البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات د يحيى مصري

 113  114  115  116  117 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
ماذا تقولون في ابن كثير والقرطبي وابن القيم وابن حنبل ؟    كن أول من يقيّم

" روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الرحمن بن شماسة المهري قال : حضرنا عمرو بن العاص ، وهو في سياق الموت ، فبكى طويلاً ، وحول وجهه إلى الجدار الحديث، وفيه : فإذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار ، فإذا دفنتموني ، فسنوا عليّ التراب سناً ، ثم أقيموا حول قبري قدْر ما تنحر الجزور ، ويقسم لحمها ، حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع رسل ربي . فدل على أن الميت يستأنس بالحاضرين عند قبره ويسرّ بهم." (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ، للمرحوم العلامة محمد الأمين الشنقيطي ، ج6/431).
" إن تلقين الميت في قبره سئل عنه الإمام أحمد فاستحسنه ، واحتج عليه بالعمل" ( نفسه ، ص433).
·      سلوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل :" إذا كان يسأل فإنه يسمع التلقين " ( نفسه ،ص431).
·     "ممن جزم باستحباب التلقين بعد الدفن : ابن القيّم ، والنووي، والقرطبي، وابن كثير. (نفسه،صو437و436و438).
·      " قال النووي في روضة الطالبين : ويستحب أن يلقن الميت بعد الدفن ، فيقال : يا عبد الله ، اذكر ما خرجتَ عليه من الدنيا شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وأن الجنة حق ، وأن النار حق ، وأن البعث حق ، وأن الساعة آتية لاريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأنت رضيتَ بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ، وبالقرآن إماماً ، وبالكعبة قِبلة ، وبالمؤمنين إخواناً ، ورد به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم . قلتُ : هذا التلقين استحبه جماعات من أصحابنا ، منهم القاضي حسين ، وصاحب التتمة ، والشيخ نصر المقدسي في كتاب التهذيب وغيرهم ". (نفسه436و437).
·      ولاتنس أن "حقيقة التلقين بعد الدفن مركّبة من شيئين :
أحدهما : سماع الميت كلام ملقنه بعد الدفنه.
والآخَر : انتفاعه بذلك التلقين .
وكلاهما ثابت في الجملة ، أما سماعه لكلام الملقن فيشهد له سماعه لقرع نعل الملقن الثابت في الصحيحين ، وليس سماع كلامه بأبعد من سماع قرع نعله كما ترى. وأما انتفاعه بكلام الملقن فيشهد له بدعاء الحي ....." ( نفسه،ص437).

28 - يناير - 2009
تلقين الميت
تعريف البدعة ، وقراءة القرآن بنية إهداء ثوابها.    كن أول من يقيّم

[ أخرج سعد الزنجاني عن أبي هريرة- مرفوعاً – أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : " من دخل المَقابر ، ثم [ يعني بعد السلام على أهلها ] قرأ فاتحة الكتاب ، وقُل هو الله أحد ، وألهاكم التكاثر ، ثم قال :
إني جعلتُ ثواب ما قرأتُ من كلامك لأهل المقابر مِن المؤمنين المؤمنات ، كانوا شفعاء له إلى الله تعالى " .
 
وأخرج عبد العزيز صاحب الخلال بسنده عن أنس – مرفوعاً – أن رسول الله ن صلى الله عليه وسلم ، قال : مَن دخل المقابر ، فقرأ سورة ياسين ، خفّف الله عنهم ، وكان له بعددِ مَن فيها حسنات ] . ( من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوَهّاب : القِسم الثاني – الفقه – المجلد الثاني : كتاب ( تَمَنّي الموت ) : تحقيق الشيخيين : عبد الرحمن السدحان ، وعبد الله الجبرين ، صفحة 75] .
 
 
 
 
 
 
 
 


 
 
 
 
البدعة : المراد بها ما أحدِثَ مِمّا لا أصلَ له في الشريعة يدُلّ عليه ، وأيّاً ما كان له أصلٌ مِن الشَّرع ،فليس ببِدعة شرعاً ،وإن كان بدعةً في اللغة .
 
هذا كلام عَون المعبود بِشَرح سُنَن أبي داود (12/259).
 
 
 

