البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات محمود العسكري أبو أحمد

 15  16  17  18  19 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
حلية الأسد - أبو زبيد    كن أول من يقيّم

[ حلية الأسد - أبو زبيد الطائي ]
-       وأقبل أبو الحارث من أجمته ؛ يتظالع في مشيته ،
-       من بغيه كأنه مجنوب أو في هجار ،
-       بصدره نحيط ، ولبلاعمه غطيط ،
-       ولطرفه وميض ، ولأرساغه نقيض ،
-       كأنما يخبط هشيمًا ، أو يطأ صريمًا ،
-       وإذا هامة كالمجنّْ ، وخد كالمسن ،
-       وعينان سجراوان ، كأنهما سراجان يتقدان ،
-       وكف شثنة البراثن ، إلى مخالب كالمحاجن ،
-       فضرب بيده فأرهج ، وكشر فأفرجس=
-       عن أنياب كالمعاول مصقولةس غير مفلولة ،
-       ثم أقعى فاقشعر ، ثم مثل فاكفهر ، ثم تجهم فازبأر ،
-       فلا وذو بيته في السماء ما اتقيناه إلا بأخ لنا من فزاره ، كان ضخم الجزاره ،
-    فوقصه ثم نفضه نفضةً فقضقض متنيه فجعل يلغ في دمه فذمرت أصحابي ، فاختلج رجلاً أعجر ذا حوايا فنفضه نفضةً تزايلت منها مفاصله .
-       ثم نهم فبربر ، ثم زأر فجرجر ،
-       ثم لحظ فوالله لخلت البرق يتطاير تحت جفونه ، ومن شماله ويمينه ،
-        فأرعشت الأيدي واصطكت الأرجل ،
-       وأطَّت الأضلاع ، وارتجت الأسماع ،
-       وشخصت العيون ، وتحققت الظنون ، وانخزلت المتون .

6 - نوفمبر - 2010
تنظيم الكتابة السجعية
حلية الأسد - أحمد شوقي    كن أول من يقيّم

[ حلية الأسد - أحمد شوقي ]
-       طاغية الصحراء ، وجبار العراء ، وأجرأ من وطئ الغبراء .
-       عرشه غابته ، وحجابه مهابته ، والوحدة مجلسه وصحابته .
-       ابن الصحراء البكر نَحَتَتْ أجلاده من صخرها ، واستوقدَتْ بأسَه من حرها ، وطبعته على انقباضها وكبرها .
-       وكأن الصُّور حنجرته ، وكأن نفخة الصُّور زمجرته .
-       إذا سمعت خفتت العقائر ، ولاذت الهوام بالحفائر ، وطار الواقع ووقع الطائر .
-       وصفته ؛ فقلت :
-       هامة من أضخم القمم ، جلست على المنكب العمم ، ولبست تاج الشهرة في الأمم .
-       وراء الهامة غفرة كأنها اللامة ، هي اللبدة وهي عمامة أسامة .
-       دارت على وجه كوجه الموت بادي الشرة ، منقبض الأسرة ، ذي جبهة مغبرة ، كجبهة القتال مكفهرة .
-       وكأنها صفحة السيف ، تلقي الحتف دون الحيف .
-       في الجبهة عينان كاللهب ، في حجابين كالحطب .
-       بينهما أنف غليظ القصبة ، منتشر الأرنبة .
-       كأنه الأفعوان افترش الحجر ، أو اضطجع في هشيم الشجر .
-       حول الأنف كلحة ؛ كأنها خزانة أسلحة .
-       إذا انطبقت فعلى كوامن الغيوب ، وإذا انفتحت فعن القضاء بارز النيوب .
-       ومن عجب الخلق رأس كأنه صخرة ، أو كأنه أرومة يابسة نخرة .
-       ينهض به ساعد جدل ، لا هزيل ولا عبل .
-       كما تنهض أسطوانة الحديد على قلتها بالكثير الضخم من البناء .
-       وللأسد كف كأنها المدجج ، أو كأنها الحجر المدمج .
-       إذا مست فقار الفرس قطعت نظمه ، ونثرت لحمه وعظمه .
-       كل ذلك في إهاب أغبر ، وجلباب أكدر .
-       كأنما صنعا من القفر ، أو قطعا من الصخر ، أو كأنما كسيا لون الصحراء كما تكسى البوارج لون البحر .
-       وإذا قام على برثنه فتمثال ، وإذا انقض فهضب منهال .
-       وإذا تراءى بالسهل فدعامة ، وإذا طلع من الحزن فغمامة .

