلماء من أمثال الملاّ عثمان الموصلي [ر] (من الموصل)، وأحمد أبي خليل القباني [ر] (من دمشق)، والشيخ علي الدرويش [ر] (من حلب)، وخميس ترنان [ر] (من تونس)، وكامل الخلعي [ر] (من القاهرة) وغيرهم. وقد لوحظ في هذه المرحلة حماسة الموسيقيين لإحياء التراث، فانتشر الموشح المشرقي الذي يختلف عن نظيره الأندلسي بعدد أبياته وأقفاله، وازدهر الدور والقصيدة، وظهرت المسرحيات الغنائية. ودخلت في الغناء العربي المعروف اليوم تأثيرات متنوعة معظمها هندية وفارسية وتركية وغربية حديثة طبعت بطابع العرب وذوقهم ولغتهم.
أنواع الأغاني العربية: تحتل الأغنية الشعبية مكانة مهمة بين الأغاني العربية وهي توصف ببساطة لحنها وشكلها البنائي، وتستقي موضوعاتها من حياة الشعب وتقاليده وتجاربه المختلفة. وتؤدى هذه الأغاني عادة باللهجة العامية، ولا يعرف لا ملحنها ولا مؤلف كلماتها، ويتداولها الناس كما هي، أو يبدلون في كلماتها أو يضيفون إليها أو يعدلون في لحنها بحسب الذوق والبيئة التي توجد فيها. وهي لذلك متنوعة تنوع المناسبات والأمصار، ولكل منطقة لهجة خاصة وموسيقى تناسبها. ويمكن تصنيف الأغاني العربية الشعبية الشائعة في أنواع رئيسة هي الغناء البدوي، والغناء القروي، والغناء المدني والسواحلي.
ويعود الغناء البدوي بأصوله إلى العصر الجاهلي، ومن أنواعه السامر، والحداء، والهجيني، والفاردة، والمعيد، والتراويد، وهي أغان قصيرة الألحان شحيحة بالتزيينات اللحنية، ويعاد لحنها عند كل شطر من الشعر، ويتناوب في أدائها مغنٍ منفرد ومجموعة من المنشدين هم عادة من أبناء العشيرة وبناتها.
أما الأغاني القروية فذات لحن أعقد من البدوية، وفيه بعض التزيينات، وتدفق إيقاعي، وله شكل بنائي يساير الأشعار المغناة ويختلف باختلاف القوافي. وتتنوع موضوعات الأغاني القروية كأغاني الدبكة والرقص والعمل والحصاد والدِّراس والقطاف والرعي والطحن، كما تأخذ أغاني الحب قسطاً وافراً من الأغاني القروية، وتستعمل هذه الأغاني مقامات متنوعة.
وأما أغاني المدينة فأكثر ترفاً من النوعين السابقين، وفيها تفنن وصنعة. ومنها أغاني الأعراس والأفراح، والأحزان والأتراح، والمسيرات (الزفّة). وفي المدن الساحلية تنتشر أغاني البحر وصيد السمك واللؤلؤ وشوق البحارة إلى أهاليهم واستقبالهم عند عودتهم. كذلك تشتمل الأغاني الشعبية على ما يغنيه الأطفال من ابتكارهم وما تغنيه النساء لأطفالهن (أغاني المهد).
وموضوعات الأغاني الشعبية كثيرة جداً وتختلف طبيعتها الفنية من إيقاع ولحن وأداء باختلاف المنطقة التي نشأت فيها، ومناسبتها ووظيفتها الاجتماعية.
 
 
 
 
 
 
 
 

18 - فبراير - 2010
حلب: مقامات المسرة
الأغنية (2)    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