28 - يناير - 2009
تلقين الميت
المقدمة الطللية (1)    كن أول من يقيّم

المقدمــة الطللــية :
ارتبط الغزل في الشعر بالحديث إلى الأطلال ارتباط تلازم ، فالشاعر الجاهلي ما كان ليقف على الأطلال إلا ليتذكر ديار محبوبته التي خلت من سكانها ، ويتذكر أيام أنسه ولهوه .
المقدمة الطللية كانت تمثل دائماً انعكاساً لحالة من الحزن والأسى على فراق المحبوبة ، دخلت هذه المقدمة في نسيج الشعر الجاهلي ، وأصبحت تقليداً من تقاليد القصيدة الجاهلية ، وعلى الرغم من أن كثيراً من قصائد ومقطوعات المفضليات والأصمعيات والحماسة قد خلت من المقدمة الطللية ، فإن معظم القصائد الكبار ولاسيما المعلقات قد بدأت بها ، وسيطر هذا النهج على الشعر العربي بعد ذلك فيما يوضحه ابن قتيبة في نصه الشهير ، يقول: " وسمعت بعض أهل الأدب يذكر أن مقصّد القصيد ، إنما ابتدأ فيها بذكر الديار والدِّمن والآثار ، فبكى وشكا وخاطب الربع ، واستوقف الرفيق ، ليجعل ذلك سبباً لذكر أهلها الظاعنين عنها ، إذا كانت نازلة العمد في الحلول والظعن خلاف نازلة المدر لانتقالهم من ماء إلى ماء وانتجاعهم الكلأ ، وتتبعهم مساقط الغيث حيث كان ، ثم وصل ذلك بالنسيب ، فشكا شدة الوجد ، وألم الفراق وفرط الصبابة والشوق ليميل نحوه القلوب ، ويصدف إليه الوجوه ، ويستدعي به إصغاء الأسماع إليه لأن التشبيب قريب من النفوس ، لائط بالقلوب ، لما قد جعل الله في تركيب العباد من محبة الغزل وإلف النساء ، فليس يكاد أحد يخلو من أن يكون متعلقاً منه بسبب ، وضارباً فيه بسهم حلال أو حرام ، فإذا علم أنه قد استوثق من الإصغاء إليه ، والاستماع له ، عقب بإيجاب الحقوق ، فرحل في شعره ، وشكا شدة التعب والسهر وسرى الليل وحر الهجير وإنضاء الراحلة والبعير ، فإذا علم أنه قد أوجب على صاحبه حق الرجاء ، وذمامة التأميل بدأ في المديح ، فبعثه على المكافأة ، وهزه للسماح ، وفضله على الأشباه " ( 2 )

30 - يناير - 2009
الى متخصصي الادب رجاء
المقدمة الطللية (2)    كن أول من يقيّم

وقد كانت محاولات التجديد بعد ذلك تمثل في أحد جوانبها خروجاً على هذا النهج الذي أوضحه ابن قتيبة ، والذي يعنينا هنا : أولاً مدى الارتباط بين المقدمة الطللية والغزل في الشعر الجاهلي ، ثانياً انتشار هذه المقدمة في الشعر ولاسيما في قصائده الكبار .
مما هو يسترعي الانتباه أن الأطلال لم تمثل موضوعاً مفضلاً للعذريين في العصر الأموي ، وعلى الرغم من أننا نجد في شعرهم بعض هذه المقدمات الطللية ، فإنها لا تمثل ظاهرة فيه ، ونجد عند بحث هذه المقدمة الطللية أن أغلب عناصرها مستمد من الشعر الجاهلي .
يقول جميل :
            ألم تسأل الربع الخلاء فينطق      وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق

             بمختلف الأرواح بين سويقة      وأحدب كادت بعد عهدك تخلق

             أضرت بها النكباء يوما وليلة     ونفخ الصبا والوابل المتبعق
            وأنى يرد القول دار كأنها          لطول بلاها والتقادم مهرق
           وقفت بها حتى تجلت عمايتي     ومل الوقوف العنتريس المنوق
          وقال خليلي إن ذا لسفاهة           ألا تزجر القلب اللجوج فتلحق
            تعز وإن كانت عليك كريمة         لعلك من أسباب بثنة تعتق
            فقلت له إن البعاد يشوقني         وبعض بعاد البين والنأي أشوق ( 3 )
فجميل يبدأ بسؤال الربع الخالي الذي لا ينطِق ، وهو يتشكك في قدرته على النطق ، لذلك يطرح هذا التشكك في صيغة تساؤل ، وماذا يسأله ، إن الشاعر لا يقول، والإطلاق في هذا المقام له دلالته ، فالشاعر يسأل الأطلال عن محبوبته ، أين رحلت ؟ ومتى ؟ ثم يذكر بعد ذلك مكان هذه الأطلال التي تتعاورها الرياح ، والتي كادت بعد أن رحلت عنها المحبوبة أن تخلَق ، وفي البيت الثالث يتحدث عن الرياح والأمطار التي تهب عليها ، ثم بعد ذلك يقرر أن هذه الديار لن تردَّ على سؤاله ، هذه الديار التي يصفها هذا الوصف قد وقف بها الشاعر حتى انكشف ما به من ضلال ، وحتى ملّ الجمل الشديد الصلب ، ثم يدخل الشاعر عنصراً جديداً في المقدمة هو الخليل الذي يزجر الشاعر على هذه السفاهة التي يعيش فيها ، والذي يعزيه فيها ، وإن كانت عليه كريمة ، لكن الشاعر يرفض ، ويخبره أن بِعاد بثينة يشوقه ، وكما نرى في هذه المقدمة ، فإن عناصر المقدمة الطللية هي : التساؤل والحديث إلى الربع الخلاء ، الوقوف به ، الرياح والأمطار التي تهب عليها ، الخليل الذي يواسيه ويبعده ، هذه العناصر نفسها هي التي نجدها في مقدمة طللية لامرئ القيس الذي يقول في معلقته :
           قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل        بسقط اللوى بين الدخول فحومل
           فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها       لما نسجتها من جنوب وشمأل
          ترى بعر الآرام في عرصاتها            وقيعانها كأنه حب فلفل
          كأني غداة البين يوم تحملوا             لدى سمرات الحي ناقف حنظل
         وقوفاً بها صحبي على مطيهم            يقولون لا تهلِك أسىً وتجمل
         وإن شفائي عبرة إن سفحتها           وهل عند رسم دارس من معول ( 4 )

