البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

تعليقات طه أحمد المراكشي

 10  11  12  13 
تعليقاتتاريخ النشرمواضيع
حب واحترام    كن أول من يقيّم

شكر الله لك حضرة شاعرنا الأمجد هذه النقول الفاخرة عن خبر وفاة السيد الكواكبي (قدس الله روحه), وإذا كان المجد هو إحراز مقام حب واحترام في القلوب كما عرَّفه الكواكبي, فلقد أحرزت هذا المقام في قلوبنا بلا مدافع بدماثة الخلق, ونفاسة المعلومة, ونوادر النصوص, واعتذر إليكم سيدي في عدم قدرتي على إجابة طلبكم الكريم في نقل ترجمة السيد الكواكبي من المنار العريقة لأنني لا أملكها والله المستعان.
 

20 - يوليو - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
مَجريط madrid    كن أول من يقيّم

 عن الحلل بتصرف: دليلك إلى مدريد بقلم الأمير
Puerta del Sol
 مَجْرِيط
 madrid
 
قال ياقوت في معجم البلدان: مجريط بفتح أوله, وسكون ثانيه, وكسر الراء, وياء ساكنة, وطاء: بلدة بالأندلس ينسب إليها هارون بن موسى بن صالح بن جندل القيسي الأديب القرطبي, أصله من مجريط, يكنّى أبا نصر, سمع من أبي عيسى الليثي وأبي علي القالي, روى عنه الخولاني, وكان رجلاً صالحاً صحيح الأدب, وله قصة في القالي ذكرتها في أخباره من كتاب الأدباء- يعني كتابه معجم الأدباء- ومات المجريطي لأربع بقين من ذي القعدة سنة 401 قاله ابن بشكوال. اهـ.
ومن غريب الأمور أن ياقوت ذكر مجريط في مكانين من كتابه, ففي الأول ذكرها في صفحة 388 من الجزء السابع من معجمه, الطبعة الأولى المصرية المصححة بقلم الشيخ أحمد بن الأمين الشنقيطي, ثم في صفحة 394 من الجزء نفسه, عاد فذكر مجريط هي نفسها وترجمها غير الترجمة الأولى فقال: مجريط بالفتح ثم السكون وكسر الراء, وياء, وآخره طاء مهملة: مدينة بوادي الحجارة, اختطها محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك. ينسب إليها سعيد بن سالم الثغري, ساكن مجريط, يكنّى أبا عثمان. سمع بطليطلة من وهب بن عيسى, وبوادي الحجارة من وهب بن مسرَّة وغيرهما, وكان فاضلاً, وقصد السماع عليه, ومات لعشر خلون من شهر ربيع الآخر سنة 376 قاله ابن الفرضي.انتهى نقلا عن بغية الملتمس.
والذي يلوح لنا أنه كتب عن مجريط أولاً, وانتهى منها, ثم تلقّى معلومات جديدة عنها فبدلاً من أن يلحقها بما تقدم له في شأن مجريط, عاد فترجمها مرة أخرى. وينسب إلى مجريط عدد من أهل العلم في الإسلام منهم أبو محمد عبد الله بن سعيد المجريطي, وعبد الرحمن بن عبد الله بن حماد المجريطي. وهارون بن موسى..
وأعظم المنسوبين إلى مجريط أبو القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي الفلكي الكيماوي الشهير. وممن ينسب إلى مجريط سعيد بن سالم المجريطي المعروف بأبي عثمان الثغري الذي ذكره ياقوت, وينسب إلى مجريط أبو العباس يحي بن عبد الرحمن بن عيسى بن عبد الرحمن بن الحاج, كان ساكناً في قرطبة. وتولّى قضاء جيّان, وقضاء مرسية, وقضاء غرناطة, ثم تولّى قضاء قرطبة بعد أبي الوليد بن رشد, وكان قاضياً جليلاً, توفي سنة 598.
وأخبرني مهندس اسبانيولي مدقق متخصص بعلم الآثار اسمه فرناندس من أهل قرطبة أنه لما استولى الاسبان على مجريط كان فيها أربعة جوامع.
كان بناء مجريط في زمن العرب ضرورة عسكرية, لأنهم جعلوها قلعة في وجه القشتاليين, ولولا القلعة ما تكونت ثمة بلدة, إذ ليس إلا بلد مَحْل, وماء ضَحْل, وبقيت في أيدي العرب مدة طويلة إلى أن تمكن الاسبانيول من إرجاعها سنة 1083, وذلك على يد الأذفونش السادس, وكانت القلعة العربية في مكان القصر الملوكي الحالي وهذا القصر هو أفخم بناء في هذه العاصمة الآن, وكان الشروع ببنائه سنة 1764.
هذا, ولما دخلها الاسبانيول حوّلوا مسجدها الكبير إلى كنيسة باسم السيدة العذراء وأعطوا مجريط امتيازات كثيرة, وصارت لذلك العهد مدينة لا بأس بها, تمتد إلى باب ((لاتينه)) وباب ((سرَّادة)), وباب ((وادي الحجارة)) وباب((سانتو دومينكو)) وباب (( سان مارتين)) وباب ((الصول)), ووقع بين أهل مجريط وأساقفة اسبانية دعوى على مشاعات البلدة, فصدر الحكم بأن تكون المراعي لرجال الكنيسة وأن تكون الغابات للمدينة.
وفي سنة 1329 جمع الفرديناند الرابع أول مجلس للأمة الاسبانية في مجريط وفي سنة 1383 التجأ إلى اسبانية لاوون ملك أرمينية شريدا, فولوه على مجريط, ولكن بعد وفاته رجعت البلدة إلى حكم قشتالة, وفي سنة 1390 حصلت في مجريط فتن متتابعة أيام كان الملك هنري الثالث صغيراً فانتقلت العائلة المالكة إلى سقوبية. ثم تجددت هذه الفتن في زمن هنري الرابع بين سنتي 1454 و 1474, ولم تستقر أحوال مجريط إلا في زمن الملوك الكاثولكيين, أي فرديناند وايزابلاّ سنة 1477 وفي زمن شارلكان ثارت مجريط عليه, وانضمت إلى الحزب الذي كان يأبى الانقياد للحكم المركزي, إلا أن هذا الحزب انتهى أمره بالفشل, فدخل شارلكان مجريط سنة 1524 وبعد ذلك بسنة لما وقع فرنسوا الأول ملك فرنسة أسيرا في يد الامبراطور شارلكان, بعد معركة ((بافيه)) جيء به إلى مجريط, واعتقلوه مدة في البرج المسمى (( لوجانس)) ثم نقلوه إلى القصر, وكان عدد أهالي مجريط في أوائل القرن السادس عشر لا يتجاوز ثلاثة آلاف نسمة.
 والذي فكر في جعل مجريط عاصمة اسبانية هو فيليب الثاني, وذلك سنة 1560 وقبلها كانت العاصمة طليطلة. وكان في طليطلة كرسي الأسقف الأكبر, فكانت هذه المدينة عاصمة اسبانية في الدين والدنيا, وكان الاحتكاك الدائم لا يخلو من حوادث تبعث على الاختلاف, فأخذ فيليب الثاني يفكر في الانتقال إلى مركز آخر يتوسط المملكة من جميع الجهات, فلم يجد أفضل من مجريط, على علاّتها, وقحولة أرضها, وعطلها من أكثر المواهب الطبيعية التي تقوم بها عمارة البلدان, فإنه فكر في سرقسطة, فوجدها منحرفة إلى الشمال. وفي برغش وليون, فلم يجد فيهما التوسط اللازم الذي جعله نصب عينيه, وفي قرطبة وأشبيلية, فوجدهما ضاربتين في الجنوب, وكان مراده على كل حال أن يغادر طليطلة فراراً من مجاورة أحبار الكنيسة فاختار مجريط, برغم وقوعها في أرض قليلة الخيرات, لا تجري فيها أنهار ولا تمتاز بزرع ولا ضرع, كما أن هواءها جامع بين الأضداد, فمن نوافح البرد القارس, إلى لوافح الحر المحرق, ففي أيام الشتاء قد تنزل درجة الحرارة في الميزان إلى 11 تحت الصفر ويتجمد الماء أكثر فصل الشتاء, وفي الصيف تصعد الحرارة إلى الدرجة 43 في الظل, كأنه حر الساحل الجنوبي, ثم إن هواء مجريط, إما أن يكون شديدا عاصفاً, يصرع الرجل الماشي في الشارع, وإما أن ينقطع تماماً, حتى لا يطفئ المصباح, فتقلبات الأحوال الجوية في هذه العاصمة أعجوبة من الأعاجيب, ومن أمثالهم: لا تترك معطفك قبل 20 مايو.