أما النوع الثاني من الأغاني فهو الأغنية الراقصة، أي ارتباط الغناء بحركة الجسم، ومع أن العرب مالوا إلى هذا النوع من الغناء إلا أنه لم يكن قط وقفاً عليهم، وقد ارتبطت الموشحات الغنائية برقص السماح التقليدي، وشاعت الأغنية الشعبية الراقصة المسماة بالردحة (في الجزيرة العربية)، والدّحة (في شمالي سورية والعراق)، والدبكة (في قرى بلاد الشام) وكلها أغانٍ تترافق مع الحركة في حلقات تضم الرجال وحدهم أو الرجال والنساء معاً يتماسكون بالأيدي والأذرع، ويضربون الأرض بأرجلهم بخطى إيقاعية راقصة.
كذلك استخدم الملحنون العرب المحدثون، الإيقاعات الراقصة الأجنبية في بعض أغانيهم ومنهم محمد عبد الوهاب [ر] وفريد الأطرش [ر]، وكان أولها التانغو tango ثم الفالس waltz وغيرهما، إلا أنهم لم يوظفوها للرقص وهو ما وضعت له أصلاً، بل جذبتهم جدَّتها وحركاتها الإيقاعية الجَذْلى، فزخرفوا ألحانهم بها. وهكذا أتت أغانيهم ملونة بالطابع الأجنبي.
يعتمد الغناء التقليدي العربي خاصة على لحن واحد أو على عدة ألحان من مقام [ر. الموسيقى العربية] معين، وقد ينتقل إلى مقامات مجاورة (الفروع)، ويرافق اللحن إيقاع يسمى الضرب. وهذا الغناء هو استمرار للغناء المتقن الذي عرفه العرب بعد الإسلام. ومن أنواعه:
الدَّوْر: وفيه يتناوب الغناء مغنٍ منفرد ومجموعة من المرددين. ويبدأ الدور بالمذهب، ثم تأتي الأغصان التي يترنم بها المغني بما يشبه قسم التفاعل في الموسيقى الأجنبية، إذ ينتقل في النغم بين المقامات، ويتصاعد التجاوب بينه وبين المرددين بمرافقة التخت الموسيقي الشرقي [ر. الفرقة الموسيقية]، ويسمى هذا الجزء «الهَنْك»، ثم يعود المغني إلى المذهب، وقد يضفي عليه بعض التعديل منهياً الدور به. أما مبتكر الدور فمجهول، ولكنه تألق وازدهر في مصر في بداية القرن العشرين على يد الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب [ر]. ومن أشهر مَنْ غنّى الأدوار عبده الحمولي[ر]، ومحمد عثمان[ر]، ويوسف المنيلاوي[ر]، وداود حسني[ر]، وسيد درويش[ر] وغيرهم.
والموشح (أو الموشحة): أندلسي النشأة ويتألف من خمسة أسماط وكل سمط يتألف من قفل وبيت. ويكون شكله البنائي: «آ ـ ب، آ ـ جـ، آ ـ د، آ ـ هـ، آ ـ آ». ويختلف هذا الشكل عما يطلق عليه اليوم اسم الموشح المشرقي الذي يتألف من دورين وخانة وغطاء في أغلب الحالات، وقد يكون غير ذلك، وشكله البنائي: «آ ـ آ، ب ـ آ». وقد أحيا هذا التراث الشيخ عمر البطش[ر] في حلب كما أحيا رقص السماح المرافق له. والموشح الأندلسي والمشرقي هو من الشعر الفصيح عدا الخرجة (القفل الأخير) في الموشح الأندلسي. وغالباً ما تؤدي الموشح مجموعة من المنشدين، وقد يشارك في غنائه مغنٍ منفرد. وفي اليمن يتألف الموشح من ثلاثة أقسام: البيت، والتوشيح، والتقفيل. ومن الموشحات ما يخصص للمناسبات الدينية.
أما الموّال: فهو من الأساليب الغنائية الارتجالية. ويعتقد بأنه ظهر في العصر العباسي. والموال على أنواع فمنه الرباعي والخماسي (المصري) والسباعي (البغدادي)، وذلك بحسب عدد أشطره. والموال اليوم يرتجل في بداية أغنية، أو يكون جزءاً من قالب غنائي طويل كالمقام العراقي أو القدّ الحلبي، ويأتي لحنه في مقام مناسب للأغنية. أما شعره فعامي كله وفيه تفنن بالقوافي التي تلتزم كلمات متفقة الألفاظ مختلفة المعاني في أجزاء الموال.
