البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات أحمد إيبش

 16  17  18  19  20 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
النص - الفصل الثاني    كن أول من يقيّم

واستهلّ شهر ربيع الآخر، فلمّا كان ثالثه قدم الأمير أسِنْبُغا الحاجب وأخبر بأخذ تيمور مدينة حلب وقلعتها باتّفاق دَمِرداش، وحكى ما نزل بأهل حلب من البلاء، وأنه قال لنائب الغيبة بدمشق يخلّي بين النّاس وبين الخروج من دمشق، فإن الأمر صعب، ]وإن النائب لم يمكّن أحداً من السَّير[([1]).  فخرج السّلطان الملك النّاصر ]فَرَج[ من يومه من القاهرة، ونزل بالرَّيدانيّة بأمرائه وعساكره ]والخليفة[ والقضاة، وتعيَّن الأمراء تمراز النّاصري أمير مجلس لنيابة الغَيبة بالدّيار المصريّة، وأقام بمصر من الأمراء الأمير جكم من من عوض في عدّة أُخر، وأقام الأمير تمراز يعرض أجناد الحلقة، وفي تحصيل ألف فرس وألف جمل، وإرسال ذلك مع مَن يقع عليه الاختيار من أجناد الحلقة للسَّفر.
ثم رَسَم باستقرار الأمير أرُسْطاي من جُحا على رأس نوبة النُّوَب، كان، في نيابة الإسكندريّة بعد موت نائبها فَرَج الحلبي.  وكان أرُسْطاي منذ أُفرِج عنه بَطّالاً بالإسكندريّة، فوردت عليه الولاية وهو بها، وأخذ الأمير تمراز في عَرض أجناد الحلقة، وتحصيل الخيول والجمال وطلب العُربان من الوجه القبلي والبحري لقتال تَيمور.  كل ذلك والسّلطان بالرَّيدانيّة.
ثم خرج الجاليش في بُكرة يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الآخر، وفيه من أكابر الأمراء مُقدّمي الألوف: الأتابك بَيْبَرس والأمير نَوْرُوز الحافظي رأس نَوبة الأمراء والأمير بَكْتَمِر الرُّكني أمير سلاح وآقباي حاجب الحُجّاب ويَلْبُغا النّاصري وإينال باي بن قجماس، وعدّة أخر من أمراء الطّبلخانات والعشرات.
*  *  *
ثم رحل السّلطان ببقيّة الأمراء والعساكر من الرَّيدانيّة يريد جهة الشام لقتال تيمورلَنك، وسار حتى نزل بغَزّة في يوم عشرين من الشهر، واستدعى بالوالد وآقبُغا الجَمالي الأُطروش نائب حلب كان من القُدس، وأخلع على الوالد باستقراره في نيابة دمشق عوضاً عن سُودون قريب الملك الظاهر برقوق([2])، بحُكم أسره مع تيمُور، وهذه ولاية الوالد على دمشق الأولى.
وخلع على الأمير آقبُغا الجمالي الأُطروش باستقراره في نيابة طرابلس، عوضاً عن شيخ المحمودي بحُكم أسره مع تَيمور أيضاً، وعلى الأمير تَمُربُغا المَنْجَكي باستقراره في نيابة صَفَد عوضاً عن ألْطُنْبُغا العثماني بحُكم أسره، وعلى طُولو من علي باشاه باستقراره في نيابة القُدس، وبعث الجميع إلى ممالكهم.
وأما الوالد فإنه قال للسّلطان والأمراء: عندي رأي أقوله، فيه مصلحة للمسلمين وللسّلطان.  فقيل له: وما هو؟  فقال: الرأي أن السّلطان لا يتحرّك هو وعساكره من مدينة غَزّة، وأنا أتوجّه إلى دمشق وأُحرّض أهلها على القتال، وأُحصّنها، وهي بلدة عظيمة لم تُنْكَب من قديم الزّمان، وبها ما يكفي أهلها من الميرة سنين، وقد داخَل أهلها أيضاً من الخوف ما لا مزيدَ عليه، فهم يقاتلون قتال الموت.  وتيمور لا يقدر على أخذها مني بسرعة، وهو في عسكر كبير إلى الغاية لا يُطيق المَكث بهم بمكان واحد مدّة طويلة، فإمّا أنه يدع دمشق ويتوجّه نحو السّلطان إلى غَزّة، فيتوغّل في البلاد ويصير بين عسكرين - وأظنه لا يفعل ذلك - وإمّا أنه يعود إلى جهة بلاده كالمنهزم من عَدم معرفة عساكره بالبلاد الشّاميّة، وقلّة ما في طريقه من الميرَة لخراب البلاد، ويركب السّلطان بعساكره المصريّة والشاميّة أقفية التّمريّة إلى الفُرات، فيظفر منهم بالغرض وزيادة.
فاستصوب ذلك جميع النّاس، حتى تَيمور عندما بلغه ذلك بعد أخذه دمشق، وما بقي إلا أن يُرسم بذلك، تكلّم بعض جُهّال الأمراء مع بعض في السرّ ممّن عنده كَمينٌ من الوالد من واقعة أيْتَمِش وتَنِم، وقال: تقتلوا رُفقته وتسلّموه الشام؟!  والله ما قصده إلا أن يتوجّه إلى دمشق، ويتّفق مع تَيمور ويعود يقاتلنا، حتى يأخذ منا ثأر رفقته!  وكان نَوْرُوز الحافظي بإزاء الوالد، فلمّا سمع ذلك استحيا أن يُبديه للوالد، فأشار عليه بالسُّكات والكَفّ عن ذلك.
وانفضّ المجلس، وخرج الوالد من الخدمة وأصلح شأنه، وتوجّه إلى دمشق، فوجد الأمير دَمِرداش نائب حلب قد هرب من تَيمور وقدم إلى دمشق، وقد جَفَل أهل دمشق لمّا بلغهم قُرب تَيمور إلى دمشق.  فأخذ الوالد في إصلاح أمر دمشق، فوجد أهلها في غاية الاستعداد، وعَزمُهم قتالُ تَيمور إلى أن يَفنوا جميعاً([3])، فتأسَّف عند ذلك على عدم قبول السّلطان لرأيه، ولم يَسَعْه إلا السُّكات.
*  *  *


([1]) زيادة من السُّلوك للمَقريزي.
([2]) كانت جدّة سُودون لأمه أخت السّلطان الظاهر برقوق.  النجوم الزّاهرة، 13: 20.
([3]) ليتهم كانوا فعلوا ذلك، ولم يُلقوا بالاً إلى ابن مفلح وجهالاته!

