البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات د يحيى مصري

 123  124  125  126  127 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
النحت ، أو الاشتقاق الكُبّار (2) .    كن أول من يقيّم

قال الدكتور صبحي الصالح: "ولقد كان للنحت أنصارٌ من أئمة اللغة في جميع العصور، وكلّما امتدّ الزمان بالناس ازداد شعورهم بالحاجة إلى التوسّع في اللغة عن طريق هذا الاشتقاق الكُبّار[ النحت]، وانطلقوا يؤيدون شرعية ذلك التوسع اللغوي بما يحفظونه من الكلمات الفصيحات المنحوتات.
ولكن النحت ظلّ -مع ذلك- قصّة محكيّة، أو رواية مأثورة تتناقلها كتب اللغة بأمثلتها الشائعة المحدودة، ولا يفكر العلماء تفكيراً جِدّياً في تجديد أصولها وضبط قواعدها، حتى كانت النهضة الأدبية واللغوية في عصرنا الحاضر؛ وانقسم العلماء في النحت إلى طائفتين:
طائفة تميل إلى جواز النحت والنقل اللّفظي الكامل للمصطلحات،
وطائفة يمثّلها الكرملي حيث يرى: أن لغتنا ليست من اللّغات التي تقبل النحت على وجه لغات أهل الغرب كما هو مدوّن في مصنفاتها. والمنحوتات عندنا عشرات، أمّا عندهم فمئات، بل ألوف، لأنّ تقديم المضاف إليه على المضاف معروف عندهم، فساغ لهم النحت.
أما عندنا فاللغة تأباه وتتبرأ منه).
وقد وقف الدكتور صبحي الصالح من الطائفتين موقفاً وسطاً حيث يقول: "وكلتا الطائفتين مغالية فيما ذهبت إليه؛ فإن لكلّ لغة طبيعتها وأساليبَها في الاشتقاق والتوسّع في التعبير. وما من ريب في أنّ القول بالنحت إطلاقاً يفسد أمر هذه اللغة، ولا ينسجم مع النسيج العربي للمفردات والتركيبات، وربّما أبعد الكلمة المنحوتة عن أصلها العربي. وما أصوبَ الاستنتاج الذي ذهب إليه الدكتور مصطفى جواد حول ترجمة (الطب النفسي الجسمي psychosomatic)، فإنّه حكم بفساد النّحت فيه (خشية التفريط في الاسم بإضاعة شيء من أحرفه، كأن يقال: "النفسجي" أو النفجسمي" ممّا يبعد الاسم عن أصله، فيختلط بغيره وتذهب الفائدة المرتجاة منه".

16 - مارس - 2009
الثقافة .
أولو الكرامة والكشف.    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

بارك الله فيك أخي الحبيب أبا هشام ، وأجزل لك المثوبة.
 
* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ)
 
" هنا إضمار أي: أهل السموات والأرض والجبال.
وقيل أحياها وأعْقَلَها، وهو كقوله: { ائتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } [فصلت: 11].
{ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا }: أي أبين أنْ تَخُنَّ فيها، { وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ }: أي خان فيها. وهم مراتب: فالكفار خانوا في الأصل الأمانة - وهي المعرفة - فكفروا. ومَنْ دُونَهم خانوا بالمعاصي، وبعضهم أَشَدُّ وبعضهم أهْوَن، وكلُّ احتقب من الوِزْرِ مقدارَه.
ويقال " أبين " إِباءَ إشفاقٍ لا إِباء استكبارٍ، واستعفين... فعفا عنهن، وأعفاهن مِنْ حَمْلها.
{ وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ }: قَبِلَها ثم ما رعَوها حقَّ رعايتِها.. كلٌّ بقدره.
{ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } بصعوبة حَمْلِ الأمانة في الحال، والعقوبة التي عليها في المآل. وقومٌ قالوا عَرَضَ الأمانةَ على السمواتِ والأرضِ وعَرَضَها على الإِنسان، فهن استعفين وهؤلاء لم يستعفوا ولم يراعوا.
ويقال: الأمانة القيام بالواجباتِ أصولِها وفروعِها.
ويقال: الأمانة التوحيد عقداً وحفظ الحدود جهداً.
ويقال: لمَّا حَمَلَ آدمُ الأَمانة وأولاده قال تعالى:
وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحَرِ }
[الإسراء: 70].. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
ويقال حمل الإنسانُ بالله لا بنَفْسِه. ويقال ظَلَمَ نَفْسَه حيث لم يُشْفِقْ مما أشفقت منه السمواتُ والأرضون. والظُلْمُ وَضْعْ الشيءِ في غير موضعه.
ويقال كاشَفَ السمواتِ والأرضَ بوصف الربوبية والعظمة فأشفقوا، وكاشَفَ آدمَ وذُرِّيَتَه بوصف اللطفِ فقَبِلوا وحملوا، وفي حال بقاء العبد يا لله يحمل السمواتِ والأرضَ بشعرة من جَفْنِه. ويقال كانت السموات والأرض أصحاب الجثث والمباني فأشفقوا من حَمْل الأمانة. والحِمْلُ إنما تحمله القلوب. وآدم كان صاحبَ معنًى فَحَمل، وأنشدوا:
حملت جبال الحكم فوقي وإنني
**
لأَعْجَزُ عن حمل القميص وأضعفُ
ويقال لما عَرَضَ الحقُّ الأمانةَ على الخَلْقِ عَلَّقَ آدمُ بها هَمَّتَه، فصرف بهمته جميع المخلوقات عنها، فلمَّا أبوا وأشفقوا حَمَلَها الإنسانَ طوعاً لا كرهاً.
 
 

16 - مارس - 2009
الأمانة
تفسير أهل البيت ، على رسول الله السلام وعليهم أجمعين.    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ)
 
فالأمانة على هذا ما أودع الله السماوات والأرض والجبال من الدلائل على وحدانيته وربوبيته فأظهرتها والإِنسان الكافر كتمها وجحدها لظلمه وجهله وبالله التوفيق ولم يرد بقوله الإِنسان جميع الناس بل هو مثل قوله:
إن الإِنسان لفي خسر }[العصر: 2]، وإن الإِنسان لربه لكنود }
[العاديات: 6].
 وأما الإِنسان إذا ما ابتلاه ربه والأنبياء والأولياء والمؤمنون عن عموم هذه الآية خارجون، ولا يجوز أن يكون الإِنسان محمولاً على آدم (ع) لقوله:
إن الله اصطفى آدم }[آل عمران: 33]
 وكيف يكون من اصطفاه الله من بين خلقه موصوفاً بالظلم والجهل.
ثم بيَّن سبحانه الغرض الصحيح والحكمة البالغة في عرضه هذه الأمانة فقال { ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات } : يعني بتضييع الأمانة. قال الحسن: هما اللذان حملاهما ظلماً وجهلاً { ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات } بحفظهم الأمانة ووفائهم، وهذا هو الغرض بالتكليف عند من عرف المكلف والمكلف
فالمعنى: إنا عرضنا ذلك ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذّبهم الله ويظهر إيمان المؤمن فيتوب الله عليه إن حصل منه تقصير في بعض الطاعات { وكان الله غفوراً } أي ستّاراً لذنوب المؤمنين { رحيماً } بهم.
 