30 - يناير - 2009
الى متخصصي الادب رجاء
المقدمة الطللية (3)    كن أول من يقيّم

هنا نجد مقدمة امرئ القيس الطللية أكثر تماسكاً وترتيباً من مقدمة جميل بثينة ، رغم احتواء المقدمتين على العناصر نفسها ، لكنّ امرأ القيس يرسم صورة الطلل بتفصيل ، فهو يحدد مكانه في البيت الأول ، ثم يتحدث عن رياح الجنوب والشمال التي تهب عليه ، ثم يتحدث عن بعر الآرام التي تجوب أنحاءها ، وهذه الصورة قد أضافت حياة للطلل ، ووازنت بين الفراغ والموت في البيتين السابقين ، ثم الحياة التي تمثلها هذه الآرام في البيت الثالث ، ثم يدخل الشاعر في نسيج المقدمة حين يتحدث عن موقفه حين تحملوا ، وعدم قدرته على تحمل موقف الوداع، ويضيف الشاعر طرفاً آخر في المقدمة هو الصحب الذين يقولون له : لا تهلك أسىً وتجمَّلِ ، وهكذا .
فإذا قارنّا بين هيكل المقدمتين نجد تشابهاً واضحاً بينهما ، فالطلل والرياح والأمطار والصحاب ، ثم موقف هؤلاء الصحب من الشاعرين ، عناصر مشتركة ، لكنّ امرأ القيس كان أكثر تماسكاً في وصفه ، فضلاً عن بعض العناصر الأخرى،من مثل بعر الآرام التي يراها في أنحاء الدار ، أيضاً نجد عند جميل مثل هذه المقدمة في إحدى قصائده :
عرفت مصيف الحي والمتربعا   كما خط في الكف الكتاب المرجعا
           معارف أطلال لبثنة أصبحت        معارفها قفرا من الحي بلقعا ( 5 )
  وتشبيه الآثار التي انمحت بالخط القديم الذي روجع للقراءة فيه مرات كثيرة ، ليس جديداً ، فقد صوره أيضاً امرؤ القيس في قصيدة له ، لكن بتخصيص أكبر ، يقول :
        قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان      ورسم عفت آياته منذ أزمان
         أتت حجج بعدي عليها فأصبحت       لخط زبور في مصاحف رهبان ( 6 )
فالشاعر يمهد لهذا التشبيه في البيت الأول بقوله إن هذا الرسم قد عفت ملامحه منذ فترة طويلة ، وقد مرت عليه السنون من بعده ، فأصبح مثل خط الزبور في مصاحف الرهبان ، وهو خط كان ينمحي من كثرة قراءتهم له ، وامرؤ القيس في هذا التشبيه يحاول إضفاء قداسة على الأطلال بمقارنتها بصحائف الزبور التي يقرؤها الرهبان ، فهل كان (جميل) يقصِد القرآن حين تحدث عن الكتاب ، لا ندري على وجه الدقة دلالة الكتاب هنا .
والصورة نفسها نجدها عند زهير مع اختلاف في طريقة التعبير ، يقول :
       أمن أم أوفى دمنة لم تكلم     كحومانة الدراج فالمتثلم
         ودار لها بالرقمتين كأنها    مراجيع وشم في نواشر معصم ( 7 )
فالديار وبقاياها تماثل بقايا الوشم في المعصم .