13 - مارس - 2008
خيانة ابن خلدون !!!
النص - الفصل الثالث    كن أول من يقيّم

ثم رحل جاليش السّلطان من غَزّة في رابع عشرين شهر ربيع الآخر، ثم رحل السّلطان ببقيّة عسكره من غَزّة في سادس عشرينه، وسار الجميع حتى وافوا دمشق. 
وكان دخول السّلطان دمشق في يوم الخميس سادس جُمادى الأولى،  وكان لدخوله يومٌ مَهول من كثرة صُراخ النّاس وبُكائهم والابتهال إلى الله بنُصرته.  وطلع السّلطان إلى قلعة دمشق، وأقام بها إلى يوم السبت ثامنه، فنزل من قلعة دمشق وخرج بعساكره إلى مُخَيّمه عند قبّة يَلْبُغا ظاهر دمشق، وتهيّأ للقاء تَيمور هو بعساكره، وقد قصَّرت المماليك الظاهريّة أرماحهم حتى يتمكّنوا من طعن التّمريّة أولاً بأوّل، لازدرائهم عساكر تَيمور([1]).
فلمّا كان وقت الظهر من اليوم المذكور، وصل جاليش تيمور من جهة جبل الثّلج([2]) في نحو الألف فارس، فبرز إليهم مائة فارس من عسكر السّلطان وصدموهم صدمة واحدة، بَدّدوا شملهم وكسروهم أقبح كَسرة، وقتلوا منهم جماعة كبيرة وعادوا.
ثم حضر إلى طاعة السّلطان جماعةٌ من التّمريّة، وأخبروا بنزول تيمور على البقاع العَزيزي، »فلتكونوا على حَذَر، فإن تَيمور كثير الحِيَل والمَكر«، فاحترز القوم منه غاية الاحتراز.
ثم قدم على السّلطان خمسة أمراء من أمراء طرابلس بكتاب أسِنْدَمِر نائب الغَيبة بطرابلُس، يتضمّن أن الأمير أحمد بن رمضان أمير التّركمان هو وابن صاحب الباز وأولاد شهري اتّفقوا وساروا إلى حلب وأخذوها من التّمريّة، وقتلوا من أصحاب تَيمور زيادة على ثلاثة آلاف فارس، وأن تيمور بعث عسكراً إلى طرابلُس، فثار بهم أهل القُرى وقتلوهم عن آخرهم بالحجارة لدخولهم بين جبلين، وأنه قد حضر من عسكر تيمور خمسة نفر وأخبروا بأن نصف عسكر تَيمور على نيّة المسير إلى طاعة السّلطان.
وكان ذلك من مكايد تَيمور، ثم قال: وإن صاحب قُبْرُص وصاحب الماغُوصَة([3]) وغيرهم وَرَدتْ كُتبهم بانتظار الإذن لهم في تجهيز المراكب في البحر لقتال تَيمور مُعاونةً للسّلطان.  فلم يلتفت أحدٌ لهذا الكتاب، وداموا على ما هم فيه من اختلاف الكلمة.
ثم في يوم السبت نزل تَيمور بعساكره على قَطَنا، فملأت عساكره الأرض كثرةً، وركب طائفةٌ منهم لكشف الخبر، فوجدوا السّلطان والأمراء قد تهيّئوا للقتال وصُفَّت العساكر السّلطانيّة.  فبرز إليهم التّمريّة وصدموهم صدمة هائلة، وثَبَت كلّ من العسكرين ساعة، فكانت بينهم وقعةٌ انكسر فيها ميسرةُ السّلطان، وانهزم العسكر الغزّاوي وغيرهم إلى ناحية حَوران، وجُرح جماعة.  وحَمَل تَيمور بنفسه حملةً شديدة ليأخذ فيها دمشق، فدفعته ميمنة السّلطان بأسنان الرّماح حتى أعادوه إلى موقفه.
ونزل كلٌّ من العسكرين بمُعسكره، وبعث تَيمور إلى السّلطان في طلب الصُّلح وإرسال أطلمش أحد أصحابه إليه، وأنه هو أيضاً يبعث مَن عنده من الأمراء المقبوض عليهم في وقعة حلب.  فأشار الوالد ودَمِرْداش وقُطْلوبُغا الكَرَكي في قبول ذلك لما يعرفوا من اختلاف كلمتهم، لا لضعف عسكرهم، فلم يقبلوا وأبوا إلا القتال.
ثم أرسل تَيمور رسولاً آخر في طلب الصُّلح، وكرّر القول ثانياً، وظهر للأمراء ولجميع العساكر صُدق مقالته، وأن ذلك على حقيقته، فأبى الأمراء ذلك، هذا والقتال مستمرّ بين الفريقين في كلّ يوم.
*  *  *


([1]) كان الجيش المملوكي في القرون الوسطى من أقوى جيوش العالم، من حيث تدريبه وإتقان ضباطه وعساكره لفنون القتال والفروسية، وبخاصة كتائب المماليك السّلطانية، الذين سحقوا لويس التاسع في المنصورة 648 هـ، وكتبُغا نوين في عين جالوت 658 هـ، وإليهم يعود الفضل في طرد التَّتار والصليبيين من الشام ومصر نهائياً.
([2]) جبل الثّلج كما يسمّيه جغرافيو العصر هو المعروف في أيامنا بجبل الشيخ أو الحرمون.
([3]) الماغُوصَة بقُبرُص هي حالياً مدينة فاماغوستا Famagusta، وبالتركية: Gazimagusa.

13 - مارس - 2008
خيانة ابن خلدون !!!
النص - الفصل الرابع    كن أول من يقيّم

فلمّا كان ثاني عشر جُمادى ]الأولى[، اختفى من أمراء مصر والمماليك السّلطانيّة جماعة، منهم الأمير سُودون الطيّار، وقاني باي العلائي رأس نوبة، وجمق، ومن الخاصكيّة يَشْبِك العُثماني وقُمُش الحافظي وبَرْسْبُغا الدّوادار وطَرَباي في جماعة أُخر.  فوقع الاختلاف عند ذلك بين الأمراء، وعادوا إلى ما كانوا عليه من التّشاحُن في الوظائف والإقطاعات والتحكّم في الدّولة، وتركوا أمر تَيمور كأنه لم يكن، وأخذوا في الكلام فيما بينهم بسبب مَن اختفى من الأمراء وغيرهم.
هذا وتَيمور في غاية الاجتهاد في أخذ دمشق وفي عمل الحيلة في ذلك.
ثم أُعلم بما الأمراء فيه، فقَوّى أمره واجتهاده، بعد أن كان عَزَم على الرّحيل واستعدّ لذلك.
ثم أُشيع بدمشق أن الأمراء الذين اختفوا توجّهوا جميعاً ليسلطنوا الشيخ لاجين الجركسي أحد الأجناد البرّانيّة، فعَظُم ذلك على مُدبّري المملكة لعدم رأيهم، وكان ذلك عندهم أهمّ من أمر تيمور، واتفقوا فيما بينهم على أخذ السّلطان الملك النّاصر جريدةً، وعَوْده إلى الدّيار المصريّة في الليل، ولم يُعلموا بذلك إلا جماعة يسيرة.  ولم يكن أمر لاجين يستحقّ ذلك، بل كان تمراز نائب الغيبة بمصر يكفي السّلطان أمرهم، {ولَكِن ليقضيَ اللهُ أمراً كانَ مَفعُولاً}.
فلمّا كان آخر ليلة الجمعة حادي عشرين جُمادى الأولى، ركب الأمراء وأخذوا السّلطان الملك النّاصر فَرَج على حين غَفلة، وساروا به من غير أن يعلم العسكر به من على عَقَبة دُمَّر يريدون به الدّيار المصريّة، وتركوا العساكر والرّعيّة من المسلمين غَنَماً بلا راعٍ، وجَدّوا في السير ليلاً ونهاراً حتى وصلوا إلى مدينة صَفَد، فاستدعوا نائبها الأمير تَمِربُغا المَنْجَكي وأخذوه معهم ]إلى غَزّة[([1])، وتلاحق بهم كثير من أرباب الدّولة وأمرائها، وسار الجميع حتى أدركوا الأمراء الذين ساروا إلى مصر - عليهم من الله ما يستحقّوه - بمدينة غَزّة، فكلّموهم فيما فعلوه، فاعتذروا بعُذر غير مقبول في الدّنيا والآخرة.  فندم عند ذلك الأمراء على الخروج من دمشق حيثُ لا ينفع النّدم، وقد تركوا دمشق أُكلةً لتَيمور، وكانت يوم ذاك أحسن مُدُن الدّنيا وأعمرها.
وأمّا بقيّة أمراء مصر وأعيانها من القضاة وغيرهم لمّا علموا بخروج السّلطان من دمشق، خرجوا في الحال في إثره طوائف طوائف يريدون اللّحاق بالسّلطان، فأخذ غالبهم العشير وسلبوهم، وقتلوا منهم خَلقاً كثيراً.
أخبرني غير واحد من المماليك الظاهرية قالوا: لمّا بلغنا خروج السّلطان ركبنا في الحال، غير أنه لم يُعقنا عن اللّحاق به إلا كثرة السّلاح المُلقى على الأرض بالطريق، ممّا رمتها المماليك السّلطانيّة ليخفّ ذلك عن خيولهم، فمّن كان فَرَسه ناهضاً خرج، وإلا لحقه أصحاب تَيمور وأسروه، فممّن أسروه قاضي القضاة صَدر الدّين المُناوي، ومات في الأسر حسبما يأتي ذكره في الوفيّات([2]).  وتتابع دخول المنقطعين من المماليك السّلطانيّة وغيرهم إلى القاهرة في أسوأ حال من المشي والعُري والجوع، فرَسَم السّلطان لكلّ من المماليك السّلطانيّة المذكورين بألف درهم وجامكيّة شهرين.
وأمّا الأمراء فإنهم دخلوا إلى مصر وليس مع كلّ أمير سوى مملوك أو مملوكين، وقد تركوا أموالهم وخيولهم وأطلابهم وسائر ما معهم بدمشق.  فإنهم خرجوا من دمشق بغتةً بغير مُواعَدة لمّا بلغهم توجّه السّلطان من دمشق، وأخذ كلّ واحد ينجو بنفسه.  وأمّا العساكر الذين خُلّفوا بدمشق من أهل دمشق وغيرها، فإنه كان اجتمع بها خلائق كثيرة من الحلبيين والحمويين والحمصيين وأهل القُرى ممّن خرج جافلاً من تَيمور.
*  *  *


