البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات الدكتور مروان العطية

 10  11  12  13  14 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
خيانة ابن خلدون !!!     كن أول من يقيّم

هل تم التستر على خيانة 'ابن خلدون' !!؟
 
للدكتور حسين سرمك حسن ؛ في جريدة الاتحاد /
الصحيفة المركزية للاتحاد الوطني الكردستاني
(الأحد 9/3/2008 م ، العدد/1787 السنة السادسة عشرة ) :    
 
 لقد خان "ابن خلدون" ـ هذا المفكر العبقري، صاحب (المقدمة) والفارس الاول في مجال علم الاجتماع ـ خان ابناء جلدته من اهل قلعة (دمشق) مما ادى الى ذبحهم على ايدي التتار وحرق مدينتهم بعد ان كانوا صامدين الى حد دفع عدوهم التتري (تيمور لنك) الى التفكير بعقد هدنة معهم. نعم لقد خان هذا المفكر ابناء قومه وصار عميلا للغازي وبدأ يرسم له الخرائط ويقدم المعلومات التفصيلية عن بلدان المغرب العربي تمهيدا لغزوها. نعم، لقد خان "ابن خلدون"، فلماذا هذا التستر على خيانته !!؟
 
واقول التستر ولا اقول التغاضي او التغافل او التناسي او.. او .. والامثلة والبراهين كثيرة. تصوروا مفكرا عربيا مهما مثل الدكتور (محمد عابد الجابري) يؤلف كتابا يقع في (483) صفحة عنوان: (فكر ابن خلدون ـ العصبية والدولة ـ معالم نظرية خلدونية في التاريخ الاسلامي) صدر عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد ويتجنب تماما التطرق ولو بكملة واحدة على الاقل الى المدة التي قضاها في دمشق ودوره الخطير الذي لعبه هناك لمصلحة تيمورلنك.
 
خذوا كتابا ضخما اخر يقع في (686) صفحة وعنوانه: (الفكر الاخلاقي عند ابن خلدون) لمؤلفه الدكتور (عبدالله شريط) اصدار المؤسسة الوطنية للكتاب والدار العربية للكتاب ـ الجزائر ـ ليبيا الطبعة الثالثة 1984، هذا الكتاب هو اصلا اطروحة دكتوراه يتحدث فيها المؤلف عن ادق تفاصيل الفكر الاخلاقي وما يلحقه من سلوك لدى (ابن خلدون) دون ان يمر ولو بكلمة واحدى على تلك الواقعة الخيانية، بل ـ على العكس من ذلك ـ نجد المؤلف يقدم المواعظ والنصائح الاخلاقية للقراء العرب انطلاقا من التنظيرات الاخلاقية لابن خلدون.
 
 يقول (شريط) (.. ان الالحاح على تمجيد ماضينا دون الحاح يعادله او يفوقه، على نقاط ضعفنا في التاريخ وفي الواقع المشاهد، ودون تعليل لكل ذلك بفكر علمي متحرر من العقد، اننا بدون ذلك نصبح اشبه بمن يلوي عنق امته فتصاب بانفصام في شخصيتها، ويصبح عندها من الطبيعي ان يكون الحاضر للاخرين والماضي لنا، والدنيا لهم والاخرة من نصيبنا.. ان اول عمل علمي يجب ان يقوم به المثقف هو ان يثور على واقعه بالنقد الذاتي).

10 - مارس - 2008
خيانة ابن خلدون !!!
ابن خلدون لم يخادع أمته يوما ، وهو معلمنا الأكبر !!!    كن أول من يقيّم

إن الدكتور شريط الذي يقول انه امضى ست سنوات في صحبة ابن خلدون دارسا له ومؤشرا نقاط الضعف في فكره الاخلاقي يعلن في ختام مقدمة كتابه: (..واذا نحن استطعنا يوما ان نعرف ونفهم انفسنا وامكاناتنا المعنوية والطبيعية والبشرية.. نكون قد حققنا الخطوة الاولى الصحيحة لخلق فكر اخلاقي فعال وحاسم لامتنا، ويكون ابن خلدون الذي لم يخادع امته يوما هو معلمنا الاكبر الذي هدانا الى هذا المنهج المستقيم).
 
وخذ ايضا كتابين من مؤلفات وتحقيق الدكتور (علي عبدالواحد وافي) وهو اكثر الباحثين العرب تخصصا بابن خلدون.. الاول هو : (عبقريات ابن خلدون) اصدار عالم الكتب ـ القاهرة عام 1973 وفيه يتعرض لحياة واثار ابن خلدون تفصيليا ويتحدث في الفصل الرابع عن (لقاء ابن خلدون بتيمورلنك) من الصفحة (91) الى الصفحة (95) ويعلق على (لقاء) ابن خلدون بتيمورلنك والمساومات والتنازلات المهينة التي قدمها له بالقول:
 
(ويظهر ان ابن خلدون كان قد عاوده حينئذ داؤه القديم، وساوره الحنين الى المغامرات السياسية، فكان يعلق على صلته بتيمورلنك امالا اخرى غير ما وفق اليه في شأن دمشق وشأن زملائه العلماء والقضاة.. ولعله كان يرجو الانتظام في بطانة الفاتح والحظوة لديه. ولذلك اخذ يطنب في مدحه ويذكر له انه كان عظيم الشوق الى لقائه منذ امد طويل ويتنبأ له في مستقبله بملك عظيم مستدلا على صحة تنبؤاته بحقائق الاجتماع واقوال المنجمين والمتنبئين بالغيب. ويظهر كذلك ان ابن خلدون قد آنس سذاجة في هذا الفاتح مرحبا في المديح فاخذ ينفخ في كبريائه بهذه التنبؤات. ويروي ابن خلدون ما ذكره لتيمورلنك، بدون ان يصرح بما دعاه الى ذلك فيقول: (ففاتحته وقلت له: ايدك الله، لي اليوم ثلاثون او اربعون سنة اتمنى لقاءك. فقال لي الترجمان عبدالجبار : وما سبب ذلك؟ فقلت ذلك؟ فقلت امران: الاول انك سلطان العالم وملك الدنيا، وما اعتقد انه ظهر في الخليقة منذ آدم لهذا العهد مثلك ، ولست من يقول في الامور بالجزاف، فاني من اهل العلم، واما الامر الثاني مما يحملني على تمني لقائه فهو ما كنت اسمعه من اهل الحدثان وهم المنجمون والملهمون من المتنبئين بالغيب..) ويكمل الدكتور (وافي) رأيه بالقول: غير ان ابن خلدون لم يوفق الى تحقيق ما كان يأمله من تيمورلنك، فلم تمض اسابيع قلائل حتى سئم البقاء في دمشق. واستأذن تيمورلنك في العودة الى مصر فاذن له).
 
