التعريف بالأمير تغري بردي - تتمة كن أول من يقيّم
وفي أعقاب سقوط دمشق بيد تيمورلنك (في 24 جُمادى الأولى 803 هـ)، استعفى تَغري بَردي من نيابتها وعُيّن مكانه آقبُغا الجمالي، فأعاد النّاصر في شعبان تعيينه ثانيةً نائباً عليها. ثم في المحرّم من عام 804 هـ حاك أمراء مصر مكيدةً للإيقاع به بدمشق، ففرّ إلى دَمِرْداش نائب حلب ووقعت بينهما وبين المصريين وقعات، انتهت في العام التالي برضا السّلطان عليه وتعيينه قائداً للمَيْسَرة قبل خلعه - أي النّاصر - لمدّة شهرين في عام 808 هـ. ثم أقام بالقدس، وتزوّج النّاصر من ابنته فاطمة، وعاد فاستدعاه ورفّعه أتابكاً للعسكر (أمير سلاح) وهو أرفع مناصب الجيش. وفي أواخر عام 813 هـ ولاّه نيابة دمشق للمرّة الثالثة، فبقي فيها سنةً ونيّف حتى وفاته، قُبيل وفاة السّلطان عام 815 هـ. وفي المحرّم من فاتحة سنة 815 هـ توفي الأتابك، وولده يوسف طفل لم يبلغ فطامه (وكان ولد بعد عام 811 هـ)، فربّاه زوج أخت أخرى له، هو قاضي القضاة ناصر الدّين ابن العديم، فلمّا توفي سنة 815 هـ، تولّى تربيته زوجها الثاني قاضي القضاة جلال الدّين البُلقيني. * * * من خلال النصّ الذي نقدّمه أدناه، نقرأ رواية حيّة لشاهد عَيان، كان حاكماً للمدينة إبّان الأحداث الدّامية التي عصفت بها، لا بل شارك في الأحداث بنفسه، ثم نقل روايته ابنه المؤرّخ يوسف، وهذا من نوادر الاتّفاق. لكن ليس معنى ذلك أن الابن استقى تفاصيل الرّواية عن أبيه - الذي توفي وابنه لم يجاوز 3 سنين - بل كان سمع بها من آله ومن بعض مماليك أبيه من جهة، ثم نقل غالبية نصّها عن سواه من المؤرّخين، من جهة أخرى. وأخصّ المؤلّفات التاريخية التي نقل عنها كانت كتاب مؤرّخ مصر الكبير تقي الدّين المقريزي (المتوفى في 845 هـ): »السّلوك لمعرفة دول المُلوك«. لكن المؤسف من خلال ما يرويه الأتابك والد المؤلّف، أن دمشق كان يمكن بكل تأكيد الدّفاع عنها، بسبب حصانتها وكثرة مؤنها، هذا لولا عقابيل أزمة أيْتَمِش وخشية السّلطان المُراهق على مُلكه بمصر من جهة، وسذاجة القاضي ابن مُفلح من جهة أخرى. ويلخّص الباحثون أسباب مأساة سقوط دمشق بأيدي المغول في 3 أسباب رئيسية: 1- الاختلاف والتّطاحن، وعدم التأهّب لقتال تيمور. 2- عدم الاستفادة من قوّة سلطان بغداد أحمد بن أويس، وجيشه البالغ سبعة آلاف جندي مدرّب. 3- عدم الاتفاق مع السّلطان العثماني بايزيد خان في قتال تيمور، فلمّا أرسل يعرض التحالف في وجه الخطر المغولي أجاب أمراء مصر: »فليقاتل عن بلاده ونحن نقاتل عن بلادنا«. يذكر يوسف ابن تَغري بَردي نقلاً عن صديق له من رجال الحكومة، هو أسِنْباي الظاهري الزَّردكاش، أنه وقع أسيراً بيد تيمور فصرّح له الغازي الرّهيب أنه لم يكن يخشى سوى جيشين فقط: جيش المماليك وجيش العثمانيين. يعلّق ابن تَغري بَردي على هذا القول: »فلو اتّفق هذان الجيشان أمام جيش تيمورلنك لاستطاعا صدّه!«. * * * هذا وثمّة ثلاثة نصوص لرحلات هامّة جداً إلى دمشق، يكمل أحدها الآخر انتهاءً بنصّنا هذا: أولها رحلة ابن حجّة الحموي إبّان ثورة مِنْطاش بها عام 791 هـ، وثانيها رحلة السّلطان الظاهر برقوق لنجدة سلطان بغداد أحمد بن أوَيس عام 796 هـ، وثالثها رحلة ابن خلدون في ركاب السّلطان النّاصر فَرَج الذي توجّه إلى الشام لقتال تيمورلَنك عام 803 هـ. وأما رابعها فهو نصّنا هذا في تفاصيل الحادثة المذكورة، وهي واحدة من 7 تجاريد قام بها إلى الشام حتى مقتله بدمشق عام 815 هـ وسنّه 24 عاماً فقط. المصــادر: النّجوم الزّاهرة لابن تَغري بَرْدي، 12: 106، 116، 213، 216، 227-245. النّجوم الزّاهرة لابن تَغري بَرْدي (ترجمة أبيه تَغري بَردي)، 14: 115. المنهل الصّافي لابن تَغري بَرْدي، ترجمة تَغري بَردي من بَشْبُغا الظاهري. أنباء الغُمر بأنباء أبناء العُمر لابن حجر، ج 2 في حوادث سنة 803 هـ. الضوء اللامع للسَّخاوي، 3: 29. إعلام الورى لابن طولون الصّالحي، 34. ولاة دمشق في عهد المماليك لمحمد أحمد دهمان، 187. مؤرّخو مصر الإسلاميّة لمحمد عبد الله عنان، 114. دائرة المعارف، بإدارة فؤاد أفرام البستاني، 2: 384. Popper, W.: A History of Egypt, 1382-1469, California, 1909-1933. |