النَّوْبة: وتعود نشأتها إلى عصر الخليفة العباسي المنصور، ونقلها زرياب معه إلى الأندلس وطورها. فالنوبة عنده أشعار ذات قواف متعددة، يتم تلحينها في مقامات مختلفة، وتتألف من أربعة مقاطع: النشيد والبسيط والمحركات والأهزاج. ويذهب ابن غيبي (ق14م) إلى أن النوبة تتألف من القول، والغزل، والترنات، والفروداشت. وتتألف النوبة اليوم في بلاد المغرب العربي من خمسة أقسام، وتبتدئ بمقدمة آلية، وتتدرج فيها الإيقاعات من الثقال إلى الخفاف. ويطلق على النوبة اسم «المألوف» في كل من ليبية وتونس ومنطقة قسنطينة، وتعرف باسم «الصنعة» في الجزائر، و«الغرناطي» في تلمسان، و«الطبع» أو «الآلة المغربية» في المغرب الأقصى.
وأما المقام العراقي: فمنه ما هو ديني ومنه ما هو دنيوي. ويتألف من عدة أجزاء، ويبدأ عادة بالتحرير (البداية أو البدوة)، ثم الأوصال، ثم القرار (وهو الغناء في الطبقات المنخفضة من صوت المغني)، ثم الميّانة (وهو الغناء في الطبقات العليا من صوت المغني). وينتهي المقام بالتسلوم أو التسليم (ويعني النهاية).
ولكن جرت العادة أن تضاف إلى المقام أغنية ذات طابع محرك أطلق عليها اسم «البسْتة» ويسمى المقام باسم مقامه الموسيقي كالحسيني والصبا وغيرهما. وأشعاره فصيحة، إلا في القليل من المقامات إذ تستعمل المواويل العامية (الزهيريات). وقد تستخدم في التحرير كلمات خاصة تختلف باختلاف المنطقة الجغرافية، ومن هذه الكلمات ما هو تركي أو فارسي أو هندي. ومن أشهر مؤدي المقام العراقي رشيد القندرجي ومحمد القبّنجي. ويرافق المقام فرقة موسيقية تسمى «الجالغي».
والقد الحلبي: القدّ عند أرباب الموسيقى ما ينظم كلاماً فصيحاً صحيح الإعراب على وزن بعض أغاني العامة، والقد الحلبي أغان قديمة أو شعبية حذف نصها الأصلي واستبدل به شعر أو زجل عربي على «قدّ» الوزن تماماً أي على قدره، لهذا سمي «قدّاً». وشعر القدّ فصيح عادة، أما أداؤه فمن جزأين: ارتجال وأغنية محركة. والارتجال يكون بعدة أبيات بالفصحى عادة، وقد يترنم المغني في أثنائها ونهايتها بكلمات مثل «ياليل» أو غيرها. ثم تأتي أغنية القد المحركة. وينسب القد الحلبي إلى مدينة حلب لظهوره فيها. واشتهر في أدائه حديثاً صباح فخري.
أما الذكر أو الحضرة الصوفية: فأصله ذكر الله تعالى، وهو يجمع بين قراءة القرآن المجود والمدائح النبوية بأسلوب الأغنية أو الموشح المشرقي، وتتوالى نصوصه بترتيبات مختلفة بحسب الطريقة الصوفية التي تؤديه. وقد تشارك في الذكر بعض الآلات الموسيقية الإيقاعية كالدف والمزهر والطبل، وكذلك الناي عند بعضهم. وقد يأخذ قالب المقام العراقي.
ومن الأغاني العربية الأخرى الأغنية الوطنية، وقد عرفت في الوطن العربي منذ نهاية القرن التاسع عشر مع تصاعد الأحداث السياسية في البلاد العربية ولاسيما بعد الاحتلال الأجنبي، وتنامت الأغاني الوطنية وعالجت جميع ما من شأنه النهوض بالوطن وتمجيده وتمجيد أبطاله. بدأت الأغنية الوطنية، التي يسمونها «النشيد» باستخدام القوالب الشعبية وتضمينها معاني وطنية، وربما تبنى بعض المنشدين نمط «المونولوغ» monologue (نوع من الغناء المنفرد يؤدى تمثيلاً مع مصاحبة موسيقية) للتعبير عن المشاعر الوطنية. ولبعض الأناشيد إيقاع عسكري، وقالب تتردد فيه اللازمة بعد مقاطع تختلف باللحن والقافية.
