البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات الدكتور مروان العطية

 11  12  13  14  15 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
والجواب الثالث    كن أول من يقيّم

وعلى هذا فتصوُّر السائل أن البخاري أوّل من كتب السنة خطأ كبير، وهو أكبر أخطائه؛ لأن كتب السنة قبل البخاري المطبوعة مشهورة جدًّا لدى عامة طلاب العلم ومتداولة بينهم. وإنما ميّز صحيح البخاري أنه أنقى هذه الكتب وأصحّها. ولم يميّزه أنه أول من كتب، أو من أوائل من كتب.
وبذلك أكون قد ذكرت جوابًا ثانياً على السائل، وهو أن الأمّة لم تنتظر البخاري حتى يجمع السنة، بل جمعتها بين حفظ في الصدور وحفظ في السطور من الجيل الأول (جيل الصحابة)، وما زالت الكتابة تزداد انتشارًا وبقوّة كلّما ازدادت الحاجة إليها، مع امتداد العصر الإسلامي، وتولّى هذا الجمع كبار الأمة في جميع أقطار العالم الإسلامي، من طبقة شيوخ البخاري، وشيوخ شيوخه، وشيوخ شيوخ شيوخ البخاري (وهم التابعون غالبًا أو من الصحابة).
والجواب الثالث: أن البخاري لمّا أن ألّف هذا الكتاب، كان زمنه مليئًا بملايين المسلمين، وألوف العلماء والمعتنين بالعلوم الإسلاميّة وعلوم السنة خاصّة. فلو كان ما كتبه اختلاقًا أو خطأ، لتسارع الناس إلى إنكاره، وإلى محاسبة الفاعل، بل كان للبخاري حُسّاد ومنافسون له، كما هو متوقّع لكل عالم يتميز على أقرانه، وقد اشتهر في سيرته ما واجهوه به من الأذى المتكرّر، إلى وفاته رحمه الله. ومع ذلك كُلّه: لم يطعن أحدٌ في كتابه، ولا شكك أحدٌ في زمنه ولا بعد زمنه فيه، بل تلقّته الأمةُ بالقبول، دون منازع أو منكر، هل يمكن أن يحصل ذلك، مع عدم قداسة البخاري عند المسلمين، بل مع وجود المشاركين له في علمه، بل مع وجود المنافسين له وأصحاب الغيرة الذين لم يتأخروا عن إيذائه؛ فلماذا لم يطعنوا في كتابه، وما بالهم آذوه في أمور عديدة دون أن يتجرؤوا على الطعن في كتابه؟!!
رابعًا: قال السائل: "وَفْقًا له لنتحقق أن أي حديث يكون صحيحًا فيجب أن ترجع للقرآن".
الجواب الأول: وَفْقًا لماذا؟ بعد أن رأى السائلُ نفسُه أن تصوّراته السابقة كلّها كانت خاطئة، وأن خطأه فيها يدل على بُعْد كبير جدًّا عن علوم السنة، وبالتالي فما بُني على خطأ كبير فهو خطأٌ كبير، بل هو الخطأ الأكبر!!
الجواب الثاني: ماذا يقصد السائل بالرجوع إلى القرآن لمعرفة الصحيح من السنة؟ لأن للمروي عن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- مقابل القرآن الكريم حالات أربعًا، لنفصّلها الآن لنعرف كيف نَنْقُدُ السنة المرويّة بالقرآن الكريم:
الحالة الأولى: أن يكون الوارد في السنة موافقًا تماماً ما جاء في القرآن، دون زيادة أو نقص، ودون معارضة في الظاهر أو في الباطن، ومثال ذلك: توحيد الله تعالى، ووجوب الصلاة، والزكاة، وصيام رمضان، والحج. فتوحيد الله تعالى ووجوب هذه الأركان (دون صفاتها) قد ورد في القرآن وورد أيضاً في السنة.
وهذه الحالة لا أظنّ السائل يعارض في قبولها من السنة، إذا صحَّ الإسنادُ إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
الحالة الثانية: أن يأتي أمرٌ في القرآن مجملاً، ولا يُمكن الائتمار بأمر الله في القرآن بسبب عدم وضوح طريقة التطبيق في القرآن، فتأتي السنة مفسّرةً للقرآن، موضحةً طريقة أداء تلك الأوامر القرآنيّة. ومثال ذلك: أداء الصلاة، وأحكام الزكاة تفصيلاً، وأحكام الصيام، وهيئة الحج وأركانه وواجباته وسننه، وعامة مسائل الدين كهذه الأركان الأربعة من أركان الإسلام.
فما هو موقف السائل من هذه الحالة للسنة النبويّة؟ فهي غير معارضة للقرآن، بل هي مفسّرة له ومبيّنة لمعانيه.
إن قال: لا أقبلها، قلنا: فكيف تصلي وكيف تزكي...، لقد أبطلتَ أحكام الدين وأركان الإسلام بذلك، بل لقد أبطلتَ القرآن أيضًا؛ لأن أوامر القرآن أصبحت لغوًا بلا أي معنى!!! كما أن هذا خلاف إجماع المسلمين من جميع الطوائف، فهم جيلاً بعد جيل، عامتهم وعلماؤهم، يصلون صلاةً واحدةً إجمالاً في عدد الفرائض وعموم الصلاة، وهكذا بقيّة الأحكام، مع أنها لم ترد في القرآن، مما يدل على إجماع الأمّة كلها على تلقّي هذه الأحكام من السنة النبويّة، ومن هذه الحالة لحالات السنة مقابل القرآن، وهي السنة المبيّنة والمفسّرة.