ولما انتقل فيليب الثاني إلى مجريط كان فيها 2500 بيت, و 25 ألف نسمة, فضاقت على رجال الدولة والجند. وصدرت الأوامر بإنزال الأمراء والقواد وأصحاب المناصب في البيوت الكبيرة, فمن ذلك الوقت امتنع الناس عن بناء الدور الفيحاء, وصار الأغنياء منهم يعتمدون السكنى في المنازل الحقيرة, حتى لا ينزل رجال الدولة في دورهم.
فلذلك بقيت مجريط لا تتقدم إلى مدة طويلة, مع أن الفن لذلك العهد كان بلغ أوج الترقي, واستمرت هذه الحالة على مجريط إلى أن جاء آل بوربون ملوكاً على اسبانية, فشرع كارلس الثالث, أفضل ملوك هذه العائلة, في عمارة مجريط والاعتناء بشأنها. ولما استعفى كارلس الرابع من عرش اسبانية سنة 1808 جاء يوسف بونابرت, وأخذ يوسع شوارع مجريط, ويهدم حاراتها القديمة, والأديار التي كانت تضيق بها الأرض بما رحبت ثم ذهب حكم نابليون, وأعيد حكم آل بربون, وجاء فرديناند السابع, فأخذ يعتني بتوسيع مجريط وتزيينها, إلى أن كسبت شكل عاصمة حقيقية.
وأشهر ساحة في مجريط هي التي يقال لها ((باب الشمس)) ومن هذه الساحة يمتد شارعان, أحدهما المسمى شارع ((القلعة)) وهو أوسع شوارع المدينة وأبهاها, وبه تسير جميع المواكب في الاحتفالات, والثاني شارع ((جيرونيمو)) وفيه أعظم المخازن وأغناها.
وفي مجريط أكاديمية للفنون النفيسة, وفيها متحف المدفعية وفيه آثار ونفائس كثيرة. وفيه قاعة تسمى القاعة العربية, جمعوا إليها كل ما قدروا عليه من مخلفات العرب, من رايات, وعمائم, وأثواب, وأحذية, وسيوف, ومن جملتها سيف أبي عبد الله بن الأحمر, آخر ملوك غرناطة. وقد اشتمل هذا المتحف أيضاً على غنائم كثيرة مما حازه الاسبانيول في فتح أميركة, وتلك المستعمرات الواسعة, وكذلك في هذا المتحف تذكارات كثيرة من أيام حروب الكرلوسيين.
..فيها دار لمجلس النواب, يقال لها دار المؤتمر وهي بناء فخم, أنشأه المهندس نرسيز وبشكوال. وأمام الرتاج اسدان من سكب الرمل ومدافع غنمهما الاسبان من المراكشيين في واقعة تطوان سنة 1860. وفي مجريط متحف يقال له متحف البرادو, بدأوا به سنة 1785, وهو قسمان: أحدهما للتماثيل, والآخر للتصاوير, وفيه آثار أيدي مشاهير المصوريين والنحاتين, ممن تقدم لنا ذكرهم في الفصل المتعلق بالفن, ومن غيرهم. فهو من أحفل متاحف أوروبة بلا نزاع, يختلف إليه عشاق الفن ما شاؤا أن يختلفوا, ولا يزالون يرون فيه أشياء جديدة. وفيها جنة النبات, وقد بدأوا بها سنة 1774 إلا أن دليل بديكر يجعلها دون حديقة النباتات التي في بلنسية, ودون حدائق النباتات التي في البرتغال.
وفي مجريط ساحة يقال لها ساحة الشرق, في نهايتها ملهى التمثيل الملوكي. وأما قصر مجلس الشيوخ فإنه في طرف المدينة, بينما مجلس النواب هو في الطرف الآخر.
وأما خزانة الكتب الوطنية ففيها عدا الكتب, وعدا الوثائق التاريخية, متحف يقال له متحف الفن الحديث, ومتحف آخر يقال له متحف الآثار القومية. وقد بدأوا ببناء دار الكتب هذه سنة 1866, وانتهوا منها سنة 1894, وأمام رتاجها تماثيل المشاهير من رجال اسبانية, وفي داخلها تماثيل ملوكهم وملكاتهم. وأول من جمع هذه الكتب في مجريط هو الملك فيليب الخامس, وذلك من مائتين وخمس وعشرين سنة. وسنة 1866 اشترت الحكومة مجموعة كتب مخطوطة كانت تخص دوق اوشونة, واضافتها إلى هذه المكتبة. ومجموع ما تشتمل عليه من الكتب هو ستمائة وخمسون ألف مجلد, منها ثلاثون ألف مخطوط, وألفان وسبعة وخمسون كتاباً طبعت في بداية عهد الطباعة. وفيها عشرون ألف ورقة من الوثائق. وثلاثون ألف صورة يدوية. وفيها ثمانمائة طبعة من كتاب الدون كيشوط. والبناء هو سبع طبقات من الحجر والحديد, وفي قاعة القراءة 320 كرسياً. ولما ذهبت إلى مجريط سنة 1930 كنت أذهب كل يوم إلى هذه المكتبة, وفيها اطلعت على كتب كثيرة تتعلق بالأندلس, ثم اقتنيت أكثرها فيما بعد ذلك, ونسخت بخط يدي يومئذ قسماً من كتاب أخبار مجموعة, وهو أول تاريخ عربي لمسلمي الأندلس, يصل إلى زمان الناصر, وقسماً من كتاب القضاة بقرطبة, لأبي عبد الله محمد الخشني.
وأما خزانة الآثار القومية ففيها مائتا الف وثيقة, جمعت من كل الأطراف, ولا سيما من كنيسة آبلة. وتحت المكتبة اقباء ملأى بالآثار القديمة التي قبل التاريخ وعظام بشرية, وهناك مكان للعاديات الشرقية, ومنسوجات قبطية, وآنية أصلها من قبرص, وكثير من المصنوعات الايبيرية, والتماثيل العتيقة, مما يحار له العقل. ويقضي السائح الأيام والأشهر وهو يقضي منه العجب, ويوجد قاعات لآثار القرون الوسطى: من كتابات, وقطع فنية, ونواويس. وهناك قاعة خاصة بآثار العرب والآثار المسيحية التي يطلق عليها اسم الطراز المدجَّن, والاسبانيول يقولون المدجَّر, وأكثر هذه الآثار العربية مأخوذة من أشبيلية وقرطبة وسرقسطة وغرناطة وفي القاعة العربية أسطرلابان عربيان, أحدهما تاريخ صنعه سنة 1067 مسيحية, وهو أقدم أسطرلاب معروف اليوم. وفيها تحت الزجاج مجموعة عظيمة من الصحون والآنية العربية. وإلى الحائط الغربي من القاعة العربية قوسان من باب الجعفرية, قي سرقسطة, وقطع من البهو الملوكي في الجعفرية المذكورة, وباب عربي جيء به من ليون, وحوض للوضوء جيء به من مدينة الزهراء في قرطبة, وآثار من جامع بناه محمد الثالث في غرناطة وإلى الحائط الجنوبي باب عربي من خشب وجدوه في ((دروقه)), وإلى الحائط الشرقي مجموعة من الزّليج, وفي الوسط فوَّارة أشبه بفوّارة قاعة الأسود الحمر, وفوَّارتان من قرطبة, ويوجد سيوف عربية, وخواتم, وآنية من العاج, وغير ذلك من نفيس صناعات العرب. ومما يوجد في هذا المخزن مفاتيح مدينة وهران يوم دخلها الاسبانيول سنة 1509.