16 - مارس - 2009
الأمانة
طغيتُ ، و طغوتُ.    كن أول من يقيّم

البحث في لسان العرب


البحث عن جذر طغي في لسان العرب

الأَزهري: الليث الطُّغْيانُ والطُّغْوانُ لغةٌ فيه، والطَّغْوَى بالفتح مثلُه، والفِعْل طَغَوْت وطَغَيْت، والاسم الطَّغْوَى. ابن سيده: طَغَى يَطْغى طَغْياً ويَطْغُو طُغْياناً جاوَزَ القَدْرَ وارتفع وغَلا في الكُفْرِ...
والطاغوتُ، يقعُ على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث: وزْنُه فَعَلُوتٌ إنما هو طَغَيُوتٌ، قُدِّمتِ الياءُ قبل الغَيْن، وهي مفتوحة وقبلها فَتْحَةٌ فَقُلِبَتْ أَلِفاً. وطاغُوتٌ، وإِن جاء على وزن لاهُوتٍ فهو مَقْلُوبٌ لأَنه من طَغَى، ولاهُوت غير مَقْلوبٍ لأَنه من لاه بمَنْزِلة الرَّغَبُوت والرَّهَبُوتِ، وأَصل وَزْن طاغُوتٍ طَغَيُوت على فَعَلُوتٍ، ثم قُدِّمَتِ الياءُ قبل الغينِ مُحافَظَة على بَقائِها فَصار طَيَغُوت، ووَزْنُه فَلَعُوت، ثم قُلِبت الياء أَلفاً لتَحَرُّكها وانفتاح ما قبلها فصار طاغُوت. وقوله تعالى: يُؤْمنُون بالجِبْتِ والطَّاغُوت؛ قال الليث: الطاغُوت تاؤها زائدةٌ وهي مُشْتَقَّةٌ من طَغَى، وقال أَبو إِسحق: كلُّ معبودٍ من دون الله عز وجلّ جِبْتٌ وطاغُوتٌ، وقيل: الجِبْتُ والطَّاغُوتُ الكَهَنَةُ والشَّياطينُ، وقيل في بعض التفسير: الجِبْتُ والطَّاغُوت حُيَيُّ بن أَخْطَبَ وكعبُ بنُ الأَشْرفِ اليَهودِيّانِ؛ قال الأَزهري: وهذا غيرُ خارج عَمَّا قال أَهل اللغة لأَنهم إذا اتَّبَعُوا أَمرَهما فقد أَطاعُوهما من دون الله. وقال الشَّعبيُّ وعطاءٌ ومجاهدٌ: الجِبْتُ السِّحرُ، والطاغوتُ: الشيطان: والكاهِنُ وكلُّ رأْسٍ والطاغِيةُ: مَلِكُ الرُّومِ. الليث: الطاغِيةُ الجَبَّارُ العَنيدُ. ابن شميل: الطاغِيةُ الأَحْمَقُ المسْتَكْبِرُ الظالِمُ. وقال شمر: الطَّاغِيَة الذي لا يُبالي ما أَتى يأْكلُ الناسَ ويَقْهَرُهم، لا يَثْنِيه تَحَرُّجٌ ولا فَرَقٌ.

16 - مارس - 2009
الثقافة .
...وبارك الله فيك يا أبا أحمد    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ)
ذكر جل وعلا في الآية الكريمة: أنه عرض الأمانة، وهي التكاليف مع ما يتبعها من ثواب وعقاب، على السماوات والأرض والجبال، وأنهن أبين أن يحملنها، وأشفقن منها: أي خفن من عواقب حملها أن ينشأ لهن من ذلك عذاب الله وسخطه، وهذا العرض والإباء، والإشفاق كله حق، وقد خلق الله للسماوات والأرض والجبال إدراكاً بعلمه هو جل وعلا، ونحن لا نعلمه، وبذلك الإدراك أدركت عرض الأمانة عليها، وأبت وأشفقت أي خافت.
ومثل هذا تدل عليه آيات وأحاديث كثيرة، فمن الآيات الدالة على إدراك الجمادات المذكورة قوله تعالى في سورة البقرة في الحجارة:

وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ }
[البقرة: 74] فصرح بأن من الحجارة ما يهبط من خشية الله، وهذه الخشية التي نسبها الله لبعض الحجارة بإدراك يعلمه هو تعالى:
ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى:
تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَاوَاتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ }[الإسراء: 44] الآية. ومنها قوله تعالى:
وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ }
[الأنبياء: 79] الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
ومن الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك قصة حنين الجذع، الذي كان يخطب عليه النبي صلى الله عليه وسلم لما انتقل بالخطبة إلى المنبر، وهي في صحيح البخاري وغيره.
ومنها: ما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" إني لأعرف حجراً كان يسلم عليَّ في مكة " وأمثال هذا كثيرة، فكل ذلك المذكور في الكتاب والسنة، إنما يكون بإدراك يعلمه الله، ونحن لا نعلمه. كما قال تعالى:
وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ }
[الإسراء: 44] ولو كان المراد بتسبيح الجمادات، دلالتها على خالقها لكنا نفقهه، كما هو معلوم وقد دلت عليه آيات كثيرة.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } الظاهر أن المراد بالإنسان آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وأن الضمير في قوله: { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [الأحزاب: 72] راجع للفظ الإنسان مجرداً عن إرادة المذكور منه الذي هو آدم:
والمعنى: أنه أي الإنسان الذي لا يحفظ الأمانة كان ظلوماً جهولاً: أي كثير الظلم والجهل، والدليل على هذا أمران.
أحدهما: قرينة قرآنية دالة على انقسام الإنسان في حمل الأمانة المذكورة إلى معذب ومرحوم في قوله تعالى بعده متصلاً به:

لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }
[الأحزاب: 73] فدل هذا على أن الظلوم الجهول من الإنسان، هو المعذب والعياذ بالله، وهم المنافقون، والمنافقات، والمشركون، والمشركات، دون المؤمنين والمؤمنات. واللام في قوله: ليعذب: لام التعليل وهي متعلقة بقوله: وحملها الإنسان.

الأمر الثاني: أن الأسلوب المذكور الذي هو رجوع الضمير إلى مجرد اللفظ دون اعتبار المعنى التفصيلي معروف في اللغة التي نزل بها القرآن، وقد جاء فعلاً في آية من كتاب الله، وهي قوله تعالى:
وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ }
[فاطر: 11]، لأن الضمير في قوله: ولا ينقص من عمره: راجع إلى لفظ المعمر دون معناه التفصيلي. كما هو ظاهر، وقد أوضحناه في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى:
وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً }
[الفرقان: 61] وبينا هناك أن هذه المسألة هي المعروفة عند علماء العربية بمسألة عندي درهم ونصفه: أي نصف درهم آخر كما ترى. وبعص من قال من أهل العلم إن الضمير في قوله: { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } عائد إلى آدم، قال المعنى: أنه كان ظلوماً لنفسه جهولاً: أي غراً بعواقب الأمور، وما يتبع الأمانة من الصعوبات، والأظهر هو ما ذكرنا والعلم عند الله تعالى.