فإن قال السائل: بل أقبل السنة من هذا القسم؛ لأنها غير معارضة للقرآن، وهذا هو الحق الذي لا يُقال غيره؛ لأن القول الآخر يُبطل الدين والقرآن الذي جعله السائل مقياسًا لمعرفة الحق. فإننا بعد هذا القبول من السائل: نقول له: قبولك لتلك التفاصيل والأحكام الواردة في السنة دون القرآن، يدلّك على أن السنة قد تنفرد بأحكام دينيّة، ويلزمك الأخذ بها، مع عدم ورودها في القرآن الكريم.
الحالة الثالثة: أن تنفرد السنة بأحكام لا يوجد في القرآن ما يدلّ على أصلها، ولا ما يعارضها. فهذه الأحكام التي انفردت بها السنة لا يوافقها القرآن ولا يعارضها.
فإن ردّها السائل، فإنّنا نسأله: لماذا تردّها؟ والقرآن لا يدل على ردّها؛ لأنها لا تُعارضُه. ثم كيف تردّها؟! وقد سبق أن قبلتَ ما لا يعارض القرآن، كما في الحالة الماضية، هذه ازدواجيّة غير عادلة.
أضف إلى هذين الجوابين جوابًا ثالثًا: لا شك أن السائل يعلم أن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- كان في حياته يوجّه أصحابه والمسلمين في زمنه بتوجيهات كثيرة، وأنه كان يتحدّث معهم بغير القرآن، ويأمرهم بأوامر عديدة، هي في كثرتها تفوق القرآن الكريم عددًا ولاشك. هذا هو الذي لا يشك عاقلٌ فيه، خلال ثلاثة وعشرين عامًا عاشها النبيّ –صلى الله عليه وسلم-بعد بعثته بين أصحابه. وأحاديث السنة النبويّة الواردة عنه –صلى الله عليه وسلم- وإن شكّك السائل في أفرادها وبعض آحادها، إلا أنه لا يمكن أن يشك في أن بعضها صحيح يقينًا، ولو على وجه الإجمال دون تعيين؛ لأن هذه الأحاديث البالغة الكثرة لا يمكن أن يُتصوّر في جميعها أن تكون اختلاقًا، كما أنّ تصوّر أن يكون النبيّ –صلى الله عليه وسلم- لم يكن يتكلم إلا بالقرآن لا يقوله عاقل.
فخرجنا من هذا التقرير بأن الصحابة –رضي الله عنهم- قد تلقَّوا عن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة سوى القرآن، وهي كانت بالنسبة لهم دينٌ يجب أن يطاع، لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" [النساء:59].
وغيرها من الآيات التي أحلنا القارئ إلى الفتوى التي ذكرناها فيها في أوّل هذا الجواب.
فإن كانت تلك الأوامر دينًا في زمن الصحابة، فلابُدّ أن تبقى دينًا إلى قيام الساعة؛ لأن ضياع شيءٍ من الدين يعني وقوع الخلل والنقص فيه، ممّا ينافي إيجاب اتّباعه على العالمين إلى يوم القيامة. وبقاءُ أوامر النبيّ –صلى الله عليه وسلم- التي كانت في زمن الصحابة لا يتمّ مع فقدانها، ولا يتمّ مع اختلاطها بما لا يصح عن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- اختلاطًا لا يمكن معه تمييز الصحيح من الضعيف، ولا يتمّ مع عدم قيامها بالحجّة ومع عدم الالتزام بها. ولذلك وجب قبول هذا النوع من السنن، ووجب الاحتجاج بها. وإلا لزم من ذلك اعتقاد نقصان الدين، وبالتالي نخالف القرآن الذي أوجب على العالمين الدخول في الإسلام، وأنه لا دين إلا الإسلام "إن الدين عند الله الإسلام" [آل عمران:19]
فَرَدُّ هذا النوع من السنن هو الذي يخالف القرآن، فكيف نردّ سنة ليس في القرآن ما يخالفها، لنخالف بهذا الردّ القرآن ونبطل حكمه؟!! والغريب أن نفعل ذلك تحت شعار تعظيم القرآن، وعدم قبول ما يعارضه!!!
الحالة الرابعة: أن تُعارض السنة المروية القرآن الكريم، وهذه المعارضة قسمان: معارضة لفظيّة غير حقيقيّة، ومعارضة حقيقيّة.
أمّا القسم الأول: وهو المعارضة اللفظية غير الحقيقية، وهي أن يأتي في السنة ما يُعارض القرآن لدى النظرة العَجْلَى وعند قليل الفقه ناقصِ العلم بلغة العرب وأساليب بيانها. فهذه المعارضة معارضةٌ موهومة، وهي في الحقيقة ليست معارضة للقرآن.
مثال ذلك: قوله تعالى: "حُرمت عليكم الميتة والدم" [المائدة:3]. وقال –صلى الله عليه وسلم-: "أحلّت لنا ميتتان ودمان، الميتتان: السمك والجراد، والدمان: الكبد والطحال". أخرجه أحمد (2/97)، وابن ماجه (3314).
فظاهر هذا الحديث يعارض العموم -في قوله تعالى السابق- الذي يحرم الميتة والدم، لكن هذا الظاهر لا يخفى على عاقل أنه لا يعارض الآية معارضةً حقيقيّة؛ لأنه تضمّن استثناءً لبعض ما دلّت الآية على تحريمه، ولم يُبطل الحديثُ دلالةَ الآية كلَّها.
وهذا التعامل مع الكلام يفهمه عامة العقلاء، فلو قال صاحبُ متجر لعامل لديه: لاتبع هذه البضاعة إلا بألف، ثم بعد مُدّة قال لذلك العامل: إذا جاءك، فلان فبعه تلك البضاعة بتسعمائة، هل سيعدُّ ذلك العامل هذا تناقضًا؟ أم الفهم المتبادر إلى الذهن: أن فلاناً المذكور مستثنى دون بقية الزبائن بذلك السعر المخفّض.
أقصد من ذلك أن محاولة الجمع بين النصّين المتعارضين في الظاهر منهجٌ يتّبعه الناس في فهم كلام الناس؛ لأنهم ينزّهون العقلاء عن التناقض.