6 - نوفمبر - 2010
تنظيم الكتابة السجعية
(7/1): قرآن الفجر    كن أول من يقيّم

هذا الأسبوع بنعمة الله هو الأسبوع السابع لـ( إشراقة ) ، وقد أحببت أن أنشر فيه وفي مضاعفاته من الأعداد اللاحقة ؛= مختاراتٍ مما دبَّجَتْهُ يراعة كاتبٍ أديبٍ من العهد القريب ، مختارةٌ من كُلِّ كتابٍ له إذا أمكن .
--------------------
وأبدأ سرد هذه السلسلة بمختاراتٍ ستة لمصطفى صادق الرافعي - غفر الله لنا وله ! - .
1- من وحي القلم / الجزء الثالث / قرآن الفجر :
(( ... وأقبل الناس ينتابون المسجد ، فانحدرنا من تلك العلية التي يسمونها الدكة ، وجلسنا ننتظر الصلاة ، وكانت المساجد في ذلك العهد تضاء بقناديل الزيت ، في كل قنديل ذبالة يرتعش النور فيها خافتًا ضئيلاً يبص بصيصًا ؛ كأنه بعض معاني الضوء لا الضوء نفسه ، فكانت هذه القناديل والظلام يرتج حولها تلوح كأنها شقوقٌ مضيئةٌ في الجو ، فلا تكشف الليل ؛ ولكن تكشف أسراره الجميلة ، وتبدو في الظلمة كأنها تفسيرٌ ضعيفٌ لمعنى غامضٍ يؤمئ إليه ولا يبينه ، فما تشعر النفس إلا أن العين تمتد في ضوئها من المنظور إلى غير المنظور ، كأنها سرٌّ يشفُّ عن سرٍّ .
وكان لها منظرٌ كمنظر النجوم ، يتم جمال الليل بإلقائه الشعل في أطرافه العليا ، وإلباس الظلام زينته النورانية ، فكان الجالس في المسجد وقت السحر يشعر بالحياة كأنها مخبوءة ، ويحس في المكان بقايا أحلام ، ويسري حوله ذلك المجهول الذي سيخرج منه الغد ، وفي هذا الظلام النوراني تنكشف له أعماقه منسكبًا فيها روح المسجد ، فتعتريه حالة روحانية يستكين فيها للقدر هادئًا وادعًا راجعًا إلى نفسه ، مجتمعًا في حواسه ، منفردًا بصفاته ، منعكسًا عليه نور قلبه كأنه خرج من سلطان ما يضيء عليه النهار ، أو كأن تلك الظلمة قد طمست فيه على ألوان الأرض .
ثم يشعر بالفجر في ذلك الغبش عند اختلاط آخر الظلام بأول الضوء شعورًا نديًّا ، كأن الملائكة قد هبطت تحمل سحابة رقيقة تمسح بها على قلبه ليتنضَّر من يُبْسٍ ويرق من غلظة ، وكأنما جاؤوه مع الفجر ليتناول النهار من أيديهم مبدوءًا بالرحمة مفتتحًا بالجمال ، فإذا كان شاعر النفس التقى فيه النور السماوي بالنور الإنساني ؛فإذا هو يتلألأ في روحه تحت الفجر .
لا أنسى أبدًا تلك الساعة ونحن في جو المسجد ، والقناديل معلقة كالنجوم في مناطها من الفلك ، وتلك السرج ترتعش فيها ارتعاش خواطر الحب ، والناس جالسون عليهم وقار أرواحهم ، ومن حول كل إنسان هدوء قلبه ، وقد استبهمت الأشياء في نظر العين ليلبسها الإحساس الروحاني في النفس ، فيكون لكل شيء معناه الذي هو منه ومعناه الذي ليس منه ، فيخلق فيه الجمال الشعري كما يخلق للنظر المتخيل .
لا أنسى أبدًا تلك الساعة وقد انبعث في جو المسجد صوتٌ غرِدٌ رخيمٌ ، يشق سدفة الليل في مثل رنين الجرس تحت الأفق العالي ؛ وهو يرتل هذه الآيات من آخر سورة النحل :
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين . وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولإن صبرتم لهو خير للصابرين . واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون . إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )) .