25 - يوليو - 2007
تذكار الأمير
اسمُ الجزيرة الأندَلُسيّة    كن أول من يقيّم

 
عن الحلل:
اسمُ الجَزيرَة الأندَلُسيَّة
 
أما الجزيرة الأندلسية التي كان العرب يسمون بها هذه البلاد فهي منسوبة إلى الأندلس وقد كثر الكلام في أصل هذه اللفظة, ولكن أرجح الأقوال أنها مشتقة من اسم (الفاندالس) وهم جيل من الناس كانوا يسكنون بين نهر (الأودر) ونهر (الفيستول) في شرقي ألمانية. ويقال إنهم من أصل جرماني, ويقال إن بعضهم من أصل سلافي أوصقلي كما تقول العرب. وهؤلاء الفاندالس زحفوا من الشمال إلى الجنوب حتى بلغوا بوغاز جبل طارق, وذلك سنة 411 قبل المسيح. ومن هناك أجازوا إلى أفريقية. فلما عرفهم أهل أفريقية أطلقوا اسمهم على البلاد التي جاؤوهم منها وسموا هذه البلاد بالأندلس. وقالوا إن عبورهم إلى المغرب كان من جهة (طريف) وقالوا بل من الجزيرة الخضراء.
وجاء في الانسيكلوبيديا الإسلامية في الجزء الأول صفحة 354 بقلم سيبولد: أن الفاندالس لم يقيموا في جنوبي أسبانية إلى ثماني عشرة سنة لا غير, وأن بلاد جنوبي أسبانية كان يقال لها إلى ذلك الوقت (باتيكه) فصار يقال لها (فانداليسيا) ومنها جاءت لفظة الأندلس, ولما جاء العرب وفتحوا أسبانية أطلقوا عليها هذا الاسم وصاروا يقولون أندلس, لا للبقعة الجنوبية المقابلة للمغرب فحسب, بل لجميع الجزيرة الأيبيرية ولجميع ما فتحوه من البلدان بعد أن عبروا بوغاز جبل طارق. فالأندلس عند العرب هي من بحر الزقاق أو بوغاز جبل طارق, إلى جبال البرانس. وربما أطلقوا لفظة الأندلس على ما وراء البرانس من أرض الفرنجة. فأما الأسبان أنفسهم فكانوا لا يعرفون هذا الاسم قبل العرب وكانوا يسمون البقاع الجنوبية من الجزيرة الأيبيرية بأسبانية القديمة, كما كانوا يسمون شمالي أسبانية بأسمائها المختلفة مثل استورية التي كان العرب يقولون لها اشتورية أو اشتورياس ومثل ليون وقشتالة وأراغون إلخ. ولكن بعد أن غلب العرب على تلك الأقطار واشتهر اسم الأندلس عند الأسبانيول أنفسهم صاروا يطلقونه على جنوبي أسبانية, لا سيما بعد أن بدأ العرب يتراجعون إلى الجنوب, إلى أن انحصر هذا الاسم في مملكة غرناطة الصغيرة. انتهى كلام الأنسيكلوبيدية الإسلامية ملخصاً. وقد نقل ذلك عنها المستشرق ليفي أو لاوي بروفنسال في كتابه (أسبانية المسلمة في القرن العاشر المطبوع في باريز سنة 1932).
قلنا إن هذا الاسم لا يزال يطلق إلى الآن على ولايات أسبانية الجنوبية, مثل قرطبة واشبيلية وغرناطة ورنُده ومالقه وما جاورها. ولننظر الآن إلى ما قاله مؤرخو العرب في أصل اشتقاق لفظة الأندلس:
قال ياقوت الحموي في معجم البلدان: الأندلس يقال بضم الدال وفتحها وضم الدال ليس إلا, وهي كلمة عجمية لم يستعملها العرب في القديم وإنما عرفتها العرب في الإسلام وقد جرى على الألسن أن تلزم الألف واللام. وقد استعمل حذفها في شعر ينسب إلى بعض العرب فقال عند ذلك:
سألت القوم عن أَنسٍ فقالوا    بأندَلس وأندُلسٌ بعيد
ثم أخذ ياقوت يبحث في بناء لفظة أندلس ومكانها من الأوزان العربية وكيف أنه لا يوجد لها وزن في هذه اللغة, بحثاً ليس له طائل, لأن هذه اللفظة هي أعجمية من أصلها كما قال هو فلا حاجة لعرضها على وزن عربي. ولم يقل ياقوت مصدر هذه اللفظة كما ذكر غيره, ولكن نقل المقري في نفح الطيب عن ابن سعيد أنها إنما سميت بالأندلس لأن هذا الاسم هو اسم طوبال بن يافث بن نوح الذي نزلها كما أن أخاه سبت بن يافث نزل العدوة المقابلة وإليه تنسب مدينة سبتة(?) قال: وقال ابن غالب: إنه أندلس بن يافث والله تعالى أعلم.
وقال القلقشندي في صبح الأعشى الجزء الخامس: وقد اختلف في سبب تسمية الأندلس بهذا الاسم, فقيل ملكته أمة بعد الطوفان يقال لها الأندلش بالشين المعجمة فسمي بهم, ثم عرب بالسين المهملة. وقيل خرج من رومة ثلاثة طوالع في زمن الروم يقال لأحدهم القندلش بالقاف في أوله وبالشين المعجمة في آخره, فنزل القندلش هذه الأرض فعرفت به ثم عربت بإبدال القاف همزة والشين المعجمة سيناً مهملة. ويقال إن اسمها في القديم (آفارية) ثم سميت (باطقة) ثم أشبانية ثم الأندلس باسم الأمة المذكورة. قال في تقويم البلدان: وسميت جزيرة لإحاطة البحر بها من الشرق والغرب والجنوب وإن كان جانبه الشمالي متّصلاً بالبرّ.
 
ما قاله دوزي عن اشتقاق اسم الأندلس
 
لم يأت دوزي في هذه المسألة بشيء جديد, ففي كتابه المسمى ب(مباحث عن تاريخ أسبانية وآدابها في القرون الوسطى) المحرر بالأفرنسية, يقول: إن هذا الاسم كان يطلق على مقاطعة بتيكه وقد جعله العرب عاماً لجميع أسبانية, فترجح أن لفظة أندلس مشتقة من الفندالس الذين قبل أن أجازوا إلى أفريقية احتلّوا جنوبي أسبانية. وهذا الرأي في هذا الاشتقاق هو قديم, لأنه قد رواه الرازي ورد عليه بأن مقام الفندالس في جنوبي أسبانية كان قصيراً جداً, ولكن الذي لا شك فيه هو أن أول من أطلق لفظ أندلس على مقاطعة بتيكه وعلى أسبانية كلها هم المسلمون, فإن مؤرخي شمالي أسبانية لا يعرفون هذا الاسم بل يسمون بأسبانية جميع البلاد التي كانت في حوزة العرب. فأما مؤلفو العرب فيسمون البلاد بالأندلس ويذكرون وجه التسمية. وفي (أخبار مجموعة) يقول إن أندلس كان اسم الجزيرة التي نزل بها طريف, ويقال لها جزيرة طريف من ذلك الوقت. وقال المؤرخ عريب: إن طريفاً نزل قبالة طنجة في الأندلس التي يقال لها اليوم جزيرة طريف.
إذاً أصل الاسم كان لذلك المحل لا للبلاد كلها, وقد ذكر غريغوار التوري ما يدل على أن اسم المكان الذي نزل فيه طريف كان طرادوكته وهو المكان الذي أجاز منه الفاندالس إلى أفريقية فلما جاء البربر ونزلوا في هذا المكان سموا بأندلس كل البلاد وجاء طارق من بعده فكان هذا الاسم أصبح مستعملاً.
 
 
قلت (طه): إنما قدمت كلام الأمير بخصوص مدريد على هذا المبحث الجليل وكان أولى بالتقديم, لأن لمدريد مقام خاص في نفسي فقد صرفت في تلك البلدة الخلابة أربع سنين من عمري فلا تكاد تمضي ليلة إلا ومدريد حاضرة في البال.
 

