الزهد في الإسلام (3)     ( من قبل 3 أعضاء ) قيّم
ولما حضرت الوفاة معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكرى الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر. وقد ذكر الإمام أحمد أن أفضل التابعين علماً سعيد بن المسيب، أما أفضلهم على جهة العموم والجملة فأويس القرني، وكان أويس يقول: توسدوا الموت إذا نمتم و اجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم، وقال مالك بن دينار: يعمد أحدهم فيتزوج ديباجة الحي (فاتنة الحي)، فتقول: أريد مرطاً (أكسية من صوف) فتمرط دينه (أي تذهب به). وكان كثير من السلف يعرض لهم بالمال الحلال، فيقولون: لا نأخذه، نخاف أن يفسد علينا ديننا، وكان حماد بن سلمة إذا فتح حانوته وكسب حبتين قام، وكان سعيد بن المسيب يتجر في الزيت، وخلف أربع مئة دينار، وقال: إنما تركتها لأصون بها عرضي وديني. وقال سفيان الثوري: الزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباءة. وقال الشافعي في ذم الدنيا والتمسك بهاوما هي إلا جيفة مستحيلة عليها كلاب همهن اجتذابها فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها وإن تجتذبها نازعتك كلابها.
وكان أبو سليمان الداراني يقول: (كل ما شغلك عن الله، من أهل ومال وولد فهو مشؤوم طويت الدنيا عمن هم أفضل منا) ويكفي أن في الزهد التأسي برسول الله صلي اله عليه وسلم وصحابته الكرام، كما أن فيه تمام التوكل على الله، وهو يغرس في القلب القناعة، إنه راحة في الدنيا وسعادة في الآخرة. والزاهد يحبه الله ويحبه الناس فإن امتلكت فاشكر، وأخرج الدنيا من قلبك، وان افتقرت فاصبر فقد طويت عمن هم أفضل منك، فقد كان نبيك صلي الله عليه وسلم نيام على الحصير حتى يؤثر في جنبه، ومات وفي رف أم المؤمنين عائشة حفنة من الشعير تأكل منها، وكنت إذا دخلت بيوت رسول الله صلي الله عليه وسلم نلت السقف، وخطب عمر بن الخطاب وهو خليفة المؤمنين وعليه إزار به اثنتا عشرة رقعة لقد طويت الدنيا عنهم ولم يكن ذلك لهوانهم على الله، بل لهوان الدنيا عليه سبحانه. فهي لا تزن عنده جناح بعوضه، وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها. فلا تأس ولا تجزع على ما فاتك منها، ولا تفرح بما أتاك؛ فالمؤمن لا يجزع من ذلها ولا يتنافس في عزها له شأن وللناس شان، وكن عبداً لله في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك، وسواء أقبلت عليك الدنيا أو أدبرت فإقبالها إحجام، وإدبارها إقدام، والأصل أن تلقاك بكل ما تكره فإذا لاقتك بما تحب فهو استثناء. موقع الشبكة الإسلامية |