7 - نوفمبر - 2010
إشراقة
خطوة مباركة    كن أول من يقيّم

هذا التأييد من حضرتكم أستاذنا العزيز خطوةٌ مباركةٌ على الطريق، وآمل أن تتظاهر عليها وتتلاقى عندها رغبات الجميع، فإن مجالس الوراق طوال ستة أعوام يساهم أساتذة مرموقون في ثرائها ببحوث قيمة ومقالات رصينة وتعليقات مفيدة وإبداعات رفيعة، ولا بد من سِمْطٍ لهذه اللآلئ لئلا تتبعثر، وما فضيلة الثمار الحلوة إذا كانت بعيدة المنال تكد الفارع المتطاول!، ويجب التبرؤ من المعرة التي عناها الشاعر بقوله : (ولم أر في عيوب الناس شيئًا - كنقص القادرين على التمام) .

7 - نوفمبر - 2010
اقتراح
صلاة في المحراب الأخضر    كن أول من يقيّم

أوراق الورد / صلاة في المحراب الأخضر . شجرات الشتاء .
-   (( ... تقوم شجراتي على مسيل من الماء في قاصية بعيدة عن المدينة ، وتراهن فوق الماء صفًّا إحداهن إلى إحداهن ، كأن هناك بقعةٌ من الجنة قامت فيها قصور الزرد على طريقٍ أرضها من الفضة البيضاء المجلوة .
-   وأراهن كل سنة يتجردن من الأوراق ليكتسين أوراقًا مثلها، لا تخالفها في شيء من الهيأة، ولا تباينها في معنى الطبيعة ، ولكن بين ما يخلعن وما يلبسن : تزيد فيهن الحياة ، وتشب الروح ، وتتجدد القوة ، فتلقي الشجرة أوراقها ، وتستقبل الشتاء مقشعرة جرداء ، لتظهر في الربيع كاسية جميلة ، جديدة في حسنها ، تتبرج بروحها قبل ثيابها ، كالحسناء الفاتنة أول ما يتحرك في دمها الحب .
-   كذلك لا تتبرج الروح إلا خارجة من شقاء أو مقبلة على شقاء ، وما أشبه الحب في الناس بهذا الربيع في الشجر ؛ هو الطريق الأخضر يمتد إما إلى الجدب واليبس والألم ، وإما إلى غاية منسية مهملة في الجفاء أو السلوة ! .
-   وذهبت في ضحوة النهار إلى صديقاتي أحييهن كعهدي بين حين وحين ، وما أكرمه عهدًا لمن لا يختلفن من ملل ، ولا يتغيرن من كذب ، ولا يتبدلن من خيانة ، فلما جئتهن ؛ تحفَّيْن بي ، وتناولن قلبي يمسحنه ويتحببن إليه ، وأقبلن يغازلنه ويأخذن فيه مأخذ من تحب فيمن يحبها ، حتى لم أشعر منه إلا ما أشعر من زهرة في أرجها العاطر ، أو ثمرة فيها ماؤها الحلو ، أو نبتة فيها لونها الأخضر .
-   ونبَّهْن فيه برفقهن هذه القوة المتواضعة المظلومة التي تتوجَّه بالإنسان إلى ربه فتكون عبادة ، وإلى الناس فتكون رحمة ، وإلى بعض الناس فتكون الحب ، فإني لتحت ظلالهن الوارفة وكأنني من السمو تحت أجنحة الملائكة ، وإني لمع أغصانهن النضرة وكأني من السرور أداعب أطفالاً صغارًا تبسم لي ، وإني بين أنفاسهن وكإني من النشوة مع الخيال الذي أتخيل ...
-   تجلَّت عليَّ القوة التي تحول الشعاع إلى ظل ، والهواء إلى نسيم ، والزمن إلى ربيع ، والنظر إلى حب ، فكنت في الشجر الصامت شجرة متكلمة ، وانسللت من طبيعة إلى طبيعة غيرها ، ووقفت بين عفو الله وعافيته في هذا المحراب الأخضر ، ومن قلبي المتألم أرسلت إلى السماء هذه التسابيح ذاهبةً مع تغريد الطير .
-       .......
-   يَمَمْتُهُنَّ اليوم ؛ فإذا هن ذابلات عليهن الضحى عريانًا ، وكن من ورقهن في حلل الظل، وفيهن انكسار ذي العارية ، وكان يتجمل بعاريته ثم ردها ، فما يتوارى إلا من الأعين التي كان يتعرض لها من قبل ، ويحس كأنه أصبح لحنًا من خطأٍ فاحشٍ في لغة النعمة واليسار ، لا يكاد يظهر نفسه إلا قيل له : يا غلطة تحتاج إلى من يصححها ! .
-   ورأيتهن واقفات في مثل ذلك الحزن النسائي الغرامي الذي يخلط المرارة في حلاوة المرأة الجميلة ؛ فتبدي عن عاطفةٍ مسكينةٍ لا يصورها لك إلا أن ... أن تتخيل جزع لؤلؤة تخشى أن تتحول إلى حصاة .
-       ذليلات ذليلات ؛ كأنهن مطلقات الربيع ! .