1 - أغسطس - 2007
تذكار الأمير
المختار من الطبائع 2    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

المُستبدُّ والعلم
 
 
ما أشبه المستبد في نسبته إلى رعيته بالوصي الخائن القوي, يتصرف في أموال الأيتام وأنفسهم كما يهوى ما داموا ضعافا قاصرين, فكما أنه ليس من صالح الوصي أن يبلغ الأيتام رشدهم, كذلك ليس من غرض المستبد أن تتنور الرعية بالعلم.
لا يخفى على المستبد, مهما كان غبيا, أن لا استعباد ولا اعتساف إلا ما دامت الرعية حمقاء تخبط في ظلامة جهل وتيه عماء, فلو كان المستبد طيراً لكان خفاشا يصطاد هوام العوام في ظلام الجهل, ولو كان وحشاً لكان ابن آوى يتلقف دواجن الحواضر في غشاء الليل, ولكنه هو الإنسان يصيد عالمَهُ جاهلُه.
العلم قبسة من نور الله وقد خلق الله النور كشافا مبصراً, ولاّداً للحرارة والقوة, وحعل العلم مثله وضَّاحاً للخير فضَّاحاً للشر, يولِّد في النفوس حرارة وفي الرؤوس شهامة, العلم نور والظلم ظلام ومن طبيعة النور تبديد الظلام, والمتأمل في حالة كل رئيس ومرؤوس يرى كل سلطة الرئاسة تقوى وتضعف بنسبة نقصان علم المرؤوس وزيادته.
المستبد لا يخشى علوم اللغة, تلك العلوم التي بعضها يقوّم اللسان وأكثرها هزل وهذيان يضيع به الزمان, نعم لا يخاف علم اللغة إذا لم يكمن وراء اللسان حكمة حماس تعقد الألوية, وأو سحر بيان يحل عقد الجيوش, لأنه يعرف أن الزمان ضنين بأن تلد الأمهات كثيراً من أمثال الكميت وحسان أو مونتيسكيو وشيللارا.
وكذلك لا يخاف المستبد من العلوم الدينية المتعلقة بالمعاد المختصة ما بين الإنسان وربه, لاعتقاده أن لا ترفع غباوة ولا تزيل غشاوة, وإنما يتلهى بها المتهوسون للعلم حتى إذا ضاع فيها عمرهم وامتلأتها أدمغتهم, وأخذ منهم الغرور ما أخذ, فصاروا لا يرون علما غير علمهم, فحينئذ يأمن المستبد منهم كما يؤمن شر السكران إذا خمر. على أنه إذا نبغ منهم البعض ونالوا حرمة بين العوام لا يعدم المستبد وسيلة لاستخدامهم في تأييد أمره ومجاراة هواه في مقابلة أنه يضحك عليهم بشيء من التعظيم, ويسدُّ أفواههم بلقيمات من فتات مائدة الاستبداد, وكذلك لا يخاف من العلوم الصناعية محضاً لأن أهلها يكونون مسالمين صغار النفوس, صغار الهمم, يشتريهم المستبد بقليل من المال والإعزاز, ولا يخاف من الماديين لأن أكثرهم مبتلون بإيثار النفس, ولا من الرياضيين لأن أغلبهم قصار النظر.
ترتعد فرائص المستبد من علوم الحياة مثل الحكمة النظرية, والفلسفة العقلية, وحقوق الأمم, وطبائع الاجتماع, والسياسة المدنية, والتاريخ المفصل, والخطابة الأدبية, ونحو ذلك من العلوم التي تكبّر النفوس وتوسع العقول وتعرّف الإنسان ما هي حقوقه وكم هو مغبون فيها, وكيف الطلب, وكيف النوال, وكيف الحفظ. وأخوف ما يخاف المستبد من أصحاب هذه العلوم المندفعين منهم لتعليم الناس بالخطابة أو الكتابة وهم المعبّر عنهم في القرآن بالصالحين والمصلحين في نحو قوله تعالى: أن الارض يرثها عبادي الصالحون), وفي قوله: وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون), وإن كان علماء الاستبداد يفسرون مادة الصلاح والإصلاح بكثرة التعبد, كما حوّلوا معنى مادة الفساد والإفساد: من تخريب نظام الله إلى التشويش على المستبدّين.
والخلاصة أن المستبد يخاف من هؤلاء العلماء العاملين الراشدين المرشدين, لا من العلماء المنافقين أو الذين حفر رؤوسَهم محفوظاتٌ كثيرة كأنها مكتبات مقفلة.

1 - أغسطس - 2007
أحاديث الوطن والزمن المتحول
ارتسامات لطاف    كن أول من يقيّم

ارتسامات الأمير حول المقري ونفح الطيب ومطابقة الاسم للمسمى
 
وكلمة المقري المثيرة من كل وجه في حق الشاميين (خلّد الله ذكرهم)  واعتزاز الأمير بها
 
 
عن الحلل:
 
اعلم أعزك الله أنه لا يزال نفح الطيب من أعظم المراجع التي يعول عليها المحققون في أخبار الأندلس, برغم كل ما عليه من مآخذ ومغامز, وما فاته من مباحث ومسائل, وذلك لأن صاحبه اتصل بكتب كثيرة لم يتيسر لغيره الاطلاع عليها, وشافه في الشرق والغرب عدداً كبيراً من الجِلّة وحاضَرَهم, وكان المقري نفسه مولعاً بأخبار الأندلس, متخصصاً فيها حافظاً من أنبائها, وكلام علمائها, ونظم شعرائها, ولا سيما من أقوال لسان الدين بن الخطيب وزير بني الأحمر الشهير- بما يكاد يكون من المعجزات, ولما كان قد رحل إلى المشرق, كأكثر علماء المغرب, وحج البيت الحرام خمس مرات, وزار المدينة المنورة, والبيت المقدس, انتهى في طوافه إلى دمشق الشام التي أخذت بمجامع فؤاده, فألقى عصا التسيار, وتعرف بكثير من علماء الشام وأدبائها وسراتها, فكان ذكر الأندلس أمامهم ملهج لسانه الدائم, وغرام قلبه الملازم, فأرادوه أولاً على تأليف كتاب يتضمن مرويّاته عن لسان الدين بن الخطيب, فصحت عزيمته على ذلك, وبدأ بكتابة هذا الكتاب سنة تسع وثلاثين وألف للهجرة النبوية, على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية.
 
إلا أنه بعد بدأ به بدا له أن يتوسع في الموضوع, ولا يقتصر على أخبار لسان الدين وحده, فكان عندما شرع بهذا التأليف سماه (عَرف الطيب في التعريف بالوزير ابن الخطيب) ثم لما أجمع التوسع في الموضوع عاد فسمى كتابه ب( نفح الطيب, من غصن الأندلس الرطيب, وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب) وهو لعمري اسم لائق بمسماه, ولفظ موافق لمعناه, ولا أظنه يوجد اسم ألذّ للقارئ من اسم (نفح الطيب) كما أن الملابسة ظاهرة بين قوله (غصن الأندلس الرطيب) ومزايا الأندلس الطبيعية في كثرة جنانها وبساتينها ووفرة فواكهها ورياحينها, وما اتصفت به من الخصب والنماء, وجَمَعَته من زكاء الارض إلى خير السماء, ولما كان للسان الدين بن الخطيب, في هذا الكتاب الحصة الكبرى في الآثار المروية, والأصوات المحكية, لم يكن من العجب أن يجعل اسمه فيه وقد كان في الأصل هو المقصود بالتأليف. هذا وقد كان تأليف المقري للنفح حينما كان مقيماً بالشام, ولذلك قال عنه في المقدمة ما يلي:
(( وله بالشام تعلق من وجوه عديدة, هادية لمتأمله إلى الطريق السديدة, أولها أن الداعي لتأليفه أهل الشام, أبقى الله مآثرهم, وجعلها على مرّ الزمان مديدة, ثانيها أن الفاتحين للأندلس هم أهل الشام, ذوو الشوكة والنجدة الحديدة, ثالثها أن غالب أهل الأندلس من عرب الشام الذين اتخذوا بالأندلس وطناً مستأنفاً, وحضرة جديدة. ورابعها أن غرناطة نزل بها أهل دمشق, وسموها باسمها, لشبهها بها في القصر والنهر, والدوح والزهر, والغوطة الفيحاء, وهذه مناسبة قوية العرى شديدة.))
قد يكون كلام المقري هذا مما لا يعجب بعض الثائرين على السجع في أخريات هذه الأيام ولكنه ذو معنى كبير, وفيه تصريح خطير, ولذلك فإن ثورة هذه الفئة على السجع والفاصلة, ليس من شأنها أن تفل من حد رغبتنا في نقل كلام يعود على وطننا الشامي بشقص كهذا من الفخر لم يوفره لغيره ثقة كبير, كأبي العباس أحمد المقري المغربي, إن لم يكن هو حجة في أخبار الأندلس فيا ليت شعري من يكون الحجة? فنحن رواة عنه, ونقلة من نصوصه بأسجاعها وفواصلها وحروفها وحركاتها.