14 - مارس - 2008
نقد الصِّحاح ( البخاري نموذجا )
اتّباع هذا المنهج في نصوص الكتاب والسنّة أولى وأحقّ !!!    كن أول من يقيّم

فاتّباع هذا المنهج في نصوص الكتاب والسنّة أولى وأحقّ؛ لأن إمكان الجمع الذي لا تكلّف فيه ولا تعسُّف، ينفي وجودَ التعارض المتوهَّم بين القرآن والسنة، وبالتالي تصبح هذه السنة كالحالات السابقة، فهي سنةٌ غير معارضةٍ للقرآن في الحقيقة، والمهم هو الحقيقة! لا الظنون الأوليّة والآراء العجلة غير المتثبّتة!!
وبهذا انتهينا أن القسم الأول من السنن المعارضة للقرآن، وهي المعارضة ظاهرًا لا حقيقة: لا يصح ردّها بحجّة مخالفة القرآن، لأنها غير مخالفةٍ للقرآن.
أمّا القسم الثاني: وهي السنن المعارضة حقيقةً للقرآن، والتي لا يمكن الجمع بينها وبين القرآن أبدًا، أو إلا بتعسُّف غير مقبول، فهذه إن لم تكن من باب النسخ، كأن تكون منسوخةً بالقرآن، فهي غير مقبولةٍ عند المحدّثين، وعلى رأسهم الإمام البخاري.
ومن ذلك حديث "خلق الله التربة يوم السبت..." والذي جعل مدّة الخلق سبعة أيام. فقد ردّه الإمام البخاري وغيره؛ لأسباب، أهمّها أنه يخالف ظاهر القرآن في مثل قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" [الحديد:6]. فانظر المنار المنيف لابن القيّم (84-86 رقم 153) وأمّا من قبل هذا الحديث، فإنه قبله لأنه جمع بينه وبين الآية، كما تجده في مختصر العلو للألباني (رقم 71).
وهذا يدلّ على أن منهج عدم قبول ما عارض القرآن معارضة حقيقيةً منهج لم يكن البخاري وغيره من أئمة السنة غافلين عنه، بل كانوا يطبّقونه وهو منهجٌ أصيلٌ في نقد السنّة، مارسه جماعةٌ من الصحابة والعلماء، كما تجد أمثلته في كتاب (مقاييس نقد المتون) للدكتور مسفر الدميني (61-75)، و(مقاييس ابن الجوزي في نقد متون السنة) للدكتور الدميني نفسه (45-52). فلا يصح أن تُطرح مسألة مراعاة عدم مناقضة السنة للقرآن وكأنّها نقدٌ جديد يريد أن يمارسه المعاصرون؛ لأن المتقدّمين أغفلوه!! لا يصح هذا الطرح؛ لأن أئمة النقد كانوا أَرْعى الناس لهذا النقد المهم، وأقواهم نظرًا إليه، وأحرصهم عليه.
ومعنى ذلك: أن كل حديث صحّحه البخاري فهو عنده غير مناقض للقرآن، وليس من العلم والإنصاف أن نحاول إيهام أنه كان غافلاً عن مراعاة هذا الشرط، والذي يدخل ضمن شرطي انتفاء الشذوذ والعلّة الخفيّة، اللذين هما شرطان معلومان من شروط صحّة الحديث عند المحدّثين.
وإذا كان البخاريُّ مراعيًا لعدم مناقضة أحاديث كتابه للقرآن الكريم، وهو الإمام في فقهه وعمق فهمه ودقيق استنباطاته، فما أشدّ عجلة الذي يتوهَّم أنه سينتقدُ عليه حديثًا من هذه الجهة!!
وأخيرًا: لكي يكون الكلامُ علميًّا (ولا يكون علميًّا إلا بدليل): فإني أُطالبُ أيَّ طاعن في صحيح البخاري أن يذكر لي حديثًا واحدًا فقط أخرجه البخاري وهو مناقضٌ للقرآن؟ فإني أدّعي أني قادرٌ على بيان أن ما توهّمه هذا الطاعن في ذلك الحديث تعارضًا حقيقيًّا بينه وبين القرآن ليس كما توهّمه، وسوف أُثبت –إن شاء الله تعالى- أنه إن وُجد التعارض فهو تعارضٌ ظاهري، كما سبق بيانه، وهذا التعارض الظاهري يقع بين آيات القرآن، فلا يتّخذه مطعنًا في الكلام (سواء كان الكلام قرآناً أو سنة أو كلامًا للعقلاء) إلا من لا يريد أن يتّبع منهج الإنصاف والحق.
وإني أعيد وأعلن هذا التحدّي، فعلى من كان معارضًا لما ذكرتُ أن يبدأ بالاستدلال لصحّة رأيه، ليجد جوابي المقنع بفضل الله تعالى وقوّته!!
على أني لا أريد من هذا الإعلان للتحدّي غلبةً ولا تنافسًا، لكني أريد أن يكون مَسَارُ نقاشنا مع المخالفين علميًّا، مبنيًّا على الأدلّة، لا على مجرّد الأقاويل العريّة عن البراهين. إذ لا يصح أن أفترضَ وُجُودَ تعارضٍ حقيقيّ بين حديث في صحيح البخاري وآيةٍ في القرآن الكريم افتراضاً فقط، وأعّدُّ هذا مطعنًا في صحيح البخاري، ثم لا يكون لديّ حديثٌ واحد يشهد لصحّة هذا الافتراض!!! كما أنه لا يكفي مجردّ ادّعاء وجود تعارض حقيقيّ بحديثٍ أو أكثر، حتى يعجز المخالف لك، والذي ينفي وجود مثل هذا التعارض، فلا يُوجِّه ذلك التعارض بما يدل على أنه ليس تعارضاً حقيقياً، ويثبت أنه تعارضٌ مُتَوهَّمٌ؛ سببه سوء الفهم لدى ذلك المتوهِّم لوجود التعارض. ومن هنا أدخل في الجواب عن سؤاله التالي؛ لأنه أراد أن يضرب مثالاً على الأحاديث الباطلة في صحيح البخاري.
خامساً: ذكر السائل الاختلاف الواقع في قصّة طواف سليمان عليه السلام على نسائه ليلدن فرسانًا يقاتلون في سبيل الله، وقد ذكر السائل روايتين:
الأولى: تردّدت الرواية في عدد النساء هل كُنّ مائة أو تسعة وتسعين.
الثانية: ذكرت أنهنّ سبعون. وعَدّ السائل هذا الاختلاف في العدد دليلاً على التعارض الواقع في صحيح البخاري، وهو دليلٌ عنده على وقوع أخطاء في صحيحه.
والواقع أن هذا الحديث جاء في صحيح البخاري بأكثر من الاختلاف الذي ذكره السائل، فقد جاء في موطن أن عدد النساء سبعون (الحديث رقم 3424)، وجاء أنهن ستون (رقم 7469)، وجاء أنهن تسعون (رقم 6639، 6720)، وجاء على التردّد بين التسعة والتسعين والمائة (رقم 2819)، وجاء على أنهنّ مائة (رقم 5242). وذكر الإمام مسلم روايات هذا الحديث في موطن واحد عقب بعضها متوالية، بنحوٍ من الاختلاف السابق (صحيح مسلم 3/1275-1276رقم 1654).