([1]) زيادة من السّلوك للمقريزي.
([2]) انظر النّجوم الزّاهرة، 13: 25.  وذكر المقريزي في »السّلوك« بعد هذه الجملة: »وكان قاضي القضاة ولي الدّين عبد الرّحمن بن خلدون المالكي بداخل مدينة دمشق، فلمّا علم بتوجّه السّلطان تدلّى من سُور دمشق وسار إلى تَيمورلنك، فأكرمه وأجلَّه وأنزله عنده.  ثم أذن له في المسير إلى مصر، فسار إليها«، إلخ.
     قلنا: راجع قصّة ابن خلدون ولقائه بتيمورلنك على أبواب دمشق فيما تقدّم أعلاه.  كما يذكر المؤرّخ الدّمشقي ابن عَرَبْشاه في كتابه »عجائب المقدور في نوائب تيمور« رواية مهمّة عن تملّق ابن خلدون للغازي تيمورلنك ومديحه الباهر له فوق كل وصف، بخطبة عصماء ارتجّ لها مجلسه!

13 - مارس - 2008
خيانة ابن خلدون !!!
النص - الفصل الخامس    كن أول من يقيّم

ولمّا أصبحوا يوم الجمعة وقد فقدوا السّلطان والأمراء والنائب، غلّقوا أبواب دمشق، وركبوا أسوار البلد، ونادوا بالجهاد.  فتهيّأ أهل دمشق للقتال، وزحف عليهم تَيمور بعساكره([1])، فقاتله الدمشقيون من أعلى السّور أشدّ قتال، ورَدّوهم عن السّور والخندق، وأسروا منهم جماعةً ممّن كان اقتحم باب دمشق، وأخذوا من خيولهم عدّة كبيرة، وقتلوا منهم نحو الألف، وأدخلوا رؤوسهم إلى المدينة([2]).  وصار أمرهم في زيادة، فأعيا تيمورَ أمرُهم وعلم أن الأمر يطول عليه، فأخذ في مُخادعتهم، وعمل الحيلة في أخذ دمشق منهم.
*  *  *
وبينما أهل دمشق في أشدّ ما يكون من القتال والاجتهاد في تحصين بلدهم، قدم عليهم رجلان من أصحاب تيمور من تحت السّور، وصاحا من بُعد: »الأمير يريد الصُّلح، فابعثوا رجلاً عاقلاً حتى يحدّثه الأمير في ذلك«.
قلتُ: هذا الذي كان أشار إليه الوالد عند استقراره في نيابة دمشق وقوله: إن أهل دمشق عندهم قوّة لدفع تيمور عن دمشق، وأن دمشق بلد كثيرة الميرة والرّزق، وهي في الغاية من التّحصين، وأنه يتوجّه إليها ويقاتل بها تيمور، فلم يسمع له أحد في ذلك.  فلعَمري لو رأى مَن لا أعجَبه كلام الوالد قتال أهل دمشق الآن وشدّة بأسهم وهم بغير نائب ولا مُدبّر لأمرهم، فكيف ذاك لو كان عندهم متولّي أمرهم بمماليكه وأمراء دمشق وعساكرها بمن انضاف إليهم؟  لَكان يحقّ له النَّدم والاعتراف بالتّقصير.  انتهى.
ولمّا سمع أهل دمشق كلام أصحاب تيمور في الصُّلح، وقع اختيارهم في إرسال قاضي القضاة تقي الدّين إبراهيم بن ]محمد بن[([3]) مُفلح الحنبلي، فأُرخي من سُور دمشق إلى الأرض، وتوجّه إلى تيمور واجتمع به وعاد إلى دمشق، وقد خدعه تيمور بتنميق كلامه، وتلطّف معه في القول وترفّق له في الكلام، وقال له: »هذه بلدة الأنبياء والصّحابة، وقد أعتَقتُها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، صَدَقةً عني وعن أولادي، ولولا حنقي من سُودُون نائب دمشق عند قتله لرسولي ما أتيتُها.  وقد صار سُودون المذكور في قبضتي وفي أسري، وقد كان الغرض من مجيئي إلى هنا، ولم يبق لي الآن غرضٌ إلا العَود، ولكن لا بُدّ من أخذ عادتي من التَّقدمة من الطُّقُزات«.
وكانت هذه عادته إذا أخذ مدينة صُلحاً يُخرج إليه ]أهلُها[([4]) من كل نوع من أنواع المأكول والمشروب والدّواب والملابس والتُّحَف تسعةً، يسمّون ذلك طُقُزات، والطُّقُز باللغة التّركيّة: تسعة([5])، وهذه عادة ملوك التَّتار إلى يومنا هذا.
فلمّا صار ابن مُفلح بدمشق، شرع يخذّل النّاس عن القتال ويُثني على تيمور ودِينه وحُسن اعتقاده ثناءً عظيماً، ويكفّ أهل دمشق عن قتاله.  فمال معه طائفة من النّاس، وخالفته طائفةٌ أخرى وأبوا إلا قتاله، وباتُوا ليلة السبت على ذلك، وأصبحوا نهار السبت وقد غلب رأي ابن مُفلح على مَن خالَفَه، وعَزَم على إتمام الصُّلح، ونادى في النّاس: إنه »مَن خالَف ذلك قُتل وهُدر دمُه«.  فكفّ النّاس عن القتال([6]).
وفي الحال قدم رسول تيمور إلى مدينة دمشق في طلب الطُّقُزات المذكورة، فبادر ابن مُفلح واستدعى من القضاة والفقهاء والأعيان والتّجار حَمْلَ ذلك كلّ أحد بحسب حاله، فشرعوا في ذلك حتى كمل، وساروا به إلى باب النّصر ليخرجوا به إلى تيمور، فمنعهم نائب قلعة دمشق من ذلك([7])، وهدّدهم بحريق المدينة عليهم إن فعلوا ذلك، فلم يلتفتوا إلى قوله، وقالوا له: »أنت احكُم على قلعتك، ونحنُ نحكم على بلدنا« ([8]).