3 - أغسطس - 2007
تذكار الأمير
نقد النّفح    كن أول من يقيّم

 
نقدُ الأمير للنّفح
 
 
الأمير في شبيبته
(هدية إلى سيدي الشاعر الرّهيف أبي الفداء نضر الله وجهه)
 
 عن الحلل:
نعم إن (نفح الطيب) هو كتاب أدب, أكثر منه كتاب تاريخ, وقد قيل فيه وكاد يلحق بالأمثال السائرة: إنه (( نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب, الذي لم يقرأه فليس بأديب)) ولكنه إلى هذا الوقت لا يزال عمدة المنقبين عن آثار الأندلس سواء في التاريخ أو في الجغرافية أو في الأدب أو في المحاضرة برغم كل ما فاته منها, ولا أزال أنا أستقي من منابعه برغم ما نقمت عليه في كتابي (( مختصر تاريخ الأندلس)) الذي حررته ذيلاً على ((آخر بني سراج)) الرواية التي من قلم شاتوبريان الكاتب الافرنسي الشهير, وقد ترجمتها إلى العربية وأردفتها بتاريخ للأندلس ونشرتهما سنة 1315.
فيناسب أن أعيد هنا ما كنت قلته من 40 سنة, وهو منقول بالحرف عن صفحة 60 و 61 و 62 و 63 من ذلك الكتاب, طبعته الثانية بمطبعة المنار وهو هذا (تحت عنوان) ((تمهيد)).
إنما حداني إلى تذييل هذه الرواية أمران: الأول إعانة القارئ على فهم الحوادث ومعرفة المواقع, بما تُفْقَد بدونه لذة المطالعة. والثاني ما رأيته من اختصار جرم الرواية, فآثرت إردافها بذيل يطيل من قدها, ويزيد في حجمها, ويكون فيه من حقائق الوقائع التاريخية ما لا يقصّر فكاهة عن موهوم الرواية الغرامية,فجاءت روايتنا ذيّالاً, وإن لم نرج أن تكون طاووساً, وليست هذه أول مرة جرّت فيها الروايات أذيالاً, واتخذت القصص أذناباً طوالاً.
 
وما أقصد بهذا الذيل استقصاء تاريخ الأندلس الإجمالي إلا ما اضطر إليه مساق الكلام. فقد كنت منذ نشأتي ممن لا يحبون التأليف فيما كثر فيه التأليف, وطال فيه المقال كأنما أعده تكراراً لسابق, أو إعادة لصدى, وأراه خلواً من كل براعة. وأخبار الأندلس مستفيضة في التواريخ شرقاً وغرباً, ومعروفة عند الأدباء بما لا يكون التأليف فيه سوى زيادة في عدد الكتب. وإنما يستحب الإنشاء في ما ندر فيه الكلام وعز البحث, وطمست الأعلام, فإذا قرأته العامة, بل الخاصة, سقطت منه على جديد ذي طلاوة, ولم تسأم النفوس, لعدم تداولها مطالعته المرة بعد الأخرى مدارسة كتب القواعد التي لا تتغير.
 
فأشد الأقسام عوزاً إلى البحث من تاريخ هذه البلاد-  التي لا نزال نحسبها عربية لكون أحسن أيامها ما كان من أيام العرب فيها- إنما هو القسم الأخير, وأحوج طائفة من أخبارها إلى التدوين ما تعلق بدور الجلاء, وعصر الخروج من بلاد كانت مدة الضيافة فيها ثمانمائة سنة, وذلك لأن هذا الحادث الكبير الذي هو من أضخم الحوادث في الإسلام وقع على حين خمول القرائح العربية, وبعد مرور زمن العلم والفلسفة عند معشر الناطقين بالضاد, ولدى إقحاط البلاد بالأدمغة المتوقدة, وعقم الأمة عن الرؤوس المولدة, بحيث فاته من التأليف والكتابة فيه ما لم يكن ليفوته لو وقع قبل ذلك بقرنين أو ثلاثة, فإنه لا عطر بعد عروس.
 
نعم لا أنكر أن ( كتاب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب) للعلامة المقري هو من أوفى الكتب بأخبار الأندلس وآدابها: حقيبة أنباء, وقِمَطر حوادث, وخزانة آداب, وكشكول لطائف, وديوان أشعار, وقد كان عهد تصنيفه على أثر النازلة الكبرى بباقي الأندلس, وامتصاص سؤر الكاس, وعفاء الأثر الأخير من سلطان المسلمين فيها, بحيث أمكن صاحبه ذكر سقوط مملكة غرناطة, واستيلاء الأسبانيول على الجميع, وختم الدولة الإسلامية في تلك الديار, ولكنه ككثير من مؤرخينا أو مؤلفينا الذين لا يرعون النسبة بين الأشياء ولا ينتبهون إلى قاعدة أن الحسن إنما هو تناسب الأعضاء, فقد بحث في هذا الخطب الجليل, والحادث العمم, بحثاً هو دون حقه بدركات, وأتى عليه كما يأتي على واقعة متوسطة البال, من الوقائع التي أشار إليها في بطن كتابه واستوعبه في أوراق يسيرة, كانت لطافتها تكون في كثافتها, فإن التناسب يقضي بإعطاء كل مقام من المقال ما يكافيه, ويقوم بحقه ويجيء على قدره. ولو فسح الفاضل المقري رحمه الله لواقعة سقوط مملكة غرناطة, وحادث انقراض أمر الإسلام بالأندلس, ما فسحه في تاريخه للنثر الكثير, الذي يغني عن كله بعضه من المخاطبات التي صدرت عن لسان الدين بن الخطيب, أو وجهت إليه, أو إلى غيره, أو الشعر الغزير الذي كثير منه حقيق بالإسقاط من ذلك المجموع, والقصص التي يرويها عن بعض المشايخ مع طول أناة غريب في الاستقصاء, مع أنه ليس فيها ما يرفع أقدارهم إلى السماء, لكان ذلك أجزل فائدة وأسنى موقعاً, وكانت الناس قد شفت غليلها من خبر هذه الطامة التي لكل الحوادث سلوان يسهّلها, وليس لها سلوان, كما قال أبو البقاء الرندي, ولكفينا مؤونة النقل عن كتب الأفرنج فيما يختص بالعرب, وحسبك أنه ذكر جميع وقائع السلطان أبي عبد الله بن الأحمر, وعمه الزغل, وذهاب تلك المملكة, وما جرى في ضمنه من الحروب وما حصر من المدن- في مسافة من التاريخ استوعبت أطول منها رسالة واحدة صادرة عن ذلك السلطان إلى الشيخ الوطّاسي صاحب فاس في موضوع أبرد ما فيه مع طوله أنه: اعتذار عن سقوط آخر ممالك المسلمين بالأندلس على يده, بأن الخطب غير نادر المثال, وأن بغداد, دار خلافة بني العباس, قد أصابها ما أصاب غرناطة, فانظروا هل هذا مما يؤثر على طوله, أو مما ترتاح الأنفس إلى قبوله, على فرض صحة تمثيله? وإن كان العذر في ذلك ما يقال من أن صاحب النفح قد ألّفه وهو نِضو أسفار, خال من الأسفار, ليس لديه من العدة ما يستعين به على الإطالة, والأخذ بالأطراف, فسبحان الله, كم يتلهى بعض علمائنا بحفظ ما لا ينفع عن تعليق ما ينفع? وهذا الفاضل المقري قد أملى عن ظهر قلبه أربعة مجلدات كبار, أودعها من التاريخ والجغرافية والقصص والنكات, وحشاها من الشعر والنثر والتراجم والتصوف, غثاً وسميناً, ما لا أظن حافظة تتمكن من اختزانه بين صدغين, وتركنا في التاريخ المهم من تفصيل الوقائع الشداد, والمعارك التي سالت فيها أنهر الدماء, في دور النزع الأخير, عيالاً على الأفرنج, مضطرين إلى الأخذ من مصنفاتهم, فكنا وإياهم في أخذ تاريخنا عنهم كما كنا في أخذ لغتنا عن صحاح الجوهري.
 