اما الكتاب الثاني للدكتور (وافي) فهو كتاب ابن خلدون نفسه:
 
(التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا)
 
 الذي قام بتحقيقه ـ اصدار دار الكتاب اللبناني/ بيروت ودار الكتاب المصري/ القاهرة عام 1979 وفيه قسمان بقلم ابن خلدون عن (لقاء الامير تمر سلطان المغل والططر) و (الرجوع عن هذا الامير "تمر" الى مصر) من الصفحة (406 الى الصفحة 428) يتحدث فيهما وبدم بارد ولغة رشيقة عن خروجه على اجماع ابناء قلعة دمشق الصامدين وخوفه على نفسه وتدليه من السور لمقابلة اعظم ملك منذ ايام آدم كما يقول وكيف قبل يد الغازي المحتل. يقول ابن خلدون:
 
(وجاءني القضاة والفقهاء واتفق رأيهم على طلب الامان من الامير "تمر" على بيوتهم وحرمهم وشاوروا في ذلك نائب القلعة فابى عليهم ذلك ونكره فلم يوافقوه..). ثم يذكر كيف تدلى (المثقفون) العقلانيون من قضاة وفقهاء من السور وقابلوا تيمورلنك (فاحسن لقاءهم وكتب لهم الرقاع بالامان وردهم على احسن الامال واتفقوا معه على فتح المدينة من الغد، ودخول امير ينزل بمحل الامارة منها ويملك امره بعز ولايته). ثم يتحدث عن (مبادرته الخيانية في الليلة التالية فيقول:
 
(واخبرني القاضي برهان الدين انه ـ أي تيمورلنك ـ سأله عني.. وبتنا تلك الليلة على اهبة الخروج اليه، فحدث بين بعض الناس تشاجر في المسجد الجامع، وانكر البعض ما وقع من الاستنامة الى القول. وبلغني الخبر من جوف الليل فخشيت المبادرة على نفسي، وبكرت سحرا الى جماعة القضاة عند الباب، .. ودلوني من السور (0000) فلما دخلت عليه فاتحت بالسلام، واوميت ايماءة الخضوع، فرفع رأسه، ومد يده اليَّ فقبلتها). ولا يكتفي ابن خلدون بالنفاق والتملق لتيمورلنك بالقول له انه كان ينتظر لقاءه منذ اكثر من اربعين سنة!! او انه اعظم ملك منذ عهد ادم كما بينا ذلك بل انه يستجيب لطلب الغازي بتقديم وصف شامل لبلاد المغرب يساعد الطاغية على احتلالها.
 
يقول ابن خلدون بعد ان قدم شرحا عاما لجغرافية المغرب:
 
(000 فقال: لا يقنعني هذا، واحب ان تكتب لي بلاد المغرب كلها، اقاصيها وادانيها وجبالها وانهارها وقراها وامصاره، حتى كأني اشاهدها.. فقلت: يحصل ذلك بسعادتك وكتبت له بعد انصرافي لما طلب من ذلك واوعبت الغرض فيه في مختصر وجيز يكون قدر اثنتي عشرة من الكراريس المنصفة القطع لكن ماذا كانت نتائج وثمار هذا الموقف الثقافي العقلاني. لقد كانت نتائج وثمار الموقف (الخياني) الثقافي العقلاني لابن خلدون على الشكل الاتي الذي يصفه لنا ابن خلدون بعقلانية مفرطة وبدم بارد وبروح حداثوية وما بعد حداثوية، يقول ابن خلدون في الصفحتين (416 و 417) من (تعريفه) او سيرته الذاتية:
(000 وجاءه الخبر بفتح باب المدينة وخروج القضاة وفاء بما زعموا من الطاعة التي بذل لهم فيها الامان (0000) واشار اليَّ بالجلوس فجلست بين يديه. ثم استدعى امراء دولته القائمين على امر البناء فاحضروا عرفاء البنيان المهندسين وتناظروا في اذهاب الماء الدائر بحفير القلعة لعلهم يعثرون بالصناعة على منفذه000
وانصرفت الى بيتي داخل المدينة.. واشتغلت بما طلب مني في وصف بلاد المغرب ، فكتبته في ايام قليلة ورفعته اليه فاخذه من يدي، وامر موقعه بترجمته الى اللسان المغلي. ثم اشتد في حصار القلعة ونصب عليها الالات من المجانيق والنفوط والعراوات والنقب فنصبوا لايام قليلة ستين منجنيقا الى ما يشاكلها من الالات الاخرى وضاق الحصار باهل القلعة وتهدم بناؤها من كل جهة، فطلبوا الامان..) .

10 - مارس - 2008
خيانة ابن خلدون !!!
وهي دعوة للنقاش !!!    كن أول من يقيّم

 
وتتصاعد (ثمار) العقلانية الثقافية لتصل الذروة في ما يقوله ابن خلدون:
 
(وكان بها جماعة من خدام السلطان ومخلفه، فامنهم السلطان "تمر" وحضروا عنده وخرب القلعة وطمس معالمها وصادر اهل البلد على قناطير من الاموال استولى عليها بعد ان اخذ جميع ما خلفه صاحب مصر هنالك من الاموال والظهر والخيام. ثم اطلق ايدي النهابة على بيوت اهل المدينة، فاستوعبوا اناسيها، وامتعتها واضرموا النار.. فاتصلت النار بحيطان الدور المدعمة بالخشب فلم تزل تتوقد الى ان اتصلت بالجامع الاعظم، وارتفعت الى سقفه فسال رصاصه وتهدمت سقفه وحوائطه، وكان امرا بلغ مبالغه في الشناعة والقبح وتصاريف الامور بيد الله يفعل في خلقه ما يريد، ويحكم في ملكه ما يشاء).
 
ولو تأملنا العبارة الاخيرة لوجدنا ان ابن خلدون يبدو وكأنه يحاول تبرير فعلة تيمورلنك الشنعاء بكونها قدر محكم من الله سبحانه وتعالى ومثل هذه التبريرات ليست غريبة على العقلانيين من المثقفين خائري الارادة هزازي الرؤوس نهازي الفرص. فبعد ان يلغوا ارادة المقاومة لدى (العامة) بدعوى منطق العقل وفهم توازن القوى وادراك طبيعة المرحلة التاريخية نجدهم ينكصون الى احط درجات سلم التفكير الخرافي والسحري لتبرير انخذالهم ومهانتهم وبعد ان يورطوا ابناء جلدتهم ويسلمونهم للموت والذبح على ايدي الطغاة الذين يتنعم هؤلاء المثقفون بتناول الطعام معهم وتقديم الهدايا اليهم وكأنهم يشكرونهم على تلطفهم في قتل اخوانهم واحتلال ارضهم .. هذا ما يثبته ابن خلدون في سيرته وبعد ان تم تقتيل ابناء جلدته وحرق مدينتهم حيث نجده يقدم هدايا العرفان والشكر الى الطاغية ولا يتورع عن ان يهديه القرآن الكريم.
 