([1]) بين يدينا نصّ نادر جداً يصف رحلة جندي ألماني باڤاري من المرتزقة اسمه يوهان شِلتبِرگر Johann Schiltberger، حارب في صفوف جيش المغول على أبواب دمشق.  وفيه يخبر عن أحوال الواقعة بوصف حي..
([2]) كانت العادة بذلك العصر عرض رؤوس القتلى من الأعداء، رفعاً لمعنويات الجند وباقي النّاس.  أما تيمورلنك فكان يقيم أبراجاً من رؤوس القتلى، يروي ابن تَغري بردي في نجومه الزّاهرة (12: 225) عن حلب: »وعمل تيمور من رؤوس المسلمين منائر عدّة مرتفعة من الأرض نحو عشرة أذرع في دَور عشرين ذراعاً، حُسب ما فيها من رءوس بني آدم فكان زيادةً على عشرين ألف رأس، ولمّا بُنيت جُعلت الوجوه بارزةً يراها مَن يمرُّ بها«.  قلنا: وبدمشق إلى اليوم شمالي باب توما محلّة تُعرف بـ »بُرج الرُّوس«!
([3]) زيادة من السّلوك للمقريزي.
([4]) زيادة من السّلوك للمقريزي.
([5]) في التّركية: dokuz.
([6]) يا له من ساذَج غرّ مستحقّ للشّفقة.  وواهاً لدمشق المفجوعة ابتُليت بطاغية مجرم (تيمورلنك) وسلطان عمره 13 (فَرَج) ومسؤولي دولة جشعين (أمراء مصر) وقاض غرّ (ابن مُفلح) وموفد أناني وجبان (ابن خلدون).  وحدهم أبطال الجهاد ممّن حاربوا الغزاة لهم يبقى الفخر والشّرف، ولغيرهم الخزي والعار.
([7]) هذا والله من الرّجال المعدودين، وسنرى أدناه ما سيبدر من بطولته.  يذكر ابن عَرَبشاه في كتابه »عجائب المقدور« أن اسمه »أزدار«، ويبدو أنه مصحّف عن: أُزْدَمِر  Özdemir، ويذكر أن من أمثل مُقاتلة القلعة شهاب الدّين الزَّردكاش الدمشقي وشهاب الدّين أحمد الزَّردكاش الحلبي.  وقام تيمور بتعذيب الشهاب الدّمشقي وهو في سن 90 عاماً!
([8]) وأيّ رجال والله!!  تعوّدنا دوماً من طبقة التّجارة والمصالح الجنوح دوماً إلى الدّعة والمسالمة (كلمتان ملطّفتان بدلاً من: الخوف والجُبن)، أمّا الرّجولة والقتال والجهاد والتفاخر بحمل السّلاح فهي في نظرهم شيء من مظاهر »الزّعرنة«.

13 - مارس - 2008
خيانة ابن خلدون !!!
النص - الفصل السادس    كن أول من يقيّم

وتركوا باب النّصر وتوجّهوا، وأخرجوا الطُّقُزات المذكورة من السّور، وتدلّى ابن مُفلح من السّور أيضاً، ومعه كثير من أعيان دمشق وغيرهم وساروا إلى مخيّم تيمور، وباتوا به ليلة الأحد، وعادوا بُكرة الأحد.  وقد استقرّ تيمور بجماعة منهم في عدّة وظائف: ما بين قضاة القضاة، والوزير، ومُستخرج الأموال، ونحو ذلك.  ]و[ معهم فرمان من تيمور لهم، وهو ورقة فيها تسعة أسطر يتضمّن أمان أهل دمشق على أنفسهم وأهليهم خاصّة.
فقُرئ الفرمان المذكور على منبر جامع بني أميّة بدمشق، وفُتح من أبواب دمشق باب الصّغير فقط، وقدم أمير من أمراء تيمور، جلس فيه ليحفظ البلد ممّا يعبر إليها من عساكر تيمور.  فمَشَى ذلك على الشّاميين وفرحوا به، وأكثر ابن مُفلح ومَن كان توجّه معه من أعيان دمشق الثّناء على تيمور وبثّ محاسنه وفضائله، ودعا العامّة لطاعته ومُوالاته، وحَثَّهم بأسرهم على جمع المال الذي تقرّر لتَيمور عليهم، وهو ألف ألف دينار، وفَرَض ذلك على النّاس كلّهم، فقاموا به من غير مشَقّة لكثرة أموالهم.
فلمّا كمل المال، حمله ابن مُفلح إلى تَيمور ووضعه بين يديه، فلمّا عاينه غضب غضباً شديداً ولم يرضَ به، وأمر ابن مفلح ومَن معه أن يخرجوا عنه، فأُخرِجوا من وجهه.  ووكّل بهم جماعة حتى التزموا بحمل ألف تُومان، والتّومان عبارة عن عشرة آلاف دينار ]من الذّهب[، إلا أن سعر الذّهب عندهم يختلف.  وعلى كل حال، فيكون جُملة ذلك عشرة آلاف ألف دينار.
فالتزموا بها، وعادوا إلى البلد وفرضوها ثانياً على النّاس ]كلّها[ عن أجرة أملاكهم ثلاثة أشهر، وألزموا كلّ إنسان من ذَكَر وأنثى حرٍّ وعبد بعشرة دراهم، وألزم مُباشر كلّ وَقف بحمل مالٍ له جرم.  فنزل بالنّاس بلاءٌ عظيم، وعُوقب كثيرٌ منهم بالضّرب، فغَلَت الأسعار، وعَزَّ وجود الأقوات، وبلغ المُدّ القمح (وهو أربعة أقداح) إلى أربعين درهماً فضّة.
وتعطّلت صلاة الجمعة من دمشق، فلم تقُم بها جُمعةٌ إلا مرّتين، حتى دُعي بها على منابر دمشق للسّلطان محمود ولوليّ عهده ابن الأمير تيمورلَنك، وكان السّلطان محمود([1]) مع تيمور آلة، كون عادتهم لا يتسلطن عليهم إلا مَن يكون من ذُرّيّة الملوك.  انتهى.  ثم قدم شاه مَلِك أحد أمراء تيمور إلى مدينة دمشق، على أنه نائبها من قِبَل تيمور.
ثم بعد جمعتين مُنعوا من إقامة الجُمعة بدمشق، لكثرة غَلَبة أصحاب تيمور بدمشق، كلّ ذلك ونائب القلعة مُمتنع بقلعة دمشق، وأعوان تيمور تحاصره أشدّ حصار، حتى سلّمها بعد تسعة وعشرين يوماً، وقد رمى عليها بمدافع ومكاحل لا تدخل تحت حَصر، يكفيك أن التّمريّة من عِظَم ما أعياهُم أمر قلعة دمشق بنَوا تجاه القلعة قلعةً من خشب، فعند فراغهم من بنائها وأرادوا طلوعها ليقاتلوا من أعلاها مَن هو بالقلعة، رَمى أهل قلعة دمشق نِفطاً فأحرقوها عن آخرها.  فأنشؤوا قلعة ثانية أعظم من الأولى، وطلعوا عليها وقاتلوا أهل القلعة.
هذا وليس بالقلعة المذكورة من المُقاتلة إلا نَفَرٌ يسير دون الأربعين نفراً، وطال عليهم الأمر، ويئسوا من النّجدة وطلبوا الأمان، وسلّموها بالأمان([2]).
قلتُ: لا شُلَّت يداهم!  هؤلاء هم الرّجال الشّجعان([3]).  رحمهم الله تعالى.
*  *  *