30 - يناير - 2009
الى متخصصي الادب رجاء
المقدمة الطللية (4)    كن أول من يقيّم

ومن أكثر الشعراء الذين وقفوا على الأطلال في شعرهم " كُثيّر " فقد اتصل بالمجتمع السياسي في العصر الأموي ومدح الخلفاء ، لم يتفرغ للغزل مثل المجنون وجميل ، وإنما نجد ديوانه موزعاً بين أغراض متعددة ، يأخذ الغزل فيه جانباً كبيراً إلى جانب المديح والرثاء والوصف والهجاء ، ولعل هذا الاتصال بالحياة السياسية قد أثر على شكل القصيدة عنده ، فجاءت تقليدية في أغلب جوانبها ، ومثل الوقوف على الأطلال أحد هذه الجوانب التي تأثر فيها بالجاهليين ، ويؤكد هذه القضية أن كثيراً من المقدمات الطللية عنده وردت في قصائد مديح أو رثاء ، وهي تمثل القصائد الرسمية في بلاط الخلفاء الأمويين ، وأغلب عناصر هذه المقدمات جاهلية
         لعزة أطلال أبت أن تكلما                تهيج مغانيها الطروب المتيما
          كأن الرياح الذاريات عشية             بأطلالها ينسجن ريطا مسهما
         أبت وأبى وجدي لعزة إذ نأت           على عدواء الدار أن يتصرما
          لكن سقى صوب الربيع إذا أتى      على قلهي الدار والمتخيما
         بعاد من الوسمي لما تصوبت           عثاثين واديه على القعر ديما
         سقى الكدر فاللعباء فالبرق فالحمى    فلوذ الحصى من تعلمين فأظلما
        فأروى جنوب الدونكين فضاجعا         فدر فأبلى صادق الوبل أسحما
        تثج رواياه إذا الرعد زجها                 بشابة فالقهب المزاد المحد لما
        فأصبح من يرعى الحمى وجنوبه        بذي أفق مكاؤه قد ترنما
         ديار عفت من عزة الصيف بعدما       تجد عليهن الوشيع المثمما ( 8 )
الذي يسترعي الانتباه ههنا كثرة الأماكن التي يذكرها كُثير في شعره ،ومحاولته تتبع المطر في هذه الأماكن ،ووصفه له وصفاً مفصلاً ، فإذا علمنا أنها ظاهرة في شعره ، فقد تتبع المطر في إحدى القصائد في ثلاثين مكاناً ، أدركنا أنه أكثر إحساساً بالمكان من غيره من الشعراء العُذريين .
وكُثير عزة يستخدم نفس عناصر المقدمة الطللية من حديث إلى الأطلال التي تأبى أن تتكلم ، والرياح التي تتعاور عليها ، ثم الأمطار التي يفصلها في ستة أبيات ، يتتبعها في أماكن كثيرة ، ويذكر أحوالها المختلفة ، وهذا الولع بالحديث عن المطر عند كثيرٍ ربما لا نجد له مثيلاً في الشعر الجاهلي ، وإن صح هذا ، فإنه يُعد عنصراً جديداً يضيفه كُثير على المقدمة الطللية .
وهو يقول في مقدمة قصيدة أخرى يمدح بها عبد الملك ابن مروان :
         أأطلال دار من سعاد بيلين         وقفت بها وحشا كأن لم تدمن
         إلى تلعات الخرج غير رسمها         همائم هطال من الدلو مدجن
         عرفت لسعدي بعد عشرين حجة      بها درس نؤي في المحلة منحن
         قديم كوقف العاج تثبت حوله         مغارز أوتاد برضم موضن
          فلا تذكراه الحاجبية إنه               متى تذكراه الحاجبية يحزن ( 9 )
وكُثير في هذه المقدمة الطللية يبدو متكلفاً ، يعرِض للأطلال عرضاً تقليدياً ، وفي صورة لا نلمح شخصيته التي تبدت لنا في أماكن أخرى .
ويقول مرة أخرى :
          عفت عيقة من أهلها فجنوبها         فروضة حسنا قاعها فكثيبها
         منازل من أسماء لم يعف رسمها      رياح الثريا خلفة فضريبها
         تلوح بأطراف البضيع كأنها               كتاب زبور خط لونا عسيبها ( 10 )
والبيت الأخير هو تأثر ببيت امرئ القيس :
أتت حجج بعدي عليها فأصبحت   كخط زبور في مصاحف رهبان

30 - يناير - 2009
الى متخصصي الادب رجاء
المقدمة الطللية (5)    كن أول من يقيّم

أما المجنون وقيس بن ذريح ، فلا نكاد نجد عندهما مقدمات طللية .
هذه النصوص تؤكد هذا التأثر بالشعر الجاهلي ، فالعناصر الطللية مشتركة بينهما ، هذه العناصر المشتركة هي :
1 – وقوف على الأطلال .
2 – استنطاق للربع .
3 – صمت هذا الربع عن الجواب .
4 – خلاء الديار من أهلها .
5 – هبوب الرياح عليها .
6 – سقوط الأمطار .
7 – الخليلان .
8 – البكاء على هذه الأطلال .
لكن الطابع الشخصي هو الذي ماز كل شاعر من غيره ، كما مازهم من الجاهليين ، والطابع الشخصي تمثل في قوة إحساس الشاعر بهذه العناصر ،ومدى مزاوجته بينها وبين مشاعره الداخلية .
والحق أن الجاهليين كانوا أكثر تفصيلاً ودقة في وصف الأطلال عن العذريين ، كما كانوا أكثر إحساساً بالأطلال ، ربما لأنهم الذين أرسوا قواعد هذا الفـن .
ومن الجوانب الأخرى التي تأثر فيها العذريون بالجاهليين رؤيتهم للمرأة ، فالنموذج الجمالي الذي تحدث عنه الجاهليون في شعرهم ظل في عناصره الأساسية هو نموذج العذريين على خلاف في التفصيل والتركيز .
 