وعلى هذا الإشكال أجوبة. وهي مبنيّةٌ على تقرير مهم، وهو: أنّ الإمام البخاري لم يكن غافلاً عن هذا التعارض، بل كان على علم ودراية كاملةٍ به؛ لأنّ إثبات علم البخاري بهذا التعارض يدلّ على أن ذِكْره له لم يكن مبنيًّا على أنه غفل عنه، فصحّحه لهذه الغفلة عنه؛ إذ إن علم البخاري بهذا التعارض يعني أنه لا يرى في هذا التعارض ما يَنْقُضُ شرطه في كتابه. فلا يمكن حينها أن يُذكر هذا الحديث برواياته في صحيح البخاري دليلاً على خطأ البخاري في التصحيح، وأنه صحّح ما لو تنبّه على الاختلاف الذي فيه لما صحّحه! أقول: إن هذا لا يمكن قبوله؛ إذا أمكننا أن نثبت أن البخاري كان على علم بهذا الاختلاف الواقع في كتابه، ومع ذلك ذكره فيه.
والذي يدل على أن البخاري كان على إدراك كامل بهذا الاختلاف الواقع بين هذه الروايات، عندما ذكر هذه الروايات في كتابه أمور:
الأمر الأول: حِفْظُ البخاري الذي عُرف به وقَيّده عنه المعاصرون له والشاهدون عليه، وهو حفظٌ باهر نادر المثال بين الناس. ومثل هذا الحفظ يُستبعد معه أن يغيب عن البخاري مثل هذا التعارض الواضح الذي لا يغيب عن أحد، ولا يحتاج إلى عُمق فهم لإدراكه.
الأمر الثاني: أن البخاري بعد أن ألّف صحيحه كان يرويه لتلامذته، وكان يكرّر روايته مّرات كثيرة لتلامذته المتجدّدين والذين يكرّرون سماعه منه، فلئن أبحنا لأنفسنا أن البخاري (بحفظه الباهر) قد فاته هذا الاختلاف الظاهر عند تأليف الكتاب، أفلا يتنبّهُ له عند روايته، وعند تكريره لقراءته على تلامذته؟!! ثم ألا يُنَبِّهُهُ ألوفُ التلامذة الذين أخذوه عنه إلى هذا الاختلاف، فيما لو فاته هو التنبُّهُ له؟!!
الأمر الثالث: (وهو الأهمّ): أن البخاري في صحيحه، وفي كتاب أحاديث الأنبياء من صحيحه، وفي باب قول الله تعالى: "وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ" [ص:30]، وهو الحديث رقم (3424) في صحيح البخاري، ذكر البخاري روايةً ذكرت العدد أنه (سبعون)، ثم قال البخاري ناقلاً اختلاف الرواة في هذا العدد: "وقال شعيب وابن أبي الزناد: تسعين، وهو أصحّ". فهذا دليلٌ قاطع على أن البخاري كان على وعي كامل وإدراك واضح لاختلاف الرواة في العدد الوارد في هذا الحديث.
ومثل البخاري في ذلك الإمام مسلم، حيث إنه ساق الروايات المختلفة في موطن واحد، بعضها عقب بعض، كما سبق العزو إليه. ممّا يبيّن أن هذا الاختلاف لم يذكره الإمام مسلم لأنه لم يكن منتبهًا إلى وقوعه، بل ذكره مع العلم التامّ بوقوعه!
ونخرج من هذا العرض بالتقرير التالي: إن ذكر الإمام البخاري والإمام مسلم لاختلافات هذا الحديث كان مقصوداً منهما، ولم يكن عن غفلةٍ منهما.
وبناءً على هذا التقرير الذي دَلّلنا عليه بالأدّلة القاطعة: لا يصح أن يكون هذا الاختلاف دليلاً على أن البخاري ومسلمًا كانا يظنّان عدم وقوعه، فصحّحا الحديث لغفلتهما عن وقوعه. هذا القول لم يعد له مكان ولا وجه مقبول، بعد التقرير الذي انتهينا منه آنفًا.
وبناءً على هذا التقرير ينبغي أن يتّجه البحثُ العلمي الصادقُ وجهة -ولا أدري كيف وقع هذا الخطأ- أخرى حيال هذا الحديث باختلاف رواياته، وينبغي أن تكون هذه الوجهة الجديدة بعيدةً عن الاحتمال الذي أبطلناه، وهو أن البخاري كان غافلاً عن الاختلاف الواقع في الحديث، بعد أن ثبت أنه ليس غافلاً.
وبعبارة أخرى: بعد أن ثبت أن الإمام البخاري قد قصد إيراد هذه الروايات في صحيحه، وأنه تعمّد هذا؛ فما هو وَجْهُ ذلك؟
الجواب الأول: إن البخاري تعمَّد ذكر هذا الاختلاف، ليبيّن أنه على علم به، ونبَّهَ على الرواية الصحيحة عنده باللفظ الصريح، عندما قال كما سبق عن رواية (التسعين): "وهو أصحّ".
وهذا منهج معلومٌ للبخاري في صحيحه: أنه قد يذكر الاختلاف للتنبيه عليه، لكنه يبينُّ الصواب والراجح منه. وقد نصّ على هذا المنهج بعض شُرّاح كتابه، كالحافظ ابن حجر في شرحه الشهير (فتح الباري). وهو منهجٌ متكرّرٌ في كتابه في مواطن عديدة، وهو معلومٌ لدى المشتغلين بالسنة. وغفلة السائل عن هذا المنهج للبخاري قصورٌ واضح في علمه بكتاب البخاري خاصة، يُضَاف على قصوره الواضح في علوم الحديث عمومًا، كما سبق تقريره.
ولا أقصد من التأكيد على هذا القصور (كما سبق)، إلا تنبيه السائل إلى أنه ينبغي له أن لا يعترض على علماء الأمّة بغير معرفة بالعلم الذي يعترض عليه، وهو علم السنة المشرّفة.
الجواب الثاني: إن العددَ وتحقيقه في هذه القصّة ليس له أثرٌ على فقهها والمقصود منها، فاختلاف الرواة في العدد، مع اتّحاد المعنى، وظهور الفائدة منه مع اختلاف اللفظ؛ ذلك ممّا لا يُنافي صحّة القصّة عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والتي لم تتأثر باختلاف الرواة في العدد.
ومن المعلوم أن السنة يجوز أن ترُوَى بالمعنى مع تغيُّر اللفظ، بخلاف القرآن الذي لا يجوز أن يُروَى إلا باللفظ تمامًا. واختلاف العدد في تلك القصّة وإن كان اختلافًا حقيقيًّا إلا أنه لم يؤثّر في الحكمة المستفادة منها، وهذا هو المعنى الأهمّ في الحديث.
ولذلك أخرج البخاري هذه القصّة، مع إدراكه لاختلاف العدد الوارد في روايتها؛ لأنه ليس من الصواب التوقُفُ عن قبول هذا الحديث، وهو حديثٌ يدل تعدُّد طرقه على أن أصله وأهمَّ معانيه وعامة خبره صحيحٌ عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فلا يكون من الحكمة التردّد في تصحيحه لمجرّد اختلاف الرواة في العدد، والذي لم يكن مرادًا بذاته، وإنما المراد إثبات كثرة عدد النساء، وهذا متحققٌ بأي واحدة من تلك الروايات، ليتِّضح المغزى من القصّة، وقد اتضح تمامًا، مع اختلاف الروايات الواقع!!!