7 - نوفمبر - 2010
إشراقة
(7/3): الصغيران    كن أول من يقيّم

3- السحاب الأحمر / الصغيران :
- (( ... وفي تلك الساعة كانت الأرض قد عريت إلا من أواخر الناس وطوارق الليل ، وبقية من يقظة النهار تحبو في الطرق ذاهبة إلى مضاجعها ، فبينا أمد عيني ، وأديرهما في مفتتح الطريق ومنقطعه ؛ إذ انتفضت انتفاضة الذعر ، ووثبت رجة القلب بجسمي كله كما تثب اللسعة بملسوعها ؛= ذلك حين أبصرت الطفلين .
صغيران ضلا من أهلهما في هذا الليل ، يمشيان على حيد الطريق في ذلة وانكسار ، وتحسب أقدامهما من البطء والتخاذل لا تمشي بل تتزحزح قليلاً قليلاً ، فكأنهما واقفان ، أكبرهما طفلة تعد عمرها على خمس أصابعها ، والآخر طفل يبلغ ثلاث سنوات ، ينحدران في أمواج الليل وقد نزل بهما من الهم في البحث عن بيتهما = ما ينـزل مثله بمن تطوح به الأقدار إذا ركب البحر المظلم ليكشف عن أرض جديدة .
تتبين الخوف في عيونهما الصغيرة وتراه يفيض منهما على من حولهما ، حتى ليحسب كلاهما أن المنازل عن يمينه وشماله أطفال مذعورة .
ويتلفتان كما تتلفت الشاة الضالة من قطيعها ، لا يتحرك في دمها بالغريزة إلا خوف الذئب .
ويتسحبان معًا وراء الأشعة المنبثة في الطرق ، كأن أضواء المصابيح هي طريق قلبيهما الصغيرين .
منقطعان في ظلام الليل ، وليس على الأرض أهنأ من ليل الطفل النائم ، فهل يكون فيها أشقى من ليل طفل ضائع ؟! ، نامت أحلامهما ، واستيقظت أعينهما للحقائق المظلمة الفظيعة ، وضاعا من البيت ، ويحسبان أن البيت هو الضائع منهما ، طفلان في وزن مثقالين من الإنسانية ، ولكنهما يحملان وزن قناطير من الرعب .
يا من لا إله إلا هو!، من سواك لهاتين النملتين في جنح هذا الليل الذي يشبه نقطة من غضبك ؟!، لقد أخرجتهما في هذا الضياع مخرج أصغر موعظة للعين تنبه أكبر حقيقة في القلب ، وعرضت منها للإنسانية صورة = لو وفق مخلوق عبقري فرسمها = لجذب إليها كل أحزان النفس .
 صورة الحب يمشي متساندًا إلى صدر الرحمة في طريق المصادفة المجهولة من أوله إلى آخره ، وعليهما ذل اليتم من الأهل ، ومسكنة الضياع من الناس ، وظلام الطبيعة وكآبتها .
رأيت الطفلة وقد تنبهت فيها لأخيها الصغير غريزة أم كاملة ، فهي تشد على يده بيديها معًا ، كأنها مذ علمت أنها ضائعة تحاول أن يطمئن أخوها أنه معها ، ولن يضيع وإنه معها ! ، فيا لرحمة الله ! .