([1]) محمود هذا هو ابن خان عشيرة الجَغطاي المغوليّة، فبعد موت أبيه ساطْلُمُش تزوّج أمّه تيمورلنك، كبير أمراء الجَغطاي، فصار كفيله والقائم بالدّولة باسمه: محمود خان أو سيورغاتمش خان، ومات سنة 805 هـ.  انظر ما تقدّم أعلاه في نصّ ابن خلدون.
([2]) يروي المؤرّخ الدمشقي ابن عَرَبشاه (اسم العائلة اليوم: عَرْبَشَة) في كتابه »عجائب المقدور في نوائب تيمور« (ص 112): »ثم إنه صار في هذه المدّة يحاصر القلعة ويعدّ لها ما استطاع من عدّة، وأمر أن يُبنى مقابلها بناءٌ يعلوها، ليصعدوا عليها فيهدموها.  فجمعوا الأخشاب والأحطاب وعبّوها، وصبّوا فوق الأحجار التّراب ودكّوها، وذلك من جهة الشمال والغرب، ثم عَلَوا عليها وناوشوها الطّعن والضّرب.  وفوّض أمر الحصار لأمير من أمرائه الكبار يُدعى جهان شاه، فتكفّل بذلك وعاناه، ونصب عليها المجانيق، ونقب تحتها وعلّقها بالتعاليق.  وكان فيها من المُقاتلة فئة غير طائلة، أمثلهم شهاب الدّين الزَّردكاش الدمشقي، وشهاب الدّين أحمد الزَّردكاش الحلبي«.
     قلنا: انظر أيضاً ما يرويه أبو البقاء البَدري في كتابه »نُزهة الأنام في محاسن الشام« أن تيمورلنك أمر أن يُنقب تحتها وتُقطع الأشجار وتعلّق بها، ثم أطلق النار فيما تحتها.
([3]) حُقّ للمؤرخ أن يتباهى على الأقل بقيام بعض الأبطال بين هذه الجموع الغامرة من الجبناء والبُلهاء والمتقاعسين وأشباه الرّجال.

13 - مارس - 2008
خيانة ابن خلدون !!!
النص - الفصل السابع والأخير    كن أول من يقيّم

ولمّا تكامل حصول المال الذي هو ألف تُومان، أخذه ابن مُفلح وحمله إلى تيمور، فقال تيمور لابن مُفلح وأصحابه: هذا المال بحسابنا إنما هو يسوى ثلاثة آلاف ألف دينار، وقد بقي عليكم سبعة آلاف ألف دينار، وظهر لي أنكم عجزتُم.
وكان تيمور لمّا اتّفق أولاً مع ابن مفلح على ألف ألف دينار، يكون ذلك على أهل دمشق خاصّة، والذي تركته العساكر المصريّة من السّلاح والأموال يكون لتَيمور.  فخرج إليه ابن مفلح بأموال أهل مصر جميعها، فلمّا صارت كلّها إليه وعلم أنه استولى على أموال المصريين، ألزمهم بإخراج أموال الذين فرّوا من دمشق، فسارعوا أيضاً إلى حمل ذلك كلّه، وتدافعوا عنده حتى خلُص المال جميعه.
فلمّا كمل ذلك ألزمهم أن يُخرجوا إليه جميع ما في البلد من السّلاح، جليلها وحقيرها، فتتبّعوا ذلك وأخرجوه له، حتى لم يبق بها من السِّلاح شيء.  فلمّا فَرَغ ذلك كلّه، قبض على ابن مفلح ورفقته([1])، وألزمهم أن يكتبوا له جميع خُطط دمشق وحاراتها وسِكَكها، فكتبوا ذلك ودفعوه إليه، ففرّقه على أمرائه، وقَسَم البلد بينهم، فساروا إليها بمماليكهم وحواشيهم، ونزل كلّ أمير في قسمه وطلب مَن فيه، وطالبهم بالأموال.
فحينئذٍ حَلَّ بأهل دمشق من البَلاء ما لا يوصَف، وأُجري عليهم أنواع العذاب من الضَّرب والعَصر والإحراق بالنّار، والتّعليق مَنكوساً، وغَمّ الأنف بخرقة فيها تُراب ناعم، كلّما تنفّس دخل في أنفه حتى تكاد نفسه تَزهَق.  فكان الرّجل إذا أشرف على الهلاك يُخلّى عنه حتى يستريح، ثم تُعاد عليه العُقوبة أنواعاً، فكان المُعاقَب يحسد رفيقه الذي هلك تحت العقوبة على المَوت ويقول: يا ليتني أموت وأستريح ممّا أنا فيه!
ومع هذا كلّه تؤخَذ نساؤه وبناته وأولاده الذّكور، وتُقسم جميعهم على أصحاب ذلك الأمير، فيشاهد الرّجل المُعذَّب امرأته أو ابنته وهي توطأ، وولده وهو يُلاطُ به، فيصرخ هو من ألم العذاب، والبنت والولد يصرخان من إزالة البكارة واللّواط([2])، وكلّ ذلك من غير تستُّر في النّهار بحضرة المَلأ من النّاس.
ورأى أهل دمشق أنواعاً من العذاب لم يُسمع بمثلها، منها أنهم كانوا يأخذون الرّجل فتُشدُّ رأسُه بحبل ويلوونه حتى يغوص في رأسه، ومنهم مَن كان يضع الحبل بكتفي الرّجل ويلويه بعصاه حتى تنخلع الكَتِفان، ومنهم من كان يربط إبهام يدي المُعذَّب من وراء ظهره، ثم يُلقيه على ظهره ويذرّ في منخريه الرّماد مسحوقاً، فيقرّ على ما عنده شيئاً بعد شيء، حتى إذا فرغ ما عنده لا يصدّقه صاحبه على ذلك، فلا يزال يكرّر عليه العذاب حتى يموت، ويعاقَب ميّتاً مَخافة أن يتماوَت.  ومنهم مَن كان يُعلِّق المُعذَّب بإبهام يديه في سقف الدّار ويُشعل النّار تحته، ويطول تعليقه فربّما يسقط فيها، فيُسحب من النّار ويُلقوه على الأرض حتى يُفيق، ثم يعلّقه ثانياً.
واستمرّ هذا البلاء والعذاب بأهل دمشق تسعة عشر يوماً، آخرها يوم الثلاثاء ثامن عشرين شهر رجب من سنة ثلاث وثمانمائة، فهلك في هذه المدّة بدمشق بالعقوبة والجوع خَلقٌ لا يعلم عددهم إلا الله تعالى.
*  *  *
فلمّا علمتْ أمراء تيمور أنه لم يبق بالمدينة شيء، خرجوا إلى تيمور، فسألهم: هل بقي لكم تعلُّقٌ في دمشق؟  فقالوا: لا.  فأنعم عند ذلك بمدينة دمشق على أتباع الأمراء([3])، فدخلوها يوم الأربعاء آخر رجب، ومعهم سيوفٌ مسلولة مشهورة وهم مُشاة، فنهبوا ما قدروا عليه من آلات الدُّور وغيرها، وسَبوا نساء دمشق بأجمعهنّ، وساقوا الأولاد والرّجال، وتركوا من الصّغار من عُمره خمس سنين فما دُونَها، وساقوا الجميع مربوطين في الحبال.
ثم طرحوا النّار في المنازل والدُّور والمساجد، وكان يوم (sic.) عاصف الرّيح، فعمّ الحريق جميع البلد، حتى صار لهيب النّار يكاد أن يرتفع إلى السَّحاب، وعملت النّار في البلد ثلاثة أيام بلياليها، آخرها يوم الجمعة.
*  *  *
وكان تيمور - لعنه الله - سار من دمشق في يوم السبت ثالث شهر شعبان، بعد ما أقام على دمشق ثمانين يوماً، وقد احترقت كلّها وسقطت سقوف جامع بني أميّة من الحريق، وزالت أبوابه وتفطَّر رُخامُه، ولم يبقَ غيرُ جُدُره قائمة.  وذهبت مساجد دمشق ودُورها وقياسرها وحمّاماتها، وصارت أطلالاً بالية ورُسوماً خالية، ولم يبق بها ]دابّة تدبُّ[([4]) إلا أطفالٌ يتجاوز عددهم ]آلاف[([5])، فيهم مَن مات، وفيهم مَن سيموت من الجوع([6]).
 