14 - مارس - 2008
نقد الصِّحاح ( البخاري نموذجا )
أرجو أن يتضح لدى السائل أن موقفه من صحيح البخاري ليس موقفًا علميًّا !!!    كن أول من يقيّم

وبناءً على هذا الجواب الثاني :
يكون البخاري أخرج هذا الحديث مصحّحًا له، مع علمه باختلاف الرواة في العدد؛ لأن هذا الاختلاف لا يؤثّر في المعنى والمقصود الأكبر من الحديث.
ولذلك فقد بَوّب البخاري للحديث مَرّة بـ (باب: من طلب الولد للجهاد)، ومَرّة في ذكر قصص سليمان في كتاب الأنبياء، ومَرّة تحت باب (كيف كانت يمينُ النبي –صلى الله عليه وسلم-)؛ لأنه ورد في الحديث قسمٌ للنبي –صلى الله عليه وسلم- يقول فيه: "وايمُ الذي نفس محمدٍ بيده"، ومَرّةً بوّب له بـ (باب: الاستثناء في الأيمان) ومَرّةً تحت (باب: قول الرجل: لأطوفن الليلة على نسائي)، وأخيرًا تحت (باب: في المشيئة والإرادة).
فأنت تلاحظ أن هذه الأبواب كلّها، وهذه الفوائد جميعها لم تتأثر بالعدد، وأن البخاري لم يورد الحديث (ولا صدر الحديث أصلاً من النبي –صلى الله عليه وسلم-) لذكر عدد نساء سليمان عليه السلام!
ويصح أن نلخّص هذا الجواب بأن نقول: إذا كانت رواية السنة بالمعنى جائزة، وكان هذا الاختلاف في العدد لا يؤثر في المعنى المقصود من إيراد قصّة هذا الحديث، كان إيراد هذا الحديث باختلاف رواياته في العدد صحيحًا لا مطعن فيه على صحيح البخاري.
وهذان الجوابان كافيان لبيان أن هذا المثال والدليل الذي ذكره السائل للطعن في صحيح البخاري، لم يكن مثالاً نافعًا ولا دليلاً قائمًا لما أراده.
وهناك أجوبةٌ أخرى ذكرها الحافظ ابن حجر، في شرحه لصحيح البخاري المسمى بـ فتح الباري (6/531) شرح الحديث رقم (3424).
وبذلك أرجو أن يتضح لدى السائل أن موقفه من صحيح البخاري ليس موقفًا علميًّا ؛ لأنه غير معتمد على علم صحيح، وإن قرأ عنه بعض القراءات التي أشار إليها في آخر كلامه؛ لأن تتابع الخطأ منه في الطرح والاستدلال، وغياب كثير من المعلومات المهمّة عن ذهنه = يدل ذلك على أنه لا يتناول هذا الموضوع بعلم.
سادساً: يقول السائل: "ما دامت تلك الأحاديث قد رويت بعد مئات قليلة من السنين من وفاة نبيّكم –صلى الله عليه وسلم- فقد لُفّقت مثل الإنجيل والتوراة والزبور، فأضاف الناس آراءهم، ليُشبعوا رغباتهم".
فأقول: هداك الله! على ماذا بنيت هذه النتيجة الخطيرة؟! لقد تبيّنَ لك الآن بهذا الجواب أن استدلالاتك السابقة كلّها باطلة. فهل سترجع إلى الحقّ الذي فَقَدْتهُ بهذا الرأي الخطير؟!! هذا هو المظنون بكل راغب في الحق متعطّشٍ إليه، وأحسبك كذلك، وإلا لما كتبت هذا السؤال!
وأما إن بنيت هذا الرأي الخطير على مجرّد أن الإمام البخاري كتب صحيحه في النصف الأول من القرن الهجري الثالث، وبالتحديد بين سنة (235هـ) و (250هـ)= فهذا بناءٌ متهافت، بل هو ساقطٌ من أساسه!
أولاً: أنه ليس كل علم بينك وبين مصدره الأساس قرونٌ يكون مختلقًا، فأنت تعلم أن هناك علومًا ومؤلفات بينك وبين مؤلفيها قرونٌ طويلة، وهناك حوادث قديمة وأخبار تاريخيّة كثيرة = لا تشك في صحّتها، مع تطاول الأزمان بينك وبينها. فليس كل أمر مضى عليه زمنٌ طويلٌ أو قصير يكون باطلاً، وإلا لما قبلتَ إلا ما تراه بنفسك، وما تأخذه عن مؤلفه مباشرة، وما تحضره دون أن يكون بينك وبينه وسائط!! وهذا لا يقول به عاقل من البشر!!!