وقد أسندت منكبه إلى صدرها ، وهي تمشي فلا أدري إن كان ذلك لتحمل عنه بعض تعبه فلا يتساقط ، أو ليكون بها أكبر من جسمه الضئيل فلا يخاف ، أو لأنها حين لم تستطع أن تفهمه ما في قلبها بلغة اللسان أفاضته على جسمه بلغة اللمس ، أو لا هذا ولا ذاك ؛ إنما هي تستمد من رجولته الصغيرة حمايةً لأنوثتها بوحي الطبيعة التي رسخت فيها .
أما الطفل فمستذل خاشع ، لو ترجمت نظراته لكانت هذه عبارتها : اللهم إن هذا العمر يوم بعد يوم ، فأنقذنا من بلاء يومنا .
ولما وقفا بإزائنا كان هذا الصغير يقلب في وجوه الناس نظراتٍ يتيمةً ترتد على قلبه آلامًا لا رحمة فيها ، إذ يشهد وجوهًا كثيرة ليس لها ذلك الشكل الإنساني المحبوب الذي لا يعرفه الطفل من كل خلق الله إلا في اثنين : أمه وأبيه .
وما أسرع ما تناهض الناس وأطافوا بهما ، وما أسرع ما لاذ المسكين بأخته ، واستمسك بها ، كأن وسائل الرحمة تخيف كما تخيف أسلحة الجراح ، أو كأن الأصل في هذا الإنسان هو العدوان على أخيه وظلمه واجتياحه ، فكل حركة إنسانية مشكوك فيها حتى يقع أثرها ، لأن الإنسان نفسه ستار منسدل على نيته ، وهذه النية آلة الأطماع ، فلا تزال في يد الكذب دائمًا لا يدعها الصدق إلا فيما لا ينفع ! .
وكان الطفل المسكين في جملة النظر إليه خلقًا من الحب المؤلم الذي يلهب الدم ، يرسل من عينيه الدعجاوين سحر المذلة الفاتنة ، تلك المذلة التي أعرفها أقوى ما في الحب إذا تذللت الحبيبة في نظرة ضارعة ترسلها لمحبها المفتون ، فلا تبقي في رأسه رأيًا ، ولا في قلبه نيةً ، وتذل له ليذل هو لا غير ، كأن أحب العز في أحب الذل .
ونظر إلي أنا أول رمقة ، فذكرت أطفالي ، فتزلزل قلبي ، وأحسست أن دمي استحال إلى بارود وقع فيه الشرر .
وهؤلاء الأطفال الصغار هم إنسانية على حدة ، فكل أب هو أب هذه الإنسانية كلها ، ولن يطيق من كان له طفل أن يرى صغيرًا ضائعًا في الطريق يستهدي الناس إلى أهله ويبكي عليهم ، أو طفلاً جائعًا يعرض على الناس وجهه المنكسر ويستعطفهم بصوته المريض أن يطعموه ، أو طفلاً يتيمًا قد ثكل أهله ، وضاق بقسوة أوليائه ، فانطرح في ناحيةٍ يبكي ويتفجَّع ، ويسأل من يعرفون الموت : أين أبي ؟ ، أين أمي ؟ .
هؤلاء جميعًا ليس بينهم وبين قلوب الآباء والأمهات حجابٌ ، إذ ليس فيهم من الناس إلا اضطرارهم إلى الناس ، فهم الإنسانية الرضيعة التي خلق من أجلها القلب الإنسانـي في شكل ثدْيٍ )) .