و لا نشك أن في ديار المغرب من التواريخ عن كارثة الأندلس الأخيرة ما يستوفي شرحها ولكنه لم يشتهر عندنا في المشرق غير نفح الطيب من متأخر التآليف, وهذه هي الحال معه, فلا عجب أن ساقنا حب الاستقصاء, واقتفاء أثر أبناء الجلدة, إلى أخذ أخبارنا عن الأجانب وتلونا: ( هذه بضاعتنا ردت إلينا)اهـ.
 
هذا ما كتبته عن نفح الطيب يوم كنت في السابعة والعشرين من العمر, ولست من بعد مضي تسع وثلاثين سنة على ذلك القول براجع عنه اليوم من حيث الجوهر, وإن كنت آراني الآن أقل قسوة, وأكثر عطفاً على المقري وأعظم تقديراً لما أملاه في كتابه, ولا عجب فالذي عند الشيخ من سعة الطبع, وقبول العذر ليس عند الشاب.

5 - أغسطس - 2007
تذكار الأمير
بل هو الذهب    كن أول من يقيّم

حقيقة  لا أدري هذه المرة كيف أشكر لشاعرنا الأثير زهير, لقد فاقت اختياراتك كل توقع, وبذت تعليقاتك كل تعليق, ترمي فتقرطس.

6 - أغسطس - 2007
تذكار الأمير
نظرة إجمالية في الطبيعة العمرانية الأندلسية    كن أول من يقيّم

 
 
 الطبيعة العمرانية للجزيرة وآثار المدنية الإسلامية فيها
 
 
 
 عن الحلل:
 
(( أما من جهة المدنية فهي في جنوبي اسبانية راجعة إلى أشد أدوار التاريخ توغلاً في القدم, وقد كان للفينيقيين في هذه البلاد دور طويل عريض, وقد أثّروا فيها آثاراً, لا تزال بقاياها ماثلة إلى الآن, ثم جاء الرومانيون, وكانت لهم طبيعة عمرانية معروفة لهم شرقاً وغرباً, فوجدوا مجال العمل في اسبانية ذا سعة, فعملوا, وبنوا, وأثّروا, وأثّلوا, وتركوا, آثاراً ناطقة بفضلهم, وجسوراً وأقنية معلقة منبئة عن شأوهم, وملاهي وهياكل, كالتي في ماردة, وطرَّكونة, ومربيطر, وغيرها مما لا يدرسه الزمان, ولا ينال منه الحدثان.
 
وجاء بعد ذلك العرب فأثلوا في الجزيرة الايبيرية, أو الجزيرة الأندلسية على رأيهم, حضارة عربية شرقية بلغت من الأبهة, والفراهة, وسلامة الذوق, سدرة المنتهى, فلا تكاد تمر بمكان إلا للعرب فيه آثار باهرة, وعنهم أخبار تتحدث بها السامرة, و لا يزال نظام سقيا الجنان, وتوزيع المياه على الأرضين, هو النظام الذي رتبوه في أيامهم, ثم إنه لا ينكر أن الفن المسيحي, سواء في القرون الوسطى, أو من بعد عهد النهضة, قد ترك في اسبانية آثاراً فاخرة, ومباني فخمة, كقصر الاسكوريال مثلاً.
فالذين يقصدون إلى اسبانية من السياح لا تخيب آمالهم, ولا تذهب نفقاتهم سدى, وذلك لأن السائح الأوروبي يجد دائماً في اسبانية أشياء جديدة بالنسبة إليه.
فالبلاد كلها عبارة عن جزيرة يحيط بها البحر من جهاتها الثلاث, وتحيط بها جبال البرانس الشامخة من الجهة الرابعة, فهي معتزلة في مكانها, منتبذة من أوروبة زاوية خاصة بها, غير متأثرة بغيرها, محتفظة بجميع مميزاتها وخصائصها, لا هي شرقية تماماً, ولا هي غربية تماماً, بل هي متوسطة بين أوروبة وأفريقية, واصلة بين المشرق والمغرب, منطوية في أنحاء وجودها المستقل- على أسرار لا يعرفها إلا من أكثر من التجوال فيها, وقرن السير بالنظر.
 
وهناك شعب شديد الخنزوانة قائم بذاته, لا يشبه غيره, و لا يريد أن يتشبه بغيره, وله مآخذ ومتارك لا ينزل عنها, وهو بفطرته لا يحب تقليد الشعوب الأخرى, بل هو من قديم الزمان مستمسك بأوضاعه, متعال عن السير وراء أقرانه, لا يرضى بما لديه بدلاً, ولا يبتغي عما ائتلفه حِوَلاً.
نعم من جهة الصناعة وفن الرسم والتصوير قد يقلّد الاسبانيول سواهم, بل يجد الناظر في كنائسهم وقصورهم آثاراً للفن الايطالي, الذي يدور على محاكاة الطبيعة.
وكذلك يجد في رسومهم وتصاويرهم تأثر الفن الافرنسي, والفلمنكي,بل ليس في اسبانية فن تصوير خاص بها, ولا فن بناء خاص بها, وإنما هي محاكاة للأمم الغربية الأخرى مع جزء فيها من الطبع الاسباني.
 
 وإذا كان السائح الأوروبي لم يعرف بلاد الشرق, أو لم يقيض له أن يزور بلاد الإسلام, فإنه يجد في اسبانية آثاراً عربية, تكفيه لأخذ صورة حقيقية عن المدنية الإسلامية, التي منها في الأندلس أمثلة كافية, قِطَع تعد من أنفس وأرقى ما تركه العرب من الآثار في الأرض.
 
وأما السائح الشرقي فإنه يقضي سياحته في اسبانية متأملاً, غائصاً في بحار العبر, هائماً في أودية الفكر. كلما عثر على أثر عربي خفق له قلبه, واهتزت أعصابه, وتأمل في عظمة قومه الخالين, وما كانوا عليه من بعد النظر, وعلو همم, وسلامة ذوق, ورفق يد, ودقة صنعة. وكيف سمت بهم هممهم إلى أن يقوموا بتلك الفتوحات في ما وراء البحر في بحبوحة النصرانية, وملتطم أمواج الأمم الأوروبية, وأن يبنوا فيها بناء الخالدين, يشيدوا فيها ألوفاً من الحصون, وأن يملأوها أساساً وغراساً, كأنهم فيها أبد الآبدين, فلا يزال قلب السائح المسلم في الأندلس مقسّماً بين الإعجاب بما صنعه آباؤه فيها, والابتهاج بما  يعثر عليه من آثارهم, وبين الحزن على خروجهم من ذلك الفردوس الذي كانوا ملكوه, والوجد على ضياع ذلك الإرث الذي عادوا فتركوه, وأكثر ما يغلب عليه في سياحته هناك هو الشعور بالألم (1), فهو لا يزال يسير بين تأمل وتألم, وتفكر وتحسّر, لكنه يريد مع ذلك أن يقتري هذه الآثار, وأن يمشي في مساكن أولئك الآباء, وأن يخاطب الأحجار, وذلك لأنه لهوى النفوس سرائر لا تُعلم, من جملتها أنها تنزع إلى البكاء عند دواعي الوجد, كما ترتاح إلى الطرب عند بواعث السرور, وأنها قد تهتف بالأمرين معاً, وتجمع الضدين شَرَعاً, وأن كل ما هو حنين وتذكار, وولوع بعد الأعيان بالآثار, هو من سرائر البشرية, ومما هو غالب على النفس الناطقة.)) اهـ
 