ثانياً: من قال إن السنة لم تُروَ إلا بعد مئات السنين؟! قد سبق وذكرت لك أن السنة تلقّاها الصحابة عن النبي –صلى الله عليه وسلم- مباشرة، ثم تلقّاها التابعون، ثم أتباع التابعين، ثم جيل البخاري. فالرواية متصلةٌ من زمن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- إلى زمن البخاري وزمن من بعده. وسبق أن ذكرت لك أيضًا أن تدوين السنة بدأ منذ زمن النبي –صلى الله عليه وسلم-، وأن هناك مؤلفات عديدة وكثيرة وشهيرة سبقت تأليف البخاري، وبعضها يرجع إلى زمن الصحابة رضي الله عنهم، وأحلتُك إلى رسائل أكاديميّة، منها ما هو مقدَّمٌ إلى جامعات بريطانيّة.
ثالثًا: لا يشك أحدٌ أنه ليس كل المرويات مختلقاً، ولا السائل يعتقد ذلك، بدليل أنه يرى تنقية المرويات بعرضها على القرآن.
وإذا كانت المرويات منها الصحيح ومنها غير الصحيح، كان على السائل أن يسأل ويبحث: هل كان لدى البخاري وغيره من علماء السنة منهجٌ نَقْديٌّ يميزون به بين الصحيح والضعيف؟ فإن وُجد هذا المنهج، كان ذلك قائداً له إلى الاطمئنان على السنة النبويّة، وأنه يُمكن للعلماء بالسنة (كالبخاري) أن يميزوا لنا الثابت من الباطل. أمّا أن يفترض السائلُ عدمَ وجود منهج نقدي، وهو موجود، ثم يبني على افتراضه الخاطئ تلك النتيجة الخطيرة = فهذا منهجٌ لا يمتّ إلى العلم بصلة؛ لأنه مبنيٌّ على افتراضٍ مناقضٍ للواقع كل المناقضة.
رابعًا: لقد قدّمت في أول هذا الجواب وفاتحة هذا الخطاب، وقبل الخوض في الردّ على سؤال السائل: أن السنة النبويّة قد دل القرآن الكريم على أنها محفوظة، وأنها ستبقى محفوظة ما بقي دين الإسلام. وأن التشكيك في السنة تشكيكٌ في الدين كُلِّه، وأوضحتُ الدواء الناجع لمن بلغ به داء الشك إلى هذا الحدّ. ولذلك فإني أنصح السائل أن يعيد قراءة هذا الجواب مَرّات عدّة، وبتأمُّل شديد، وأن يحاول تجربة ما أرشدته إليه في أقل تقدير، وإن كان الأولى به أن يأخذ الحقّ المُسْتَدَلَّ عليه بكل قوّة وصدق، ولا يتهاون في أخذه، ولا يتراخى. لكن أخذه ولو من باب التجربة خيرٌ من تركه بالكليّة؛ ولأن النفوس مفطورة على حب الحق، فأرجو للسائل أن يثوب إليه حال سعيه إليه.
وأخيرًا: ذكر السائل أنه قرأ كُتُبًا كثيرة تؤيّد ما ذهب إليه، وهذا ليس خبرًا غريبًا؛ لأن أعداء الإسلام وأبناءَه الجاهلين بعلومه قد كتبوا بحقدٍ أو بجهل أمثال تلك الكتب. ومع أنّ الحق لا يُعرف بكثرة القائلين به، وإنما يُعرف بالأدّلة والبراهين القاطعة به، إلا أن ما كُتِبَ في نقض الكتب التي أشار إليها السائل، وفي تقرير الحق من هذه المسائل = أكثر بكثير!!
وإنه لمن دلائل العدل والموضوعيّة في البحث: أن تقرأ لأصحاب كل رأي، لتمكنك الموازنة بين أدّلة كل رأي. أمّا أن تقتصر على قراءة كتب أصحاب رأي واحد، أو أن تقرأ كثيرًا لرأيٍ ولا تقرأ إلا قليلاً للرأي الآخر، أو تقرأ أهمّ كتب رأي، وتقرأ أضعف كتب الرأي الآخر = فإنّ ذلك كله لن يعطيك القدرة على اتّخاذ الرأي الصائب والقرار الراجح غالبًا!!
وقد ذكرت في مضامين هذا الجواب مجموعةً من الكتب، وإن كنت تريد الاستزادة فأنا مستعدٌ لذلك.
فأرجو أن تجد في هذا الجواب مطلوبك، وأن تكون فيه المساعدة التي تنشدها. والله يهدينا إلى الحق، هو الهادي إلى سواء السبيل.
والله أعلم.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.