7 - نوفمبر - 2010
إشراقة
(7/4): الشعر    كن أول من يقيّم

4- رسائل الأحزان / الرسالة السابعة / الشعر :
قبل إيراد القطعة المنتخبة : قرأت في هذا الكتاب للرافعي بيتًا ؛ فقلت على البداهة : إنه على حَوْك شعر الأستاذ / زهير ، هذا البيت هو قوله : ( كُلُّ الْحَوَادِثِ حُمْرُهُنَّ وَسُودُهَا - فِي صَفْحَةِ الأَيَّامِ مِنْ أَلْوَانِـي ) .
(( ما هي العاطفة المهتاجة في نفس الإنسان اهتياجًا لا يريه الحياة أبدًا إلا أكبر أو أصغر مما هي ؟ .
ما هو المعنى الساحر الذي يأتي من القلب والفكر معًا ، ثم لا يأتي إلا ليحدث شيئًا من الخلق في هذه الطبيعة ؟ .
ما هو ذلك الأثر الإلهي الكامن في بعض النفوس مستكنًا يتوثب بها ويحاول دائمًا أن يعلو إلى السماء لأنه غريبٌ في الأرض ؟ .
وما هو الشعر ؟ .
هذه الأسئلة الأربعة يختلف بعضها عن بعض ، وينـزع كل منها إلى  منـزع ، ولا جواب عليها بالتعيين والتحديد في عالم الحس ؛ لأن مردها إلى النفس ، والنفس تعرف ولا تنطق ، وشعورها إدراكٌ مخبوءٌ فيها ، وهي نفسها مخبوءةٌ عنا ، ولكن العجيب : أن كُلَّ سؤالٍ من هذه الأربعة = هو جوابٌ للثلاثة الباقيات ، فالعاطفة هي ذلك المعنى ، وهي ذلك الأثر ، وهي الشعر ، والشعر هو العاطفة بعينها ، وهو الأثر ، وهو المعنى ، وهلم جرَّا .
سبحانك ؛ يا من لا يقال لغيره : سبحانك ! ، خلقت الإنسان سؤالاً عن نفسه ، وخلقت نفسه سؤالاً عنه ، وخلقت الاثنين سؤالاً عنك ، وما دام هذا الإنسان لا يحيط به إلا المجهول ، فلا يحيط به من كل جهةٍ إلا سؤالٌ من الأسئلة ، ولا عجب إذًا أن يكون له من بعض المسائل جوابٌ عن بعضها .
هذه هي الطريقة الإلهية في دقائق الأمور ؛ تجيب الإنسان الضعيف عن سؤالٍ بسؤالٍ آخر .
ولقد أكثروا في تعريف الشعر ، وجاؤوا فيه بكل ألوان القول ، ولكن كثرة الأجوبة جعلته كأنه لا جواب عليه ، بالغوا في تقريبه إلى الروح ؛ فأَجْروا في حده كل عناصر الجمال والفضيلة ، ودلوا بالخيال على حقيقته ؛ إذ رأوا أنه لا يدل على حقيقته إلا الروح وحدها ، وهي غامضة فهو غامض ، وتفسيره مئة تفسير .
الشعر وراء النفس ، والنفس وراء الطبيعة ، والطبيعة من ورائها الغيب ، فلو جمع ما قيل في الشعر = لرأيته يصلح في أكثر معانيه أن يقال في النفس ، ثم لرأيته مفهومًا من جهتنا وغير مفهوم من جهته ، وما الشعر إلا أول المعاني المبهمة ، والدرجة الأولى من سلم السماء الذاهبة إلى عرش الله ، وهو كذلك أول ما في الإنسان من الإنسانية .