(النجوم الزّاهرة، 12: 227-245)
 
*  *  *


([1]) ماذا كان موقف ابن مفلح بعدما رأى الذي جنته يداه جرّاء غبائه وسذاجته العجيبة؟  أن يقع في شرك تيمورلنك فهذا ممكن، ولكن أن ينادي بالقتل على مَن يخالفه ويمنع النّاس عن الجهاد أشدّ المنع، فهذا مما لا يقبله عقل أو ضمير!  يبدو أنه كان يحاول تقليد ابن تيميّة في مجاهدة التّتر نوبة غازان 699 هـ، لكن أين الثّرى من الثّريّا.  يذكر ابن تَغري بَردي (النجوم، 13: 25) موته في شعبان 803 هـ، أي بعد 3 أشهر من فعلته، وكنا نودّ لو أن المصادر أفادتنا بما آل إليه أمره، ولا ريب أن الجزء الرابع الذي لم يُنشر بعد من التاريخ البالغ الأهميّة الذي وضعه مؤرّخ دمشق ابن قاضي شُهبة، والذي يضمّ حوادث المدينة في الفترة بين 801-808 هـ، فيه تفاصيل هامّة جداً حول هذه النّكبة.
([2]) كنا نودّ لو نحذف هذه المقاطع المؤلمة من نشرتنا، ولكنها وثيقة تاريخية فلا يجوز التصرّف بها كيفما كان.  وعلى أي حال، فمأساة سقوط دمشق بيد تيمورلَنك وما جرى بها من فظائع وإجرام لا تزال حيّة في ذاكرة النّاس إلى يومنا هذا.
([3]) أتباع الأمراء تعبير يقابله في لغة اليوم: صفّ الضبّاط.
([4]) زيادة من السلوك للمقريزي.
([5]) زيادة من السلوك للمقريزي.  رحمة الله على هؤلاء الأطفال المساكين الأبرياء، لا ذنب لهم إلا أنهم ولدوا في عصر هذه النّكبة!
([6]) بعد ذلك يروي ابن تَغري بَرْدي (ص 246-251) مآل السّلطان النّاصر فَرَج، وكيف بذل كل ما في وسعه عند بلوغه مصر تشكيل حملة عسكرية قوية لمحاربة تيمورلنك وإنقاذ دمشق، وعيّن لأعمال جمع المال اللازم لهذه الحملة الأمير يَلْبُغا السَّالمي.  لكن هذا كلّه جرى بعد فوات الأوان.  وآخر خبر يتعلّق بقصة محنة دمشق وسقوطها بيد المغول في النّجوم الزّاهرة: »ثم حضر في ثامنه ]أي شهر رجب[ قاصد الأمير نُعَير ]بن حيار أمير آل فضل[، وذكر أنه جمع عُرباناً كثيرة ونزل بهم على تَدْمُر، وأن تَمُرلَنك رحل من ظاهر دمشق إلى القُطيفة.  هذا وقد التَفَتَ أهل الدّولة إلى يَلبُغا السَّالمي والعمل في زواله، حتى تمّ لهم ذلك«.
     وبعد ذلك يروي توجّه تيمورلنك إلى بغداد وتخريبها، كما كان أخربها من قبله خان التّتار هولاكو في عام 656 هـ.

13 - مارس - 2008
خيانة ابن خلدون !!!
عذراً سيدتي    كن أول من يقيّم

سيدتي الفاضلة ضياء خانم:
أدين إليك باعتذار كبير.. السفر وغلبة المشاغل، وكثرة الأبحاث المتداركة على جدولي، جعلتني أبتعد طويلاً عن هذا المجلس الأثير لدى قلبي. لكنني كما رأيت سيدتي لم أنأ عن صفحات الوراق، فشاركت في مجلس كان ساخناً حول ابن خلدون ولقائه بتيمورلنك، فأرجو أن يكون في ذلك بعض فائدة.
ها أنا ذا أعود إلى انتخاب بعض مقاطع وفصول من "إنجيل بارنبا" بترجمتي التحليلية المقارنة.
وما أريد إضافته الآن من أخبار، أنني قد أنجزت الترجمة ودراستها النقدية ومقدمتها وملاحقها كاملة، وأتحيّن الفرصة السّانحة لنشره في كتاب، ستبلغ صفحاته قرابة 850.
فلنا عودة مع القراء الكرام، الذين كان لإرائهم وثنائهم أطيب وقع، كما أشكرك سيدتي على مشاركاتك اللمّاحة القويّة حول بحثي الحاضر. ولكِ مزيد الاحترام، مع تحيّة بيروتيّة بأنسام ربيعيّة تحيي القلوب.