14 - مارس - 2008
نقد الصِّحاح ( البخاري نموذجا )
روابط أخرى للفائدة ...    كن أول من يقيّم

وللفائدة هذا رابط الفتوى للشيخ حفظه الله بعنوان(إنكار السنة بدعوى أن الله لم يتعهد بحفظها ):

http://www.islamtoday.net/questions/...t.cfm?id=27056

 
 
......................................................
 
 
أهم الكتب المؤلفة في رد الأفتراءت والشبه عن شيخ الأسلام ابن تيمية رحمه الله
 
 
 
......................................................
 
الجواب عن طعون في صحيح البخاري (للشيخ د. حاتم الشريف)
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

14 - مارس - 2008
نقد الصِّحاح ( البخاري نموذجا )
الله أعلم !!!    كن أول من يقيّم

خي الحبيب الأديب الكريم
 
لا أعتقد أن في المكتبة كتابا مستقلا عن هذا الوزير
رغم الدور الذي لعبه في الحياة الفكرية والسياسية
في أوج ازدهار الحياة السياسية في العصر العباسي
والله أعلم
وشكرا لك

22 - مارس - 2008
أبحث عن كتاب في ترجمة أحمد بن أبي دؤاد
لأحمد الله أن سجنك في جلدك    كن أول من يقيّم

كان أحمد بن أبي دؤاد من القائلين بخلق القرآن، وكان مقرباً عند المأمون، ولم يكن المأمون يأمر بامتحان الفقهاء والمحدثين في هذه المسألة إلا بعد أن مرض وتغلب عليه مستشاروه وبطانته، وكان ابن أبي دؤاد منهم فأوغروا صدر المأمون وحرضوه على توقيع كتب دعا الناس فيها إلى رأيه بقوة السلطان[1].
 
ثم تمضي السنون ويصاب أحمد بن دؤاد بمرض الفالج ويدخل عليه عبد العزيز الكناني وكان من مخالفيه ومناظريه في مسألة القول بخلق القرآن. ونقل الخطيب البغدادي أن عبد العزيز قال: دخلت على أحمد بن أبي دؤاد وهو مفلوج فقلت: إني لم آتك عائداً ولكن جئت لأحمد الله أن سجنك في جلدك[2].

=========
 
[1] - مقدمة كتاب الحيدة للدكتور جميل صليبا، ص: 28.
[2] - نقلاً عن كتاب الحيدة تحقيق جميل صليبا، ص: 50

22 - مارس - 2008
أبحث عن كتاب في ترجمة أحمد بن أبي دؤاد
للعلم ....    كن أول من يقيّم

 وللعلم إنَّ المحنة لم تكن بتأثير المعتزلة ، وهذا ما يكشفه أقدم نص كُتِبَ حول المحنة ، من قبل حنبل بن إسحق بن حنبل ؛ ( ابن عم أحمد وتلميذه ) ، ولهذا لم يرد اسم أهم الجدليين المعتـزلة ، مثل :

ثُمـأمـة ، والعلاف ، والنَّظام ، والجاحظ ، بل وردت أسماء مجهولين ، ولم يرد من أسماء المعتزلة غير أحمد بن أبي دؤاد ، بحكم كونه قاضي الدولة ، ومن المعلوم أن اسـتلام ابن دؤاد القضاء  كان بناء على رأي قاضي المأمون يحيى بن أكثم ، الذي لم يكن معتزليا ، بل كان حنبليا ، وقد وردت ترجمته في طبقات الحنابلة ترجمة رقم ( 539 ) ،
 
ولم يكن المراد من المحنة الإنحياز لأراء المعتزلة  ؛ بل المراد تحجيم دور المحدثين أمام العامة ، وباحتواء خطر الشيعة الإمامية ، وخطر الهوى الأموي ودعاته أهل الحديث ، وبإلقاء القبض على أحمد بن نصر الخزاعي وقتله بيد الواثق ، زالت كل الأخطار ،
 
ولهذا عاد العباسيون لتبني رأي أهل الحديث ، في قضية خلق القرآن ، على يد المتوكل الذي مدحه أهل الحديث ، رغم شهرته بارتكاب المحرمات ، فالمسألة المهمة لا تزال عند المحدثين هي قضايا حشو المعتقدات أمسِ واليوم وغداً  .

22 - مارس - 2008
أبحث عن كتاب في ترجمة أحمد بن أبي دؤاد
أخطاء فى الموسوعة الشعرية من إصدارات المجمع الثقافي    كن أول من يقيّم

3- الأمالي الخميسية / للإمام المرشد بالله يحيى بن الحسين الشجري

وهي فضائل يورد لها الأحاديث الشريفة ، وينقل لها الحكايات .



وفي التعريف بها ذكروا أنها :
أمالي ابن الشجري ، هبة الله بن علي بن حمزة الحسني العلوي ، التي نشرها الدكتور محمود الطناحي .

وهي نحوية لغوية ، وفيها تحقيق و تدقيق ومناقشة و ردود .
وهي من الكتب الهامة في بابتها !!!
 

 


و وقع الإخوة الكرام في مكتبة مشكاة في نفس الوهم ؛ لأنهم ينقلون عن الموسوعة ، وعن الوراق ..

http://www.almeshkat.net/books/open....ok=2049&cat=46

10 - أبريل - 2008
أخطاء فى الموسوعة الشعرية من إصدارات المجمع الثقافي
أقترح أن يكون شورى !!!    كن أول من يقيّم

أخي الحبيب اللبيب وشاعرنا الأديب الموسوعي المبدع زهير
صباح الخيرات النيرا
وجزاكم الله خيرا
وأحسن إليكم
ولو أنني لاأؤيد فكرة فتح المستكشف للجميع
لأن المبلغ المطلوب زهيد جدا ، فمن يحب الاستكشاف
فعليه أن يدفع !!
وذلك لايكلفه إلا النزر اليسير
ومن ثمة نسخر هذا المال في خدمة الوراق
وعندنا مشاريع كثيرة لم تنفذ ؛ ولعل ريع هذا المال الحلال يحلها
برأيي وضع هذه الفكرة على لوحة الاستشارات
لأخذ آراء الجميع
 
وشكرا لكم
 
 
 
