شذرات من اليومي الفلسفي (2) كن أول من يقيّم
في زمن/فعل الكتابة:
ـ التركيبة الأولى: كتب ـ كتب الكتاب: خطه ـ صور فيه لفظا بحروف هجائية. كتب عليه كذا: (كتب عليكم الصيام)، (كتب الله على عباده الطاعة).
ـ التركيبة الثانية: كبت ـ كبت غيظه: خزنه وواراه ولم يخرجه ـ شخص مكبوت ( غالبا على المستوى الجنسي) ـ وأيضا: كبت: هزم ـ صرع، أخزى...
ـ التركيبة الثالثة: بكت ـ بكته حتى أفحمه: انتصر عليه(ماديا بالسيف ـ أو معنويا بالحجة). بكت تبكيتا: قرع ( تقريعا)، عنف( تعنيفا).
تنطق الكلمات فتشهد لنفسها تدل عليه: الفعل ـ الإلزام ـ القضاء ـ القوة ـ العنف ـ السيطرة ـ الغلبة ـ الانتصار ـ الصراع ـ الخزي ـ الانفجار ـ الضغط ـ التقريع ـ الوخز ـ اللوم...هكذا تصبح الكتابة تعبيرا عن كبت(أو مكبوت) متفجر يروم الفعل والانجاز ـ وتصبح الكتابة بكتا لأنها تهدف إلى إسكات الآخر بالحجة العقلية أو العنف الرمزي. وتغدو الكتابة تبكيتا (أو ملامة) لأنها فقدت مصدرها، وانتفت لحظة التحقيق؛ إنها فعل يبحث عن نفسه...
ـ للكتابة زمن وجودي بالقوة تكون فيه سجينة لحظتها الخاصة، لحظة المخاض والمعاناة التي تعيشها الذات في صراع مع امتداداتها الوجودية ورهاناتها الحتمية...إن رغبة الذات في إنجاز فعل الكتابة مسكونة بلذة الستر والانزواء، وبإصرار شبقي بالتعلق بنرجسيتها...زمن الكتابة هذا هو نفسه زمن الذات..كل منهما متماه في الآخر...
ـ للكتابة أيضا زمن وجودي بالفعل. فيه تنجز الذات فعلها. تتخلص من ألم المخاض. تدرك أن امامها كينونة أخرى تفجر نفسها بنفسها بواسطة المكتوب...تلتحق بزمن الفعل والتاريخ.
بين الزمنين تنتقل الذات ـ والكتابة معها ـ من لحظة استعباد إلى لحظة تملك وسيطرة، من السلب إلى الفعل. من المكبوت إلى المكتوب، لأنها بدءا ممارسة تتجه نحو آخر يرغب ويحاول نسف استراتيجيتها وتشريح وتفكيك وحدتها وتماسكها. ذلك هو مكمن سلطتها. أن نكتب يعني أن نرغم الآخر على الحضور...
ـ في الزمن الثالث يموت الكاتب ما دام يبحث عن خلوده في الكتابة...ينتقل من المكبوت ـ إلى المكتوب ـ إلى المبكوت...ينسحق بين السطور...يتلاشى كلمات...لا يتكلم اللغة بقدر ما أن اللغة هي التي تتكلم من خلاله. اللغة هي التي تنكتب من خلاله. كل كاتب يسعى إلى كتابة ما لم يكتب...وعندما ينجز...يعانق عاشقا دورة العود الأبدي...تلك مأساته...
إذن:
عد أيها الكاتب وباءاتك...
لا تخف أسئلتك بين حقب الأقدار...
ارتحل في جغرافية جسدك...
لا تنتظر بزوغ فجر نجمتك ورعب الكنايات....
احفر في أصقاع نفاياتك...واسأل
اسأل سقوط الأبراج وانهيار الأرواح المستعارة...
اشته ذاتك عنفا قاتلا بصلاتك، أو حتى بهمسك الفاعل فيك انشطارا...
خذ منك ثأرك فيك...
فجر حولك فجورك...
احمل صخرة السؤال الحزين...ثم
غب شريدا في تضاريس هذا الزمن الأسود...
كن يتيما...مهووسا بنار النفي...عابرا شظايا الموت...لحظة للاختلاف...
اسرق النار ياسارق وهمك...ارفع عنك غبار جوادك...
ارفع الصخرة مرة أخرى...
أخوك يتوفى...عدوك يتشفى...وأنت خلف خطابك الأبيض تتخفى...
ويل لك من عقاب الثار...ياسارق النار من أهل الدار...
(يتبع)
|