النموذج الجمالي للمرأة :
يتفاوت العذريون في وصف المرأة ، فنجد بعضهم يطيل في هذا الوصف ، المجنون وجميل مثلاً ، على حين يختصر آخرون مثل قيس بن ذريح ، وقد نجد عند أغلبهم محاولة للبحث عن الصفات النفسية عند المرأة ، وهو تطوير مهم في الشعر العذري ، قد نجد أصداء له في الشعر الجاهلي ، غير أنه لم يكن بهذا الاتساع والعمق مثلما كان عند العذريين ، وإذا حاولنا تتبع الملامح الجسدية للمرأة في الشعر العذري ، نجد المجنون يصفها بأنها :
         ومفروشة الخدين وردا مضرجا     إذا جمشته العين عاد بنفسجا 
         شكوت إليها طول ليلي بعبرة        فأبدت لنا بالغنج درا مفلجا
         فقلت لها مني علي بقبلة            أداوي بها قلبي فقالت تغنجا
        بليت بردف لست أسطيع حمله        يجاذب أعضائي إذا ما ترجرجا ( 11)
فهو يركز في هذه الأبيات على موضعين في جسد المرأة ، الخدود ، فيصفها بالورد المضرج دلالة شدة الاحمرار ، وقد يكون هذا الوصف مستهلكاً الآن ، لكنّا لا ندري على وجه اليقين مدى جدته في ذلك الزمن ، وأما الموضع الآخر ، فهو الأرداف ، وهي كما يقول ليست تستطيع حملها ، دلالة الثقل الشديد .
ويصفها في مكان آخر بقوله :
        منعمة لو قابل البدر وجهها      لكان له فضل مبين على البدر
       هلالية الأعلى مطلخة الذرا        مرجرجة السفلى مهفهفة الخصر
       مبتلة هيفاء مهضومة الحشا      موردة الخدين واضحة الثغر
        خدلجة الساقين بض بضيضة     مفلجة الأنياب مصقولة العمر ( 12 )
والوصف أكثر تفصيلاً ، وتتبعاً لمظان الجمال في جسد المرأة ، فالوجه مثل البدر ،والخدود مثل الورد ، والثغر واضح دليل الجمال ، وأنيابها مفلجة ؛ أي متباعدة ، وهذا أدعى لجمالها أيضاً ، ثم لحم ما بين أسنانها مصقول ، أما شعرها فأسود فاحم ، وخصرها مهفهف ، وبطنها نحيف ، وساقاها ممتلئتان ، وهي بض بضيضة . وإذا راجعنا الأبيات ، نجد أن المجنون يصف ثلاثة عشر موضعاً في جسدها في أربعة أبيات ، وهو وصف حسي دقيق ، عارضاً رؤيته للنموذج الجمالي الذي يفضله ، وهو نموذج لا يختلف في جوهره عن النموذج الجاهلي ، كما سنرى فيما بعد .

30 - يناير - 2009
الى متخصصي الادب رجاء
المقدمة الطللية (6)    كن أول من يقيّم

وأما جميل فيقول :
     حلت بثينة من قلبي بمنزلة         بين الجوانج لم ينزل بها أحد
     صادت فؤادي بعينيها ومبتسم      كأنه حين أبدته لنا برد
     عذب كأن ذكي المسك خالطه       والزنجبيل وماء المزن والشهد
     وجيد أدماء تحنوه إلى رشأ         أغن لم يتبعها مثله ولد
     رجراجة رخصة الأطراف ناعمة     تكاد من بدنها في البيت تنخضد
    خدل مخلخلها وعث مؤزرها          هيفاء لم يغدها بؤس ولا وبد
     هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة            تمت فليس يرى في خلقها أود
     نعم لحاف الفتى المقرور يجعلها       شعاره حين يخشى القر والصرد ( 13 )
لا يكاد جميل في هذه الأبيات ينفرد برؤية جمالية خاصة ، فهو يتحدث عن الفم الذي هو مثل البرد ، وعن العينين اللتين تصيدان الفؤاد ،والعنق الذي هو مثل عنق الظبية ، ويصفها بأنها بدينة ناعمة لا تكاد تتحرك في بيتها ، ويصف ساقيها بامتلاء ، ثم يصفها بأنها مرفهة ناعمة ، وهي هيفاء رشيقة حين نراها قادمة ، وهي ممتلئة ضخمة حين نراها مدبرة ، وأن هذا النموذج تام لا يرى في خلقه عوج ، ولنلحظ أن مواضع التركيز عند المجنون وجميل تكادان أن تتفقا ، بل إننا نجد بعض المعاني نفسها تتكرر عند كل منهما ، ولا تكاد رؤيته للمرأة في الأبيات التالية تختلف كثيرا ، يقول :