أما القصيدة: فهي أبيات شعر منظومة بالفصحى على قافية واحدة ولا تلتزم مقاماً موسيقياً أو إيقاعاً معيناً. ويؤلف البيت الأول منها، أو الأبيات الأولى، ما يسمى «المذهب» وما يليه «المقاطع». وكان يسبق الغناء قديماً مقدمة موسيقية تدعى «الدولاب»، ثم يقوم المطرب بغناء المذهب ارتجالاً في مقام المقدمة من دون قواعد خاصة، ويتخلله عزف منفرد من بعض الآلات كالعود أو القانون يرتجل العازف فيه ألحاناً تساعد المغني بما تجود به قريحته وموهبته الموسيقية. وقد يقوم التخت الشرقي بأداء ألحان من المقدمة أو يعيد الفقرة الأخيرة من غناء المطرب عزفاً، كما تقوم مجموعة المرددين ـ إن وجدت ـ بإعادة غناء بيت معين أو شطر ما من القصيدة. وبعد ولادة الشعر الغنائي الحديث بقوافيه وبحوره المتعددة في القصيدة الواحدة، أضحت القصيدة عملاً مهماً في الغناء التقليدي العربي، فلم يعد يسمح للمطرب بالارتجال إلا في حدود ضيقة، ويتقيد المطرب والعازفون والمرددون بالألحان كما وضعها ملحنها. وهكذا تخلت القصيدة عن قالب الارتجال وانتقلت إلى قالب منظم، وأشهر أعلامها الشيخ أبو العُلا محمد [ر]، ومحمد القصبجي [ر]، ومحمد عبد الوهاب، وزكريا أحمد [ر]، ورياض السنباطي [ر] وغيرهم.
الغناء العربي الحديث: اتخذ هذا الغناء عدة اتجاهات بحسب الدوافع التي وجهته. فمنه ما اتكأ على الأسلوب الشعبي، فأتى مؤدياً أو محاكياً له، ومنه ما اتجه إلى الغناء العربي التقليدي المتوارث ينهل منه وينسج على منواله. وهذان الاتجاهان هما الغالبان على جملة الغناء العربي الحديث. ولقد غنّى عدد كبير من المغنين العرب في ذينك الأسلوبين، ويصعب تعدادهم في هذا المكان. كما أن هناك اتجاهين آخرين ظهر فيهما تأثير المد الثقافي الأجنبي كالغناء الراقص الذي ظهرت بوادره في أغانٍ لمحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش. ونما في لبنان على يد الأخوين رحباني وفيروز. ويحظى هذا النوع بالازدهار اليوم. وأما الاتجاه الآخر فهو ظهور الأوبريت [ر. الأوبرا] والمونولوغ وكلاهما متأثر بالأوبرا الغربية وإن اختلفا في الطابع. وكان لهذا المد الثقافي الأجنبي أثر في دخول آلات موسيقية غربية حديثة، وفي تأليف فرق موسيقية كبيرة لمرافقة الغناء العربي مما لم يكن معهوداً من قبل.
الأغاني الأجنبية
ويقصد بها هنا كل أغاني العالم باستثناء الأغنية العربية. وكما تختلف اللغات واللهجات تختلف الأغاني والأذواق، واختلافها يكمن في تنوع استخدام السلالم [ر. الموسيقى] والإيقاعات والآلات الموسيقية وتمايز طرائق الأداء وأساليب التلحين. وثمة مناطق من العالم ذات تشابه إجمالي كبلاد الصين واليابان وما جاورهما، وكذلك البلاد الإفريقية، التي تستخدم السلم الخماسي pentatonic على نحو خاص، وترافق أغانيها آلات موسيقية محلية، ويحيط غناؤها بمواضيع تناسب تقاليدها وثقافتها وأحوال معيشتها. وفي أوربة يتميز الغناء بتعدد الأصوات polyphony مما أثرى اللحن والإيقاع وهما العنصران الأساسيان في الموسيقى إضافة إلى الانسجام أو التوافق harmony. وكانت الأغاني الأوربية حتى القرن التاسع الميلادي وحيدة الصوت. وبعد اتصال أوربة بالحضارة العربية الإسلامية في صقلية والأندلس، بدأ نهج العرب في الأصوات ينتشر فيها. وقد قلد الأوربيون في البداية الأساليب الأندلسية في أغاني «الشعراء الجوالين» في فرنسة، ومنشدي الحب minnesinger في ألمانية. ومن ثم صرفت الكنيسة اهتمامها إلى الأغنية، فرعتها ووجهتها لخدمة أغراضها، وطورت أسلوب تعدد الأصوات فيها، مما أدى إلى إنتاج تراث ضخم من الإنشاد الديني. وفي القرنين الخامس عشر والسادس عشر، أخذت الأغاني المتعددة الألحان تكتسب أهمية متزايدة، كما ازدهرت الأغاني التي ترافقها آلة العود. وتوجهت عناية الأسر الإقطاعية للتمتع بالغناء مما أدى إلى انتشار «الغزليات» madrigals و«الرعويات» pastorals والأغاني العاطفية ballads. وقد أخذت الأغاني أسماء مختلفة بحسب موضوعها أو مكان نشوئها كالأناشيد الدينية والترانيم hymns والتراتيل canticles.
 

18 - فبراير - 2010
حلب: مقامات المسرة
 185  186  187  188  189