(000 اشار عليَّ بعض الصحاب.. بان اطرفه ببعض هدية، وان كانت نزرة فهي عندهم متأكدة في لقاء ملوكهم، فانتقيت من سوق الكتب مصحفا رائعا حسنا في جزء محذو، وسجادة انيقة ونسخة من قصيدة البردة المشهورة للابوصيري في مدح النبي صلى الله عليه وسلم واربع علب من حلاوة مصر الفاخرة وجئت بذلك فدخلت عليه، فلما رآني مقبلا مثل قائما واشار اليّ عن يمينه..الخ).
 
لكن من مزّق استار هذا التستر و (التواطؤ) واظهر حقيقة ابن خلدون في سلوكه الخياني كما هي ودون اغطية تبريرية (معقلنة)؟ اعتقد ان المبدعين الجسورين هم الاكثر اهلية لتمزيق الاستار والاغطية عن جسد الحقيقة المقدس.
 
وقد جاء الفضح الدقيق والمؤصل والجسور على يدي مبدعين كبيرين راحلين هما: سعدالله ونوس وعبدالرحمن منيف .
 
الاول من خلال مسرحيته الخطيرة: "منمنمات تاريخية" ، والثاني من خلال مداخلته النقدية على هذه المسرحية في مقالته :
 
"ابن خلدون وصورته في منمنمات تاريخية" والتي ختمها كتابه :
"لوعة الغياب" اصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر والمركز الثقافي العربي للنشر- بيروت/ الدار البيضاء ـ الطبعة الثالثة عام 2003 م ، والتي قال قبيل ختامها وبعد ان ناقش موضوعة (خيانة) ابن خلدون بصورة موضوعية رائعة:
 
(اعتمادا على ما تقدم "نحاكم" ابن خلدون ، ليس بهدف الادانة وانما باستحضاره كنموذج لمثقف كبير قدم اضافات هامة ونوعية في قراءة المجتمعات.. ان مثقفا بهذه الاهمية وبهذا الحجم وايضا خلال تلك الفترة العصيبة من تاريخ العرب في مواجهة الغزو التتري، كان يفترض ان يرفع ثقافته ومعارفه الى مستوى تاريخي خاصة وهو في تلك السن المتقدمة. ولعل الصمت، لو حصل، كان اقل المواقف التي يمكن ان تقبل له او منه.
 
اما حين يسخر ثقافته ومنصبه السابق بتسويغ الغزوة التترية ويكون نديما لتيمور لنك ويعتبره اعظم حاكم منذ ايام آدم.. الخ) فان في ذلك الغاء لعقلانية ابن خلدون تماما.
 
وبغض النظر عن التساؤلات المهمة التي طرحها (منيف) في بداية مقالته عن المواقف الاخلاقية التي يجب ان تتسم بها الثقافة، والعلاقة بين المعرفة والسلوك، ودور الثقافة والمعرفة، وهل يجب ان يكونا في خدمة القوة والسلطان، او في زيادة وعي الناس وصقل ارواحهم والعلاقة بين الطموح المشروع للمثقف واغراءات السلطة والمال، وماذا يعني المثقف ، هل هو مجرد تقني ام صاحب وجهة نظر وضمير !!؟
 
أقول بالإضافة الى تلك التساؤلات الحساسة ما يزال تساؤلي الأساسي قائما ، وهو :
 
لماذا التستر على خيانة ابن خلدون !!؟
 
 وهي دعوة للنقاش !!!

10 - مارس - 2008
خيانة ابن خلدون !!!
مداخلات مفيدة رائعة !!!    كن أول من يقيّم

أخي الحبيب الباحث الأديب اللبيب الأستاذ أحمد
لقد أثريت هذه الصفحة بمداخلاتك الرائعة الشائقة الماتعة
بوركت يداك ، وبورك المداد والقلم
وجزاك الله خيرا

11 - مارس - 2008
خيانة ابن خلدون !!!
شكرا لك أخي الحبيب زين الدين    كن أول من يقيّم

( أشكر الأستاذ مروان على نقله للمقال ، وأود أن أهمس في أذنه أن تاريخ تشر المقال هو " السبت 29 أفريل 2006 " .
مع تحياتي .. زين الدين )
 
أشكرك كل الشكر أخي الكريم
ولكنني رجعت للمقال فوجدت التاريخ نفسه الذي ذكرته
في بحثي ..
ولذلك أنا أعجب لأمر هذا (النت) !!!
وجزاك الله خيرا

11 - مارس - 2008
خيانة ابن خلدون !!!
أشم من وراء هذا البحث رائحة التشيع البغيضة !!!    كن أول من يقيّم

وتلك " شنشنة أعرفها من أخزم " !!!
 
وهي مبثوثة في كتب الشيعة بكافة أشكالها :
قديمها وحديثها !!
 
 وهنا نقطة مهمة جدا ينبغي مناقشتها، يغفل عنها كثير من الباحثين.
وذلك أنك تراه يأتي مثلا إلى كتاب مشهور جدا مثل  صحيح البخاري وصحيح مسلم وكتاب سيبويه أو كتاب الأم للشافعي أو نحو ذلك من أمات الكتب التي تحتل مكانة عاية في ضمير الأمة ويريد أن يطعن في نسبتها، ويستدل على ذلك بمرويات غير مشهورة موجودة في بعض الكتب المهجورة!!!

فكيف تريد يا خبير البحث أن تستدل بالمهجور على المشهور!!؟
وكيف يا عاقل العقلاء تريد أن تستدل بالمتأخر على المتقدم !!؟
وما أدراك أن هذه الكتب نفسها التي تنقل منها ليست منحولة أو مكذوبة !!؟

هل لديك من الأدلة على صحة ما في هذه الكتب أقوى من الأدلة التي تثبت صحة هذه الكتب !!؟

هذا يشبه حال الذي يريد أن يثبت أن يحيى بن معين أو أحمد بن حنبل ضعيف الرواية استنادا إلى خبر رواه أحد الضعفاء !!

ويشبه أيضا حال الذي يريد أن يطعن في القراءات السبع استنادا إلى بعض القراءات الشاذة !!