 
 

13 - مايو - 2008
إلغاء مستكشف النصوص
بارك الله فيك أخي الحبيب الغالي الأستاذ الدكتور يحيى     كن أول من يقيّم

شكرا لأخي الحبيب الغالي الباحث الأستاذ الدكتور يحيى
على ماتفضل به محمودا مشكورا ماجورا
وهذا الذي تفضل به أصبح داء خطيرا أصاب جسد هذه الأمة
الميتة الغافلة عن دينها ولغتها وقرآنها وسنة نبيها
 
وقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن أخلاق النبي صلى الله عيه وسلم، فقالت: كان خلقه القرآن. [ صحيح / صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني، 4811 ]. قال المناوي في فيض القدير: أي ما دل عليه القرآن من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده إلى غير ذلك. وقال القاضي: أي خلقه كان جميع ما حصل في القرآن. فإن كل ما استحسنه وأثنى عليه ودعا إليه فقد تحلى به، وكل ما استهجنه ونهى ع! نه تجنبه وتخلى عنه. فكان القرآن بيان خلقه. انتهى. وقال في الديباج: معناه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته.
 
وروى مسلم في صحيحه أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكة. فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزي. قال: ومن ابن أبزي؟ قال: مولى من موالينا. قال: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل، وإنه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين. ] صحيح مسلم، 817(269) [. قال السندي في شرحه على سنن ابن ماجه: ( قال عمر ): تقريرا لاستحقاقه الاستخلاف. وقوله ( بهذا الكتاب ): أي بقراءته، أي بالعمل به. وقوله ( أقواما ): أي: منهم مولاك. ( ويضع به ): أي بالإعراض عنه وترك العمل بمقتضاه.
 
وهكذا كان توقير الرعيل الأول لكتاب ربهم في صدورهم. وكان السلف ينشئون أطفالهم على حفظ القرآن، ثم يحفظونهم الكتب الستة ( أي صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه ). وبعد أن يتمون ذلك يقومون بتحفيظهم مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم. وبذلك يشب الطفل المسلم على وعي بكتاب ربه وسنة نبيه صلوات ربي وسلامه عليه. وهكذا حقق الإسلام تقدمه وتفرده، وازدهرت حضارة الإسلام على جميع الحضارات التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وتفوقت عليها؛ وذلك بحفظ كتابها والعمل بمقتضاه.
 
ثم خلف من بعد ذلك خلف أضاعوا هذه القيم، ولم يهتموا بكتاب ربهم. هان الله في نفوسهم، فأهانهم الله بما اقترفوه من ذنوب. وقد ضرب لنا القرآن المثل على الأمة التي تضيع العمل بكتابها، فقال تعالى مخبرا عن بني إسرائيل، والخطاب للتذكرة والتحذير: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا اْلأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ َلا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إَِّلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ اْلآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفََلا تَعْقِلُونَ ﴾ ] الأعراف: 169 [. قال الشيخ أبو بكر الجزائري في تفسيره لهذه الآية: يحكي الله تعالى عن اليهود أنه قد خلفهم خلف سوء، ورثوا التوراة عن أسلافهم، ولم يلتزموا بما أُخذ عليهم فيها من عهود، على الرغم من قراءتهم لها. فقد آثروا الدنيا على الآخرة، فاستباحوا الربا والرشا وسائر المحرمات، ويدّعون أنهم سيغفر لهم. وكلما أتاهم مال حرام أخذوه، ومنوا أنفسهم بالمغفرة كذبا على الله تعالى. وقد قرأوا في كتابهم ألا يقولوا على الله إلا الحق وفهموه، ومع ! هذا يجترئون على الله ويكذبون عليه بأنه سيغفر لهم.
وقال القرطبي في تفسيره: وهذا الوصف الذي ذم الله تعالى به هؤلاء موجود فينا. فقد روى الدارمي في سننه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب، فيتهافت, يقرءونه لا يجدون له شهوة ولا لذة, يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب, أعمالهم طمع لا يخالطه خوف, إن قصروا قالوا سنبلغ, وإن أساءوا قالوا سيغفر لنا, إنا لا نشرك بالله شيئا.
 
واستمر خط الابتعاد عن كتاب الله يمضي قدما، بطيئا وبشكل يخفى عن العامة في أول الأمر، ثم بخطى متسارعة وبصورة سافرة بعد ذلك. فبعد أن كانت الأمة مجمعة الكلمة على العمل بكتاب ربها، وتستمد تشريعاتها من أحكامه، بدأت في التخلي عنه شيئا فشيئا، فعاقبها الله بأن سلبه من يدها، إلى أن أصبحت لا تعمل به. وبالطبع كان هناك دورا رئيسيا لأعداء الأمة في الوصول إلى هذه الحالة التي أصبحنا عليها.
 
وإني لأعجب من أمة تهجر كتاب ربها وتُعرض عن سنة نبيها، ثم بعد ذلك تتوقع أن ينصرها ربها !!؟
 
إن هذا مخالف لسنن الله في الأرض.
إن التمكين الذي وعد به الله، والذي تحقق من قبل لهذه الأمة، كان بفضل التمسك بكتاب الله عز وجل، الدستور الرباني الذي فيه النجاة مما أصابنا الآن.
إن الذين يحلمون بنزول النصر من الله لمجرد أننا مسلمون لواهمين.
ذلك أن تحقق النصر له شروط. قال تعالى:
 ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي اْلأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُ! دُونَنِي َلا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ﴾ [ النور: 55 ] .
كما أن ما بعد النصر له شروط. قال الله تعالى:
﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي اْلأَرْضِ أَقَامُوا الصََّلاةَ وَآتَو! ْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ اْلأُمُورِ ﴾ [ الحج: 41 ] .
 
فعودوا إلى كتاب ربكم تنالوا نصره في الدنيا ، وتدخلوا جنته في الآخرة !!
 
 

13 - مايو - 2008
شكوى القرآن وهجره
 11  12  13  14  15