       وقامت تراءى بعد ما نام صحبتي       لنا وسواد الليل قد كاد يجلح

       بذي أشر كالأقحوان يزينه              ندى الطل إلا أنه هو أملح
        كأن الخزامى عالج في ثيابها          بعيد الكرى أو فأر مسك تذبح
       كأن الذي يبتزها من ثيابها             على رملة من عالج متبطح
      وبالمسك تأتيك الجنوب إذا جرت         لك الخير أم ريا بثينة تنفح
      من الخفرات البيض خود كأنها          إذا ما مشت شبرا من الأرض تنزح
      منعمة لو يدرج الذر بينها               وبين حواشي ثوبها ظل يجرح
      إذا ضربتها الريح في المرط أجفلت      مآكمها والريح في المرط أفضح
      ترى الزل يلعن الرياح إذا جرت         وبثنة إن هبت لها الريح تفرح
       إذا الزل حاذرن الرياح رأيتها            من العجب لولا خشية الله تمرح  (14 )
هناك نجد جميل لا يتحدث عن نفس المواضع التي اختار الحديث عنها في الأبيات السابقة : الأسنان ، الفم ، المسك الذي يخالطها ، امتلاء جسمها ، حياؤها ، هي منعة ، يصيبها الإعياء إذا ما مشت .
وهي عند كثير عزة :

        تبدت فصادته عشية بينها        وقد كشفت منها لبين ستورها

         بجيد كجيد الرئم حال تزينه      غرائر مسترخي العقاص يصورها
         تلوث إزار الخز منها برملة      رواح كساها هائل الترب مورها ( 15 )
فهذه المحبوبة قد صادته ، حين بانت بعنق مثل عنق الظباء ، هذا العنق محلى بزينة تزينه ، وشعر مسترخ يميل منة كثرته ، وهي أيضاً عنده :
       من الخفرات البيض ود جليسها       إذا ما انقضت أحدوثة لو تفيدها
       منعمة لم تلق بؤس معيشة           هي الخلد في الدنيا لمن يستفيدها ( 16 )
وهي أيضا :
       منعمة لو يدرج الذر بينها    وبين حواشي بردها كاد يجرح ( 17 )
وأما قيس بن ذريح ، فيصفها بقوله :
إذا عبتها شبهتها البدر طالعا       وحسبك من عيب لها شبه البدر

       لقد فضلت لبنى على الناس مثلما          على ألف شهر فضلت ليلة القدر

       إذا ما مشت شبرا من الأرض أرجفت       من البهر حتى ما تزيد على شبر
        لها كفل يرتج منها إذا مشت              ومتن كغصن البان مضطمر الخصر ( 18 )
 هذه النصوص ترسم صورة شديدة الوضوح للمرأة التي تغزل فيها العذريون ، وهي صورة تمثل نموذج الجمال كما تصوروه ، ولا يظن أن كل محبوبات الشعراء كن يتصفن بهذه الصفات المتشابهة ، مما نرجح معه أن هذا الوصف هو وصف للنموذج أكثر منه وصفاً واقعياً ، قد يفصل أحدهم أجزاءه ، وقد يجمل آخر ، غير أن المحصلة النهائية  هي هذا النموذج الجمالي ، أهم ملامح المرأة فيه أنها موسومة بالحسن ، بيضاء باكرها النعيم ، موردة الخدين ، واضحة الثغر ، عيناها تصيدان القلوب ، شعرها أسود ، خصرها أهيف ، أنيابها مفلجة ، وأسنانها مثل الأقحوان ، عنقها مثل عنق الظبية ، وهي ثقيلة الأعجاز لا تستطيع المشي بسهولة ، ثيابها معطرة ، وهي شديدة الحياء إن تتكلم تقصد .
صورة المرأة هنا غير مميزة ، تصلح أن تكون نموذجاً ، ليست فيها هذه الفروق النفسية والجسمية أيضتا ، وإنما نجد حشداً من الصفات يتناقله الشعراء في أبياتهم ، فلا تكاد تفرق بين بثينة وعزة ولبنى وليلى وغيرهن ، وربما كان السبب أن شعراءنا جزء من نسيج الشعر العربي الذي كان يحفِل بالمبالغة في الوصف ، المبالغة في الشجاعة والكرم والحب وسائر العلاقات ، والصفات التي وجدنا أصداءها في الشعر .