17 - مارس - 2009
الأمانة
حياك الله وبياك يا أبا أحمد: الأستاذ ياسين الشيخ سليمان.    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) .
استئناف ابتدائي أفاد الإنباء على سنة عظيمة من سنن الله تعالى في تكوين العالم وما فيه وبخاصة الإِنسان ليرقب الناس في تصرفاتهم ومعاملاتهم مع ربهم ومعاملاتهم بعضهم مع بعض بمقدار جريهم على هذه السنة ورعيهم تطبيقها فيكون عرضهم أعمالهم على معيارها مشعراً لهم بمصيرهم ومبيناً سبب تفضيل بعضهم على بعض واصطفاء بعضهم من بين بعض.
وموقع هذه الآية عقب ما قبلها، وفي آخر هذه السورة يقتضي أن لمضمونها ارتباطاً بمضمون ما قبلها، ويصلح عوناً لاكتشاف دقيق معناها وإزالة ستور الرمز عن المراد منها، ولو بتقليل الاحتمال، والمصير إلى المآل.
والافتتاح بحرف التوكيد للاهتمام بالخبر أو تنزيله لغرابة شأنه منزلة ما قد ينكره السامع.
وافتتاح الآية بمادة العَرض، وصَوغها في صيغة الماضي، وجعل متعلقها السماوات والأرض والجبال والإنسان يُومِئ إلى أن متعلق هذا العَرض كان في صعيد واحد فيقتضي أنه عرْض أَزَلي في مبدأ التكوين عند تعلق القدرة الربانية بإيجاد الموجودات الأرضية وإيداعها فُصُولها المقوّمة لمواهيها وخصائصها ومميزاتها الملائمة لوفائها بما خلقت لأجله كما حمل قوله:

وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم }[الأعراف: 172] الآية.
واختتام الآية بالعلّة من قوله:
ليعذب الله المنافقين والمنافقات }
[الأحزاب: 73] إلى نهاية السورة يقتضي أن للأمانة المذكورة في هذه الآية مزيد اختصاص بالعبرة في أحوال المنافقين والمشركين من بين نوع الإِنسان في رعي الأمانة وإضاعتها.
فحقيق بنا أن نقول: إن هذا العَرض كان في مبدأ تكوين العالم ونوعِ الإنسان لأنه لما ذكرت فيه السماوات والأرض والجبال مع الإِنسان علم أن المراد بالإِنسان نوعه لأنه لو أريد بعض أفراده ولو في أول النشأة لمَا كان في تحمل ذلك الفرد الأمانة ارتباطٌ بتعذيب المنافقين والمشركين، ولَمَا كان في تحمل بعض أفراده دون بعض الأمانةَ حكمة مناسبة لتصرفات الله تعالى.
فتعريف { الإنسان } تعريف الجنس، أي نوع الإِنسان.
والعرض: حقيقته إحضار شيء لآخر ليختاره أو يقبله ومنه عَرْضُ الحوض على الناقة، أي عرضه عليها أن تشرب منه، وعرضُ المجنَّدين على الأمير لقبول من تأهل منهم. وفي حديث ابن عمر: " عُرِضَتُ على رسول الله وأنا ابن أربع عشرة فردني وعُرِضتُ عليه وأنا ابن خمس عشرة فأجازني ". وتقدم عند قوله تعالى:
أولئك يعرضون على ربهم }
في سورة هود [18]، وقوله:وعرضوا على ربك صفاً }في سورة الكهف [48].فقوله: { عرضنا } هنا استعارة تمثيلية لوضع شيء في شيء لأنه أهل له دون بقية الأشياء، وعدم وضعه في بقية الأشياء لعدم تأهلها لذلك الشيء، فشبهت حالة صرف تحميل الأمانة عن السموات والأرض والجبال ووضعها في الإِنسان بحالة من يعرض شيئاً على أناس فيرفضه بعضهم ويقبله واحد منهم على طريقة التمثيلية، أو تمثيل لتعلق علم الله تعالى بعدم صلاحية السماوات والأرض والجبال لإِناطة ما عبر عنه بالأمانة بها وصلاحيةِ الإِنسان لذلك، فشبهت حالة تعلق علم الله بمخالفة قابلية السماوات والأرض والجبال بحمل الأمانة لقابلية الإِنسان ذلك بعرض شيء على أشياء لاستظهار مقدار صلاحية أحد تلك الأشياء للتلبس بالشيء المعروض عليها .
وفائدة هذا التمثيل تعظيم أمر هذه الأمانة إذ بلغت أن لا يطيق تحملها ما هو أعظم ما يبصره الناس من أجناس الموجودات. فتخصيص { السماوات والأرض } بالذكر من بين الموجودات لأنهما أعظم المعروف للناس من الموجودات، وعطف { الجبال } على { الأرض } وهي منها لأن الجبال أعظم الأجزاء المعروفة من ظاهر الأرض وهي التي تشاهد الأبصارُ عظمتها إذ الأبصار لا ترى الكرة الأرضية كما قال تعالى:لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله [الحشر: 21].
وقرينة الاستعارة حالية وهي عدم صحة تعلق العرض والإِباء بالسماوات والأرض والجبال لانتفاء إدراكها فأنّى لها أن تختار وترفض، وكذلك الإنسان باعتبار كون المراد منه جنسه وماهيته لأن الماهية لا تفاوض ولا تختار كما يقال: الطبيعة عمياء، أي لا اختيار لها، أي للجبلة وإنما تصدر عنها آثارها قسراً.
ولذلك فأفعال { عَرضنا، أبَيْن، يحملنها، وأشفقن منها، وحملها } أجزاء للمركب التمثيلي. وهذه الأجزاء صالحة لأن يكون كل منها استعارة مفردة بأن يشبه إيداع الأمانة في الإنسان وصرفها عن غيره بالعرض، ويشبه عدم مُصَحح مَواهي السماوات والأرض والجبال لإِيداع الأمانة فيها بالإِباء، ويشبه الإِيداع بالتحميل والحمل، ويشبه عدم التلاؤم بين مواهي السماوات والأرض والجبال بالعجز عن قبول تلك الكائنات إياها وهو المعبر عنه بالإِشفاق، ويشبه التلاؤم ومُصحِّح القبول لإِيداع وصف الأمانة في الإِنسان بالحمل للثقْل.
ومثل هذه الاستعارات كثير في الكلام البليغ. وصلوحية المركب التمثيلي للانحلال بأجزائه إلى استعارات معدود من كمال بلاغة ذلك التمثيل.
وقد عُدّت هذه الآية من مشكلات القرآن وتردد المفسرون في تأويلها تردداً دلّ على الحيرة في تقويم معناها. ومرجع ذلك إلى تقويم معنى العَرض على السماوات والأرض والجبال، وإلى معرفة معنى الأمانة، ومعرفة معنى الإِباء والإِشفاق.
فأما العرض فقد استبانت معانيه بما علمت من طريقة التمثيل. وأما الأمانة فهي ما يؤتمن عليه ويطالب بحفظه والوفاء دون إضاعة ولا إجحاف، وقد اختلف فيها المفسرون على عشرين قولاً وبعضها متداخل في بعض، ولنبتدئ بالإلمام بها ثم نعطف إلى تمحيصها وبيانها.
فقيل: الأمانة الطاعة، وقيل: الصلاة، وقيل: مجموع الصلاة والصوم والاغتسال، وقيل: جميع الفرائض، وقيل: الانقياد إلى الدين، وقيل: حفظ الفرج، وقيل: الأمانة التوحيد، أو دلائل الوحداينة، أو تجليات الله بأسمائه، وقيل: ما يؤتمن عليه، ومنه الوفاء بالعهد، ومنه انتفاء الغش في العمل، وقيل: الأمانة العقل، وقيل: الخلافة، أي خلافة الله في الأرض التي أودعها الإِنسان كما قال تعالى:
وإذ قال ربك للملائكة إِني جاعل في الأرض خليفة }[البقرة: 30] الاية.
وهذه الأقوال ترجع إلى أصناف: صنف الطاعات والشرائع، وصنف العقائد، وصنف ضد الخيانة، وصنف العقل، وصنف خلافة الأرض.
ويجب أن يطرح منها صنف الشرائع لأنها ليست لازمة لفطرة الإِنسان فطالما خلت أمم عن التكليف بالشرائع وهم أهل الفِتَر فتسقط ستة أقوال وهي ما في الصنف الأول.
ويبقى سائر الأصناف لأنها مرتكزة في طبع الإِنسان وفطرته.
فيجوز أن تكون الأمانة أمانة الإِيمان، اي توحيد الله، وهي العهد الذي أخذه الله على جنس بني آدم وهو الذي في قوله تعالى:

وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا }
وتقدم في سورة الأعراف [172]. فالمعنى: أن الله أودع في نفوس الناس دلائل الوحدانية فهي ملازمة للفكر البشري فكأنها عهْد عَهِد الله لهم به وكأنه أمانة ائتمنهم عليها لأنه أودعها في الجبلة مُلازِمة لها، وهذه الأمانة لم تودع في السماوات والأرض والجبال لأن هذه الأمانة من قبيل المعارف والمعارف من العلم الذي لا يتصف به إلا من قامت به صفة الحياة لأنها مصححة الإِدراك لمن قامت به، ويناسب هذا المحمل قولُه:
ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات }
[الأحزاب: 73]، فإن هذين الفريقين خالون من الإِيمان بوحدانية الله.
ويجوز أن تكون الأمانة هي العقل وتسميته أمانة تعظيم لشأنه ولأن الأشياء النفيسة تودع عند من يحتفظ بها.
والمعنى: أن الحكمة اقتضت أن يكون الإنسان مستودَع العقل من بين الموجودات العظيمة لأن خلقته مُلائمة لأن يكون عاقلاً فإن العقل يبعث على التغير والانتقال من حال إلى حال ومن مكان إلى غيره، فلو جعل ذلك في سماء من السماوات أو في الأرض أو في جبل من الجبال أو جميعها لكان سبباً في اضطراب العوالم واندكاكها. وأقرب الموجودات التي تحمل العقل أنواع الحيوان ما عدا الإِنسان فلو أودع فيها العقل لما سمحت هيئات أجسامها بمطاوعة ما يأمرها العقل به. فلنفرض أن العقل يسول للفرس أن لا ينتظر علفه أو سومه وأن يخرج إلى حناط يشتري منه علفاً، فإِنه لا يستطيع إفصاحاً ويضيع في الإِفهام ثم لا يتمكن من تسليم العوض بيده إلى فرس غيره. وكذلك غذا كانت معاملته مع أحد من نوع الإنسان.
ومناسبة قوله:
ليعذب الله المنافقين }[الأحزاب: 73] لهذا المحمل نظير مناسبته للمحمل الأول.
ويجوز أن تكون الأمانة ما يؤتمن عليه، وذلك أن الإِنسان مدني بالطبع مخالط لبني جنسه فهو لا يخلو عن ائتمان أو أمانة فكان الإنسان متحملاً لصفة الأمانة بفطرتِه والناس متفاوتون في الوفاء لما ائتمنوا عليه كما في الحديث:
" إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة " أي إذا انقرضت الأمانة كان انقراضها علامة على اختلال الفطرة، فكان في جملة الاختلالات المنذرة بدنو الساعة مثل تكوير الشمس وانكدار النجوم ودكّ الجبال.والذي بَيَّن هذا المعنى قولُ حذيفة: " حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جِذر قلوب الرجال ثم عَلِموا من القرآن ثم علموا من السنة، وحدثنا عن رفعها فقال: ينام الرجل النومةَ فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوَكْت، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المَجْل كجمر دَحرَجْتَه على رِجْلك فنفط فتراه منتبرًا وليس فيه شيء فيصبح الناس يتبايعون ولا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل: ما أعقله وما أظرفه وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان " أي من أمانة لأن الإِيمان من الأمانة لأنه عهد الله.
ومعنى عرض هذه الأمانة على السماوات والأرض والجبال يندرج في معنى تفسير الأمانة بالعقل، لأن الأمانة بهذا المعنى من الأخلاق التي يجمعها العقل ويصرّفها، وحينئذٍ فتخصيصها بالذكر للتنبيه على أهميتها في أخلاق العقل.
والقول في حَمل معنى الأمانة على خلافة الله تعالى في الأرض مثل القول في العقل لأن تلك الخلافة ما هيّأ الإِنسان لها إلا العقلُ كما أشار إليه قوله تعالى:
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة }[البقرة: 30] ثم قوله:وعلم آدم الأسماء كلها }[البقرة: 31] فالخلافة في الأرض هي القيام بحفظ عمرانها ووضع الموجودات فيها في مواضعها، واستعمالها فيما استعدّت إليه غرائزها.
وبقية الأمور التي فسر بها بعض المفسرين الأمانة يعتبر تفسيرها من قبيل ذكر الأمثلة الجزئية للمعاني الكلية.
والمتبادر من هذه المحامل أن يكون المراد بالأمانة حقيقتها المعلومة وهي الحفاظ على ما عُهد به ورعْيهُ والحذارُ من الإِخلال به سهواً أو تقصيراً فيسمى تفريطاً وإضاعة، أو عمداً فيسمى خيانة وخيساً لأن هذا المحمل هو المناسب لورود هذه الآية في ختام السورة التي ابتدئت بوصف خيانة المنافقين واليهود وإخلالهم بالعهود وتلونهم مع النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى:
ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار }
[الأحزاب: 15] وقال:من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه }
[الأحزاب: 23]. وهذا المحمل يتضمن أيضاً أقرب المحامل بعده وهو أن يكون هو العقل لأن قبول الأخلاق فرع عنه.
وجملة { إنه كان ظلوماً جهولاً } محلها اعتراض بين جملة { وحملها الإنسان } والمتعلق بفعلها وهو
ليعذب الله المنافقين }[الأحزاب: 73] الخ. ومعناها استئناف بياني لأن السامع خبرَ أن الإِنسان تحمل الأمانة يترقب معرفة ما كان من حسن قيام الإِنسان بما حُمِّله وتحمّله وليست الجملة تعليلية لأن تحمل الأمانة لم يكن باختيار الإِنسان فكيف يعلل بأن حمله الأمانة من أجل ظلمه وجهله.
فمعنى { كان ظلوماً جهولاً } أنه قصّر في الوفاء بحق ما تحمله تقصيراً: بعضُه عن عمْد وهو المعبر عنه بوصف ظلوم، وبعضه عن تفريط في الأخذ بأسباب الوفاء وهو المعبر عنه بكونه جهولاً، فظلوم مبالغة في الظلم وكذلك جهول مبالغة في الجهلوالظلم: الاعتداء على حق الغير واريد به هنا الاعتداء على حق الله الملتزم له بتحمل الأمانة، وهو حق الوفاء بالأمانة.
والجهل: انتفاء العلم بما يتعين علمه، والمراد به هنا انتفاء علم الإِنسان بمواقع الصواب فيها تحمل به، فقوله: { إنه كان ظلوماً جهولاً } مؤذن بكلام محذوف يدل هو عليه إذ التقدير: وحملها الإِنسان فلم يف بها إنه كان ظلوماً جهولاً، فكأنه قيل: فكان ظلوماً جهولاً، أي ظلوماً، أي في عدم الوفاء بالأمانة لأنه إجحاف بصاحب الحق في الأمانة أيّاً كان، وجهولاً في عدم تقديره قدر إضاعة الأمانة من المؤاخذة المتفاوتة المراتب في التبعية بها، ولولا هذا التقدير لم يلتئم الكلام لأن الإِنسان لم يحمل الأمانة باختياره بل فُطَر على تحملها.
ويجوز أن يراد { ظلوماً جهولاً } في فطرته، أي في طبع الظلم، والجهل فهو معرض لهما ما لم يعصمه وازع الدين، فكان من ظلمه وجهله أن أضاع كثير من الناس الأمانة التي حملها.
ولك أن تجعل ضمير { إنه } عائداً على الإِنسان وتجعل عمومه مخصوصاً بالإِنسان الكافر تخصيصاً بالعقل لظهور أن الظلوم الجهول هو الكافر.
أو تجعل في ضمير { إنه } استخداماً بأن يعود إلى الإنسان مراداً به الكافر وقد أطلق لفظ الإِنسان في مواضع كثيرة من القرآن مراداً به الكافرُ كما في قوله تعالى:
ويقول الإِنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حياً }[مريم: 66] الآية قوله:يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم }[الانفطار: 6] الآيات.
وفي ذكر فعل { كان } إشارة إلى أن ظلمه وجهله وصفان متأصلان فيه لأنهما الغالبان على أفراده الملازمان لها كثرة أو قلة.
فصيغتا المبالغة منظور فيهما إلى الكثرة والشدة في أكثر أفراد النوع الإِنساني والحكم الذي يسلط على الأنواع والأجناس والقبائل يراعى فيه الغالب وخاصة في مقام التحذير والترهيب. وهذا الإِجمال يبينه قوله عقبه: { ليعذب الله المنافقين } إلى قوله
ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات }
[الأحزاب: 73] فقد جاء تفصيله بذكر فريقين: أحدهما: مضيع للأمانة والآخر مراعٍ لها.
ولذلك أثنى الله على الذين وَفّوا بالعهود والأمانات فقال في هذه السورة