18 - مارس - 2008
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
من الفصلين 27-28    كن أول من يقيّم

الفصل السّابع والعُشرون([1])
]تحطيم إبراهيم للأصنام[
ثُمَّ قالَ فيلِبُّس: »يا مُعلِّم، }94{ كيفَ حَدَثَ أنَّ([2]) أبا إبراهيم وَدَّ أن يحرِقَ ابنَهُ؟«.
أجابَ يَسوع: »في بعضِ الأيّام، وكان إبراهيمُ بَلَغَ من العُمرِ اثنتَي عشرةَ سَنَةً، قالَ لهُ أبوهُ: »غداً عيدُ كلِّ الآلِهة، ولِهذا سنَذهَب إلى الهَيكَل الكبير ونحملُ عَطيَّةً لإلَهي »بَعْل« العَظيم.  وأنتَ تَنتَخِبُ لنَفسِكَ إلَهاً، لأنَّكَ بَلَغتَ السِّنَّ التي تتَّخِذُ فيها إلَهاً«.
»فأجابَ إبراهيم بمَكرٍ: »سَمعاً وطاعَةً يا أبي«.  فبَكَّرا في الصَّباح إلى الهَيكَل قبلَ أيِّ إنسان.  ولكن إبراهيمَ كانَ يشتَمِلُ تحتَ مِئزَرِه على فأسٍ مُخَبّأة.  فلَمّا دَخَلا الهَيكَل وتكاثَرَ حَشدُ النّاس، خَبّأ إبراهيمُ نفسَهُ خلفَ صَنَمٍ في زاويَةٍ مُعتِمةٍ من الهَيكَل.  فلمّا انصَرَفَ أبوهُ، حَسِبَ أنَّ إبراهيمَ قد سَبَقَهُ إلى البيت، ولذلكَ لم يمكُث للبَحثِ عنهُ«.
*  *  *
 
الفصل الثّامن والعُشرون([3])
»ولَمّا انصَرَفَ الجميعُ من الهَيكَل، أوصَدَ الكَهَنةُ الهَيكَلَ ومَضوا.  فعندَها استَلَّ إبراهيمُ تلكَ الفأسَ وقَطَّعَ أقدامَ جميعِ الأصنام، ما عدا الإله الكبير بَعْلاً.  وعند قَدَميهِ وضعَ الفأسَ، وسَطَ حُطامِ الأصنامِ المُتراكِم، لأنَّها كانت عَتيقَةً ومُرَكَّبَةً }95{ من أجزاء، فهَوَتْ قِطَعاً مُحطَّمة. 
»ولمّا كانَ إبراهيمُ خارجاً من الهَيكَل، أبصَرَ بهِ جَماعَةً من النَّاسِ، فظَنّوا أنَّهُ جاءَ ليسرِقَ شيئاً من الهَيكَل.  فأمسَكوا بِهِ، ولَمّا بَلَغوا الهَيكَل ورأوا آلِهتَهُم مُحطَّمةً كذلكَ قِطعاً، صاحوا بأسىً ولَوعَة: »أسرِعوا يا قَوم، لنقتُلْ الذي قَتَلَ آلِهَتَنا!«.  فهُرِعَ إلى هُناك نحو عشرة آلافِ رَجُلٍ معَ الكَهَنة واستَجوَبوا إبراهيمَ عن السَّبَب الذي من أجلِهِ حَطَّمَ آلِهَتَهُم([4]).
»أجابَ إبراهيمُ: »إنَّكم لَجُهّالٌ!  أينبَغي لإنسانٍ أن يقتُلَ الله؟  إنَّ الذي قَتَلَها إنَّما هو الإلَهُ الأكبَرُ.  ألا تَرَونَ الفأس التي لهُ عندَ قَدَميه؟  من المؤكَّد أنَّهُ لا يَرتَضي لهُ أنداداً«. 
»فوَصَلَ حينَئِذٍ إلى هُناكَ أبو إبراهيم، الذي ما بَرَحَ يتَذكَّر أحاديثَ إبراهيمَ الطّاعِنةَ بآلِهَتهم، وعرفَ الفأسَ التي حَطَّمَ بها إبراهيمُ الأصنامَ بِدَداً، فصاحَ: »إنَّما قَتَلَ آلِهَتنا ابني الخائِن هذا!  فهذه الفأسُ لي«.  وقَصَّ عليهِم كلَّ ما كانَ جرى بينَهُ وبينَ ابنَهُ.  فعلى ذلك، جَمَعَ القَومُ }96{ مِقداراً كبيراً من الحَطَب، وبعدَ أن رَبَطوا يَدَيْ إبراهيم ورِجليه طَرَحوهُ على الحَطَب وبَثّوا تحتَهُ ناراً.
»فإذا اللهُ، بواسِطة مَلاكِه، أمرَ النّارَ ألاّ تحرِقَ عبدَه إبراهيم.  فاضطَرَمَت النّارُ وتَسَعَّرَت بزَفيرٍ شَديد، وأحرَقَت نحواً من ألفَي رَجُلٍ من الذينَ أدانوا إبراهيمَ بالمَوت.  أمّا إبراهيمُ فوَجَدَ نفسَهُ بالحَقيقة طَليقاً، إذِ احتَمَلَهُ مَلاكُ اللهِ إلى مَقرُبَةٍ من بيتِ أبيه، دونَ أن يرى مَن حَمَلَه.  وهكذا نَجا إبراهيمُ من المَوت«.


([1]) في هامش المخطوط بالعربيّة: »سورة المجنون«.
([2]) هذا التعبير: »وحَدَثَ أن« من التعابير القياسيّة جداً في كل من أسفار التّوراة (وتَناخ) بكاملها، وهو في العبريّة: ויהי.  هذا دليل تقني آخر على أصالة نصّ إنجيل بارْنَبا ومعاييره اللغويّة، التي بقيت فيه من القرن الأول الميلادي، رغم مروره بمراحل ترجمة كثيرة ومختلفة، هي كما نعتقد: اليونانيّة - اللاتينيّة - الإيطاليّة القديمة والإسپانيّة.  أما ترجمة سعادة فمأخوذة عن الإنكليزيّة وليس عن أصلها الإيطالي.
([3]) في هامش المخطوط بالعربيّة: »سورة الصّنم«.  ومن هنا لا وجود لعناوين للفصول.
([4]) تتمّة الرّواية السّابقة من الهَجَداه: فلمّا استُدعي أبرام أمام الملك، قال له نمرود: »ما هذا الذي فعلتَ بآلهة أبيك؟ «.  فأجاب أبرام الملك بالكلام ذاته الذي قاله لأبيه.  فقال: »ليس للصّنم الكبير من قوّة أو بأس ليفعل ذلك«، فتابع أبرام قائلاً: »إذن فيم عبادتُك إيّاه؟  لماذا تُكره رعيّتك على طرقك الباطلة؟  أولى لك أن تعبد ربّ العالمين العظيم، القادر على كل شيء، المُحيي والمُميت.  الويل لك يا ذا القلب السّقيم، فلتتحوّلْ عن طرقك الضالّة، واعبُدْ مَن بيده مقاليد حياتك وحياة شعبك جميعه، أو فمُتْ مَذموماً مَدحوراً، أنت ومَن يتّبعك«.  وبقيّة القصّة في كتابنا المذكور، 86-89.