1- كلام الأمير هنا يقع في الصميم, فإنني ما نسيت ذلك اليوم الذي دخلت فيه قصر الحمراء بغرناطة أول مرة وقد ارتهنتني المواجد, و أخذ الألم الشديد بمخانق نفسي بما لاعهد لي بمثله, ولست تر مثل السائح العربي هناك يتم حال, وكسوف بال, وخفق فؤاد, وذهول خاطر, فإن كان أديبا ثقفا فإن لسانه لا يفتأ يلهج بأبيات الرثاء التي أنشأها الشعراء عقب سقوط مملكة غرناطة وغيرها من مدائن الأندلس. ومهما وصف المرء من ذلك, فإن الحالة التي تتقمّص القلب المسلم وهو يطالع أثر الجلدة, وصنعة القوم, لا تستوفيها العبارة فهي كما قال الأمير من سرائر النفوس.
 

7 - أغسطس - 2007
تذكار الأمير
نتف من خصائص العمران العربي الأندلسي    كن أول من يقيّم

(حمراءُ غرناطة)
 
 
 
بعض خصائص العمران الإسلامي في اسبانية
 
وفيه ذكرُ جامع قرطبة الأعظم ناسب إيراده بعد نشر شاعرنا زهير أبياتاً مختارة من رثائية الأمير المُشجية ((ذكرى الأندلس))
 
 
عن الحلل :
((...وكذلك هناك بدعة أخرى, ليست بأقل هُجنة, وهي الاجتهاد في منع النور عن الكنائس, وإبقاء داخلها مظلماً بقدر الإمكان. وهذه العادة فاشية في أكثر بيع أوروبة حتى يظن الغريب الجاهل بالأوضاع أن الظلمة هي مستحبة في قانون الكنيسة, وأن النور مكروه فيه. ولا نظن أحداً يكابر في هذه الحالة.
وأما طرز البناء العربي فهو على العكس من ذلك فهو يكره الظلام, ويحب النور, كما تشهد ذلك في جميع المساجد والمباني العمومية التي شادها المسلمون في الأندلس وغيرها, فأما مسجد قرطبة فهو أعظم مسجد في اسبانية, ومن أعظم المساجد في الإسلام, لا أظن مسجداً يفوقه في السعة سوى المسجد الحرام, وسوى المسجد الأقصى.
وربما كان جامع ابن طولون في مصر بهذا المقدار. ولم يقع إنشاء المسجد الأعظم في قرطبة دفعة واحدة, بل وقع شيئاً فشيئاً, كما سيأتي تفصيل ذلك, فكان يزاد فيه كلما ازداد سكان قرطبة. وترى الافرنج يدخلون إليه يؤوِّلون سعته هذه بأنه بناء قوم كانوا يحلمون بأن الإسلام لا بدّ أن يعم العالم, فإن المسقوف والصحن من هذا المسجد يسعان ثمانين ألف مصل يصلون وراء إمام واحد.
فأما النقش والفُسيفساء اللذان في هذا المسجد فلا شك في كونها من الصنعة البيزنطية, كما أنه لا شك في أن صنّاع المسلمين تعلموها وتفنّنوا فيها, وقد تفننوا في الخرط والنحت والنقش والزينة بما جعل لهم أسلوباً خاصا معروفاً بهم منسوبا إليهم, تجده في مساجدهم, وقصورهم, وحماماتهم, وأبراجهم, وأبوابهم, وكل بناء يولونه شطراً من عنايتهم.
 
ومما تمتاز به المباني الإسلامية نقش آيات القرآن الكريم, والأحاديث الشريفة والأمثال, والأشعار, في الحيطان والسقوف, وفوق الأبواب, وفي الأمكنة المعروضة للنظر, بما تزداد به الأبنية سناء, والأبهاء بهاء, ويعد من نفائس الزينة, التي تزهو بها هذه المعاهد.
 
ولقد رأيت في رندة قاعة انكشفت جديداً, حيطانها كلها من المرمر, وقد حُفر عليها سورة الفتح من أولها إلى آخرها. وكان الاسبانيول يوم أجلوا العرب عن الأندلس إذا رأوا بناء متقناً, وضنّوا به أن يجعلوه دكاً, أبقوه ماثلاً, لكنهم غطوا بالجص جميع ما على الحيطان من الكتابات العربية, حتى يمحوا أثر الإسلام من بلادهم بالمرة.
 
ولبث ذلك ديدنهم إلى هذا العصر الذي شعروا فيه بأن السياح إنما تقصد بلادهم لأجل مشاهدة الآثارة العربية, فرجعوا  ينقبون عنها في كل سهل وجبل, وكلما انكشف لأحدهم منها شيء عدّ نفسه قد عثر على كنز, وصارت المجالس البلدية تمنع هدم أي أثر قديم للعرب, وإن كان متداعياً إلى الخراب اكتفوا بتقويم شعثه, وأبقوه على هيئته. وقد يكون الشارع ضيقاً ولا يسمحون بتوسيعه إذا استلزم ذلك هدم الأبنية العربية.
 
ومما يعجب به الافرنج من مساجد الأندلس جامع طليطلة يقال له اليوم (( سانتو كريستو دو لا لوز)) تاريخ بنائه كما يفهم من الكتابة التي في مدخله سنة 922 مسيحية. ولما استرجع الاسبانيول طليطلة في القرن الحادي عشر المسيحي حولوه كنيسة, ولم يغيروا فيه إلا الجهة الشرقية. وفي هذا المسجد بقايا نقوش عربية بديعة.
 ويقال إن الأذفونش السادس الذي احتال على ابن ذي النون حتى أخذ من يده طليطلة قد سمع أول قداس بعد استيلائه على هذه البلدة في هذا المسجد نفسه. وفي طليطلة من أمثلة الصنعة العربية كنيس لليهود يقصد إليه السياح لنفاسة بنائه. وقد بقي في الأندلس من المآثر العربية التي يشار إليها بالبنان قصر الجعفرية في سرقسطة, ومنارة أشبيلية الشهيرة, وباب ساحة النارنج في هذه البلدة, والقصر الذي بناه الملك بترو الملقّب بالغاشم ولكن على الطرز العربي بأيدي بنّائين من العرب.
 
فأما حمراء غرناطة فلا تزال إلى يوم الناس هذا زينة اسبانية وحليتها, ومقصد المتفرجين من جميع الأقطار يزورها في دور السنة من سبعين إلى مائة ألف متفرج, ومن أغرب ما سمعت أن بعضهم يقيم الشهر والشهرين في غرناطة, وقلما يمضي يوم إلا ويقصد فيه إلى الحمراء حتى يتمتع نظره بما فيها من نفائس الصنعة, وبدائع الطبيعة, لأن موقع الحمراء الطبيعي هو أيضاً نادر في الدنيا. ومما يحمد الله عليه أن صناعة البناء الأندلسية هي محفوظة كلها في المغرب, لا تختلف في شيء عما كانت عليه في الأندلس, وإن الزليج الذي تزين به الحيطان والساحات, والذي يشبه القاشاني في المشرق, لا يزال يصنع ويتنافس به.
 
هذا, وبعد أن استرد الاسبان بلاد الأندلس من أيدي العرب, وصار هؤلاء تبعة لهم تحت اسم المدجّنين, والاسبان يقولون مدجّر, بقيت الصنعت العربية زاهرة, يبني بها الاسبان أنفسهم, ويدخلونها حتى في بعض كنائسهم, وقد يجمعون بينها وبين الصنعة القوطية. ومن القصور المبنية على الطراز العربي قصر (( الانفانتادو)) في وادي الحجارة, وقصر اسمه (( كازا دل كردون)) في برغش, من بناء مهندس عربي اسمه محمد, من سقوبية, تاريخ بنائه يرجع إلى القرن الخامس عشر.))
 