في هذا الكون مادة عامة يسبح الكون فيها ، وتنبعث من قوة الله وإرادته ، وهي دائمة التركيب والتحليل إيجادًا وفناءً ، وما أرى الشعر إلا تأثير هذه المادة في بعض النفوس العالية الكبيرة التي تصلح أن يسبح خيال الكون فيها .
بهذه المادة تمتزج نفس الشاعر بكل ما تراه ، ومن هذا الامتزاج يتكون الشعر ، فإذا أردت أن تتحقق ذلك فانظر إلى نفس الشاعر العظيم تمتزج بالجمال الرائع في نفس الجميلة ، وبالحب في نفس الحبيبة ، وبالطبيعة في المعنى الطبيعي ، وانظر إليها حين تتصل بأسباب اللذات والآلام ، حين تثيرها اللحظة والابتسامة ، ويهيجها الصد والإعراض ، ويحزنها المحزن ، ويسرها السار ، حين تخترق بالفكر حجاب هذه الإنسانية ، وتثب بالعاطفة فوق الطباق العليا ، وتستمد من الشعلة الأزلية لونًا من ذلك الضرام الذي اشتعل به في أصل الخلقة كل كوكبٍ يتلهَّب .
ما أشقى نفس الشاعر ! ، فإنها لسموها تجهل ما هي من هذا العالم ، فلا تزال تمتزج في أرضنا بكل ما يحزنها ويسرها لتعرف ما هي ، ولن يكون من الشعر العالي أبدًا إلا التقاءٌ بين نفس سامية وحقيقة سامية ، ومن ثم كان الشاعر العظيم يحب ويبغض ، ويضحك ويبكي ، ويرضى ويغضب ، ولا يحس من كل ذلك وما إليه = إلا السماء تحكم من داخله على الأرض .
وعلة شقائه هي نفسها علة سروره بشعره ؛ وإن نثر هذا الشعر من عينيه بكاءً ودموعًا وإن انفجر به أحزانا وآلامًا قاتلة .
كل النوابغ لا يرضيهم إلا أن يرتفعوا ، فإن من كان له جناحان للطيران لا يُسَرُّ إلا إذا طار ، وما جناحا الطائر إلا كتابان من الله يُمَلِّكه في أحدهما على الشرق وفي الآخر على الغرب ، بَيْدَ أن الشاعر لا يرضيه أن يرتفع عن الأرض وحدها ؛ فإن خياله لا يقع إلا ساجدًا عند عرش الله ، وذلك سببٌ آخر من أسباب شقائه في الدنيا ، فأيما شَرٍّ مَسَّ كبرياء روحه ، وأمسك من جناحيها = رأيت أثره في نفسه الرقيقة ، وكأنما صدمه الصدمة ترمي به من فوق السماء إلى الأرض في سقطة واحدة .
يا للعجائب ! ، إن سرور الشاعر الملهم سرور نفسه وحدها ، ولكن حزنه حزن العالم كله .
قيل في أحد القديسين : إنه ما وجد السبيل إلى الكمال الإنساني الأعلى ، ولا استطاع أن يكمل = حتى كانت له نفس شاعر عظيم في جسم فقير بائس محزون ، فضرب الله بتلك النفس على هذا الجسم ، وبهذا الجسم على تلك النفس ، واستضاء منهما القمر الإنساني في ليلٍ حالكٍ من سواد أحزانه وهمومه .
فواهًا لك يا شعر الشعراء ! ، أنت النقص كله مع لذات الدنيا ، وأنت الكمال كله مع آلامها )) .