30 - يناير - 2009
الى متخصصي الادب رجاء
المقدمة الطللية (7)    كن أول من يقيّم

 ولا نستطيع أن نزعُم هنا أن صورة المرأة هي وجهة نظر الشاعر في حبيبته ، فأهم ما يطلب في وجهة النظر هذه أن تكون مميزة ؛ أي لا تشاكل غيرها ممن وجهات النظر ، فإذا ما وجدنا غير ذلك ، وإذا ما قرأنا الصفة هنا بأبعادها المختلفة ، ووجدناها تتكرر عند آخر ، ثم ثالث ، وهكذا ، فلا بد إذن أن نبحث عن النموذج الذي يربط كل هذه الأجزاء ، ولا بد أن يكون هناك معجم شعري يستقي منه الشعراء صورهم ؛ أي أنهم في هذا الجانب مقلدون يترسمون خطا من قبلهم ، وقد كان الجاهليون هم المعجم الذي أخذ منه العذريون صورهم عن المرأة ، وهي قضية لا يصعب التدليل عليها ، فالنماذج الجاهلية بين أيدينا ، وشعرهم عن المرأة كثير ، ويكفي أن نطالع المفضليات أو الأصمعيات ، أو ديوان الحماسة ، أو دواوين الشعراء الجاهليين لنرى هذا التوافق بين النموذجين ( 19 ) امرؤ القيس مثلاً من أكثر الشعراء الجاهليين تفصيلاً لصورة المرأة ، وصورة المرأة شهيرة في معلقته ، وهو في الجزء الخاص بمغامراته معها ، يفصل ملامح الجمال في المرأة كما يراه تفصيلاً شديداً ، فبعد أن يحكي لنا مغامرته معها ، وانتحاءه بها في مكان ناء ، يبدأ في وصفها ، فهي متعطرة ، يتضوع ريحها الذي هو مثل ريح الصبا ، وهي مهفهفة بيضاء ، ليست عظيمة البطن ، وهو عيب في المرأة ، وهي بِكر يشوب لونها الأبيض صُفرة ، ثم يصف خدها بأنه طويل سهل ، ثم عينيها بأنها مثل عيون البقر الوحشي ، وعنقها مثل عنق الرئم ، وشعرها أسود فاحم ، وخصرها لطيف دقيق ، هكذا كما نرى في بقية الأبيات .
والصورة شديدة الوضوح والتفصيل ، وهي تعبر في كل جوانبها عن نموذج المرأة المفضل لدى الجاهليين ، لأن البحث عن هذا النموذج في شعرهم نجده متوتراً بين الشعراء ، وإذا قارنا هذا النموذج الذي يفضله الجاهليون ، والنموذج الذي وصفه العذريون في البداية ، نجد أنهما يتشابهان في كثير من التفصيلات ، بل إنهما يكادان أن يتطابقا ، لولا اختلافُ التعبير عن هذا النموذج ، ونجد أيضا أبياتاً بنفسها مشتركة بينهما ، فهي عند كعب بن زهير :
هيفاء مقبلة ، عجزاء مدبرة     لا يشتكي قصر منها ولا طول ( 20 )
وعند جميل :
هيفاء مقبلة ، عجزاء مدبرة     تمت فليس يرى في خلقها أود ( 21 )
وجيدها عند امرء القيس :
وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش         غذا هي نصته ولا بمعطل ( 22 )
وعند كثير :
بجيد كجيد الرئم حال تزينه       غدائر مستوفي العقاص يصورها ( 23 )
ونجد أن الزوايا التي كان ينظر منها الجاهليون إلى المرأة هي الزوايا نفسُها التي ينظر منها العذريون ، ومناطق الجمال نفسها التي أعجبت الجاهليين هي نفسها التي أعجبت العذريين ، وقد أدرك ذلك د. أحمد الحوفي في كتابه عن الغزل في العصر الجاهلي ، فقال: " صورت نموذج من الجمال من شعر العصر الجاهلي ، وأرى أن أعقبه بتصوير نموذج الجمال من الشعر الإسلامي ، وسيتبين أن النموذج لم يتغير ، وأن النظرة التي رسمت النموذج الأول هي النظرة نفسها التي رسمت الثاني ، وسيتبين أيضاً أن المرأة الجميلة في الإسلام – وقد تحضرت – لم تزد على المرأة في الجاهلية ، وقد آثرت أن أكثر من الاستدلال بشعر عمر ابن أبي ربيعة ، لأنه أستاذ عصره في البصر بجمال النساء . " ( 24 )
وهو وإن استشهد بشعر عمر بن أبي ربيعة ، فلأن عمر من أكثر الشعراء الأمويين وصفاً للمرأة ، لكن ذلك لا ينفي أن العذريين حينما وصفوا المرأة التي أحبوها ، إنما وصفوها بذات الصفات التي وصفها بها عمر ، والتي هي – من ناحية أخرى – امتداد للصفات والصورة والجمال التي رسمها لها الجاهليون .