 

8 - أغسطس - 2007
تذكار الأمير
مما قاله عن الأندلس لسان الدين بن الخطيب    كن أول من يقيّم

 
 
 
القول في الأحوال الاجتماعية  لأهل غرناطة
 
وهو يصدق على جميع القطر الأندلسي
 
عن الحلل :
 
(( أحوال أهل هذا القطر في الدين وصلاح العقائد أحوال سنية, والأهواء والنحل فيهم معدومة, ومذاهبهم على مذهب مالك بن أنس إمام دار الهجرة جارية, وطاعتهم للأمراء محكمة, وأخلاقهم في احتمال المعاون الجبائية جميلة. وصورهم حسنة: معتدلة أنوفهم, بيض ألوانهم, مسودة غالبا شعورهم, متوسطة قدودهم, فصيحة ألسنتهم, عربية لغتهم, يتخللها عرف كثير وتغلب عليها الامالة.
وأخلاقهم أبية في معاني المنازعات, وأنسابهم عربية, وفيهم البربر والمهاجرة كثير.
ولباسهم الغالب على طبقاتهم الفاشي بينهم الملف المصبغ شتاء تتفاضل أجناس البزز منه بتفاضل الجدات والمقادير. والكتان والحرير والقطن والمرعزى والأردية الإفريقية والمقاطع التونسية والمآزر المشفوعة صيفا.
فتبصرهم في المساجد أيام الجمع كأنهم الأزهار المفتحة في البطاح الكريمة تحت الأهوية المعتدلة.
وأنسابهم حسبما يظهر من الإشتراءات، والبياعات السلطانية والإجازات، عربيةٌ: يكثر فيها القرشي، والفهري، والأموي، والأمي، والأنصاري، والأوسي، والخزرجي، والقحطاني، والحميري، والمخزومي، والتنوخي، والغساني، والأزدي، والقيسي، والمعافري، والكناني، والتميمي، والهذلي، والبكري، والكلابي، والنمري، واليعمري، والمازني، والثقفي، والسلمي، والفزاري، والباهلي، والعبسي، والعنسي، والعذري، والحججي، والضبي، والسكوني، والتيمي، والعبشمي، والمري، والعقيلي، والفهمي، والصريحي، والجزلي، والقشيري، والكلبي، والقضاعي، والأصبحي، والهواري، والرعيني، واليحصبي، والتجيبي، والصدفي، والحضرمي، والحمي، والجذامي، والسلولي، والحكمي، والهمذاني، والمذحجي، والخشني، والبلوي، والجهني، والمزني، والطائي، والغافقي، والأسدي، والأشجعي، والعاملي، والخولاني، والأيادي، والليثي، والخثعمي، والسكسكي، والزبيدي، والتغلبي، والثعلبي، والكلاعي، والدوسي، والحواري، والسلماني، هذا ويرد كثير في شهادتهم، ويقل من ذلك السلماني نسباً، وكالدوسي، والحواري، والزبيدي، ويكثر فيهم، كالأنصاري، والحميدي، والجذامي، والقيسي، والغساني، وكفى بهذا شاهدا على الأصالة، ودليلا على العروبة.
 
وجندهم صنفان: أندلسي, وبربري.
الأندلسي منه يقوده رئيس من القرابة أو أحظياء الدولة, وزيهم في القديم شبيه بزي جيرانهم وأمثالهم من الروم في إسباغ الدروع وتعليق الترسة وجفاء البيضات واتخاذ عراض الأسنة وبشاعة قرابيس السروج واستركاب حملة الرايات خلفهم: كل منهم بسمة تخص سلاحه, وشهرة يعرف بها.
ثم عدلوا الآن عن هذا الزي إلى الجواشن المختصرة والبيضات المذهبة والسروج العربية واليلب اللمطية, والأسل اللطيفة.
والبربري منه ترجع قبائله المرينية والزيانية والتجانية والعجيسية والعرب المغربية إلى أقطاب ورؤوس يرجع أمرهم إلى رئيس على رؤسائهم وقطب لعرفائهم من كبار القبائل المرينية يمت إلى ملك المغرب بنسب.
والعمائم تقل في زي أهل هذه الحضرة إلا ما شذ في شيوخهم وقضاتهم وعلمائهم والجند الغربي منهم.
وسلاح جمهورهم العصي الطويلة المثناة بعصي صغار ذات عرى في أوساطها تدفع بالأنامل عند قذفها تسمى بالأمداس. وقسي الفرنجة يخملون على التدرب بها على الأيام . ومبانيهم متوسطة, وأعيادهم حسنة مائلة إلى الاقتصاد, والغناء بمدينتهم فاش حتى بالدكاكين التي تجمع كثيرا من الأحداث.
 
وقوتهم الغالب البر الطيب عامة, وربما اقتات في فصل الشتاء الضعفة و الفعلة الذرة العذبة أمثل أصناف القطاني الطيبة. وفواكههم رغدة, والعنب بحر لإنافة كرومه التي ينالها الخرج على أربعة عشر ألفا لهذا العهد. وفواكههم اليابسة عامة العام متعددة: يدخرون العنب سليما من الفساد إلى ثلثي العام, إلى غيره من التين والزبيب والتفاح والرمان والقسطل والبلوط والجوز واللوز, إلى غير ذلك مما لا ينقطع مدده إلا بفصل يزهد في استعماله.
وصرفهم فضة خالصة وذهب إبريز طيب محفوظ لا تفضل سكتهم سكة.
وعادة أهل هذه المدينة الانتقال إلى حلال العصير أوان إدراكه بما تشتمل عليه دورهم, والبروز إلى الفحوص بأولادهم وعيالهم, معولين على شهامتهم وأسلحتهم على كثب عدوهم, واتصال أبصارهم بحدود أرضه.
وحليهم في القلائد والدمالج والخلاخيل والشنوف: الذهب الخالص إلى هذا العهد في أولى الجدة ,واللجين في كثير من آلات الراجلين فيمن عداهم.
والأحجار النفيسة من الياقوت والزبرجد والزمرد ونفيس الجوهر كثير فيمن ترفع من طبقاتهم المستندة إلى ظل دولة  أو أعرق أصالة موفورة
 
وحريمهن حريم جميل: موصوف باعتدال السمن وتنعم الجسوم واسترسال الشعور ونقاء الثغور وطيب الشذى وخفة الحركات ونبل الكلام وحسن المحاورة, إلا أن الطول يندر فيهن. وقد بلغن من التفنن  في الزينة لهذا العهد, والمظاهرة بين المصبغات, والتنافس في الذهبيات والديباجيات, والتماجن في أشكال الحلي إلى غاية بعيدة.
 نسأل الله أن يغض عنهن فيها عين الدهر, ويكف كف الخطب, ولا يجعلها من قبيل الابتلاء والفتنة, وأن يعامل جميع من بها بستره, ولا يسلبهم خفي لطفه بعزته وقدرته. اه))
علق الأمير على هذا بقوله: قلت: كيف لو عاش ابن الخطيب في عصرنا هذا, فماذا كان يقول يا ليت شعري? ولله الأمر من قبل ومن بعد.

تنبيه: النص أعلاه استنسخته قديما من الحديقة للكاتب الكبير محب الدين بن الخطيب قبل أن أقع عليه قريبا في الحلل السندسية مع اختلاف يسير في بعض الحروف لاختلاف النسخ التي ينزع عنها الأديبان الجليلان, وعزاه في الحديقة إلى (اللمحة البدرية في تاريخ الدولة النصرية )ونقله الأمير عن لسان الدين بغير عزو. راجع أيضا هذه الفقرة المختارة في الإحاطة في أخبار غرناطة على موقع الوراق.

10 - أغسطس - 2007
تذكار الأمير
 10  11  12  13