دور اللغات في الأدب المقارن كن أول من يقيّم
دور اللغات في الأدب المقارن حدثنا أستاذنا الفاضل في مادة الأدب المقارن عن نشأة علم الأدب المقارن، وبدا لي الموضوع جديدًا وشيقًا؛ إذ إنني طالما سمعت بهذا الاسم – الأدب المقارن – يتردد كثيرًا خلال المراحل السابقة من دراستي، ولكنني لم أفهم ما يراد به. أما بعد الدرس الأكاديمي الذي أخذناه في هذه المادة تولد في أعماقي سؤال آخر بدا لي غاية الأهمية: مادام الأدب المقارن يدرس علاقات التأثير والتأثر بين الآداب في مختلف الأمم، وما دام الأدباء والمفكرون العرب والمسلمون كانوا همزة وصل بين مختلف الأمم سواء من المشرق إلى الغرب أو العكس، وكان لهم السبق في نقل العلوم والآداب بين الأمم، فلماذا إذنْ لم يفطن العرب إلى هذا العلم، بل لماذا لم يزدهر هذا العلم وبالأصح لم يظهر بصورته المتكاملة إلا في القرن العشرين؟! ولكي أجد إجابة لهذا السؤال كان لابد لي أن أعود إلى العوامل المشتركة بين الأمم والعوامل المفرِّقة التي تساعد على إعدام التواصل الحضاري بينها، فوجدت أن العوامل المشتركة المعروفة لا تتعدى أصابع اليد بل تكاد تتلخص في الصفات الإنسانية والقُدُرات البشرية التي تميز البشر عن غيرهم من المخلوقات، هي ما تجمع بين الأمم في المجمل، في حين أن ما يفرقنا كثير. ومنه: الثقافة، والعادات، والتقاليد، والدين، والدم، وغيرها. ولكن هذه الأمور كلها قد يكون لها دور في نوعية الجنس البشري وشكله ونكهته التي تميزه عن آداب الأمم الأخرى ؛ ولكنها بالتأكيد لا تمثل عائقًا حقيقيًّا أمام تأثير الأدب وتأثره بآداب الأمم الأخرى. إذن لا بد من وجود عامل آخر حال دون نشأة هذا العلم في السابق. كل هذه الأفكار كانت تدور في ذهني، بينما كان الأستاذ يشرح الدرس حتى بلغ إلى ( دور اللغة في الأدب المقارن ) عندها بدأت أُنْصت باهتمام أكبر، وبدأ السؤال الكبير يضمحل ويصغر، وتلاشت كل الأسئلة التي كانت تدور في ذهني، ولم يبق منها سوى سؤال واحد، ظل متشبثًا في ذهني لا يفارقه، بل إنه قفز إلى عقلي فجاء دون إنذار: هل من الممكن أن يكون هذا العائق الذي أخَّر نشأة هذا العلم وتطوره كل هذا الوقت هو...( اللغة)...؟! يوجد رأيان حول هذا الأمر، كما أوضح لنا أستاذنا الفاضل، من خلال شرحه كلام الدكتور محمد غنيمي هلال في كتابه(الأدب المقارن): الرأي الأول: هو أنه من المستحيل دراسة الأدب القومي في علاقاته التاريخية بغيره من الآداب الخارجة عن لغته؛ وذلك لأن اللغات حدود حصينة تمنع من تبادل التأثير والتأثر. وهذا الرأي ضعيف واهٍ، بل إنه كان السبب الرئيس في تأخر نشوء علم الأدب المقارن. والرأي الثاني: -وهو الأرجح- ومفاده أن اللغات ليست حاجزًا يمنع تبادل التأثير والتأثير بين الأدباء، وليست عقبة كأداءَ أمام الباحث في الأدب المقارن، وذلك للأسباب الآتية: 1- وجود نصوص من الآداب في مختلف الأمم تتبادل فيما بينها علاقات الـتأثير والتأثر، مثل قصص(ألف ليلة وليلة) وقصة(روميو وجولييت) وتتجاوز هذه الحدود المزعومة المصطنعة. 2- إن الممارس لترجمة الأعمال الأدبية العالمية لا يجد صعوبة في الترجمة لما يجده من تناظر في الأفكار والتعبيرات في معظم اللغات. 3- وجود مجموعة من كبار الأدباء الذين نالوا حظًّا كبيرًا وشهرة واسعة عالمية، وفرضوا أسماءهم على كل مثقفي العالم ولم تحل اللغات دون شهرتهم. 4- أن الأدب المقارن لا يُعنَى بدراسة الأدب الفردي المتخصص بل يُعنَى بدراسة الأشكال والأفكار الأدبية والقوالب العامة للفنون والأدب. ومن هنا يمكننا أن نلخص دور اللغات في الأدب المقارن بأن الباحث فيه ينظر إلى لغة الأديب، وليس إلى جنسه أو زمنه. وأن إتقان اللغات يعين الباحث في الأدب المقارن على تبين الصلات بين آداب الكون، وما فيها من تأثير وتأثر، وأصالة وإبداع، وخصوصيات وعموميات. إعداد الطالب/عادل بن ثاني الخميسي مراجعة الدكتور/صبري أبوحسين |