9 - نوفمبر - 2010
إشراقة
كثرة استعمال ذا الإشارية    كن أول من يقيّم

وهذا نقلٌ آخر منتقًى من وساطة الجرجاني، انتضل فيه إلى الغرض المستهدف آنفًا من: أن تَكْرار تركيبٍ ما في الكلام معيبٌ .
(( وقلت: وهو أكثر الشعراء استعمالاً لذا التي هي للإشارة، وهي ضعيفة في صنعة الشعر، دالة على التكلّف، وربما وافقت موضعاً يليقُ بها، فاكتست قبولاً؛ فأما في مثل قوله في هذين البيتين: ومن حق ذا الشريف عليكا؛ وفي وقتك ذا، وقوله:
لو لم تكن من ذا الورى اللّذْ منك هوْ
 
عقمَتْ بمولِد نـسـلِـهـا حـوّاء
وقوله:
عن ذا الذي حُرم الليوثُ كمالَه
 
يُنسي الفرسيةَ خوفَه بجمالِـه
وقوله:
وإن بكيْنـا لـه فـلا عـجـبٌ
 
ذا الجزْر في البحر غيرُ معهودِ
وقوله:
ذا الذي أنت جدّه وأبوه
 
دِنيةً دون جدّه وأبـيه
وقوله:
أفي كل يومٍ ذا الدُمُستُق مُقدمٌ
 
قفاه على الإقدام للوجه لائِمُ
وقوله:
أبا المِسك ذا الوجهُ الذي كنت تائِقاً
 
إليه وذا الوقتُ الذي كنت راجيا
....

9 - نوفمبر - 2010
المقامات الزينية
تتمة    كن أول من يقيّم

وقوله:
نحن في أرض فارسٍ في سُرور
 
ذا الصّباح الذي بُـرَى مـيلادُهْ
كلمـا قـال نـائلٌ: أنـا مـنـه
 
سرَفٌ، قال آخر: ذا اقتصـادُهْ
وقوله:
فإن يكنِ المهديّ من بان هـديُه
 
فهذا وإلا فالهُدى ذا فما المَهدي
وقوله:
يعلِّلنا هذا الزمان بذا الوعْـدِ
 
ويخدَع عما في يديه من النّقدِ
وقوله:
وهذا أوّل الناعين طُـراً
 
لأولِ ميتَةٍ في ذا الجلالِ
وقوله:
فإن أتى حظُّها بـأزمِـنَةٍ
 
أوسعَ من ذا الزّمانِ أبداها
وقوله:
حلفَتْ لذا ذركاتُ غُرة ذا
 
في المهد أن لا فاتَهم أملُ
فهذا صالح، وقوله:
فبعْدَه وإلى ذا اليوم لو ركضـتْ
 
بالخيلِ في لهَواتِ الطّفلِ ما سَعلا
فهو - كما تراه - سخافةً وضعفاً، ولو تصفّحت شعره لوجدت فيه أضعاف ما ذكره من هذه الإشارة؛ وأنت لا تجد منها في عدة دواوين جاهلية حرفاً، والمحدَثون أكثر استعانة بها، لكن في الفَرْط والنّدرة، أو على سبيل الغلط والفلتة.)) .

9 - نوفمبر - 2010
المقامات الزينية
تشبيهات البرق    كن أول من يقيّم

تقدم في هذه الصفحة ذكر بيتٍ نادرةٍ لابن المعتز في تشبيه البرق بالمصحف حالي الانطباق والانفتاح ، وهذا تشبيهٌ آخر أظنه منقطعَ القرين محميَّ الحريم :
( وَالْبَرْقُ مِثْلُ حَنِيرَةٍ - لِّلْغَيْمِ تَنْدِفُ قُطْنَهُ و )
والحنيرة : هي المندفة ، أو القوس في اصطلاح أهل هذا الكار ، وهو تشبيه تمثيلي ، ووجه الشبه هيأةٌ منتزعةٌ من عِدَّة أمورٍ ، فإن البرق في تواليه السريع إيماضةً بعد إيماضةً والغيمَ من أخاديد السوط يتطاير مِزَقًا وشِقَقًا ؛= يشبه حنيرة الندَّاف في تواليها السريع خَفْقةً بعد خَفْقةٍ والقطن من تحتها يتطاير أباديد أباديد .

9 - نوفمبر - 2010
غيبة وخيبة: شعر أبي تمام
 15  16  17  18  19