وكان عهد الله مسئولاً }[الأحزاب: 15] وقال فيها:من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه }[الأحزاب: 23] وقال:واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد }[مريم: 54] وقال في ضد ذلك:وما يضل به إلا الفاسقين، الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه }
[البقرة: 26، 27] إلى قوله:أولئك هم الخاسرون }[البقرة: 27].

17 - مارس - 2009
الأمانة
فهوم وطعوم ، وفي كلٍّ خيرٌ.    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

                         تفسيرالزيدية
 
*** تفسير فرات الكوفي (ت القرن 3 هـ)
فرات [قال: حدثني. أ، ب] علي بن عتاب معنعناً:
عن فاطمة الزهراء [أ، ب: بنت محمد] عليها السلام قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
" لما عرج بي إلى السماء صرت إلى سدرة المنتهى { فكان قاب قوب قوسين أو أدنى } [9/ النجم] فأبصرته بقلبي ولم أره بعيني، فسمعت أذاناً مثنى مثنى وإقامة وتراً وتراً فسمعت منادياً ينادي: يا ملائكتي وسكان سماواتي وأرضي وحملة عرشي اشهدوا أني لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، قالوا: شهدنا وأقررنا، قال: اشهدوا يا ملائكتي وسكان سماواتي وأرضي وحملة عرشي بأن [ر (خ ل): أن] محمداً عبدي ورسولي، قالوا: شهدنا وأقررنا، قال: اشهدوا يا ملائكتي وسكان سماواتي وأرضي وحملة عرشي بأن [ر: ان] علياً وليي وولي رسولي وولي المؤمنين بعد رسولي، قالوا: شهدنا وأقررنا. " قال: عباد بن صهيب قال: جعفر بن محمد قال أبو جعفر [عليهما السلام. ب، ر]: وكان ابن عباس رضي الله عنه: إذا ذكر [هذا الحديث. ر، ب] فقال!: إني لأجده في كتاب الله تعالى: { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً } قال: فقال ابن عباس [رضي الله عنه. ر]: والله ما استودعهم ديناراً ولا درهماً ولا كنزاً من كنوز الأرض ولكنه أوحى إلى السماوات والأرض والجبال من قبل أن يخلق آدم عليه [الصلاة و. أ، ر] السلام: إني مخلف فيك الذرية ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أنت فاعلة بهم؟‍ إذا دعوك فأجيبيهم وإذا آووك فآويهم، وأوحى إلى الجبال إذا دعوك فأجيبيهم وأطيعي [ظ: وأطبقي] على عدوهم فأشفقن منها السماوات والأرض والجبال عما سأله الله من الطاعة فحملها بني [ر، أ: بنو] آدم فحملوها. قال عباد قال جعفر: والله ما وفوا بما حملوا [ب: حملهم] من طاعتهم.
*** تفسير الأعقم (ت القرن 9 هـ)
 اختلفوا في الأمانة قيل: الطاعة لله، وقيل: الفرائض وحدود الدين، وقيل: ما أمر به ونهى عنه، وقيل: ما يخفى من الشرائع كالصوم والاغتسال ونحوه، وقيل: هي أمانات الوفاء بالعقود والعهود عن ابن عباس، واختلفوا في معنى الآية قيل: إنا عرضنا الأمانة أي العبادات والتكاليف بما في أدائها من الثواب وفي تضييعها من العقاب { على السماوات والأرض } أهل السماوات والأرض والجبال كقوله:واسأل القرية }[يوسف: 82] وأهل السماء الملائكة، وأهل الأرض والجبال الجن والإِنس { فأبين أن يحملنها } أي امتنعوا أن يخونوا فيها، والمراد يحملن تضييع الأمانة { وأشفقن } من ذلك { وحملها الإِنسان } بالتضييع فتركها وخانها بالتضييع عن أبي علي، وقيل: هذا على التقدير، أي لو كانت السماوات والأرض والجبال مع عظمها حية قادرة عالمة ثم عرضت عليها هذه الأمانة بما فيها من الوعد والوعيد عرض تخيير خافت حملها لما فيه من الوعيد { وحملها الإِنسان } ولم يخف الوعيد لحمله وظلمه، وعلى هذا الحمل ما روي عن ابن عباس أنها عرضت على السماوات فأبت وأشفقت { ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات } بتضييع الأمانة والتوحيد { ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً } لمن تاب وأصلح.
 