ماالطريقة عند هؤلاء الحاقدين الأغفال إلا الهدم والإفتراء !!
وكيف يهدم هؤلاء هذا الصرح الشامخ الذي بناه الأئمة على مدى قرون !!؟

الجواب سهل ؛ أن تذهب إلى أصل هذا الصرح وأساسه لتهدمه، وبذلك تستطيع أن تهدم كل ما بني عليه بعد ذلك.

14 - مارس - 2008
نقد الصِّحاح ( البخاري نموذجا )
للأهمية : الجواب عن طعون في صحيح البخاري (للشيخ د. حاتم الشريف)     كن أول من يقيّم

 

العنوان الجواب عن طعون في صحيح البخاري
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 26/08/1427هـ

الســــــــــــــــؤال : 
أنا لا اعتقد أن صحيح البخاري كله صحيح للأسباب التالية:

1-
توجد مصادر عديدة تؤيد العدد الذي وجب على الإمام البخاري أن يتصفحه من الأحاديث قبل حذف معظمها وهو حوالي (000و300) حديث.
والآن إذا أجرينا حساب الأحاديث التي درست في (40) سنة وهي (300.000) وهذا ينتج عنه حوالي (20) حديث تم فحصه وتحليله في اليوم، كما نحسب في ذلك مجموع الرحلات التي وجب أن يقوم بها الإمام البخاري في حياته (من أوزبكستان إلى إيران وإلى سوريا والشرق الأوسط) ليجمع الأحاديث والمرات التي كان فيها مريضا إلخ هذه كانت مهمة ضخمة ليحقق ويوثق بدقة.

2- أنه من البشر. وعمل الإنسان لا يمكن أن يكون متقنا خالياً من الأخطاء. كما إنه ليس معصوما من الأخطاء كالقرآن.
3- لماذا لم يتخذ الخلفاء الراشدون الأربعة قراراً بجمع سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- في حياتهم إذا كان الأمر مهما؟ لماذا كان يجب علينا أن ننتظر البخاري ليجمع السنة ؟
4- وفقا له لنتحقق أن أي حديث يكون صحيحا فيجب أن نرجع للقرآن.
5-
إذا كان البخاري صحيحاً فلماذا تتعارض فيه بعض الأحاديث؟ فمثلاً المجلد (4) الكتاب (52) رقم (74) روى أبو هريرة أن رسول الله قال: "قال سليمان بن داود ذات مرة: أقسم بالله سأجامع الليلة مائة (أو تسعا وتسعين) امرأة كل منهن ستنجب فارساً سيقاتل في سبيل الله. يعني بذلك إن شاء الله ولكنه لم يقل بمشيئة الله لذا واحدة فقط من أولئك النسوة حملت وأنجبت طفلا".
في المجلد (4) من الكتاب (55) روى أبو هريرة أن النبي قال: "قال سليمان بن داود سأنام الليلة مع سبعين امرأة ستحمل كل منهن بطفل سيكون فارساً يقاتل في سبيل الله قال له صاحبه: (قل إن شاء الله) ولكن سليمان لم يقل ذلك لذا لم تحمل من أولئك النسوة إلا واحدة فقط والتي أنجبت نصف طفل". فوفقا له لماذا تكون هناك أعداد مختلفة مادام أنها من رواية أبي هريرة نفس الراوية؟
6- ما دام تلك الأحاديث قد رويت بعد مئات قليلة من السنين من وفاة نبيكم صلى الله عليه وسلم فقد لفقت مثل الإنجيل والتوراة والزبور فأضاف الناس آراءهم ليشبعوا رغباتهم.
7- أنا قرأت كثيرا من الكتب وهي تؤيد ما سبق.

ستقدمون لي مساعدة عظيمة جدا إذا أرسلتم لي بآرائكم
جزاكم الله خيراً.

14 - مارس - 2008
نقد الصِّحاح ( البخاري نموذجا )
الجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــواب     كن أول من يقيّم

الجـــــــــــــــواب :

الحمد لله الكبير المتعال، والصلاة والسلام على النبيّ وأزواجه والآل، أما بعد:

فأقول (وبالله التوفيق) جواباً على السؤال:

أشكر الأخ السائل على حرصه على معرفة الحقيقة بكل تجرُّد، وعلى صراحته في إبداء الشكوك التي لديه حول السنة النبويّة، لكي يجد الجوابَ المقنعَ عليها.
وقبل الدخول في الأسباب التي ساقها للشك في (صحيح البخاري)، أبدأ بمقدّمة مهمّة: وهي أن القرآنَ الكريم نَفْسَه دلّ على أن السنة محفوظة، وأنها ستبقى ظاهرةً معروفةً متميّزةً عن الخطأ الذي وقع للرواة والكذب الذي تعمّده بعضهم، ليُمكن بهذا الحفظ لنقائها، وبهذا الضمان لحمايتها أن يبقى الدينُ محفوظاً، والقرآن مفهوماً، وأوامرُ الله تعالى الكثيرةُ بطاعة النبي –صلى الله عليه وسلم- وتحذيرُهُ سبحانه في القرآن الكريم من مخالفته –صلى الله عليه وسلم- تكاليفَ مقدورًا على القيام بها مُسْتَطاعًا تحمُّلُ أمانتها. وبغير حفظ السنة سيضيع الدينُ الذي تعهّد الله بحفظه، وسيستغلقُ علينا فهمُ القرآن كما أراد الله تعالى من إنزاله علينا، وستكون تلك الأوامر الكثيرة في القرآن الكريم بطاعة النبي –صلى الله عليه وسلم- المُحَذِّرَةُ من معصيته أوامرَ وتحذيراتٍ مُلْغاةً لا يُمكن تطبيقها والعمل بها؛ إذ كيف يُؤْتمر بأمرٍ ويُحْذَر من معصية من لا نعرف له أمرًا ولا يَثْبُتُ لدينا عنه نهيٌ؟!
هذا كله قد بيّنت أدلّته في فتوى سابقةٍ لي (برقم 25208). عنوانها (إنكار السنة بدعوى أن الله لم يتعهد بحفظها)
وعلى هذا فليعلم كل مسلم أن التشكيك في السنة تشكيكٌ في القرآن، وبالتالي فهو شكٌ في دين الإسلام جملةً وتفصيلاً!
فإن بلغ بالمرء الشك إلى هذا الحدّ، فعليه أن يحرص على مداواة نفسه، بالنظر في الأدلّة العقليّة على نبوّة النبي –صلى الله عليه وسلم-، والتي يأتي على رأسها القرآن الكريم، المتضمّن لأهمّ دلائل نبوّته –صلى الله عليه وسلم-: من إعجاز بلاغي، وإعجاز تشريعي، وإعجاز غيبـي، وإعجاز علمي، وغيرها. مضافًا إليها بقيّة الأدلة؛ كسيرة النبيّ –صلى الله عليه وسلم-، وسنته الثابتة الصحيحة.
وبشارات الأنبياء السابقين به –صلى الله عليه وسلم- والموجودة في كتب اليهود والنصارى إلى اليوم!
فإن النظر في أدّلة النبوّة هو الكفيل في أن يعود المرء، إلى نداء فطرته، وإلى الحق الذي تتعّطش النفوس إلى معرفته: وهو أن دين الإسلام هو دين الله تعالى الذي لا دين له سواه "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [آل عمران: 85].
فإذا ما تيقن المرء بنبوّة النبي –صلى الله عليه وسلم- وأيقن بناءً على ذلك بأن القرآن كلامُ الله المنزَّل على محمد –صلى الله عليه وسلم- فإنه سوف يُوقنُ أيضاً بأنّ السنة النبويّة محفوظة من الزيادة والنقصان، ومن اختلاطٍ يؤدي إلى عدم تمييز الثابت منها بغير الثابت؛ لأن القرآن الكريم قد دلَّ على وجوب حفظ السنة، كما سبقت الإشارة إليه.
فإذا وَصَلَ المسلمُ إلى هذه الحقيقة: وهي أن السنة محفوظة، وأنها ستبقى محفوظةً ما بقي دينُ الإسلام، إلى قيام الساعة= فقد وصل إلى الحقيقة الهادية له في هذا الموضوع، وقد حصل على الضمان الذي سيحميه من الشكوك المهلكة لدينه. وعندها سنسأل هذا المسلم الذي أيقن بحفظ الله للسنة، ما هو أولى كتب السنة أن يكون قد حفظ لنا السنة المحفوظة بدلالة القرآن على حفظها؟ ما هو ذلك الكتاب الذي يمكن أن يكون قد تحقّق فيه موعود الله تعالى بحفظ دينه القائم على الكتاب والسنة؟ لن يجد المسلمُ (ولا غيرُ المسلمِ العارفُ بتاريخ علوم السنة) إلا جواباً واحداً: وهو أن أوْلى كتاب بجواب السؤالين السابقين: هو كتاب (الصحيح) للإمام البخاري عليه رحمة الله، ويليه كتاب (الصحيح) للإمام مسلم، فهما أصحّ كتب السنة بإجماع أهل السنة!!
ولذلك كان التشكيك في جُملة ما في الصحيحين، وعامّة ما في هذين الكتابين الجليلين تشكيكاً في السنة كلّهَا. وبالتالي فإنه يعود على الطعن في القرآن الكريم نفسه.. ليكون هذا السبيلُ هو سبيل الخروج عن الدين، والذي سبق ذكر دوائه آنفاً.
إلى هذا الحدّ تبلغُ خطورة الطعن في جملة أحاديث الصحيحين وعامة السنن الواردة فيهما، ممّا سيدلّ الأخ السائل على وجوب مراجعة نفسه أشدّ المراجعة، ومحاسبتها أدقّ المحاسبة، قبل أن يصل إلى هذا الحدّ البالغ الخطورة!
ومن أوّليّات مراجعة النفس الصادقة، ومن الأمانة في محاسبة النفس: أن لا يخوضَ المرءُ في علم يجهله، وأن لا يتكلَّم فيما لا يحسنه. فكما لا يحق لي أن أشكّك في علم الجينات الوراثيّة، لمجّرد أني التقطتُ معلومة من هنا وهناك، دون دراسة متعمّقة متخصّصة، وكما لا يصح أن أُجَادل علماء الآثار والحفريّات في النتائج التي توصّلوا إليها، ما دمت غير مشارك لهم في التخصُّص الذي دقّقوا وتعمّقوا فيه= فكذلك لا يحق لي أن أخالف علماءَ السنّة، ولا يصح أن أعارضهم، ما دمتُ غير عالمٍ بعملهم، ولا معرفة لي بدقائقه الكثيرة وبأعماق علومه العديدة.
إن علوم السنة النبويّة التي وضَعها علماء السنة لنقد المرويّات قد بلغت في كثرتها ودقّتها مبلغاً أدهش كل من تعرّف عليها، حتى من غير المسلمين الذين اطّلعوا على بعض جوانب عظمتها، وبالغ موضوعيّة منهجها النقديّ، وقوّة وسائله في التحرّي والاحتياط للسنة.

14 - مارس - 2008
نقد الصِّحاح ( البخاري نموذجا )
الجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــواب / ثانيا ...    كن أول من يقيّم

وإنّي إذ أتحدّث عن علوم السنة بهذا الحديث، والذي أعلنُ من خلاله أن دقّة علوم السنة وعمقَها وصدقَ نتائجها لهو وحده دليلٌ كافٍ (لمن عرفها) أن السنة محفوظةٌ مصونة من النقص أو الزيادة ومن الاختلاط غير المتميِّز.
ولا أعلن هذه الحقيقة التي أرى أدلّتها في علوم السنة أمامي كما أرى المُحَسّاتِ التي أمامي تماماً؛ لأني أريد من الناس أن يقلدوني في هذا الإيمان الذي استفدتُه من علوم السنة؛ فإني أعلم أن هذا ليس منهجاً صحيحًا في الجدل وإقامة الحجّة. ولكني إنما أعلنُ هذه الحقيقة؛ لأني أتمنَّى ممّن كان في قلبه شك في هذه العلوم، أن يتعلّمها التعلُّم الصحيح، على يد العلماء بها، كما يتعلّم أيّ علم عميق من العلوم الكونيّة = لكي يعلم من علوم السنة ما علمتُه منها، ولكي لا يسمح لنفسه أن تخوضَ فيما لا تعلم، وأن لا يظلم الحقيقة العلميّة عندما يتحدّث عمّا يجهل!
ومن هنا أدخل في الجواب عن الإشكالات التي ذكرها:

أولاً: الجواب عن الإحصائية التي ذكرها.
والجواب الأوّل: أن السائل لم يعرف مقصود العلماء من تلك الأعداد للأحاديث، وما هو مرادهم من (الحديث) في ذلك السياق.. حيث إنهم يقصدون بذلك (أوّلاً): أحاديث النبي –صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين، ولذلك لمّا قال الإمام أحمد "صحّ من الحديث سبعمائة ألف، وكسر" فسّره البيهقي بقوله: "أراد ما صحّ من: الأحاديث، وأقاويل الصحابة وفتاوى من أخذ عنهم من التابعين". تهذيب الكمال للمزّي 19/96-97)، وانظر بمعناه في البحر الذي زخر للسيوطي (2/743).
ويقصدون ثانياً: الأسانيد المكرّرة والطرق المتعدّدة للحديث الواحد، فيعدّون كل إسنادٍ حديثاً، فتتعدّد الأحاديث (بمعنى الأسانيد) للمتن الواحد. وهذا ما فسّر به جماعةٌ من العلماء كلام البخاري وغيره؛ لأن هذا هو اصطلاحهم بالحديث. فانظر علوم الحديث لابن الصلاح (20-21)، والنكت للزركشي (1/181-182)، والنكت لابن حجر (1/297)، والبحر الذي زخر للسيوطي (2/743-748).
ومن ثَمَّ يكون العَدَدُ الذي ذكره السائل ليس المقصود به متون الأحاديث، حتى يتصّور ذلك التصوّر الذي جعله يستكثر تمكّن البخاري من نقدها؛ لأنّ ذلك العدد أكثره ممّا يُروى عن غير النبيّ –صلى الله عليه وسلم-، فهو لا يدخل في شرط البخاري في صحيحه، الذي اشترط أن يذكر فيه ما صحّ عن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- دون غيره.
ثم إن هذا العدد سيتضاءل جدًّا أيضًا، إذا فهمناه كما كان المحدّثون يستعملونه، وهو أنهم أرادوا به الأسانيد، لا المتون. وإذا كان حديث "إنما الأعمال بالنيات..." قد رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري أكثر من ثلاثمائة راوٍ (كما ذكره الحافظ ابن حجر في فتح البارى 1/11)، فكم رواه عن كل واحدٍ من هؤلاء الثلاثمائة؟! فهذه مئات الأحاديث لمتن واحد. والبخاري ليس مضطرًّا للنظر في كل تلك الأسانيد للحكم على الحديث بالصحّة، بل يكفيه منها ما يدلّ على عدم الوقوع في الكذب والخطأ، ليحكم بناءً على أدلّة موافقة ذلك الحديث للواقع أنه حديثٌ صحيح.
وقد أجاب الحافظ ابن حجر (ت851هـ=1447م) عن مسألة أخرى، فجاء جوابه كأنه جوابٌ على السائل، فقال في كتابه النكت على كتاب ابن الصلاح (1/297-298): "قد يطلقون هذه العبارة على الموقوفات والمقطوعات، والمكرّرات... ويزيد ذلك وضوحاً: أن الحافظ الجوزقي ذكر أنه استخرج على جميع ما في الصحيحين حديثًا حديثًا، فكان مجموع ذلك خمسة وعشرين ألف طريق وأربعمائة وثمانين طريقاً. فإذا كان الشيخان مع ضيق شرطهما بلغ جملةُ كتابيهما بالمكرّر هذا القدر، فما لم يخرجاه من الطرق للمتون التي أخرجاها لعله يبلغ هذا القدر أيضًا [أي يبلغ العددان خمسين ألفاً]. وما لم يخرجاه من المتون من الصحيح الذي لم يبلغ شرطهما لعله يبلغ هذا القدر أيضًا أو يقرب منه [أي تبلغ الأعداد الثلاثة 50 ألفًا + 50 ألفًا = مائة ألف]. فإذا انضاف إلى ذلك ما جاء من الصحابة والتابعين، تمّت العدّة التي ذكر البخاري أنه يحفظها". يعني: من الحديث الصحيح، وأمّا غير الصحيح، فإنه إذا بلغ الصحيح أكثر من مائة ألف إسناد، فالضعيف سيبلغ أضعاف هذا العدد.
وهذا الخطأ في فهم السائل لاصطلاحات العلماء بالحديث، وهو إصلاح من أوائل إصلاحات علوم الحديث، يدلُّهُ هو نفسه على أنه بعيدٌ كل البعد عن أن يكون له الحق في الخوض في علم لا يعرف عنه إلا تلك المعلومات السطحيّة. ولا أقصد بذلك جرح هذا السائل (وفقه الله)، وإنما أعتمد في خطابي له بذلك على أن العاقل لا يتوهّم أنه عالمٌ بكل علم، والعاقل أيضاً لا يتوهّم أنه يحق له الكلام في العلم الذي يجهله. ولا أشك أن السائل إذا ما نُبّه إلى قِلّة علمه يعلم أنه لن يرضى لنفسه أن يتكلّم بغير علم.
والذي جعلني أيضًا أَنْقُلُ النقول السابقة عن علماء تُوفُّوا من قرون طويلة، ليتأكّد السائل من صحّة تفسيري، وأنني لم أفسّر الكلام بذلك التفسير هروبًا من الاعتراف بحق، بل لأن هذا هو فَهْمُ العلماء من قرون، دون أن تنقدح تلك الشُّبهة في أذهانهم من خلال سؤال صاحب السؤال، وسياق كلامهم بعيدٌ عن شُبهة السائل.
ولولا حرصي على هداية السائل لما أتعبتُ نفسي بنقول هي من أوّليّات علوم الحديث ومبادئه الصغرى لدى صغار طلبة الحديث!!

14 - مارس - 2008
نقد الصِّحاح ( البخاري نموذجا )
والجواب الثاني     كن أول من يقيّم