30 - يناير - 2009
الى متخصصي الادب رجاء
المقدمة الطللية (8)    كن أول من يقيّم

تأثير الجاهليين في الصورة العذرية :
الصورة كانت أحد أهم الجوانب التي تأثر فيها العذريون بالجاهليين ، لا شك في أن الصورة تؤدي دوراً مهماً في البناء الشعري ، وطبيعة تكوينها من عناصر داخلة في هذا التكوين ، وعلاقات بين هذه العناصر ، ثم الأثر الذي تحدثه هذه الصورة ، وما يجاورها من صور تنبئ عن طبيعة العقلية المكونة ، أو عقلية الشاعر في هذا المقام ، ولا نستطيع أن نغفل أثر البيئة والعصر على الصورة الشعرية . فالقول باختلاف الصورة في الشعر الحديث عن الصورة في الشعر الجاهلي هو قول باختلاف البيئة والعصر من ناحية أخرى لا نستطيع أن نغفل أثر العصر في تكوين الصورة ، والعصر هنا يحدد التطور العقلي للإنسان في إطار ، والتطور العقلي يتأثر بثقافات العصر ، ونظرته إلى الكون ، ثم الطابع العام الذي يميز كل عصر عن سابقه ولاحـقه .
لا نستطيع أن نغفل دور التاريخ ، وأثره على الصورة الشعرية ، والتاريخ هنا هو تاريخ الصورة ، أو هو هذا التراث الشعري السابق على العصر ، وهو يمثل الجذور التي تعطي للصورة قوتها وحياتها ، والصورة العذرية كانت أسيرة هذا التاريخ في بعض جوانبها ، فلا شك في أن الصور الجاهلية قد أثرت تأثيراً كبيراً عليها ، وقد لانستطيع دراسة الصور الجاهلية دراسة تفصيلية ، بَيْدَ أن هناك سماتٍ عامةً تسم هذه الصور :
أولاً : الطابَع الحسي لهذه الصور ، والحسية التي نعنيها هنا هي وضوح أطراف الصورة ، واستطاعتنا تمييز هذه الأطراف بحواسنا ، فعندما يشبه الشاعر خد حبيبته بالورد ، نجد أطراف هذا التشبيه واضحة ، كما أننا نجدها ملموسة ، يستطيع الإنسان أن يراها ، ويمسك بها ، ويسمعها ، يقول سَلامة بن جَندل :
وعندنا قينة بيضاء ناعمة      مثل المهاة من الحور الخراعيب ( 25 )
أطراف الصورة هنا هي الأمة المغنية الناعمة ، والبقرة الوحشية الشابة الحسنة القوام الرخصة اللينة ، وهي صورة نستطيع دون مغالاة وسْمَها بالحسية .
ويقول ربيعة بن مقروم :

      بانت سعاد فأمسى القلب معمودا      وأخلفتك ابنة الحر المواعيدا

       كأنها ظبية بكر أطاع لها             من حومل تلعات الجو أو أودا ( 26 )
أطراف الصورة محبوبته " سعاد " و " الظبية البكر " ، و هي أطراف ملموسة مرئية في بيئة الشاعر .
ويقول المرار بن المنقذ :

         وإذا تضحك أبدى ضحكتها        أقحوانا قيدته ذا أشر

          لو تطعمت به شبهته             عسلاً شيب به ثلج خصر ( 27 )
يشبه الشاعر ثغر حبيبته بالعسل المخلوط بالثلج ، وهي أطراف حسية أيضاً .
ثانياً : المقاربة في التشبيه ، وهي نتيجة هذه الحسية التي توسم بها الصورة ، وقد وضع المرزوقي المقاربة في التشبيه باعتبارها أحدَ الأبواب التي يتألف منها عمود الشعر ، يقول: " إنهم كانوا يحاولون شرف المعنى وصِحّته ، وجزالة اللفظ واستقامته ، والإصابة في الوصف ، والمقاربة في التشبيه ،  التحام أجزاء النظم والتئامها ، على تخير من لذيذ الوزن ، ومناسبة المستعار للمستعار له ، ومشاكلة اللفظ للمعنى ، وشدة اقتضائهما للقافية ، حتى لا منافرة بينهما ، فهذه سبعة أبواب هي عمود الشعر " ( 28 ) وهي تمثل علاقات أطراف الصورة ، وقد كانت هذه العلاقات قريبة ، بسيطة الإدراك ، وهي أثر من آثار العقلية القريبة قبل الإسلام ، فعندما يشبه الشاعر حبيبته بالبدر أو الشمس أو الدرة أو الرمح ، فإن علاقات هذه العناصر بالأصل واضحة ، وما يريد الشاعر التعبير عنه بهذا التشبيه لا غموض فيه ، وليس من قبيل الاستطراد هنا أن نذكر بصورة أبي تمام عن الخمر حين وصفها بأنها " جهمية الأوصاف " وما أثارته هذه الصورة من تعليقات النقاد القدماء ، وهي تمثل أثر العقلية العربية التي تطورت كثيراً في القرن الثالث والرابع ، أما في الشاعر الجاهلي فقد كان من السابق لأوانه أن تظهر مثل هذه الصورة .
ثالثاً : اعتماد الصور الجاهلية على البلاغة ولاسيما التشبيه ، وقد بلغ من قوة التشبيه أن عد أحد الأغراض التي يتألف منها الشعر بجانب المدح والرثاء والهجاء والنسيب والوصف ( 29 )

30 - يناير - 2009
الى متخصصي الادب رجاء
 113  114  115  116  117