               تفسير الإباضية:
 
* تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ)
قوله: { إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا }. قال بعضهم: عرض عليهن الطاعة والمعصية، والثواب والعقاب.وقال الكلبي: إنه عرض العبادة على السماوات والأرض والجبال ليأخذنها بما فيها. قلن: وما فيها؟ قيل: إن أحسنتن جوزيتن، وإن أسأتن عوقبتن. فأبين أن يحملنها، وعرضها على الإِنسان، والإِنسان آدم، فقبلها. ذكر إبراهيم بن محمد عن صالح مولى التوْءَمة عن ابن عباس قال: الأمانة التي حملها ابن آدم: الصلاة والصوم والغسل من الجنابة.
ذكروا عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" قال الله: ثلاث من حفظهن فهو عبدي حقاً، ومن ضيعهن فهو عدوي حقاً: الصلاة والصوم والغسل من الجنابة ".
ذكروا عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ائتمن ابن آدم على ثلاثة: على الصلاة، ولو شاء قال: صليت [ولم يصل]، وعلى الصيام، ولو شاء قال: صمت [ولم يصم]، وعلى الغسل من الجنابة، ولو شاء قال: قد اغتسلت [ولم يغتسل] " قال: ثم تلا هذه الآية: يَوْمَ تُبْلَى السَّرَآئِرُ }[الطارق: 9].
قال تعالى: { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً } أي: لنفسه { جَهُولاً } بدينه؛ وهذا المشرك.
ذكروا عن الحسن أنه قرأ هذه الآية: { إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ... } إلى قوله:
{ وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً لِّيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ } فقال: هما والله اللذان ظلماها، وهما اللذان خاناها: المنافق والمشرك.
 
* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ)
{ إنا عرضنا الأمانة على السمٰوات والأرض والجبال } أتحمل هذه الأمانة بما فيها قلن: وما فيها؟ قال: إن أحسنتن جوزيتن وظفِرتن بالجنة وإن أسأتن عوقبتن بالنار وقد ركب فيهن العقل إذ ذاك وذلك قبل خلق آدم.
{ فأبين } امتنعن.{ أن يحملنها وأشفقن منها } تعظيماً لدينه أن يضيعنه وقلن: لا نريد ثواباً ولا عقاباً نحن مسخرات لأمرك وكان العرض عليهن تخييراً لا إلزاماً وإلا لما أبين. { وحملها الإنسان } آدم وتلك الأمانة جميع الفرائض عند الجمهور وبه قال: ابن عباس والكلبي ومجاهد، قال الكلبي:
قال الله عز وجل لآدم: إني عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال ولم تطقها وخافت أن لا تقوم بها فيلحقها العذاب فهل أنت آخذها بما فيها؟ فقال: يا رب وما فيها، قال: إن أحسنت جوزيت، وإن أسأت عوقبت فتحملها فقال: بين أذني وعاتقي فقال: أما إذا تحملت فسأعينك وأجعل لبصرك حجاباً فإذا خشيت أن تنظر إلى ما لا يحل فسأرخي عليه حجابه ،وأغلق لحييك على لسانك إذا خفت منه واجعل لفرجك لباساً فلا تكشفه على ما حرمت عليك. قال مجاهد: فما كان بين أن حملها وبين أن خرج من الجنة إلا مقدار ما بين الظهر والعصر. وقال ابن مسعود: الأمانة الصلاة والزكاة وصوم رمضان وحج البيت وصدق الحديث وقضاء الدين والعدل في الكيل والوزن وأشد من هذ كله الودائع حتى إنّ ابن عباس في رواية فسّر الأمانة بالودائع والوفاء بالعهود، وقال زيد بن أسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
 " أيأتمن الله ابن آدم على ثلاث الصلاة ولو شاء قال: صليت وعلى الصيام ولو شاء قال: صمت على الغسل من الجنابة ولو شاء قال: قد اغتسلت ثم تلا الآية وتلا" يوم تبلى السرائر " وهذا قول ابن عباس في رواية إبراهيم بن محمد بن صلاح قال الله سبحانه: ثلاث من حفظهن فهو عبدي حقاً ومن ضيعهن فهو عدوي حقاً: الصلاة والصوم والغسل من الجنابة. وقال عبدالله بن عمر وابن العاصي بإسكان الميم وإثبات الياء بعد الصاد وتركها أول ما خلق الله من الإنسان الفرج وقال: هذه الأمانة استودعكها الله فالفرج أمانة والأذن أمانة والعين أمانة واليد أمانة ولا إيمان لمن لا أمانة له، وقيل: صوم رمضان وغسل الجنابة وما خفي من الشرائع. ويجوز أن لا يكون تم عرض على السماوات والأرض والجبال حقيقة ولا على الإنسان حقيقة ولكن المعنى إنا خلقنا السماوات والأرض والجبال على حالة لا يليق بهن حمل الأمانة وخلقنا الإنسان على حالة تقبل حملها فامتناعهن عن الحمل عدم إمكان الحمل وقَبول الإنسان إمكان الحمل ويجوز أن يريد بقوله { فأبين أن يحملنها } فأبين أن يضمنها فإن الشيء إذا ضيعته فأنت حامل له مترتب في ذمتك؛ أي علمن أنهن لا يقدرن فلو قبلتها لضيعتها وكان ديناً عليهن، ومعنى حمل الإنسان لها كونها ديناً عليه لازماً له معاقباً به لتضييعه إياها المترتب على قبوله إياها، وقيل: عرضت عليهن أمانة وهن الخضوع والانقياد فامتنعن أن تكن حاملات لها أي ضامنات أي لا يضيعن فضلاً عن أن يضمنها بل وفين بها بخلاف الإنسان، وقيل: المراد عرضناها على أهلهن وهو الملائكة فإنهم في الأرض والجبال والسماوات.


 
 
 
 

18 - مارس - 2009
الأمانة
ضياء نامه    ( من قبل 9 أعضاء )    قيّم

ضياء نامه: كتاب  ضياء
وليس خافيا أن المقصود بضياء هنا الأستاذة ضياء راعية هذه المجالس، وقد أراد شاعرنا التورية بهذا العنوان البديع، وإليكم التفسير:
نامه في اللغات الهندو- فارسية هو رسالة
الضَّوءُ: الضِّياءُ... في حديث بَدْءِ الوَحْي: يَسْمَعُ الصَّوْتَ ويَرَى الضَّوءَ؛ أَي ما كان يَسمع من صوت المَلَك ويراه مِن نُوره وأَنْوارِ آياتِ رَبِّه.. وفي شعر العباس [ أخاطب فيه ديوان ضياء نامه]:
وأَنْتَ، لمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَت الأَرضُ،
 
وضـاءَت، بِـنُـورِك، الأُفُـقُ
أستاذنا زهير يحمل رسالة نور، يريد أن يُضيءلنا من نوره قبساً من أنوار ربه.
لله درّك على هذا العنوان الذي يحمل بيديه مِصباحين،  مِصباح الأفق الواسع ، ومصباح رسالة الضياء..... رسالة النور . والأصالة لا تكون إلا حقاً..
أما الشجرة فهي رمز التجدد والعطاء الذي لا ينفَدُ، وأما العصفور فهو السعي الدؤوب إلى بلوغ الهدف.
مبارك لنا العنوان والشجرة والعصفور يا أيها الشاعر الأديب الذواقة الرسام......
مبارك لأستاذي زهير ولأستاذتي ضياء خانم  عدد أوراق الشجر ، وعدد أمواج البحر ، وعدد ذرات المطر......