18 - مارس - 2008
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
من الفصل 29 تجربة    كن أول من يقيّم

الفصل التّاسع والعُشرون([1])
حينَئِذٍ قالَ فيلِبُّس: »ما أعظمَ رحمةَ اللهِ للّذينَ يُحِبّونَه.  قُلْ لنا يا مُعلِّم، كيفَ توَصَّلَ إبراهيمُ إلى مَعرِفةِ الله«. 
قالَ يَسوعُ: »لمّا بَلَغَ إبراهيمُ جِوارَ بيتِ أبيه خشيَ من دُخولِ البيت، فانتَقَلَ إلى مَبعَدةٍ عن البيت وجلسَ تحتَ شَجَرةِ نَخلٍ، ولَبِثَ مُنفَرِداً، وقالَ في نَفسِه: »لا بُدَّ من وجودِ إلَهٍ ذي حياةٍ وقُوّة تَفوقُ قوّةَ الإنسان، لأنَّهُ يصنَعُ الإنسانَ، والإنسانُ بغيرِ اللهِ لا يقدِرُ أن يصنَعَ إنساناً«.
}97{ »حينَئِذٍ، التَفَتَ ونَظَرَ إلى النُّجوم، وإلى القَمَرِ، وإلى الشَّمسِ، فظَنَّ أنَّها هي الله.  ولكن بعدَ التَّبَصُّر في تقلُّباتِها وتحَرُّكاتِها، قال: »ينبَغي ]لُزوماً[ أن يكونَ اللهُ لا يَطرأ عليهِ تَقَلُّبٌ وألاّ تحجُبَهُ الغُيومُ ]كما تَحجُبُ الكواكِبَ[، وإلاّ كانَ الفَناءُ مآلَ بني البَشَر«. 
وإذْ مَكَثَ هُناكَ مُتحَيِّرَ اللُّبِّ، سمِعَ اسمَهُ يُنادى عليه: »يا إبراهيم!« فلمّا التَفَتَ ولم يَرَ أحَداً في أيِّ اتِّجاهٍ، قالَ: »إنّي واثِقٌ أنّني سَمِعتُ اسمي يُنادَى عليهِ »يا إبراهيم« «.  ثُمَّ لمَرَّتين أُخرَيَين بالطّريقةِ ذاتِها، سَمِعَ اسمَهُ يُنادى عليه: »يا إبراهيم!«.
»أجابَ: »ما يُناديني؟«، فحينَئِذٍ سمعَ ]صَوتاً[ يقولُ: »أنا مَلاكُ اللهِ جِبرائيل«.  فمُلئَ إبراهيمُ رُعباً، ولكنَّ المَلاكَ سَكَّنَ رَوعَهُ، قائلاً: »لا تَخْشَ يا إبراهيم، لأنَّكَ خليلُ اللهِ.  ولمّا حَطَّمتَ آلِهَةَ القَومِ بِدَداً، اصطَفاكَ إلهُ المَلائِكةِ والأنبياء حتى تكونَ مَكتوباً في سِفرِ الحَياة«([2]).  فقالَ إبراهيم([3]): »فماذا ينبَغي لي أن أفعلَ ]كي[ أعبُدَ إلَهَ المَلائِكةِ والأنبياءِ القِدّيسين؟«.  أجابَ المَلاكُ: »اذهَبْ إلى ذاكَ اليُنبوعُ فتَطَهَّرْ، فاللهَ يَشاءُ أن يُكلِّمَكَ«.

»
أجابَ إبراهيمُ: »كيفَ ينبَغي لي أن أتَطَهَّرَ؟«.  حينَئِذٍ ظَهَرَ لهُ المَلاكُ بشكلِ فتىً يافِعٍ حسنِ الصُّورة، واغتَسَلَ في اليُنبوع، }98{ قائلاً: »افعَلْ كذلكَ يا إبراهيم«. 


([1]) في هامش المخطوط بالعربيّة: »سورة ابراهيم«.
([2]) قابل على رسالة بولس إلى أهل فيلبي - 4: 3.
([3]) هذا المقطع التالي نقدّم أصله - للمقارنة - من المخطوطتين الإيطاليّة والإسپانيّة.

19 - مارس - 2008
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
الفصل 29 - تتمة    كن أول من يقيّم

»فلمّا اغتَسَلَ إبراهيمُ([1]) قالَ المَلاكُ: »ارتَقِ ذلكَ الجَبَلَ، لأنَّ اللهَ يشاءُ أن يُكلِّمَك هُناكَ«.  فارتقى إبراهيمُ الجَبَلَ كما ]عَلَّمَهُ[ المَلاكُ، وإذْ جَثا على رُكبَتيهِ قالَ في نَفسِهِ: »متى يا تُرى يُكلِّمُني إلهُ المَلائِكة؟«، فسَمِعَ صوتاً لطيفاً يُناديه: »يا إبراهيم!«، فأجابَهُ إبراهيمُ: »مَنْ يُناديني؟«.
»أجابَ الصَّوتُ: »أنا إلَهُكَ([2]) يا إبراهيم«.
»فاستَبَدَّ بإبراهيم الجَزَعُ، وخَرَّ بوَجهِه إلى الأرضِ قائِلاً: »وكيفَ يكونُ لعَبدِكَ وهو من تُرابٍ ورَماد أن يَستَمِعَ إليكَ؟« ([3])، فقالَ اللهُ: »لا تَخَفْ بَل انهَضْ، لأنّي قد اصطَفَيتُكَ عَبداً لي، وإنّي أُريدُ أن أُبارِكَكَ وأجعَلَكَ شعباً عظيماً.  فاخرُجْ إذن من بيتِ أبيكَ وأهلِكَ، وتعالَ اسكُنْ في الأرضِ التي أُعطيكَها أنتَ ونَسلَكَ«([4]).
»أجابَ إبراهيمُ: »إنّي لَفاعِلٌ كلَّ ذلكَ يا رَبُّ، ولكن احفَظْني لِئلاّ يضرَّني إلَهٌ آخَرُ«.  فتكلَّمَ اللهُ قائِلاً: »أنا اللهُ الواحِدُ، ولا إلَهَ آخَرَ سِوايَ([5]).  أنا أضرِبُ وأنا أشفي، أُميتُ وأحيي، أُرَدّي في الجَحيمِ وأُخرِجُ منهُ، ولا يقدِرُ أحَدٌ أن يُنقِذَ نفسَهُ من يَدي«([6]).  ثمَّ أعطاهُ اللهُ عهدَ الخِتانِ، وهكذا عرفَ أبونا إبراهيمُ اللهَ«.
}99{ وبعدَ أن أتَمَّ يَسوعُ قولَهُ هذا، رَفَعَ يَدَيهِ إلى السَّماءِ قائلاً: »الكرامةُ والمَجدُ لَكَ يا الله.  كذلك فليَكُن!«.
*  *  *


([1]) نقدّم هنا - للمقارنة - متن الأصل في المخطوطة الإيطاليّة، وبعده متن المخطوطة الإسپانيّة المترجمة عن المخطوطة الإيطاليّة:
....disse abraham che chossa fare debo per seruire lo DIO di angioli he santti proffeti • Rispose langello ua in quel fonte he lauati perche DIO uole parlare techo • Risspose abraham hor chome lauarmi debo; allora langelo seli appresento chome uno bello giouine he si lauo nel fonte dicendo fa chossi hanchora te ho abraham • lavatossi abraham....
     وهذا فيما يلي نصّ المخطوطة الإسپانيّة:
Dixo Abraham: Que harè yo para servir al Dios de los sanctos y prophetas? Respondiò el angel, Ve a quella fuente y lavate, porque Dios quiere hablar contigo. Dixo Abraham: Como tengo de lavarme? Luego el angel se le appareciò como uno bello mancebo, y se lavò en la fuente, y le dixo, Abraham, haz com yo. Y Abraham se lavò.
([2]) في هامش المخطوط بالعربيّة: »الله أحد«.
([3]) سفر التكوين - 18: 27.
([4]) سفر التكوين - 12: 1-2.
([5]) في هامش المخطوط بالعربيّة: »قال الله لابراهيم أنا أحد ولا غير اله - منه«.
([6]) سفر التثنية - 32: 39.

19 - مارس - 2008
إنجيل بارنبا: أهو حقاً الإنجيل الصحيح؟
 16  17  18  19  20