والجواب الثاني :
أن السائل لا يعرف منهج المحدّثين في التصحيح والتضعيف، وتمييز المقبول من غير المقبول، ولذلك كان تصوُّره خاطئاً.. فمِمّا ينبغي له علمه: أن المحدّثين ونقَّاد الحديث (كالبخاري) كانوا يسيرون في نقدهم للحديث الواحد ضمن خطوات دقيقة جدَّا، منها أنهم يحرصون كل الحرص على مشاورة أهل العلم سواهم، وسماع آرائهم حول ذلك الحديث، ومناقشتهم حول تلك الآراء. فليس (صحيح البخاري) جهدًا لشخص واحد دون أي إعانة من علماء عصره من شيوخه وأقرانه، بل يكاد يكون جهدًا جماعيَّا.
وقد نصَّ أحد قدماء المحدّثين على هذا المنهج الذي كان يتّبعه المحدثون لنقْدِ السنة، فقد قال أبو عبد الله الحاكم (ت 405هـ =1014م) في أثناء كلامه عن شروط الحكم على الحديث بالصحّة: "وليس لهذا النوع من العلم عونٌ أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة، ليظهر ما يَخْفَى من علّة الحديث". معرفة علوم الحديث للحاكم (238).
وقد قال أبو جعفر العقيلي (ت 322هـ =934م): "لمّا ألّف البخاري كتاب الصحيح عرضه على أحمد بن حنبل ويحيي بن معين وعلي بن المديني وغيرهم، فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحّة إلا في أربعة أحاديث، والقول فيها قول البخاري، وهي صحيحة" هدي الساري لابن حجر (9).
وبمثل هذا التعاون لا يُستكثر على أحد عباقرة الأمّة الإسلاميّة، بل على أحد عباقرة البشر: أن يخرج عملاً عظيمًا كـ (صحيح البخاري)، إذا ما توفّرت له أسبابُ الإتقانِ التي توفّرت له.
ثانياً: الجواب عن قوله: "إنه من البشر، وعمل الإنسان لا يُمكن أن يكون مُتْقَنًا خاليًا من الأخطاء؛ لأنه ليس معصومًا من الأخطاء كالقرآن".
والجواب الأوّل: أن قوله: "إن عمل الإنسان لا يمكن أن يكون متقنًا خالياً من الأخطاء"، لا أدري كيف أفهمه؟ لأن الإنسان قد يتقن عملاً ما إتقاناً لا ترى فيه خطأً، ولا أظن السائل سيفقد كثيراً جدًّا من الأعمال البشرية حوله، ومن الصنائع المتقنة غاية الإتقان، وتؤدّي الغرض منها على صورة بالغة الدقّة. فكيف ينكر أن يكون عملُ البخاري متقناً؟
أظن السائل قد استقرّ في ذهنه أن الإنسان عمومًا غير معصوم، فظنّ أن عدم عصمة الإنسان يستلزم أن يخطئ في كل عمل! وهذا غير صحيح؛ فإن غير المعصوم لا يكون غير معصوم في كل عمل، بمعنى أنه لن يخطئ في كل عمل، بل شأن الإنسان أن يصيب وأن يخطئ. فما الذي يمنع (عقلاً) أن يكون البخاري قد أصاب في صحيحه ولم يخطئ فيه، وإن كان يخطئ في مؤلفاته وأعماله الأخرى؟!!
إذن فمسألة العصمة لا علاقة لها بإتقان البخاري لصحيحه.
الجواب الثاني: ولو افترضنا أنّ العمل البشري كلّه لابدّ أن يكون فيه خطأ، وأنه لا يصحُّ العمل البشريّ مطلقًا= فإن للخطأ وجوهاً عديدةً. فقد يكون كل ما في كتاب البخاري صحيحًا ثابتًا عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لكنّ خطأ البخاري الذي سيلزم عملَه البشري قد يكون في ترتيب كتابه، أو في فهمه –للأحاديث- الذي ذكره في عناوين أبوابه.
فما الذي يُوجب أن يكون خطأ البخاري الذي سلّمنا (تنزُّلاً) بوجوب وقوعه في تصحيحه، دون ترتيبه أو تبويبه؟!! أو لا يكفي أن يقع الخطأ في الترتيب أو التبويب ليثبت وَصْفُ البشريّة على عمل البخاري؟!!
الجواب الثالث: من قال للسائل إن أهل السنّة يعتقدون أن كل أحاديث صحيح البخاري صحيحة؟ فهذا أحد العلماء الكبار في علوم السنة، وهو أبو عَمرو ابن الصلاح (ت 643هـ = 1245م)، يقول في كتابه (علوم الحديث): "إن ما انفرد به البخاري ومسلم مُنْدرجٌ في قبيل ما يُقطع بصحّته، لتلقّي الأمّة كل واحد من كتابيهما بالقبول، على الوجه الذي فصّلناه من حالهما فيما سبق، سوى أحرف يسيرة تكلّم عليها بعضُ أهل النقد الحفّاظ، كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن". علوم الحديث لابن الصلاح (29).
ومعنى هذا الكلام: أن غالب وعامة ما في صحيح البخاري صحيحٌ مقطوعٌ به، لا من جهة أنه جُهْدُ البخاري وحده، ولكن لأن علماء السنّة على مرّ العصور قد درسوا هذا الكتاب أعمق دراسة، وفحصوا أحاديثه أشد الفحص، فخرجوا بتأييد البخاري في أكثر الكتاب والأعمّ الأغلب منه. ومن دلائل إنصافهم وموضوعيتهم في تلك الدراسة وذلك الفحص الذي سبق ذكره أنهم خالفوا البخاري في بعض الأحاديث، كما فعل الإمام الدارقطني (ت 385هـ =995م)، حيث ألّف كتاباً فيما ينتقده على الصحيحين، وهو كتاب (التتبّع)، وهو كتاب مطبوع مشهور.
لكنيّ أنبِّه السائل إلى أنّ مخالفة بعض كبار النقّاد للبخاري في عدد قليل جدًّا من أحاديث كتابه، لا يبيح لمن لم يتعمّق في علم الحديث تعمُّق أولئك النقِّاد أن ينتقد أحاديث أخرى لم ينتقدوها، ولا يجعل تضعيف أحاديث البخاري حقًّا مُشَاعًا لكل من أحب ذلك، بل لا شك أنه ليس من حقِّ غير العالم بالسنّة أن يُدخل نفسه في مناقشة الحديث الذي وقع فيه الاختلاف بين البخاري والإمام الآخر الذي خالفه؛ لأن هذه المناقشة تستلزم أن يُنصِّب نَفْسَه حَكَمًا بين علماء وأئمة السنّة، ومَنْ هو الذي يَتَصَوّر أن هذه المنزلة مُمكنةٌ لكل أحد؟!
فانتقاد الدارقطني (وهو النَّقَّادُ الكبير) لقليل من أحاديث البخاري لا يجيزُ لمن لم يبلغ نحواً من منزلته في العلم بالسنة أن يفعل فعله؛ وذلك لسببين كبيرين:
الأول: أن كل علم من العلوم له أعماق سحيقةٌ وقمِمٌ رفيعة، لا يغوص ولا يسمو إليها إلا كبار علماء ذلك العلم، فإن خاض فيها غيرهم أتى بالجهالات والعجائب؛ بسبب أنه يتكلم فيما يجهل، والكلام بجهل لا يقبله عاقل لنفسه ولا من غيره.