20 - مارس - 2009
ديوان زهير
هذا عطرك يا زهير    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم

.........وكأني الآن مع سراة الوراق في حلب الشهباء.... وقدأكلنا من المحاشي والكبب.....ثم انطلقنا إلى قلعة حلب ، نستمع إلى الغناء الأصيل والطرب ، ثم ينتفض محمد هشام إلى الساحة يرقص مع صاحب الديوان وضيائه
وصباحه.....وترتفع زغاريد نسوة حلب ؛ مهنئة ومباركة للإمارات والسويدي وضياء نامه وزهير العجب ......
*
·       كشكول يحيى
                شعرالمبدع الأصيل زهير ظاظا
( أ )
*قليلٌ  ولكن في الحساب جليلُ  **  وكـل  كـثير في الكرام قليلُ
فيا جود يحيى أدِّ يحيى تحيتي  **  فما لي إلى يحيى سواك سبيل
وبلغ  سراة الجرح أني أحبهم  **  ولـكـنـني  فيما أحب بخيل
أنـام  بعلم الله ما بين أضلعي  **  عـلى  أحد ممن عرفت غليل
وأوثر حفظ الود مهما تجرحت  **  يـداه  ومـهما قيل عنه عليل
 
( ب )
*حـيـاك  يحيى ماثلا بجناني  **  سـمرُ الرفاق ومتعة الركبان
وسقاك  في هوليود بلبل غربة  **  فـي كـالـفورنيا بلا عنوان
ذكـرتـني  حلباً وقرة أعيني  **  فـيـها وليلي في قرى عزّان
وإذا  حننتُ لها جريتُ كنهرها  **  وإذا سـمعتُ به جمدتُ مكاني
وإذا نظرتَ رأيتَ في كشكولها  **  شعري القديم وأدمعي وجماني
ولأجل  ذاك وقفتُ في بستانكم  **  ورأيـت في كشكولكم سلواني
كـلـفـتـموني أن ألمّ عبيره  **  سـألـمّـه لو كان في إمكاني
 

21 - مارس - 2009
ديوان زهير
أهلاً بالأستاذة فاطمة ، وكل عام وأنت بخير.    كن أول من يقيّم

الخطاب النّسوي واللغة
بقلم الكاتبة: رباب هلال
 
لم تختلف النّسوية بكل اتجاهاتها ونظرياتها المختلفة، حتى الراديكالية المتحررة، التي بدت متطرفة في طروحاتها، حول ضرورة مشاركة الرجل في شتى ميادين الحياة، السياسية، الاقتصادية، الفكرية، الثقافية، والاجتماعية، الخ... وأن الكثير بين تلك النظريات أعلنت أنها لا تهدف إلى استبدال مركزية ذكورية بأخرى نسوية.‏
 
تُجمع النظريات النّسوية على مناهضة هيمنة القطب الواحد على العالم. وذلك لخلق التوازن، وتحقيق العدالة، وإصلاح ما أفسدته البطريركية الذكورية عبر قرون طويلة بمركزيتها الاستبدادية، وقطبها الواحد الذي هيمن على الحياة، وأودى بالبشرية إلى ما وصلت إليه من كوارث سياسية، اقتصادية، اجتماعية، وبيئية الخ... تلك البطريركية التي بدت الحياة معها كأنها حق للرجل وواجب على المرأة. وإمعاناً في استبداديتها فقد عملت على تشويه البشرية، نساءً ورجالاً، على حدٍّ سواء.‏
 
لابد للاستبداد، مهما طال الزمان به، أن ينشئ، من حيث لا يدري ولا يقصد ولا يريد، مقاومة تتعادل معها كفتا الميزان، فكانت النّسوية.‏
 
يشير مصطلح النسوية إلى كل من يعتقد بأن المرأة تأخذ مكانة أدنى من الرجل في المجتمعات التي تضع الرجال والنساء في تصانيف اقتصادية أو ثقافية مختلفة. وتصرّ النسوية على أن هذا الظلم ليس ثابتاً أو محتوماً، وأن المرأة تستطيع أن تغيّر النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي عن طريق العمل الجماعي. ومن هنا فإن المسعى النسوي هو تغيير وضع المرأة في المجتمع.‏
 
لقد حاولت فلسفة العلم النّسوية ، الرافضة للتفسير الذكوري الوحيد المطروح للعلم بنواتجه السلبية، إبراز وتفعيل جوانب ومجالات وقيم مختلفة خاصة بالأنثى، جرى تهميشها وإنكارها والحطّ من شأنها بحكم السيطرة الذكورية، في حين يجب أن يفسح لها المجال وتقوم بدور أكبر لإحداث توازن منشود في مسار الحضارة والفكر.‏
 
نشأت النسوية في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وهي في أصولها حركة سياسية تهدف إلى غايات اجتماعية تتمثل في حقوق المرأة وإثبات ذاتها ودورها.و قد توالد عنها فيما بعد فكر نسوي، وفي سبعينيات القرن العشرين نجم عنها فلسفة نسوية.‏
 
وانطلاقاً من مبدأ المشاركة، فإن النّسوية موقف، بإمكان كل من المرأة والرجل تبني مواقفها والسعي إلى تحقيق أهدافها.‏
 
يعتبر كتاب "استعباد النساء" 1968، للفيلسوف "جون مل ستيوارت"، إعلاناً للحركة النسوية والنص النسوي بكل المعايير وقبل ظهور مصطلح النّسوية ذاته. وقد استهل "مل" كتابه هذا بقناعاته الراسخة التي تؤمن بأن: "المبدأ الذي ينظّم العلاقات الاجتماعية الكائنة بين الجنسين، أي تبعية أحدهما القانونية للآخر، إنما هو مبدأ خاطئ في ذاته، وينبغي أن يحل محله مبدأ المساواة الكاملة التي لا تسمح بسلطة أو سيادة أحد الجانبين على الآخر...".‏
 
ظلت البطريركية الذكورية تعمل طوال عقود على حماية السلطة والسيادة أحادية القطب والمركزية، ولم يتوقف الأمر معها عند عدم إشراك المرأة والاعتراف بجدارتها وإمكانية اكتشاف قدراتها وممارسة خبراتها، وإنما على تهميشها وقمعها والنظر إليها على أنها آخر دوني، ولطالما نظر إليها على أنها شرٌّ. إلى أن رسخوا لديها تلك القناعة في أغلب الأحيان.‏
 
لم يقتصر بطاركة الاستبداد الذكوري على سلب المرأة حقها الطبيعي في تنمية وتطوير مجالات الحياة، أو على حرمانها من حقوقها القانونية والشخصية، وطمس أسماء كثيرات أسهمن وأبدعن في شتى مجالات العلم والفكر والأدب والبيئة الخ... أو على سلبها اسم عائلتها حين تصبح زوجة، لتنتمي بتبعية مطلقة إلى زوجها، ثم لتأتي الأمومة وتطمس أي اسم لها لتصبح أم فلان أو علان دون أية علامة فارقة. وإنما زادت البطريركية على ذلك بأن نبذتها من الخطاب اللغوي السائد.‏
 
ولا يغرّنا أو يفرحنا ما يتوجه به خطباء المنابر الرسمية والإعلامية بادئين الخطاب بتحية إلى السيدات أولاً ثم إلى السادة.. إلى الأخوات ثم الأخوة. ولن يتعدى ذلك تلك المقولة التي أفرزتها الإتيكيت الذكورية Ladys First، لماذا السيدات أولاً وكيف؟... من نافل القول إن لغة الاستبداد لغة منافقة.‏
 
جاء في تعريف اللغة أنها نسق من الإشارات والرموز يشكل أداة المعرفة، ويعمل على حفظ واستعادة منتجات الثقافة الروحية والعشرة البشرية. ومن دون اللغة يتعذر نشاط الإنسان المعرفي. فأفكار الإنسان تصاغ دوماً في قالب لغوي، حتى في حال تفكيره الباطني. واللغة ترمز إلى الأشياء المنعكسة فيها، فرموزها تبدو وكأنها تحل محل الأشياء المنعكسة فيها.‏
 
تبعاً لهذا التعريف فإن ما ينعكس في اللغة خطاب ذكوري مستبد، وعلى اعتبار أن هذا الخطاب قد همّش المرأة وجردها من الحضور الفعال، فإن المرأة غائبة. وبالتالي فإن اللغة لن تعكس ماهو غائب، وإن كانت اللغة تعكس الأشياء المنعكسة فيها، فهي مثل المرآة لا تعرف الكذب، ولن يكون بمقدورها أن تحجب أو تضيف أو تعكس تبعاً لمزاجيتها. ومن نافل القول إن اللغة مُختلقة وغير خالقة، مصنوعة وغير صانعة، فإن واقع حالها يدل على عدم الانحياد وعدم الموضوعية، وأن الصانع قد خلقها تبعاً لمزاجيته ومصالحه، حتى أنه بدا متناقضاً، وإلاَّ لكانت اللغة، بحسب التعريف المتفق عليه والموافق عليه من قبل البطاركة الذكوريين أنفسهم، قد عكست ماهو موجود فعلاً، لكانت عكست مفردات مثل: الأستاذة والدكتورة والمهندسة والنائبة والقاضية والتاجرة....، أم أن أولاء غير موجودات بالفعل، وأنهن مجرد أوهام وخيال وظلال؟!...‏
 
في اللغة العربية، اخترعت كلمة: أمَة، فلماذا لم تُكرّس مفردة عبدة مثلاً، مؤنث عبد، أم أنه وحده عبد الله مفرد لجمع عباد الله؟ وإن سميت إحداهن فإنه يطلق عليها الاسم المذكر والمصغّر (عبيدة)!! ألم يتوجه الخطاب القرآني، بوعده ووعيده إلى الذكور والإناث كل على حدة، وقد ذكر المؤمنين والمؤمنات، الصالحين والصالحات، القانتين والقانتات، الزانين والزانيات،....؟!..‏
 
في اللغة الفرنسية نجد أن كلمة Homme، وفي الإنجليزية كلمة men تعنيان الإنسان والرجل. أليس في ذلك تحيزاً يومياً للرجل في اللغة الاجتماعية؟ كما ما قالت به المنظرة النسوية "ديل سبيندر" 1980.‏
 
أما المنظرة النسوية "كيت ميليت" فقد قامت بتحليل للقوالب النمطية الأدبية في كتابها "السياسات المنحازة للرجل" 1970، والذي تستند عليه الدراسات النسوية الحالية للاستخدامات اللغوية.‏
 
كانت اللغويات (علم اللغة) من أبرز المجالات التي شهدت مدّاً لافتاً، ينطلق من مسلّمة معاصرة تقول: "إن اللغة ليست مجرد وسيط شفاف يحمل المعنى. بل هي مؤسسة اجتماعية محمّلة بأهداف ومعايير وقيم المجتمع المعني. وبالتالي قامت اللغة بدورها في تجسيد الذكورية المهيمنة، وهذا ما ينبغي كشفه توطيداً للتحرر منه". وتبعاً لهذه المسلّمة فإن اللغة صنيعة الرجل، أي الإنسان، وعليه فإن التشكيك وإعادة النظر فيها لن يكون كفراً أو جريمة، وخاصة أن هذه الصنيعة لم تكن منصفة حين ألغت من خطابها التعبيرات والمفردات الخاصة بالأنثى.‏
 
لقد عمل المنظّرون والمنظّرات، المفكرون والمفكرات، اللغويون واللغويات لإعادة التوازن والسلامة إلى عالم أعور وأعرج وأصم بالتأكيد، وإلاَّ لكان رأى وسمع وهرع بقدميه لوقف كوارث نتاج البطريركية الذكورية.‏
 
ألا يستدعي العجب وربما السخرية أن تكون عبارة بطريركية ذكورية مؤنثة؟!.. لا ضير عليهم إذن وهم يستدفئون في دورانية تاءات التأنيث، وحنان صدرها، حكمتها، حدسها الراداري، وعقلها الذي أهلّها لتكون على منزلة هامة من العلم والفلسفة والتصوف والأدب والإبداع بشتى مجالاته.‏
 
يجب على الأجيال اللاحقة تطوير ما أنتجه السابقون، والعمل على تحوير التنظير إلى واقع. لاشك أن الجهد كبير ويحتاج مؤسسات لتنفيذه. وإن كانت الألف ميل تبدأ بخطوة، فلماذا لا نبدأها في المناهج التربوية في مدارسنا التي تعتبر أول الخطو في التعلم والمعرفة، وندرج في الكتب إلى جانب ما له: ما لها، وما عليه: ما عليها. لم لا وقد باتت الأخت والأم والجدة والخالة والعمة والجارة مدرّسات وطبيبات، عالمات وتاجرات، سائقات وشرطيات، ومناضلات شهيدات الخ....‏
 
ربما ينفر مهتم جاد، من سخرية الحاضرين، ويسأل عن حجم البلبلة وحجم الأزمة التي ستنجم عن استهلاك مزيد من الحبر والورق والجهد والوقت الذي قد يطول لاستيعاب الأمر وتمثله!‏
 
أما بالنسبة للزمن الذي يقتضي فيه تمثل لغة الأنوثة وحضورها في اللغة، فإنه باعتقادي يوازي ما احتاجه البطاركة الذكور سابقاً للتصديق بكروية الأرض.‏
 
أي اختصار مرير يربك ويفقد التوازن؟.. اختصار الكلمات والمفردات الموجهة للمرأة، أم اختصار حضور المرأة الفعال والحقيقي؟ هذا الحضور الذي دفعت النساء ثمنه غالياً خلال ألفي سنة مضت.‏
 
إن الصراع والنضال من أجل قضية المرأة وتحررها، الذي بدأ مع "ماري ولستو نكرفت"، مروراً بقاسم أمين، نظيرة زين الدين، هدى شعراوي، ومن لويس آلتوسير إلى كيت ميليت، وجولييت ميتشل، وغاياتري سبيفاك... لن ينتهي بالتأكيد والحال على ما هي عليه!!!..‏
 
المراجع:‏
1-النّسوية وفلسفة العلم-د.يمنى لطيف الخولي، عالم الفكر، المجلد 34.‏
2-النّسوية وما بعد النّسوية ، سارة جامبل، ترجمة: أحمد الشامي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة

21 - مارس - 2009
الأدب النّسويّ
 123  124  125  126  127