ومَثَلُ من يحتجّ بنقد الدارقطني وأمثاله من النقَّاد لبعض أحاديث البخاري ليمارس هو هذا النقد، مع عدم بلوغه قريبًا من منزلتهم في علمهم الذي مارسوه= مَثَلُ من يريد أن يُجْري عمليّةً جراحيّةً خطيرة لأحد الناس؛ بحجّة أن الطبيب العالمي فلان قد أجرى هذه العمليّة! هل يحق لأكبر مهندس أو أجل فيزيائي أن يفعل ذلك؟! بل هل يحق لطبيب غير جرّاح أن يفعل ذلك؟! بل هل يحق لجرّاح لا يصل إلى قريب من مهارة ذلك الطبيب العالمي أن يمارس عمليّةً تفوق مهاراته؟!!! هذه حقيقةُ ما يُريدُهُ أولئك القوم، الذين يُبيحون لأنفسهم الخوض في علوم السنة، بل في أعمق علوم السنة!!!
الثاني: أن إجماع علماء الأمة على تلقِّي الصحيحين بالقبول لا يمكن أن لا يكون له أثر، ولا يصحّ أن يتساوى كتابٌ لقي تلك العناية (كصحيح البخاري وصحيح مسلم) وكتابٌ آخر لم يَلْقَها، ولا يمكن أن يقبل منصفٌ أن يجعل المُتَلَقّى بالقبول من علماء الأمّة كالذي لم يَنَلْ هذه المكانة السامية. ونَقْدُ بعض أحاديث الصحيحين لا يُلْغي تلك الحقوق؛ لأنه ما من كتاب (حاشا كتاب الله) إلا وقد وُجِّه إليه نقد. فماذا يمتاز به الكتاب الذي وُجه إلى قدر يسير منه نقد، مع اتّفاق الأمة على صحّة غير هذا القَدْر اليسير المُنْتَقَد؟
الجواب هو ما ذكره ابن الصلاح أن كل ما لم ينتقده الأئمةُ الحفّاظ الذين كانت لديهم أهليّة الخوض في أعمق مسائل علم الحديث، أنه داخلٌ ضمن إجماع الأمة على صحّته، وأن نجاته من نقد الناقدين يدل على قبوله عند هؤلاء الناقدين؛ ولذلك كان كل مالم ينتقده أولئك النقَّاد من أحاديث الصحيحين مفيدًا لليقين بصحّته عند علماء السنة، كما سبق عن ابن الصلاح. فما لم يُنْتَقد من أحاديثهما ليس فقط صحيحًا، ولا خرج عن أن يحق لغير كبار النقَّاد أن ينتقدوه فَحَسْب، بل تجاوز ذلك: إلى أن يكون مقطوعًا بصحّته مجزومًا بثُبوته عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بدليل ذلك التلقّي بالقبول من علماء السنة لهذين الكتابين، بمن فيهم أولئك العلماء الذين انتقدوا، ممّا يدل على أن ذلك التلقّي لم يكن تقليدًا من علماء الأمة للبخاري ومسلم، بل هو موافقةٌ لصحّة النتائج التي توصَّلا إليها بناءً على النظر في الأدلّة والبراهين التي أوصلتهم إلى تلك النتائج، ولذلك خالف أولئك العلماء في قليل من تلك الأحاديث، وبقي الجزء الأكبر من أحاديث الصحيحين عندهم صحيحًا لا يخالفون في ثبوت وصف الصحّة له.
وبهذا يصبح انتقادُ أولئك النقّاد لبعض أحاديث الصحيحين سببًا لمنع من لم يصل إلى درجتهم في العلم أن يلج هذه الساحة؛ وصار دليلاً ضِدّ هؤلاء المتجرئين!!
لكني أعود وأذكر السائل أنه نسب إلى علماء السنة أنهم لم ينتقدوا صحيح البخاري، وكأنّهم اعتقدوا فيه العصمة، مع أنّهم قد مارسوا النقد العلمي لصحيح البخاري، وخالفوه في أحاديث قليلة، ولهم في ذلك مؤلفات شهيرة، وهي مؤلفات طُبع عددٌ منها، ويعرفها عامة المشتغلين بالسنة أدنى اشتغال.
وهذا خطأ ثانٍ وقع فيه السائل، يدل على بعده الكبير عن علوم السنّة، ممّا يدلّه على أنه عليه أن يُنْصِفَ هذا العلمَ من نفسه، فلا يخوض فيما لا يعلم!
ثالثاً: الجواب عن استشكال السائل عن سبب عدم جمع الخلفاء الراشدين للسنّة ما دام جمعُها مُهِمًّا، ولماذا لم يفعل ذلك أحدٌ حتى جاء البخاري؟!
والجواب الأول: أن المهمّ هو الحفاظ على السنّة، وليست الكتابة إلا وسيلة لهذه الغاية. فالغاية هي الحفاظ على السنة، وليست كتابتها. ولمّا كان أصحاب النبيّ –صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدوُن منهم خاصة وفقهاء الصحابة وعلماؤهم قد لازموا النبيّ –صلى الله عليه وسلم- وأخذوا عنه السنّة مباشرة، دون أسانيد يخشون نسيانها، ودون رواة وسائط فيهم من يُحتمل فيه الخطأ والكذب= كان حِفْظُ السنة في صدورهم كفيلاً بحفظ السنة، ولم تكن الكتابة في زمنهم حَلاَّ وحيدًا لحفظها، بل ليست الحلّ الأمثل أيضًا؛ لأن حفظ الصدر ما دام ممكنًا، وحصل لهم بسهولة لمعايشتهم للنبيّ –صلى الله عليه وسلم- ولارتباط سننه –صلى الله عليه وسلم- بحوادث ومشاهد حضروها ورأوها وشاركوا فيها، فقد أدّى ذلك إلى رسوخ تلك السنن في أذهانهم مع أسباب عديدة توفّرت في الصحابة، أعانتهم على إتقان حفظ السنة وعلى تيسُّره عليهم. كما أن حفظ الصدر أدعى لاستحضار النصّ النبوي عند التفقّه والاستنباط، وعند العمل والتطبيق، فكان الحفظ في عهد الصحابة مقدَّمًا على الكتابة لذلك ولغيره مما أشرتُ إليه.
ولا يعني ذلك أن الصحابة لم يكتبوا، بل من الصحابة من كتب: كعبد الله بن عَمرو ابن العاص، وعلي بن أبي طالب، وسمرة بن جندب، وعَمرو بن حزم، وغيرهم رضي الله عنهم.
وهناك بحوث عديدة، ومنها بحوث أكاديمية في جامعات عالميّة، أثبتت كتابة الصحابة والتابعين وتابعيهم للسنة، مثل رسالة الدكتوراه (دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه) للدكتور محمد مصطفى الأعظمي، المقدّمة إلى جامعة كمبردج في أكتوبر سنة (1966م)، ورسالة الدكتوراه الأخرى (إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة للحافظ السرمري الحنبلي، مع دراسة لمراحل تدوين السنة) للدكتور حاكم عبيسان المطيري. والمقدّمة إلى جامعة برمنغهام، وإلى قسم الدراسات الإسلامية بالجامعة.
وأدلّة ذلك كثيرة جدًّا، ويكفي وجود عدد كبير جدًّا من دواوين السنة قبل البخاري، مثل موطأ مالك، ومصنف عبد الرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة، ومسند الإمام أحمد، وغيرها من الكتب التي تفوق صحيح البخاري حجمًا (باستثناء الموطأ الذي هو أصغر حجمًا من صحيح البخاري).

14 - مارس - 2008
نقد الصِّحاح ( البخاري نموذجا )
 10  11  12  13  14